اندكس ن فح الباري من ن

الرابط

 https://drive.google.com/file/d/1oQ6F4ip_x4FPYXEL9by5sq_at0QyoUMM/view?usp=sharing

اندكس / جاهز للالصاق بأي موفع

الجمعة، 24 فبراير 2023

ج1وج2.كتاب العجاب في بيان الأسباب شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي

ج1وج2.كتاب العجاب في بيان الأسباب شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي
----
أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي الخير مشافهة أنا محمد بن حبيب الحلبي أنا بيبرس بن عبد الله العقيلي أنا محمد بن عبد الله بن أبي سهل الواسطي أنا أبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني أنا عمر ابن عبد الله بن أحمد الأرغياني أنا المصنف
وقد عاب في خطبة كتابه على من يعتمد في المنقول على الكتب من غير أن
يكون لما يذكره سماع أو رواية فقال ما نصه ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب العزيز إلا بالرواية والسماع عمن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب و بحثوا عن عملها وجدوا في الطلاب وقد ورد الوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار
ثم ساق الحديث الذي أخبرنا به أبو هريرة بن الحافظ شمس الدين الذهبي إجازة منه لنا من دمشق وقرأته على أم الحسن بنت العز
محمد بن أحمد بن المنجا بدمشق
كلاهما عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم القيسي قال أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد نا أبو المعالي محمد بن محمد بن النحاس نا أبو القاسم علي بن أحمد البندارة إجازة إن لم يكن سماعا عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص أنا ابن منيع يعني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي نا يزيد بن بنت أحمد بن منيع أنا ليث هو ابن حماد نا أبو عوانة هو الوضاح عن عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله اتقوا الحديث عني إلا ما عرفتم فإن من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن حسين بن محمد و أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد
عنه عن مسدد كلاهما عن أبي عوانة فوافقناهما في شيخ شيخيهما بعلو و أخرجه الترمذي في التفسير و النسائي في فضائل القرآن كلاهما من رواية سفيان الثوري عن عبد الأعلى و أخرجه الترمذي أيضا عن سفيان بن وكيع عن سويد بن عمرو عن أبي عوانة وقال حسن فوقع لي وأخرجه الواحدي عن إسماعيل بن إبراهيم الواعظ عن أبي الحسين ابن حامد عن أحمد بن الحسن بن
عبد الجبار عن ليث بن حماد فوقع لنا عاليا درجات
أورد الواحدي هذا الحديث مستدلا به على ما قال في صدر كتابه لا يحل القول في سبب نزول القرآن إلا بالرواية و السماع إلى آخره ثم قال وكان السلف الماضون في أبعد غاية احتراز عن القول في نزول الآية ثم ساق عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أنه سأله عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سدادا فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن وسنده صحيح عبيدة وهو بفتح أوله
قال و أما اليوم فكل أحد يخترع للآية سببا و يختلق إفكا وكذبا إلى أن قال فذلك الذي حداني الى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن و المتكلمون في نزول القرآن ليعرفوا الصدق ويستغنوا به عن
التمويه و الكذب و يجدوا في حفظه بعد السماع و الطلب انتهى كلامه
و لما وقفت على هذه الخطبة لخطابها و سعيت إلى الوصول لألج من أبوابها فوجدته رحمه الله قد وقع فيما عاب من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته ثم ما اقتضاه كلامه أن الممنوع أن يساق الخبر من غير رواية دون سياق برواية أو سماع لا يكون فيه ذلك ليس بمسلم طردا و لا عكسا بل المحذور أن يكون الخبر من رواية من لا يوثق به سواء ساق المصنف سنده به أم لم يسقه فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط وكم من خبر يذكر بغير سند و ينبه على أنه من تصنيف فلان مثلا بسند قوي
أفيرتاب من له معرفة أن الإعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه
ثم إن ظاهر كلامه أنه استوعب ما تصدى له و قد فاته من شيء كثير فلما رأيت الناس عكفوا على كتابه وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه تتبعت مع تلخيص كلامه ما فاته محذوف الأسانيد غالبا لكن مع بيان حال
ذلك الحديث من الصحة والحسن والضعف والوهاء قصد النصح للمسلمين وذبا عن حديث سيد المرسلين ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين
فأبدأ غالبا بكلام الواحدي ثم بما استفدته من كلام الجعبري ثم بنا التقطته من كتب غيرهما من كتب التفاسير و كتب المغازي و كتب المسانيد و السنن و الآثار وغير ذلك من الأجزاء المتفرقة ناسبا كل رواية لراويها و كل مقالة لمخرجها ثم لا أذكر من الزيادات إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من التأويل وقد أورد الواحدي من ذلك أشياء ليست بكثيرة فلم أحذف منها شيئا بل جعلت علامة ما أزيده ز يكتب على أول القول وأما ما أزيده في أثناء كلامه فهو بغير علامة لكن ربما عرف إذا كان في صورة الاعتراض مثلا
ومن قبل الخوض في المقصود أقدم فصلا جامعا لبيان جال من نقل عنه التفسير من التابعين
ومن بعدهم يغني عن التكرير
فالذين اعتنوا بجمع التفسير من طبقة الأئمة الستة
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 224 - 310ه -
ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ت318ه -
و أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي 240 - 327ه
ومن طبقة شيوخهم - عبد بن حميد بن نصر الكشي ت249 ه
فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع و الموقوف على الصحابة و المقطوع عن التابعين
و قد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء م يشاركوه فيها كاستيعاب القراءات و الإعراب و الكلام في أكثر الآيات على المعاني و التصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر في غيره
و الذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات و ضعفاء فمن الثقات
1 - مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن نجيح عن مجاهد والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد من غيره بينته
2 - ومنهم عكرمة ويروي التفسير عنه من طريق
الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه ومن طريق محمد بن اسحاق عن محمد بن ابي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن
جبير هكذا بالشك ولا يضر لكونه يدور على ثقة
3 - ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
وعلي صدوق لم يلق ابن عباس
لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه
فلذلك كان البخاري و ابن أبي حاتم و غيرهما يعتمدون على هذه النسخة
4 - و من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء هو الخراساني وهو لم
يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا أن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح
و من روايات الضعفاء عن ابن عباس 1 - التفسير المنسوب لأبي النضر محمد بن السائب الكلبي فإنه يرويه عن أبي صالح وهو مولى أم هانئ عن ابن عباس والكلبي اتهموه بالكذب وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب
ومع ضعف الكلبي فقد روى عنه تفسيره مثله أو أشد ضعفا و هو محمد بن مروان السدي الصغير ورواه عن محمد بن مروان مثله أو أشد ضعفا وهو صالح بن محمد الترمذي
وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري و محمد بن فضيل بن غزوان و من الضعفاء من قبل الحفظ حبان بكسر المهملة وتثقيل الموحدة وهو ابن علي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي منقوطة
2 - ومنهم جويبر بن سعيد وهو واه روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم و هو صدوق عن ابن عباس ولم يسمع منه شيئا و ممن روى التفسير عن الضحاك علي بن الحكم وهو ثقة وعبيد بن سليمان وهو صدوق وأبو روق عطية بن الحارث وهو لا بأس به
3 - ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس و لم يسمع أبوه من ابن عباس
4 - ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي بضم المهملة و تشديد الدال وهو كوفي صدوق لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة
وغيرهم
وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك وربما التبس بالسدي الصغير الذي تقدم ذكره
5 - و منهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني و هو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة وإنما ضعفوه لانه وصل كثيرا من الأحاديث بذكر ابن عباس وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد
6 - ومنهم إسماعيل بن أبي زياد الشامي وهو ضعيف جمع تفسيرا كبيرا فيه الصحيح و السقيم وهو في عصر أتباع التابعين
7 - ومنهم عطاء بن دينار وفيه لين
روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تفسيرا رواه عن ابن لهيعة وهو ضعيف
- ومن تفاسير التابعين
1 - ما يروى عن قتادة و هو من طرق منها رواية عبد الرزاق
عن معمر عنه ورواية آدم بن أبي إياس و غيره عن شيبان عنه
ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عنه
2 - ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس بعضه عن أبي العالية واسمه رفيع الرياحي بالمثناة التحتانية والحاء المهملة وبعضه لا يسمي الربيع فوقه أحدا وهو يروي من طرق منها رواية عبد الله بن أبي جعفر
الرازي عن أبيه عنه
3 - و منها تفسير مقاتل بن حيان
من طريق محمد بن مزاحم عن بكير بن معروف عنه و مقاتل هذا
صدوق وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره
و من تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم
1 - تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه و عن غير أبيه وفيها أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء و أبوه من الثقات
2 - ومنها تفسير مقاتل بن سليمان وقد نسبوه إلى الكذب وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى و إنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم
وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح ابن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب
ورواه ايضا عن مقاتل هذيل بن حبيب وهو ضعيف لكنه أصلح حالا من أبي عصمة
3 - ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي وهو كبير في نحو ستةأسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم وهو لين الحديث وفيما يرويه مناكيره كثيرة وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري
4 - ويقرب منه تفسير سنيد بمهملة ونون مصغر واسمه الحسين بن داود وهو من طبقة شيوخ الإئمة الستة يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيرا وعن أنظاره وفيه لين وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام وقد أكثر ابن
جرير التخريج منه
5 - ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه أو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة فهو أصلح مما فيها
من كتاب محمد بن إسحاق وما كان من رواية ابن اسحاق أمثل مما فيها من رواية الواقدي
و إنما قدمت هذه المقدمة ليسهل الوقوف على أوصافهم لمن تصدى للتفسير فيقبل من كان أهلا للقبول و يرد من عداه ويستفاد من ذلك تخفيف حجم الكتاب لقلة التكرار فيه وسميت هذا الكتاب
العجاب في بيان الأسباب و على الله أعتمد ومن فيض فضله أستمد لا إله إلا هو عليه توكلت و إليه مآب

سورة الفاتحة افتتح الواحدي كتابه بذكر أول ما نزل من القرآن ثم بذكر آخر ما نزل ثم بنزول البسملة ثم بنزول الفاتحة و ساق الاختلاف هل هي مكية أو مدنية ثم أسند من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أول ما نزل
به جبريل على النبي قال يا محمد استعذ ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم و الراوي له عن أبي روق ضعيف فلا ينبغي أن يحتج به
ثم أسند من طريق يزيد النحوي عن عكرمة و الحسن قالا أول ما نزل من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم و هذا مرسل ولعل قائله تأول الأمر في قوله تعالى اقرأ باسم ربك و إلى ذلك أشار السهيلي فقال و يستفاد من هذه الآية ابتداء القراءة بالبسملة و أما خصوص نزول البسملة سابقا ففي صحته نظر
وقد أسند الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قام النبي بمكة فقال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و هذا إن ثبت دل على
أن الفاتحة مكية
ومن طريق أبي ميسرة أحد كبار التابعين أن رسول الله كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فقال له ورقة بن نوفل إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك فلما برز سمع النداء فقال لبيك قال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم قل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم حتى فرغ من فاتحة الكتاب قلت وهو مرسل و رجاله ثقات فإن ثبت حمل على أن ذلك كان بعد قصة غار حراء ولعله كان بعد فترة الوحي والعلم عند الله تعالى
ثم أسند من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وهذا رواته ثقات
و أخرجه أبو داود لكنه اختلف في وصله و إرساله وأورد الواحدي له
شاهدين بسندين ضعيفين
قال الجعبري يؤخذ من هذا أن لنزول البسملة سببين أحدهما التبرك بالإبتداء بها و الثاني الفصل بين السورتين و الله أعلم

سورة البقرة 1 - قوله ز تعالى الم 1
قال شيخ شيوخنا أبو حيان في البحر قال قوم إن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن نزلت ليستغربوا ذلك فيفتحون لها أسماعهم فيستمعون القرآن لتجب عليهم الحجة
قلت وقد حكى نحو ذلك أبو جعفر الطبري و تبعه ابن عطية حيث جمع الاختلاف في المراد بالحروف المقطعة أول السور
2 - قوله ز ذلك 2
قال مقاتل بن سليمان لما دعا النبي كعب بن الأشرف و كعب بن أسد إلى الإسلام فقالا ما أنزل الله تعالى من بعد موسى كتابا أنزل الله تعالى الم ذلك الكتاب يعني هذا الكتاب الذي جحدتم نزوله لا ريب فيه أنه أنزل من عند الله تعالى على محمد
وقال الطبري يحتمل أن تكون الإشارة لما أنزل من قبل سورة البقرة وقيل الإشارة إلى التوراة و الإنجيل و حكى ابن ظفر في تفسيره المسمى ينبوع الحياة ما نصه قيل ذكر في كتب الله السالفة إن علامة القرآن الموعود بإنزاله إن في أوائل سورة منه حروفا غير منظومة فنزل القرآن كما قيل لهم و أشار بقوله ذلك الكتاب الى ما وعدهم
وقال أبو جعفر بن الزبير يحتمل
أنهم لما أمروا في الفاتحة أن يقولوا اهدنا الصراط المستقيم فقالوا اهدنا الصراط المستقيم فقيل لهم ذلك الصراط هو الكتاب لا ريب فيه
3 - قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى المفلحون 1 - 5
أسند الواحدي من طريق ابن ابي نجيح عن مجاهد قال أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين و آيتان بعدها نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة آية نزلت في المنافقين
قلت وقال مقاتل بن سليمان نزلت الآيتان الأوليان في المؤمنين من المهاجرين و الأنصار والآيتان بعدها في من آمن من أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام
وأسيد بن زيد وأسيد بن كعب وسلام بن قيس وثعلبة بن عمرو و أبو يامين واسمه سلام أيضا
4 - قوله إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم 6
تقدم قول مجاهد إنها والتي بعدها نزلتا في الكافرين وقال الضحاك نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته وقال الكلبي نزلت في اليهود
قلت ونقله شيخ شيوخنا أبو حيان عن الضحاك ثم قال وقيل نزلت في أهل القليب قليب بدر منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة
بن أبي معيط والوليد بن المغيرة كذا حكاه أبو حيان ولم ينسبه لقائل و أقره وفيه خطأ لأن الوليد بن المغيرة مات بمكة قبل الهجرة وعقبة بن أبي معيط إنما قتل بعد رحيل المسلمين من بدر راجعين إلى المدينة قتل بأمر النبي بالصفراء باتفاق أهل العلم بالمغازي وقال أبو العالية نزلت في قادة
الأحزاب وهم الذين قال الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار وقال غيره أ نزلت في مشركي العرب من قريش و غيرهم
ويوافق قول الكلبي ما أورده ابن إسحاق عن ابن عباس بالسند المذكور في المقدمة قال إن الذين كفروا بما أنزل إليك و إن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لأنهم كفروا بما جاءك و بما عندهم من ذكرك مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان رسول الله يحرص أن يؤمن جميع الناس و يبايعوه على الهدى فأخبره الله تعالى إنه لا يؤمن إلا من
سبقت له السعادة انتهى
وحاصله أنها خاصة بمن قدر الله تعالى أنه لا يؤمن
5 - قوله ز تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر 8
تقدم قول مجاهد إنها و تمام ثلاث عشرة آية نزلت في النافقين انتهى
و قال أبو العالية و الحسن البصري و قتادة و السدي نحوه
وقال الطبري أجمعوا على أنها نزلت في قوم من أهل النفاق و قال ابن إسحاق في روايته هم المنافقون من الأوس والخزرج
قلت و سرد ابن إسحاق أسماءهم في أوائل الهجرة من السيرة النبوية و رجح أبو حيان أنها نزلت في قوم معينين لأن الله تعالى حكى عنهم أقوالا معينة
قالوها فلا يكون ذلك صادرا إلا من معين
6 - قوله ز تعالى و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض الآية 11 قال الجمهور نزلت في الكفار و فسادهم بالكفر وفي المنافقين وفسادهم بالمعصية
وأخرج الطبري عن سلمان قولا آخر إنها لم يأت أصحابها بعد
وفي سنده مقال
7 - قوله ز تعالى قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء 13
قال الثعلبي نزلت في قريظة و النضير قال سعيد بن جبير و محمد بن
كعب وعطاء قالوا كان عبد الله بن الهيبان قبل الهجرة يحض على اتباع محمد إذا ظهر فمات قبل أن يدخل النبي المدينة فلما دخلها كفروا به بغيا وحسدا
و المراد بالسفهاء الصحابة أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك و عن السدي
و أخرج الطبري من وجه آخر عن الضحاك قال السفهاء الجهال
ونقل الماوردي عن الحسن
النساء الصبيان
و قال مقاتل أرادوا بها قوما من الصحابة بأعيانهم وهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و أبو لبابة وقيل بل عبد الله بن سلام و من آمن من اليهود
8 - قوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا 14
أسند الواحدي من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي و أصحابه وذلك
أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر الصديق فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم و شيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار و الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله وختنه و سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا فرجع المسلمون إلى رسول الله و أخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية
قلت الكلبي و الراوي عنه تقدم وصف حالهما وآثار الوضع لائحة على هذا الكلام وسورة البقرة نزلت في أوائل ما قدم رسول الله المدينة كما ذكره ابن إسحاق وغيره وعلي إنما تزوج فاطمة رضي الله عنهما في السنة الثانية من
الهجرة
و قد روي غيره محمد بن مروان عن الكلبي أن المراد بشياطينهم هنا الكهنة
و أخرج الطبري بسند ابن اسحاق إلى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المنافقين إذا خلوا باليهود وهم شياطينهم لأنهم الذين أمروهم بأن يكذبوا بالحق
ومن طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة أو بعضهم قالوا إنا على دينكم و إذا رجعوا إلى اصحابهم وهم شياطينهم قالوا إنا معكم
و حكى أبو حيان عن الضحاك إن المراد بشياطينهم الجن و الأول أصح
9 - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا 17
قال الواحدي قال السدي دخل النبي المدينة فأسلم ناس ثم نافقوا فكانوا كمثل رجل في ظلمة فأوقد نارا فأضاءت له فأبصر ما يتقيه إذ طفئت ناره في حيرة أخرجه الطبري
10 - قوله ز تعالى أو كصيب من السماء الآية19
قال أيضا
قال السدي أيضا هرب رجلان من رسول الله إلى المشركين فأصابهما ما ذكر الله تعالى في هذه الآية فجعلا يقولان ليتنا أصبحنا فأتينا محمدا فوضعنا أيدينا في يده حتى أصبحنا فأتياه فأسلما فضرب الله شأنهما مثلا
11 - قوله تعالى يا أيها الناس 21
ساق الواحدي سندا صحيحا إلى الأعمش عن إبراهيم هو النخعي عن علقمة هو ابن قيس أحد كبار التابعين قال كل شيء نزل فيه يا أيها
الناس فهو مكي وكل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو مدني
قلت وقد وصله بذكر ابن مسعود فيه البزاز والحاكم وابن مردويه
قال
الواحدي أراد أن يا أيها الناس خطاب لأهل مكة و يا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة فقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم خطاب لمشركي أهل مكة إلى قوله أعدت للكافرين انتهى
وقال القرطبي قال علقمة ومجاهد كل آية أولها يا أيها الناس نزلت بمكة و كل آية أولها يا أيها الذين آمنوا نزلت بالمدينة
وقال أبو حيان روي عن ابن عباس و علقمة ومجاهد إنهم قالوا كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فهو مكي و كل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا مدني
وحكى الماوردي في المراد بالناس هنا قولين
أحدهما إنه على العموم في أهل الكفر قال و به جزم مقاتل
و الثاني إنه على أعم من ذلك و يتناول المؤمنين أيضا والمطلوب منهم الدوام على ذلك انتهى
وما نقله عن مقاتل وجد في تفسيره رواية الهذيل بن حبيب عنه ما يخالفه وقال أبو حيان يا أيها الناس هنا خطاب لجميع من يعقل قاله ابن عباس وقيل لليهود خاصة قاله الحسن ومجاهد وزاد مقاتل والمنافقين وعن السدي لمشركي أهل مكة وغيرهم من الكفار انتهى
و الذي نقله عن مقاتل هو الموجود في تفسيره من رواية الهذيل عنه وقد استشكل ما نقل عن علقمة و غيره مع اختلاف العبارة ففرق بين قول من قال يا أيها الناس مكي و بين قول من قال خوطب به أهل مكة لأن الأول أخص من الثاني لأن الذي وقع عليه الاتفاق في الاصطلاح بالمكي والمدني إن المكي ما نزل قبل الهجرة و لو نزل بغير مكة كالطائف وبطن نخل وعرفة و المدني ما نزل بعد الهجرة و لو نزل بغيرها من الأماكن التي دخلها النبي في غزواته حتى مكة و أرض الطائف و تبوك
و غيرها و إذا تقرر ذلك فالذي قال يا أيها الناس مكي يقتضي اختصاصه بما قبل الهجرة فلا يدخل فيه المنافقون لأنه إنما حدث بعد الهجرة جزما وأما اليهود فمحتمل و الذي قال يا أيها الناس خوطب به أهل مكة يعم ما قبل الهجرة وما بعدها لكنه يخص أهل مكة دون غيرهم من المشركين
و إشكال القرطبي حيث قال إن البقرة مدنية باتفاق وكذلك سورة النساء وقد وقع فيهما يا أيها الناس لا يرد إلا على العبارة الأولى وكذا قول أبي حيان الضابط في المدني صحيح و أما المكي فيحمل على الأغلب وقد قيد الجعبري كلام علقمة بما لم أره في كلام غيره
12 - قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا 26
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين يعني قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا و قوله أو كصيب من السماء قالوا الله أجل و أعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية
و قال الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية
ثم روى الواحدي بسنده عن عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى إن الله لا يستحي
أن يضرب مثلا قال وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين فقال وإن يسلبهم الذباب شيئا وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا أرأيت حيث ذكر الله الذباب و العنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء كان يصنع بهذا فنزلت
قلت الروايتان عن ابن عباس واهيتان فقد تقدم التنبيه على وهاء الكلبي و عبد الغني الثقفي وأما قول قتادة فأخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه ولفظه لما ذكر الذباب والعنكبوت في القرآن قال المشركون ما بال العنكبوت والذباب يذكر و أخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ قال أهل الضلال و أخرجها بن المنذر من هذا الوجه بلفظ فقال أهل الكتاب وأخرجه الطبري و ابن أبي حاتم عن السدي نحو قول ابن الكلبي زاد ابن أبي حاتم وعن
الحسن نحو قول قتادة والأرجح نسبة القول لأهل النفاق لأن كتب أهل الكتاب ممتلئة بضرب الأمثال فيبعد أن ينكروا ما في كتبهم مثله
و عن الربيع بن أنس إن الآية نزلت من غير سبب و إنما هو مثل ضربه الله للدنيا وأهلها فإن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا امتلأت هلكت وكذلك حال أهل الدنيا إذا امتلأوا منها كان سببا لهلاكهم غالبا
13 - قوله ز تعالى الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه 27
قال سعد بن أبي وقاص نزلت في الحرورية يعني الخوارج وأخرجه البخاري من حديث سعد
وأخرجه الفريابي في تفسيره من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال هم الخوارج و استشكل بأن بدعة الخوارج والحرورية صنف منهم إنما حدثت في خلافة علي رضي الله عنه
2 - وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية
أنها نزلت في المنافقين
ومن طريق السدي عهد الله ما عهده في القرآن فاعترفوا به ثم كفروا فنقضوه ومن طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في التوراة أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه فكفروا به ونقضوا الميثاق الأول
وقال الطبري يحتمل أن يكون المراد بالعهد ما أخذ الله على ذرية آدم حين أخرجهم من ظهر آدم
14 - قوله ز تعالى يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم 40
قال ابن الكلبي كان عهد الله إلى بني إسرائيل إني باعث نبيا من بني إسماعيل
وفي تفسير ابن عباس رواية محمد بن إسحاق في قوله تعالى وأوفوا بعهدي هو العهد الذي عهد إذا جاءكم النبي محمد تصدقونه وتتبعونه وفي قوله تعالى وتكتموا الحق قال هو محمد
وفي رواية محمد بن ثور عن ابن جريج نحوه
وأخرج الطبري عن السدي مثله
وأخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية أوفوا بعهدي عهده دين الإسلام أن تتبعوه أوف بعهدكم يعني الجنة
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه وزاد ثم قرأ إن الله
اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية
وقال مقاتل بن سليمان أوفوا بعهدي أوف بعهدكم هو الذي ذكر في المائدة وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة إلى قوله سواء السبيل
15 - قوله ز تعالى ولا تكونوا أول كافر به 41
أخرج الطبري من طريق الربيع عن أبي العالية ولا تكونوا أول كافر به قال لا تكونوا أول من كفر بمحمد
وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس نزلت في قريظة و كانوا أول من كفر من اليهود بمحمد وتبعهم يهود فدك وخيبر
16 - قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم 44
1 - قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره وذي قرابته و لمن بينه وبينه رضاع من المسلمين أثبت على هذا الدين وما يأمرك به محمد فإنه حق فكانوا يأمرون بذلك ولا يفعلونه
وفي تفسير ابن جريج رواية محمد بن ثور عنه هم أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويتركونها فعيرهم الله تعالى بذلك
وأخرج الطبري من طريق السدي كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يعصونه وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كان أهل الكتاب يأمرون الناس بطاعة الله و تقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله عز و جل
2 - وأخرج الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قولا آخر قال كان
اليهود إذا جاء أحد يسألهم عن الشيء ليس فيه رشوة أمروه بالحق فنزلت
17 - قوله تعالى و استعينوا بالصبر والصلاة 45
قال الواحدي عند أكثر أهل العلم إن الخطاب في هذه الآية لأهل الكتاب وقال بعضهم رجع إلى خطاب المسلمين
وسبق إلى ذلك الطبري فقال معنى الآية واستعينوا أيها الأحبار بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة التي اقترنت برضى الله قال والخطاب وإن كان ابتداء لبني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على التخصيص بل هي عامة لهم و لغيرهم
وقال الجعبري معنى الآية على القول المذكور يا أيها الذين آمنوا بموسى آمنوا بمحمد واستعينوا على ترك رئاستكم بما تتلون فيها
18 - قوله ز تعالى وإنها لكبيرة 45
قال مقاتل نزلت في الصرف عن القبلة
يقول كبر على المنافقين واليهود صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة وقال غيره الضمير للصلاة وقيل للاستعانة التي أمروا بها و قيل عائدة على الإجابة ورده الطبري
19 - قوله ز تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 48
قال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن
كانت اليهود تزعم أن الأنبياء من آبائهم شافعون لهم فارتشوا فأنزل الله هذه الآية
20 - قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية 62
أخرج الواحدي من تفسير أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حيان الحافظ الأصبهاني بسند له صحيح إلى ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال لما قص سلمان الفارسي على رسول الله قصة أصحابه الذين كان يتعبد معهم قال هم في النار قال سلمان فأظلمت علي الأرض فنزلت قال فكأنما كشف عني جبل
و أخرج الطبري هذا الأثر من هذا الوجه وزاد في آخره فنزلت هذه الآية فدعا سلمان فقال هذه الآية نزلت في أصحابك من كان على دين عيسى قبل الإسلام فهو على خير و من سمع بي ولم يؤمن فقد هلك
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح كن مجاهد قال قال سلمان سألت النبي عن أهل دين كنت منهم فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت إن الذين آمنوا الآية
وأخرج الواحدي أيضا من تفسير إسحاق بن راهويه بسنده القوي إلى
السدي قال نزلت في أصحاب سلمان لما قدم على رسول الله جعل يخبره عن عبادتهم واجتهادهم وقال يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون و يؤمنون بك و يشهدون إنك تبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال يا سلمان هم من أهل النار فأنزل الله تعالى إن الذين آمنوا الآية
وأخرجه الواحدي أيضا من طريق السدي بأسانيده التي قدمت ذكرها في المقدمة وزاد
وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود
ونسب الجعبري هذه الرواية الى ابن مسعود وابن عباس فقط وفيه نظر
وأخرج الطبري من طريق السدي قصة سلمان بطولها وقال في آخرها فأخبر سلمان رسول الله خبرهم فذكر نحوه وزاد قال فكان إيمان اليهود أن من
تمسك بالتوراة حتى جاء عيسى فمن آمن به نجا وإلا كان هالكا وكان إيمان النصارى أن من تمسك منهم بالإنجيل حتى جاء محمد فمن اتبعه نجا وإلا كان هالكا
وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي وهو من طبقة الأوزاعي من فقهاء أهل الشام نحو ذلك قال الطبري معنى من آمن منهم من دام على إيمانه بنبيه فلم يغير ولم يبدل ومات على ذلك أوعاش حتى بعث محمد فصدق به فهو الذي أجره عند ربه
قال ومعنى ما رواه علي بن أبي طلحة أن ابن عباس كان يرى أن الله وعد من عمل صالحا من اليهود وغيرهم الجنة ثم نسخ ذلك
وقال غيره معنى النسخ إنما هو في حق من أدرك محمدا لا من كان قبل و هو متجه وبالله التوفيق
قلت إن ثبت حديث سلمان أنه حكم عليهم بالنار دل ذلك على أن من كان ليس على دين الإسلام فهو هالك فنزلت الآية مخبرة بأن من آمن بنبيه الذي هو من أمته ولم يغير بعده ولم يبدل و آمن بنبي بعث إليه مثلا ناسخا لشريعة من قبله فإنه ناج وأن اسم الإسلام يشمله و أن سمي بغيره من اليهودية و النصرانية مثلا
وإطلاق النسخ على ذلك ينبني على جواز دخول النسخ في الخبر وهو الراجح في الأصول
21 - قوله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية 75
قال الواحدي قال ابن عباس ومقاتل نزلت في السبعين الذين اختارهم
موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه إلى الميقات و سمعوا كلام الله وهو يأمره وينهاه فلما رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا كما سمعوا
وقالت طائفة منهم سمعنا الله في آخر كلامه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا و إن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس
وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة النبي
قلت أما الأول فأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المقدم ذكره عن ابن عباس قال قال الله تعالى لنبيه ولمن آمن معه يؤيسهم من إيمان اليهود أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله وهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة
قال محمد بن إسحاق فحدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا يا موسى قد حيل بيننا و بين رؤية ربنا فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب موسى ذلك إلى ربه فقال له مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم و ليصوموا ففعلوا وخرج بهم إلى الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجودا وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم و ينهاهم حتى عقلوا ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى قومه فحرف فريق منهم ما
سمعوا فحين قال موسى لبني إسرائيل إن الله يأمركم بكذا و كذا قال ذلك الفريق إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال موسى فهم الذين عنى الله في قوله لرسوله محمد وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه الآية
فهذا كما ترى لم ينسبه ابن إسحاق في روايته لابن عباس و إنما ذكر فيما أسنده عن ابن عباس أصل القصة وهذا التفصيل إنما أسنده عن بعض أهل العلم ولم يسمه وأخلق به أن يكون عنى الكلبي أو بعض أهل الكتاب فإن من جملة ما عابوه على ابن إسحاق أنه كان يعتمد على أخبار بعض أهل الكتاب فيما ينقله عن الأخبار الماضية
وأما ابن الكلبي فإنه ذكر هذا في تفسيره عن أبي صالح وهو من رواية محمد بن مروان السدي الصغير عنه و قد تقدم أن هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب
وقد ذكر يحيى بن سلام وهو أصلح حالا من محمد بن مروان بكثير فقال
قال الكلبي بلغني أنهم السبعون الذين اختار موسى ثم قص القصة نحو ما ساقها ابن إسحاق وفي آخرها فلما رجعوا إلى العسكر قال لهم من لم يكن معهم ماذا قال ربكم قالوا أمرنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا
هذا قول الذين صدقوا منهم و أما الذين كذبوا فقالوا نعم قال ما قلتم و لكن وسع لنا في آخر ذلك فقال إن لم تستطيعوا إلا الذي نهيتكم عنه فافعلوا قال فلما قدم محمد المدينة كلم اليهود ودعاهم إلى الله عز و جل وإلى الإيمان بكتابة فجحدوا وكتموا فأنزل الله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله الآية
وأما مقاتل بن سليمان فأورده مختصرا فقال قوله وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله نزلت في السبعين الذين اختار موسى ليذهبوا معه حتى يسمعوا كلام الله فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله وهو يأمر وينهى فلما رجعوا أدى الصادقون ما سمعوا وأما طائفة منهم فقالوا سمعنا و الله في آخر كلامه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا
وأخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال كانوا يسمعون الوحي فيسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وقد استنكر ابن الجوزي القصة المتقدم ذكرها فقال أنكر
الحكيم الترمذي أن يكون أحد من بني إسرائيل سمع كلام الله غير موسى لأن ذلك من خصائص موسى
قال ابن الجوزي وهذا هو المعتمد و الآثار الواردة في ذلك واهية لأنها من رواية ابن إسحاق عن بعض أهل العلم و من تفسير مقاتل والكلبي وليس واحد من هذا بحجة انتهى
ورجح الطبري أنهم كانوا يسمعون قال وذلك أن الله أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله استعظاما من الله عز و جل لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم إيذانا عباده المؤمنين بقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما جاءهم به محمد فقال كيف تطمعون في تصديق هؤلاء إياكم و إنما تخبروهم عن غيب لم يشاهدوه وقد كان بعض سلفهم يسمع من الله كلامه بأمره و نهيه ثم يبدله ويجحده فهؤلاء الذين بين أظهركم أحرى أن يجحدوا ما آتيتموهم به انتهى
وعلى هذا فالذي اختص به موسى هو كلام الله سبحانه و تعالى على قصد مخاطبته إياه لا مطلق سماع الكلام ويحتمل أن يكون أولئك إنما كانوا يسمعون كلام
الله عز و جل من بعض الملائكة فيكون لهم بذلك المزية على من بعدهم بما يدل عيله سياق الآية كما أشار إليه الطبري ويصح ما أطلقه الترمذي ومن تبعه من اختصاص موسى بسماع كلام الله سبحانه و تعالى على أن في الحصر نظرا فظواهر القرآن والأحاديث تدل على أن موسى عليه السلام اختص بقدر زائد من ذلك لا مطلق الكلام والله أعلم
22 - قوله ز تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم الآية 76
1 - أم صدرها فذكر أبو حيان بغير إسناد قال قيل إن النبي قال
يدخل قصبة المدينة إلا مؤمن فقال كعب بن الأشرف وكعب بن يهوذا وغيرهما اذهبوا فتجسسوا أخبار من آمن وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم
و أما باقيها فأخرج الطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد قال قام النبي تحت حصون بني قريظة فقال يا إخوان القردة والخنازير ويا عبد الطاغوت فقالوا من أخبر محمدا بهذا ما خرج هذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم فيكون لهم حجة عليكم
وأخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان رسول الله بعث عليا إلى بني قريظة فآذوا النبي فقال اخسؤوا يا أخوة القردة و الخنازير فقالوا من حدث محمدا بهذا
وللطبري من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله بما فتح الله عليكم بما أكرمكم الله به فيقول الآخرون إنما نستهزئ بهم
قلت فعلى هذا المراد بالفتح الإنعام والكرامة وعلى الأول الفتح العقوبة ويشهد له افتح بيننا و بين قومنا بالحق
وقد أخرج الطبري من طريق السدي التصريح بأن المراد بالفتح هنا العذاب ولفظه قال في قوله تعالى أتحدثونهم بما فتح الله عليكم يعني من العذاب وهو الفتح قولوا لهم نحن أكرم على الله منكم
وجاء في السبب المذكور
2 - قول آخر فأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قال كانوا يقولون إنه سيكون نبي يعني في آخر الزمان فخلا بعضهم إلى بعض
فقالوا أتحدثونهم بهذا فيحتجون عليكم به
وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة و سياقه أبسط من هذا و نحوه للطبري من طريق أبي العالية ولفظه يعني بما أنزل الله في كتابه من بعث محمد
وذكره ابن إسحاق عن محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بلفظ و 28 آخر في قوله وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا إي أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بهذا فتقوم عليكم الحجة جحدوا ولا تقروا بأنه نبي أصلا يعني أن النبي لا يكذب وقد قال أنه رسول الله إلى الناس جميعا
3 - وجاء فيه قول آخر ابن أبي حاتم من طريق الحكم بن إبان عن عكرمة إن امرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاؤوا إلى النبي يطلبون منه الحكم رجاء الرخصة فدعا النبي عالمهم فذكر قصة الرجم قال ففي ذلك نزلت وإذا
خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم الآية
23 - قوله ز تعالى و منهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني 78
أخرج الطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية و منهم أميون قال ناس من اليهود لم يكونوا يعلمون شيئا و كانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله تعالى و يقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن البصري نحوه بتمامه وأخرج الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال الأميون هنا قوم
لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزل الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله فأخبر إنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين وهذا استنكره الطبري من جهة اللغة العربية وقد تقدم أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس و إسناده من ابن منصور إلى الضحاك ضعيف و كأنه جعل 29 ما في الآية وصف ما ذكر في التي بعدها وعند الأكثر أنها صفة قوم آخرين وهو أولى
24 - قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا الآية 79
قال الواحدي قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا إنهم غيروا صفة رسول الله في كتابهم و جعلوه آدم سبطا طويلا وكان ربعة أسمر
وقالوا لأصحابهم و أتباعهم انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت للأحبار و العلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن تذهب مأكلتهم أن بينوا
صفته فمن ثم غيروا
قلت الكلبي تقدم وصفه وقد وجدت هذا من وجه آخر قوي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس وفيه مغايرة لسياق الكلبي ولفظ شبيب بن بشر هذا وقد وثقه ابن معين قال هم أحبار يهود وجدوا نعت النبي محمد مكتوبا في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فمحوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا أتجدون في التوراة نبيا أميا قالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فقالت قريش ما هذه صفة صاحبنا
و من طريق أبي العالية عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضا من الدنيا
و من طريق السدي كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه 30 من العرب و غيرهم ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا
ومن طريق قتادة عن معمر نحوه
25 - قوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة 80 أسند الواحدي من طريق محمد بن إسحق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال قدم النبي المدينة و اليهود تقول إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة و إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة و إنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
ثم أسند من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين يوما فقالوا لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا
إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة قال فقال لهم خزنة أهل النار يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد و بقي الأمد
قلت و جويبر ضعيف جدا و الضحاك لم يسمع من ابن عباس والسند الذي قبله إلى ابن عباس أولى بالإعتماد
وقد أخرجه الطبري من رواية العوفي عن ابن عباس والعوفي ضعيف ولعله أخذه عن الضحاك لكن سياق العوفي أتم من سياق الضحاك و عنده عن ابن عباس ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة فذكره 31 وقال في آخره ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة فلما أكلوا من شجرة الزقوم و ملؤوا منها البطون قال لهم خزان سقر
زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة فقد خلا العدد و أنتم في
الأمد فأخذ بهم في صعود في جهنم يرهقون
و أخرج الطبري من وجه آخر عن جويبر عن الضحاك في هذه الآية قال قالت اليهود لا نعذب في النار إلا أربعين يوما بمقدار ما عبدنا العجل
وأما السند الأول من طريق ابن إسحاق فقد تقدم في حال النسخة المروية عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد وإنه صدوق عند ابن أبي حاتم وغيره لكن الأحاديث التي يقول فيها ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس فالترديد بين عكرمة وسعيد بن جبير وفي هذا الموضع اقتصر
الواحدي في سياقه على عكرمة و أظنه اختصر وإلا فقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق على العادة قال عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس
وقد أخرجه الطبري أيضا من طريق حفص بن عمر عن الحكم بن إبان عن عكرمة مرفوعا مرسلا قال خاصمت اليهود رسول الله فقالوا لن ندخل إلا أربعين ليلة ويخلفنا فيها قوم آخرون يعنون أصحاب محمد فقال النبي بل أنتم فيها خالدون لا يخلفكم فيها أحد
فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية
وأخرجه سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج 32 عن عكرمة قال اجتمعت يهود تخاصم النبي فقالوا لن تصيبنا النار فذكره وفيه كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا فنزل القرآن تصديقا لقول النبي وتكذيبا لهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة إلى قوله هم فيها خالدون
وأخرج الطبري عن قتادة قال قالت اليهود
لن ندخل النار إلا تحلة القسم عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل فقال الله
تعالى قل أتخذتم عند الله عهدا أي بهذا الذي تقولون فهاتوا حجتكم
وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله قال ليهود أنشدكم الله الذي أنزل التوراة على موسى من أهل النار الذين ذكرهم الله تعالى في التوراة قالوا إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتم و الله لا نخلفكم فيها أبدا
فنزل القرآن تصديقا لرسول الله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة إلى خالدون
قلت أصل هذا دون ذكر نزول الآية في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أخرجه من رواية الليث عن سعيد المقبري عنه في أثناء حديث قال فيه قال لهم أي النبي من أهل النار قالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها
فقال النبي اخسؤوا فيها و الله لا نخلفكم فيها أبدا
26 - قوله ز تعالى وتخرجون 33 فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان الآية 85
قال ابن اسحاق بسنده عن ابن عباس كانوا فريقين يعني بالمدينة بنو قينقاع ولهم حلفاء الخزرج وقريظة والنضير ولهم حلفاء الأوس فوقع بين الأوس والخزرج حرب فخرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت قريظة والنضير مع الأوس فظاهر كل فريق حلفاءه على إخوانهم حتى سفكت دماؤهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها تحريم سفك دمائهم والأوس و الخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون حلالا من حرام فاذا انقضت الحرب افتدوا أسرى من أسر منهم فتفتدي قينقاع من أسرة الأوس وتفتدي قريظة و النضير من أسرة الخزرج فأنبهم الله تعالى بذلك
قال ابن إسحاق ففي ذلك من فعلهم مع الأوس و الخزرج نزلت هذه القصة فيما بلغني أخرجه الطبري
وأخرج من طريق السدي نحوه لكن خالف في بعضه فقال إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعض بعضا وأيما عبد أمة وجدتم من بني إسرائيل فاشتروه فأعتقوه فكانت قريظة حلفاء الأوس و النضير حلفاء الخزرج وكانوا يقتتلون في حرب سمير فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فكان العرب تعيرهم بذلك يقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم فإذا قالوا أمرنا بأن
نفديهم فإن قيل لهم فقد نهيتم عن قتالهم قالوا إنا نستحي من حلفائنا فنزلت الآية بتوبيخهم على ذلك
27 - قوله ز تعالى و قالوا قلوبنا 34 غلف بل لعنهم الله بكفرهم 88
أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال قالت اليهود قلوبنا مملوءة علما لا نحتاج إلى علم محمد ولا غيره بل هي غلف فنزلت بل لعنهم الله بكفرهم
ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي قالوا قلوبنا أوعية العلم
قال وروي عن عطاء الخراساني مثله
قلت ويستفاد من هذا أمران
أحدهما أن قراءة الجمهور غلف بسكون اللام مخففة
ثانيهما أن بل للإضراب على بابها
28 - قوله ز تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا 89
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق بالسند المذكور أولا إن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله قبل بعثته فلما بعثه الله جحدوا ما كانوا يقولون
فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أحد بني سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تسفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام بن مشكم
أخو بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله عز و جل ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا الآية
وهكذا أخرجه ابن إسحاق في السيرة الكبرى وأخرج فيها أيضا والطبري من طريقه عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم 35 قالوا فينا والله وفيهم أي الأنصار واليهود نزلت هذه القصة قالوا كنا علوناهم دهرا في الجاهلية و نحن أهل شرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون أن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه نقتلكم معه قتل عاد وأرم
فلما بعث الله عز و جل رسوله من قريش واتبعناه كفروا به قال الله عز و جل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به الآية
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يستنصرون بخروج محمد عليه الصلاة و السلام على مشركي العرب فلما بعث الله عز و جل محمدا ورأوه من غيرهم كفروا به و حسدوه
ومن طريق قتادة نحوه وزاد وقالوا اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا في التوراة يعذبهم و يقتلهم فلما بعث من غيرهم كفروا به حسدا
29 - قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا 89
قال الواحدي قال ابن عباس كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فإذا التقوا هزمت يهود فعاذت اليهود بهذا الدعاء اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا فدعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي كفروا به فأنزل الله عز و جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي بك يا محمد إلى قوله فلعنة الله على الكافرين
قال وقال السدي كانت العرب تمر باليهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة 36 فيسألون الله عز و جل أن يبعثه ليقاتلوا معه فلما جاءهم محمد كفروا به حسدا وقالوا إنما كانت الرسل من بني إسرائيل
