اندكس ن فح الباري من ن

الرابط

 https://drive.google.com/file/d/1oQ6F4ip_x4FPYXEL9by5sq_at0QyoUMM/view?usp=sharing

اندكس / جاهز للالصاق بأي موفع

الخميس، 23 فبراير 2023

سلسلة فوائد من كتب ابن الجوزى ومن فوائد من كتاب بحر الدموع من اعداد فريق موقع الكلم الطيب

سلسلة فوائد من كتب ابن الجوزى رحمه الله

من اعداد فريق موقع الكلم الطيب

www.kalemtayeb.com 

فوائد من كتاب المنثور 

حكمــــــة

أوحى الله - عز وجلَ - إلى داود - عليه السلام - :قُلْ لشُبّان بني إسرائيل لِمَ تُشغلون نفوسكم بغيري وأنا مشتاقٌ إليكم، ما هذا الجفا لو يعلم المدبرون - عنّي كيف انتظاري لهم وشوقي إليهم لماتوا شوقاً إليّ وانقطعت، أوصالهم من مَحَبَتي، هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي في المدبرين عليّ؟، يا داود! كَذِبَ من ادَعى مَحَبَّتي فإذا جَنَهُ الليلُ نام عنِّي، كَذِبَ من ادّعى محبتي ثم خَطَرَ بباله غيري، يا آذان القلوب اسمعي أنا جليس من ذكرني : وما كنتمُ تعرفون الجفا ... فَممَّنْ ترى قد تَعَلَّمْتُمُ فيا أرباب القلوب أما فيكم من عَدِمَ لَذَّة قرب محبوبه، أما فيكم من أرضعوه من لبان وصالهم ثم فطموه، يا مفطومهم إبك وترامَ عليهم، يا سماء، أعين المحجوبين اسكبي، يا قمرية قلوب المهجورين ترنّمي واطربي، يا ألسنة المحبِّين عمّا يجن الجنان اعربي، يا أكباد المحزونين ذُوبي والهبي .

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا مَنْ قد أضاعَ يوسفُ قَلْبَهُ جُزْ بخيام القوم لعلَّكَ تجدُ ريحَهُ، قِفْ بالسَحَر على أقدام الذُلَ لم وقل بلسان التذلُل (يا أيها العزيز مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ)، لمّا أجدبت أرضُ قلب يعقوب لفقد قطر سحاب جمال يوسف، خرج أهل كنعان يستسقون في مصلّى صحراءِ مصر مُرتدين بأردية (مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ وَجئْنا ببضاعةٍ مُزْجاة فَأَوْفِ لنا الكيلَ وتَصَدَّقْ علينا). نشأت سحابُ الغيث (هل علمتم ما فعلتم بيوسف). غردَ قمريُّ الاعتراف (تالله لقد آثركَ اللهُ علينا وان كُنا لخاطئين) فتبسم ثغر سحاب العفو (لا تَثْرِيبَ عليكم). إذا ذَهَب العتابُ فليس وُدٌ ... ويبقى الودُ ما بقي العتابُ لولا مرارة البُعد ما نال حلاوة التلاقيْ فلولا البُعد ما حُمِدَ التداني ... ولولا البينُ ما طابَ التلاقي لمّا توجّه الصدِّيقُ بقميصِه إلى يعقوب عليهما السلام - القوهُ وهو يدور في البيت ويقول : (إنِّي لأَجِدُ ريحَ يُوسفَ لولا أَنْ تُفَنّدونِ) وقد اشتمَّ رائحته من مائة و أربعين فرسخاً.

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:إخواني ! تأهبوا ليومٍ تترادف فيه العَبَرات، وتعظم . الحَسَرات، فَيعضُ الظالم على يديه ويقول : يا حسرتا يوم يقول لك أين من أرضيتَ عنك بغضبي عليك، ابن آدم أين من كنتَ تَزَيَّنْتَ له وبالقبيح بارزتني، ما هذا التذلل بين يديّ وقد كنت جبّاراً عنيداَ، طالما ذُكرْتَ بموقفكَ هذا فتناسيتَ، وطالما بُصِّرْتَ بأمركَ هذا فتعاميتَ، ولم تزدد إلاّ فراراَ، يا حسرةَ العاصين، يا ذُلّ مقام المتجبرين، واخيبة المضطرين، واخسارة المُسرِفينْ.

حكمــــــة

إخواني ! لو رأيتموهم في الدجى بين الخوف والرجاء، تائبهم يقول: اعفُ عنّي وأقلني عثرتي، ومتعبِّدهم يتململ: تُريدينَ إدراكَ المعالي رَخِيصةً ... ولا بُدَّ دونَ الشَهْدِ من إبرِ النَّحْلِ وباكيهم يستغيث " قَصُرَتْ دموعي عن مَدى حُزني " ومحبُّهم يترنم : " وَهَبْتُ السُلوَّ لمن لامني " ومشتاقُهم يزمزم : " وعلِّلاني بحديث حاجر " ومتململهم يهتف : " شجوي كشجوي يا حمامُ ساعدي " ومنبسطهم يقول : " أنتِ النعيم لقلبي والشقاءُ له " والمُدِلّ يتكلم : " لا تَبْرِ عوداً أنتَ ريشتُه " إلى متى تشرُدُ عن مؤلِّفك، يسترك وتعصي، ويقَرِّبُكَ وأنت لنفسك تُقصي. " لحا اللهُ من لا ينفع الوُدُ عند " يا عبدَ شهوته، يا قتيل غفلته، يا أسير بَطالته (أ أربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهّار) لقد حدثت من لا يعرف، وعذلتُ من لا يسمع، وزجرتُ من لا يقبل، ومتى اتهم الترجمان فالأولى له السكوتْ اجلس ساعةَ في بيت الفكر وصِحْ على نفسك بصوت اللوم أما أتعبتَ الرواحل في أسفار الجهالة، أمّا أخذ الفراقُ حظّه من يعقوب، أأبقى السقام موضعاَ في جسم أيّوب، فإذا سجنّ الليل فعلق على قطار المتهجدين، وزاحم زمرة المستغفرين، فإن هتف لسانُ العتاب اطلتَ الغيبة عَنّا .

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا من عليه صورة التعبد وليس عليه وجدان العبادة. وقد يَتَزَتا بالهوى غيرُ أهلِه مثلُكَ لا يصلح للمحبة، أنت يأسرك حُبُ حَثه، لا يشتم ريحَ نجدٍ إلاّ أعرابي، كيف يصلح في شرع المِحبة نومٌ بعد ترغيب، هل من سائلٍ فأعطيه : يا مَنْ لحشا المحبَ بالشوق حَشا ... ذا سِرُّ سُراك في الدجى فكيف فَشا هذا المولى إلى المماليك مشى ... لا كان عشاءَ أؤرَثَ القلبَ عشا و ا توبيخ كذب من ادّعى محبتي فإذا جَنَهُ الليلُ نام عني. فقلتُ لها: بَخِلْتِ عليَّ يقظَى ... فَجُودي في المنام لِمُسْتَهامِ فقالت لي : وَصِرْتَ تنامُ أيضاً ... وَتطمَعُ أن تراني في المنام؟!