قلت المحفوظ عن ابن عباس ما تقدم وأما هذا الطريق بهذا اللفظ فأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عنه واعتذر عن إخراجه فقال غريب من حديثه أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير
قلت وأي ضرورة تحوج إلى إخراج حديث من يقول فيه يحيى بن معين كذاب في المستدرك على البخاري ومسلم ما هذا إلا اعتذار ساقط
وجاء عن ابن عباس في تفسير يستفتحون
2 - قول آخر أخرجه الطبري من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله يستفتحون قال كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم وليسوا كذلك بل يكذبون
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق أسباط عنه بهذا ولكن فيه تمر باليهود ويؤذونهم وكانوا يجحدون محمدا في التوراة وفيه فيقاتلوا معه العرب وفيه كفروا به حين لم يكن والباقي سواء زاد ابن أبي حاتم في آخره فما بال هذا من بني إسماعيل
وأخرجه الطبري من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال كانت اليهود تستنصر بمحمد على مشركي العرب يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين و يقتلهم
فلما بعث الله محمدا ورأوه أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب و هم يعلمون 37 أنه رسول الله فقال عز و جل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به الآية
ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون قال كانوا يرجون أن يكون منهم فلما خرج ورأوا أنه ليس منهم كفروا به و قد عرفوا أنه الحق
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون أما و الله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى و عيسى أحمد لكان لنا
عليكم وكانوا يظنون أنه منهم و كانوا بالمدينة والعرب حولهم فلما كان من غيرهم أبوا أن يؤمنوا به و حسدوه وقد تبين لهم أنه رسول الله فمن هناك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج
ومن طريق ابن أبي نجيح عن علي الأزدي هو ابن عبد الله البارقي تابعي ثقة قال قالت اليهود اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا و بين الناس يستفتحون يستنصرون
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة نحو رواية السدي وأوله كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب وقال في آخره كفروا به حسدا للعرب وهم يعرفون أنه رسول الله
30 - قوله ز تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس الآية 94
ذكر ابن الجوزي أنها نزلت لما قالت اليهود أن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل و بنيه
قلت الذي أخرج الطبري من طريق أبي العالية قال قالت اليهود
يعني و النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالت اليهود نحن أبناء الله 38 وأحباؤه فأنزل الله عز و جل قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية ومن طريق قتادة ونحوه
ومن طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس قال لو تمنوه يوم قال لهم فتمنوا الموت ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات وذلك أنهم فيما ذكر لنا قالوا نحن أبناء الله و أحباؤه
وبه إلى ابن عباس في قوله تعالى فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله
وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قال قال ابن عباس لو تمنى اليهود لماتوا وهذا سند صحيح
وعند ابن أبي حاتم من طريق الأعمش أحسبه عن المنهال يعني ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه
وهذه الطرق موقوفة على ابن عباس وقد رفعه عبيد الله بن عمرو الرقي وهو ثقة عن عبد الكريم
أخرجه الطبري من طريقه و لفظه عن رسول الله لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا أو لو خرج الذين يباهلون رسول الله يعني نصارى نجران لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا
و أخرجه أحمد في مسنده من وجه آخر عن عبد الكريم و سند الطبري صحيح وقد أخرجه الضياء المقدسي في المختارة
ووقع في تفسير ابن ظفر أنهم لما ادعوا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا أعلم الله نبيه أنه يحول بينهم و بين تمني الموت فجمعهم و تلا عليهم الآية فامتنعوا من تمني الموت فقال لو تمنوا الموت لما قام رجل منهم من مجلسه حتى يغصه الله 39 بريقه فيموت و سيأتي في تفسير سورة الجمعة ما يؤيد رواية ابن إسحاق أنها نزلت في زعمهم أنهم أولياء الله
ويؤخذ من مجموع الآيتين أن دعاءهم إلى تمني الموت نزل بسبب القولين معا دعواهم أنهم أولياء الله وأن الدار الآخرة خالصة لهم
31 - قوله ز تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة الآية 96
قال محمد بن يوسف الفريابي في تفسيره حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يقول أحدهم لصاحبه عش ألف سنة كل ألف سنة فنزلت
وأخرجه الحاكم أيضا من طريق الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد عن
ابن عباس و لتجدنهم قال هم اليهود ومن الذين أشركوا قال الأعاجم
وأخرجه من تفسير إسحاق بن راهويه عن أبي معاوية عن الأعمش بهذا السند بلفظ يود أحدهم لو يعمر ألف سنة هو قول الأعاجم إذا عطس زه هزار سال
وأخرجه الطبري وابن المنذر من طريق أبي معاوية وقال في آخره يعني عش ألف سنة
32 - قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل إلى قوله للكافرين 97 - 98
أسند الواحدي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال أقبلت يهود إلى النبي فقالوا يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه بالرسالة أو بالوحي فمن صاحبك قال جبريل عليه السلام قالوا ذاك الذي نزل بالحرب وبالقتال ذاك 40 عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك فأنزل الله عز و جل قل من كان عدوا لجبريل الآية إلى قوله للكافرين
قلت أخرجه أحمد و الترمذي و النسائي من هذا الوجه وفي أول الحديث إنا نسألك عن خمسة أشياء وذكرها في سياقه وهي علامة النبي وكيف تؤنث المرأة وتذكر وعما حرم إسرائيل على نفسه وعن الرعد وآخرها من صاحبك من الملائكة الحديث
وعند أحمد أيضا وعبد بن حميد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود رسول الله فقالوا يا أبا
القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي فقال سلوا عم شئتم فذكر الحديث وفيه قالوا فأخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه قال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا أن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد عليهم
قالوا فأخبرنا بهذا النبي الأمي من وليه من الملائكة قال فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك و صدقناك قال فما يمنعكم قالوا إنه عدونا فأنزل الله عز و جل الآية
وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب بنحوه 41 ولم يذكر ابن عباس وزاد فيه قالوا فأخبرنا عن الروح قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني قالوا نعم ولكنه لنا عدو و هو ملك إنما يأتي بالشدة و سفك الدماء ولولا ذاك اتبعناك فأنزل الله الآية إلى قوله كأنهم لا يعلمون
وقال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قالت اليهود إن جبريل يأتي محمدا وهو عدونا لأنه ينزل بالشدة و الحرب و السنة وإن ميكائيل ينزل بالرخاء و العافية والخصب فقال الله تعالى من كان عدوا لجبريل الآية
وأخرج الطبري من طريق القاسم بن أببي بزة يهودا سألوا النبي من صاحبك الذي ينزل عليك بالوحي قال جبريل قالوا فإنه عدونا لا يأتي إلا بالحرب و الشدة والقتال فنزلت
وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي فذكر الحديث وفيه أنه سأله عن أشياء فقال أخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة هكذا في هذه الطريق من قول عبد الله بن سلام وهي قصة غير التي في حديث ابن عباس
وأسند الواحدي من طريق علي بن مسهر والطبري من طريق ربعي بن علية و هو أخو إسماعيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال نزل عمر
الروحاء فذكر قصة فيها فقال عمر كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم فقالوا يا ابن الخطاب ما أحد أحب 41 إلينا منك
إنك تأتينا و تغشانا قال ومر رسول الله فقالوا يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به
فقلت لهم عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه أتعلمون أنه رسول الله فسكتوا فقال عالمهم و كبيرهم إنه قد عظم عليكم فأجيبوه قالوا أنت عالمنا و سيدنا فأجبه أنت قال أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله قال قلت ويحكم فأنى هلكتم قالوا إنا لم نهلك قال كيف ذاك و أنتم تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه قالوا لأن لنا عدوا من الملائكة وسلما و انه قرن بنبوته عدونا من الملائكة قال قلت و من عدوكم ومن سلمكم قالوا عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل قال قلت وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل قالوا إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة
والتخفيف ونحو هذا
قال قلت وما منزلتهما من ربهما قالوا أحدهما عن يمينه والآخر عنة يساره قال قلت فوالله الذي لا إله إلا هو إن الذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل قال ثم قمت فاتبعت النبي فلحقته وهو خارج من خوخه لبني فلان فقال لي يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل فقرأ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله 43 مصدقا لما بين يديه حتى قرأ الآيات قال
قلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر
لفظ الطبري وأخرجه أيضا من طريق إسماعيل بن علية عن داود نحوه
ومن طريق مجالد عن الشعبي نحوه
وأخرج أيضا من طريق قتادة قال ذكر لنا أن عمر انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما أبصروه رحبوا به فقال لهم عمر أما والله ما جئت لحبكم ولا لرغبة فيكم ولكن جئت لأسمع منكم فسألهم و سألوه فقالوا من صاحب صاحبكم فقال لهم جبريل فقالوا ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل وكان إذا جاء جاء بالخصب و بالسلم
فقال لهم عمر أتعرفون جبريل وتنكرون محمدا ففارقهم وتوجه نحو النبي ليحدثه حديثهم فوجده قد أنزلت عليه قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله الآية
ومن طريق السدي قال كانت لعمر أرض بأعلى المدينة فكان ممره على طريق مدارس اليهود فدخل فسمع منهم فقالوا يا عمر ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك فإنك تمر بنا فلا تؤذينا فقال عمر أي يمين أعظم فيكم قالوا الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء فقال لهم عمر فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم فذكر نحو حديث الشعبي بطوله
ومن طريق هشيم عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قالت اليهود للمسلمين لو أن 44 ميكائيل الذي ينزل عليكم اتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة و الغيث وإن جبريل ينزل بالنقمة والعذاب وهو لنا عدو فنزلت هذه الآية
من كان عدوا لجبريل
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن الدشتكي عن حصين عن ابن أبي ليلى مختصرا ولفظه إن يهوديا لقي عمر فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدوا لله وملائكته ورسله إلى للكافرين قال فنزلت على لسان عمر
قلت وهذا غريب إن ثبت فليضف إلى موافقات عمر وقد جزم ابن عطية بأنه ضعيف ولم يبين جهة ضعفه وليس فيه إلا الإرسال
ثم قال الواحدي قال ابن عباس أن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال
له عبد الله بن صوريا حاج النبي فسأله عن أشياء فلما اتجهت عليه الحجة قال أي ملك يأتيك من السماء قال جبريل ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه قال ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل مكانه لآمنا بك إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة على يدي رجل يقال له بخت نصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بخت نصر ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا إن كان ربكم هو الذي أذن في هلاككم فلن تسلط عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله فصدقه صاحبنا 45 ورجع إلينا وكبر بخت نصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت يتعجب من جزمه بهذا عن ابن عباس مع ضعف طريقه فإنه من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي وقد قدمت أنه هالك
وقد أخرج الطبري من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أن اليهود سألت محمدا عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة ولم يكن عندهم صاحب
وحي ينزل من الله على رسله ولا صاحب رحمة فأخبرهم رسول الله فيما سألوه عنه أن جبريل صاحب وحي وصاحب نقمة وصاحب رحمة فأنكروا ذلك
وقالوا هو عدو لنا فأنزل الله عز و جل تكذيبا لهم قل من كان عدوا لجبريل الآية ثم قال الواحدي قال مقاتل قالت اليهود إن جبريل أمره الله أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية
قلت جعل الواحدي هذا السبب ترجمتين من أجل الإختلاف في سبب عداوتهم لجبريل وإن كان سبب النزول واحدا وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال
أحدهما قول الجمهور إن عداوتهم لكونه ينزل بالعذاب
ثانيها كونه حال دون قتل بخت نصر الذي خرب مسجدهم وسفك دماءهم وسبى ذراريهم
ثالثها كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل
وهذا الثالث قواه الفخر الرازي من جهة المعنى لأن معاداة جبريل وهو
رسول الله بامتثاله أمر الله فيما ينزل به 46 من الشدة والعذاب لا يصدر من عاقل بخلاف تجويز النسيان عليه مع من أمر بالإنزال عليه هذا حاصل ما رجحه به
وفاته ترجيح أن يرجح الثاني لأنه ليست مخالفة لما أمر به لا عمدا ولا سهوا بل هو راجع إلى اجتهاده ومن عادى من اجتهد فأداه اجتهاده إلى ضرر من عاداه لا يلام في المعاداة
وقد وجدت ما يصلح معه إفراد الترجمة الثانية وهو سبب معاداتهم لرسول الله لأن الأولى من جميع طرقها خاصة بجبريل عليه السلام وذلك فيما أخرجه الطبري من طريق عبيد الله العتكي وهو أبو المنيب المروزي صدوق عن رجل من قريش قال سأل النبي اليهود فقال أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون هل تجدونني قد بشر بي عيسى أن يأتيكم رسول من بعدي اسمه أحمد قالوا اللهم وجدناك في كتبنا ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال يعني الغنائم وتهريق الدماء
فأنزل الله عز و جل من كان عدوا لله وملائكته ورسله الآية
33 - قوله تعالى ولقد أنزلنا إليك آيات بينات 99
قال الواحدي قال ابن عباس هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة نتبعك بها فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت أخرجه الطبري من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله يا محمد فذكره وفي آخره فأنزل الله في ذلك من قوله ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون
وأخرجه ابن المنذر من وجه آخر عن ابن إسحاق بغير سند لابن إسحاق لكن قال قال ابن صلوبا الفطيوني والمحفوظ ما تقدم
34 - قوله ز تعالى أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم 100
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال قال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله وذكرهم ما أخذ الله عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد والله ما عهد الله إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاق فأنزل الله عز و جل أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم الآية
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج في هذه الآية قال لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ويعاهدون اليوم و ينقضون غدا
ومن طريق أخرى عن عطاء قال هي العهود بينه و بين اليهود نقضوها كفعل قريظة و النضير وهي كقوله تعالى الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم الآية
وذكر ابن ظفر في قوله تعالى ولقد أنزلنا إليك آيات بينات قيل كان اليهود يقولون للنبي إن أخبرتنا عن كذا وكذا آمنا بك فيوحي الله إليه بذلك فيخبرهم به فلا يؤمنون وهو المراد بقوله أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
قال وقيل إن الأعراب التي كانت منازلهم بقرب يثرب كانوا يغيرون عليهم ويقاتلونهم فيقولون إن خرج النبي الذي يسفك دماءكم و يسبي أولادكم لنقاتلنكم معه ونؤمن به 48 ويكررون الحلف فلما بعث نبذوا جميع تلك العهود
35 - قوله ز تعالى ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله الآية 101
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي قال في هذه الآية ولما جاءهم رسول قال لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة فخاصموه بها فاتفق التوراة والقرآن فنبذوا التوراة و أخذوا بكتاب آصف ونسخة هاروت وماروت فلم توافق القرآن فأنزل الله عز و جل هذه الآية إلى قوله كأنهم لا يعلمون
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال لما ذهب ملك سليمان
ارتد فئام من الجن و الإنس واتبعوا الشهوات فلما رجع إلى سليمان إلى ملكه أقام الناس على الدين كما كان ثم ظهر سليمان على كتبهم فدفنها تحت كرسيه ومات حدثان ذلك فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاته فقالوا هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منها فأخذوا به فجعلوه دينا فأنزل الله عز و جل ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين من المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله عز و جل
36 - قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية 102
1 - أخرج الواحدي من تفسير إسحاق بن راهويه قال أنا جرير عن
حصين عن عمران بن الحارث قال بينا نحن عند ابن عباس إذ قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلام حق فإذا جرب من أحدهم الصدق 49 كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس فاطلع على ذلك سليمان فأخذها يعني الصحف التي نسخوا فيها تلك الأكاذيب و ما قبلها من الصدق فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق وقال ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز مثله قالوا بلى
قال تحت الكرسي فأخرجوه فقالوا هذا سحر فتناسخها الأمم فأنزل الله تعالى عذر سليمان عليه السلام واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان الآية
قال الواحدي
وقال الكلبي إن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات على لسان آصف بن
برخيا هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك ودفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان فلما مات سليمان استخرجوها من تحت مصلاه وقالوا للناس إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فأما علماء بني إسرائيل فقالوا معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان وأما السفلة فقالوا هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم وفشت الملامة على سليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله عز و جل محمدا فأنزل الله عذر سليمان على لسانه وأظهر براءته مما رمي به فقال واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية
ثم أسند الواحدي من طريق سعيد بن منصور ثنا عتاب بن بشير أنا خصيف قال كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال لأي داء أنت فتقول لكذا وكذا فلما نبتت شجرة الخروب قال لأي شيء أنت قالت لمسجدك أخربه قال
تخربينه قالت نعم قال بئس الشجرة 50 أنت فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم لو كان مثل سليمان فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا فجعلوه في مصلى سليمان وقالوا نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب فإذا فيه سحر و رقي فأنزل الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان إلى قوله فلا تكفر
قال الواحدي وقال السدي إن الناس في زمن سليمان اكتتبوا السحر و اشتغلوا بتعلمه فأخذ سليمان تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك فلما مات سليمان وذهب الذين كانوا يعرفون دفن تلك الكتب تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفرا من بني إسرائيل فقال هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا أي لا ينفد قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والشياطين والطير بهذا فاتخذ بنو اسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية
قلت اثر ابن عباس أخرجه الحاكم في المستدرك من هذا الوجه وعمران أخرجه له مسلم وباقي رجاله من رجال الصحيح
وأما أثر الكلبي فأخرج الطبري نحوه عن ابن إسحاق ولفظه قال عمدت
الشياطين حين عرفت موت سليمان فكتبوا أصناف السحر من كان يحب أن يبلغ كذا فليقل كذا حتى إذا استوعبوا أصناف السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم نقشوه على خاتم سليمان وكتبوا في عنوان الكتاب 51 هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ثم دفنوه تحت كرسيه فاستخرجه بعد ذلك بقايا من بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا فلما عثروا عليه قالوا والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا فأفشوا السحر وتعلموه و علموه فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود فلما ذكر رسول الله سليمان وعده في من عده يعني من الأنبياء قال من كان بالمدينة من اليهود ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبيا والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله عز و جل هذه الآية هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد وأخرج الطبري من طريق شهر بن حوشب نحوه بطوله فلعل ابن إسحاق أخذه عنه وعن الكلبي
وحكى الماوردي إن آصف بن برخيا كاتب سليمان واطأ نفرا من الشياطين على كتاب كتبوه سحرا ودفنوه تحت كرسي سليمان ثم استخرجوه فذكر القصة ولم أر في الآثار المسندة أن آصف واطأ الشياطين
وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لما جاءهم محمد بالقرآن عارضوه بالتوراة
فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت و ماروت فمراده بكتاب آصف الكتاب الذي ادعت الشياطين أن آصف هو الذي ألفه و هذا لا يلزم منه أنهم صدقوا فيما ادعوه على آصف
ثم إن الثابت في كتابة الشياطين السحر أنه إنما وقع لهم حين نزع من سليمان ملكه كذلك أخرجه الطبري من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان الذي أصاب سليمان بن داود 52 في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة وكانت من أكرم نسائه عليه فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه في الفريقين واحدا وكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء نزع خاتمه فذكر القصة بطولها كما سيأتي في سورة ص إلى أن قال فعمدت الشياطين في تلك الأيام فكتبت كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم
أخرجوها يعني بعد موته فقرأوها على الناس فقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبرئ الناس من سليمان وكفروه حتى بعث الله محمدا فأنزل الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وأخرج ابن أبي حاتم أثر الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس بلفظ كان آصف كاتب سليمان يعلم الإسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمله فأكفره جهال الناس و سبوه حتى أنزل على محمد واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان
وأما أثر خصيف ففيه ضعف مع إعضاله وأصل قصة سليمان في خطاب الشجرة إذا نبتت وما يتداوى بها منه ثابت في حديث آخر أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مات سليمان وهو قائم يصلي ولم تعلم الشياطين يموته حتى أكلت
الأرضة عصاه فخر وكان إذا نبتت شجرة سألها لأي داء أنت فتخبره فلما نبتت الخروب 53 سألها لأي شيء أنت فقالت لخراب هذا المسجد فقال إن خراب هذا المسجد لا يكون إلا عند موتي فاتخذ منها عصا يتوكأ عليها وقال اللهم عم عن الجن موتي الحديث و سأذكره بتمامه في سورة سبأ إن شاء الله تعالى
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري مطولا وفي أوله نظير القصة التي في أثر ابن عباس بأبسط منه وأوضح بيانا ولفظه من طريق أسباط عن السدي قال كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع يستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة فيخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة فاكتتبت الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل إن الجن تعلم الغيب فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق وقال سليمان لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه فلما مات سليمان و ذهب العلماء الذين
يعرفون أمر سليمان وخلف بعد ذلك خلف تمثل شيطان في صورة إنسان فذكره وفيه فأراهم المكان وقام ناحية فقالوا ادن قال لا ولكني هاهنا في أيديكم فإن لم تجدوه فاقتلوني فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان إن سليمان إنما كان يضطر الإنس و الجن و الشياطين والطير بهذا السحر ثم طار فذهب وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا 54 واتخذت بني إسرائيل تلك الكتب فلما جاء محمد خاصموه بها فذلك حين يقول الله عز و جل وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وأخرج الطبري أيضا من طريق الربيع بن أنس قال إن اليهود سألوا محمدا زمانا عن أمور التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصمهم فلما رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به فأنزل الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية وذلك أن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك فدفنوه تحت مجلس سليمان وكان سليمان لا يعلم الغيب فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس وقالوا هذا علم كان سليمان يكتمه و يحسد الناس عليه فأخبرهم النبي بهذا الحديث فرجعوا من عنده بخزي وقد أدحض الله حجتهم
وأخرج الطبري من طريق عمرو بن دينار عن مجاهد في قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان قال كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مئتين مثلها فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فأخفاه فلما مات سليمان وجدته الشياطين فعلمته الناس وهو السحر
قلت وجاء في سبب نزول قوله تعالى وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
2 - قوله آخر أخرجه الطبري أيضا من طريق عمران بن حدير عن أبي مجلز قال أخذ سليمان من كل دابة عهدا فإذا أصيب 55 رجل فسئل بذلك العهد خلي عنه فزاد الناس السجع و السحر وقالوا هذا كان يعمل به سليمان فقال الله تعالى وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا وهذا سند صحيح لكنه في حكم المرسل لأن أبا مجلز تابعي وسط من طبقة محمد بن سيرين
وجاء فيه أيضا ما أخرجه الطبري من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن
سعيد بن جبير قال كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر ويأخذه فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزائنه فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه فدبت إلى الإنس فقالوا لهم أتريدون العلم الذين كان سليمان يسخر به الشياطين و الرياح وغير ذلك قالوا نعم قالوا فإنه في بيت خزائنه وتحت كرسيه فاستشارته الإنس فاستخرجوه فعملوا به فقال أهل الحجى ما كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر فأنزل الله تعالى على نبيه براءة سليمان فقال واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا الآية فأبرأ الله سليمان على لسان نبيه محمد
37 - قوله تعالى وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت 102
سبب نزولها ما تقدم في قوله واتبعوا ما تتلو الشياطين وما بعده فأخرج الطبري من طريق السدي في هذه الآية قال هذا سحر آخر خاصموه به أي خاصموه بما أنزل الله على الملكين لأن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس وعلمت به كان سحرا
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال السحر سحران سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت و ماروت
وأخرج الطبري من طريق العوفي 56 عن ابن عباس قال لم ينزل الله السحر ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله قال الطبري فعلى هذا فالمراد بالملكين جبريل و ميكائيل و هاروت وماروت رجلان من أهل بابل وفي الكلام تقديم و تأخير والتقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل وهاروت وماروت بدل من الناس والقراءة المشهورة أن الملكين بفتح اللام وبنى الطبري الإختلاف فيها على تفسيرها فمن قرأ بالفتح قال هما هاروت وماروت أو جبريل وميكال ومن بالكسر قال هما علمان ملكا بابل أو شيطانان
ورجح الأول لشهرة القراءة بالفتح ولتعسف التأويل و التركيب ممن قال جبريل وميكال
واختلف في الأمر الذي أنزل الملكان بسببه فوردت في ذلك أقوال
إن السحرة كانوا كثروا وفشا منهم عمل السحر حتى ادعوا النبوة فجاء الملكان يعلمان الناس السحر ليتمكنوا من معارضة السحرة
2 - وقيل كان السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه مباحا فنزلا لذلك فاستعمله بعضهم في التفرقة بين الزوجين وغير ذلك من الباطل
3 - وقيل إن الجن كانوا يقدرون من السحر على ما لا يقدر عليه البشر فنزلا ليعلما البشر ليحذروا من فعل الجن
4 - وقيل أنهما نزلا بالوحي على إدريس
وهذه الأقوال جمعت مما ذكره من ينقل كل ما وجد سواء ثبت عن قائليه أم لا ومنهم من يحذف اسم من نقل ذلك ومن نقل عنه ومهم من يعسر عليه التأويل فيبادر إلى تكذيب المنقول لعدم معرفته بأحوال النقلة 57 حتى أن أبا حيان مع أنه ممن ينتسب إلى الحديث وأهله و يتبسط في توثيق بعض الشيوخ وتجريحهم تبع غيره في إنكار ما ورد من قصة هاروت وماروت والزهرة كما سأذكر لفظه وقد ورد في ذلك خبر مرفوع رجاله موثقون وله شواهد كثيرة
قال أحمد في مسنده
حدثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر إنه سمع نبي الله يقول إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية إلى ما لا تعلمون قالت الملائكة ربنا نحن أطوع لك من بني آدم فقال الله تبارك و تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر
فجاآها فسألاها نفسها فقالت لا و الله حتى تكلما بهذه الكلمة من الشرك فقالا لا والله لا نشرك شيئا أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا لا والله حتى تقتلا هذا الصبي
فقالا لا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها و قتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا
قال شيخنا الحافظ أبو الحسن في زوائد المسند
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير 58 موسى بن جبير و هو ثقة
قلت السند على شرط الحسن وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه كعادته في تصحيح مثله فأخرجه في النوع الرابع من القسم الثالث عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكير و رجاله رجال الصحيح إلا موسى بن جبير فإنه مدني نزل مصر وروى عنه جماعة ولم أر فيه تجريحا ولا تعديلا إلا ذكر ابن حبان له في الثقات وإخراج حديثه في صحيحه
وقال ابن حبان بعد تخريجه الزهرة هذه امرأة كانت في ذلك الزمان لا أنها الزهرة التي هي في السماء
قلت وهذا مما قاله من عنده وقد ورد الخبر بخلاف ما زعم وصرح فيه بأنها
الزهرة الكوكب الذي هو الآن في السماء وإن تلك المرأة مسخت كوكبا فأخرج الطبري من طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن عمير بن سعيد قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت فراوداها عن نفسها فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء فعلماها فعرجت إلى السماء فمسخت كوكبا وهذا سند صحيح وحكمه أن يكون مرفوعا لأنه لا مجال للرأي فيه وما كان علي رضي الله عنه يأخذ عن أهل الكتاب
وأخرجه عبد بن حميد بسند آخر صحيح إلى علي أتم منه قال حدثنا يعلى ابن عبيد ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عمير وأخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد به وقال صحيح عن عمير بن سعيد قال قال علي أرأيتم هذه الزهرة تسميها العجم أناهيد وكانت امرأة وكان الملكان يهبطان أول النهار يحكمان بين 59 الناس ويصعدان آخر النهار فأتتهما فأراداها على نفسها كل واحد من غير علم صاحبه ثم اجتمعا فأرادها فقالت لهما لا إلا أن تخبراني بم تهبطان إلى الأرض وبما تصعدان فقال أحدهما للآخر علمها فقال كيف بنا لشدة عذاب الله قال إنا لنرجو سعة رحمة الله فعلماها فتكلمت به فطارت إلى السماء فمسخها الله
فكانت كوكبا وقال عبد الرزاق في تفسيره وأخرجه عبد بن حميد عنه قال أنا ابن التيمي هو معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عن ابن عباس قال إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكب الحمراء يعني الزهرة وهذا سند صحيح أخرجه الحاكم من هذا الوجه و أخرجه الطبري من وجه آخر أتم منه وسيأتي ذكره في تفسير حم
وجاء عن ابن عمر مطولا أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد
قال كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر فلما كان ذات ليلة قال لغلامه انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين قالت الملائكة رب كيف تدع عصاة بني آدم وهو يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك و يفسدون في الأرض فقال إني قد ابتليتهم فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون قالوا لا قال فاختاروا من خياركم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني مهبطكما إلى الأرض وأعهد إليكما أن لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تخونا فاهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا 60 إن كان على مثله فقالا وما ذلك قالت المجوسية قالا الشرك هذا لا نقربه فسكتت عنهما ما شاء الله ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما بديني وشرطتما لي أن تصعداني إلى السماء فعلت فأقراها وأتياها ثم صعدا بها فلما انتهيا بها اختطفت
منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا يبكيان وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا لو أتينا فلانا فسألناه أن يطلب لنا التوبة فأتياه فقال رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء فقالا إنا قد ابتلينا قال ائتياني يوم الجمعة فأتياه فقال ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية فأتياه فقال اختاروا قد خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وأنتما في الآخرة على حكم الله وإن أحببتما عذاب الآخرة فقال أحدهما الدنيا لم يمض منها إلا قليل وقال الآخر ويحك إني قد أطعتك في الأمر فأطعني الآن إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى فقال أما تخشى أن يعذبنا في الآخرة فقال لا إني لأرجو إن علم الله إنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا فاختاروا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليها وسافلها
وهذه متابعة قوية لرواية موسى بن جبير عن نافع لكنها موقوفة على ابن عمر
لم يضفها إلى النبي
وجاءت من وجه آخر عن ابن عمر عن كعب الأحبار موقوفة عليه أخرج ابن أبي حاتم أيضا وعبد بن حميد من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن 61 سالم ن ابن عمر عن كعب قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت و ماروت فقال لهما اهبطا إلى الأرض وإني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكما رسولا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب فما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استحلا جميع ما حرم عليهما
قلت وسند الثوري أقوى من سند زهير إلا أن رواية كعب مختصرة جدا فيحتمل أن يكون ابن عمر استظهر برواية كعب لكونها توافق ما حمله ابن عمر عن النبي
وقد حكى المنذري عن بعض العلماء أنه رجح الرواية الموقوفة على كعب على الرواية المرفوعة والذي أقول لو لم يرد في ذلك غير هاتين الروايتين لسلمت أن
رواية سالم أولى من رواية نافع لكن جاء ذلك من عدة طرق عن ابن عمر ثم من عدة طرق عن الصحابة ومجوع ذلك يقضي بأن للقضية أصلا أصيلا والله أعلم
وقد جاء عن ابن عباس موقوفا عليه بسند حسن أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال لما وقع الناس بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء يا رب هذا العالم
الذين إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك قد وقعوا في الكفر وقتل النفس وأكل الحرام و الزنا و السرقة و غير ذلك وجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم فقيل لهم إنهم في غيب فلم يعذروهم فقيل لهم اختاروا منكم ملكين من أفضلكم آمرهما وأنهاهما فاختاروا هاروت وماروت 62 فأهبطا إلى الأرض وجعل لهما شهوات بني آدم و أمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئا ونهاهما عن قتل النفس الحرام وأكل المال الحرام وعن الزنا و السرقة و شرب الخمر فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق و ذلك في زمان إدريس و في ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وإنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها و على دينها فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنما فقالت هذا أعبده فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فراوداها عن نفسها ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا فأراداها على نفسها فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما فاختارا إحدى الخلال الثلاث إما أن تعبدا هذا الصنم وإما أن تقتلا هذه النفس وإما أن تشربا هذه الخمر فقالا كل هذا لا ينبغي و أهون هذا شرب الخمر فشربا الخمر فأخذت فيهما فوقعا المرأة وخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهم السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا إلى الصعود إلى السماء فلم يستطيعا و حيل بينهما و بين ذلك و كشف الغطاء فيما بينهما و بين أهل السماء فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الخطيئة فعجبوا كل العجب وعرفوا أن من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فقيل لهما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب بالآخرة فقالا أما عذاب الدنيا فإنه يذهب و ينقطع أما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا
ببابل6فهما يعذبان
و أخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن عباس وسنده صحيح إلى قتادة قال حدثنا أبو سعيد العدوي في حنازة يونس أبي غلاب عن ابن عباس قال إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون أعمال بني آدم فذكر نحو القصة وقال في روايته أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم قالوا سبحانك ما ينبغي لنا وقال فيها فاهبطا إلى الأرض وأحل لهما ما فيها و لم يذكر وذلك في زمان إدريس وقال فيها فما أشهرا حتى عرض لهما بامرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت
فلما رأياها كسرا بها وقال فيها ودخل عليهما سائل فقتلاه وزاد فقالت الملائكة سبحانك أنت كنت أعلم وقال فيها فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهم وقال في آخرها فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق النجب وجعلا ببابل
وله طريق أخرى بسند جيد إلى يزيد الفارسي عن ابن عباس قال إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم فذكر نحوه وفيه اختاروا ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض و يحكموا بينهم و جعلت فيهم شهوة الآدميين فاستقال منهم واحد فأقيل و أهبط اثنان فأتتهما امرأة يقال لها مناهيد فهوياها جميعا فذكر القصة و في آخرها وقالت لهما أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة وأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما و في آخره فهما مناطان بين السماء و الأرض أخرجه ابن أبي حاتم
وجاء من وجه آخر مقتصرا على آخر القصة وسنده على شرط الصحيح إن
كان التابعي حمله عن ابن عباس قال عبد الرزاق أنا معمر 64 عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله إن هاروت وماروت كانا ملكين فأهبطا ليحكما بين الناس و ذلك ان الملائكة سخروا من حكام بني آدم فتحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما و بين ذلك فخيرا بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا
تنبيه طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم و كثير
من المتأخرين وليس العجب من المتكلم والفقيه إنما العجب ممن ينتسب إلى
الحديث كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية مع كثرة طرقها أو تباين أسانيدها أنه باطل أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة أو واردة من أوجه لكنها واهية واحتجاجهم بها و العمل بمقتضاها
وقد لخص الثعلبي ثم ابن ظفر ثم القرطبي هذه القصة من بعض ما ذكرته و من رواية الكلبي و غيره من المفسرين وذكروا في القصة زيادات
1 - منها إن الذين أنكروا أعمال بني آدم هم الثلاثة الذين اختاروهم
2 - ومنها عن عطاء بلغني أن هاروت و ماروت قالا يا ربنا إنك لتعصى في الأرض فأهبطهما إلى الأرض
3 - ومنها إن الثالث الذي استقال يسمى عزازيل وأنه أقام أربعين سنة مطأطئا رأسه استحياء من ربه و أنه عندما ركبت فيه الشهوة أحس بالبلاء فلذلك استقال
4 - ومنها لو كنتم مكانهم لعلمتم شرا من أعمالهم
5 - و منها قول كعب ما مر بهما شهر حتى فتنا بالمرأة
6 - و منها أن أحدهما قال للآخر هل لك أن تقضي على زوجها قال أما تعلم ما عند الله من العقوبة قال بلى و لكن أما تعلم ما عنده من الرحمة لمن تاب 65 فسألاها نفسها فقالت لا إلا أن تقتلاه فأفرغ لكما فقتلاه و سألاها نفسها فقالت لا إلا أن تعبدا معي الصنم فتقاولا ثم صلبا فتقاولا كالأول
7 - ومنها فجعل الملائكة يعذرون أهل الأرض
8 - ومنها أنهما لما ندما انطلقا إلى إدريس وقيل إلى سليمان وقيل إلى بعض علماء العصر
الذين أنكروا قصة هاروت و ماروت
و أما من أنكرها فجماعة منهم القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام
القرآن فقال
وقد روى المفسرون عن نافع قال قال لي ابن عمر اطلعت الحمراء قلت نعم و ذكر أنه لعنها فقلت سبحان الله نجم مسخر مطيع تلعنه قال ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله أن الملائكة عجبت من معاصي بني آدم في الأرض فذكر القصة ولخص بعض ما ورد في ذلك ثم قال وإنما سقت هذا الخبر لأن العلماء رووه و دونوه فخشينا ان يقع لمن يضل به و تحقيق القول فيه أنه لم يصح سنده و لكنه جائز كله في العقل لو صح النقل و لا يمتنع أن تقع المعصية من الملك و يوجد منهم خلاف ما كلفوه وتخلق فيهم الشهوات فإنه لا ينكر ذلك إلا جاهل لا يدري الجائز من المستحيل أو من شم ورد الفلاسفة القائلين بأن الملك روحاني بسيط لا تركيب فيه وشهوة الطعام و الشراب و الجماع لا تكون إلا في مركب و هذا تحكم لأنهم أخبروا عن كيفية لم يروها ولا نقلت إليهم ولا دل العقل عليها وجواز تركيب البسيط إنما هو بطريق العادة و أما ما أخبر الله به عنهم أنهم
يسبحون الليل و النهار لا يفترون
و أنهم يفعلون ما يؤمرون فهو خبر صدق وحق لكنه إخبار عن حالهم إلى آخر كلامه 66 فجوز وقوع ذلك ودفع صحة النقل بوقوعه وهو محجوج بما قدمته
وقد تلقاه عنه القرطبي المفسر فقال بعد أن أشار إلى القصة باختصار ما نصه وهذا كله ضعيف و بعيد على ابن عمر وممن أنكر صحة ذلك أبو محمد ابن عطية في تفسيره فقال روي عن علي و ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمر وكعب الأحبار و السدي و الكلبي ما معناه فذكر القصة ملخصة ثم قال وهذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر و غيره لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في المنقول وأما العقل فلا ينكر ذلك إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم لكن وقوع هذا
الجائز لا يدرك الا بالسمع ولم يصح انتهى
و منهم أبو محمد بن حزم فقال في كتاب الملل و النحل بعد أن قرر عصمة الأنبياء و استدل بالآيات الواردة في ذلك و أطنب في التمسك بظاهرها وعمومها ثم ختم بأن قال وهذا يبطل ظن من قال إن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بالزنا و شرب الخمر وقتل النفس ثم أخذ يتأول القصة التي في الآية قال و لم يقل الله إنهما كفرا و لا عصيا وإنما جاء ذلك في خرافة موضوعة لا تصح من طريق الإسناد أصلا ولا هي مع ذلك عن رسول الله بل هي موقوفة على من دونه فسقط التعلق بها إلى أن قال نسبوا إلى الله ما لم يأت به أثر يشتغل به و إنما هو كذب مفترى إن الله أنزل إلى الأرض ملكين وهما هاروت وماروت وإنهما عصيا بشرب الخمر و الحكم بالباطل و قتل النفس المحرمة و الزنا و تعليم الزانية اسم الله الأعظم فطارت به إلى السماء فمسخت 67 كوكبا وهي الزهرة و إنهما عذبا في غار ببابل قال وأعلى ما في هذا الباب خبر رويناه من طريق عمير بن سعيد وهو
مجهول يقال له مرة النخعي ومرة الحنفي ما نعلم له رواية إلا هذه الكذبة و ليست مرفوعة بل وقفها على علي وكذبة أخرى في أن حد الخمر لم يسنه النبي انتهى
وكلامه في هذا الفصل ينبئ عن قصوره في النقل فإن عمير بن سعيد وثقه يحيى بن معين و محمد بن سعد و حديثه فيما يتعلق بحد الخمر أخرجه البخاري في صحيحه ولا نعرف أحدا قدح في سنده قبله ولا جرح عمير بن سعيد ولا قال أنه مجهول
وقد قال شعبة عن الحكم قال عمير بن سعيد وحسبك به وذكر البخاري في تاريخه أنه كان بالكوفة لما كان المغيرة بن شعبة أميرها في زمن عمر رضي الله عنه
و أما قوله إنه ليس له إلا هذان الأثران فحصر مردود لأن له رواية عن أبي موسى وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وغيرهم من الصحابة وعن علقمة ومسروق وغيرهما من التابعين و حدث عنه خلق من التابعين
فسقط كلامه و قد تلقاه منه بالقبول شيخ من شيوخنا أثير الدين أبو حيان وسأذكر كلامه بعد
وممن صرح بنفي ورود حديث مرفوع في هذه القصة القاضي عياض في الشفاء فقال ما نصه بعد أن حكى الخلاف في عصمة الأنبياء هل هي عامة في الجميع أو في المرسلين فقط و فيمن عداهم خلاف قال فما احتج به من لم يوجب عصمة جميعهم قصة هاروت وماروت وما ذكر فيها أهل الأخبار و نقلة التفسير وما يروى عن علي و ابن عباس في خبرهما 68 و ابتلائهما فاعلم أن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا سقيم و لا صحيح عن رسول الله وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وقد أنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كذب اليهود وافترائهم قلت وهذا من غريب ما وقع لهذا الإمام المشتهر بالحديث المعدود في حفاظه
المصنف في شرحه كيف يجزم بما نفاه من ورود خبر مرفوع في هذه القصة وكيف يجزم بأن الذي ورد من ذلك إنما هو من افتراء اليهود مع أن عليا وابن عباس وابن عمر و غيرهم ثبت عنهم الإنكار على من سأل اليهود عن شيء من الأمور
وكثرة الأخبار الواردة في هذه القصة
وقال أبو حيان في تفسيره الكبير الذي سماه البحر وقد ذكر المفسرون في قراءة من قرأ الملكين بفتح اللام قصصا تتضمن أن الملائكة تعجبت من بني آدم فذكر قصة ملخصة إلى أن قال وكل هذا لا يصح منه شيء والملائكة معصومون لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ولا يصح أن رسول الله كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر انتهى
وليعتبر الناظر في كلام هؤلاء والعجب ممن ينتمي منهم إلى الحديث ويدعي التقدم في معرفة المنقول و يسمى عند كثير من الناس بالحافظ كيف يقدم على هذا النفي و يجزم به مع وجوده في تصانيف من ذكرنا من الأئمة بالأسانيد القوية و الطرق الكثيرة والله المستعان
وأقول في طرق هذه القصة القوي و الضعيف ولا سبيل إلى رد الجميع فإنه 69 ينادى على من أطلقه بقلة الإطلاع و الإقدام على رد ما لا يعلمه لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة و النقص فيؤخذ بما اجتمعت عليه ويؤخذ من المختلف ما قوي و يطرح ما ضعف أو ما اضطرب فإن الإضطراب إذا بعد به الجمع بين المختلف ولم يترجح شيء منه التحقق بالضعيف المردود والله المستعان
38 - قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا الآية 104
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية عطاء إن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعهم اليهود يقولونها للنبي أعجبهم ذلك وكان راعنا في كلام اليهود للسبب القبيح فقالوا إنا نسب محمدا سرا فالآن أعلنوا بسب محمد لأنه من كلامهم فكانوا يأتون نبي الله فيقولون يا محمد راعنا و يضحكون ففطن لها
رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفا بلغة اليهود فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا ألستم تقولونها له فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا الآية انتهى ما نقله الواحدي فأوهم بقوله في رواية عطاء أن السند إلى عطاء بذلك قوي و ليس كذلك و إنما هذا السياق من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي بإسناده الماضي في المقدمة والثابت عن عطاء ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الأشج عن أبي معاوية عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء لا تقولوا راعنا قال كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها فقال لا تقولوا راعنا الآية
وقال عبد الرزاق 70 أنا معمر عن قتادة والكلبي في هذه الآية قالا كانوا يقولون راعنا سمعك وكانت اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك يستهزؤون فنزلت و أخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن قتادة كانت اليهود تقول راعنا استهزاء فكرهه الله للمؤمنين
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي صخر حميد بن زياد كان رسول الله إذا ولى ناداه من كانت له حاجة من الناس أرعنا سمعك فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك ومن طريق عباد بن منصور عن الحسن الراعن من القول السخري منه نهاهم الله أن يسخروا من قول نبيه وما يدعوهم إليه من الإسلام
قال ابن ظفر قرأ ابن مسعود راعونا و هي أشبه بلغتهم و نسب ما ذكر قبل عن سعد بن عبادة لسعد بن معاذ
وكذا ذكره القرطبي ووافق مقاتل في تفسيره على إنه سعد بن عبادة
وذكر الثعلبي أن معنى راعنا بلغة اليهود أسمعنا لا سمعت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي أن رجلا من اليهود كان يدعى رفاعة بن زيد كان يأتي النبي فإذا لقيه فكلمه قال أرعني سمعك ثم
تقدم إلى المؤمنين فقال لا تقولوا راعنا
39 - قوله تعالى ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم الآية 105
قال الواحدي كان المسلمون إذا قالوا لحلفائهم آمنوا بمحمد قالوا ما هذا الدين الذي تدعوننا بخير من الدين الذي نحن فيه ولوددنا لو كان خيرا فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم
قلت سبقه الثعلبي ولم ينسبه لقائل وعبر عنه ابن ظفر والجعبري 71 ب قيل ثم قال ابن ظفر الخير هنا القرآن كان ينزل بما يقصم به الكفار من البشرى للمؤمنين والوعيد للكفار فيزداد المؤمنين به في جهادهم
40 - قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها الآية 106
قال الواحدي قال المفسرون إن المشركين قالوا ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه و يقول اليوم قولا ثم يرجع عنه غدا ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام ينقض بعضه بعضا فأنزل الله تعالى وإذا بدلنا آية مكان آية و الله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر وأنزل أيضا ما ننسخ من آية أو ننسها الآية
قلت وهذا أيضا تبع فيه الثعلبي فإنه أورده هكذا و تبعهما الزمخشري فلخصه فذكر أنهم طعنوا في النسخ وكذلك القرطبي وزاد أنهم أنكروا شأن القبلة وغيره المنسوخ ووجدت في المنقول عن السلف ما أخرجه عبد بن حميد
عن قتادة قال كانت الآية تنسخ الآية وكان نبي الله يقرأ الآية من السورة ثم ترفع فينسيها الله تعالى نبيه فقال الله تعالى يقص على نبيه ما ننسخ من آية الآية
قلت وقد أورد الثعلبي في آخر كلامه هنا حديثا يستأنس به في سبب النزول وهو ما أخرجه أبو عبيد من طريق الليث عن عقيل و يونس عن ابن شهاب قال أخبرنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب أن رجلا كانت معه سورة فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها فأصبحوا فأتوا النبي فقال بعضهم قمت البارحة 72 فذكر حاله فقال الآخر ما جئت إلا لذلك فقال آخر وأنا يا رسول الله فقال رسول الله إنها نسخت البارحة
قلت ولعل قتادة أخذ ما قال من هذا الخبر وليس في الخبر تعيين الآية الناسخة صريحا بل ما يومئ إلى ذلك و العلم عند الله تعالى
41 - قوله عز و جل أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل الآية 108
1 - قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش قالوا يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا ووسع لنا أرض مكة وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك فأنزل الله هذه الآية
2 - قول آخر قال المفسرون إن اليهود و غيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله فمن قائل يقول ائتنا بكتاب من السماء كما أتى موسى بالتوراة ومن قائل يقول و هو عبد الله بن أبي أمية المخزومي ائتنا بكتاب من السماء فيه من رب العالمين إلى ابن أبي أمية اعلم أنني قد أرسلت محمدا إلى الناس ومن قائل يقول لن نؤمن بك أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا فأنزل الله تعالى هذه الآية
قلت أما الأول فذكره الثعلبي ولعله من تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس فإني وجدته عن ابن عباس بسند جيد لكنه مغاير له أخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه وفجر لنا أنهارا نتبعك و نصدقك فأنزل الله تعالى أم تريدون أن تسألوا رسولكم الآية وقد قال الثعلبي عقب 73 الأول قال مجاهد لما قالت قريش هذا لرسول الله قال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا فأبوا ورجعوا قال الصحيح أنها نزلت في اليهود حين قالوا يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية وقد قال تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية وقد قال تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء . . فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة انتهى وفيما حاوله نظر فإن أثر مجاهد المذكور صريح في أن السائل في ذلك هم قريش كذا أخرجه الفريابي والطبري و ابن أبي حاتم صحيحا إليه قال سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا فقال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل فأبوا و رجعوا لكن لم يقل إن هذه الآية نزلت في ذلك
وأما ما نقله الواحدي عن المفسرين فأومأ به إلى الجمع بين ما نقله الثعلبي عن ابن عباس ثم عن مجاهد وسيأتي في تفسير سورة سبحان تسمية من سأل تحويل الصفا ذهبا مع عبد الله بن أبي أمية وغير ذلك
2 - وقد جاء عن إمام كبير من المفسرين سبب آخر أوضح مما نقله وأولى بأن يكون سببا لنزول هذه الآية وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي عن أبي العالية وهو من كبار التابعين قال في قوله تعالى أم تريدون أن تسألوا رسولكم الآية قال قال رجل يا رسول الله لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل فقال النبي اللهم لا نبغيها ثلاثا ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل كان أحدهم إذا أصاب الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له 74 خزيا في الدنيا والآخرة فأعطاكم الله خيرا مما أعطاهم من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فنزلت أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل الآية
3 - وحكى ابن ظفر أنه قيل أنها نزلت في من قال من المسلمين لما رأوا شجرة يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط فقال هذا كقول قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال ابن ظفر لأن التبرك بالشجر و اتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها
42 - قوله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم الآية 109
1 - قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد ألم تروا إلى ما أصابكم لو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم
قلت هذا لعله من تفسير الكلبي والذي ذكره ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد وحدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله تعالى برسوله وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم الآية
2 - قول آخر وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري هو كعب بن
الأشرف وللطبري من طريق المعمري عن معمر عن الزهري وقتادة مثله ورد الطبري هذا بأنه لا يقال لمن نسب قولا إلى كثير 75 يجوز أن يكون المراد به واحدا ولا سيما وقد قال بعد ذلك لو يردونكم إذ لو أراد بقوله كثير من أهل الكتاب الواحد كما يقال فلان في الناس كثير أي في رفعة القدر وعظيم المنزلة لقال يردكم ولم يقل يردونكم
قلت هذا الذي أورده الطبري مختصر من حديث طويل وقد أخرج الواحدي من طريق محمد بن يحيى الذهلي ما أخرجه في الزهريات من طريق الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه إن
كعب بن الأشرف كان يهوديا شاعرا فكان يهجو النبي ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون النبي وأصحابه أشد الأذى فأمرهم الله بالصبر والعفو وفيهم نزلت ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا إلى قوله فاعفوا واصفحوا وهذا سند صحيح وأخرجه أبو داود من هذا الوجه دون هذا الكلام الأخير وعلى هذا فالجمع في قوله يردونكم لكعب ومن تابعه ويستقيم الكلام
ونقل ابن ظفر عن ابن عباس نحو الأول ثم قال و بسط هذا الكلام بعض الرواة فقال وذكر ما ذكره الثعلبي بغير إسناد قال نزلت هذه الآية في نفر من اليهود منهم فنحاص ابن عازورا وزيد بن قيس قالوا لحذيفة وعمار بعد وقعة أحد انظروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعا إلى ديننا فهو خير لكم
وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا فقال لهم عمار كيف نقض العهد عندكم قالوا هو 76 شديد قال فإني عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت فقالت اليهود أما هذا فقد خيبنا فقال حذيفة وأما أنا فقد رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا ثم أتيا رسول الله فأخبراه بذلك فقال أصبتما الخير وأفلحتما فأنزل الله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم يا معشر المؤمنين من بعد إيمانكم كفارا
43 - قوله ز تعالى بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن الآية 112
قال السدي وغيره نزلت في الذين قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا
44 - قوله تعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء 113
قال الواحدي نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت لهم النصارى ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله
هذه الآية
قلت وذكر ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد بالإسناد المذكور آنفا إلى ابن عباس قال لما قدم أهل نجران من النصارى المدينة أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله فقال رافع بن حريملة للنصارى 77 ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل وقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فنزلت في ذلك من قولهما وقالت اليهود ليست النصارى على شيء الآية
وأخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس قال نزلت في أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله
45 - قوله ز تعالى كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم الآية 113
أخرج الطبري من طريق سنيد عن حجاج عن ابن جريج قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون قال أمم كانت قبل اليهود والنصارى وهكذا أخرجه ابن
أبي حاتم من وجه آخر عن حجاج لم يزد ونقله الثعلبي وزاد فيه مثل قوم نوح وهود و صالح ونحوهم قالوا في نبيهم إنه ليس على شيء وإن الدين ديننا انتهى وأظن هذه الزيادة مدرجة من كلام غير عطاء
وللطبري من طريق أسباط عن السدي هم العرب ومن طريق الربيع بن أنس قال هم النصارى لأن اليهود كانوا قبلهم
46 - قوله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله 114
1 - قال الواحدي تبعا للثعلبي نزلت في ططوس بن استسيانوس الرومي وأصحابه من النصارى وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في زمن عمر انتهى كلام الثعلبي زاد الواحدي وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الكلبي
وقال قتادة والسدي هو بخت نصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا 78 بيت المقدس وأعانهم على ذلك نصارى الروم وقال ابن عباس في رواية عطاء نزلت في
مشركي مكة و منعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام
قلت أخرج الطبري عن العوفي بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال نزلت في النصارى
ومن طريق ابن نجيح عن مجاهد هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى و يمنعون الناس أن يصلوا فيه
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نزلت في النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بخت نصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس
ومن طريق معمر عن قتادة هو بخت نصر وأصحابه خربوا بيت المقدس وأعانه النصارى على ذلك ومن طريق أسباط عن السدي هم الروم كانوا ظاهروا بخت نصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن يطرح فيه الجيف وإنما أعانوه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية هم المشركون حالوا بين رسول الله يوم الحديبية و بين أن يدخل مكة حتى نحر هدية بذي طوى وهادنهم بعد أن قال لهم ما أحد يرد أحدا عن هذا البيت فقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعدو عليه قالوا لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق
ورجح الطبري القول الأول بأن في الآية وسعى في خرابها والمشركون لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام قط بلا كانوا 79 يفتخرون بعمارته في الجاهلية وأيد ذلك بما نقله عن قتادة وعن السدي أن كل نصراني الآن لا يدخل بيت المقدس إلا خائفا وأجاب الثعلبي عن ذلك بأن قوله أولئك ما كان لهم خبر بمعنى الأمر وإن قوله وسعى في خرابها منع المسلمين أن يقيموا بها أمر الدين فهو خراب معنوي
47 - قوله تعالى و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله 115
1 - قال الواحدي اختلفوا في سبب نزولها ثم ساق من طريق عبد الملك العزرمي عن عطاء عن جابر بعث رسول الله سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا هي قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا فلما أصبحوا و طلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي عن ذلك فسكت فأنزل الله عز و جل هذه الآية وفي السند انقطاع
ومن طريق وكيع ثنا أشعث السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنا نصلي مع النبي في السفر في ليلة مظلمة فلم ندر كيف القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله الآية
قلت أخرجه الترمذي وقال ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث وأشعث يضعف في الحديث وضعفه العقيلي أيضا
وقد أورده الطيالسي عن أشعث وعمرو بن قيس قالا ثنا عاصم بن عبيد الله 80 وأخرجه الدار قطني وعبد بن حميد وغيرهما من طريق أشعث
2 - قول آخر أخرج الواحدي عن ابن عمر أنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله أن تصلي حيث توجهت بك راحلتك في التطوع وكان رسول الله إذا رجع
من مكة صلى على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة أخرجه مسلم والترمذي و ابن أبي حاتم وغيرهم ووهم الحاكم فاستدركه بلفظ آخر وهو من طريق أبي أسامة عن عبد الملك بن سعيد عن ابن عمر في قوله فأينما تولوا فثم وجه الله إنما نزلت في التطوع حيث توجه بك بعيرك
3 - قول آخر قال الواحدي وقال ابن عباس في رواية عطاء إن النجاشي توفي فأتى جبريل النبي فقال إن النجاشي توفي فصل عليه فأمر النبي أصحابه أن يحضروا فصفهم ثم تقدم وقال إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي فصلى هو وهم عليه فقال بعضهم في أنفسهم كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله
4 - قول آخر قال الواحدي
مذهب قتادة أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وهو موافق لرواية عطاء الخراساني عن ابن عباس أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قال الله تعالى ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فصلى رسول الله نحو بيت المقدس وترك البيت 81 العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمر أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا وكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله وسيأتي في الكلام في قوله تعالى ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب
وأخرج الطبري من وجهين عن قتادة في قوله فثم وجه الله قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر ستة عشر شهرا ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام بقوله فلنولينك قبلة ترضاها الآية فنسخت ما قبلها من أمر القبلة
5 - قول آخر حكاه الثعلبي عن الحسن ومجاهد والضحاك لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قالوا أين ندعوه فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله
48 - قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه 116
قال الواحدي نزلت في اليهود قالوا عزير ابن الله وفي نصارى نجران قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله
قلت وكذا ذكره الثعلبي بغير سند وتبعه ابن ظفر والكواشي وغيرهما
واقتصر الطبري على قوله هم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله
قلت وهو قول مقاتل قال نزلت في نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من الوفد قدموا 82 على النبي فقالوا عيسى ابن الله فأكذبهم الله تعالى وزاد الزجاج ومشركو العرب قالوا الملائكة بنات الله وجعل الماوردي ذلك قولين وحكاها الفخر الرازي أقوالا و أغرب الجعبري فقال قال ابن عباس قال ابن سلام ونعمان وسابق ومالك من اليهود عزير ابن الله وقال مقاتل قال نصارى نجران المسيح ابن الله وقال إبراهيم النخعي قال مشركو العرب الملائكة بنات الله قال و قال الثعلبي الثلاثة
49 - قوله ز تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية 118
أخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس
قال قال رافع بن حريملة لرسول الله إن كنت رسولا من عند الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية الآية كلها
وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم النصارى والذين من قبلهم اليهود
ومن طريق سعيد عن قتادة قال هم كفار العرب ومن طريق أسباط عن السدي ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس جميعا مثله ورجح الطبري قول مجاهد والراجح من حيث السند قول ابن عباس رضي الله عنهما
50 - قوله تعالى ولا تسأل عن أصحاب الجحيم 119
قال الواحدي قال ابن عباس إن رسول الله قال ذات يوم ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت هذه الآية
قال وقال مقاتل 83 قال رسول الله لو أن الله أنزل بأسه باليهود لآمنوا فأنزل الله تعالى ولا تسأل عن أصحاب الجحيم
قلت لم أر هذا في تفسير مقاتل بن سليمان فينظر في تفسير مقاتل بن
حيان
وأما قول ابن عباس فنسبه الثعلبي لرواية عطاء عنه و هي من تفسير عبد الغني بن سعيد الواهي وقد أخرجه الطبري من مرسل محمد بن كعب القرظي وعليه اقتصر الماوردي وابن ظفر وغيرهما واستبعد الفخر الرازي صحة هذا السبب قال لأنه يعلم حال من مات كافرا انتهى وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم أن النبي قال ذات يوم فذكره وهذا مرسل أيضا وهو من رواية سنيد بن داود
و فيه مقال
وقد ذكر الواحدي السبب الأول في الوسيط بأتم مما هنا فقال و ذلك أنه سأل جبريل عن قبر أبيه و أمه فدله فذهب إلى القبرين فدعى لهما و تمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة فنزلت
وذكر الطبري أن هذا التفسير على قراءة من قرأ من أهل المدينة ولا تسأل بصيغة النهي قال والصواب عندي القراءة المشهورة بالرفع على الخبر لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد من مضى ذكره من اليهود و النصارى و غيرهم قال ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي وما تسأل وفي قراءة ابن مسعود ولن تسأل وقال يحيى بن سلام وكان النبي يسأل عن أمه فنزلت وهو قول سفيان 84 الثوري ذكره بإسناده
قلت أسنده عبد الرزاق من طريق الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد ابن كعب لكنه عنده باللفظ المنقول أولا عن الطبري وذكر المهدوي أثر ابن عباس بلفظ أي أبوي أحدث موتا وقد بالغ ابن عطية في رده وفي تخطئته نقلا ومعنى لأنه لا خلاف أن أباه مات قبل أمه ولأنه ليس في السؤال عن ذلك ما يناسبه الجواب
الوارد في الآية
وحكى القرطبي كلام المهدوي ولم يتعقبه لكن قال قد ذكرنا في كتاب التذكرة أن الله أحيا له أبواه وآمنا به وذكرنا قوله للأعرابي إن أبي و أباك في النار و بينا تأويل ذلك وتعقبه العماد بن كثير بأن الخبر الذي أشار إليه في إحياء أبويه لا أصل له
وإن كان عياض و السهيلي قد سبقا القرطبي إلى ذكره وقد وقع في آخر رواية محمد بن كعب في تفسير الفريابي وغيره فما ذكرهما حتى توفاه الله عز و جل
51 - قوله تعالى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم الآية 120
قال الواحدي قال المفسرون إنهم كانوا يسألون النبي الهدنة ويطمعونه أنه إن هادنهم و أمهلهم اتبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية
قال و قال ابن عباس هذا في القبلة وذلك أن اليهود بالمدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي إلى قبلتهم فلما صرف الله تعالى القبلة إلى الكعبة شق عليهم و يئسوا أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت ذكره الجعبري بلفظ قال ابن عباس كانوا يودون ثبوت النبي على الصلاة إلى الصخرة انتهى
وقال مقاتل كان اليهود من أهل المدينة والنصارى من أهل نجران دعوا النبي إلى دينهم وزعموا إنهم على الهدى فنزلت
وقال ابن عطية روي أن سبب نزول هذه الآية إن اليهود والنصارى طلبوا فذكر نحوه
52 - قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته 121
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلا من الحبشة و أهل الشام
وقال الضحاك نزلت فيمن آمن من اليهود وقال قتادة و عكرمة نزلت في أصحاب محمد
قلت ذكره بأبسط منه الثعلبي فقال نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر و كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا و ذكره يحيى بن سلام عن ابن الكلبي وزاد بعد قوله بحيرا وسبعة من اليهود منهم عبد الله بن سلام وابن صوريا قال الثعلبي وقال الضحاك هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام و سعيد بن عمرو و مام بن يهودا وأسيد وأسد ابنا كعب و ابن يامين و عبد الله بن صوريا
وأما قول قتادة فأسنده الطبري عنه و رجحه و جوز غيره أن يكون المراد عموم المسلمين انتهى و هذا لا يمنع خصوص السبب
وحكى أبو حيان أن الأربعين كلهم من الحبشة منهم اثنان و ثلاثون من كبارهم و ثمانية كانوا ملاحين
وحكى 86 ابن ظفر إنها نزلت في النجاشي وحده وكان أعلم النصارى في عصره بما أنزل الله على عيسى حتى كان هرقل يبعث إليه علماء النصارى ليأخذوا عنه العلم
53 - قوله ز تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 123
تقدم
54 - قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية
قال عبد الرزاق أنا معمر بلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا فلما أغرق الله قوم نوح رفع البيت وبقي أساسه فبوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بعد ذلك فذلك قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ذكره في تفسير سورة القمر
وأخرج الطبري من طريق أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو قال لما أهبط الله آدم من الجنة قال إني منزل معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فلما كان زمن الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله
لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل حراء ولبنان و ثبير وجبل الحمر والطور
55 - قوله تعالى و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى 125
قال الفريابي حدثنا سفيان هو الثوري عن عبيد المكتب عن مجاهد قال قال عمر لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
و أخرج الفاكهي من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن من حدثه عن عمر قال كان رسول الله يطوف فقال هذا مقام أبينا إبراهيم فقال عمر أفلا تتخذه مصلى
فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
قلت وأصله في صحيح البخاري أخرجه في الصلاة 87 و التفسير من طريق حميد الطويل عن أنس قال قال عمر وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى الحديث وأخرجه الترمذي من هذا الوجه بلفظ إن عمر قال يا رسول الله لو صليت خلف المقام فنزلت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين عن أبيه أنه سمع جابرا يحدث عن حجة النبي قال لما طاف النبي قال له عمر هذا مقام أبينا إبراهيم قال نعم قال أفلا نتخذه مصلى فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى سنده صحيح و أصله عند
مسلم و أخرجه النسائي وابن مردويه من حديث جابر نحوه
وحكى الثعلبي عن ابن كيسان قال ذكروا أن رسول الله مر بالمقام ومعه عمر فقال يا رسول الله أليس هذا مقام إبراهيم قال بلى قال أفلا نتخذه مصلى قال لم أؤمر بذلك فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت
56 - قوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه الآية 130
ذكر الثعلبي وتبعه الزمخشري إن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة و مهاجرا إلى الإسلام وقال لهما لقد علمتما أن الله قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد رشد واهتدى و من لم يؤمن به فهو
ملعون فأسلم سلمة و امتنع مهاجر فنزلت ومن يرغب عن ملة إبراهيم الآية
وقد وجدته في تفسير 88 مقاتل بن سليمان فذكره بلفظه إلى قوله فقال لهما ألستما تعلمان أن الله قد قال لموسى فذكره بلفظ من ذريته وفيه وإنه ملعون من كذب بأحمد النبي وملعون من لم يتبع دينه ولم يذكر فمن آمن به فقد رشد واهتدى وقال في آخره وأبى مهاجر ورغب عن الإسلام فأنزل الله ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه إلى آخر الآية
57 - قوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت الآية 133
قال الواحدي نزلت في اليهود حين قالوا للنبي ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فنزلت
قلت ذكره مقاتل بن سليمان بلفظه وذكره الواحدي في الوسيط أيضا وزاد إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قال ابن عباس وذلك أن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الموت و الحياة فلما حضرت وفاة يعقوب قال أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ففعل الله به ذلك فجمع ولده و هم اثنا عشر رجلا وجمع أولادهم وقال لهم قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله
آبائك إلى آخر الآية وذلك قوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت الآية كذا ذكره بغير سند و ذكر نحوه الثعلبي عن عطاء وقال أيضا قال الكلبي لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان و النيران فجمع ولده وخاف عليهم فقال ما تعبدون من بعدي
وقال ابن ظفر قيل إن سبب نزولها إن اليهود اعتذروا عن امتناعهم من الإسلام بأن يعقوب أوصى الأسباط عندما حضره الموت بأن لا يبتغوا 89 بملة اليهود بدلا فنزلت أم كنتم شهداء
58 - قوله تعالى وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا 135
قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في رؤوس يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهوذا و أبي ياسر بن أخطب وفي نصارى نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها فقالت اليهود نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب و ديننا أفضل الأديان وكفرت بالإنجيل و بعيسى و بالقرآن و بمحمد وقالت النصارى نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد وبالقرآن وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين إلا هو و دعوهم إلى دينهم قلت و كذا ذكره الثعلبي و في آخره فقال الله تعالى قل يا محمد بل ملة إبراهيم انتهى
والذي ذكره ابن جرير عن ابن عباس من رواية ابن إسحاق بالسند المتكرر
أخصر من هذا و لفظه قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد و قالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله عز و جل وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا
وذكره مقاتل بن سليمان بلفظ إن رؤوس اليهود كعب بن الأشرف وكعب بن ابن أسيد وأبا ياسر بن أخطب ومالك بن الضيف وعازار وأشمويل وحميسا و السيد والعاقب ومن معهم من نصارى نجران قالوا للمؤمنين كونوا على ديننا فإنه ليس دين إلا ديننا فأكذبهم الله 90 تعالى فقال بل ملة إبراهيم حنيفا ثم أمر المؤمنين فقال قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا الآية
59 - قوله ز تعالى قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا الآية 136
أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر قال أتى رسول الله نفر من اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعازر وخالد وآزار بن أبي آزار و أشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب والأسباط وما أوتي
موسى و عيسى فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى و لا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله قولوا آمنا بالله إلى قوله لا نفرق بين أحد منهم
و أنزل الله تعالى قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل وإن أكثركم فاسقون
60 - قوله ز تعالى فسيكفيكم الله وهو السميع العليم 137
قال مقاتل بن سليمان لما تلا النبي على الناس هذه الآية قولوا آمنا بالله قالت اليهود لم نجد للإسلام في التوراة ذكرا وقالت النصارى كيف نتبعك و أنت تجعل عيسى كالأنبياء فأنزل الله تعالى فسيكفيكم الله و هو السميع العليم فأنجز له ما وعده به فأجلى بني النضير وقتل قريظة
61 - قوله تعالى صبغة الله و من أحسن من الله صبغة 138
1 - قال الواحدي قال ابن عباس إن النصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد
فأتت عليه ستة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك ويقولون هذا طهور مكان الختان 91 فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانيا
قلت ذكره قبله الطبري فقال في قوله صبغة الله يعني صبغة الإسلام وذلك إن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالها جعلتم في ماء لهم تزعم أن ذلك تقديس لها بمنزلة الختان لأهل الإسلام وإنه صبغة لهم في النصرانية فقال الله تعالى إذ قالوا للمسلمين كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل لهم يا محمد بل اتبعوا ملة إبراهيم صبغة الله وهي الحنيفية المسلمة ودعوا الشرك و الضلال
وأخرج من طريق قتادة قال أن اليهود تصبغ أبناءها يهودا والنصارى تصبغ أبناءها نصارى و إن صبغة الله الإسلام
ثم أسند عن ابن عباس و عن جماعة من التابعين إن معنى الصبغة الدين وهي كقوله تعالى فطرة الله أي دين الله
وذكر ابن ظفر إن الصبغة عند اليهود الختان يوم السابع يرون أنهم يدخلونه في اليهودية بالختان فلما ترك النصارى الختان غمسوا المولود في ماء لهم سموه ماء
المعمودية وزعموا أن يحيى بن زكرياء صبغ عيسى في الماء المذكور
2 - قول آخر أخرج ابن مردويه في تفسير هذه الآية من طريق أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي قال قالت بنو إسرائيل يا موسي هل يصبغ ربك فقال اتقوا الله فناداه ربه يا موسى الألوان كلها من صبغى وأنزل الله على نبيه صبغة الله و من أحسن من الله صبغة
62 - قوله ز تعالى قل أتحاجوننا في الله 139
قال ابن ظفر
كانوا قالوا للمسلمين نحن 92 أبناء الله و أحباؤه وأولى به منكم فنزلت
هذه الآية قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا و ربكم إلى آخرها
63 - قوله تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله 140
قال الطبري نزلت في حق من قال إن ابراهيم و إسماعيل وإسحاق و يعقوب كانوا هودا أو نصارى ثم كتموا شهادة عندهم من الله أنهم كانوا مسلمين
ثم أسند من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال
لما تلا هذه الآية والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه براء من اليهودية و النصرانية كما أن عندهم من الله شهادة أن دماءكم و أموالكم بينكم حرام فبم استحلوها
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال هم أهل الكتاب كتموا الإسلام و هم يعلمون أنه دين الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل وأن الأنبياء لم يكونوا يهودا ولا نصارى بل كانت اليهودية و النصرانية بعدهم بزمان
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال نزلت في يهود سئلوا عن النبي عن صفته في كتاب الله عندهم فكتموا الصفة ومن طريق أخرى عن قتادة مثله سواء
و أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة هم اليهود كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه حق وكتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله
64 - قوله ز تعالى تلك أمة قد خلت الآية الثانية 141
قال ابن ظفر قيل أعيدت لأنهم جادلوه مرتين في أمرين أحدهما أن يعقوب أوصى ذريته بالثبات على اليهودية و الثاني إن إبراهيم ومن ذكر معه كانوا هودا أو نصارى فأنزلت مرتين و تلاها عليهم في مقامين 93
65 - قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب الآية 142
أسند الواحدي من طريق أبي إسحاق عن البراء قال لما قدم رسول
الله المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام فقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل قل لله المشرق و المغرب يهدي من يشاء
أخرجه البخاري عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عنه و أخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق نحوه و قال فيه ثم علم الله هوى نبيه فنزلت قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها وقال أخرجاه من طرق عن أبي إسحاق وهو كما قال
ومن طرقه عند البخاري من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحديث
وذكر مقاتل في تفسيره قال فلما صرفت القبلة إلى الكعبة قال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره و اشتاق إلى مولد آبائه وقد توجه إليكم فهو راجع إلى دينكم فكان ذلك سفها منهم فأنزل الله تعالى سيقول السفهاء من الناس الآية
وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وذلك في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله 94 المدينة أتى رسول الله رفاعة بن قيس و قردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع وفي رواية له ورافع بن أبي رافع والحجاج ابن عمرو حليف كعب بن الأشرف و الربيع أبي الحقيق و كنانة بن أبي الحقيق فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها و أنت تزعم أنك على ملة إبراهيم و دينه ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك و إنما يريدون فتنته
عن دينه فأنزل الله فيهم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم إلى قوله على عقبيه
وقيل أراد بالسفهاء أهل الكتاب حكاه الطبري قال وقال آخرون قاله المنافقون استهزاء ثم أسند من طريق أسباط عن السدي قال لما وجه النبي قبل المسجد الحرام اختلف الناس فكانوا أصنافا فقال المنافقون ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها فأنزل الله عز و جل في المنافقين سيقول السفهاء من الناس الآية
وحكى الماوردي عن الزجاج قال ذلك كفار قريش
قلت و حكاه يحيى بن سلام عن تفسير الحسن البصري ونبه على أن هذه الآية سابقة على ما قبلها في التأليف وهي بعدها في التنزيل
66 - قوله ز تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا 143
قال مقاتل وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء و لقد علم أنا عدل بين الناس فأنزل الله
تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا يعني عدلا وقد ثبت في حديث أبي سعيد الخدري هذا التفسير مرفوعا دون 95 السبب
وأسنده الطبري عن جماعة من الصحابة
67 - قوله تعالى إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه 143
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا و مرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول و المؤمنون و أضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم و أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء و تمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى
الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من اهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا
إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم انا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه
كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
68 - قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم 143
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي يعني عن أبي صالح عنه كان رجال من أصحاب رسول الله من المسلمين قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أبو أمامة أسعد بن زرارة أحد بني النجار و البراء بن معرور أحد بني سلمة في
أناس آخرين جاءت عشائرهم فقالوا يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله عز و جل وما كان الله ليضيع إيمانكم
قلت و ذكره مقاتل في تفسيره بتمامه بنحوه و أوله أن حيي بن أخطب وأصحابه قالوا أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت هدى أو ضلالة فقالوا إنما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى عنه قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وقد كان مات فذكره
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أول ما
نسخ من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز و جل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا فكان الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله فولوا وجوهكم شطره فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل قل لله المشرق و المغرب و أنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله
و أخرج الطبري من طرق عن قتادة قال قال أناس لما صرفت القبلة نحو الكعبة كيف بأعمالنا التي كنا نعمل قبل فنزلت
ومن طريق أسباط بن نصر عن السدي لما توجه رسول الله قبل المسجد الحرام قال المسلمون ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل قبل الله منا ومنهم أو لا فنزلت
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال قال ناس لما حولت القبلة إلى البيت الحرام كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى فنزلت
ومن طريق داود بن أبي عاصم نحوه لكن قال هلك أصحابنا ومن طريق العوفي عن ابن عباس أشفق المسلمون على من صلى منهم إلى غير الكعبة أن لا تقبل منهم
قال الطبري اتفقوا على أن الإيمان في هذه الآية الصلاة
و نقل يحيى بن سلام عن الحسن البصري أنه قال معنى الآية محفوظ لكم إيمانكم عند الله حيث أقررتم بالصلاة إلى بيت المقدس إذ فرضها عليكم
69 - قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها 144
قال الواحدي بعد ما نقله عن الكلبي في الذي قبله إلى قوله ليضيع إيمانكم قال ثم قال قد نرى تقلب وجهك في السماء و ذلك أن النبي قال لجبريل عليه السلام وددت أن الله عز و جل صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها
وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام 98 فقال له جبريل إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا فسل ربك أن يحولك إلى قبلة إبراهيم عليه السلام ثم ارتفع جبريل فجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأله فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية
قلت وجدت هذا السبب بهذا السياق في تفسير مقاتل بن سليمان فيحتمل أن يكون مراده بقوله قال ثم قال إلى آخره غير ابن الكلبي وهو مقاتل فيكون ظاهره الإدراج على كلام ابن الكلبي عن ابن عباس و يحتمل أن يكونا تواردا و الذي أورده الطبري عن ابن عباس هو ما أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عنه أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود وكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعوا و ينظر إلى السماء فنزلت
وقد جمع محمد بن إسحاق في روايته الأمور الثلاثة فقال حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء كان رسول الله يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله عما تعملون قال فقال رجال من المسلمين وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن تصرف القبلة و كيف بصلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم قال قال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب ما
ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله 99 سيقول السفهاء من الناس الآية
ومن طريق سنيد ثم من رواية ابن جريج عن مجاهد قال قالت اليهود أيخالفنا محمد و يتبع قبلتنا فكان النبي يدعو الله أن يحوله عن قبلتهم فنزلت الآية فانقطع قول يهود
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لما أنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله و استقبل النبي بيت المقدس فبلغه أن اليهود تقول والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم فكره رسول الله ذلك وجعل يرجع بوجهه إلى السماء فقال الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية
ومن طريق أسباط عن السدي قال كان الناس يصلون إلى بيت المقدس فلما قدم النبي المدينة صلى كذلك إلى ثمانية عشر شهرا من مهاجره وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينتظر ما يؤمر به وكان يحب أن يصلي إلى الكعبة فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس إن النبي كان يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس وكان يهوى قبلة البيت الحرام فولاه الله قبلة كان يهواها
وقال ابن ظفر قيل كان النبي إذا قام لصلاة الليل بالمدينة قلب وجهه في السماء قبل دخوله في الصلاة يود لو صرف عن المسجد الأقصى إلى البيت الحرام محبة لموافقة إبراهيم و كراهة لموافقة اليهود فنزلت
70 - قوله ز تعالى و لئن أتيت الذين أوتوا 100 الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك 145
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال ل لما حول النبي إلى الكعبة قالت اليهود إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر فنزلت
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه
71 - قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الآية 146
قال الواحدي
نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان
قال عبد الله بن سلام لأبي بن كعب كنت أشد معرفة برسول الله مني بابني فقال له عمر بن الخطاب وكيف ذلك يا ابن سلام قال لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدث النساء فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام
وقال يحيى بن سلام قال الكلبي لما قدم رسول الله المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه وهو بمكة أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كيف هذه المعرفة يا ابن سلام قال نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله به إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان و الذي يحلف به عبد الله بن سلام لأنا بمحمد أشد مني معرفة بابني فقال له عمر كيف ذلك قال عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا أنه هو وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه فقال له عمر 101 وفقك الله فقد أصبت وصدقت قال يحيى ابن سلام أراد بما أنزل بمكة الآية التي في أول سورة الأنعام الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ثم نزل بعد في المدينة في سورة البقرة فذكرها
قلت وحاصله أن الضمير في قوله يعرفونه للنبي هو في آية الأنعام بعيد وأما في آية البقرة فمحتمل وقد جاء أن الضمير للبيت الحرام كذا قال مقاتل ابن سليمان إن اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد و سلام بن صوريا و كنانة بن أبي الحقيق ووهب بن يهوذا و أبو رافع قالوا للمسلمين لم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية فقال النبي إنهم ليعلمون أن الطواف بالبيت حق وأنه هو القبلة وذلك مكتوب عندهم في التوراة و الإنجيل ولكنهم يكتمون ذلك فقال ابن صوريا ما كتمنا شيئا مما في كتابنا فأنزل الله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه يعني البيت الحرام و أنه القبلة
قلت وأخرج الطبري أن الضمير للبيت الحرام فقال يعني أن أحبار اليهود و علماء النصارى يعرفون أن البيت الحرام قبلة إبراهيم كما يعرفون أبناءهم ثم أسند من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم عرفوا أن قبلة البيت الحرام قبلتهم التي أمروا بها كما عرفوا أبناءهم ومن طريق قتادة وعن الربيع بن أنس و عن السدي وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كلهم
نحوه
72 - قوله تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة الآية 150
قال الطبري 102 يعني بالناس أهل الكتاب الذين كانوا يقولون ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم و يقولون يخالفنا محمد في ديننا و يتابعنا في قبلتنا فهي حجتهم التي كانوا يموهون بها على الجهال فقطع الله ذلك بتحويلها إلى الكعبة
قال وقد ذكر الأسانيد إلى قائلي ذلك يعني كما تقدم
قال والمراد بالذين ظلموا منهم قريش لقولهم رجع محمد إلى قبلتنا و سيرد إلى ديننا
ثم أسند من طريق أسباط بن نصر عن السدي فيما يذكر عن أبي مالك و عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود و عن ناس من الصحابة قالوا لما صرف نبي الله نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم و علم أنكم
كنتم أهدى منه سبيلا و يوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى إلا الذين ظلموا منهم قال حجتهم قولهم قد راجعت قبلتنا
و من طريق سعيد عن قتادة إلا الذين ظلموا هم مشركو قريش فكانت حجتهم أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فنزلت
و من طريق سنيد بن داود بسنده إلى عطاء و عن مجاهد نحو ذلك
و ذكر يحيى بن سلام عن أنس قال أخبره أنه لا يحول عن الكعبة إلى غيرها أبدا فيحتج عليه محتج بالظلم كما احتج عليه مشركو العرب
73 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة 103 إن الله مع الصابرين 153
أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان بن قتادة قال لما احتج مشركو قريش بانصراف النبي إلى الكعبة فقالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا أنزل الله تعالى في ذلك كله يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين
74 - قوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية 154
قال الواحدي نزلت في قتلى بدر وكانوا بضعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار و ستة من المهاجرين و ذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان و ذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فنزلت
قلت كذا ذكره الثعلبي بغير إسناد ووجدته في تفسير مقاتل بن سليمان به و زيادة أن سمى الستة من المهاجرين وهم عبيدة بن الحارث و عمير بن أبي
وقاص و ذو الشمالين بن عبد عمرو و عاقل بن البكير ومهجع مولى عمر و صفوان بن بيضاء وسمى الثمانية من الأنصار وهم سعد بن خيثمة و مبشر ابن عبد المنذر وحارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء وهي أمهما و اسم أبيهما الحارث بن مالك و يزيد بن الحارث وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى
و ذكره الماوردي مختصرا و لفظه و سبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وقتلى أحد مات فلان مات فلان فنزلت
و حكى ابن عطية في سببها أن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم و قراباتهم فنزلت مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم
75 - قوله ز تعالى و لنبلوكم بشيء من الخوف 104 و الجوع 155
أشار الماوردي إلى أن سبب نزولها دعاء النبي اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف فقال تعالى مجيبا لدعاء نبيه و لنبلونكم
بشيء من الخوف والجوع الآية
وعبر عنه أبو حيان بقوله و قيل هؤلاء أهل مكة خاطبهم بذلك إعلاما بأنه أجاب دعوة نبيه فيهم
76 - قوله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية 158
أسند الواحدي من طريق مالك و غيره عن هشام بن عروة عن عائشة سبب ذلك وهو في الصحيحين من طريق هشام ومن طريق الزهري أما الزهري فقال عن عروة سألت عائشة فقلت لها أرأيت قول الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا و المروة فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت على ما أولتها عليه لكانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما و لكنها أنزلت في الأنصار كانوا يهلون قبل أن يسلموا لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل وكان من أهل منها تحرج أن يطوف بالصفا و المروة فلما أسلموا سألوا النبي عن ذلك فقالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا و المروة فأنزل الله تعالى
إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية
قالت عائشة و قد سن رسول الله الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما
و في رواية يونس عن الزهري 105 إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة
قال الزهري ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال إن هذا لعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا و المروة فلما ذكر الله الطواف بالبيت و لم يذكر الصفا و المروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة و إن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا و المروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بالصفا و المروة فأنزل الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية
قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون في أن لا يطوفوا بالصفا و المروة في الجاهلية و الذين كانوا يطوفون ثم تحرجوا
أن لا يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت و لم يذكر الصفا و المروة حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت
و أما طريق هشام بن عروة عن أبيه فلفظها عن عائشة قالت إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لا يحل لهم أن يطوفوا بين بالصفا و المروة فلما قدموا مع النبي في الحج ذكروا ذلك له فأنزل الله هذه الآية قالت و لعمري ما أكمل الله حج من حج و لم يطف بين الصفا و المروة
و في رواية أبي معاوية عن هشام بهذا السند قالت إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف و نائلة ثم يجيئون فيطوفون 106 بين الصفا و المروة و سائر الرواة قالوا كانوا لا يطوفون انتهى ويؤيده أن في رواية عبد الرحيم بن سليمان عن هشام لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا و المروة