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:لولا مكابدة السَهَر لم يَقلَّ المجتهد: سَلُوا الليلَ عنّي مُذ تناءتْ دياركُم ... هل اكتحلتْ بالغمضِ لي فيه أجفانُ إنْ لم يكن لك مركبٌ فاجلس على دكة الاستغفار عساك تُدركُ عسكرَ الليل قبل العتمة فيسهم لك مع القوم. تعرَّض نسيماَ هَبَ من أرض " نُعمانِ " ... لِيَحيا به ما مات من قلب هيمانِ وقِف عن يمين الدوح من جانب الحمى ... وقوف ذليل مدنفٍ نائمِ عاني ونادِ سلام الله يا بانة الحمى ... عليك ومن لي بالسلام على البانِ يا من عاملناه مدة ثم قطع، وسار في محجة مجتناي ثم رجع : رعى اللهُ الديارَ " بذاتِ سَلْعٍ " ... فكم من معهدٍ فيها ومغنى

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:واحسرتا! كيف قُرِّبوا وأبعِدْنا، .و ا أسفاَ كيف دنوا وطُردنا، أين لَذَعات الوجد؟ أينَ حرقات الفراق ؟ أين تلهف الزفرات ؟ أين شدة الحسرات ؟. ألا يا نسيم الريح من أرض بابلٍ ... تحمّل إلى أهل الحبيب سلامي وإنّي لأهوى أن أكون بأرضهم ... على أنّني منها استفدتُ غرامي؟ ! إذا رَمِدَتْ عيني تداويت منكمُ ... بلفظة حسًّ أو بسمع كلامِ وانْ لم أجد ماءَ تَيَمَمْتُ باسمكم ... فَصَلَّيْتُ فرضي والديارُ أمامي

حكمــــــة

استعملت زوجة محمد بن واسع لبَداً تجري عليها دموعه، لأنّ الدموع كانت أكلت ،خدّيه حتى بدت أضراسُهْ إذا رأيتم باكياً فارحموه، واذا شاهدتم واجداً فاعذروه، فإنه قد وجد ما لم تجدوهْ. مالي سوى قلبي وفيكَ أَذَبْتُهُ ... مالي سوى دمعي وفيك بكيتُهُ ما كنتُ أعرفُ ما الغرام ولا الأَسى ... والشوق والتبريح حتى ذُقْتُهُ لو أنّ عندي والدموعُ سواجمٌ ... رمل القفار من الدموع بللتُه

حكمــــــة

اجتاز رجلٌ صالح بدار صالح المُريّ، فسالَ عليه ماء من ميزاب، فتوقف الرجل يسأل عن الماء، فخرجت إليه الجارية فقال لها: طاهر أم غير طاهر؟ فبكت وقالت يا سيّدي هذه دموع صالح المُريّ. هاكُمُ قلبي فإن لم يرضكم ... ففؤادي جهدُ ما يمكنني يا حمامات اللوى نوحي معي ... يا غرابَ البين ابكِ شجني

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:إخواني ! ما أشَدَ الفراق، متى يكون التلاق ؟ ! غرابَ البين صِحْ بالقرب صَوْتاً ... كما قد صِحْتَ ويحك بالبعادِ تُنادي بالتفرق كل يومٍ ... فما لكَ بالتقرُّب لا تُنادي

حكمــــــة

قال الجنيد: رأيتُ آدم عليه السلام في النوم وهو يبكي، فقلتُ : علامَ تبكي؟ أليس قد غفر لك ووعدك بالرجوع إلى الجنة؟ فناولني ورقة مكتوبة، قال : فأفقت فوجدت في يدي مكتوب : تحرقني بالنار نارٍ من الهوى ... ونار الهوى نار أحرّ من النارِ شغفت بجارٍ لا بدارٍ سكنتُها ... على الجار أبكي لا على فُرقة الدار ولو لم يعدني بالرجوع إلى المنى ... هلكتُ ولكن مقصدي صاحب الدار

حكمــــــة

قال السريُّ : بتُّ ليلةً بقريةٍ من قرى الشام وإذا بقائل يقول طول الليل: أخطأتُ فلا أعود. فسألتُ أهل القرية عنه، فقالوا: هذا يقال له : فاقدُ إلْفِه. كانت الأمتعة الثمينة والذخائر النفيسة تأتي إلى مصر وتباع ولا ينظر إليها يوسف فإذا جاءت أحمال الصوف من كنعان لا تُحَلُّ إلاّ بين يديه. هيهات لم يكن النظر لذات الصوف وإثما كانت له صفة تدل على الموصوف، ولم يكن إلاّ اشتمام ريح محبوبه، وإتيانها من عند يعقوبه. لاحَ وعقد الليل مسلوب ... برق بنار الشوق مشبوبُ عسى قميصُ الوصل من يوسفٍ ... يحيا به المشتاقُ يعقوبُ

حكمــــــة

كان أحد المتعبدين يجتهد في العبادة وكُلّما ذكر الله وصلّى يلوم نفسه ويقول : عدمتك يا قلب ما أقساك أصبحتَ وأمسيتَ لعظمة الله ناسياً، إلَهي كيف لي بالقرب منك وقاسي القلب بعيد عنك؟. ليتَ شعري مَا الذي نلتُ أنا ... ليلةً أبرم فيها أمرنا هل رضاني سيّدي عبداً له ... أو رماني حين اَلفتُ الخنا ودعاني أمْرُهُ عن إذنه ... عبدُ سَوءٍ أنْتَ لم تصلح لنا هكذا ياعبد سوءٍ هكذا ... بعدما واصلتنا قاطعتنا قد دعوناك فما عجلت لنا ... واختبرناك فما أعجبتنا

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: أيها الغافلُ! رَحَلَت القوافل، كيف يكون حال المستهام، إذ ا قُوِّضمت الخيام، وبرزت للرحيل الأعلام، يا معشر المحبين، ويا ذوي الأشواق، ما خُلق الفراق إلاّ لتعذيب العُشّاق، ولا خُلِق الرحيلُ والرواح، إلاّ لتعذيب الأرواح. سَهَرْتُ غراماً والخَلِيُّون نُوَّمٌ ... وكيف ينامُ المستهامُ المُتيّمُ ونادمني بعد الفراق ثلاثةٌ ... غرامٌ ووجد والسقام المُخَيِّمُ أأحبابنا إن كان قتلي رضاكمُ ... فها مهجتي نَصْبٌ لكم فتحكّموا " بنعمان " كم لي وقفةٌ في ظلاله ... أسائلُ كثبانَ " الأبيرقِ " عنكمُ واستخبر الركبان عن ساكني الحمى ... وعن أهل نجد أين حَلّوا ويَمَّمُوا بكيت الحمى حتى بكت لي قلاعُهُ ... وناديتُ وُرْقَ البانِ والقصد أنتمُ أيا ساكني أرضَ " العذيب " لعلكم ... تزوروا مريضاً بالغرام مُتيَّمُ ومن عَجَبِ الدنيا وأنتم أحِبَتي ... يُجارُ على ضعفي لديكم وأُظْلَمُ ووجدي ذيّاك الذي تعرفونه ... وحبكم ذاك المصون المكتَمُ وكيف يدوم الهجر والقلب عندكم ... ولم لا أحبّ السَقْمَ والسَّقْمُ أنتمُ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:سادتي ! ما أعذب أيام التلاق، ما أكثر بكاء المشتاق، ما أحرّ أنفاس العشاق، أين من نجدٍ أرضُ العراق، قُسِمَتِ الغنائم، وأنت يا مسكين نائم، الحربُ غبارٌ قائمٌ، وأنت غلامٌ نائم. جئتُ مستخفياً و قد عرفوني ... فأنا تائب ترى يقبلوني لي على الباب مُذْ وقفتُ زماناً ... كُلّما رمتُ وصلهم منعوني لم اكن للوصال أهلاً ولكن ... انتمُ بالوصال أطمعتموني فاجبروا كسر مُذنبٍ قد اتاكم ... يرتجي عفوكم بكم فارحموني يا ولاة القلوب رفقاً بعبدِ ... ضاع منه فؤاده فاعذروني في بحار الهوى غرقت بوجدي ... طال شوقي لهم وقد تركوني أيها النفس ساعديني وجدّي ... ويح قلبي ومهجتي هجروني

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: طُوبى لمنْ وصَل، يا منقطعين فوزٌ لمنْ قُبل، يا مطرودين يا مسكين لو أرادوا قربك لاستخدموك، لو تذللت لهم لرحموك، لكنّك أعرضت عنهم فتركوك، ولم تَأْتِ على المقصود فأبعدوك، وعن بابهم وفضلهم طردوك، فإِن أردتَ قربهم فابك على نفسك وقد قبلوك. لو بكتْ عيناك يا هذا دَماً ... ما تقدمتَ إلينا قَدَما نُحْ علينا أَسَفاً أو لا تنحْ ... واقرع السنَ علينا نَدَما

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: إخواني ! إيّاكم وفرعون الهوى فإنه يصلب القلوب على جذوع النخل، قد قَسَتْ القلوبُ فصارت كالحديد فَقَرَّبوها إلى نار المواعظ، ودعوني أنفخ كير التخويف حتى يحمى، وإلاّ فما ينفع الضربُ في ،حديد بارد؟!. يا غاية مُنْيتي وأقصى طلبي ... ما أسرعَ ما طردتني واعَجَبي لم أقض على ظماي منكم إرَبي ... حَتّام أعيشُ بالمنى واحَرَبي