قال الواحدي وقال أنس بن مالك كنا نكره الطواف بين الصفا و المروة لأنهما كانا من مشعار قريش في الجاهلية فتركناه في الإسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية
ثم ساقه من طريق عاصم الأحول عن أنس بلفظ كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا و المروة وكانا من شعائر الجاهلية و كنا نتقي أن نطوف بهما فأنزل الله هذه الآية و الحديث في الصحيحين من طرق عن عاصم بنحو هذا و في رواية الثوري عن عاصم كانتا من مشعار الجاهلية فلما جاء الإسلام كرهنا أن نتطوف بينهما
و الرواية التي فيها ذكر قريش و أخرج له الطبري شاهد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت الأنصار إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية فأنزل الله إن الصفا و المروة الآية
ثم ذكر الواحدي معلقا عن عمرو بن حبشي سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال انطلق إلى ابن عباس فاسأله فإنه أعلم من بقي بما أنزل الله عز و جل على محمد فأتيته فسألته فقال كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف وكان على المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين فوضعا على الصفا و المروة ليعتبر بهما
فلما طالت المدة عبدا من دون الله فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما تمسحوا بهما فلما جاء الإسلام و كسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فأنزل الله 107 تعالى هذه الآية قلت وصله الطبري من طريقه و أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس
و أخرج الواحدي في الوسيط و الطبري من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال كان لأهل الجاهلية صنمان يقال لأحدهما بإساف و للآخر نائلة و كان إساف على الصفا و نائلة على المروة فكانوا إذا طافوا بين الصفا و المروة مسحوهما فلما جاء الإسلام قالوا إنما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما لمكان هذين الصنمين و ليسا من شعائر الحج فنزلت
و أخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز قال كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فأنزل الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله
وقال مقاتل بن سليمان قالت الحمس و هم قريش و كنانة و خزاعة
وعامر بن صعصعة ليست الصفا و المروة من شعائر الله و كان على الصفا صنم يقال له نائلة و على المروة صنم يسمى إسافا في الجاهلية فقالوا يعني بعد الإسلام إنه حرج علينا في الطواف بينهما فنزلت
وذكره نحوه الثعلبي عن مقاتل بن حيان كان الناس تركوا الطواف بين الصفا و المروة إلا الحمس فسألت الحمس رسول الله أهو من شعائر الله أم لا فإنه ما كان يطوف بهما غيرنا فنزلت
77 - قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية 159
قال الواحدي نزلت في علماء الكتاب و كتمانهم آية الرجم و أمر محمد
108 - قلت ذكره مقاتل بن سليمان أتم من هذا قال إن معاذ بن جبل و سعد بن معاذ وخارجة بن زيد سألوا اليهود عن أمر محمد و عن الرجم وغيره فكتموهم منهم كعب بن الأشرف و ابن صوريا يعني أمر محمد و ذكره الماوردي فزاد
فيهم كعب بن أسيد وزيد بن التابوت و أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة دون ذكر الرجم و أخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة و سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل و خارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرا من أحبار يهود عما في التوراة فكتموهم إياه و أبوا أن يخبروهم عنه فأنزل الله عز و جل فيهم إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى الآية
ومن طريق الربيع بن أنس قال كتموا محمدا و هم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا
ومن طريق أسباط عن السدي زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن عنمة قال له هل تجدون محمدا عندكم قال لا قال و البينات هو محمد عليه الصلاة و السلام
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال هم أهل الكتاب كتموا محمدا و نعته وهم يجدونه مكتوبا عندهم وكتموا ما أنزل الله من أمره وصفته
78 - قوله ز تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار الآية 161
قال الطبري نزلت في الذين جحدوا نبوة محمد و كذبوا من اليهود والنصارى وغيرهم
وقال مقاتل نزلت فيمن مات من اليهود على الكفر
79 - قوله ز تعالى وإلهكم إله واحد 163 109 قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قالت كفار قريش يا محمد صف أو انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى هذه الآية و سورة الإخلاص وكذا نقله الواحدي في الوسيط
ومن طريق جويبر عن الضحاك كان للمشركين ثلاثمئة و ستون صنما يعبدونها من دون الله فبين الله تعالى أنه إله واحد فأنزل هذه الآية
80 - قوله تعالى إنة في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري الآية 164
أسند الواحدي من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء قال لما أنزل الله عز و جل بالمدينة على رسول الله و إلهكم إله واحد قالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد فأنزل الله تعالى إن في خلق السماوات و الأرض واختلاف الليل والنهار حتى بلغ لآيات لقوم يعقلون
ومن طريق سعيد بن مسروق عن أبي الضحى لما نزلت هذه الآية وإلهكم إله واحد تعجب المشركون وقالوا إله واحد إن كان صادقا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى هذه الآية إن في خلق السموات والأرض يعني إلى آخرها
و قد أخرج الطبري الأثرين عن هذين التابعين وفي رواية له في الأول عن عطاء إن المشركين قالوا للنبي أرنا آية فنزلت وفي الثاني عن أبي الضحى جعل المشركون يعجبون ويقولون تقول إلهكم إله واحد فآتنا بآية إن
كنت من الصادقين
و أخرج الفريابي و عبد بن حميد أثر أبي الضحى نحوه
ثم ذكر الطبري سببا آخر من طريق أسباط عن السدي قال قال المشركون للنبي غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا آية منك فأنزل الله إن في خلق السماوات 110 و الأرض إلى قوله لآيات لقوم يعقلون
ومن طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال سألت قريش اليهود عما جاء به موسى من الآيات فحدثوهم بالعصا و اليد البيضاء وسألوا النصارى فحدثوهم أنه كان يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى بإذن الله فقالت قريش للنبي ادع الله أن يجعل الصفا ذهبا فذكر نحو السدي
قال الطبري يجوز ان يكون نزلت في جميع ما ذكر
81 - قوله ز تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا 165
قال مقاتل نزلت في مشركي العرب
82 - قوله ز تعالى وماهم بخارجين من النار 167
أخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي سمعت ثابت بن معبد يقول ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت وما هم بخارجين من النار
83 - قوله تعالى يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية 168
1 - قال الواحدي قال الكلبي نزلت في ثقيف و خزاعة و عامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث و الأنعام و حرموا البحيرة و السائبة و الوصيلة والحام
و نقل ابن عطية عن النقاش أنها نزلت في ثقيف و خزاعة و بني الحارث بن كعب
2 - قال ابن ظفر وروي عن عطاء انها نزلت في المؤمنين و قيل في عثمان بن مظعون وأصحابه الذين عزموا على الترهب
قلت وستأتي قصتهم في آية المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و سياق آيات البقرة يدفع ذلك
84 - قوله ز تعالى وإذا قيل اتبعوا ما أنزل الله الآية 170
أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال دعا 111 رسول الله اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منا و أعلم فأنزل الله تبارك و تعالى في ذلك من قولهما وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا الآية
85 - قوله ز تعالى ومثل الذين كفروا الآية 171
قال الطبري نزلت في اليهود بدليل الآية التي قبلها و الآيات التي بعدها
86 - قوله تعالى فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه الآية 173
قال عبد بن حميد حدثنا يونس نا شيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله خرج في جيش فلبثوا ثلاثا لا يجدون طعاما فقالوا يا رسول الله ألا نفتصد قال بلى قال فافتصدوا ثم طبخوا حتى أدركوا الطعام قال و ذكر لنا أن النبي بعث جيشا فلبثوا خمس عشرة ليلة ليس لهم طعام إلا خبط الإبل ثم وجدوا حمل البحر ميتا فأكلوا منه شهرا فلما رجعوا إلى رسول الله ذكروا ذلك له فقال هو رزق رزقكموه الله
87 - قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب الآية 174
قال الواحدي قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في رؤساء اليهود و علمائهم كانوا يصيبون من سلفتهم الهدايا و الفضول وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رئاستهم فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها ثم أخرجوها إليهم وقالوا هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان 112 لا يشبه نعت النبي الذي خرج بمكة فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفا لصفة محمد فلا يتبعونه انتهى
وقال عبد بن حميد حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمنا قليلا الآية قال أولئك أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق و الهدى وأمر محمد
و في تفسير سنيد بن داود بسنده عن عطاء هم اليهود فيهم أنزل الله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و التي في آل عمران إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا
ومن طريق السدي قال هم اليهود كتموا اسم محمد
ومن طريق الربيع بن أنس نحوه و أتم منه
وفي تفسير أبي حيان وروي عن ابن عباس قال إن الملوك سألوا علماءهم قبل المبعث ما الذي تجدون في التوراة فقالوا نجد ان الله يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد يحرم الربا و الخمر والملاهي وسفك الدم بغير حق فلما بعث قالت الملوك لليهود هو هذا و تحرجوا في أموالهم فقالوا ليس هو بذاك الذي كنا ننتظره فأعطوهم الأموال فنزلت
قلت وهذا ذكره الثعلبي من رواية جويبر عن الضحاك
88 - قوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية 177
قال الواحدي قال قتادة ذكر لنا ان رجلا سأل رسول الله عن البر فانزل الله هذه الآية قال وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك وجبت له الجنة فانزل الله هذه الآية
قلت أخرجه عبد بن حميد 113 من طريق شيبان ووصله الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بهذا و قال بعد قوله الآية قال فذكر لنا ان النبي دعا الرجل فتلاها عليه و قد كان الرجل فذكره إلى قوله ثم مات على ذلك يرجى له الخير فأنزل الله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب وكانت اليهود توجهت قبل المغرب و النصارى قبل المشرق
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب و النصارى قبل المشرق فنزلت ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب
ووقع في الكشاف وقيل كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فنزلت
ومن طريق ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثل الجملة الاخيرة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت هذه الآية
2 - قول ز آخر ذكر يحيى بن سلام في تفسيره حدثني الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن أبي ذر أنه سأل رسول الله ما الإيمان فتلا عليه هذه الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى قوله المتقون قال ثم سأله فتلاها ثلاث مرات ثم سأله فقال إذا عملت حسنة فأحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك وهذا منقطع بين مجاهد و أبي ذر
وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد الكريم
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي حمزة عن الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس أنها سألت النبي في المال حق سوى الزكاة قالت فتلا علي ليس
البر أن تولوا وجوهكم 114 قبل المشرق والمغرب الآية
89 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الآية 178
قال الواحدي قال الشعبي كان بين حيين من أحياء العرب قتال وكان لأحد الحيين طول على الآخر فقالوا نقتل بالعبد منا الحر منكم وبالمرأة الرجل فنزلت هذه الآية
قلت وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتالا عمية فقالوا
نقتل بفلان العبد فلان بن فلان و بفلانة فلان بن فلان فأنزل الله تبارك و تعالى الحر بالحر الآية
وذكر ابن عطية عن الشعبي إن اهل العزة من العرب و المنعة كانوا إذا قتل منهم عبد قتلوا به حرا و إذا قتلت امرأة قتلوا بها ذكرا فنزلت الآية في ذلك تسوية بين العباد و إذهابا لأمر الجاهلية
و قال عبد الرزاق أنا معمر وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان النحوي كلاهما عن قتادة قال لم يكن دية إنما كان القصاص أو العفو فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد قالوا لا نقتل بدله إلا حرا وإذا قتلت منهم امرأة قالوا لا نقتل إلا رجلا فنزلت
وأخرج الطبري من طريق أسباط بن نصر عن السدي في قوله تعالى كتب عليكم القصاص في القتلى الآية اقتتل أهل مائين من العرب أحدهما مسلم والآخر معاهد في بعض ما يكون بين العرب من الأمر فأصلح بينهم النبي وقد كانوا قتلوا الأحرار و العبيد والنساء على أن ودي الحر دية الحر و العبد دية العبد والأنثى دية الأنثى 115 فقاصهم بعضهم من بعض
ومن طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان عن السدي عن أبي مالك الغفاري قال كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول
فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي ليصلح بينهم فنزلت هذه الآية فجعل النبي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال حدثنا عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول أيما حر قتل عبدا فهو به قود فأن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه وقاصوهم ثمن العبد من دية الحر وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته فإن قتل العبد حرا فهو به قود فإن شاء اولياء الحر قتلوا العبد
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد و النساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد و المال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم و بالمرأة منا الرجل منهم فنزلت فيهم الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى و ذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله تعالى النفس بالنفس و العين بالعين فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم و نساؤهم في النفس و فيما دون
النفس
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس من قوله كانوا لا يقتلون 116 الرجل بالمرأة إلى آخره وقضية ذلك أن تكون هذه الآية التي في البقرة منسوخة بالآية التي في المائدة و سيأتي لذلك مزيد بيان هناك إن شاء الله تعالى
وذكر يحيى بن سلام عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال كان أهل الجاهلية قوما فيهم عز ومنعة فكان إذا قتل أحد منهم امرأة فذكر نحو ما تقدم
90 - قوله ز تعالى ذلك تخفيف من ربكم و رحمة 178
أخرج البخاري و النسائي من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الآية إلى قوله فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان
وفي رواية للطبري من طريق محمد بن مسلم عن عمرو كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل ولا تقبل منهم الدية فأنزل الله هذه الآية ذلك تخفيف من ربكم و رحمة يقول خفف عنكم ما كان على من قبلكم فالذي يقبل الدية ذلك عفو منه
ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو عن مجاهد ليس فيه ابن عباس عند النسائي ومن طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس ذلك تخفيف من ربكم و رحمة فيما كان على بني إسرائيل
وأخرجه يحيى بن سلام عن حماد كذلك و عن معلى بن هلال عن عمرو بن دينار عن مجاهد 117 به
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ليس بينهم دية في نفس ولا جرح فخفف الله عن أمة محمد فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة وذلك قوله تعالى ذلك تخفيف من ربكم و رحمة
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ذلك تخفيف من ربكم و رحمة رحم الله هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم فكان أهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به فجعل الله لهذه الأمة القود و العفو والدية إن شاءوا فأحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله إلا أنه قال شيء بدل أرش
91 - قوله ز تعالى ولكم في القصاص حياة 179
قال ابن عطية كانوا في الجاهلية إذا قتل الرجل الآخر حمي القبيلان و تقاتلوا وكان في ذلك موت العدد الكثير فلما شرع الله القصاص قنع الكل به فذلك قوله تعالى ولكم في القصاص حياة
92 - قوله ز تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم 183
1 - قال مقاتل بن سليمان كبر لبيد الأنصاري من بني عبد الأشهل
فعجز عن الصوم فقال للنبي ما على من عجز عن الصوم فأنزل الله عز و جل كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله أياما معدودات الآية
2 - قول آخر قال المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال قدم رسول الله المدينة فصام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ثم أنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله فدية طعام مسكين فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ثم أن الله عز و جل أنزل 118 الآية الأخرى شهر رمضان إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي يطيق الصيام
أخرجه أحمد وأبو داود والطبري والمسعودي صدوق لكنه اختلط وقد خالفه شعبه فرواه عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة ثم نزل
شهر رمضان وهذا أصح من رواية المسعودي
قال الطبري لم يأت في خبر تقوم بمثله الحجة أن صوما فرض على أهل الإسلام قبل شهر رمضان ثم نسخ بصوم شهر رمضان كذا قال ويشكل عليه حديث قيس بن سعد بن عبادة أمرنا رسول الله بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان الحديث وفي لفظ كنا نصوم عاشوراء الحديث أخرجه النسائي وسنده قوي و ليس بسط ذلك من غرض هذا الكتاب
قوله ز تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية الآية 184
أخرج البخاري و مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
وأخرج الطبري من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود لما نزلت وعلى الذين يطيقونه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فكانوا كذلك حتى نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه
وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن 119 ابن أبي ليلى عن عطاء قال قال ابن عباس فذكره نحوه وقال في روايته ثم نزلت هذه الآية فنسختها إلا في الشيخ الفاني فإنه إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر
94 - قوله ز تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه 185
قال عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا وهيب بن خالد عن ابن شبرمة هو عبد الله عن الشعبي قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أفطر الأغنياء وأطعموا وحل الصوم على الفقراء فأنزل الله عز و جل فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا مرسل صحيح السند
وأخرج أيضا من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية قال نسختها الآية التي تليها وهذا أيضا مرسل وسنده معدود في أصح الأسانيد
95 - قوله ز تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر 185
أخرج الطبري من طريق خيثمة عن أنس أنه سأله عن الصوم في السفر فقال قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى قلت فأين قول الله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فقال نزلت و نحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع ونحن اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع
96 - قوله ز تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية 186
1 - قال عبد الرزاق في تفسيره أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال سأل أصحاب رسول الله فقالوا للنبي أين ربنا فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني
2 - قول آخر أخرج الفريابي من طريق ابن جريج عن عطاء 120 أنه بلغه لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قال الناس لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية
3 - قول ثالث أخرج الطبري و ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الصلب بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري
- وهو أخو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أعرابيا قال يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب إلى قوله فليستجيبوا لي وفي سنده ضعيف و الصلب بضم المهملة و سكون اللام و بعدها موحدة وذكر ابن ظفر عن الضحاك قال سأل بعض الصحابة النبي فذكر نحوه
4 - قول رابع أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قاتل
ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى ادعوني أستجب لكم قال رجل كيف ندعو يا نبي الله فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
5 - قول خامس قال مقاتل بن سليمان في تفسيره اعترف رجال من المسلمين أنهم كانوا يأتون نسائهم بعد أن يناموا في الصيام فقالوا ما توبتنا فنزلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب هكذا في تفسيره مختصرا وذكره ابن ظفر عنه مطولا ذكر فيه القصة الآتية عن عمر بن الخطاب وعن صرمة بن أنس أبي قيس قلت و هذا يستلزم أن هذه الآية مؤخرة في النزول و إن كانت متقدمة في التلاوة
6 - قول سادس ذكره الماوردي ونسبه لابن الكلبي ونسبه غيره لابن عباس فكأنه عن الكلبي عن أبي صالح إن يهود المدينة 121 قالوا للنبي كيف يسمع ربنا دعاءنا و أنت تزعم أن بيننا و بين السماء خمسمئة عام و إن غلظ كل سماء خمسمئة عام
97 - قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية 187
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الوالبي
و ذلك ان المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء و الطعام إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام و النساء في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك لرسول الله فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت الوالبي هو علي بن أبي طلحة وقد وصل حديثه الطبري و ابن أبي حاتم و غيرهما وعندهم فأنزل الله علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم و أخرجه الطبري
قال ابن عطية حكى النحاس و مكي أن عمر نام ثم وقع بامرأته وهذا عندي بعيد على عمر قلت ذكره ابن كثير من طريق موسى بن عقبة عن
كريب عن ابن عباس وهذا سند صحيح و لفظه إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل يأكلون و يشربون و يحل لهم شان النساء فإذا نام أحدهم لم يطعم و لم يشرب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله ثم جاء إلى النبي فقال أشكو إلى الله و إليك الذي صنعت قال وماذا صنعت قال إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعدما نمت و أنا أريد الصوم فزعموا أن النبي قال ما كنت خليقا على أن تفعل فنزل الكتاب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
و لهذه القصة طرق عن ابن عباس في بعضها أن امرأة عمر هي التي نامت
فمنها ما أخرجه أبو داود من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الناس على عهد رسول الله إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام
و الشراب و النساء و صاموا إلى القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته و قد صلى العشاء ولم يفطر فأراد الله أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي و رخصة فقال علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فكان هذا مما نفع الله به الناس و رخص لهم بسببه
وأخرجه سنيد بن داود من وجه آخر عن عكرمة مرسلا و فيه تسمية الرجل أبو قيس ابن صرمة
ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن شروس عن عكرمة عن رجل قد سماه من الأنصار جاء ليلة وهو صائم فقالت له امرأته لا تنم حتى أصنع لك طعاما فجاءت و هو نائم فقالت نمت و الله قال لا و الله ما نمت قالت بلى والله فلم يأكل تلك الليلة و أصبح صائما فغشي عليه فنزلت الرخصة
ومنها عن العوفي عنه و لفظه في قوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه فقال فتاب عليكم و عفا عنكم أخرجه ابن أبي حاتم و أخرجه الطبري مطولا و أوله كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم الحديث وفيه وإن عمر بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله فلما اغتسل أخذ يبكي و يلوم نفسه ثم أتى رسول الله 123 فقال إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي فإنها زينت لي فهل تجد لي من رخصة فقال لم تكن بذلك حقيقا يا عمر فلما بلغ بيته أرسل إليه فأتاه فعذره في آية من القرآن و أمره الله أن يضعها في المئة الوسطى من البقرة
وأخرج الطبري أيضا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت أن عمر واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد ذلك عليه فأنزل الله أحل لكم الآية
ولها طرق أخرى عن غير ابن عباس
منها ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل عن المسعودي يسنده الماضي قريبا قال فيه و كانوا يأكلون و يشربون و يأتون النساء ما لم يناموا فإذا
ناموا امتنعوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل و لم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما فرآه رسول الله وقد جهد جهدا شديدا فقال ما لي أراك جهدت جهدا شديدا قال يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما قال و كان عمر أصاب من النساء بعدما نام فأتى النبي فذكر ذلك فأنزل الله عز و جل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل
وأخرجه الطبري أيضا من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى مرسلا ومن طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا وقال فيه فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك
وأخرجه أحمد و الطبري و ابن أبي حاتم من طريق قيس بن
سعد عن عطاء 124 ابن أبي رباح عن أبي هريرة في قول الله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل قال كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام و الشراب و النساء حتى يفطروا وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء و أن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام و لم يستيقظ حتى صلى الرسول العشاء فقام فأكل و شرب فلما أصبح أتى رسول الله فأخبره بذلك فأنزل عند ذلك أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل فكان ذلك عفوا من الله و رحمة كذا جاء في هذه الرواية أن صرمة بن قيس أكل و شرب بعد ما نام و الذي تقدم أصح أنه امتنع فجهد فنزلت
وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام و الشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي ذات ليلة و قد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت إني قد نمت قال ما نمت ثم وقع بها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي فأخبره فأنزل الله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية و أخرجه ابن أبي حاتم و في سنده عندهما ابن لهيعة و حديثه يكتب في المتابعات
ثم أسند الواحدي من طريق يحيى بن زكريا 125 ابن أبي زائدة حدثني أبي و غيره عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون و يشربون و يمسون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها و أن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فأتى أهله عند الإفطار فانطلقت امرأته تطلب شيئا وغلبته عينه فنام فلما انتصف النهار من غد غشي عليه قال و أتى عمر امرأته و قد نامت فذكر ذلك للنبي فنزلت أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون
ثم أسند أيضا من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته و لا يومه حتى يمسي و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فذكر نحوه و لم يذكر قصة عمر و في آخره فأنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا
قال رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل وهو كما قال
وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبيد الله بن موسى فقال عن إسرائيل وزهير كلاهما عن أبي إسحاق وأخرجه أيضا أبو داود من وجه آخر عن إسرائيل وقال في روايته إن صرمة بن قيس و أخرجه النسائي من رواية زهير و قال في روايته و نزلت في أبي قيس بن عمرو
وأخرج الطبري أيضا من طريق السدي قال كتب على النصاري صيام رمضان و كتب عليهم أن لا يأكلوا و لا يشربوا ولا ينكحوا النساء في رمضان بعد النوم و كتب على المسلمين كما كتب على النصارى فلم يزل 126 المسلمون حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فأتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلي لي بهذا طحينا فاجعليه سخينة لعلي آكله فإن التمر قد أحرق جوفي
فانقلبت فاستبدلت له ثم صنعته فأبطأت عليه فنام فجاءت فأيقظته فكره أن
يعصي الله فأبى أن يأكل فأصبح صائما فرآه النبي بالعشي فقال ما لك يا أبا قيس فقص عليه القصة و كان عمر وقع على جارية له في ناس من المسلمين لم يملكوا أنفسهم فلما سمع كلام أبي قيس رهب أن ينزل فيه شيء فبادر و اعتذر و تكلم أولئك الناس فنسخ الله تعالى ذلك عنهم و نزلت أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله من الفجر
ثم أسند الواحدي من طريق إسحاق بن أبي فروة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك و لم يأكل و لم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن قيس صائما فنام قبل أن يفطر فأصبح فكاد الصوم يقتله فأنزل الله تعالى الرخصة قال فتاب عليكم و عفا عنكم و هذا الحديث مع إرساله ضعيف السند من أجل إسحاق بن أبي فروة
و لولا أني التزمت أن استوعب ما أورده الواحدي لاستغنيت عن هذا
وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان الرجل من الصحابة يصوم فإذا أمسى أكل وشرب و جامع فإذا رقد حرم ذلك كله عليه 127 حتى القابلة و كان فيهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك فعفا الله عنهم و أحل ذلك قبل الرقاد و بعده و في رواية ذكر عمر
ومن طريق محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري إن صرمة بن أنس أتى أهله وهو شيخ كبير فلم يهيئوا له طعاما فوضع رأسه فأغفى و جاءته امرأته فقالت كل قال إني قد نمت قالت إنك لم تنم فأصبح جائعا مجهودا فنزلت
تنبيه جمع ابن عطية الخلاف في تسمية الأنصاري بحسب ما وقع عنده في تفسير ابن جرير فقال وروي أن صرمة بن قيس و يقال ابن مالك و يقال أبو
قلت و تقدم في بعض طرقه أبو قيس بن صرمة و في بعضها أبو قيس بن عمرو و ذكرت في كتابي في الصحابة إن بعضهم قال أنس بن صرمة و أن
بعضهم صحفه فقال ضمرة بضاد معجمة ووقع في تفسير مقاتل أنه صرمة ابن أنس بن صرمة بن مالك من بني عدي بن النجار أبو قيس
98 - قوله تعالى و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر 187
أسند الواحدي من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال نزلت هذه الآية " كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود و لم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض و الخيط الأسود فلا يزال يأكل و يشرب حتى يتبين له زيهما فأنزل الله تعالى بعد ذلك من الفجر فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل و النهار قال رواه البخاري و مسلم وهو كما قال
قال ابن عطية 128 و جعل عدي بن حاتم خيطين على وسادة فقال له النبي إن وسادك لعريض قال ابن عطية روي أنه كان بين طرفي المدة عام
قلت كلامه يوهم أن قصة عدي كانت قبل نزول قوله تعالى من الفجر وليس كذلك بل صنيع الأنصار و صنيع عدي و إن اتحد في الخيطين لكن مأخذ الغرضين مختلف و نزول من الفجر كان بسبب الأنصار لأنهم حملوا الخيطين
على حقيقتهما وفعل عدي استمر بعد نزول قوله تعالى من الفجر حملا للخيطين على الحقيقة أيضا وأن المراد أن يوضح الفجر الأبيض منهما من الأسود فقيل له إن المراد بالخيط نفس الفجر و نفس الليل
99 - قوله ز تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد 187
قال مقاتل بن سليمان نزلت في علي و عمار بن ياسر وأبي عبيدة بن الجراح كان أحدهم يعتكف فإذا أراد الغائط من السحر رجع إلى أهله فيباشر و يجامع و يغتسل و يرجع فنزلت
و عبر عنه ابن ظفر مقتصرا عليه بقوله قيل كان علي و أبو عبيدة إذا خرجا في حال اعتكافهما لحاجة الإنسان قد يكون منها الوطء فنزلت
وأخرج الطبري من طريق سفيان وهو الثوري عن علقمة بن مرثد عن الضحاك بن مزاحم قال كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ولا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد
وفي رواية له من هذا الوجه كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فنزلت يقول لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره
ومن طريق سعيد عن قتادة كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف فلقي 129 امرأته باشرها فنهاهم الله عن ذلك و أخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه
ومن طريق معمر عن قتادة نحوه
ومن طريق ابن جريج قال قال ابن عباس كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ثم رجع إلى اعتكافه فنهوا عن ذلك
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس كان أناس يصيبون نساءهم وهم عكوف فنهاهم الله عن ذلك
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان ابن عباس يقول من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء ومن طريق ابن جريج قال قال مجاهد نهوا عن
جماع النساء في المساجد حيث كانت الأنصار تجامع
100 - قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الآية 188
قال الواحدي قال مقاتل بن حيان نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي و في عيدان بن أشوع الحضرمي و ذلك أنهما احتكما إلى النبي في أرض فكان امرؤ القيس المطلوب و عيدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عيدان في أرضه و لم يخاصمه
قلت كذا رأيت فيه ابن حيان و قد وجدته في تفسير مقاتل بن سليمان وقال في آخره و لم يكن لعيدان بينه وأراد امرؤ القيس أن يحلف فقرأ النبي إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا فلما سمعها امرؤ القيس كره أن يحلف فلم يخاصمه في أرضه و حكمه فيها فنزلت
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير بنحوه
و عيدان بفتح المهملة بعدها تحتانية مثناة ذكره أصحاب 130 المشتبه
101 - قوله ز تعالى و تدلوا بها إلى الحكام 188
قال الماوردي معنى تدلوا تصيروا بها إلى الحكام مأخوذ من إدلاء الدلو و يحتمل أن يكون المعنى تقيموا بها الحجة عندهم تقول أدلى بحجته إذا قام بها قال القرطبي المعنى لا تدلوا إلى الحكام بالحجج الباطلة و قيل المعنى لا
تصانعوا بأموالكم الحكام فترشوهم ليقضوا لكم
قال ابن عطية و يترجح هذا القول بأن الحكام مظنة الرشوة إلا من عصم وهو الأقل قال و اللفظتان متناسبان لأن تدلوا من إرسال الدلو والرشوة من الرشا كأنها يمد بها لتقضي الحاجة
وقال الرازي قيل المراد ما لا بينة عليه كالودائع و قيل شهادة الزور و قيل في دفع الأوصياء بعض مال الأيتام إلى الحاكم و قيل أن يحلف ليذهب حق غريمه و قيل نزلت في الرشوة وهو الظاهر و إن كان الكل منهيا عنه
قلت بل السبب لا يعدل عن كونه مرادا وإن كان اللفظ يتناول غيره
102 - قوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج 189
قال الواحدي قال معاذ بن جبل يا رسول الله إن اليهود تغشانا و يكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال قتادة و ذكر لنا أنهم سألوا نبي الله لم خلقت هذه الأهلة فأنزل
الله تعالى قل هي مواقيت للناس و الحج
وقال الكلبي نزلت في معاذ بن جبل و ثعلبة بن عنمة بفتح المهملة و النون و هما رجلان من الأنصار قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم و يستوي و يستدير ثم لا يزال ينقص و يدق حتى يعود 131 كما كان على حال واحد فنزلت هذه الآية
قلت أما الأول فلم أر له سندا إلى معاذ و يحتمل أن يكون اختصره أولا ثم أورده مبسوطا
واما أثر قتادة فأخرجه يحيى بن سلام عن شعبة عنه بهذا اللفظ و أخرجه الطبري من طريق سعيد بلفظ سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة فأنزل الله
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ذكر لنا أنهم سألوا النبي لم خلقت الأهلة فنزلت
ومن طريق ابن جريج قال قال ناس فذكر مثله
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال بلغنا أنهم قالوا فذكر مثله
وأما أثر الكلبي فلعله في تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس و قد وجدت مثله في تفسير مقاتل بن سليمان بلفظه فلعله تلقاه عنه و قد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه و لا شعور عندهم بذلك بل كاد يكون مقطوعا به لكثرة من ينقله من المفسرين و غيرهم
قال الفخر الرازي ليس في الآية عن أي شيء سألوا لكن الجواب بقوله هي مواقيت للناس يدل على أنهم سألوا عن الحكمة في تغيرها و الله أعلم
103 - قوله تعالى و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى الآية 189
1 - أسند الواحدي من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء يقول كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت هذه الآية متفق عليه 132
ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر كانت قريش تدعى الحمس و كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينما رسول الله في بستان إذ خرج من بابه و خرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال ما حملك على ما صنعت فقال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال إني أحمس قال إن ديني دينك فأنزل الله تعالى وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها
قلت حديث جابر أخرجه ابن خزيمة و الحاكم وهو على شرط مسلم ولكن اختلف في إرساله ووصله و حديث البراء له شاهد قوي و له عدة متابعات
مرسلة
ثم قال الواحدي قال المفسرون كان الناس في الجاهلية و في أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا و لا دارا ولا بيتا من بابه فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل و يخرج أو يتخذ سلما فيصعد فيه و إن كان من اهل الوبر خرج من خلف الخيمة و الفسطاط ولا يدخل من الباب و لا يخرج منه حتى يحل من إحرامه و يرون ذلك برا إلا أن يكون من الحمس و هم قريش و كنانة و خزاعة و ثقيف و جشم و بنو عامر بن صعصعة و بنو النضر بن معاوية سموا حمسا لشدتهم في دينهم قالوا فدخل رسول الله ذات يوم بيتا لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار على أثره من 133 الباب وهو محرم فقال له رسول الله لم دخلت من الباب و أنت محرم فقال رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال رسول الله إني أحمس فقال الرجل
إن كنت أحمس فإني أحمس ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك و دينك فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت و هذا جمعه من آثار مفرقة و لم أجده عن واحد معين
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الزهري قال كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم و بين السماء شيء يتحرجون من ذلك و كان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدوا له الحاجة بعدما يخرج من بيته فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه و بين السماء فيفتح الجدار من قدامه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن رسول الله أهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة فقال له النبي إني أحمس قال الزهري و كان الحمس لا يبالون ذلك فقال الأنصاري فأنا أحمس يقول أنا على دينك فأنزل الله تعالى هذه الآية هذا مرسل رجاله ثقات أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق
وأخرج من طريق أسباط عن السدي في هذه الآية قال إن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها فلما حج رسول الله حجة الوداع أقبل يمشي و معه رجل من أولئك و هو مسلم 134 فلما بلغ رسول الله باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل وقال يا رسول الله
إني أحمس يقول إني محرم و كان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس فقال رسول الله وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل فأنزل الله تعالى وآتوا البيوت من أبوابها
قلت شذ السدي بهذه الرواية فخالف في زمان نزول الآية و خالف في من كان يفعل ذلك فزعم أنهم الحمس و المحفوظ أنهم غير الحمس و خالف في أن الصحابي امتنع حتى أذن له النبي و المحفوظ أنه صنع فأنكر عليه فإن أمكن الجمع بالحمل على التعدد مع بعده وإلا فالصحيح الأول
وقد أخرجه الطبري وغيره من طرق أخرى
منها من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن انس في هذه الآية قال كان أهل المدينة و غيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها و ذلك أن يتسوروها وكان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت إلا أن يتسور من ظهره و إن النبي دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار و دخل رجل على أثره ممن قد أحرم فأنكروا عليه ذلك و قالوا هذا رجل فقال له النبي لم دخلت من الباب و قد أحرمت قال رأيتك يا رسول الله دخلت على أثرك فقال إني أحمس و قريش يومئذ تدعى الحمس فقال الأنصاري إن ديني دينك فأنزل الله هذه الآية
ومن طريق العوفي عن ابن عباس إن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف
أحدهم من عدوه شيئا 135 أحرم فأمن و إذا أحرم لم يلج من بابه و اتخذ ثقبا من ظهر بيته فلما دخل النبي المدينة كان بها رجل محرم فدخل رسول الله بستانا فدخل معه ذلك المحرم فذكر نحو ما تقدم
وأخرج الطبري و عبد بن حميد من طريق داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر بمهملة ثم موحدة ثم مثناة كوزن جعفر النهشلي قال كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه و لكن من قبل ظهره و كانت الحمس تفعله فدخل رسول الله حائطا من حيطان المدينة ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت و لم يكن من الحمس فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة فقال ما حملك على ما صنعت يا رفاعة قال رأيتك خرجت فخرجت فقال إني من الحمس و لست أنت من الحمس فقال يا رسول الله ديننا واحد فأنزلت و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إلى قوله لعلكم تفلحون
قلت الرواية المتقدمة في تسميته قطبة بن عامر أصح وكذا سماه مقاتل
بن سليمان في تفسيره وفي هذا المرسل من النكارة قوله إن ذلك في حائط من حيطان المدينة و ما كان النبي قط وهو بالمدينة محرما
وأخرج عبد بن حميد من طريق مغيرة عن إبراهيم هو النخعي قال كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا من بابه فنزلت
ومن طريق شيبان عن قتادة نحوه
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان أهل الجاهلية جعلوا في بيوتهم كوى في ظهورها و أبوابا في جنوبها فنزلت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج قلت لعطاء فقال كان 136 أهل الجاهلية يأتون البيوت من أبوابها و يرونه برا فنزلت
2 - قول ز آخر قال عبد بن حميد حدثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان بن المغيرة سألت الحسن يعني البصري عن هذه الآية و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها قال كان الرجل من أهل الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فكان لا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن أوضح منه قال كان قوم من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفرا ثم بدا له أن يقيم و يدع سفره الذي خرج له لم يدخل البيت من بابه و لكن يتسوره فقال الله تعالى و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها و ذكره الزجاج بلفظ أن قوما من قريش و جماعة من العرب كانوا إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة
وذكر الماوردي بنحوه وزاد في آخره تطيرا من الخيبة فقيل لهم ليس في التطير بر و لكن البر أن يتقوا الله
3 - قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة أحد الضعفاء عن محمد بن كعب القرظي قال كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله عز و جل هذه الآية
4 - قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي شيبة عن عطاء قال كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها و يرون أن ذلك أحرى للبر فنزلت
5 - قول ز آخر 137 قال الماوردي ما حاصله إنه قيل أنها نزلت في من كان يأتي النساء من غير قبلهن و كنى عن النساء بالبيوت للإيواء إليهن و عن الوطء في غير القبل بالإتيان من جهة الظهر و نسبه لابن زيد و حكاه مكي والمهدوي عن ابن الأنباري أيضا و رده ابن عطية مستبعدا له
6 - قول ز آخر ذكره الماوردي عن ابن بحر قال نزلت في النسيء كانوا يؤخرون الحج فيجعلون الشهر الحرام حلالا و الحلال حراما فعبر البيوت و إتيانها من ظهورها عن المخالفة في أشهر الحج و المخالفة إتيان الأمر من خلفه و الخلف والظهر في اللغة واحد
وجوز الزمخشري و تبعه المرسي أن إتيان البيوت من أبوابها كناية عن
التمسك بالطريق المستقيم و إتيانها من ظهورها كناية عن التمسك بالطريق الباطل
وحكاه الفخر الرازي وقال هذا تأويل المتكلمين وهو أولى لا تساق النظم كذا قال
104 - قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم الآية 190
1 - قال الواحدي قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في صلح الحديبية و ذلك أن رسول الله لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل و يخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت و يفعل ما شاء و صالحهم رسول الله على ذلك
فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله وأصحابه لعمرة القضاء و خافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام و يقاتلوهم فكرهوا القتال في الحرم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى وقاتلوا في سبيل الله 138 يعني قريشا
قلت الكلبي ضعيف لو انفرد فكيف لو خالف وقد خالفه الربيع بن أنس وهو أولى بالقبول منه فقال إن هذه الآية أول آية في الإذن للمسلمين في قتال المشركين و سياق الآيات يشهد لصحة قوله فإن قوله تعالى عقيبها ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه منسوخ بقوله تعالى فأذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم عند الأكثر فوضح أنها سابقة لكن سيأتي في سورة الحج عن أبي بكر الصديق أول آية نزلت في الأذن في القتال أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
قلت و يمكن الجمع
ولفظ الربيع قال هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة فكان رسول الله يقاتل من قاتله و يكف عمن كف عنه حتى نزلت براءة أخرجه الطبري من طريقه ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال نسخ قوله تعالى قاتلوا
المشركين كافة هذه الآية وغيرها
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال هذه أول آية نزلت في القتال
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق يحيى بن يحيى الغساني قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا قال فكتب إلى أن ذلك في النساء و الذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ولا تعتدوا قال لا تقتلوا النساء و الصبيان و الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم فكف يده
ورجح الطبري هذا القول وجوز غيره 139 أمورا أخرى قيل نزلت في النهي عن من بذل الجزية و في من قتل قبل الدعوة و قيل في المثلة وقيل في القتال في الحرم و قيل في الشهر الحرام وفي القتال لغير وجه الله
105 - قوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص 194
1 - قال الواحدي قال قتادة أقبل نبي الله وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم و أنزل الشهر الحرام بالشهر الحرام الآية
قلت وصله الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال فيه واعتمروا في ذي القعدة وفيه فصالحهم نبي الله على أن يرجع من عامه ذلك و يعتمر في العام المقبل فنحروا الهدي بالحديبية و حلقوا و قصروا حتى إذا كان العام المقبل اعتمروا في ذي القعدة حتى دخلوا مكة وفي آخره فأدخله الله مكة في
ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه فقال الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص
قال ابن ظفر حرمات الدين لا يدخلها قصاص و إنما المراد حرمات الناس أضاعوا حرمة قاصدي بيت الله بمنعهم منه فأقص الله منهم بأن أمكنهم من دخوله وأخرج الذين كانوا يمنعونهم منه ثلاثة أيام
ومن طريق معمر وعن قتادة وعن عثمان عن مقسم قالا كان هذا في سفر الحديبية فذكر نحوه وقال فجعل الله لهم شهرا حراما يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا 140 فيه فلذلك قال والحرمات قصاص
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه بطوله
ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه باختصار
وأخرج الطبري أيضا من طريق نافع بن مالك عن عكرمة عن ابن عباس في
هذه الآية هم المشركون حبسوا محمدا في ذي القعدة فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد فخرجت قريش بردها رسول الله يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه و بين البيت
ومن طريق أسباط عن السدي لما اعتمر النبي عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره صده المشركون ثم صالحوه على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام فأتاهم بعد فتح خيبر في السنة السابعة
ومن طريق جويبر عن الضحاك قال حصروا النبي في ذي القعدة عن البيت الحرام فأدخله الله البيت الحرام في العام المقبل واقتص له منهم
وأخرج أحمد بسند صحيح عن جابر لم يكن رسول الله يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى
2 - قول ز آخر حكى الماوردي عن الحسن البصري إن سبب نزولها أن مشركي العرب قالوا أنهيت يا محمد عن قتالنا في الشهر الحرام قال نعم فأرادوا أن
يقاتلوه في الشهر الحرام فنزلت الشهر الحرام بالشهر الحرام إن قاتلوكم في الشهر الحرام 141 فقاتلوهم فيه و سيأتي مزيد بيان لهذا في قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه
106 - قوله ز تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه الآية 194
1 - أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال كان المشركون يأخذون المسلمين بألسنتهم بالشتم و الأذى وهم بمكة فأمر الله المسلمين بالمجازاة أو الصبر أو العفو فلما هاجروا أعز الله دينه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم و لا يعتدوا كأهل الجاهلية
2 - ثم نقل عن مجاهد أنها في القتال و يرجح ذلك من جهة سياق ما قبلها وما بعدها والله أعلم
107 - قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة 195
1 - أسند الواحدي من طريق هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال
نزلت في الانصار أمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت هذه الآية
ومن طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة قال أنزلت في النفقة في سبيل الله
ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن الضحاك ابن أبي جبيرة قال كان الأنصار يتصدقون و يطعمون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله هذه الآية
2 - قول آخر أسند الواحدي من طريق حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر لي فأنزل الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
3 - قول آخر أسند الواحدي من طريق المقري عن حيوة بن شريح عن يزيد 142 بن أبي حبيب اخبرني أسلم أبو عمران كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى اهل الشام فضالة بن عبيد فخرج من المدينة صف عظيم من الروم و صففنا لهم صفا عظيما من المسلمين فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلا فتصايح الناس فقالوا سبحان الله
ألقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله فقال يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل و إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله نبيه وكثر ناصريه قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا في أموالنا أصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله تعالى كتابه يرد علينا ما هممنا به فقال وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز و جل
قلت أما الأول فأخرجه أيضا ابن أبي حاتم و البغوي في معجم الصحابة و أبو علي بن السكن وقال تفرد به هدبة عن حماد والصواب أنه مرسل
وكذلك أخرجه الطبري من طريق معتمر بن سليمان عن داود بن أبي هند عن عامر وهو الشعبي ولفظه إن الأنصار كانوا احتبس عليهم بعض الرزق وكانوا قد أنفقوا نفقات فساء ظنهم وأمسكوا فأنزل الله عز و جل وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال فكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم 143 وجاء عن حماد بهذا السند حديث آخر في الألقاب وهو مقلوب والصواب
رواية شعبة ووهيب وغيرهما عن داود عن الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال أبو نعيم وأخرجه أبو داود والترمذي و غيرهما من هذا الوجه وقد وافق الشعبي على التأويل المذكور قتادة أخرجه الطبري من طريق معمر عنه قال في هذه الآية يقول لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله
ومن طريق خصيف عن عكرمة لما أمر الله بالنفقة فكان بعضهم يقول ننفق فيذهب ما لنا و لا يبقى شيء فقال أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول أنفقوا وأنا أرزقكم
ومن طريق يونس بن عبيد عن الحسن أنزلت في النفقة و في لفظ
له في التهلكة أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله هو التهلكة
وأخرج عبد بن حميد من طريق السكن بن المغيرة عن الحسن نحوه ولفظه إلى التهلكة قال هو البخل
ومن طريق عوف عن الحسن مثله
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج انه سأل عطاء عن هذه الآية فقال يقول أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر وقال لي عبد الله بن كثير نزلت في النفقة في سبيل الله
ومن طريق العوفي عن ابن عباس يقول أنفقوا ما كان من قليل أو كثير ولا تستسلموا فلا تنفقوا شيئا فتهلكوا
وأخرج الفريابي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه
وأخرجه ابن المنذر ولفظه ليس ذلك في القتال إنما هو في النفقة أن تمسك
يدك عن النفقة في سبيل الله وسنده صحيح إليه
وأخرج البخاري والطبري و غيرهما من حديث حذيفة في قوله وأنفقوا في سبيل الله 144 ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أنزلت في النفقة وفي لفظ أي لا تمسكوا عن النفقة
2 - وأما القول الثاني فحديث النعمان بن بشير أخرجه أيضا ابن المنذرمن طريق حماد عن سماك ولفظه إذا أذنب أحدكم الذنب فلا يقولن قد أسأت فيلقي بيده إلى التهلكة ولكن ليستغفر الله و يتوب إليه
وجاء مثله عن البراء بن عازب أخرجه الطبري وعبد بن حميد وغيرهما من عدة طرق عن أبي إسحاق عنه أتمها رواية حفيده إسرائيل عنه سمعت البراء و سأله رجل فقال يا أبا عمارة أرأيت قول الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل قال لا ولكنه الرجل يعمل
بالمعاصي ثم يلقي بيده و لا يتوب
وفي رواية الثوري عن أبي إسحاق فيقول لا يغفر الله لي
وفي رواية الحسين بن واقد عنه فيلقي بيده فيقول لا تقبل لي توبة
وأخرج الطبري أيضا مثله عن عبيدة بن عمرو السلماني وهو من كبار التابعين من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن هذه الآية فقال كان الرجل يذنب الذنب حسبته قال العظيم فيلقي بيده فيهلك فنهوا عن ذلك فقيل أنفقوا الآية
ومن طريق هشيم أنا هشام نحوه و قال بعد قوله بيده إلى التهلكة و يقول لا توبة لي
ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه دون قوله و يقول لا توبة لي وفي لفظ عن أيوب هو الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده و يرى أنه قد هلك
ومن طريق ابن عون عن ابن سيرين قال التهلكة القنوط
وأخرج عبد بن حميد من طريق عوف عن ابن سيرين قال لا تيأس فتقنط فلا تعمل
وأما 145 القول الثالث فأخرجه الترمذي من طريق أبي عاصم عن حيوة كذلك وأخرجه أبو داود والطبري من طريق ابن وهب عن حيوة وابن لهيعة كلاهما عن يزيد و لكن قال في روايته عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بدل فضالة بن عبيد وقال في روايته إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل في سبيل يلتمس الشهادة أو يبلى في نفسه إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار وقال في آخره والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا و نصلحها وندع الجهاد وقال في آخره حتى دفن بالقسطنطينية
وأخرجه الطبري من طريق المقري كما تقدم قال الترمذي حسن صحيح
قلت وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حبان و الحاكم
وجاء مثل الذي ذكره أبو أيوب عن عمر فأخرج الفريابي في تفسيره من طريق طارق بن عبد الرحمن عن المغيرة بن شبيل قال بعث عمر جيشا فحاصروا قيصر فتقدم رجل من بجيلة فقاتل حتى قتل وهو جد المغيرة بن شبيل فأكثر الناس فيه فقالوا ألقى بيده إلى التهلكة فبلغ ذلك عمر فقال كذبوا يC ثم قرأ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية
وله شاهد عند عبد بن حميد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن مدرك بن عوف أنه كان ذات يوم عند عمر قال فذكروا النعمان بن مقرن ورجلا شرى بنفسه فقال مدرك ذاك و الله خالي يا أمير المؤمنين زعم رجال أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر كذبوا
وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه ولفظه قلت إن خالي غزا بنفسه 146 حتى قتل فزعموا أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال كذب أولئك ولكن من الذين اشتروا الآخرة بالحياة الدنيا وسنده صحيح
وأخرج ابن المنذر من طريق القاسم بن مخيمر قال لو حمل رجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس
وذكر الطبري وغيره في سبب النزول أشياء آخر
أحدها ما أخرجه من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال سأل رجل البراء أحمل على المشركين وحدي فيقتلونني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة قال لا إنما التهلكة في النفقة بعث الله رسوله فقال فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك
ومن طريق حكام بن سلمة الرازي عن الجراح عن أبي إسحاق قال قلت للبراء يا أبا عمارة الرجل يلقى الفا من العدد فيحمل عليهم و إنما هو وحده أيكون ممن قال الله تعالى فيهم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فقال ليقاتل حتى يقتل قال الله تعالى لنبيه فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك
ثانيها من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال في قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال إذا لم يمكن عندك فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة فتلقي بيديك إلى التهلكة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله بغير نفقة فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن ينفقوا مما رزقهم الله و لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة و التهلكة أن يهلكوا من الجوع أو المشي
ثالثها من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لا يمنعكم النفقة في حق خوف العيلة
رابعها معناها أن ترك الصدقة يفضي إلى الهلاك قال مقاتل في تفسيره قال رجل 147 من الفقراء يا رسول الله ما نجد ما نأكل فبأي شيء نتصدق فقال بما كان ولو بشق تمرة تكفون وجوهكم عن النار و هي التهلكة
خامسها لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لا تنفقوا من حرام فتأثموا بذلك و تهلكوا حكاه القرطبي و نحوه عن الطبري عن عكرمة قال لا تيمموا الخبيث
منه تنفقون
سادسها قال الطبري هي عامة في جميع ما ذكر لاحتمال اللفظ له
تنبيه كان ممن تأول الآية على من يحمل وحده على العدد الكثير من العدو عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الحمن ابن الحارث بن هشام عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه أخبره أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل من أزدشنوءة فأسرع في العدو وحده يستقتل فعاب ذلك عليه المسلمون و رفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل فرده و قال له قال الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وأجاز الجمهور ذلك بشروط منها أن يغلب على ظنه أنه ينجو أو ينكي العدو بذلك أو يرهبه أو يكون سببا لتجزئ المسلمين على عدوهم فيصنعون كما صنع أو يكون سببا للفتح على المسلمين كما وقع في اليمامة والقادسية أو يخلص نيته لطلب الشهادة كما وقع ذلك في عدة مواطن كما أخرج مسلم بعضها فعنده من حديث
أنس في قصة الإثني عشر الذين قاتلوا بعث رسول الله واحدا بعد واحد حتى قتلوا أجمعين ومن حديث أبي موسى أنه حدث عن النبي قال الجنة تحت ظلال السيوف فقال له رجل 148 أنت سمعت رسول الله يقول هذا قال نعم فكسر جفن سيفه ومشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل
108 - قوله ز تعالى وأتموا الحج والعمرة لله 196
1 - أخرج ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن صفوان بن أمية أنه قال جاء رجل إلى النبي مضمخ بالزعفران عليه جبة فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي فأنزل الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فقال رسول الله أين السائل عن العمرة قال ها أنا ذا فقال له ألق عنك ثيابك ثم اغتسل و استنشق ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك
وهذا الحديث رواته ثقات لكن وقع في سياق السند وهم فإنه في الصحيح من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه فسقط من هذه الرواية كلمتان قوله ابن يعلى وقوله عن أبيه فصار ظاهره أنه من مسند صفوان بن أمية وهو ابن خلف الجمحي و إنما هو من رواية صفوان بن يعلى بن أمية التميمي
وقد أخرجه البخاري والنسائي من طرق عن عطاء و ليس عند أحد منهم ذكر نزول هذه الآية في هذه القصة
2 - قول ز آخر نقل القرطبي عن مقاتل قال
إتمامهما أن لا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فقال فأتموها لله و لا تخلطوهما بشيء آخر وقال غيره كانت العرب تقصد مع الحج الإجتماع والتظاهر و التنافر والتفاخر وحضور الأسواق 149 وقضاء الحوائج فأمر الله تعالى بالقصد إليه خالصا وفي تفسير الإتمام أقوال أخرى ليست من غرض هذا الكتاب
109 - قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الآية 196
أسند الواحدي من طريق ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة قال في نزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي فقال احلق وافد بصيام ثلاثة أيام أو النسك أو أطعم ستة مساكين وفي لفظ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد مسجد الكوفة فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال حملت إلى رسول الله و القمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد 150 شاة فقلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام فنزلت في خاصة ولكم عامة
وفي لفظ له من هذا الوجه خرجنا مع رسول الله محرمين فوقع القمل في رأسي و لحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي وفيه فقال ادع الحالق فجاء الحالق فحلق رأسي فقال هل تجد نسيكة قلت لا وهي شاة قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع ستة مساكين فأنزلت في خاصة وهي للناس عامة
ومن طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال كعب بن عجرة في نزلت هذه الآية أتيت رسول الله فقال ادنه فدنوت منه مرتين أو ثلاثا قال أتؤذيك هوامك قال نعم فأمرني بصيام أو بصدقة أو نسك ما تيسر
ومن وجه آخر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب قال مر به رسول الله وهو يوقد تحت قدر له وهو بالحديبية فقال أتؤذيك هوام رأسك
قال نعم قال احلق فأنزلت هذه الآية قال فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة فرق بين ستة مساكين و النسك شاة قلت حديث كعب بن عجرة في الصحيحين ومن ألفاظه مما لم يذكر في هذه الطريق ما ذكره مسلم في رواية لعبد الله بن معقل لكل مسكين نصف صاع نصف صاع كررها مرتين
وفي رواية لعبد الكريم الجزري عن مجاهد أي ذلك فعلت أجزاك ولأبي داود في رواية إن شئت وإن شئت
وفي رواية لمجاهد عند الطبري ونحن محرومون وقد حصرنا المشركون
وفي رواية لعبد الله 151 بن معقل أتجد شاة قال لا قال فصم أو
أطعم
وفي رواية لعطاء الخراساني عند مالك صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين قال وكان علم انه ليس عندي ما أنسك به أي ما أذبحه
تكميل نقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري الحافظ أنه قال حديث كعب بن عجرة سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ولا رواها عنه إلا عبد الرحمن بن أبي ليلى و عبد الله بن معقل وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة فإن الزهري قال سألت علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين انتهى
وفيما قال نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية
1 - عبد الله بن عمرو بن العاص
2 - وأبي هريرة
3 - و عبد الله بن عمر
4 - وفضالة الأنصاري عن صحابي لم يسم
فحديث ابن عمرو عند الطبري و الطبراني و حديث أبي هريرة عند سعيد بن منصور و حديث ابن عمر عند الطبري وكذا حديث فضالة
ورواه عن كعب بن عجرة غير ابن أبي ليلى وابن معقل جماعة منه أبو وائل
عند النسائي و محمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة و يحيى بن جعدة عند أحمد و وعطاء عند الطبري وأرسله أبو قلابة و الشعبي عن كعب و هو عند أحمد أيضا و مجاهد عند الطبري ولفظ الشعبي عن كعب أن النبي مر به وهو محرم وله وفرة وبأصل كل شعرة وبأعلاها قملة أو صؤاب فقال إن هذا الأذى الحديث
وأخرجه عبد بن حميد و الطبري أيضا و لفظ عطاء لما كان النبي بالحديبية عام حبسوا بها 152 و قمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة فقال له النبي أتؤذيك هوامك قال نعم قال فاحلق و اجزز و فيه أطعم ستة مساكين مدا مدا
110 - قوله ز تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية 196
قال عبد بن حميد ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن شريك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان أهل الجاهلية إذا حجوا قالوا إذا عفا الأثر و تولى الدبر و دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر فأنزل الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج تغييرا لما كان أهل الجاهلية يصنعون و ترخيصا للناس
وأصله في الصحيح من حديث ابن عباس دون ذكر نزول الآية ولفظه من طريق طاووس عنه قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر و يقولون إذا برأ الدبر و عفا الأثر وانسلخ صفر حلت
العمرة لمن اعتمر فقدم النبي و أصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة
111 - قوله ز تعالى ولا جدال في الحج 197
أسند الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه إبراهيم فقطعه الله حين أهل نبيه بالمناسك
ومن طريق أبي صخر عن محمد بن كعب قال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء حجنا أتم من حجكم فنزلت
ومن طريق القاسم بن محمد الجدال في الحج أن يقول قوم الحج اليوم
ويقوم قوم الحج غدا
و يجمع هذه الأقوال أن المراد بالجدال التنازع وذهب الجمهور إلى أنها عامة في جميع ما يصدق عليه اسم المخاصمة
ونقل ابن ظفر إن المراد بالجدال مراجعتهم للنبي لما أمرهم أن يجعلوا حجهم عمرة و هذا ذكره قبله مقاتل بن سليمان
112 - قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى 197
1 - أسند الواحدي من طريق البخاري ثم من طريق ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون و لا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز و جل وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
قلت ووصله عبد بن حميد عن شبابة و كذا أخرجه أبو داود و الطبري من طريق شبابة
وقال البخاري بعده رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا
وكذا أخرجه عبد الرزاق و غير واحد عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس
ورواه بعض أصحاب 153 ابن عيينة عنه موصولا وهو عند النسائي
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون نحج بيت الله و لا يطعمنا فقال الله تزودوا ما يكف وجوههم عن الناس
وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن قتادة كان أناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة فأمرهم الله أن يتزودوا و أعلمهم أن خير الزاد التقوى
وعن عمر بن ذر سمعت مجاهدا يقول نحوه وقال رخص لهم في الزاد فأنزل وتزودوا
وأخرج الطبري من طريق عمر بن ذر عن مجاهد كان الحاج لا يتزود فنزلت
وفي لفظ كانوا يحجون ولا يتزودون فنزلت
وأخرج الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد فأمروا أن يتزودوا
وأخرجه الطبري من هذا الوجه وزاد و يقولون نحن متوكلون
ومن طريق الحسن البصري إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ولا يتزودون فأمرهم الله بالزاد ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى
ومن طريق مغيرة عن إبراهيم كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد و يقولون نتوكل على الله فنزلت
وقال مقاتل إن ناسا من أهل اليمن و غيرهم و كانوا يحجون بغير زاد وكانوا يصيبون من أهل الطريق ظلما فنزلت
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر كانوا إذا أحرموا و معهم أزودة رموا بها و استأنفوا زادا آخر فأنزل الله تعالى وتزودوا فنهوا عن ذلك و أمروا أن يتزودوا 154 الكعك و الدقيق و السويق وهذا
سند صحيح
113 - قوله ز تعالى فإن خير الزاد التقوى 197
قال مقاتل لما نزلت وتزودوا قالوا يا رسول الله ما نجد شيئا فقال تزودوا تكفون به وجوهكم عن الناس و خير ما تزودتم التقوى
و ذكر ابن ظفر حديث ابن عباس المذكور أولا وزاد قال غيره و ربما ظلموهم و غصبوهم رواه عكرمة وجاء ما يشبهه عن مجاهد و الضحاك قال و قد شذ بعض العلماء فقال معناه تزودوا التقوى قال و المشهور من قول المفسرين أنه التزود بالمطعومات
114 - قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم 198
1 - أسند الواحدي من طريق أبي أمامة التيمي سألت ابن عمر فقلت إنا
قوم نكرى في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا قال ألستم تلبون ألستم تطوفون ألستم تسعون بين الصفا و المروة ألستم ألستم قلت بلى قال إن رجلا سأل النبي عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى نزل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
قلت
أخرجه أحمد وأبو داود و ابن خزيمة والدار قطني من طريق العلاء ابن المسيب و غيره عن أبي أمامة رجل من بني تيم الله مرفوعا
و أخرجه الطبري من طريق الثوري عن العلاء بن المسيب عن رجل من بني تيم الله قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن
أنا قوم نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج فذكر نحو الأول و فيه ألستم تحرمون كما يحرمون و تطوفون كما يطوفون و ترمون كما يرمون قال بلى قال فأنت حاج 155 جاء رجل إلى النبي فذكره
وأخرجه عبد بن حميد من طريق شعبة عن أبي أميمة قال سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج فيتجر فقال لا بأس بذلك وتلا ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم موقوف
قلت وهذا يوافق القول الذي يذكر بعده
وقال عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر عن مجاهد كان ناس يحجون و لا يتجرون فنزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فرخص لهم في المتجر و الركوب و الزاد
2 - قول آخر أسند الواحدي من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان ذو المجاز و عكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم
الحج
قال ورواه مجاهد عن ابن عباس قال كانوا يتقون البيع و التجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله تعالى فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فتجروا
قلت أخرج طريق عمرو البخاري من رواية ابن جريج به و من رواية سفيان ابن عيينة عن عمرو وزاد فيه و مجنة وهي بفتح الميم و كسر الجيم و تشديد النون و قال في روايته فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت و الباقي مثله
و أخرج طريق مجاهد أبو داود من رواية يزيد بن أبي زياد عنه و لفظه كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات و قرأ هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
وأخرجه الفريابي من هذا الوجه و أخرجه 156 الطبري أيضا
حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أحلت لهم التجارة في الموسم و كانوا لا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى لم ذكر فيه ابن عباس و كذا أخرجه ابن جرير من طريق عمر بن ذر عن مجاهد و زاد في رواية وكانوا لا يبيعون و لا يبتاعون في
الجاهلية بعرفة
وأخرج عبد بن حميد من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري قال لما فرض الله الحج كان الرجل يكره أن يدخل في حجه تجارة و كانت قريش تجارا فشق ذلك عليهم فذكروا ذلك للنبي فأنزلت هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فمن شاء حمل و من شاء ترك
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد من طريق محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال
كان التجار يسمون الداج و كانوا ينزلون مسجد منى و ينزلون مسجد الخيف و كانوا لا يتجرون حتى نزلت الآية
و أخرج عبد بن حميد من طريق عكرمة
كان الناس لا يتجرون في أيام الحج فأنزل الله ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم و ذكره عن ابن عباس
3 - قول آخر قال عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يشتغلوا بتجارة و لم يعرجوا على كسير و لا ضالة فأحل لهم ذلك بقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
وأخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير و لا على ضالة ليلة النفر و كانوا يسمونها ليلة الصدر و لا يطلبون فيها تجارة و لا بيعا فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا 157 على حوائجهم و يبتغوا من فضل ربهم ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله سواء و زاد بعد قوله ضالة و لا ينتظرون لحاجة
115 - قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الآية 199
1 - أسند الواحدي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كانت العرب تفيض من عرفات و قريش ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام فأنزل الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
ومن طريق سفيان بن عيينة أخبرني عمرو بن دينار أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله واقفا مع الناس بعرفة فقلت هذا من الحمس ما له ها هنا قال سفيان و الأحمس الشديد الشحيح على دينه و كانت قريش تسمى الحمس فجاءهم الشيطان و استهواهم فقال إنكم أن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم و يقفون بالمزدلفة فلما جاء الإسلام أنزل الله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس يعني عرفة
قلت أما حديث عائشة فأخرجه البخاري و لفظه من طريق محمد بن خازم بمعجمتين وهو أبو معاوية الضرير عن هشام و لفظه يقفون بالمزدلفة و كانوا يسمون الحمس و كانت سائر العرب تقف بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ثم أفيضوا من
حيث أفاض الناس و لفظ مسلم من طريق أبي أسامة 158 كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس و الحمس قريش و ما ولدت كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال و النساء النساء و كانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة و كان الناس كلهم يبلغون عرفات قالت عائشة الحمس هم الذين أنزل الله فيهم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
وأخرجه عبد بن حميد من طريق معمر عن هشام فزاد و عن معمر عن الزهري كان الناس يقفون بعرفة بعرفة إلا قريشا و أحلافها و هم الحمس فقال بعضهم لبعض لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن يتهاون الناس بحرمكم فقصروا عن موقف الحق فوقفوا بحمع فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس
و أخرج ابن جرير من طريق أبان العطار عن هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان و الحمس ملة قريش و هم مشركون ومن ولدت قريش في خزاعة و بني كنانة كانوا لا يدفعون من عرفة إنما كانوا يدفعون من المزدلفة و هو المشعر الحرام و كانت بنو عامر حمسا و ذلك أن قريشا ولدتهم و لهم قيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
واما حديث جبير بن مطعم فأخرجه الشيخان أيضا
ولفظ بن أبي عمر في مسنده عن سفيان هذا من الحمس فماله خرج من الحرم قال سفيان و كانت قريش تسمى الحمس و كانت لا تجاوز الحرم و يقولون نحن اهل الله فلا نخرج من حرمه و كان سائر الناس يقفون بعرفة وذلك قول الله عز و جل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال سفيان و الآحمس الشديد في دينه
وأخرج عبد بن حميد من طريق عطاء 159 عن جبير بن مطعم قال كنت مع قريش في منزلهم دون عرفة فأضللت حماري فذهبت أطلبه في الناس الذين بعرفة فوجدت رسول بعرفة قال عطاء و كانت قريش ينزلون دون عرفة و كان سائر أهل الجاهلية ينزلون بعرفة فذلك قول الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ومن طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة كانت قريش وكل من حولهم من أجير وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس كانوا
يقولون إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس و كانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات
وأخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة و قال في روايته كل حليف لهم و بني أخت لهم
وأخرجه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه سواء
وأخرج الطبري من طريق حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس كانت العرب تقف بعرفة و كانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة فأنزل الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فدفع النبي الموقف إلى موقف العرب بعرفة
ومن طريق ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس رأيا رأوه بينهم فقالوا نحن بنو إبراهيم
واهل الحرم و البيت و قاطنو مكة فليس لأحد من العرب مثل حقنا و لا مثل منزلنا و لا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت 160 العرب حرمكم و قالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة و الإفاضة منها و هم يعرفون أنها من المشاعر في دين إبراهيم و يرون لسائر العرب أن يقفوا عليها و أن يفيضوا منها و قالوا نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم فيحل لهم ما يحل لهم و يحرم عليهم ما يحرم عليهم فكانت كنانة و خزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن حتى قالوا لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط ولا يسلوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتا من شعر ولا يستظلوا أن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما
2 - قول ز آخر قال الطبري قال آخرون المخاطب بذلك المسلمون كلهم
والمراد بقوله أفاض أي من جمع والناس إبراهيم عليه السلام
ثم أسنده عن الضحاك بن مزاحم كذلك ورجح الطبري الأول
قلت أخرج البخاري من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال
يطوف الرجل بالبيت الحديث و فيه ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون به ثم ليذكروا الله فيكبروا قبل أن يصبحوا ثم يفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون و قال الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من مزدلفة
116 - قوله تعالى فإذا 161 قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم الآية 200
1 - قال الواحدي قال مجاهد كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية و أيامهم و أنسابهم و تفاخروا فأنزل الله تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال وقال الحسن يعني البصري
كانت العرب إذا حدثوا أو تكلموا يقولون وأبيك أنهم ليفعلون كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية
أما قول مجاهد فأخرجه الفريابي و عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه و لفظه فإذا قضيتم مناسككم هو إراقة الدماء فاذكروا الله كذكركم آباءكم تفاخر العرب بينها بفعال آبائها حين يفرغون يوم النحر فأمروا أن يذكروا الله مكان ذلك
وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد قال كان أهل الجاهلية من المشركين إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعال آبائهم وأنسابهم في الجاهلية فتفاخروا بذلك
ومن طريق معمر عن قتادة كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فذكروا آباءهم و أيامهم فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكرا الله كثيرا
وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان عن قتادة كان هذا الحي من العرب إنما يهتمون في ذكر آبائهم هو حديث محدثهم إذا حدث و به يقوم خطيبهم إذا خطب فأنزل الله تعالى كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأخرج الطبري والفاكهي من طريق القاسم بن عثمان عن انس في هذه الآية قال كانوا يذكرون آباءهم في الحج يقول بعضهم كان أبي يطعم الطعام و يقول بعضهم كان أبي يضرب بالسيف و يقول بعضهم كان أبي يجز نواصي بني
فلان
162 - زاد الفاكهي و يقوم من كل قبيلة شاعرهم و خطيبهم فيقول فينا فلان و فينا فلان و لنا يوم كذا و دفعنا بني فلان يوم كذا ثم يقوم الشاعر فينشد ما قيل فيهم من الشعر ثم يقول من يفاخرنا فليأت بمثل فخرنا فمن كان يريد المفاخرة من القبائل قام فذكر مثالب تلك القبيلة وما فيها من المساوئ فكان ذلك من شأنهم حتى جاء الله بالإسلام وأنزل على نبيه في كتابه فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله بذكركم آباءكم يعني دعوا هذه المفاخرة واذكروا الله
وأخرج الطبري والفاكهي أيضا من طريق سفيان عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم في الناس فمن الناس من يقول آتنا غنما هب لنا إبلا فنزلت فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق
وقال الطبري أيضا حدثنا أبو كريب ثنا أبو بكر بن عياش قال كان
أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم و أيامهم كان أبي يطعم الطعام وكان أبي يفعل فذلك قوله فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال أبو كريب فذكرته ليحيى بن آدم فقلت عمن هو فقال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل
ورد قيس بن الربيع عن عاصم بلفظ كان أهل الجاهلية إذا نظر أحدهم إلى البيت يقول كان ابي كان جدي يقاتل يطعم يفعل يفعل يعد من ذلك ما شاء الله ثم يقول اللهم آتني إبلا اللهم آتني غنما فقال الله تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأخرج الطبراني في كتاب الدعاء من طريق أبي سعد البقال عن أبي عون الثقفي قال شهدت خطبة 163 عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة و فيها و كانوا إذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز و جل فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأبو سعد اسمه سعيد بن المرزبان وهو ضعيف
ونقل ابن ظفر عن مقاتل و غيره كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى و الجبل فافتخروا بمكارم آبائهم و عن ابن عباس قال هم والله المشركون يسألون الله المال و يقولون اللهم اسقنا المطر و أعطنا لي عدونا الظفر و لا يسألون حظا في الآخرة فإذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز و جل هذه الآية
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق شعبة عن عثمان بن أبي رواد عن عطاء أنه قال في هذه الآية كذكركم قال هو قول الصبي يا بابا
ومن طريق ابن جريج قال عطاء ذكركم آباءكم أبه أمه
ومن طريق أخرى عن عطاء كالصبي يلهج بأبيه و أمه
ومن طريق جويبر عن الضحاك فاذكروا الله كذكركم آباءكم يعني بالذكر ذكر الأبناء الآباء ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه
ومن طريق العوفي عن ابن عباس كذلك
3 - قول آخر ذكر ابن ظفر عن أبي الحوراء قلت لابن عباس في هذه الآية
إن الرجل ليمر عليه اليوم وما يذكر أباه فقال ليس بذلك يقول أن تغضب لله عز و جل إذا عصي غضبك إذا ذكر والدك بسوء
117 - قوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنياو ما له في الآخرة من خلاق 200
164 - أخرج الطبراني في الدعاء من طريق أبي سعد البقال أحد الضعفاء عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال شهدت خطبة عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة و فيها إذا وكانوا إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال
أحدهم اللهم ارزقني مالا و قال الآخر اللهم ارزقني إبلا و قال الآخر ارزقني غنما فأنزل الله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا إلى قوله و الله سريع الحساب
وأخرج الطبري من طريق القاسم بن عثمان عن أنس في قوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا و ما له في الآخرة من خلاق قال كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدكون و يقولون اللهم اسقنا المطر و أعطنا على عدونا الظفر و ردنا صالحين إلى صالحين
ومن طريق مجاهد كانوا يقولون ربنا آتنا نصرا ورزقا و لا يسألون لآخرتهم شيئا ومن طريق السدي نحوه وقال مقاتل كانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا اللهم أكثر أموالنا و أبناءنا و مواشينا و أطل بقاءنا و أنزل علينا الغيث و أنبت لنا المرعى واصحبنا في أسفارنا و أعطنا الظفر على عدونا و لا يسألون ربهم في أمر آخرتهم شيئا فنزلت
وأخرج الطبري من طريق خصيف عن سعيد بن جبير و عكرمة قالا كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة فنزلت هذه الآية
ومن طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائهم فأمروا بذكر الله عز و جل مكان ذلك
وأخرج عبد بن حميد من طريق عثمان بن عن عطاء كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم و مجالسهم فقال هذا فعل أبي كذا و كذا و قال هذا فعل أبي كذا و كذا فنزلت
ومن طريق طلحة بن عمر عن عطاء كان اهل الجاهلية يتناشدون الأشعار يذكرون فيها آباءهم يفخر بعضهم على بعض فنزلت
وسيأتي عن عطاء خلاف هذا
ومن طريق أسباط عن السدي كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله اللهم أن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فأعطني
مثل ما أعطيت أبي ليس يذكر الله إنما إنما يذكر أباه و يسأل أن يعطي في الدنيا أخرجه الفريابي عنه
118 - قوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية 204
1 - قال الواحدي قال السدي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي بالمدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبي ذلك منه و قال إنما جئت أريد الإسلام و الله يعلم أنني صادق و ذلك قوله ويشهد الله على ما في قلبه ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين و حمر165 فأحرق الزرع و عقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل
قلت أسند بعضه الطبري من رواية أسباط عن السدي قال في قوله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآيتين نزلتا في الأخنس
وقال عبد بن حميد حدثنا يعلى هو ابن عبيد سمعت الكلبي يقول كنت جالسا بمكة فسألني رجل عن هذه الآية فقلت نزلت في الأخنس فلما قمت تبعني
شاب من ولده فقال إن القرآن إنما أنزل في أهل مكة فإن رأيت أن لا تسمي أحدا حتى تخرج منها فافعل
وعزاه الثعلبي للسدي و الكلبي و مقاتل و ساقه مطولا بلفظ مقاتل و ساق مقاتل نسب الأخنس إلى ثقيف و نسب أمه ريطة إلى بني عامر بن لؤي قال و كان عديد بني زهرة و كان يأتي النبي بالمدينة فيخبره أنه يحبه
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس
قال لما أصيبت السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة و المدينة قال رجال
من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا لا هم قعدوا في بيوتهم و لا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله في ذلك ومن الناس من يعجبك إلى قوله على ما في قلبه أي من النفاق وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وإذا تولى أي خرج من عندك إلى قوله المهاد وأنزل في السرية المذكورة ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية
وفي لفظ من هذا الوجه لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم و مرثد بالرجيع قال رجال من المنافقين فذكر نحوه
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس 166 في هذه الآية ومن الناس من يعجبك قوله قال هذا عبد كان حسن القول سيء العمل كان يأتي رسول الله فيحسن له القول فإذا خرج سعى في الأرض ليفسد فيها
ومن طريق أبي معشر سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب
فقال إن في بعض الكتب إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل و قلوبهم أمر من الصبر الحديث فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية فقال سعيد قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية فقال محمد بن كعب إن الآية لتنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد
ومن طريق سعيد بن أبي هلال عن محمد بن كعب القرظي عن نوف و كان يقرأ الكتب فذكر نحو صدر الحديث قال
فقال محمد بن كعب تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال
نزلت في رجل كان يأتي إلى النبي فيقول أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق و الصدق من عند الله حتى يعجب النبي بقوله ثم يقول وأيم الله يا رسول الله إن الله ليعلم أن الذي في قلبي على ما نطق به لساني قال و ذلك قوله ويشهد الله على ما في قلبه
وساق الثعلبي قصة سرية الرجيع فقال و قال ابن عباس و مقاتل نزلت في سرية الرجيع و ذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله إنا أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا وكان ذلك مكرا منهم فبعث إليهم خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد و غيرهما فذكر القصة 167 مطولة و قوله فيها إن قريشا هم الذين بعثوا في ذلك منكر مردود و القصة في الصحيح و المغازي لموسى بن عقبة و ابن إسحاق لغير قريش و ذلك أشهر من أن يستدل عليه
119 - قوله تعالى وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم 206
قال الطبري اختلف في من عني به فقيل هو الأخنس و قائل ذلك جعل الضمير لمن قيل في حقه يعجبك قوله و قد تقدم بيان من قال أنه الأخنس و قيل عني بها كل فاسق ومنافق وأورد ما يشعر بذلك عن علي و ابن عباس
وقال الثعلبي في سياقه قصة الرجيع جاء رجل من المشركين يقال له سلامان أبو ميسرة ومعه رمح فوضعه بين ثديي خبيب بن عدي فقال له خبيب اتق الله فما زاده ذلك إلا عتوا فأنفذه فنزلت
قلت و هذا أيضا منكر فإن الذي في الصحيح ان الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة بن الحارث النوفلي
120 - قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله 207
1 - قال الواحدي قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته و نثر ما في كنانته
وأخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك و عاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل فلما قدم على النبي قال
ربح البيع أبا يحيى ربح البيع فأنزل الله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء 168 مرضات الله
قلت أخرجه ابن أبي خيثمة من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسلا
وأخرج الطبري من تفسير سنيد بن داود من رواية ابن جريج عن عكرمة قال أنزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم فقدم على النبي مهاجرا فعرضوا له و كانوا بمر
الظهران فانفلت أيضا حتى قدم المدينة و أما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان فخرج له ما بقي من ماله فخلى سبيله
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال كان رجل من أهل مكة أسلم فأراد أن يهاجر فتبعوه و حبسوه فذكر القصة بطولها بنحوه و لم يسم صهيبا
وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج نحو رواية سنيد لكن لم يذكر فيه عكرمة
ثم قال الواحدي و قال المفسرون أخذ المشركون صهيبا فعذبوه فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي و تذروني و ديني ففعلوا ذلك و كان قد شرط عليهم راحلة و نفقة فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر و عمر في رجال فقال أبو بكر ربح البيع أبا يحيى فقال
صهيب و بيعك فلا يخسر و ما ذاك
قال أنزل الله تعالى فيك كذا وقرأ عليه الآية
قلت هو سياق مقاتل لكن في آخره ان الذي لقيه أبو بكر إلى آخر كلامه
2 - قول آخر نقل الثعلبي عن ابن عباس و الضحاك نزلت في الزبير و المقداد حين أنزلا 169 خبيب بن عدي من خشبته التي صلب عليها و قال أكثر المفسرين نزلت في صهيب
3 - قول ز آخر قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال هم المهاجرون و الأنصار وأخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة أتم منه
4 - قول آخر قال الواحدي و قال الحسن أتدرون فيمن نزلت هذه الآية نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له قل لا إله إلا الله فإذا قلتها
عصمت فأبى أن يقولها فقال المسلم و الله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى قتل
5 - قول آخر قال الواحدي و قيل نزلت في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
قال الواحدي و قال أبو الخليل سمع عمر ابن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية فقال عمر أنا لله قام رجل يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فقتل
قلت أسنده عبد بن حميد عن محمد بن بكر عن زياد أبي عمر سمعت أبا الخليل صالحا يقول
سمع عمر رجالا فذكر مثله لكن قال فاسترجع فقال إنا لله وإنا إليه راجعون و في السند انقطاع
وأخرج الطبري من رواية أبي رجاء العطاردي عن علي نحوه
6 - وقال الثعلبي رأيت في بعض الكتب أنها نزلت في علي بن أبي طالب لما نام في فراش النبي بعد أن هاجر يقيه بنفسه و ساق القصة مطولة ثم ساقها بسند له إلى الحكم بن ظهير أحد الهلكى وممن رمي بالرفض عن السدي قال قال ابن عباس نزلت في علي حين خرج النبي إلى الغار الحديث
121 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة الآية 208
أخرج الواحدي من تفسير عبد الغني الثقفي 170 بسنده إلى عطاء عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام و أصحابه و ذلك أنهم حين آمنوا بالنبي قاموا بشرائعه و شرائع موسى فعظموا السبت و كرهوا لحمان الإبل و ألبانها فأنكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا إنا نقوم على هذا و على هذا وقالوا للنبي إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة
=======
ج2. كتاب : العجاب في بيان الأسبابشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي

قلت تقدم إن عبد الغني واه وذكره مقاتل بن سليمان قال سبب نزولها أن عبد الله بن سلام ومن آمن معه من اهل التوراة استأذنوا النبي في قراءة التوراة في الصلاة فقال خذوا سنن محمد و شرائعه
كذا أورده ابن ظفر والذي في تفسير مقاتل أن عبد الله بن سلام و سلام بن قيس وأسدا و أسيدا ابني كعب و يامين بن يامين وهم مؤمنو أهل التوراة وزاد في آخره فإن قرآن محمد نسخ كل كتاب كان قبله
وقد أخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن عباس وإن كان فيه انقطاع فهو أمثل من هذا فأخرج من طريق سنيد واسمه حسين بن داود قال حدثني حجاج هو ابن محمد عن ابن جريج قال قال ابن عباس في قوله ادخلوا في السلم كافة قال هم أهل الكتاب
و من طريق عبيد بن سليمان سمعت الضحاك يقول مثله و به إلى ابن جريج عن عكرمة قوله ادخلوا في السلم كافة قال نزلت في ثعلبة و عبد الله بن سلام و ابن يامين و أسد وأسيد ابني كعب وسعية بن عمرو و قيس بن زيد وكلهم
من يهود قالوا يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه 176 على ذلك واستظهر الطبري بحديث أبي هريرة المخرج أصله في
الصحيحين فساق من طريق معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذه الآية فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه قال قال رسول الله نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا و أوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي هدانا الله له و الناس لنا فيه تبع غدا لليهود بعد غد للنصارى
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابيه رفعه نحن الآخرون السابقون فذكر فيه الهداية للجمعة وزاد فيه و اختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع و لا يسجد و منهم من يسجد و لا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم ومنهم من يصلي وهو يمشي
123 - قوله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء وزلزلوا الآية 214
1 - قال الواحدي قال قتادة و السدي نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد و الشدة و الخوف و الحر و البرد و ضيق
العيش وأنواع الأذى فكان كما قال الله تعالى و بلغت القلوب الحناجر
قلت أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة و أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال
أصابهم هذا يوم الأحزاب حين قال قائلهم ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
2 - قال الواحدي وقال عطاء لما دخل رسول الله وأصحابه المدينة اشتد الضرر عليهم فإنهم خرجوا بلا مال و تركوا ديارهم وأموالهم 172 بأيدي المشركين و آثروا رضي الله و رسوله وأظهرت لهم اليهود العداوة و أسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم أم حسبتم أن تدخلوا الجنة الآية
124 - قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون الآية 215
1 - قال مقاتل نزل الأمر بالصدقة قبل أن ينزل لمن الصدقة فسأل عمرو
بين الجموح فنزلت
وقال الثعلبي نزلت في عمرو بن الجموح كان شيخا كبيرا فقال
يا رسول الله بماذا نتصدق و على من ننفق فنزلت
كذا ذكره بغير إسناد و عزاه الواحدي لرواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس و ذكره ابن عسكر في ذيل الأعلام بلفظ نزلت في عمرو بن الجموح سأل عن مواضع النفقة فنزلت يسألونك ماذا ينفقون ثم سأل بعد ذلك
كم النفقة فنزلت الآية الأخرى قل العفو و نسبه إلى ابن فطيس