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا غافلين عن الحق وقد فتح بَابَه، تعرّضوا للقلوب فهذا وقت أجابَه، خرح كمينٌ من عسكر اللطف فتح باباً من أبواب القرب، هَزَّت شجرات الوصل فتساقطت ثمر الأُنسْ هذا مُنادي الاستدعاء قد كبَّر، هذه بلابلُ الوصال قد صاحت، هذ5أعلام القبول قد لاحت. ما زارَ طيفُك إلا قلتُ واطَرَبا ... ولا انثنى راجعاً ناديتُ واحَرَبا ولا ترنم قمريٌّ على فَنَنٍ ... يشكو التلهف إلاّ زادني طَرَبا أفدي الغزالَ الذي بالجزع غازلني ... يوماً على خيفةٍ من أعين الرُقَبا يا ليلة السَفْح من وادي الأراك لنا ... عودي كما كنتِ قِدْماَ في قباب " قبا " واسترجعي طيبَ أيّامٍ لنا سَلَفَتْ ... فأطيبُ العيش يوماً رَدُّ ما ذَهَبا

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:إخواني ! إياكم والذنوب فإنها أذلّت اباكم بعد عزّ " اسجدوا " ، وأخرجَتْهُ من إقطاع (اسكن أنت وزوجك). واعَجَباً جبريل بالأمس يسجد له واليوم يجرُّ بناصيته للإخراج ولسانُ حاله يقول ارفق بي : أرفقوا بي رفقَ من ذاق الهوى ... لا تذيبوا بجفاكم جَلَدي أخذكم للروح منَي هَيِّن ... إنما المحنةُ تركُ الجَسَدِ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: أعظمُ الظُلمة ما تَقَدَمَها ضوءٌ، وأصعب الهجر ما تقدمه وصل، وأشدّ عذاب ا لمحبّ تذكارُه وقت القرب، في المعنى: إني لأذكركم فتذهب غُلَّتي ... عنِّي، وأذكرُ فقدَكم فتعودُ واشدّ من مرضي عليَّ صدودكم ... وفراقُ من أهوى عليَّ شديدُ أقسمت لا عَلِقَ الفؤاد بغيركم ... ما دام في الشجر المورِّق عُودُ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: من عرفَ قَدْرَ ما يطلبُ هان عليه ما يبذل، من عرف قدر ما يطلب " بياض " مَنْ قَلِقَ، من ذاق طعم الوصال ثم هُجِرَ تلفَ، ما أمَرَّ طعمَ الفراق. ولم تَعُدْ أوجُهُ اللذّات سافرةً ... مُذْ أدبرت باللِّوى أيّامنا الأُوَلُ كان آدم عليه السلام إذا رأى الملائكة ،تنزل من السماء تذكر المرتع في المربع فتأخذ العين في إعانة الحزين. رأى بارقاً من أرض نجدِ فراعَهُ ... فبات يسحُ الدمعَ وجداً على نَجْدِ فيا شَجَراتِ القاعِ من بَطْنِ وَجْرةٍ ... سفاكِ هزيمُ الودق مُنبجس الرعد هل الأعصر اللاتي مَضَيْنَ يَعدْنَ لي ... كما كُنَّ لي أم لا سبيل إلى الرَدَ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:واعَجَباً لقلق آدم ولا معين له على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقولى، والوحش لا تدري وملائكة السماء عندها بقايا من يوم (أتجعل فيها من يفسد فيها) فهو يجول في كربة بلا م معين ولا راحم إلى أن يتداركه مولاه بلطفه. ألا راحمٌ من آل ليلى فأشتكي ... غرامي له حتى يكلّ لساني تُرى بكى آدمُ لفراق الجنة، هيهات ! ما كان هذاالقلق لنفيس الداربل لربئ الدار، عَجَباَ لآدم لمّا غفر الله له طاف بالبيت أسبوعاً فما أتمَّهُ حتى خاضَ في دموعه، كان يبكي للدار مرّة وللجار ألفاً، والفراق يقلقل، والبعاد يزلزل، والشوق يململ، والهوى يقتل. وإني لمشتاق إلى طيب وصلكم ... كما اشتاق نحو الدار من طال لفتُهُ ولم أبكِ بُعد الدار عنِّي وإنما ... بكيتُ لفقد الصبر حتى فقدتُه إذا كان دمعُ العين بالسرَّ بائحاً ... فليس بحافٍ في الهوى ما كتمتُه

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا معاشر العُصاة! تُعرضون عنا ونُقبل عليكم، وتبارزون ونستركم، وتنفقون نعمتنا في مخالفتنا ونمدّكم، وتنأون عنا ونستدعيكم، هل من سائل فأعطيَهُ، هل من مستغفرِ فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، يا مَرْضَى الذنوب داووها بالاستغفار. أناسٌ أعرضوا عَنا ... بلا جُرمِ ولا معنى اساءوا ظنَّهم فينا ... وما سِئْنا بهم ظنّا فإنْ عادوا لنا عُدْنا ... وإنْ خانوا فما خُنّا وإنْ كانوا قد استغنوا ... فإنّا عنهُمُ أغنى يا ابن آدم ! أقبل عليَّ فإنّي عليك مقبل، ومتى رمتَ طلبي فاطلبني بقلبك، بدليل ويسعني قلب عبدي المؤمن، يا آدم أنا وحقّي لك محبّ، فبحقِّي عليك كُنْ لي مُحِباً.

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: تبعدون عَنّا ونرسل إليكم مسائل هل من سائل، هل من مستغفر، هل من تائب، وتُذنبون فيأتيكم منّا عذرٌ، لو لم تُذنبوا لأتى اللهُ بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم. تشاغلتُمُ عنّا بصحبة غيرنا ... وأظهرتُمُ الهجران ما هكذا كُنا وأقسمتموا أن لا تحولوا عن الهوى ... فقد وجلال الله حلتم وما حلنا يقول الله - عَزّ وجلَ - :ْ وعزتي و جلالي لأمهلن على من عصاني يتلذّذ بنعماي، فإِن استحيا مني استحييت منه، وإنْ أعرض عني نظرتُ إليه بالفضل وإن تاب إليّ تبت عليه، وإنْ قال : يا رب! قلتُ : يا عبدي. إخواني ! ينبغي للإنسان أن لا يقف إلاّ بباب مولاه، ولا ينبغي عوضاً سواه، ولا يدعو إلا إيّاه، ولا - يجعل بينه وبينه حجاباً، ويسأله حاجاته القليل والكثير، قال موسى : يا ربّ أسألك القليل والكثير، قال : سلني كل شيءِ حتى ملْحَ عَجينك وعَلَفَ شاتكْ انظر إلى موسى وأدبه (ربِّ أَرِني أَنْظُر إليك) تارة، وتارة رغيفاً (إنّي لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقيرُ). إخواني ! انظروا إلى يوسف عليه السلام لمّا قال للساقي : (اذكرني عند ربَّك) يعني عند سيّدك وهو الملك انقطع عنه جبريل عليه السلام وكان قبل هذا يزوره، فأوحى الله إليه يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً، وعزّتي لأطيلنّ حبسك فيُقال إنّه لبث في السجن اثنتي عشرة سنة وهي عدد حروف " اذكرني عند ربك " خمسة قبل ذكره وسبعة بعده فلمّا كان منه ما كان من رؤية الأسباب والوسائط والالتجاء بغير جناب الحق، كانت عقوبته انقطاع جبريل عنه فَعَظُم حزنُ يوسف لذلك واغتم واشتدّ غَمُّه : بِنتُم فأوحشتُمُ الدنيا لِبَيْنِكُمُ ... فاليوم لا عوضٌ عنكم ولا بَدَلُ حملتموني على ضعفي لفرقتكم ... ما ليس يحمله سَهْل ولا جَبَلُ إذا شممتُ نسيماً من دياركُمُ ... عدمتُ عقلي كأنّي شاربٌ ثَمِلُ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: لمّا قدم الرسول من عند يوسف إلى يعقوب ليخبره بخبره، وقف بالباب وأعلم أخته أن تستأذن عليه يعقوب، فدخلت عليه وهو يصلّي فأعلمته فأوجز في الصلاة وقال لها: ما لَكِ يا بُنيّه ! فقالت له : هذا رسولٌ أتى إليك من بعض القرى، فلمّا سمع ذلك قام ووقع، ثم قام ووقع، فأخذت ابنتُه بيده وأخرجتهه، فقأل له : من أنتَ؟ فقد شممت عليك رائحة طيبة أهاجت مني ما هو مكتتم. أنهى أحاديث نُعمانِ وساكنِه ... إنَّ الحديثَ عن الأحباب أسمارُ أفتِّشُ الريح عنكم كُلّما نفحت ... من نحو أرضكم نكباءُ معطارُ قال : فأخبره الأعرابي بالخبر، فقال له يعقوب - عليه السلام - أرأَيْتَهُ؟ قال : لا، ولكنّه ناجاني، فبكى يعقوب، فقال له : يا اخا العرب : هل لك من حاجة؟ قال : بل هو يحيِّيك بالسلام وأمّا أنا فليس لي في الدنيا من حاجة فإنّ ذلك الغريب أغناني، فدعا له يعقوب عليه السلام وقال هَوَّنَ اللهُ عليك سكرات الموت.