2 - قول آخر أخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي بسنده الواهي عن عطاء عن ابن عباس نزلت في رجل أتى النبي فقال أن لي دينارا فقال أنفقه على نفسك قال إن لي دينارين قال أنفقهما على أهلك قال فإن لي ثلاثة قال أنفقها على خادمك قال فإن لي أربعة قال أنفقها على والدتك قال فإن لي خمسة قال أنفقها على قرابتك قال فإن لي ستة قال أنفقها في سبيل الله هو أحسنها و هذا سياق منكر و المعروف في هذا المتن غير هذا السياق وهو ما أخرجه أحمد و أبو داود و النسائي و صححه ابن حبان و الحاكم عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله معي دينار قال أنفقه 173 على نفسك قال يا رسول الله عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على زوجتك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك قال عندي آخر قال أنت
أبصر ووقع عند أبي داود بلفظ تصدق و عند غيره بلفظ أنفق و قدم أبو داود الولد على الزوجة و النسائي الزوجة على الولد وهكذا ذكره الثعلبي عن أبي هريرة لكن زاد بعد الولد الوالدين ثم القرابة و الباقي سواء إلا أنه لم يذكر الخادم و ليس عندهم أن هذه الآية نزلت في ذلك و قال قتادة في سبب نزولها أهمتهم النفقة فسألوا نبي الله فنزلت ما أنفقتم من خير وأخرج الطبري نحوه عن مجاهد
125 - قوله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم الآية 216
هي نحو قوله تعالى في سورة النساء فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية الآية
وكأن هذه سابقة على آية البقرة فإن فيها نوع تسلية و ترغيب في امتثال الأمر بالقتال
وأخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال كره المسلمون القتال فقال الله تعالى عسى أن تكرهوا القتال وهو خير لكم يقول إن في القتال الغنيمة و الظهور والريادة أي اجتماعا وافتراقا و في تركه يفوت ذلك
126 - قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية 217
أخرج الطبراني في المعجم الكبير من طريق سليمان التيمي عن الحضرمي هو ابن لاحق وهو اسم بلفظ النسب ثقة عن أبي السوار العدوي هو حسان
بن حريث على الراجح ثقة أيضا عن جندب بن عبد الله عن النبي أنه بعث رهطا و بعث عليهم أبا عبيدة 174 ابن الجراح فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله فجلس و بعث عبد الله بن جحش مكانه و كتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا و كذا و قال لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال سمعا و طاعة لله و رسوله فخبرهم الخبر و قرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان و مضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه و لم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلهم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله عز و جل إن الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله
الآية
وهذا سنده حسن وقد علق البخاري طرفا منه في كتاب العلم من صحيحه
وأخرجه الطبري من هذا الوجه وهذه القصة ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي قال حدثني الزهري و يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله عبد الله بن جحش مقفلة من بدر الأولى و بعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد و كتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى
يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما امره به و لا يستكره من أصحابه أحدا و ذكر أسماءهم فالأمير عبد الله بن جحش و عكاشة بن محصن و عتبة بن غزوان و سعد بن أبي وقاص و عامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن البكير و سهيل بن بيضاء قال فلما سار عبد الله 175 بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه إذا نظرت في كتابي فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا و تعلم لنا من أخبارهم فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال سمع وطاعة ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله أن أمضي إلى نخلة إلى آخره فمن كان منكم يريد الشهادة و يرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فإني ماض لأمر رسول الله فمضى و مضى أصحابه معه فلم يتخلف عنه أحد و سلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد و عتبة بعيرا لهما كان يعتقبان عليه فتخلفا في طلبه و مضى عبد الله ومن معه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا و أدما و تجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن
الحضرمي و عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي و أخوه نوفل بن عبد الله و الحكم بن كيسان مولاهم فلما رآهم القوم خافوهم و قد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن و كان قد حلق رأسه فلما رأوه آمنوا و قالوا قوم عمار فلا بأس علينا منهم و تشاور القوم وذلك آخر يوم من جمادى فقال القوم و الله إن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم و لئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم فهابوا الإقدام عليهم ثم تشجعوا عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان و الحكم وأفلت نوفل فأعجزهم و قدم عبد الله بن جحش و أصحابه بالغنيمة و الأسيرين على رسول الله بالمدينة قال ابن إسحاق و قد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول الله مما غنمتم الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم فعزل خمس الغنيمة و قسم سائرها بين أصحابه فلما قدموا على رسول الله قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير و الأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فسقط في أيدي القوم و ظنوا أنهم قد هلكوا و عنفهم المسلمون فيما صنعوا و قالوا لهم صنعتم ما لم تؤمروا به وقالت قريش قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام فسفكوا فيه
الدم الحرام و أخذوا فيه الاموال و أسروا فقال من بمكة من المسلمين إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى و قالت اليهود تتفاءل على المسلمين عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب و الحضرمي حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليه و بهم فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه إلى آخر الآيات فلما نزل القرآن بهذا فرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه و قبض رسول الله الخمس ورواه شعيب عن الزهري مختصرا ومن طريقه أخرجه الواحدي و فيه و كان ابن الحضرمي اول قتيل قتل من المشركين بيد المسلمين فركب وفد من كفار قريش حتى قدمواعلى النبي فقالوا أتحل القتال في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال الآية
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس 176 نحو رواية شعيب باختصار و لم يذكر عروة وزاد الزهري وكان فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل له بعد
وأخرج عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة فذكر القصة مختصرة و عنده إن رجلا من المشركين آذى رسول الله فقتله رجل من المسلمين فأنكروا عليه من كان معه و في آخره فقال المسلمون لأهل السرية قد عوفيتم من الإثم فليس لكم أجر فأنزل الله إن الذين آمنوا و الذين هاجروا الآية
ومن طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي مالك في هذه القصة و المسلمون يرون أنه آخر يوم من جمادى الآخرة و هو أول يوم من رجب و فيه فقال المشركون تزعمون أنكم تحلون الحلال و تحرمون الحرام و قد قتلتم في الشهر الحرام
و عند الفريابي من طريق مجاهد في هذه الآية نزلت في رجل من بني سهم كان في سرية فمر بابن الحضرمي وهو يحمل خمرا من الطائف إلى مكة و كان بين قريش و المسلمين عهد وفي الشهر الحرام فنزلت تقول الكفر و الصد عن سبيل الله وما ذكره كل ذلك أكبر من قتل ابن الحضرمي
وأخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي هذه القصة بطولها نحو سياق ابن إسحاق و قال في أسمائهم أبو حذيفة بن عتبة و عامر بن فهيرة بدل عكاشة و خالد و قال فيه وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل بطن ملل وهو بفتح الميم و اللام بعدها لام أخرى وقال عبد الله بن المغيرة والمغيرة بن عثمان بدل عثمان بن عبد الله بن المغيرة و نوفل أخيه و قال فيه وانفلت المغيرة و قال فكانت أول غنيمة غنمها
الصحابة و قال 178 فيه فطلبوا أن يفادوا بالأسيرين فقال النبي
حتى ننظر ما فعل سعد ورفيقه وقال فيه فقالوا يزعم محمد أنه يتبع طاعة الله وهو اول من استحل الشهر الحرام
وذكر ابن ظفر انه وقع في رواية قتادة عبد الله بن واقد كذا قال و المحفوظ واقد بن عبد الله كما تقدم و نقل حديث جندب من كتاب الأحكام لإسماعيل القاضي فقال بدل أبي عبيدة بن الجراح عبيدة بن الحارث بن المطلب
127 - قوله تعالى إن الذين آمنوا و الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله الآية 218
تقدم في قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه
و نقل ابن ظفر عن الزهري قال
لما فرج الله عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من الغم لقتالهم في الشهر الحرام طمعوا في الثواب فقالوا يا نبي الله أنطمع أن تكون هذه غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فنزلت هذه الآية
128 - قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر الآية 219
أسند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله المدينة وهم يشربون الخمر و يأكلون الميسر فسألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية فقال الناس لم تحرم علينا إنما قال فيهما إثم فكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية فكانوا يشربونها حتى يأتي أحدهم الصلاة 179 وهو مفيق فنزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان الآية فقالوا انتهينا يا رب و في رجاله أبو المعشر المدني وهو ضعيف و له شاهد من حديث ابن عمر و ستأتي بقية طرقه في تفسير سورة النساء و تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى
وقال مقاتل في تفسيره نزلت في عبد الرحمن بن عوف و علي بن أبي طالب و عمر بن الخطاب ونفر من الأنصار أتوا رسول الله فقالوا أفتنا في الخمر و الميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فأنزل الله تعالى يسألونك عن الخمر و الميسر الآية
وقال الثعلبي نزلت في عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل و نفر من الأنصار قالوا يا رسول الله أفتنا في الخمر و الميسر
129 - قوله ز تعالى و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو 219
تقدم و قال الثعلبي حثهم رسول الله على الصدقة و رغبهم فيها فقالوا ماذا ننفق
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى يحيى بن أبي كثير أنه بلغه أن معاذ بن جبل و ثعلبة أتيا رسول الله فقالا يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فأنزل الله الآية
ومن طريق ابن أبي ليلى عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال ما يفضل عن أهلك
وقال مقاتل بن سليمان أمر النبي بالصدقة قبل أن تنزلت الصدقات في براءة فقال عمرو بن الجموح كم ننفق و على من ننفق فقال قال تعالى
قل العفو يقول فضل قوتك فإن كان الرجل من اهل الذهب و الفضة أمسك الثلث وتصدق بسائره و إن كان من أهل 180 الزرع و النخل أمسك بما يكفيه في سنته و تصدق بسائره و إن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه في يومه و تصدق بسائره فما زالوا على ذلك حتى نزلت آية الصدقات في براءة
130 - قوله تعالى و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير و إن تخالطوهم فإخوانكم الآية 220
أخرج أحمد و النسائي و عبد بن حميد و الحاكم من طريق عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد و اللحم ينتن فذكر ذلك للنبي فنزلت
لفظ إسرائيل عند أحمد و لفظ النسائي من رواية أبي كدينة نحوه وزاد و نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنب الناس مال اليتيم و طعامه
فشق ذلك على الناس فشكوا إلى النبي ذلك فأنزل الله تعالى و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير إلى قوله حكيم
وأخرجه سفيان الثوري في تفسيره من رواية أبي حذيفة النهدي عنه عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مرسلا لم يذكر ابن عباس وهو أقوى فإن عطاء ابن السائب ممن اختلط وسالم أتقن منه
ووافق الثوري على إرساله قيس بن الربيع عن سالم و سياقه أتم و لفظه كان اهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم فيكون لليتيم الصرمة من الغنم و يكون الخادم لأهل ذلك البيت فيبعثون خادمهم فيرعى للأيتام و تكون لأهل البيت الصرمة من الغنم و الخادم للأيتام فيبعثون خادم الأيتام يرعى عليهم فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعا و يكون الطعام للأيتام 181 و الخادم لأهل البيت أو يكون الخادم للأيتام و الطعام لأهل البيت فيأمرون الخادم فتصنع الطعام فيضعون
أيديهم جميعا فلما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطه فشق ذلك عليهم و شكوا للنبي فقالوا إن الغنم ليس لها راع و الطعام ليس له من يصنعه فقال قد سمع الله قولكم فإن شاء أجابكم فنزلت و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم
وعن قيس عن أشعث بن سوار عن الشعبي لما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اعتزلوا أموال اليتامى حتى نزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم و الله يعلم المفسد من المصلح و هذا مرسل يعضد الأول
وجاء من وجه ثالث مرسل أيضا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فذكر نحو الأول و قال في روايته فلم يخالطوهم في مأكل و لا مشرب و لا مال فشق ذلك على الناس فأنزل الله تعالى و يسألونك عن اليتامى الآية
وأخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد بن شيبان النحوي عن قتادة لكن قال في روايته كان قد نزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فكانوا لا يخالطوهم
وجاء من وجه رابع مرسل ذكر الثعلبي من طريق العوفي بسنده عن ابن عباس قال كانت العرب في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم و يشددون أمره حتى كانوا لا يؤاكلونهم و لا يركبون له دابة و لا يستخدمون له خادما و كانوا يتشاءمون بملابسة
أموالهم فلما جاء الإسلام سألوا عن ذلك فنزلت هكذا حكاه الثعلبي عن ابن عباس 182 من رواية عطية عنه و حكى مثله عن السدي و الضحاك و حكى عن ابن عباس من رواية على بن أبي طلحة عنه لما نزل و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن الآية و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية اعتزلوا أموال اليتامى إلى آخره قال و عن قتادة و الربيع بن أنس مثله
و أخرج عبد بن حميد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال لما نزل في اليتامى ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم و لم يشاربوهم و لم يخالطوهم فأنزل الله تعالى إصلاح لهم خير فخالطهم الناس في الطعام و فيما سوى ذلك
وقال مقاتل بن سليمان لما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أشفق المسلمون فذكر نحو ما تقدم فقال ثابت بن رفاعة الأنصاري
قد سمعنا ما انزل الله عز و جل فعزلناهم و الذي لهم فشق علينا و عليهم فهل يصلح لنا خلطهم فيكون البيت و الطعام واحدا و الخدمة و ركوب الدابة فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم يقول ما كان لليتيم فيه صلاح فهو خير
131 - قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و لأمة مؤمنة خير من مشركة 221
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حماد ثنا أسباط عن السدي نزلت في عبد الله بن رواحة و كانت له أمة سوداء و أنه غضب عليها فلطمها ثم فزع فأتى النبي فاخبره فقال ما هي يا عبد الله قال تصلي و تصوم و تحسن الوضوء و تشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقال يا عبد الله هذه مؤمنة فقال و الذي بعثك بالحق لأعتقنها و أتزوجها فطعن عليه ناس من المسلمين و قالوا نكح أمة و كانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين 183 و ينكحوا المشركات رغبة في أحسابهم فنزلت
ومن طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن نزلت في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي في عناق ان يتزوجها و هي امرأة مسكينة من قريش و كانت ذات حظ من جمال و هي مشركة و أبو مرثد يومئذ مسلم فقال يا رسول الله إنها تعجبني فأنزل الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن إلى آخر الآية
وبه إلى مقاتل بن حيان بلغنا في قوله ولأمة مؤمنة خير من مشركة إنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها و تزوجها
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بعث رسول الله رجلا من
غني يقال له مرثد بن ابي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسرا فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق و كانت خليلة له في الجاهلية فلما أسلم أعرض عنها فأتته فقالت ويحك يا مرثد ألا تخلو فقال إن الإسلام قد حال بيني و بينك و حرمه علينا و لكن إن شئت تزوجتك إذا رجعت استأذنت رسول الله في ذلك فقالت له أبي تتبرم ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله فأعلمه بالذي كان من أمره و أمر عناق و ما لقي بسببها فقال يا رسول الله أيحل لي أن أتزوجها فنهاه عن ذلك و نزلت و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن الآية
و ذكره مقاتل بمعناه و طوله وقال في أوله كان أبو مرثد رجلا صالحا و اسمه أيمن و كان المشركون أسروا أناسا من المسلمين فكان أبو مرثد 184 ينطلق إلى مكة مستخفيا فيرصد المسلم ليلا فإذا خرج إلى البراز خرج معه من يحفظه فيتركه عند البراز فينطلق أبو مرثد فيحمل الرجل على عنقه حتى يلحقه بالمدينة فانطلق مرة فلقي عناق فذكر قصتها و قوله إن أبا مرثد اسمه أيمن منكر و المعروف أن اسمه
كناز بفتح الكاف و تشديد النون و آخره زاي منقوطة
132 - قوله تعالى و يسألونك عن المحيض قل هو أذى الآية 222
أخرج مسلم من طريق ثابت البناني عن أنس إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها و لم يشاربوها و لم يجامعوها في البيوت فسئل النبي فأنزل الله تعالى يسألونك عن المحيض قل هو أذى الآية فأمرهم أن يؤاكلوهن و يشاربوهن و أن يكونوا معهن في البيوت و أن يفعلوا كل شيء ما خلا النكاح فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير فأخبراه بذلك و قالا يا رسول الله أفلا ننكحهن في المحيض فتمعر وجه رسول الله حتى ظننا أنه قد غضب عليهما فقاما فاستقبلهما هدية من لبن فأرسل النبي في آثارهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يغضب عليهما
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة كان أهل الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يجامعوها في بيت و لم يؤاكلوها في إناء فأنزل الله تعالى في ذلك و حرم فرجها و أحل ما سوى ذلك
وقال مقاتل بن سليمان
نزلت هذه الآية في عمر بن الدحداح الأنصاري و هو من بلى حي من قضاعة فلما نزلت فاعتزلوا النساء أخرجوهن من البيوت و الفرش كفعل العجم و لم يؤاكلوهن في إناء 185 واحد فقال ناس للنبي قد شق علينا اعتزال الحائض و البرد شديد فقال إنما امرتم باعتزال الفرج و قرأ عليهم ولا تقربوهن حتى يطهرن
وقال الواحدي قال المفسرون فذكر هذا لكن قال فيه فسأل أبو الدحداح عن ذلك رسول الله فذكره
و أخرج أيضا من طريق سابق بن عبد الله البربري بإسناده إلى جابر عن
رسول الله في قوله عز و جل و يسألونك عن المحيض قالت اليهود
من أتى امرأته من دبرها كان ولده أحول و كان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن فجاؤوا إلى رسول الله فسألوه عن إتيان الرجل امرأته و هي حائض و عما قالت اليهود فأنزل الله تعالى و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن يعني الإغتسال فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله يعني القبل
وقال نساؤكم حرث لكم وإنما الحرث حيث ينبت الولد و يخرج منه
قلت و هذا مع انقطاعه فيه نكارة في سياقه
133 - قوله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم 223
1 - نزلت في حيي بن أخطب و اليهود قالوا للمسلمين إنه لا يحل لكم أن تأتوا النساء إلا مستلقيات و إنا نجد في كتاب الله أن جماع المرأة غير مستلقية ذنب فنزلت
ذكره مقاتل بن سليمان و أصله في الصحيحين من حديث محمد بن المنكدر عن جابر و لفظه كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته في قبلها من دبرها إن الولد يكون أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
وفي رواية لمسلم من طريق سهيل 186 بن أبي صالح عن ابن المنكدر قالت اليهود إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول
وفي لفظ إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول وفي هذه الطريق إن شاء مجبية و إن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه
مسلم من رواية النعمان بن راشد عن الزهري عن محمد بن المنكدر بهذا قال أبو حامد بن الشرقي تفرد بن النعمان بن راشد عن الزهري و هذا الحديث يساوي مئة حديث
وأخرج أبو داود و الدارمي وإسحاق في مسنده من طرق عن ابن إسحاق والحاكم واللفظ له عن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه فأسأله
فيمن أنزلت و فيم أنزلت فقلت يا أبا عباس أرأيت قول الله تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله قال من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن قال ابن عباس إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة يتلذذون بهن مقبلات و مدبرات فلما قدموا المدينة تزوجوا إلى الأنصار فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة فأنكرن ذلك و قلن هذا شيء لم نكن نؤتى عليه فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله فأنزل الله تعالى في ذلك نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال مقبلة و مدبرة و إنما يعني موضع الولد للحرث يقول ائت الحرث أنى شئت وأول الحديث عند أبي داود إن ابن عمر و الله يغفر له أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود الحديث
وقال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت هذه الآية في المهاجرين لما 187 قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم و بين الأنصار و اليهود من بين أيديهن و من خلفهن إذا كان المأتي واحدا في الفرج فعابت اليهود ذلك
إلا من بين أيديهن خاصة و قالوا إنا نجد في كتاب الله أن كل إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله ومنه يكون الحول و الخبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله و قالوا إنا كنا في الجاهلية و بعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا و إن اليهود عابت علينا فأكذب الله اليهود و أنزل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول الفرج مزرعة الولد فأتوا حرثكم كيف شئتم من بين يديها و من خلفها في الفرج
و أخرج أحمد و الترمذي و النسائي و ابن حبان من طريق يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله فقال هلكت قال وما ذاك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول أقبل و أدبر و اتق الدبر و الحيضة و قد تقدم مرسل سابق
البربري في الذي قبله
و أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم يعني بالحرث الفرج يقول تأتيه كيف شئت مستقبله و مستدبره و على ما أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره
طرق أخرى قال عبد بن حميد ثنا هاشم بن القاسم عن المبارك هو ابن فضالة عن الحسن إن اليهود كانوا قوما حسدا فقالوا يا أصحاب محمد و الله ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد فكذبهم الله تعالى 188 و أنزل نساؤكم حرث لكم فخلى بين الرجال و بين نسائهم فيتفكه الرجل من امرأته يأتيها إن شاء من قبل قبلها و إن شاء من قبل دبرها غير أن المسلك واحد قال و ثنا عوف عن الحسن قال قالت اليهود للمسلمين إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضا تبركونهن فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فلا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج
ومن طريق شيبان عن قتادة نحو الأول إلى قوله و بين نسائهم
ومن طريق حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني قال قال ناس من اليهود لناس من المسلمين يأتي أحدكم امرأته باركة فقالوا نعم قال فذكر ذلك
النبي فنزلت
و أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي حدثه أنه بلغه أن ناسا من أصحاب النبي جلسوا يوما و رجل من اليهود قريب منهم فجعل بعضهم يقول إني لآتي امرأتي و هي مضطجعة و يقول الآخر إني لآتيها و هي قاعدة و يقول الآخر إني لآتيها و هي على جنب أو وهي باركة فقال اليهودي ما أنتم إلا أمثال البهائم و لكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية
ومن طريق الحكم بن أبان عن عكرمة جاء رجل إلى ابن عباس فقال أتيت أهلي في دبرها و سمعت قول الله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم فظننت أن ذلك لي حلال فقال لا يا لكع إنما قوله أنى شئتم قائمة و قاعدة و مقبلة و مدبرة في القبل لا تعدوه إلى غيره
طريق أخرى عن ابن عباس أخرجها الطبري من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها و يقول إنما الحرث من القبل الذي يكون 189 منه النسل و الحيض وينهى عن إتيان المرأة في دبرها و يقول إنما أنزلت هذه الآية فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول من أي وجه شئت و عنه أيضا قال ذاك ظهرها لبطنها غير معاجزة يعني الدبر
حديث آخر في ذلك عن أم سلمة أخرج أحمد و اللفظ له و الترمذي و عبد ابن حميد و غيرهم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن قال قلت لها إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك عنه قالت سل يا ابن أخي كما بدا لك قال أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن فقالت حدثتني أم سلمة قالت كانت الأنصار لا تجبي و كانت المهاجرون تجبي فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فجباها فأتت أم سلمة فذكرت ذلك لها فلما أن جاء النبي استحيت الأنصارية فخرجت فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله فقال ادعوها لي فدعيت فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا قال و الصمام السبيل الواحد
وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة و سياقه أخصر من هذا وفي رواية أبي جعفر الطبري حفصة بنت عبد الرحمن بن ابي بكر عن أم سلمة قالت تزوج رجل امرأة فأراد أن يجبيها فأبت عليه و قالت حتى أسأل رسول الله قالت فذكرت ذلك لي فذكرته لرسول الله فقال أرسلي إليها فلما جاءته قرأ عليها نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا صماما واحدا و في رواية له قدم المهاجرون فتزاوجوا 190 في الأنصار و كانوا يجبون و كانت الأنصار لا تفعل ذلك
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق الحسن بن صالح عن ليث عن عيسى بن سنان عن سعيد بن المسيب فأتوا حرثكم أنى شئتم فإن شئتم فاعزلوا و إن شئتم فلا تعزلوا
وأخرج الواحدي من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبي سليم عن أبي صبيح عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال نزلت في العزل قلت هو سند ضعيف
وقد أخرج عبد بن حميد و الطبري من رواية زائدة بن عمير سألت ابن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم الآية لفظ عبد و في رواية الطبري فقال إن شئت فاعزل و إن شئت فلا تعزل
3 - قول آخر قال البخاري في التفسير من صحيحه
حدثنا إسحاق يعني ابن راهويه أنا النضر بن شميل أنا عبد الله بن عون عن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه قال فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان فقال تدري فيم أنزلت قلت لا قال نزلت في كذا و كذا ثم مضى
وعن عبد الصمد حدثني أبي هو عبد الوارث بن سعيد حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في
ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه هو القطان عن عبيد الله يعني ابن عمر عن نافع عن ابن عمر انتهى ما ذكره البخاري
وقد أشكل على كثير من الناس و جزم الحميدي في الجمع بين الصحيحين بأن الظرف الذي عبر عنه بقوله يأتيها في هو الفرج و ليس 191
كما قال الحميدي و قد بينت في تغليق التعليق ما هو مراد البخاري بإيراد الطرق الثلاثة عمن نقلها عنهم
بيان طرق البخاري أما طريق إسحاق فرويناها في مسنده و في تفسيره قال أنا النضر بن شميل فساقه كما ساقه البخاري سواء إلى قوله حتى انتهى إلى قوله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن
وأما الرواية الثانية فأخرجها إسحاق أيضا في مسنده و تفسيره
قال انا عبد الصمد بن عبد الوارث فساقه كما ساقه البخاري إلى قوله يأتيها في فقال في روايته يأتيها في الدبر و هكذا أخرجه أبو جعفر بن جرير الطبري في التفسير عن أبي قلابة عبد الملك الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد
الوارث به سندا و متنا
وأما الرواية الثالثة فرويناها في المعجم الأوسط للطبراني قال نا علي بن سعيد أنا أبو بكر محمد بن ابي غياث الأعين نا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبي عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر قال إنما نزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم على رسول الله رخصة في إتيان الدبر
قال الطبراني لم يروه عن عبيد الله إلا يحيى القطان تفرد به ابنه محمد انتهى
و أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي بكر الأعين وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي عمرو بن حمدان وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن جعفر المزكي كلاهما عن الحسن بن سفيان
وقد تابع النضر بن شميل على روايته عن ابن عون إسماعيل بن إبراهيم بن
مقسم المعروف بابن علية و إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي 192
أما ابن علية فقال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي نا ابن علية عن ابن عون فذكر مثل رواية النضر سواء
واما رواية الكرابيسي فأخرجها ابن جرير أيضا عن إبراهيم بن عبد الله قال نا أبو عمر الضرير نا إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون عن نافع قال كنت أمسك المصحف على ابن عمر إذ تلا هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال نزلت هذه الآية في الذي يأتيها في دبرها
الرد على حصر الطبراني وقد توبع يحيى بن قطان على روايته لهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر بخلاف ما زعم الطبراني أنه تفرد به عن عبيد الله بن عمر فأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي ثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد نا أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن
عبيد الله بن عمر بن حفص و ابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال قال لي ابن عمر أمسك علي المصحف يا نافع فقرأ حتى أتى على نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال لي تدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية
قال قلت لا قال نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية قلت له من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها
وتابع الدراوردي عن ابن أبي ذئب أبو صفوان الأموي أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط و ابن مردويه في التفسير كلاهما من طريق محمد بن علي بن زيد الصائغ المكي عن يعقوب بن حميد نا أبو صفوان هو عبد الله بن سعيد 193 بن عبد الملك عن ابن أبي ذئب به
و رويناه في الجزء الثاني من رواية حامد الرفاء تخريج الدارقطني قال الرفاء حدثنا أبو أحمد بن عبدوس نا علي بن الجعد نا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال وقع رجل على امرأته في دبرها فأنزل الله تعالى نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم قال فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا قال ما أقول فيه بعد هذا
ورواه عن مالك أيضا إسحاق بن محمد القروي أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن عيسى الطرسوسي عن إسحاق و لفظه كنت أمسك المصحف على ابن عمر فقرأ هذه الآية فقال تدري فيم نزلت قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها على عهد رسول الله فشق ذلك عليه فنزلت
رواه آخرون عن نافع وهم خمسة
ورواه عن نافع غير من تقدم ذكره جماعة
1 - منهم ابنه عبد الله
2 - و عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
3 - و هشام بن سعد
4 - وأبان بن صالح
5 - وإسحاق بن عبيد الله بن أبي فروة
1 - أما حديث عبد الله بن نافع فأخرجه أحمد بن أسامة بن أحمد التجيبي في فوائده من طريق أشهب حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن
عمر قال أصاب رجل امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم الآية و به إلى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ السورة لا يتكلم حتى يختمها فقرأ سورة البقرة فمر بهذه الآية فقال أتدري فيم نزلت فذكر ما تقدم
وبه إلى أشهب قال لي عبد الله بن نافع لا بأس به إلا أن يتركه أحد تقذرا
2 - وأما عمر بن محمد فقال عبد الرزاق في تفسيره نا سفيان الثوري عن عمر بن محمد بن زيد عن نافع 194 عن ابن عمر في قوله تعالى أتأتون الذكران من العالمين و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم أي مثله من النساء
قال سلمة بن شبيب الراوي عن عبد الرزاق و به يحتج أهل المدينة
وأخرجه أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده بسنده إلى سلمة بن شبيب و نقل عن أصبغ بن الفرج أنه احتج بها لذلك
وذكر أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عن محمد بن كعب القرظي إنه احتج على الجواز بهذه الآية وزاد ولو لم يبح ذلك من الأزواج ما قبح انتهى
وكذا نقل عن زيد بن أسلم و ابن الماجشون
وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأصبهاني في فوائده من طريق عصام بن زيد عن الثوري عن عمر بن محمد عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتأول هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي حيث شئتم
3 - وأما رواية هشام بن سعد فأخرجها الطبراني و ابن مردويه من طريق هارون بن موسى عن أبيه
وأخرجها أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده من طريق معن بن عيسى كلاهما عن هشام بن سعد عن نافع قال قرأ ابن عمر هذه السورة فمر بهذه الآية نساؤكم حرث لكم الآية فقال تدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن
4 - وأما رواية أبان بن صالح فأخرجها الحاكم في تاريخه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن إبان بن صالح عن نافع قال كنت أمسك المصحف على ابن عمر فذكر الحديث بطوله نحو ما تقدم وهو في القطعة التي انقطعت روايتها من صحيح ابن خزيمة أخرجه الحاكم عن
أبي علي الحافظ 195 النيسابوري عن ابن خزيمة وقال أبو علي لم أكتبه إلا عن ابن خزيمة
5 - وأما رواية إسحاق بن أبي فروة فأخرجها أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده من طريق أبي علقمة القروي عنه عن نافع قال لي ابن عمر أمسك علي المصحف فذكر الحديث بطوله نحو رواية الدراوردي عن شيوخه الثلاثة
عود إلى رواية مالك
وأما رواية مالك فرواها عنه جماعة غير من تقدم
فأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن الحارث المدني نا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال يا نافع أمسك علي المصحف قال فقرأ عبد الله بن عمر حتى بلغ نساؤكم حرث لكم الآية فقال يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فسأل النبي فأنزل الله عز و جل الآية قال الدارقطني هذا ثابت عن مالك
وأخرج أيضا من طريق إسحاق بن محمد القروي عن مالك نحوه لكن قال أنزلت في الذي يأتي امرأته في دبرها
وأخرجه دعلج في غرائب مالك و الثعلبي في التفسير من طريق إسحاق
المذكور
ثلاثة رووا الحديث عن ابن عمر غير نافع
ورواه عن عبد الله بن عمر جماعة غير نافع
منهم زيد بن أسلم أخرجه النسائي و الطبري و الحاكم من طريق سليمان بن بلال عنه عن عبد الله بن عمر قال أتى رجل امرأته في دبرها في عهد رسول الله فوجد من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله الآية
قال ابن عبد البر الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة من رواية نافع فغير نكير أن يرويها زيد بن أسلم أيضا
قلت و قد رواها 196 غير نافع وزيد فأخرج النسائي و الطبري
والطحاوي و الدارقطني من طريق ابن القاسم قلت لمالك فقال لي اشهد على ربيعة يحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل عبد الله بن عمر فقال لا بأس به
وعند الطبري أن أناسا يروون عن سالم كذب العبد على أبي فقال مالك أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم عن ابن عمر مثل ما قاله نافع
وقد أنكر عبد الله بن عباس على عبد الله بن عمر هذا القول و نسبه إلى الوهم في الفهم فقال فيما أخرجه أبو داود و غيره من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عنه قال ابن عمر و الله يغفر له قد أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار فذكر القصة و في آخرها فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات و مدبرات و مستلقيات يعني موضع الولد أي من قبل دبرها أي في قبلها و قد تقدم في طرق القول الأول بأنها تكون باركة أو منبطحة و هذا الذي صار إليه اكثر العلماء و المبين يقضي على المجمل و الله أعلم
وقد جاء عن أبي سعيد الخدري كنحو ما رواه نافع و غيره عن ابن عمر
أخرجه أبو يعلى و الطحاوي في مشكل الآثار و الطبري و ابن مردويه في تفسيريهما من طريق عبد الله بن نافع نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله فقالوا أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز و جل الآية و القول في هذا كالقول في حديث ابن عمر لأنه إذا أولج و هي باركة صار ذكره كالثفر للدابة سواء كان الإيلاج في القبل أم الدبر فحمله على القبل موافق للروايات الأولى و هي أصح و أشهر 197 و الله أعلم
وجاء نحو ذلك من مرسل خصيف عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد من
طريقه ولفظه كانوا يجتنبون النساء في المحيض فلا يجامعوهن في فروجهن و يأتونهم في أدبارهن فسألوا النبي عن ذلك فأنزل الله نساؤكم حرث لكم الآية هكذا قال خصيف و المحفوظ عن مجاهد التشديد في ذلك لا الرخصة
134 - قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية 224
1 - قال ابن الكلبي نزلت في عبد الله بن رواحة تنهاه عن قطيعة ختنه بشير بن النعمان و ذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا و لا يكلمه ولا يصلح بينه و بين امرأته و يقول قد حلفت بالله أن لا أفعل و لا يحل لي إلا أن أبر في يميني فأنزل الله تعالىالآية
وقال مقاتل بن سليمان نزلت في أبي بكر الصديق و في ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر و كان أبو بكر حلف أن لا يصله حتى يسلم و كان الرجل إذا حلف قال لا يحل لي إلا أن أبر وكان هذا قبل أن تنزل الكفارة
وعن ابن جريج نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض مع أهل الإفك أخرجه الطبري
وأخرج الطبري من طريق عمرو عن أسباط عن السدي أما قوله
عرضة فيعرض بينك و بين الرجل الامر فتحلف بالله لا تكلمه و لا تصله و إما إن تبروا فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول قد حلفت فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه و بين ذي رحمه و ليبره و لا يبالي بيمينه و أما وتصلحوا فالرجل يصلح بين الإثنين فيعصيانه فيحلف أن لا يصلح بينهما و ينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه قال و هذا قبل أن تنزل الكفارة
ومن طريق علي بن 198 أبي طلحة عن ابن عباس المعنى لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير و لكن كفر عن يمينك و اصنع الخير
ومن طريق العوفي عن ابن عباس كان الرجل يحلف على الشيء من البر و التقوى لا يفعله فنهى الله عن ذلك بهذه الآية
ومن طريق سعيد بن جبير و مجاهد ومكحول و إبراهيم النخعي نحو ذلك
قال عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في هذه الآية و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ثم يعتل بيمينه يقول الله أن تبروا و تتقوا يقول هو خير من أن تمضي على ما لا يصلح فإن حلف كفر يمينه وفعل الذي هو خير
وعن معمر و عن قتادة نحوه
و أخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق و أخرجه أيضا من طريق إسرائيل عن السدي عن من حدثه عن ابن عباس قال هو الرجل يحلف لا يكلم قرابته أو مسلما أو لا يتصدق أو لا يقرض أو لا يصلح بين اثنين يقول قد حلفت فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم و كفر عن يمينك و عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم نحوه
وأخرج عبد أيضا من طريق الربيع بن أنس كان الرجل يحلف أن لا يصل رحمه و لا يصلح بين الناس فنزلت
2 - و جاء في سبب ذلك قول آخر أخرجه الطبري من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة في هذه الآية قالت لا تحلفوا بالله و إن بررتم
قال الطبري أولى الأقوال تأويل من قال لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم و ذلك أن العرضة في اللغة القوة و المراد بها هنا الحجة فالمعنى لا تجعلوا 199 اليمين بالله حجة لأيمانكم أن لا تفعلوا الخير فليفعل ويحنث ثم يكفر
وقد ذكرت الكفارة في آية المائدة و قوله بعدها لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إشارة إلى أن الكفارة إنما تجب في اليمين التي يوقع القصد إليها لا التي تقع من غير قصد إلى اليمين أو عن خطأ أو نسيان و نحو ذلك
135 - قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية 226
قال عبد بن حميد نا يونس عن شيبان عن قتادة كان أهل الجاهلية يعدون الإيلاء طلاقا فحد لهم أربعة أشهر فإن فاء فيها كفر يمينه و كانت امرأته و إن مضت أربعة أشهر و لم يفئ بها فهي تطليقه
وذكر الثعلبي عن سعيد بن المسيب كان الإيلاء من ضرار أهل الجاهلية كان أحدهم لا يريد المرأة و لا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبدا فكان يتركها كذلك لا أيما و لا ذات بعل و كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية و الإسلام فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر و أنزل للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية
وذكر الواحدي من طريق الحارث بن عبيد نا عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال كان إيلاء أهل الجاهلية السنة و السنتين وأكثر من ذلك فوقت الله بأربعة
أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء
136 - قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء 228
يأتي كلام قتادة و مقاتل بن حيان في ذلك في قوله تعالى الطلاق مرتان إن شاء الله
137 - قوله زتعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن 228
قال عبد الرزاق أنا معمر عن 2000 قتادة في قوله لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله عن ذلك
ورواه عبد من طريق شيبان و الطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة ولفظه لتذهب بالولد إلى غير أبيه فكره الله ذلك لهن
و في رواية له و تكتم ذلك مخافة الرجعة فنهى الله عن ذلك
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق أسباط بن نصر عن السدي في هذه الآية نزلت في رجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها حل بك حمل فتكتمه إرادة أن تفارقه فيطلقها و قد كتمته حتى تضع
138 - قوله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان الآية 229
قال مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل الى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها و قال و الله لا آويك إلي و لا تحلين أبدا فأنزل الله عز و جل الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان هكذا ذكره مرسلا و كذا سمعناه عاليا في مسند عبد بن حميد نا جعفر بن عون عن هشام و لفظه كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها ليس لذلك شيء ينتهي إليه فقال رجل من الأنصار فذكره و فيه فذهبت إلى رسول الله تشكو ذلك فأنزل الله الطلاق مرتان الآية فاستقبل الناس أمرا جديدا من كان يطلق و من لم يطلق
ووصله يعلى بن شبيب عن هشام موصولا يذكر عائشة وقع لنا بعلو في
جزء لوين
201 - و أخرجه الترمذي عن قتيبة عنه و فيه يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها و هي امرأته إذا ارتجعها و هي في العدة و إن طلقها مئة مرة أو أكثر فذكر نحو رواية جعفر لكن لم يقل من الأنصار و فيه فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي فأخبرته فسكت حتى نزلت الطلاق مرتان الآية قالت عائشة فاستأنفت الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق و من لم يكن طلق
ثم أخرجه من رواية عبد الله بن إدريس عن هشام مرسلا أيضا و قال هذا أصح من حديث يعلى بن شبيب
قلت ووصل الطبري رواية ابن إدريس و لفظه قال رجل لامرأته على عهد النبي لا أؤيك و لا أدعك تحلين أطلقك فإذا دنا أجل عدتك راجعتك فأتت
النبي فأنزل الله الطلاق مرتان الآية
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كان الطلاق ليس له وقت حتى انزل الله الطلاق مرتان
وأخرجه الطبري من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال
كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حد في ذلك هي امرأته ما راجعها في عدتها فجعل الله حد ذلك ثلاثة قروء و جعل حد الطلاق ثلاث تطليقات
ونقل الثعلبي عن مقاتل بن حيان و الكلبي قالا
كان الرجل في أول الإسلام إذا طلق امرأته و هي حبلى فهي أحق برجعتها ما لم تضع ولدها إلى أن نسخ الله تعالى ذلك بقوله الطلاق مرتان الآية
قال الكلبي و طلق إسماعيل بن عبد الله الغفاري زوجته قتيلة و هي حبلى
وقال مقاتل هو مالك بن الأشتر رجل من أهل الطائف قالا جميعا و لم يشعر 202 الرجل بحبلها و لم تخبره فلما علم بحبلها راجعها و ردها إلى بيته
فولدت فماتت و مات ولدها و فيها أنزل الله و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الآية
و أخرج الطبري من طريق يزيد النحوي عن عكرمة و الحسن البصري قالا في قوله تعالى و بعولتهن أحق برهن الآية كان الرجل إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها و لو طلقها ثلاثا فنزلت الطلاق مرتان فنسخ ذلك فإذا طلقها الثالثة لم تحل له رجعتها إلا ما دامت في عدتها
139 - قوله ز تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله 229
قال ابن جريج نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس و في حبيبة قال و كانت اشتكته إلى رسول الله فقال تردين عليه حديقته فقالت نعم فدعاه فذكر ذلك له فقال و يطيب لي ذلك قال نعم قال قد فعلت فنزلت ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الآية إلى قوله فلا تعتدوها
أخرجه سنيد في تفسيره عن حجاج عنه و الطبري من طريق وذكره الثعلبي بغير إسناد فقال نزلت هذه الآية في جميلة بنت عبد الله بن أبي وفي زوجها
ثابت بن قيس وكان يحبها حبا شديدا و تبغضه بغضا شديدا فكان بينهما كلام فشكت إلى أبيها فذكر القصة مطولة إلى أن قال خذ منها ما أعطيتها و خل سبيلها ففعل فكان أول خلع في الإسلام و أنزل الله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا
وأصل قصة ثابت بن قيس بن شماس و حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ من رواية عمرة بنت عبد الرحمن عنها
وعند أبي داود من وجه آخر عن عمرة عن عائشة جاءت حبيبة بنت سهل
203 - وله قصة أخرى مع جميلة بنت أبي أخت عبد الله في الخلع أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن رباح عن جميلة
وقال ابن عباس أول خلع وقع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي الحديث أخرجه الطبري أيضا كذا سماه و نسبها و يؤكد ما ذكره من أنها بنت عبد الله بن أبي لا أخته قوله إنها شكت إلى أبيها لأن والد عبد الله لم يكن موجودا إذ ذاك
140 - قوله ز تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره الآية 230
قال الثعلبي نزلت هذه الآية في تميمة و قيل عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت تحت رفاعة بن وهب بن عقيل فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير النضري فطلقها فأتت نبي الله فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير و إنما معه مثل هدبة الثوب و لقد طلقني قبل أن يمسني أفأرجع الى ابن عمي فتبسم رسول الله فقال تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا الحديث قال فلبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت إن زوجي كان قد مسني فقال لها النبي كذبت بقولك الأول فلن نصدقك فلبثت حتى قبض النبي فأتت أبا بكر فردها ثم أتت عمر فردها وقال لها لأن رجعت لأرجمنك
قلت و أصل القصة في الصحيحين و ليس في شيء من طرقه إن الآية نزلت فيها وإنما أوردته تبعا للثعلبي لاحتمال أن يكون وقعت له رواية
وقال مقاتل نزلت في تميمة بنت وهب بن عتيك النضري و في زوجيها رفاعة و عبد الرحمن بن الزبير القرظيين تزوجها عبد الرحمن بعد أن طلقها رفاعة يقول فإن طلقها الزوج الثاني عبد الرحمن فلا جناح عليهما يعني الزوج الأول رفاعة و لا على المرأة تميمة أن يتراجعها بعقد جديد ومهر جديد
قلت الأصل في القصة ماأخرجه الشيخان في الصحيحين و اللفظ لأحمد من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي فقالت إن رفاعة طلقني البتة و إن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني و إنما عنده مثل هذه الهدبة و أخذت هدبة من جلبابها وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له فقال يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله فما زاد رسول الله على التبسم فقال رسول الله كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسليتك أخرجه البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه مختصرا و اتفقا عليه من رواية القاسم عن عائشة