حكمــــــة

قال أبو الفرج الهمداني : دخلتُ جامع البصرة فرأيتُ شاباً يكتب شيئاً، فقلت أيّ شيء تكتب؟ فقال لي : أسماء المحبينْ فقلت له : بالله عليك اكتبني فيهمْ قال : لاْ فوقع عليّ من البكاء ما لم أطقهْ فقال لي : يا شيخ ما يُبكيك : فقلت له : ألاّ ما كتبتني في المحبين أو في يحبّ المحبينْ فلمّا جَنّ الليلُ إذا أنا بهاتفِ يهتف بي ويقول لي : يا أبا الفرج قد غفر اللَهُ لكَ ذنوبك بقولك : اكتبني فيمن يحبُ المحبين. بالله بألله ... يا راكب الشملهْ أُمْنُن عليَّ وقفةً ... بجنب تلك الأثلَهْ فاندب بها تسليمة ... بين بيوت رمله وإنْ رأيتاَ هاتفاً ... يهتف بي فَقُلْ لَهْ جُنّ بكم فما الذي ... به اختلستم عَقْله

حكمــــــة

قال بعض المشائخ - رضي الله عنه - المحبّة إذا غلبت صاحبها يرى الأشياءَ كُلَها صورة محبوبه، كما قال الجنيد : لا تصحّ المحبة من اثنين حتى يقول أحدهما للآخر يا أناْ في المعنى شعر: أيها السائل عن قصتنا ... إن ترانا لم تفرق بيننا أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... فإذا أبصرتني أبصرتنا

حكمــــــة

حُكي أنه لمّا تمكّن حبُ يوسف من زليخا نسيت كلّ شيء سواهُ، وكانت تسمّي كلَ شيء باسمه، فإذا رفعت رأسها إلى السماء ترى اسمه مكتوباً، فتاهت في حُبِّه حتى أن يوسف لمّا سُجنَ اتخذت قصراَ بإزاء السجن، وكانت لا تنام الليل، فقيل لَها في ذلك فقالت : إن أردتموني فقلبي مسجونٌ عند مسجوني. قلبي يراك على بُعْدِ من الدار ... وأنت بالقرب من قلبي وتذكاري إن غاب شخصُك عن عيني فلم أَرَهُ ... فإنّ حُبّك معقودٌ بإضماري وانْ تكلمتُ لم ألفظ بغيركم ... و إن سكنتُ فأنتم عقد أسراري

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: إخواني ! هذه الطائفة أبدانهم في عذاب الدنيا، وقلوبهم مع المعذّب، هيهات أجساد القلوب عندكم، وأرواحها عندنا. إنّ في الأسر لَصَبّاً ... دمعُهُ في الخَدِّ صَبُّ هو بالروم مقيمٌ ... وله بالشام قلبُ

حكمــــــة

حُكىَ أن إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - حجَّ إلى مكة فبينما هو في الطواف فإذا بشاب حسن الوجه قد قطع على الناس طوافهم من حسنه وجماله وبهت الناس ينظرون، فصار إبراهيم ينظر إليه ويبكي فقال بعض أصحابه : إنا لله وإنّا إليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك فقلت له : يا سيدي ما هذا النظرُ الذي يخالطه البكاء؟ فقال الشيخ : اعلم يا أخي أنّي لولا ما، عقدتُ مع الله عقداَ لا أقدر أفسخه كنت أدني لهذا الغلام منّي واسلِّم عليه واضمّه ألتزمهُ، ولكنّي خشيت أن يقطع بي عن من عقدت العقد بيني وبينه، اعلم أنّ هذا ولدي وقرّة عيني تركته صغيراً وفررت إلى الله، هو كما ترى مُذْ كَبر وهؤلاء عبيده وإني لأستحي من الله أن أعود لشيءٍ خرجتُ منه. وما عرضت لي نظرة مُذْ عرفته ... ولا شيء إلاّ كان لي حيث أنظر اغارُ على طرفي له فكأنني ... إذا رام طرفي غيره لستُ أبْصِرُ فيا منتهى سؤلي وذخري وعُدَتي ... ودارك في قلبي إلى يوم أُحْشَرُ ثم قال امض وسلَّم عليه لعلِّي أتسَلّى بسلامك عليه وأبرِّدُ به ناراً على كبدي قال : فأتيت الفتى وسَلَمْتُ عليه وقلت له : بارك الله لأبيك فيك فقال : يا عم ! وأين أبي؟ إنّ أبي خرج فارّاً إلى الله تعالى، ليتني لو رأيتُه مرة واحدة وتخرج نفسي عند ذلك، هيهات تُرى يجمع الله شملي به، قال : وغَلَبَتْهُ العبرة فردّها بيده وقال : والله لقد أودُّ لو أنّي رأيتُه ودَعْني أموت مكاني. لقد حكم الزمانُ عليّ حتى ... أراني في هواك كما تراني حبيبي إن بَعُدت فإنّ قلبي ... على مَرِّ الزمان إليك وأني وإنْ بَعُدَتْ ديارُك عن دياري ... فشخصك ليس يبرح عن عياني فيا وَلَعَ العواذل كفّ عنِّي ... ويا كفَ الغرام خذي عناني لقد أمكنتَ حبّك من فؤادي ... مكاناَ ليس يعرفه جَناني كأنَّك قد ختمتَ على ضميري ... فغيرك لا يمرّ على لساني قال : فأتيت إبراهيم بن أدهم وهو ساجد في المقام وقد بلَّ الحصا بدموعه، وهو يتضرّع إلى الله ويقول : هجرت الخَلْقَ طرّاً في هواكاد ... وأسلمتُ العبادَ لكي أراكا فلو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما سكنَ الفؤاد إلى سواكا فقلتُ له : ادعُ له، فقال : حَجَبَهُ الله عن معاصيه.

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:إخواني ! نفوسنُُ هذه الطائفة قد ذابت بالمحبة إليه، وقلوبهم طارت بالشوق إليه، قلوبٌ صفت من الأدناس فصفّاها مع الأنفاس، قلوبٌ ، لا يطفى حريقُها، ولا يسكن شهيقُها، إذا لاح للباشق صيدٌ نَسِيَ مألوف الكفَ، من كان واثقاَ بالسلامة فرح بفَكَ باب السجن. دَعْها فَسأئقُ رَكْبِها الأشواقُ ... ذُكِرَ الخليط فَمُدَت الأعناقُ شَقَتْ نسيمَ خُزام نجدٍ فاغتذتْ ... لايُرتجى لأسيرها إطلاقُ لا الشامُ شامٌ حين تُذكرنجدُها ... آهاً لذاك، ولا العراق عراقُ باحتْ حشاشة نفسها بوصالهم ... فالوصل منها للضرام نفاقُ لم تستمع ذِكْرَ الحمى إلا انثنت ... فكأنما غَنّى لها إسحاقُ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: لمّا تكامَل بناءُ بيت الله تعالى وهي الكعبة الحرام أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام أن أذّن في الناس بالحج فقال : كيف يا ربّ يسمع صوتي جميع الخلائق؟ فقال يا إبراهيم منك النداء وعليَ البلاغ، فَعَلا إبراهيم على جبل " أبي قبيس " ونادى من كُلّ الوجوه إن ربكم بنى لكم بيناً فحجّوه، فأجابه من جَرى القدرُ بحجِّه : لبّيكَ اللهم لَبَّيْكَ، وكان ذلك اليوم أخاً ليوم (ألست بربكم). لما رأيتُ مناديهم أَلمَّ بهم ... شَدَدْتُ مئزر إحرامي ولَبَّيْتُ وقلتُ يا نفس جدّي الآن واجتهدي ... وساعديني فهذا ما تمنيتُ لو جئتكم زائراً أسعى على قدمي ... لم أقض حقاً وأيُ الحق أَدَّيْتُ ثم أَعْلَمَ الجليلُ الخليلَ أن نداءك واقع في محلِّ النُجع، فقال: (يأتوك رجالاً) وهم الرجّالة، وقد حجَّ إبراهيمُ وإسماعيل ماشيين.