وأخرجه مالك في الموطأ عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد
الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها فأراد رفاعة أن ينكحها فذكر ذلك لرسول الله فنهاه عن تزويجها وقال لا تحل لك حتى تذوق العسلية
هكذا أخرجه مرسلا ورواه إبراهيم بن طهمان و عبد الله بن وهب عن مالك فقالا في آخر السند عن أبيه وهو عبد الرحمن بن الزبير صاحب القصة
141 - قوله ز تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا 231
قال عبد الرزاق 204 أنا معمر عن قتادة كان الرجل يحلف بطلاق امرأته فإذا بقي من عدتها شيء أرجعها ليضرها بذلك و يطيل عليها فنهاهم الله عن ذلك و أمر أن يمسكوهن بمعروف أو يسرحوهن بمعروف
وأخرج الطبري بسند صحيح عن الحسن البصري كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها يضارها بذلك فنهاهم الله عن ذلك
ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه
ومن طريق مجاهد نحوه
وقيل الرجعة تأخير زمن العدة وهو أظهر في المضارة
ومن طريق الربيع بن أنس نحوه بالزيادة
ومن طريق الضحاك نحوه وزاد أنها نزلت في رجل من الأنصار اسمه ثابت ابن يسار
142 - قوله ز تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا 231
أخرج الطبري بسند صحيح عن الزهري عن سليمان بن أرقم أن الحسن حدثه أن الناس كانوا في عهد رسول الله يطلق الرجل أو يعتق فيقال له ما صنعت فيقول كنت لا عبا قال الحسن وهو قول الله تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا
قلت وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن سليمان بن أرقم أصغر من الزهري
ومن طريق الربيع بن أنس كان الرجل يطلق أو يتزوج أو يعتق أو يتصدق فيقول إنما فعلت لاعبا فنهوا عن ذلك فقال تعالى و لا تتخذوا آيات الله هزوا
143 - قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية 232
1 - أخرج البخاري من طريق إبراهيم بن طهمان عن يونس بن عبيد عن الحسن وهو البصري قال في قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا الآية قال حدثني 205 معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك و أكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا و الله لا تعود إليها أبدا قال
و كان رجلا لا بأس به و كانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية فقلت الآن أفعل يا رسول الله فزوجتها إياه
وأخرجه البخاري أيضا و الطبري و الدارقطني من طريق عباد بن راشد عن الحسن حدثني معقل بن يسار قال كانت لي أخت تخطب إلي و كنت أمنعها من الناس فأتاني ابن عم لي فخطبها مع الخطاب فأنكحتها إياه فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب فقلت منعتها الناس زوجتك بها ثم طلقتها طلاقا له رجعة ثم تركتها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها لا أزوجك أبدا فأنزل الله الآية إلى قوله أزواجهن فكفرت عن يميني وأنكحتها
وأخرجه عبد بن حميد وأبو مسلم الكجي من رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عن معقل بن يسار إنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها و هويته فخطبها مع الخطاب فقال له يا لكع أكرمتك بها فطلقتها و الله لا
ترجع إليك أبدا أحرما عليك قال فعلم الله حاجته إليها و حاجتها إليه فأنزل الله هذه الآية قال فسمع ذلك معقل بن يسار فقال سمعا لربي و طاعة 206 فدعا زوجها فقال أزوجك و أكرمك فزوجها إياه
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الحسن مرسلا
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن و قتادة قالا في قوله تعالى فلا تعضلوهن نزلت في معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل فطلقها فذكر القصة بنحوه
وأخرجه البخاري و الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن معقل باختصار و أرسله قتادة مرة أخرى وأفاد الطبري من طريق ابن جريج أن اسم أخت معقل جمل
ومن طريق الثوري عن أبي إسحاق السبيعي هي فاطمة بنت يسار
وأخرج الفريابي و عبد بن حميد من طريق مجاهد هذه القصة مختصرة مرسلة
وأخرج الفريابي أيضا عن قيس بن الربيع عن خصيف عن مجاهد و عكرمة قالا في هذه الآية كان الرجل يطلق امرأته فيندم و تندم حتى يحب أن ترجع إليه و تحب هي ذلك فيأنف الولي فقال الله عز و جل فلا تعضلوهن الآية
وأخرج عبد بن حميد من طريق عبيدة بن معتب نحو هذا و فيه فيقول أولياؤها و الله لا ترجعين أبدا إليه لقد استخف بحقنا بطلاقك فنزلت و أخرج
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق أسباط بن عمرو عن السدي عن رجاله قال نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها ثم رجع يريد خطبتها فأبى جابر و قال طلقت بنت عمنا و تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيته فنزلت هذه الآية
144 - قوله ز تعالى و الذين يتوفون 207 منكم يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا 234
قال عبد بن حميد نا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في
هذه الآية قال كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب ذلك عليها فأنزل الله الآية التي بعد والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول الآية قال جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر و عشرين يوما وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت فالعدة كما هي واجبة عليها قال و قال عطااء عن ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها تعتد حيث شاءت قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت و لا سكنى لها
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله يعني و لا ترث ثم أنزل الله تعالى بعد والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها و أنزل ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد الآية بين الله ميراث المرأة و تركت الوصية لها و النفقة عليها
ومن طريق ابن جريج عن عطاء وهو الخراساني عن ابن عباس نحوه
ومن طريق قتادة كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كانت لها السكنى و النفقة حولا من مال زوجها ما لم تخرج ثم نسخ ذلك بعد يعني بقوله تعالى هذه الآية وكذا جاء عن جماعة من التابعين و ستأتي بقية القول فيه في الآية الأخرى
ونقل ابن ظفر عن و ابن عباس كان الرجل إذا مات و ترك امرأته اعتدت في بيته سنة ينفق عليها من ماله ثم نزل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا الآية فصارت هي عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا
145 - قوله ز تعالى ولا جناح 208 عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء 235
قال عبد بن حميد عن يونس عن شيبان عن قتادة كان الرجل يأخذ عهد المرأة في مرضه أن لا تنكح زوجا غيره فنهى الله عن ذلك وأحل القول بالمعروف
وقال ابن ظفر قيل كان السبب في نزولها أن الفاجر كان يدخل على المعتدة فتظهر له شدة الرغبة في التزويج فيطالبها بتعجيل الوقاع
قلت وهو موافق لمن فسر السر هنا بالزنا و قد نقلوه عن أكثر العلماء
وقال الشعبي هو أن يأخذ ميثاقها على أن لا تتزوج غيره ففسر المواعدة
بالمعاهدة و السر بالتزويج
146 - قوله ز تعالى و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين 236
قال ابن ظفر إن هذه الآية لما نزلت قال قائل إن أردنا الإحسان متعناهن فنزل حقا على المتقين فقالوا حينئذ كلنا نتقي الله أو نحوه
قلت و سيأتي من أخرجه في الآية الأخرى من عند الطبري
وقال مجاهد نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة و لم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل أن يمسها فقال له النبي أطلقتها قال نعم إني لم أجد نفقة قال متعها بقلنسوتك أما إنها لا تساوي شيئا و لكن أردت أن أحيي سنة
147 - قوله ز تعالى حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى 238
أخرج الطبري من طريق شعبة أخبرني عمرو بن أبي حكيم سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت كان رسول الله يصلي الظهر
بالهاجرة و لم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها قال فنزلت 209 حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى قال و قال إن قبلها صلاتين و بعدها صلاتين يعني ليليتين و نهاريتين ومن طريق ابن أبي ذئب عن الزبرقان إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال زيد هي الظهر فقام رجلان منهما فلقيا أسامة بن زيد فسألاه فقال هي الظهر إن رسول الله كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف و الصفان الناس يكونون في قائلتهم وفي تجارتهم فقال رسول الله لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم فنزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وعلى الصلاة الوسطى
قلت و قد اختلف في تعيين الوسطى على أقوال كثيرة أصحها أنها العصر و جمع الحافظ شرف الدين الدمياطي فيها كتابا اتصلت روايته و ليس هذا محل بسط ذلك
148 - قوله تعالى وقوموا لله قانتين 238
أخرج الشيخان في صحيحهما و آخرون عن زيد بن أرقم كان أحدنا يكلم صاحبه في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت و نهينا عن الكلام
وأخرج النسائي و الطبري من طريق كلثوم بن المصطلق عن ابن مسعود قال
إن النبي كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة فأتيته ذات يوم
فسلمت فلم يرد علي وقال إن الله يحدث في أمره ما يشاء و إنه قد أحدث أن لا يتكلم في الصلاة أحد إلا بذكر الله و ما ينبغي من تسبيح و تحميد وقوموا لله قانتين
ومن طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود و له طرق عند الطبري منها طريق السدي في خبر ذكره عن مرة عن ابن مسعود كنا نقوم في الصلاة و نتكلم و يسأل الرجل صاحبه عن حاجته و يخبره و يرد عليه حتى دخلت فسلمت فلم يردوا علي فاشتد علي فلما قضى النبي صلاته قال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة و القنوت السكوت وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن ابن مسعود
وأخرج الفريابي عن الثوري عن منصور عن مجاهد كانوا يتكلمون في الصلاة يكلم الرجل بحاجته حتى نزلت وقوموا لله قانتين فقطعوا الكلام و القنوت السكوت و القنوت الطاعة
وأخرجه عبد بن حميد من رواية الثوري ومن طريق أبي معشر عن محمد ابن كعب قال كان أصحاب رسول الله يتكلمون في الصلاة إذا أرادوا الحاجة كما يتكلم اليهود حتى نزلت حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين قال فتركوا الكلام
149 - قوله تعالى والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج الآية 240
أخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره من طريق مقاتل بن حيان في قوله تعالى والذين يتوفون منكم الآية إن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة و له أولاد رجال و نساء و معه أبوان و امرأته فمات بالمدينة فرفع ذلك إلى النبي فأعطى الوالدين و أعطى أولاده بالمعروف و لم يعط امرأته شيئا غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول
وقال مقاتل 211 بن سليمان في تفسيره عن حكيم بن الأشرف فذكر نحوه وزاد في آخره و ذلك قبل أن تنزل آية المواريث ثم نزلت والذين يتوفون منكم يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا و نزلت آية المواريث فجعل للمرأة الثمن أو الربع و كان ميراثها قبل ذلك نفقة سنة و قد تقدم في قوله تعالى
والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا نحو هذا عن ابن عباس و هذه الآية التي هنا سابقة في النزول و التي هناك سابقة في رسم المصحف و قد قال عثمان لعبد الله بن الزبير لما سأله عن ذلك يا ابن أخي لا أغير شيئا منه مكانه يعني بقاء رسمها بعد التي نسختها
150 - قوله ز تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين تقدم في الآية التي قبلها التي في آخرها حقا على المحسنين 241
قال الطبري حدثني يونس أنا ابن وهب قال قال ابن زيد بن أسلم لما نزلت ومتعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين قال رجل إن أحسنت فعلت فقال الله عز و جل وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين
وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير بسند صحيح قال لكل مطلقة
متاع بالمعروف قال الطبري في الأولى حكم عير الممسوسة إذا طلقت و في هذه بيان حكم جميع المطلقات
151 - قوله ز تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة 245
1 - قال مقاتل بن سليمان نزلت في أبي الدحداح و اسمه عمر
وذلك أن النبي قال من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة فقال أبو الدحداح إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها 212 في الجنة قال نعم قال و أم الدحداح معي قال نعم قال و الصبية قال نعم و كان له حديقتان فتصدق بأفضلهما واسمها الجنينة فضاعف الله صدقته ألفي ألف ضعف فذلك قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثير فرجع أبو الدحداح إلى حديقته فوجد أم الدحداح و الصبية في الحديقة التي جعلها صدقة فقام على باب الحديقة و تحرج أن يدخلها قال يا أم الدحداح قالت لبيك يا أبا الدحداح قال إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة و اشترطت مثلها في الجنة و أم الدحداح معي و الصبية معي فقالت بارك الله في ما اشتريت فخرجوا منها و سلم الحديقة
للنبي فقال النبي صلى الله عليه و سلم كم من نخلة تدلي عذوقها في الجنة لأبي الدحداح لو اجتمع على عذق فيها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه
وأصح من ذلك ما وقع في حديث ابن مسعود بعكس ذلك وهو أن الآية سبب لتصدق أبي الدحداح بذلك فأخرج الطبري و ابن أبي حاتم و الطبراني
من طريق خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن مسعود قال لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح يا رسول الله أو إن الله يريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال يدك قال فتناول يده قال فإني قد أقرضت ربي حائطي حائطا فيه ستمائة نخلة ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط و أم الدحداح فيه في نخلها فناداها يا أم الدحداح 213 قالت لبيك قال اخرجي فإني قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمائة نخلة
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابيه نحوه
ولأبي الدحداح قصة أخرى رواها الواحدي بسند صحيح على شرط مسلم لكن لا تتعلق بسبب النزول
2 - قول آخر قال ابن حبان في النوع الثاني من القسم الأول من
صحيحه أخبرنا حاجب بن أركين نا أبو عمر الدوري حفص بن عمر نا أبو إسماعيل المؤدب عن عيسى بن المسيب عن نافع عن ابن عمر قال لما نزلت مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل الآية قال رسول الله رب زد امتي فنزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا الآية فقال رب زد أمتي فنزلت إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
وأخرج الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي نا حفص ابن عمر به و قال لم يروه عن نافع إلا عيسى بن المسيب و لا عنه إلا أبو إسماعيل المؤدب تفرد به حفص كذا قال و لم ينفرد به حفص لمتابعة إسماعيل بن إبراهيم ابن بسام عن أبي إسماعيل أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة عن إسماعيل
وأخرجه الخطيب في المؤتلف من طريق الحسن بن علي بن يسار العلاف عن حفص
و لم ينفرد به أبو إسماعيل فقد أخرجه أبو بكر بن مردويه من وجه آخر عن عيسى فظهر ان المنفرد به عيسى وهو ضعيف عند اهل الحديث حتى أن ابن حبان ذكره في الضعفاء و لكن له شاهد من رواية ابن المنذر عن سفيان و لفظه 214 لما نزلت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال النبي رب زد أمتي فنزلت مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل الآية فقال رب زد أمتي فنزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا الآية فقال ربي زد أمتي فنزلت إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
و على تقدير أن يكون محفوظا فتضم هذه الآية إلى الآيات التي وقعت في
ترتيب السور متقدمة على سبب نزول المتأخرة كما جاء في قوله تعالى و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا فإنها في النزول متأخرة عن الآية الاخرى و هي و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج وهذه الثانية في ترتيب سورة البقرة متأخرة عن الاخرى و قد تقدم الكلام عليهما بما يدل لما قلته
152 - قوله ز تعالى و لو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد 253
أخرج ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق بسند فيه راو ضعيف جدا قال قال النبي لمعاوية أتحب عليا قال نعم قال إنه سيكون بينكما قتال قال فما بعده قال عفو الله قال رضيت بقضاء الله قال فنزلت ولو شاء الله ما اقتتلوا و لكن يفعل الله ما يريد انتهى و فيه نكارة من أن سياق
الآيات ظاهر أن الضمير لمن في قوله قبلها و لو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات و لكن اختلفوا و المراد بهم ما صرح به في الآية المذكورة فمنهم من آمن و منهم من كفر
153 - قوله ز تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم 255
215 - أخرج ابن أبي حاتم و أبو نعيم في الحلية في ترجمة سعيد بن جبير من طريق أشعث القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد قال قالت بنو إسرائيل لموسى هل ينام ربك فقال موسى اتقوا الله فقالوا أيصلي ربك قال اتقوا الله فقالوا هل يصبغ ربك قال اتقوا الله قال فأوحى الله إليه أن بني إسرائيل سألوك أينام ربك فخذ زجاجتين فضعهما على كفيك ثم قم الليل قال ففعل موسى ذلك فلما ذهب من الليل الثلث نعس موسى فوقع لركبته ثم ضبطهما فقام فلما أدبر الليل نعس أيضا فوقع لركبته فسقطت الزجاجتان فانكسرتا فأوحى الله لو كنت أنام لسقطت السماوات على الأرض و لهلك كل شيء
كما هلك هاتان قال أشعث و فيه نزلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم الحديث
154 - قوله ز تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه 255
قال الثعلبي قال المفسرون سبب نزولها ان الكفار كانوا يعبدون الأصنام و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فأنزل الله لاإله إلا هو الحي القيوم إلى آخرها فبين الله أن لا شفاعة إلا لمن أذن له هذا يصلح في هذا الكتاب و أما الذي قبله فليس هو سبب نزولها على النبي و إنما هو سبب محصل ما اشتملت عليه على موسى
وقد ذكر الواحدي نظائر لذلك و ليس من شرطه و سيأتي بعض ذلك قريبا
155 - قوله تعالى لا إكراه في الدين الآية 256
1 - أخرج أبو داود و النسائي و الطبري و أحمد و صححه ابن
حبان من طريق شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى لا إكراه في الدين كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لها ولد 216 لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار فقالت الأنصار يا رسول الله أبناؤنا فأنزل الله تعالى لا إكراه في الدين قال سعيد بن جبير فمن شاء دخل في الإسلام و من شاء لحق بهم
و أخرجه الطبري من طريق أبي عوانة عن أبي بشر سألت سعيد بن جبير عن قوله لا إكراه في الدين قال نزلت في الانصار قلت خاصة فذكره و قال في آخره قالوا يا رسول الله أبناؤنا و إخواننا فيهم فسكت عنهم فأنزل الله الآية فيهم فقال قد خير أصحابكم فإن اختاروهم فهم منهم قال فأجلوهم معهم
طريق أخرى أخرج الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي كانت المرأة من الانصار نحوه إلى قوله لتهودنه فجاء الإسلام و طوائف من أبناء
الأنصار على دينهم فقالوا إنما جعلناهم على دينهم و نحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا فإذا جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم فنزلت لا إكراه في الدين فكان فصل ما بين من اختار اليهودية و الإسلام فمن لحق بهم اختار اليهودية و من أقام اختار الإسلام
و في لفظ له من هذا الوجه فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله بني النضير فلحق بهم من لم يسلم و بقي من أسلم وفي رواية له أيضا لحق بخيبر
2 - قول آخر أخرج الطبري و إسماعيل القاضي في أحكام القرآن و أبو
داود في الناسخ و المنسوخ من طريق أسباط عن السدي في هذه الآية قال نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين كان له ابنان فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما باعوا و أرادوا 217 أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا و ذهبا معهم إلى الشام فأتى أبوهما رسول الله فقال يا رسول الله أن ابني تنصرا و خرجا أما أطلبهما فقال لا إكراه في الدين و لم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب فقال أبعدهما الله هما أذل من كفر فوجد أبو الحصين في نفسه فأنزل الله فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم إلى قوله تسليما ثم نسخ لا إكراه في الدين فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة
طريق أخرى قال عبد بن حميد نا روح بن عبادة عن موسى بن عبيدة أخبرني عبد الله بن عبيدة أن رجلا من أصحاب رسول الله من بني سالم بن عون كان له ابنان تنصرا قبل أن يبعث النبي فقدما المدينة في نفر منهم يحملون
الطعام فرآهما أبوهما فالتزمهما و قال و الله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى النبي بعد أن قدما المدينة فقال يا رسول الله أيدخل بعضي النار و أنا أنظر فأنزل الله تعالى لا إكراه في الدين
طريق أخرى قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير في قوله لا إكراه في الدين نزلت في رجل من بني سالم بن عوف من الأنصار يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان و كان هو مسلما فذكر نحورواية السدي
3 - قول آخر أخرج الطبري و عبد بن حميد من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان اليهود أرضعوا رجالا من الأوس فلما أمر النبي بإجلائهم قال أبناؤهم من الأوس لنذهبن معهم و لندينن بدينهم فمنعهم أهلوهم و أكرهوهم على الإسلام ففيهم نزلت هذه الآية لا إكراه في الدين
ومن رواية لعبد من هذا الوجه كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة
و في رواية الفريابي من بني النضير و في أخرى عند الواحدي قريظة
و النضير
و أخرج الطبرسي من طريق أخرى عن ابن ابي نجيح عن مجاهد و عن وائل عن الحسن أن اناسا من الانصا ر ارتضعوا في بني النضير
4 - و أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس نزلت لا إكراه في الدين لما دخل الناس في الدين و أعطى أهل الكتاب الجزية
و قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانت العرب لا دين لهم فأكرهوا بالسيف و لا يكره اليهود و لا النصارى و لا المجوس إذا أعطوا الجزية
و نقل الثعلبي عن قتادة عن الضحاك و عطاء و أبي روق إن معنى الآية أن العرب كانت أمة واحدة أمية ليس لهم دين و لا كتاب فلم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف فلما أسلموا طوعا أو كرها أمر الله أن يقاتل أهل الكتاب إلى أن يسلموا أو يقروا بالجزية فمن أدى الجزية لم يكره على الإسلام
و عن مقاتل بن سليمان كان النبي لا يقبل الجزية إلا من اهل الكتاب فلما دخل العرب في الدين قبل الجزية من المجوس قال منافقوا أهل المدينة زعم محمد أنه لا يقبل الجزية إلا من اهل الكتاب فما بال المجوس فذكر ذلك للنبي فأنزل
الله تعالى 219 لا إكراه في الدين يعني بعد إسلام العرب
156 - قوله ز تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور الآية 257
أخرج الطبري من طريق منصور بن المعتمر عن عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد أو مقسم في هذه الآية قال
كان قوم آمنوا بعيسى و قوم كفروا به فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى و كفر به الذين آمنوا بعيسى فقال الله تعالى الله و لي الذين آمنوا الآية
هذه رواية بهز و أخرجه من رواية معتمر عن منصور عن رجل عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية الله ولي الذين آمنوا كان أناس آمنوا بعيسى لما جاءهم محمد آمنوا به فأنزلت فيهم
و نقله الثعلبي عن ابن عباس بلفظ هم قوم كفروا بعيسى ثم آمنوا بمحمد فأخرجهم الله من كفرهم بعيسى إلى الإيمان بمحمد المصطفى في الأنبياء
157 - قوله ز تعالى و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات 257
قال المقاتلان هم اليهود كانوا آمنوا بمحمد قبل أن يبعث لما يجدونه في كتبهم من نعته أي صفته فلما بعث كفروا به
158 - قوله تعالى و إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى الآية 260
ذكر الواحدي ما أورده أئمة التفسير في ذلك عن ابن عباس و الحسن بن عكرمة و قتادة و عطاء الخراساني و الضحاك و ابن جريج و ابن إسحاق في كتاب المبتدأ و هذا ليس من أسباب النزول التي يكثر السؤال عنها و يبني عليها الأحكام أهل الكلام حيث يكون الحكم عاما أو يختص بها من نزلت بسببه و إنما هو من ذكر أسباب ما وقع 220 في الأمم الماضية و قد أخل بالكثير من هذا أوله القصة التي قبل هذه في الذي أنزلت فيه أو كالذي مر على قرية و قد استدركت كثيرا مما فاته من ذلك من غير استيعاب بخلاف ما هو صريح في سبب نزول الآية المخصوصة فإنني استوعبته بحسب الطاقة و الكثير منه مما استدركته عليه
وهو في تسمية الذين قال أنه نقل عنهم هذه القصة تابع للثعلبي فإنه نسب ذلك ذهولا ومراده أن الرواية عنهم على سبيل التوزيع عليهم وقد نبهت على الأول حيث وقع غالبا
ومحصل القول في السبب الذي حمل إبراهيم عليه السلام على السؤال خمسة أقوال
1 - أحدها أنه تيقن لكنه بالمشاهدة أراد أن يزداد يقينا
وأخرج عبد بن حميد بن سلم بن قتيبة عن أبي هلال و عن روح عن عوف و اللفظ له كلاهما عن الحسن قال إن كان إبراهيم عليه السلام لموقنا بأن الله يحيى الموتى و لكن لا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان و إن الله أمره أن يأخذ أربعة من الطير إلى آخره
الثاني أن إبليس أراد ان يشككه ففزع إلى سؤال ربه
فأخرج أبو الشيخ في التفسير من طريق إبراهيم بن الحكم بن أبان نا أبي قال كنت جالسا مع عكرمة عند الساحل فقال عكرمة إن الذين يغرقون في البحر تتقسم الحيتان لحومهم فلا يبقى منهم شيء إلا العظام فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلة نخرة فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون به فتخمد تلك النار فتجيء الريح فتسقي ذلك الرماد عن الأرض فإذا جاءت 221 النفخة خرج أولئك و أهل القبور سواء أورده الواحدي عقب رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم التي أخرجها الطبري قال مر إبراهيم عليه السلام
بحوت ميت نصفه في البر و نصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله و ما كان في البر فدواب البر تأكله فقال له إبليس الخبيث متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء فقال يا رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن الآية
الثالث أن إبراهيم عليه السلام أتى على دابة توزعتها السباع و الدواب فقال رب أرني كيف تحيي الموتى
أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة و من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك قال مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي و تقسمته السباع و الرياح فقام ينظر فقال سبحان الله كيف يحيى الله هذا و قد علم أن الله قادر على ذلك فأراد أن يشاهد الكيفية
و أما ابن جريج فأخرج الطبري من تفسير سنيد عن حجاج عنه قال بلغني أن إبراهيم بينما هو يسير إذا هو بجيفة حمار فذكر نحوه وفيه فعجب ثم قال رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع رب أرني و في آخره قال بلى و لكن ليس الخبر كالمعاينة و هذا يمكن أن يرجع إلى الذي قبله
و ذكره مقاتل بمعناه لكن في آخره ليسكن قلبي بأنك أريتني الذي أردت
السبب الرابع أورده الطبري من طريق محمد بن إسحاق قال لما جرى بين إبراهيم و بين قومه ما جرى و خرج من النار قال له نمرود أرأيت إلهك هذا الذي تدعو إلى عبادته ما بلغ من قدرته قال ربي الذي يحيي و يميت قال أنا أحيي و أميت فذكر ما قص الله تعالى فقال إبراهيم 222 عند ذلك رب أرني كيف تحيي الموتى إلى قوله ليطمئن قلبي عن غير شك في قدرة الله و لكنه أحب أن يعلم ذلك و تاق إليه قلبه هكذا سياق الطبري بسنده و ذكره الواحدي عن ابن إسحاق بلفظ إن إبراهيم لما احتج على نمرود قتل نمرود رجلا و أطلق رجلا ثم قال قد أمت و أحييت فقال له إبراهيم فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت فقال له نمرود هل عاينت هذا الذي تقوله فلم يقدر أن يقول نعم فانطلق إلى حجة أخرى ثم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الإحتجاج و يخبر عن مشاهدة
وهذا أخرجه الطبري أيضا و فيه أن نمرود لما قال أنا أحيي و أميت قال له إبراهيم كيف تحيي و تميت قال آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته و أعفو عن الآخر فأكون قد أحييته فقال له إبراهيم عند ذلك فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب فبهت عند ذلك نمرود
ووقعت عليه الحجة
السبب الخامس أخرجه الطبري من طريق أسباط بن نصر عن السدي قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم عليه السلام بذلك فأذن له فأتى إبراهيم و ليس في البيت فدخل داره و كان إبراهيم أغير الناس إذا خرج أغلق الباب فلما جاء فوجد في داره رجلا ثار إليه ليأخذه و قال له من أذن لك أن تدخل داري فقال ملك الموت أذن لي رب هذه الدار فقال إبراهيم صدقت و عرف انه ملك الموت قال من أنت قال أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا فحمد الله 223 قصة في سؤاله ملك الموت أن يريه صورته حين يقبض الكافر و في حين يقبض المؤمن قال و قام إبراهيم يدعو ربه يقول رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك قال أو لم تؤمن أي تصدق بأني خليلك قال بلى و لكن ليطمئن قلبي بخلولتك
ثم أخرج من طريق عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال ليطمئن قلبي بالخلة ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله ولكن ليطمئن قلبي أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك و تعطيني إذا سألتك
قلت و هذا يمكن أن يرد إلى الخلة لأن ذلك من شأن الخليل و يجوز أن يكون سببا آخر و يؤخذ من هذين الأمرين أن ابن عباس حمل السؤال على الكيفية لا على أصل إحياء الموتى لأنه كان يتيقن أن الله يحيى الموتى فسأله أن يريه الكيفية و على هذا فقوله في الحديث المخرج في الصحيح نحن أولى بالشك من إبراهيم معناه أنه ليس في القصة ما يقتضي أنه حصل عنده شك في القدرة و إنما أراد الإستظهار على من ينكرها إذا شاهد كيفيتها فأخبر عن معاينة و تقدير الخبر نحن أحق بالشك من إبراهيم أن لو شك و منهم من قال المراد بقوله نحن خطاب من خطابهم و التقدير أنتم و إنما عبر بنحن تأنيسا لهم بإيهام دخوله معهم
159 - قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله الآية 262
قال الثعلبي قال الكلبي نزلت في عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء إلى النبي بأربعة آلاف درهم 224 و أربعة آلاف أقرضها ربي فقال له رسول الله بارك الله لك فيما أمسكت و فيما أعطيت و أما عثمان فقال علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك فجهز المسلمين
بألف بعير بأقتابها و أحلاسها و تصدق برومة ركية كانت له على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية
و قال مقاتل بمعناه مختصرا
و قال ابن ظفر نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي و عبد الرحمن أما أبو بكر فأنفق جميع ماله و أما الباقون فأنفق نصف ما عنده و كذا ابن عوف وأما عثمان فاشترى بئر رومة و جهز جيش العسرة و أما علي فباع حائطا له باثني عشر ألفا فتصدق بجميعها و أصبح يوما و ليس عنده سوى أربعة دراهم فتصدق بها و كان كثير الإيثار على نفسه و قال أبو سعيد الخدري رأيت رسول الله رافعا يديه يدعو لعثمان بن عفان و يقول يا رب عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه فما زال رافعا يده حتى طلع الفجر فأنزل الله عز و جل فيه
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله الآية
160 - قوله تعالى و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون الآية 267
قال عبد بن حميد أنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال نزلت فينا هذه الآية كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرة نخله وقلته فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام إذا جاع أحدهم أتى القنو فضربه فيسقط من البسر و التمر ما يأكله و كان أناس ممن لا يرغب في الخير يجيء أحدهم بالقنو فيه الحشف 225 و بالقنو فيه الشيص وبالقنو وقد انكسر فيعلقه قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون
وهكذا أخرجه الترمذي و ابن أبي حاتم من رواية عبيد الله بن موسى
وأخرجه ا الروياني و الحاكم في المستدرك من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء نحوه و لفظه نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا عند جذاذ النخل من حيطانها يخرجون أفناء من التمر و البسر فيعلقونها على حبل بين أسطوانتين في المسجد فيأكل منه فقراء المهاجرين الحديث فنزلت
و أخرج الحاكم من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر
قال امر النبي بزكاة الفطر بصاع من تمر فجاء رجل بتمر رديء فنزلت
و أخرجه الفريابي و عبد بن حميد عن قبيصة عن الثوري به عن جعفر عن ابيه مرسلا لم يذكر جابر وزاد فيه فقال رسول الله لا يجزين هذا التمر فنزلت و أمر النبي الذي يخرص التمر أن لا يجيزه
و أخرج عبد بن حميد و النسائي من طريق أبي أمامة بن سهل كان المنافقون يتلومون شرار ثمرهم الصدقة فنزلت
و أخرجه ابن أبي حاتم موصولا من طريق أبي الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري عن أبي امامة عن أبيه
وذكره أبو داود عن أبي الوليد مختصرا
و أخرج الفريابي و عبد بن حميد من طريق مجاهد نحوه و عبد من طريق قتادة ذكر لنا أن الرجل كان يكون له حائطان على عهد نبي الله فينظر إلى أردئهما تمرا فيتصدق 226 به و يخلط به الحشف فعاب الله ذلك عليهم و تلا هذه الآية و عن يعلى بن عبيد عن جويبر عن الضحاك كان ناس من المنافقين يجيئون بصدقاتهم بأردىء ما عندهم من التمر فأنزل الله تعالى و لا يتمموا الخبيث ومن طريق الحسن نحوه
و أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن مروان السدي الصغير في روايته عن الكلبي عن باذان عن ابن عباس أن رسول الله قال لهم إن لله في أموالكم حقا فإذا بلغ حق الله فأعطوا منه فكانوا يأتون أهل الصدقة بصدقاتهم و يضعونها في المسجد فإذا اجتمعت قسمها رسول الله فجاء رجل بعد ما رق أهل المسجد و تفرق عامتهم بعذق حشف فوضعه في أهل الصدقة فخرج رسول الله فأبصره فقال من جاء بهذا قالوا لا ندري فقال بئس ما صنع صاحب هذا و أمر به فعلق فكل من رآه من الناس يقول بئس ما صنع صاحب هذا الحشف فأنزل الله هذه الآية قلت و ذكره مقاتل بن سليمان بمعناه لكن قال في أوله إن النبي أمر
بالصدقة قبل أن تنزل آية الصدقات
محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري أن رجلا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى النبي أنواع من التمر من الجعرور و نحوه مما لا خير فيه من التمر فردها رسول الله و أنزل الله تعالى هذه الآية
161 - قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم الآية 271
1 - قال الواحدي قال 227 ابن الكلبي لما نزل قوله تعالى وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه قالوا يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فأنزل إن تبدوا الصدقات الآية
و ذكره الثعلبي بغير إسناد
2 - قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم نا أبي نا الحسين بن زياد مؤدب محارب نا موسى بن عمير عن الشعبي في قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي الآية قال أنزلت في أبي بكر و عمر أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه للنبي
وأما أبو بكر فجاء بماله كله يكاد يخفيه من نفسه حتى دفعه للنبي وقصة إتيان أبي بكر و عمر بالمال وردت من طريق موصولة و لكن ليس فيها ذكر نزول الآية أخرجها أبو داود و صححها الترمذي و الحاكم من رواية زيد ين أسلم عن أبيه عن عمر به
162 - قوله تعالى ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء الآية 272
1 - قال الفريابي في تفسيره نا سفيان عن الاعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوايكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الآية ليس عليك هداهم إلى قوله وأنتم لا تظلمون
واخرجه النسائي و الطبراني من طريق الفريابي و كذا هو في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة
و أخرجه عبد بن حميد عن أبي داود عمر بن سعد الحفري عن سفيان وأخرجه الطبري من طريق الحفري موصولا أيضا
ومن طريق أبي أحمد الزبيري و عبد الله بن المبارك عن سفيان كذلك و لفظ رواية ابن المبارك كان أناس من الانصار لهم 228 أنسباء و قرابة من قريظة و النضير و كانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم و يريدون أن يسلموا فنزلت ليس عليك هداهم الآية
وأخرج الثعلبي من تفسير الكلبي نحوه و زاد فأعطوهم بعد نزولها
ورواه أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مرسلا و خالف في سياقه و لفظه قال رسول الله لا تصدقوا إلا على أهل دينكم فنزل قوله تعالى ليس عليك هداهم فقال رسول الله تصدقوا على أهل الأديان
أخرجه هكذا إسحاق في تفسيره عن جرير عنه
وأخرجه الواحدي من طريق سهل بن عثمان عن جرير
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الدشتكي عن أشعث فوصله بذكر ابن عباس و لفظه كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية فأمرنا بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين
و أخرجه الطبري من طريق يحيى بن يمان عن أشعث مرسلا بلفظ كان النبي لا يتصدق على المشركين فنزلت فتصدق عليهم
و ذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير بغير إسناد و لفظه كانوا يتصدقون على
فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله فذكر نحو الدشتكي وزاد فمنعوهم ليدخلوا في الإسلام
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي حبيب المصري إنما نزلت هذه الآية وما تنفقوا من خير يوف إليكم في النفقة على اليهود و النصارى فكأنه يشير إلى هذا التفسير المذكور عن سعيد بن جبير و عن ابن الكلبي
طريق آخر أخرج عبد بن حميد و الطبري من طريق سعيد عن قتادة 229 ذكر لنا أن ناسا من أصحاب رسول الله قالوا أنتصدق على من ليس من أهل ديننا قال قتادة فأنزل الله ليس عليك هداهم الآية
طريق آخر و أخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه و بين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج فلا يتصدق عليه يقول ليس من أهل ديني فأنزل الله عز و جل ليس عليك هداهم الآية
طريق آخر أخرج الواحدي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن ابن نمير عن حجاج عن سالم المكي عن ابن الحنفية كان المسلمون يكرهون أن يتصدقوا على فقراء المشركين حتى نزلت هذه الآية فأمروا أن يتصدقوا عليهم
قول آخر أخرج الثعلبي من تفسير ابن الكلبي قال اعتمر رسول الله عمرة القضاء و كانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر فجاءتها أمها قتيلة وجدتها يعني لأمها تسألانها و هما مشركتان فقالت لا أعطيكما شيئا حتى أستأمر رسول الله فإنكما لستما على ديني فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمرها رسول الله بعد نزول هذه الآية أن تتصدق عليهما فأعطتهما انتهى
و قال مقاتل بن سليمان نزلت في أسماء بنت أبي بكر سألت النبي عن صلة جدها أبي قحافة فنزلت
قلت وهذا متوجه إن كان ما نقله ابن الكلبي ثابتا فإنه حينئذ يحتمل أن تكون أسماء سألت عن حكم صلة جدها أبي قحافة بعد أن دخلت مكة في العمرة 230 المذكورة و المحفوظ لأسماء أن أمها قدمت عليها المدينة تسألها كما سيأتي بيانه في تفسير سورة الممتحنة
وقال ابن ظفر قيل إن عبد الرحمن بن أبي بكر كان مشركا بمكة فكتب إلى أبيه يستوصله فكره أن يصله بشيء لشركه و إن أسماء بنت أبي بكر قدمت عليها امها قتيلة مشركة تستوصلها فحجبتها و منعتها فنزلت الآية إذنا في الصدقة على الكفار
قلت و قصة أسماء أشرت إليها وأما عبد الرحمن فما عرفت سلفه فيه
163 - قوله ز تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله الآية 273
قال مقاتل هم اهل الصفة منهم أبو هريرة و ابن مسعود و الموالي أربعمئة رجل لا أموال لهم بالمدينة فإن كان الليل أووا إلى الصفة فأمر الله بالنفقة عليهم
و قال ابن ظفر قال ابن عباس نزلت في الفقراء أهل الصفة مهاجرة الأعراب
وقال الثعلبي كانوا نحوا من أربعمئة رجل لا مساكن لهم بالمدينة ولا عشائر أووا إلى صفة المسجد فيجيئون السوق بالنهار و يتعلمون القرآن بالليل و قالوا نخرج في كل سرية فحض الله الناس على فكان الرجل إذا كان عنده فضل أتاهم به
وذكره ابن ظفر عن ابن عباس بنحوه وزاد في آخره حين يمسي
164 - قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية 274
1 - قال مقاتل نزلت في علي بن أبي طالب لم يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا وبدرهم سرا و بدرهم علانية فقال له النبي ما حملك على ذلك قال حملني عليه طلب ما وعد الله فقال لك ذلك فأنزل الله الذين ينفقون أموالهم 231 بالليل و النهار سراو علانية
و نقل الواحدي هذا بعينه عن الكلبي و قد رويناه موصولا من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في الطبراني
و أسند ابن مردويه و الثعلبي من طريق أيوب عن مجاهد عن ابن عباس كان عند علي فذكره إلى قوله علانية
و قد أخرجه الطبري و ابن أبي حاتم من طريق عبد الوهاب بن مجاهد
عن أبيه كان لعلي أربعة دراهم فذكره و عبد الوهاب ضعيف
و قد أخرجه عبد الرزاق عنه فوصله بذكر ابن عباس فيه وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق بذلك و ينظر في رجال سنده و ذكر بقيته الكلبي في تفسيره
2 - قول آخر أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني و الواحدي من طريق ابن مهدي عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده عن النبي
نزلت هذه الآية الذين ينفقون اموالهم بالليل و النهار الآية في أصحاب الخيل
و أخرجه عبد بن حميد من طريق قيس بن حجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال على الخيل في سبيل الله و أخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه بلفظ الذين يعلفون الخيل في سبيل الله وأخرج الطبري من طريق العجلان بن سهيل عن أبي أمامة في تفسير هذه الآية الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار الآية نزلت في أصحاب الخيل فيمن لم يرتبطها لخيلاء ولا مضمار
ومن طريق الأوزاعي مثله من قوله
165 - قوله ز تعالى قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع و حرم الربا الآية 275
أخرج والطبري من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا و كذا و تؤخر عني
ومن طريق سعيد 232 عن قتادة إن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل و لم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه
وقال الثعلبي كان أهل الجاهلية إذا حل مال أحدهم على غريمه فطالبه يقول زدني في الأجل و أزيدك في مالك فيفعلان ذاك و يقولان سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل المال لأجل التأخير فأكذبهم الله فقال و أحل الله البيع و حرم الربا
وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير نحوه
وأخرج الطبري من طريق ليث عن مجاهد كانوا إذا حل دين بعضهم فلم يجد ما يعطي زاده و أخره فنهوا عن ذلك
166 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين 278
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي نزلت هذه الآية في العباس بن
عبد المطلب و رجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية فيسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف من بني عميرة وهو بنو عمرو بن عمير فجاء الإسلام و لهما أموال عظيمة في الربا فنزلت
وأخرج الواحدي من طريق السدي أول هذا الخبر وسمى الرجل من بني المغيرة خالد بن الوليد بن المغيرة فذكره إلى قوله فجاء الإسلام فقال في سياقه و لهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب
قلت وهذا الحديث الآخر ثابت في الصحيحين و غيرهما دون ما قبله من رواية جابر وغيره 233 في خطبة حجة الوداع
ومن طريق ابن جريج كانت ثقيف قد صالحت رسول الله على أنه لهم ربا على الناس فهو لهم وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع فلما كان الفتح استعمل رسول الله على مكة عتاب بن أسيد و كانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الإسلام و لهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو بن عمير يطلبون رباهم فأبى بنو
المغيرة أن يعطوهم في الإسلام فرفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد فكتب عتاب بن أسيد إلى رسول الله فنزلت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إلى يظلمون فكتب رسول الله إلى عتاب فقال إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب قال ابن جريج وذكر عكرمة أن بني عمرو بن عمير كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة ويزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب و ربيعة بنو عمرو بن عمير فهم الذين كان لهم الربا فأسلم عبد ياليل و حبيب وربيعة ومسعود و هلال
قلت لم يتقدم لهلال ذكر في الإخوة الأربعة فيحتمل أن يكون أخاهم فعد خامسا و يحتمل أن لا يكون أخاهم بل كان ممن له ربا من ثقيف فأسلم و سلم الحكم
ووقع في الرواية إشكال لأن ظاهرها أن إسلام ثقيف ومصالحهم كان قبل فتح مكة و ليس كذلك و لعل معنى الكلام أن الفاء في قوله فلما كان فتح مكة معقبة لشي محذوف وإنما ذكر فتح مكة هنا لما وقع في القصة أنهم تحاكموا إلى عتاب 234 فبين سبب كونه حاكما ثم أكمل القصة
وقد ساق مقاتل بن سليمان في تفسيره سياقا واضحا فقال نزلت يعني يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا في أربعة إخوة من ثقيف فسماهم و نسبهم كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فلما أظهر الله نبيه على الطائف اشترطت ثقيف فذكر الشرط واختصامهم إلى عتاب
فقال بنو المغيرة أجعلنا أشقى الناس بالربا وقد وضع عن الناس فقالت ثقيف إنا صالحنا على ذلك فكتب عتاب الحديث
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان نحوه وزاد كلهم أخوة وهم الطالبون و بنو المغيرة المطلوبون و ذكر سياق القصة التي ذكرها ابن جريج و فيه كتب لهم في الشرط ما كان لهم من ربا إلى آخره و زاد و لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم فلما طلبوهم قالت بنو المغيرة و الله لا نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله فرفعوا شأنهم لمعاذ بن جبل و يقال عتاب بن أسيد و أحدهما عامل رسول الله على مكة فكتب بقصتهم فأنزل الله على نبيه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فكتب إلى معاذ بن جبل أن اعرض عليهم هذه الآية فإن فعلوا فلهم رؤوس أموالهم وإن أبوا فآذنهم بحرب
وأخرج أبو يعلى في مسنده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير فذكر القصة بطولها نحوه
وذكر ابن ظفر أن بعضهم ذهل فسمى ابن المغيرة الوليد وزيفه بأن الوليد ما مات 235 حتى سلبه الله المال الممدود
قلت وأقوى في الرد من ذلك أنه كان مات لأن أهل الطائف إنما أسلموا بعد فتح مكة لأن الوليد مات قبل ذلك بدهر طويل و النبي يومئذ بمكة
167 - قوله تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم 279
قال الواحدي قال عطاء و عكرمة نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر لا يبقى لي ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقكما كله فهل لكما أن تأخذا النصف و تؤخرا النصف وأضعف لكما ففعلا فلما حل الأجل طلب الزيادة فبلغ رسول الله فنهاهما عن ذلك و أنزل الله تعالى هذه الآية فقالا سمعا و طاعة وأخذا رؤوس أموالهما
168 - قوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة الآية 280
نقل الواحدي عن ابن الكلبي قال بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم فقال بنو المغيرة نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن ندرك التمر فأبوا ان يؤخروهم فأنزل الله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
وأخرج الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم النخعي في قوله فنظرة إلى
ميسرة قال ذاك في الربا ومن طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في الدين
ومن طريق ابن جريج قال لي عطاء ذلك في الربا و في الدين في كل ذلك
169 - قوله ز تعالى ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله 282
أخرج ابن أبي حاتم بعد نقله عن مجاهد و السدي وجوب الكتابة على ذلك أن سبب 236 ذلك ما أسنده إلى بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال
الكاتب يعني في زمانه إذا كانت له حاجة ووجد غيره يذهب في حاجته و يلتمس غيره و ذلك أن الكتاب في ذلك الزمان كانوا قليلا
170 - قوله ز تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا الآية 282
أخرج عبد بن حميد والطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا قال كان الرجل يطوف في الحواء
العظيم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم فأنزل الله هذه الآية
وأخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال كان الرجل مثله قال في القوم بدل الحواء العظيم و قال فأنزل الله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا
171 - قوله ز تعالى و لا يضار كاتب ولا شهيد 282
قال الطبري حدثت عن عمار نا ابن أبي جعفر يعني الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس قال لما نزلت هذه الآية ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول له اكتب لي فيقول إن لي حاجة فانطلق إلى غيري فيلزمه و يقول إنك قد أمرت أن تكتب لي ولا يدعه و يضارره بذلك وهو يجد غيره وذكر نحو ذلك في الشاهد فأنزل الله تعالى ولا يضار كاتب و لا شهيد