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: حجَ الحسن بن علي رضي الله عنهما خمساً وعشرين حجة ماشياً والنجائب تُقاد معهْ وحجَّ الإمام أحمد بن حنبل ماشيا مرتين (و على كل ضامرٍ) قد ضَمَّرها طول السفر صاروا صابرين على مشاق الطريق بين صعود ونزول ومضيق، (وعلى كل ضامرٍ يأتين من كلِّ فجّ عميق). فارق القومُ ديارهم وتركوا مرادهم وجعلوا ذكره زادهم باينوا الخلائق، وتجردوا عن العلائق، تركوا المحيط، وأقبلوا على الملك المحيط، وإنّما أمروا بالتجريد ليدخلوا زيَ الفقراء فَبُيِّنَ اَثرُ، (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى). إخواني ! الحجُ حرفان حماء وجيم، فالحاء حلم المعبود، والجيم جرم العبيدْ تالله لقد جمعوا الخير الجمّ ليلة جمع، ونالوا المُنى إذ دخلوا في منى. ال المنى من حَلَ في وادي مِنى ... غيري فإني ما بلغتُ مُرادي وبكيتُ من ألم الفراق وشقوتي ... فبكى الحجيج بأسره والوادي رفعوا بأيديهم وضخوا بالبكا ... وضَمَمْتُ من حُزني يدي لفؤادي

حكمــــــة

لمّا حجّ جعفر الصادق - رضي الله عنه - أراد أن يُلَبّي فتغيّر وجهُه، فقيل له : مالك؟ فقال : أريد ان ألبَي وأخاف أن أسمعَ غير الجواب. وقف مُطْرِفٌ وبكرٌ بعرفَةَْ فقال : مطرِفٌ اللهمّ لا تردّهم من أجلي. وقال بكر: ما أشرفه من مقام لولا أنّي فيهم.

حكمــــــة

وقَفَ الفضيل بن عياض فشغله البكاء عن الدعاء، فلما كادت الشمسُ أنْ تغرُبَ قال : واسوأتاه منك وإن غفرت. وقف بعض الخائفين على قدم الإطراق والحياء، فقيل له لم لا تدعو؟ فقال ثَمَّ وحشة، قيل: هذا يوم العفو عن المذنبين، فَبَسَط يده فوقع ميتاً مكانه. انزل الوادي بايمنِه ... فهو بالأحزان ملآنُ وارم بالطرف العقيقَ فلي ... ثمّ إطراب وأشجان

حكمــــــة

قال وُهَيْب بن الوِرْدِ: لقيت امرأةَ في الطواف وهي تقول بصوت حزين : إلهي ذهبت اللذات وبقيت التبعات، يا ربّ مالك عقوبةً إلاّ النار، أما في عفوك ما يسعني ؟. وحج الشبليُّ - رضي الله عنه - ماشياً على التجريد فلمّا رأى مكة انشد: اسُكّان مكة هذا الذي ... أراه عِياناً وهذا أنا ثم وقعع مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق أنشد: هذه دارهم وانتَ مُحِبٌ ... ما بقاءُ الدموع نجي الآماقِ وقديماً عهدتُ أفنية الدارم ... وفيها مصارعُ العُشاق

حكمــــــة

حجّت امرأةٌ من العبّاد وهي تمشي وتقول : أين بيت ربّي ! أين بيت ربي ! فيقولون : الآن ترينَهُ، فلمّا لاح البيتُ قالوا: هذا بيت ربك، فجعلتْ تَشتدّ وتقول : بيت ربّي، بيت ربّي، حتى وضت جبهتها عليه فما رُفِعتَ إلاّ ميتة. اشتقتُ يا سفن الفلاة فَبَلِّغي ... وطربتُ يا حادي الرفاق فَغَنِّني إخواني ! أين من أضناهُ الشوقُ ؟ أين من أكمده الحُرق؟ أين لَذَعك الوجد؟ أين تأسّف البُعْدُ؟ أتظنُ الوُرْقَ في الأيك تغنّي ... إنّها تُضمر خزْناً مثل حزني لا أراك الله نجداً بعدها ... أيّها الحادي بنا إن لم تُغَنِّ هل تباريني على فرط الجوى ... في ديار الحُبِّ نشوى ذاتِ غُصْنِ هَبْ لها السبق ولكن زادنا ... أننا نبكي عليها وتُغَنَي يا زمان الخيف هل من دعوة ... يصح الدهر بها من بعد ضَنَ أرضينا بثنيّات اللوى ... عن " زرود " يا لها صفقة غبن سَلْ أراك الجزع هل مرّت به ... مُزْنَة تُروى ثراه غير جفني وأحاديث الغضا لوعلمت ... إنّما تملك قلبي قبل أذني يا خليليِّ بنجدٍ عَرَّجا ... وانزلا بالمنحنى إنْ كان يغني واندبا الأطلال قد كان بها ... جيرةٌ قد أخلفوا بالبعد ظَنِّي ضاع قلبي وابلائي بعدهم ... يا أصيحابي اسمعوا ما كان منّي طول ليلى ساهرٌ من بعدهم ... ونهاريّ في بكاءٍ ثم حزن؟ ما أدري ما الذي أهاج قلب الحزين، اَه من طول تفكر وأنين : أهاجك من أرض العراق يروقُ ... وأنتَ إلى أرض الحجاز مشوقُ تحنّ إلى لمجلى بروح شجيةِ ... ومالكَ فيما تبتغيه طريقُ فلا أهل ليلى يرحمون متيّماّ ... ومالكَ منهم في الديار صديقُ

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا من لم يصل في هذا العام إلى " منى " اطلب " مِنَى " فمنَى المُنى إنْ لم تصل إلى عَرَفَه، فأقبل إليه بقلب عَرَفهْ. واعجباً لمن يقطع المفاوز ليرى البيت كيف لا يقطًع نفسه عن هواها ليصل إلى كعبته ويسعني قلب عبدي المؤمن. إليكَ قصديَ لا للبيت والحَجَرِ ... ولا طوافي باركانِ ولا اَثرِ يقال : إن يوم عرفة ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبيدي شُعثاً غُبراَ من كلِّ فج عميق، أشهدكم أنّي غفرتُ لهم، وفي لفظٍ لا يبقى يوم عرفة من في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ إلا غفر له.

حكمــــــة

قال ابن الجوزى:لمّا اجتمع يوسف - عليه السلام - بأخيه يهوذا قال له : أخبرني عن حال أبي وقصّته : وما شَرَقي بالماءِ إلا تذكُرا ... لماءٍ به أهلُ الحبيب نزولُ وما عشتُ من بعد الأحبة سلوةً ... ولكنني للنائبات حَمولُ أما في النجوم السائرات وغيرها ... لعيني على ضوء الصباح دليلُ فقال : كيف أصف لكَ حاله وقد ذهبَ بَصرُهُ من البكاء عليك فلا يشتهي إلاّ لقاءك، فبكى يوسف بكاءً شديداً وقال : ليت أمّي لم تلدنيْ يا صاحبي إنْ كنتَ لي أو معي ... فقم إلى أرض الحمى نرتعِ واسأل عن الوادي وأربابه ... وانشُد فؤادي في رُبا المجمع واسمع حديثاً قد رَوَتْهُ الصَّبا ... تسنده عن بانة الأجرع وابكِ فما ني العين من فضلةٍ ... وَنُبْ فَدَتكَ النفسُ عن مدمعي

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا واقفاَ في الصلاة بجسده والقلبُ غائب، أتدري بين يدي من أنت قائم؟ أتدري من اطلع عليك ما يصلح ما بذلتَه من التعبد مهراً للجنة فكيف ثَمَناً للمحبة؟ْ رأت فاْرة جَمَلاً فأعجبها، فَجَرَتْ بخطامه فتبعها، فلمّا وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال : إمّا أن تتَخذي داراً تليقُ بمحبوبك أو محبوباَ يليقُ بداركْ خُذْ من هذا إشارة إما أن تُصَلِّي صلاةً تليقُ بمعبودك أو معبوداً يليقُ بصلاتك. يا مَنْ وافق القوم، ولو بعض يوم، لك في طريقهم ذوق، فأين الشوق؟ كنتَ تدّعي حُبَّنا وتؤثر الشوق منّا، فما هذا الصبرُ الذي عَن عَنّا؟ تعرفُ رياح الأسحار، وما تعرفُ المهبّ ، ولكن دخل فصلُ برد الفتور ولم يحترز فأصابك ركام الغفلة. يا صاحبيّ أطيلا في مؤانستي ... وناشداني بِخلاني وعُشاقي وحَدِّثا في حديث الخيف إنّ له ... زوجاً لقلبي وتسهيلاً لأخلاقي ما ضَرَّريح الصبا لونا سَمَتْ حُرقي ... واستنقذت مهجتي من أَسْرِ أشواقي داءٌ تقادم عندي من يعالجُهُ ... وَحيَّةٌ لَدَغت قلبي من الراقي يمضي الزمانُ وآمالي مصَرَّمةٌ ... مِمَّنْ أُحِبُ على مَطْلٍ وإملاقِ واضيعة العمر لا الماضي انتفعتُ به ... ولاحَصَلْتُ على شيءٍ من الباقي

حكمــــــة

قال ابن الجوزى: يا مَنْ ذهب عمره في البَطالةْ، ورضيَ من الدنيا بأقبح حالَةْ، معمور الظاهر والباطن مهدوم، يا معاسر العُصاة لا تحتقروا ذنباً وإن صَغُر، فإنّ الحشيش يفتل منه الحَبْل فيخنق الفيل المغتلم، أول الحريق شرارة، يا من يُذنب ولا يتوبُ يا من أعمت قلبَهُ الذنوبُ، يَعِدُ بالتوبة ولا وَعْدَ عُرقوب، إلى متى تتعثر في ظلمة البعادْ وعدْ نفسك بتوبةٍ واعزم وقد حَصَّلْتها. وَعَدْتَ نفسكَ توبةً ... اعِزم وقد حَصَلْتَها إلى متى تتعثر في ظلمة الميعاد، قد صاح بوقُ رحيلك، وحُطَتْ أطنابُ الخيم، وما نرى لك مركب، وما نرى لك زاد، جمعت مالكَ - لعيرك والدار يسكنها العدوُّ، ناظرتَ خطَّ ابن مقلة، غلِظْتَ في بُوجاد. فيا مشتاقين أين شوقكم إلى ما فارقتم؟ وأين توقكم إلى ما ألفتم ؟ يا قيس المحبة مُتْ على قبر ليلى : خذا من صبا نجدِ أماناً لقلبهِ ... فقد تهاد ريّاها يطيرُ بِلُبِّهِ وإيّاكُما ذاك النسيمُ فإنَهُ ... إذا هَبَّ كان الموت أَيْسَر خَطْبهِ خليليَّ لو أحببتما لعلمتُما ... مَحَلَّ الهوى من مغرم القلب صَبَّه

سلسلة فوائد من كتب ابن الجوزى رحمه الله

من اعداد فريق موقع الكلم الطيب

www.kalemtayeb.com 

فوائد من كتاب بحر الدموع 

فائدة 

يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يغرّنّكم قول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} الأنعام 160، فان السيئة وان كانت واحدة، فإنها تتبعها عشر خصال مذمومة : أولها: إذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط الله وهو قادر علي . والثانية: أنه فرّح إبليس لعنه الله . والثالثة: أنه تباعد من الجنة . والرابعة: أنه تقرّب من النار . والخامسة: أنه قد آذى أحب الأشياء إليه، وهي نفسه . والسادسة: أنه نجس نفسه وقد كان طاهراً . والسابعة: أنه قد آذى الحفظة . والثامنة: أنه قد احزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره . والتاسعة: أنه أشهد على نفسه السماوات والأرض وجميع المخلوقات بالعصيان . والعاشرة: أنه خان جميع الآدميين ، وعصى رب العالمي .

حكمــــــة

يا ابن آدم ما أجبرك‏!‏ تسألني، فأمنعك لعلمي بما يصلحك، ثم تلح عليّ في المسألة، فأجود برحمتي وكرمي عليك، فأعطيك ما سألتني، فتستعين بما أعطيك على معصيتي، فأهمّ بهتك سترك، فكم من جميل أصنعه معك، وكم من قبيح تعمله معي‏.‏ يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبدًا‏.

حكمــــــة

قال مالك بن دينار‏:‏ دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكًا في دنياه، متخلفًا عن طاعة مولاه، فقلت له‏:‏ يا أخي، تب إلى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك‏.‏ فقال‏:‏ هيهات هيهات‏!‏ قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة‏.‏ أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفًا يهتف من زاوية البيت‏:‏ عاهدناك مرارًا فوجدناك غدارًا‏.‏

حكمــــــة

يا أخي أقبل على قبلة التوجه إلى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار‏.‏

حكمــــــة

قال بعض السادة الأخيار لولده لما حضرته الوفاة‏:‏ يا بنيّ، اسمع وصيتي، واعمل ما أوصيك به‏.‏ قال نعم يا أبت‏.‏ قال يا بنيّ، اجعل في عنقي حبلًا، وجرّني إلى محرابي، ومرّغ خدي على التراب، وقل‏:‏ هذا جزاء من عصى مولاه، وآثر شهوته وهواه، ونام عن خدمة مولاه‏.‏ قال‏:‏ فلما فعل ذلك به، رفع طرفه إلى السماء وقال‏:‏ إلهي وسيدي ومولاي، قد آن الرحيل إليك، وأزف القدوم عليك، ولا عذر لي بين يديك، غير أنك الغفور وأنا العاصي، وأنت الرحيم وأنا الجاني، وأنت السيد وأنا العبد، ارحم خضوعي وذلتي بين يديك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك‏.‏

حكمــــــة

يا أسير دنياه، يا عبد هواه، يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا، اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفًا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك، فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه، فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران

حكمــــــة

يا من باع الباقي بالفاني، أما ظهر لك الخسران، ما أطيب أيام الوصال، وما أمرّ أيام الهجران، ما طاب عيش القوم حتى هجروا الأوطان، وسهروا الليالي بتلاوة القرآن فيبيتون لربهم سجدًا وقياما‏.‏

حكمــــــة

يا عبد السوء، كم تعصي ونستر، كم تكسر باب نهي ونجبر، كم نستقطر من عينيك دموع الخشية ولا يقطر، كم نطلب وصلك بالطاعة، وأنت تفرّ وتهجر، كم لي عليك من النعم، وأنت بعد لا تشكر‏.‏ خدعتك الدنيا وأعمال الهوى وأنت لا تسمع ولا تبصر‏.‏ سخّرت لك الأكوان وانت تطغى وتكفر، وتطلب الإقامة في الدنيا وهي نظرة لمن يعبر‏.‏

حكمــــــة

إخواني، ما هذه السّنة وأنتم منتبهون‏؟‏ وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون‏؟‏ وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون‏؟‏ وما هذه السكرة وأنتم صاحون‏؟‏ وما هذا السكون وأنتم مطالبون‏؟‏ وما هذه الاقامة وأنتم راحلون‏؟‏ أما آن لهؤلاء الرّقدة أن يستيقظوا‏؟‏ أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا‏؟‏‏.‏

حكمــــــة

واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر، فاعمل لنفسك ما يخلصها يوم البعث من سقر‏.‏

حكمــــــة

خواني، إلى كم تماطلون بالعمل، و تطمعون في بلوغ الأمل، وتغترّون بفسحة المهل، ولا تذكرون هجوم الأجل‏؟‏ ما ولدتم فللتراب، وما بنيتم للخراب، وما جمعتم فللذهاب، وما عملتم ففي كتاب مدّخر ليوم الحساب‏

حكمــــــة

أيها المقيم على الخطايا والعصيان، التارك لما أمرك الرحمن، المطيع للغويّ الفتان، إلى متى أنت على جرمك مصرّ، ومما يقرّبك إلى مولاك تفرّ‏؟‏ تطلب من الدنيا ما لا تدركه، وتتقي من الآخرة ما لا تملكه، لا أنت بما قسم الله من الرزق واثق، ولا أنت بما أمرك به لاحق‏.‏

حكمــــــة

يا أخي، الموعظة، والله لا تنفعك، والحوادث لا تردعك‏.‏ لا الدهر يدعك، ولا داعي الموت يسمعك، كأنك يا مسكين لم تزل حيًا موجودًا، كأنك لا تعود نسيًا مفقودًا‏.‏ فاز، والله، المخفون من الأوزار، وسلم المتقون من عذاب النار، وأنت مقيم على كسب الجرائم والأوزار‏.‏

حكمــــــة

إخواني‏:‏ بادروا بالتوبة من الذنوب، واقتفوا آثار التوّابين، واسلكوا مسالك الأوّابين، الذين نالوا التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن، فلو رأيتهم في ظلم الليالي قائمين، ولكتاب ربهم تالين، بنفوس خائفة، وقلوب واجفة، قد وضعوا جباههم على الثرى ورفعوا حوائجهم لمن يرى ولا يرى‏

حكمــــــة

يا إخوان الغفلة تيقظوا، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا، فبالله أخبروني‏:‏ من أسوأ حالا ممن استعبده هواه، أم من أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه، فما للغفلة قد شملت قلوبكم‏؟‏ وما للجهالة قد ترت عنكم عيوبكم‏؟‏ أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة، وقوارعه بكم واقعة، وطلائعه عليكم طالعة، وفجائعه لعذركم قاطعة، وسهامه فيكم نافذة، وأحكامة بنواصيكم آخذة‏؟

حكمــــــة

إخواني‏:‏ ما للغافل إلى كم ينام‏؟‏ أما توقظ الليالي والأيام‏؟‏ أين سكان القصور والخيام‏؟‏ دار والله عليهم كأس الحمام، فالتقطهم الموت كما يلتقط الحبّ الحمام‏.‏ ما لمخلوق فيها دوام، طويت الصحف وجفت الأقلام‏.

حكمــــــة

إخواني‏:‏ قيّدوا هذه النفوس بزمام، وازجروا، هذه القلوب عن الآثام، واقرؤوا صحف العبر بألسنة الأفهام‏.‏ يا مَن أجله خلفه وأمله قدّام، يا مقتحمًا على الجرائم أيّ اقتحام، انتبهوا يا نوّام، كم ضيّعتم من أعوام، الدنيا كلها منام، وأحلى ما فيها أضغاث أحلام، غير أن عقل الشيخ فيها الغلام، فكل من قهر نفسه فهو الهمام‏.‏ هذه الغفلة قد تناهت، والمصائب قد تدانت، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، والسلام‏.‏

حكمــــــة

يا من يسير بعمره وقد تعدّى الحدود، إبك على معصيتك فلعلك مطرود‏.‏ يا من عمره ينتهب وليس الماضي يعود، قد أسمعتك المواعظ من أرشادها نصحًا، وأخبرك الشيب أنك بالموت تقصد وتنحّا، وناداك لسان الاعتبار‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ‏}‏ ‏[‏الانشقاق 6‏]‏‏.‏

حكمــــــة

فيا من جلّت غفلته، وطالت سكرته، تأمّل عطف الموالي عليك، وإحسانه إليك‏.‏ فبالله عليكم، حطّوا بالتوبة عن ظهوركم، واغسلوا وجوهكم بقطرات الدموع، واشتملوا بأردية التذلل والخضوع‏.‏

حكمــــــة

إخواني، انتبهوا من غفلتكم، فنوم الغفلة ثقيل، وشمّروا لآخرتكم، فإنما الدنيا منزل، وفي طريقها مقيل‏.‏

حكمــــــة

إخواني، الدنيا سموم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرة تحلو في العاجلة، ومرارتها لا تطاق في العاقبة الآجلة‏.‏ يا ابن آدم، قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف وأى وهم سخيف‏.‏ عينك مطلوقة، ولسانك يجني الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام، كم من نظرة محتقرة زلت بها الأقدام‏.‏

حكمــــــة

إخواني، إلى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة‏؟‏ فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب‏.‏ آه من ثقل الحمل‏.‏‏.‏ آه من قلة الزاد وبعد الطريق‏.

حكمــــــة

يا بطال، إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور‏؟‏ إلى متى يقال عنك‏:‏ مفتون ومغرور‏؟‏ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور‏؟‏ أترى مقبول أنت أم مطرود‏؟‏ أترى مواصل أنت أم مهجور‏؟‏ أترى تركب النجب غدًا أم أنت على وجهك مجرور‏؟‏ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور‏.‏ فاز والله المخفون، وخسر هنالك المبطلون، ألا إلى الله تصير الأمور‏.‏

حكمــــــة

إخواني، السفر مكتوب علينا، فما لنا أن نطلب الاقامة في دار ليست لنا دار مقامة‏؟‏ السنون منازل، والشهور مراحل، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والمعاصي قطاع، والربح الجنة، والخسران النار‏.‏

حكمــــــة

يا من يضجّ في الكرب ويصيح، خلّ التدبير لغيرك فتستريح، تكثر النحيب والعويل، وتنسى ما سلف من الفعل الوبيل‏.‏ لو رجعت إليه بقلبك، لعجّل عليك بتفريج همّك وكربك‏.‏

حكمــــــة

خلقنا نتقلب في ستة أسفار إلى أن يستقر بنا القرار‏:‏ فالسفر الأول‏:‏ سفر السلابة من طين، والثاني من الصلب إلى الرحم، والثالث‏:‏ من الرحم إلى ظهر الأرض، والرابع‏:‏ من ظهر الأرض إلى القبر، والخامس‏:‏ من القبر إلى موقف العرض، والسادس‏:‏ من موقف العرض إلى دار الإقامة‏:‏ إما إلى الجنة أوالنار، وقد قطعنا نصف الطريق، وبقي الأصعب‏.‏

حكمــــــة

يا ميت القلب، وعدك في الدنيا صحيح، وفي الآخرة محال، إن لم تبادر في الشباب، فبادر في الاكتهال، وما بعد شيب الرأس لهو، وما أبعد عثرة الشيخ أن تقال‏.‏ ضيّعت زمان الشباب في الغفلة، وفي الكبر تبكي على التفريط في الأعمال، لو علمت ما أحصي عليك، لكنت من الباكين طول الليال‏.‏

حكمــــــة

قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس‏:‏ يا شيخ، ما الذي أصنع‏؟‏ كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى‏.‏ قال له‏:‏ يا أخي، كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرّب إليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها‏.‏

حكمــــــة

يا من رواحله في طلب الدنيا لها اسراع، متى تحل عنها نطاق الأمل، فيكون الانقطاع‏؟‏ إذا طلبت الآخرة، تمشي رويدًا، فمتى يكون الانتفاع‏؟‏ عجبًا كيف تشدّ الرحال في طلب الفاني وفي طريقه قطاع‏!‏ العمر أمانة أتلفت شبابه في الخيانة، وكهولته في البطالة، وفي الشيخوخة تبكي وتقول‏:‏ عمري قد ضاع‏

حكمــــــة

يا أخي، إذا طردك مولاك عن بابه‏؟‏ فإلى باب من ترجع، وإلى أي طريق تذهب، وإلى أي جهة تقصد‏؟‏ لازم باب مولاك، فلعل وعسى يثمر عودك‏.‏

حكمــــــة

يا من عمي عن طريق القوم، عليك بإصلاح نور البصر‏.‏ القلب المظلم يمشي في شوك الشك وما عنه خبر‏.‏ وقت التائب كله عمل‏:‏ نهاره صوم، وليله سهر، ووقت البطال كله غفلة، وبصيرته عميت عن النظر‏.‏ من ذاق حلاوة الزهد، استحلى التهجد والسهر، إن تدرك المتجهدين في أول الليل، ففي أعقاب السحر‏.‏ تيقّظ من نوم الغفلة، فهذا فجر المشيب انفجر، وأذلة التخلف إذا تخلف عن الباب وما حضر‏!‏‏.‏

حكمــــــة

يا هذا، كم لك على المعاصي مصر‏؟‏ متى يكون منك المتاب‏؟‏ جسمك باللهو عامر، وقلبك من التقوى خراب، ضيّعت الشباب في الغفلة، وعند الكبر تبكي على زمان الشباب‏.‏ في المجلس تبكي على الفائت، وإذا خرجت عدت للانتهاب‏.‏ لا حيلة لوعظي فيك وقد غلق في وجهك الباب‏

حكمــــــة

لله درّ أقوام شاهدوا الآخرة بلا حجاب، فعاينوا ما أعدّ الله للمطيغين من الأجر والثواب‏.‏ ترى لماذا أضمروا أجسادهم وأظمؤوا أكبادهم، وشرّدوا رقادهم، وجعلوا ذكره بغيتهم ومرادهم‏؟‏‏!‏‏.‏

حكمــــــة

يا من أقعده الحرمان، هذه رفاق التائبين عليك عبور‏.‏ لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك إلا مهجور‏.‏ هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور‏.‏ كم أعذار‏؟‏ كم كسل‏؟‏ كم غفلة‏؟‏ ما أجدك يوم الحساب معذور‏.‏ بيت وصلك خراب، وبيت هجرك معمور‏.‏ بدّر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور، سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال

حكمــــــة

لله در أقوام قلوبهم معمورة بذكر الحبيب، ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب، إن نطقوا فبذكره، وإن تحرّكوا فبأمره، وإن فرحوا فبقربه، وإن ترحوا فبعتبته، أقواتهم ذكر الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة‏.‏

حكمــــــة

معاشر التائبين‏:‏ تعالوا نبكي على الذنوب فهذا مأتم الحزان، تعالوا نسكب المدامع‏.‏ ونشتكي الهجران، لعل زمان الوصال يعود كما كان‏.‏

حكمــــــة

يا تائهًا في الضلال بلا دليل ولا زاد، متى يوقظك منادي الرحيل فترحل عن الأموال والأولاد‏؟‏ قل لي‏:‏ متى تتيقّظ وماضي الشباب لا يعاد، ويحك كيف تقدم على سفر الآخرة بلا راحلة ولا زاد‏.‏ ستندم إذ حان الرحيل، وأمسيت مريضًا تقاد، ومنعت التصرف فيما جمعت، وقطعت الحسرات منك الأكباد، فجاءتك السكرات، ومنع عنك العوّاد، وكفنت في أخصر الثياب، وحملت على الأعواد، وأودعت في ضيق لحد وغربة ما لها من نفاد، تغدو عليك الحسرات وتروح إلى يوم التناد، ثم بعده أهوال كثيرة، فيا ليتك لمعاينتها لا تعاد‏.‏

حكمــــــة

يا من يذوب ولا يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، ويحك خلّ الأمل الكذوب‏.‏ واأسفا، أين أرباب القلوب، تفرّقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجبا لك، ما الناس إلا ضروب‏.‏

حكمــــــة

يا غافلًا عن نصيره، يا واقفًا مع تقصيره، سبقك أهل العزائم، وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكّس رأس الذل وقل‏:‏ أنا ظالم، وناد في الأسحار‏:‏ مذنب وراحم، وتشبّه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، وقم في الدجى نادبًا، وقف على الباب تائبًا، واستدرك من العمر ذاهبه، ودع اللهو جانبًا، وطلّق الدنيا إن كنت للآخرة طالبًا،

حكمــــــة

يا أخي، لا يبيع الباقي بالفاني إلا خاسر، وإياك والأنس بمن ترحل عنه، فتبقى كالحائر، رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، مهر الآخرة يسير، قلب مخلص، ولسان ذاكر، إذا شبت ولم تنتبه، فاعلم أنك سائر، فديت أهل التهجد بلسان باك وجفن ساهر، كم لهم على باب تتجافى جنوبهم من تلمق ودمع قاطر، إذا تنسّموا نسيم السحر أغناهم عن نسيم العذيب وحناجر، عصفت بهم رواشق الاستغفار البواكر، عمروا منازل الخدمة، ومنزل الغفلة خراب داثر‏.‏

حكمــــــة

يا أسيرًا في قبضة الغفلة، يا صريعًا في سكرة المهلة، يا ناقض العهد، انظر لمن عاهدت في الزمن الأول، أكثر العمر قد مضى، وانت تتعلل، يا مدعوّا إلى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور والعمر قد تدانى، كأنك بالدمع يجري عند الموت هتانا‏.‏

حكمــــــة

يا أخي ما أحسن ما كنت فتغيّرت، ما أقوم جادتك، فكيف تعثرت‏؟‏ يا معاشر المطرود عن رفاق التائبين ‏{‏وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ‏}‏ ‏[‏النمل 75‏]‏‏.

حكمــــــة

يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، وتعرّض لمجال المتهجدين، وقل‏:‏ ضالٌ ضل عن الطريق مقطوع، وهذا مأتم الأحزان، إلى أي وقت تدّخر الدموع، هذا مجلس الشكوى، هذا وقت الرجوع‏.‏

حكمــــــة

يا أخي، لله درّ أقوام نعمّهم مولاهم بقربه، فحجبهم عن خطرات الوسواس‏.‏ حمى إقليم قلوبهم من غبار الشهوات من حمايته بحراس، قبلوا أمره بالقبول، وقاموا به على العينين والرأس، قدّموا زاد الأعمال لسفر الموت وظلمة الأرماس، يا بطّال، أبطال ميدان الدّجى لله درّهم من أبطال وأفراس، خلع عليهم خلعة الرضا، ونادهم مرحبًا بالأحباب الأكياس، ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران 110‏]‏‏.‏

حكمــــــة

يا أخي لا تغسل أدناس الذنوب إلا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية إلا من يسارع، أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع‏.‏

حكمــــــة

يا من سوّف بالمتاب حتى شاب، يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب، يا مطرودًا بذنوبه عن الباب، إذا كنت في الشباب غافلًا، في المشيب مسوّفًا، متى تقف بالباب‏؟‏ كم عوملت على الوفاء‏؟‏ ما هكذا فعل الأحباب، الظاهر منك عامر، والباطن ويحك، خراب، كم عصيان كم مخالفة، كم رياء‏,‏ كم حجاب‏؟‏ ولّى طيب العمر في الخطايا، يا ترى تعود إلى الصواب‏؟‏‏.‏

حكمــــــة

يا راحلًا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد‏.‏ من أولى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد‏.‏ ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك إلا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد‏.‏

حكمــــــة

يا أخي، أفنيت عمرك في اللعب، وغيرك فاز بالمقصود وأنت منه بعيد، غيرك على الجادة، وأنت من الشهوات في أوجال وتنكيد، ترى متى يقال‏:‏ فلان استقال ورجع‏.‏ يا له من وقت سعيد، متى تخرج من الهوى وترجع إلى مولاك العزيز الحميد، يا مسكين، لو عاينت قلق التائبين، وتململ الخائفين من أهوال الوعيد، جعلوا قرّة أعينهم في الصلاة، والزكاة، والتزهيد، وأهل الحرمان ضيعوا الشباب في الغفلة، والشيب في الحرص والأمل المديد، لا بالشباب انتفعت، ولا عند تمشيب ارتجعت، يا ضيعة الشباب والمشيب‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ ‏[‏سبأ 51‏]‏‏.‏

حكمــــــة

يا هذا، لا يزال التائبون يهربون إلى دير الخلوة هروب الخائف إلى دار الأمان، لهم في سحر الليل تأنس بمدامع الأجفان، كتب السجود في ألواح جباههم خطوط العرفان، كم لأقدامهم في الدجى من جولان وكم لهم في وادي السحر من عيون تجري كالطوفان، فإذا لاحت أعلام الفجر كبّروا عند مشاهدة العيان 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس بريد مكة

 الرابط