وأسند عن مجاهد وطاووس والضحاك و عكرمة والسدي
وغيرهم نحوه لكن ليس فيه فأنزل الله إلى آخره
172 - قوله ز تعالى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته الآية 283
أخرج ابن ابي حاتم من طريق عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد 237 قال نسخت هذه الآية ما تقدم من الأمر بالإشهاد والرهن
ومن طريق الشعبي لا بأس إذا ائتمنه أن لا يكتب و لا يشهد
173 - قوله ز تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله 284
قيل نزلت في كتمان الشهادة
أسند الطبري من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال نزلت في كتمان الشهادة
هذه رواية الثوري عن يزيد عن مقسم
وفي رواية محمد بن فضيل عن يزيد عن مجاهد عن ابن عباس يعني في الشهادة و سند صحيح عن عكرمة قال في الشهادة إذا كتمها
ومن طريق الشعبي نحوه
ومن طريق جويبر عن عكرمة في كتمان الشهادة وأدائها على وجهها
174 - قوله تعالى آمن الرسول بما انزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن الآية إلى آخر قوله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء 285
أخرج مسلم وأحمد وابن حبان من رواية العلاء بن عبد الرحمن بن
يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله لله ما في السماوات و ما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب وقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق من الصلاة والصيام والصدقة و قد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها فقال أتريدون أن تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا و عصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك 238 المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها آمن الرسول بما انزل إليه من ربه إلى قوله وإليك المصير
175 - قوله ز تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها 286
أخرج مسلم وأحمد وابن حبان في الحديث الذي قبله فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز و جل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة وزاد على التلاوة بعد قوله أو أخطأنا قال نعم وكذا بعد قوله من قبلنا وكذا بعد قوله طاقة لنا به وكذا بعد قوله وارحمنا وكذا في آخر السورة
ووقع في رواية الطبري من وجه آخر عن العلاء بعد أن ساق هذا الحديث باختصار عند قوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال العلاء قال أبي قال أبو هريرة قال رسول الله قال الله نعم ربنا لا تحمل علينا إصرا فساق الآية إلى آخرها قال أبي قال أبو هريرة قال رسول الله قال الله نعم
قلت وقضيته أن في سياق رواية مسلم إدراجا وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية محمد بن إبراهيم البوشنجي عن أمية بن بسطام شيخ مسلم فيه ولفظه
قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا فلما ذلت بها ألسنتهم أنزل الله التي بعدها آمن الرسول إلى قوله إن نسينا أو أخطأنا قال لا أؤاخذكم وساق إلى قوله ما لا طاقة لنا به قال لا أحملكم إلى قوله واغفر لنا وارحمنا
حديث آخر عن ابن عباس أخرج أحمد ومسلم و الطبري من طريق آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه 239 يحاسبكم به الله دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم مثله فقال رسول الله قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الإيمان في
قلوبهم فأنزل الله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة
وفي رواية مسلم لما تلا إلى قوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال قد فعلت وأعاد بعد قوله من قبلنا وبعد قوله أنت مولانا
طريق أخرى عن سعيد بن جبير أخرج الطبري من طريق ورقاء ومحمد بن فضيل فرقهما عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما نزلت آمن الرسول بما أنزل إليه قرأها رسول الله فلما انتهى إلى قوله غفرانك ربنا قال الله قد غفرت لكم فلما قرأ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله لا أؤاخذكم فلما قرأ ولا تحمل علينا إصرا قال لا أحمل عليكم فلما قرأ ولا تحملنا ما لا طلقة لنا به قال الله لا أحملكم فلما قرأ واعف عنا قال الله قد عفوت عنكم فلما قرأ واغفر لنا قال الله قد غفرت لكم فلما قرأ وارحمنا قال الله قد رحمتكم فلما قرأ وانصرنا على القوم الكافرين قال الله قد نصرتكم عليهم
وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق أخرى عن عطاء بن السائب
4 - 649
- نحوه وأخرجه الفريابي في تفسيره عن الثوري عن عطاء بن السائب مقرونا برواية الثوري عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم النخعي وروايته مختصرة
طريق أخرى عن ابن عباس قال عبد الرزاق أنا معتمر بن سليمان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال دخلت على ابن عباس فقلت يا أبا عباس كنت عند ابن عمر فقرأ 240 هذه الآية فبكى قال أية آية فقال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال ابن عباس إن هذه الآية لما نزلت غمت أصحاب رسول الله غما شديدا و غاظتهم غيظا شديدا وقالوا هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا ولا نعمل فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا قال فنسختها هذه الآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى ما اكتسبت وتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال
وأخرجه الطبري من طريق إسحاق بن سليمان عن عبد الرزاق عن جعفر ابن سليمان نحوه طريق أخرى عن ابن عباس قال الطبري حدثني أبو الرداد
المصري عبد الله بن عبد السلام نا أبو زرعة وهب الله بن راشد عن حيوة بن شريح سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول
قال ابن شهاب حدثني سعيد بن مرجانة قال جئت عبد الله بن عمر فتلا هذه الآية إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية ثم قال ابن عمر لئن أخذنا بهذه الآية لنهلكن ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه ثم جئت ابن عباس فذكرت له فقال ابن عباس يغفر الله لأبي عبد الرحمن لقد فرق أصحاب رسول الله منها كما فرق ابن عمر منها فأنزل الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية فنسخ الله الوسوسة وأثبت القول و الفعل
ثم أخرج عن يونس عن ابن وهب عن يونس عن الزهري مثله وقال فيه ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه فقمت حتى أتيت ابن عباس وقال فيه لعمري لقد وجد المسلمون منها 241 حين أنزلت مثل ما وجد فأنزل بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها وصار الأمر إلى أن قضى الله عز و جل أن اللنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول و الفعل
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قرأها ابن عمر فذكر مرسلا وفيه فقام رجل من عنده فأتى ابن عباس فذكر نحوه
طريق أخرى أخرج الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم أن أباه قرأ إن تبدوا ما في أنفسكم الآية فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن فذكر نحوه باختصار و أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري قال قال ابن عباس لما نزلت ضج المؤمنون ضجة فذكره مختصرا و قال فيه إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا عون الوسوسة
وأخرج الطبري من طريق بيان عن حيكم بن جابر قال لما أنزل على النبي آمن الرسول بما انزل إليه من ربه الآية إلى المصير قال له جبريل إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة يعني فأجاب سؤاله
وأخرج الطبري من طريق السدي قال يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست أنفسهم وما عملوا فشكوا ذلك إلى النبي وقالوا والله ما نملك الوسوسة فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها
قلت وأنكر بعضهم نسخها وقالوا يؤاخذهم بها بأن يسألهم عنها يوم القيامة و قيل غير ذلك و ليس من شرط هذا الكتاب
وأخرج الطبري من طريق جويبر عن الضحاك نحو رواية عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس التي تقدمت لكن قال في أوله أتى جبريل فقال يا محمد قل ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا او أخطأنا فقالها فقال جبريل قد فعل و ساق البقية يقول في الجواب فقال جبريل قد فعل ولم يستوعب التفصيل في كل كلمة ومن طريق أسباط عن السدي نحوه
وأخرج عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن السدي حدثني من سمع عليا يقول لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أحزنتنا فقلنا يحدث أحدنا نفسه فنحاسب فلا ندري من يغفر له منا ومن لا يغفر له فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
وأخرج البخاري القصة عن ابن عمر باختصار وكأنه قال ذلك بعد أن سبق من قول ابن عباس ما تقدم ولفظه عن مروان الأصغر عن رجل من أصحاب النبي احسبه ابن عمر قال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه
يحاسبكم به الله قال نسختها الآية التي بعدها
واخرج ابن ابي حاتم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نسختها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
طريق أخرى قال محمد بن يوسف الفريابي نا الثوري وقال عبد بن حميد نا قبيصة نا سفيان عن موسى بن عبيدة عن خالد بن مرثد عن محمد بن كعب قال ما بعث الله من نبي ولا أرسل من رسول أنزل عليهم الكتاب إلا انزل عليه إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء فكانت الأمم تأبى ذلك على أنبيائها فيكفرون ويضلون فلما نزلت على النبي اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم 243 فقالوا يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا و لم تعمله جوارحنا قال نعم فاسمعوا وأطيعوا فذلك قوله آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فوضع الله عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح
وقال الثعلبي روت الرواة بألفاظ مختلفة فقال بعضهم لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار فجثوا على الركب وقالوا والله يا رسول الله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه فقال هكذا أنزلت فقالوا هلكنا وكلفنا من العمل بما لا نطيق قال فلعلكم تقولون كما قال من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا فمكثوا بذلك حولا فأنزل الله آية الفرج والراحة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
قال الثعلبي وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس ومن التابعين وأتباعهم فسرد جماعة انتهى وهذا من عيوب كتابه ومن تبعه عليه يجمعون الأقوال عن الثقات وغيرهم ويسوقون القصة مساقا واحدا على لفظ من يرمى بالكذب أو الضعف الشديد ويكون أصل القصة صحيحا والنكارة في ألفاظ زائدة كما في هذه القصة من تسمية الذين ذكروا وفي كثير من الألفاظ التي نقلت والسياق في هذه بخصوصها إنما هو لبعضهم
طريق أخرى عن ابن عباس تخالف جميع ما تقدم
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال ذاك سر عملك و علانيته يحاسبه الله به و ليس من عبد 244 مؤمن يسر في نفسه خيرا فيعمل به فإن عمل به كتبت له عشر حسنات وإن هو لم يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن وإن كان أسر في نفسه سوءا وحدث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر فإن هو لم يعمل لم يؤاخذه الله به وإن هو عمل به تجاوز الله عنه كما قال أولئك الذين
نتقبل عنهم أحسن ما عملوا و نتجاوز عن سيئاتهم
ومن طريق مقاتل بن حيان أنه بلغه إن ابن عباس كان يقول إذا دعي الناس إلى الحساب يحاسب العبد بما عمل و ينظر في عمله فيخبره الله بما أبدى منه و بما أخفاه في نفسه و لم يعمله و لم تكن الملائكة تطلع عليه و لكن الله حاسبهم بما أسروا في أنفسهم فلم يطلع عليه أحد
176 - قوله تعالى ولا تحمل علينا إصرا 286
قال ابن الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطأوا عجلت لهم العقوبة فحرم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق فيض بن إسحاق الرقي قال قال الفضيل في قوله تعالى لا تحمل علينا إصرا الآية قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب الذنب قيل له توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه فوضعت الآصار عن هذه الأمة
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح في قوله كما حملته على الذين من قبلنا قال لا تمسخنا قردة وخنازير
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد قال لا تلزمنا ذنبا لا توبة فيه ولا كفارة
ومن طريق محمد بن شعيب بن شابور عن عمه قال المراد به الغلمة
244 - وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الوليد بن مسلم عن ابن شابور عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال الأنعاظ
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف إلى الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال ما لا طاقة لنا به هو الحب قال الثعلبي وقيل الفرقة وقيل القطعية وقيل شماتة الأعداء انتهى
والأولى كما قال الطبري الحمل على العموم لكن فيما كان ألزم به من كان قبلنا من التكاليف والله أعلم
قال الطبري عن المثنى بن إبراهيم نا أبو نعيم نا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذا كان إذا فرغ من هذه السورة فقال وانصرنا على القوم الكافرين قال آمين
آخر ما في سورة البقرة

سورة آل عمران 177 -
ذكر سبب نزول صدرها أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس أن النصارى أتوا النبي يخاصمونه في عيسى بن مريم فادعوا الكذب وقالوا من أبوه فقال لهم النبي ألستم تعلون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه إباه قالوا بلى قال ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء قالوا بلى قال ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلأه ويحفظه ويرزقه قالوا بلى قال فهل يملك عيسى شيئا من ذلك قالوا لا قال ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قالوا بلى قال أفكذلك عيسى قالوا لا قال فإن ربنا صير عيسي في الرحم كيف شاء ألستم تعلمون أن أمه حملته كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة ثم غذي بالطعام كما يغذى الصبي
245 - ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث والله بخلاف ذلك قالوا بلى قال فكيف الذي زعتم فعرفوا ثم أبوا إلا جحودا وأنزل الله عز و جل ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلى قوله العزيز الحكيم
وأخرجه الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير نحوه وأتم منه وفيه تسمية رؤساء وفد نجران
178 - قوله ز تعالى إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد الآية 4
قال مقاتل بن سليمان نزلت في اليهود منهم حيي وجدي وأبو ياسر بنو أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وزيد بن التابوت
179 - قوله ز تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ
فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الآية
7 - ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس المتشابه حروف التهجي في اوائل السور ولك أن رهطا من اليهود حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراءهما أتوا النبي فقال له حيي بلغنا أنه أنزل عليك ألم أنشدك الله أأنزلت عليك قال نعم قال فإن كان ذلك حقا فإني أعلم مدة ملك أمتك هو إحدى وسبعون سنة فهل أنزل عليك غيرها قال نعم المص قال هذه أكثر من تلك هي إحدى وستون ومئة سنة فهل غيرها قال نعم الر قال هذه اكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة فهل غيرها قال نعم المر قال هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة ولقد خلطت
246 - علينا فلا ندري بقليله نأخذ أم بكثيره ونحن لا نؤمن بهذا فأنزلالله عز و جل هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات الآية
وقال مقاتل بن سليمان في قوله وأخر متشابهات قال هي الكلمات الأربع ألم والمص والمر والر شبه على اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين قال والراسخون في العلم هم عبد الله بن سلام وأصحابه يقولون آمنا به وهم الذين قالوا ربنا لا تزع قلوبنا إلى قوله الميعاد
2 - قول آخر قال مقاتل بن حيان هم وفد نجران خاصموا النبي في عيسى فقالوا ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه قال بلى قالوا فحسبنا فأنزل الله تعالى هذه الآية
3 - قول آخر أخرج البخاري من طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة قالت تلا رسول الله هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات إلى أولي الألباب وقالت قال رسول الله فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ثلاثتهم عن القعنبي عن يزيد
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الوليد عن يزيد وحماد بن سلمة عن
ابن أبي مليكة بلفظ سئل رسول الله عن قول الله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه فقال إذا رأيتم فذكره
وأخرجه الترمذي عن بندار عن أبي الوليد بدون ذكر حماد وقال تفرد يزيد بذكر القااسم فيه بين عائشة 247 وابن أبي مليكة ورواه غير واحد ابن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكروا فيه القاسم
قلت وقد وافقه حماد بن سلمة في إحدى الروايتين عنه كما تقدم من طريق ابن أبي حاتم
وكذا أخرجه الطبري من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة وقد أغرب الوليد بن مسلم فرواه عن حماد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أخرجه الطبري من طريقه ومن طريقه أيضا عنه عن نافع بن عمر عن ابن أبي ملكية عن عائشة والذي يظهر أن حماد بن سلمة كان يتنوع في إيراده
فإن كان حفظه فالطرق كلها صحيحة وأخرج الإمام أحمد عن أبي كامل عن حماد بن سلمة عن أبي غالب سمعت أبا أمامة يحدث عن النبي في قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه قال هم الخوارج
وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق حميد الخياط عن أبي غالب عن أبي أمامة كذلك
وأصله عند الترمذي وغيره من حديث أبي أمامة وفيه قصة نصب رؤوس الخوارج على درج دمشق وهذا من علامات النبوة فإن الخوارج أول من
تبع ما تشابه منه وابتغوا بذلك الفتنة فقتلوا من أهل الإسلام ما لا يحصى كثرة وتجنبوا قتل أهل الشرك وأخبارهم في ذلك شهيرة ولك ورد في عدة أحاديث صحيحة أنهم شر الخلق والخليقة وذكر الخوارج نبه به الحديث المذكور على من ضاهاهم في اتباع المتشابه وابتغاء تأويله فالآية شاملة لكل مبتدع سلك ذلك المسلك
قال ابن جرير المراد بالذين في قلوبهم زيغ كل مبتدع بدعة تخالف ما مضى
عليه رسول الله
248 - فتأول بعض الآيات المحتملة التأويل ما يشيد به بدعته
ثم أسند عن قتادة نحو ذلك
ثم أسند من طريق الحارث بن يعقوب عن أيوب عن ابن أبي ملكية عن عائشة قالت قرأ رسول الله هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات الآية كلها فقال رسول الله إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم
ورجح الطبري قول من قال من المفسرين إن المراد باتباع الفتنة في الآية اتباع الشبهات واللبس ليروج بذلك الباطل الذي ابتدعه وأطلق على ذلك فتنة
لأنه يؤول إليها نسأل الله السلامة والعافية
180 - قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد 12
1 - قال ابن إسحاق في المغازي رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد مولي زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس لما أصاب رسول الله قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال يا معشر اليهود احذروا من الله ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم فقالوا يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون الآية
وقال ابن إسحاق أيضا في رواية سلمة بن الفضل عنه عن عاصم بن عمر ابن قتادة قال فلما أصاب الله قريشا 249 يوم بدر جمع رسول الله يهود في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة فذكر نحوه
وفي تفسير سنيد حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة في هذه الآية
قل للذين كفروا ستغلبون قال فنحاص اليهودي في يوم بدر لا يغرن محمدا إن غلب قريشا وقتلهم قريشا لا تحسن القتال فنزلت
وقال ابن ظفر يحسن أن يقال لما شمت اليهود بالمسلمين يوم أحد قيل لهم ستغلبون وتحشرون إلى جهنم يعني على القراءة بالياء المثناة التحتانية فيهما
قول آخر وقال الثعلبي قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة ومن طريق مجاهد قالا أنزلت في محمد وأصحابه ومشركي قريش يوم بدر أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله المشركين يوم بدر هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وأنه لا ترد له راية وأرادوا اتباعه فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحابه شكوا وقالوا ما هو به فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبينه عهد فنقضوه وانطلق كعب بن الأشرف إلى أبي سفيان بمكة فوافقهم أن يكونوا كلمة واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فنزلت
وقال مقاتل بن سليمان في
قوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين التقتا نزلت في بني قينقاع من اليهود توعدوا المسلمين بالقتال فنزلت
181 - قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء الآية والتي بعدها 14 - 15
قال ابن ظفر قيل إن وفد نجران لما دخلوا المدينة تزينوا بأحسن زي 250 فتشوقت نفوس رجال من فقراء المسلمين إليهم فنزلت
وقال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير دخلوا المسجد العصر وهم في جمال رجال بني الحارث وعليهم الحبرات
182 - قوله تعالى قل أؤنبئكم بخير من ذلكم الآية 15
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن أبي بكر بن حفص قال لما نزلت زين للناس حب الشهوات الآية قال عمر الآن يا رب زينتها لنا فنزلت قل أؤنبئكم
183 - قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو الآية 18
ذكر الثعلبي عن ابن الكلبي قال قدم حبران من أحبار الشام على النبي فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة والنعت فقالا أنت محمد قال نعم قالا وأنت أحمد قال أنا محمد وأحمد قالا فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك قال سلا قالا فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز و جل فأنزل الله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو فأسلم الرجلان
184 - قوله تعالى وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم الآية 19
1 - أخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس في هذه الآية قال قال أبو العالية بغيا أي طلبا للملك قال الربيع وذلك أن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة وجعلهم أمناء عليه كل حبر جزءا منه واستخلف موسى يوشع بن نون فلما مضى القرن الأول
والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم من أبناء 251 السبعين حتى اهراقوا الدماء بينهم ووقع الشر والاختلاف وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا وطلبا لسلطانها وزخرفها فسلط الله عليهم الجبابرة
قول آخر أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير في هذه الآية قال المراد بهم النصارى وسيأتي بقية كلامه في التي بعدها
3 - ونقل الثعلبي عن بعضهم إن المراد أهل الكتاب في نبوة محمد بعد أن وجدوا نعته وصفته في كتبهم فكفروا به حسدا
4 - قول آخر نقل الثعلبي عن ابن الكلبي قال نزلت في اليهود والنصارى حين تسموا بهذين الاسمين وتركوا اسم الإسلام
185 - قوله تعالى فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني الآية 20
قال ابن الكلبي لما نزلت إن الدين عند الله الإسلام قالت اليهود والنصارى لسنا على ما تسمينا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية ليست لنا والدين هو الإسلام ونحن عليه فأنزل الله تعالى فإن حاجوك أي خاصموك في الدين فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم قال فقالوا أسلمنا فقال لليهود أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله فقالوا لا فنزلت وإن تولوا فإنما عليك البلاغ
186 -
قوله ز تعالى ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس الآية
21 -
أخرج عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن معقل بن أبي مسكين قال كان الوحي يأتي بني إسرائيل ولم يكن يأتيهم كتاب فيقوم الذين يوحى إليهم فيذكرون قومهم فيقتلونهم فيقول رجال ممن اتبعهم وصدقهم 252 فيذكرون قومهم فيقتلونهم فنزلت فيهم ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من
الناس
قال مقاتل بن سليمان كان الذي يصنع ذلك ملوك بني إسرائيل وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح أن النبي قال قتلت بنو إسرائيل في ساعة واحدة من أول النهار ثلاثة وأربعين نبيا فقام مئة واثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله في كتابه وأنزل الآية فيهم
أخرجه الطبري وابن أبي حاتم والثعلبي كلهم من طريق محمد بن حمير الحمصي
عن أبي الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عنه وقد ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه ما نصه أبو الحسن الأسدي روى عنه أبو كريب مجهول فما أدري هو هذا أو غيره
187 - قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية23
1 - قال ابن إسحاق في المغازي رواية يونس بن بكير عنه عن محمد عن سعيد وعكرمة عن ابن عباس قال دخل رسول الله بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد فقال فقالا على ملة إبراهيم ودينه فقالا إن إبراهيم كان يهوديا فقال لهما فهلموا إلى التوراة فهي بدينا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب الآية
أخرجه الطبري وهكذا ذكره الثعلبي عن سعيد وعكرمة عن ابن عباس والصواب أن هذه الرواية ترد دائما بالشك وهو من ابن إسحاق أو من شيخه محمد بن أبي محمد 253
2 - قول آخر نقل الطبري عن قتادة وابن جريج أن المراد بالكتاب القرآن ثم ساق الرواية عنهما بذلك ولفظهما الكتاب وهو يحتمل أن يراد به التوراة فيرجع إلى الأول نعم وقع في تفسير جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية قال جعل الله القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه وهم يجدونه مكتوبا عندهم
3 - قول آخر أخرج الطبري من طريق السدي قال دعا النبي اليهود إلى الإسلام فقال له نعمان بن أبي أوفى هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال مقاتل بن سليمان نزلت في كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد ومالك بن الصيف و نعمان بن أبي أوفى وبحري بن عمرو وأبو نافع بن
قيس وأبو ياسر بن أخطب وذلك أن النبي قال لهم أسلموا فقالوا نحن أهدى وأحق بالهدى منكم وما أرسل الله نبيا بعد موسى فقال آخرجوا التوراة نتبع نحن وأنتم ما فيها فأبوا فنزلت هذه
4 - قول آخر قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا فذكر القصة الآتية في سورة المائدة وفيها فحكم عليهما بالرجم فقال له نعمان بن أبي أوفى وبحري بن عمرو جرت علينا يا محمد فقال بيني وبينكم التوراة القصة وفيها ذكر ابن صوريا وفي آخرها فأنزل الله تعالى ألم تر إلى لذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله وهم معرضون
188 - قوله تعالى قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات 24
تقدم في تفسير سورة 254 البقرة
189 - قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء الآية 26
قال إسحاق بن راهوية وعبد بن حميد جميعا عن روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ذكر لنا أن نبي الله سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في
أمته فأنزل الله عز و جل هذه الآية
وبهذا جزم مقاتل بن سليمان فقال سأل رسول الله ربه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته
وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال لما افتتح رسول الله مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم فنزلت
وذكر الثعلبي هنا حديث عمرو بن عوف المزني في قصة ضرب الصخرة بالخندق وفي آخره ونزل قوله تعالى وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا في ذلك ونزل قوله تعالى قل اللهم مالك الملك في ذلك
قلت وحديث عمرو أخرجه البيهقي وغيره وليس في آخره ونزل قوله
تعالى اللهم مالك الملك ونورده في تفسير سورة الأحزاب
190 - قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية 28
1 - ذكر الثعلبي عن ابن عباس كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم فأبى أولئك النفر مباطنتهم وملازمتهم 255 فأنزل الله عز و جل فيهم هذه الآية
2 - قول آخر قال مقاتل بن سليمان نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار مكة فنهاهم الله عن ذلك
3 - قول آخر قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في عبد الله ابن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار يرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنون عن مثل
فعلهم
4 - قول آخر ذكر جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس نزلت في عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فلما خرج النبي يوم الأحزاب قال عبادة يا نبي الله إن معي خمسمئة رجل من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فأنزل الله عز و جل لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء الآية
191 - قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية 31
1 - قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن اليهود لما قالت نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله الآية فلما نزلت عرضها رسول الله فأبوا أن يقبلوها
وقال مقاتل بن سليمان لما دعا النبي كعب بن الأشرف وأصحابه إلى الإسلام قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ولنحن أشد حبا لله مما تدعونا إليه فنزلت قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
2 - قول آخر قال محمد بن إسحاق في المغازي حدثني محمد بن جعفر ابن الزبير قال نزلت في نصارى أهل نجران وذلك أنهم قالوا إنما نعظم المسيح ونعبده
حبا لله وتعظيما له 256 فقال الله قل إن كنتم
3 - قول آخر ذكر سنيد في تفسيره عن حجاج عن ابن جريج قال زعم أقوام على عهد رسول الله أنهم يحبون الله فقالوا يا محمد إنا نحب ربنا فنزلت وجعل اتباع نبيه علما لحبه
4 - قول آخر ذكر جوبير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال وقف النبي على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل فقالوا يا محمد إنا نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى
فقال أنا رسول الله إليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام
قلت وهذا من منكرات جويبر فإن آل عمران مدنية وهذه القصة إنما كانت بمكة قبل الهجرة ولعل الذي نزل فيهما في أوائل الزمر
192 - قوله ز تعالى قل أطيعوا الله والرسول الآية 32
1 - نقل الثعلبي أن عبد الله بن أبي لما نزل قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني قال لأصحابه إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نعبده كم تعبد النصارى عيسى بن مريم فنزلت قل أطيعوا الله والرسول الآية
2 - وقال مقاتل بن سليمان نزلت في اليهود
قلت وهذا هو الراجح
193 - قوله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية 59
قال عبد بن حميد حدثنا روح بن عبادة عن عوف الأعرابي عن الأزرق بن قيس قال جاء أسقف نجران والعاقب إلى رسول الله فعرض عليهما الإسلام فقالا قد كنا 257 مسلمين قبلك فقال كذبتما منع الإسلام منكما ثلاث قولكما اتخذ الله ولدا وسجودكما للصليب وأكلكما لحم الخنزير قالا فمن أبو عيسى فلم يرد عليهما فأنزل الله عز و جل إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية
وعن سعيد عن قتادة ذكر لنا أن سيدي أهل نجران قالا لكل آدمي أب فما بال عيسى لا أب له فنزلت
وأسند الطبري وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال إن رهطا من أهل نجران فيهم السيد والعاقب قدموا على النبي فقالوا ما شأنك تذكر صاحبنا أي عيسى تزعم أنه عبد الله قال أجل إنه عبد الله قالوا فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل بأمر الله فقال قل لهم إذا أتوك إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية
ومن طريق مغيرة عن عامر هو الشعبي قال كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى في عيسى قولا فكانوا يجادلون النبي فيه فنزلت
ومن طريق أسباط عن السدي قال لما سمع أهل نجران بالنبي أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم منهم العاقب والسيد وماسرجس وما ربحن فسألوه ما تقول في عيسى فقال هو عبد الله وروحه وكلمته فقالوا ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب فنزلت
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج بلغنا أن نصارى أهل نجران قدم
وفدهم فيهم السيد والعاقب وهما 258 سيداهم يومئذ فقالا يا محمد فيم تشتم صاحبنا عيسى تزعم أنه عبد فقال أجل إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم فغضبوا وقالوا إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيى الموتى ويبرىء الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه لكنه الله فسكت حتى أتاه جبريل فقال يا محمد لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم فقال يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى فقال إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية
ومن طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال
فإن قالوا كيف خلق عيسى من غير ذكر فقد خلقت آدم من تراب بتلك القدرة من غير ذكر ولا أنثى فكان كما جاء عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا فليس خلق عيسى من غير ذكر باعجب من خلق آدم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مبارك بن فضالة سمعت الحسن البصري يقول أتى راهبا نجران رسول الله فذكر نحو رواية الأزرق بن قيس لكن قال فنزل عليه ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر
الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية إلى الممترين
وسمى مقاتل بن سليمان فيهم الحارث وقيسا وابنيه وخالدا وخليدا وعمرا
194 - قوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم الآية 61
قال ابن إسحاق في السيرة الكبرى رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن جعفر بن الزبير فذكر قصة وفد أهل نجران وما قالوه ونزل فيهم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى قوله فمن حاجك 259 فيه إلى قوله بالمفسدين قال فلما أتى رسول الله الخبر من الله وفصل القضاء بينه وبينهم وأنهم إن ردوا ذلك لاعنهم دعاهم إلى ذلك فقالوا يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم فإن أبيتتم إلا إلف دينكم والإقامة عليه فوادعوا هذا الرجل وانصرفوا فأتوا النبي فقالوا قد رأينا أن لا نلاعنك فذكر قصة بعثه معهم أبا عبيدة بن الجراح ليفصل بينهم في أمور اختلفوا فيها من أموالهم
ولابن إسحاق في هذه القصة سند آخر موصول أخرجه أبو بكر بن مردويه في
التفسير من طريق أخرى عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله فذكر القصة وفيها أن أشرافهم كانوا اثني عشر رجلا
وأخرج البخاري أصل هذه القصة في الصحيح في أواخر المغازي من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول الله يريد أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله إن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا نعطيك ما سألتنا فابعث معنا رجلا أمينا الحديث
260 - وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق علي بن مسهر وابن شاهين وابن مردويه في التفسير من طريق بشر بن مهران كلاهما عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال قدم على النبي العاقب والطيب فدعاهما
إلى الملاعنة فوعداه على أن يغادياه الغداة فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا وأقرا له بالخراج فقال والذي بعثني بالحق لو قالا لأمطر عليهم الوادي نارا قال جابر فيهم نزلت فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم الحديث
ولأخره شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم في أثناء حديث أصله البخاري والترمذي والنسائي
ولفظه عند الحاكم ولو خرج الذين يباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون إبلا ولا مالا
ولفظ معمر لو خرج الذين يباهلون مثله
وفي تفسير سئيدة عن ابن جريج والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلا أهلكه الله
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران والملاعنة مطولة في نحو ورقة كبيرة من طريق يونس بن بكير في المغازي من زياداته على ابن إسحاق قال يونس عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده وكان نصرانيا فأسلم إن رسول الله كتب إلى أهل نجران يدعوهم إلى الإسلام وفيه إرسالهم وفدا اختاروهم وفيه فساءلهم وسألوه إلى أن انتهت به المسألة أن قالوا ما تقول في عيسى فقال أقيموا حتى أخبركم فافتتح الصلاة وأنزل الله عليه إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى قوله فنجعل 261 لعنة الله على الكاذبين فقصها عليهم فأبوا أن يقروا بذلك فأصبح رسول الله فأقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة فذكر أنهم رضوا أن يحكموه ورضوا بما حكم به عليهم من المال في كل سنة
ومن مستغربات مقاتل بن سليمان أنه نقل في هذه القصة أن عمر قال للنبي لو لاعنتهم بيد من كنت تأخذ قال بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة
وقد ساق الطبري آخر هذه القصة بما فيها من الزيادة عما قبلها فأخرج من طريق مغيرة عن عامر وهو الشعبي قال فلما أمر النبي بملاعنتهم بقوله فمن حاجك فيه فتواعدوا أن يلاعنوه الغد فانطلق السيد والعاقب ومن تبعهما إلى رجل منهم عاقل فذكروا له ما عزموا عليه فقال بئس ما صنعتم وندمهم وقال إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يعصيه الله فيكم وإن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم قالوا فكيف بنا وقد واعدنا قال إذا غدوتم عليه فعرض عليكم الملاعنة فقولوا نعوذ بالله فلعله يعفيكم قال فغدا النبي محتضنا حسينا آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي ملتفة فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس فقالوا نعوذ بالله ثم دعاهم فقالوا نعوذ بالله مرارا قال فإن أبيتم فأسلموا فإن أبيتم فأعطوا
الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء فقالوا لا طاقة لنا بحرب العرب ولكن نؤدي الجزية قال فجعل عليهم ألفي حلة ألفا في رجب وألفا في صفر 262 وقال النبي لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة
ومن طريق السدي قال فأخذ النبي بيد الحسن والحسين وفاطمة وقال لعلي اتبعنا فلم يخرج النصاري وصالحوه فقال رسول الله لو خرجوا لاحترقوا ومن طريق علباء بن أحمد اليشكري فقال شاب منهم لا تلاعنوا أليس عهدكم بالأمس بإخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير
195 - قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الآية 64
قال الثعلبي قال المفسرون قدم وفد نجران فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فقالوا يا محمد إنا اختلفنا في إبراهيم فزعمت اليهود أنه كان يهوديا وهم على دينه وهم أولى الناس به وزعمت النصارى أنه كان نصرانيا وهم على دينه وهم أولى الناس به فقال النبي كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان حنيفا ومسلما فقالت اليهود يا محمد ما نريد أن نتخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا فأنزل الله عز و جل قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم انتهى وإطلاقه على قائل هذا مع ضعفه أنه قول المفسرين مما ينكر
عليه فإن هذه الآية الأولى أنزلها الله في قصة وفد نجران قبل أن يقع اجتماعهم باليهود فلما أبوا وبذلوا الجزية واطمأنوا اجتمعوا بيهود المدينة عند النبي أو فيما بينهم فتجادلوا إلى أن ذكروا إبراهيم ونزلت الآيات التي بعدها في إبراهيم وسيأتي سياق ذلك واضحا 263 في الذي بعده
196 - قوله ز تعالى قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده إلى قوله ولكن كان حنيفا مسلما 65 - 67
1 - قال ابن إسحاق في السيرة دعا النبي أهل نجران إلى النصف وقطع عنهم الحجة قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى قوله مسلمون فأبوا فنزل ما بعدها
ثم أسند عن محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند النبي فتنازعوا عنده فقال الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فنزلت يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم الآية
ومن طريق السدي نحوه ولم يذكر مكان اجتماعهم
2 - وأخرج عبد بن حميد والطبري من طريق قتادة ذكر لنا أن نبي الله دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء وهم الذين حاجوه في إبراهيم وزعموا أنه كان يهوديا فأكذبهم الله تعالى ونفاهم منه فقال يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال قال كعب يعني ابن الأشرف وأصحابه إن إبراهيم منا وموسى منا والأنبياء منا فأنزل الله عز و جل ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا الآية وبنحوه ذكر مقاتل بن سليمان وقال قال رؤساء اليهود كعب بن الأشرف وأبو ياسر وأبو الحقيق وزيد بن تابوت ونصارى نجران كان إبراهيم والأنبياء على ديننا القصة
وأخرج سنيد من طريق ابن جريج قال بلغنا أن نبي الله 264 دعا يهود المدينة إلى الإسلام وقوله تعالى تعالوا إلى كلمة سواء بينناا وبينكم فأبوا عليه فجاهدهم أخرجه الطبري
ومن طريق الربيع بن أنس ذكر لنا أن النبي دعا اليهود إلى كلمة السواء واختار الطبري أنها نزلت في الفريقين معا يهود المدينة وأهل نجران
وقال الطبري حدثني إسحاق بن شاهين نا خالد الواسطي عن داود هو بن أبي هند عن عامر هو الشعبي قال قالت اليهود إبراهيم على ديننا وقالت النصارى إبراهيم على ديننا فأنزل الله ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا فبرأه الله منهما
197 - قوله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي الآية 68
1 - نقل الثعلبي والواحدي عن ابن عباس إن رؤساء اليهود قالوا يا محمد لقد علمت أنا أولى بإبراهيم منك ومن غيرك وأنه كان يهوديا وما بك إلا الحسد فأنزل الله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم الآية
2 - وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أنه لما أن خرج أصحاب رسول الله إلى النجاشي انتدب لهم عمرو بن
العاص وعمارة بن أبي معيط كذا قال وإنما هو عمارة بن الوليد بن المغيرة أرادوا عنتهم والبغي عليهم فقدموا على النجاشي فأخبروه أن هؤلاء الرهط وصادرهم الذين قدموا عليك من أهل مكة إنما يريدون أن يخبلوا عليك ملكك ويفسدوا عليك أرضك ويشتموا ربك فأرسل إليهم فذكر القصة مطولة وفيها إن الذي خاطبهم من المسلمين حمزة وعثمان بن مظعون فقال النجاشي لما سمع كلامهم لا دهوره 265 أي لا خوف على حزب إبراهيم فقال عمرو من هم حزب إبراهيم قال هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن أتبعه فأنزلت ذلك اليوم يوم خصومتهم على رسول الله إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهذا النبي الآية
قلت وقصة عمرو بن العاص وجعفر بن أبي طالب عند النجاشي مروية من طرق متعددة
منها في السيرة لابن إسحاق من طريق محمد بن مسلم الزهري
ومنها في الثعلبي مطولة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
ومنها في الطبراني من طريق جعفر بن أبي طالب
وليس في شيء منها نزول هذه الآية في هذه القصة وقد خلط الثعلبي رواية الكلبي برواية شهر مع رواية ابن إسحاق وساقها بطولها مساقا واحدا وهو من عيوب كتابه حيث يخلط الصادق بالكاذب بالمحتمل فيوهم أن الجميع من رواية الصادق وليس كذلك
198 - قوله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم 69
تقدم في قوله تعالى في سورة البقرة ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا الآية حكاه الثعلبي وقال مقاتل بن سليمان نزلت في عمار بن ياسر وحذيفة وذلك أن اليهود جادلوهما ودعوهما إلى دينهم وقالوا إن ديننا خير من دينكم ونحن أهدى سبيلا فنزلت
199 - قوله تعالى يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل 71
قال محمد بن إسحاق في السيرة حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد 266 ولا الحارث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نجيء نؤمن بما أنزل الله على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ويرجعون عن دينهم فأنزل الله تعالى فيهم لم تلبسون الحق بالباطل
وقال مقاتل بن سليمان قال كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف لسفلة اليهود آمنوا معهم نهارا فذكر القصة
300 - قوله تعالى وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار وأكفروا آخره لعلهم يرجعون 72
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي قال كان أحبار
قرى عربية اثني عشر حبرا فقالوا لبعضهم ادخلوا في دين محمد أول النهار وقولوا نشهد أن محمدا حق صادق فإذا كان آخر النهار فاكفروا به وقولوا إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا أنه كاذب وليس على شيء وإنكم لستم على شيء وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم لعلهم يشكون يقولون هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم فأخبر الله عز و جل رسوله بذلك
ومن طريق أبي مالك الغفاري نحوه باختصار وفي آخره فاطلع على سرهم وأنزل وقالت طائفة من أهل الكتاب الآية
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن السدي عن أبي مالك نحو الأول بتمامه
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال كانوا يكونون مع النبي أول النهار يكلمونه ويمارونه فإذا أمسوا وحضرت الصلاة
كفروا به وتركوه
ومن طريق العوفي عن 267 ابن عباس قال طائفة من اليهود لبعضهم إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخر النهار فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهو أعلم منا لعلهم ينقلبون عن دينهم
201 - قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء الآية 73
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال الله تعالى لنبيه قل إن الهدى هدى الله تقول اليهود فعل الله بنا كذا وكذا من إكرامه حتى أنزل المن والسلوى فنزل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
202 - قوله تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك الآية 75
قال مقاتل بن سليمان الفرقة الأولى مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه والفرقة الثانية كفار اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه يقول منهم من يؤدي الأمانة ولو كثرت ومنهم من لا يؤدي الأمانة ولو قلت
وعن جويبر بن الضحاك عن ابن عباس الأول عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومئتي أوقية من ذهب فأداه إليه فمدحه الله والثاني فنحاص بن عازورا أودعه رجل من قريش دينارا فخانه فيه
وقال الثعلبي قال أكثر المفسرين نزلت في اليهود وقد علم أن الناس كلهم كذلك فيهم الأمين والخائن وإنما حذر الله المؤمنين أن يغتروا بأهل الكتاب لأنهم يستحلون مال المؤمن
قلت وسيأتي بيان ذلك في الذي بعده قال وفي بعض التفاسير إن الذي يؤدي الأمانة هم النصارى وإن الذي لا يؤديها هم اليهود
203 - قوله تعالى ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم 278 يعلمون 75
أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس إن أهل الكتاب كانوا يقولون ليس علينا جناح فيما أصبنا من أموال هؤلاء لأنهم أميون
أخرج سنيد من طريق ابن جريج قال بايع اليهود ورجال في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم فقالوا ليس لكم علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه وادعوا أنهم وجدواا ذلك في كتابهم قال الله تعالى ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون يعني اليهود
وهو عند مقاتل بن سليمان بنحوه
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ليس علينا في الأميين يعنون من ليس من أهل الكتاب أخرجه الطبري من طريقه هكذا مختصرا ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قالت اليهود ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل
ومن طريق السدي كان يقال له مالك لا تؤدي أمانتك فيقول ليس علينا حرج في أموال العرب قد أحلها الله لنا
ومن طريق القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير لما نزلت ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل قال النبي كذب أعداء الله كل شيء
موضوع إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر
204 - قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية 77ة
1 - قال مقاتل بن سليمان يعني رؤوس اليهود
وقال الحسين بن داود المعروف بسنيد في تفسيره حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال نزلت هذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وغيرهم 269 من رؤوس اليهود كتموا ما عهد الله إليهم في التوارة من نبوة محمد وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم المآكل التي كانت لهم على اتباعهم
2 - وبه إلى ابن جريج قال وقال آخرون إن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها بتعززه في الجاهلية فقال النبي للرجل أقم بينتك فقال ليس يشهد لي أحد على الأشعث قال فلك يمينه فقدم الأشعث يحلف فأنزل الله هذه الآية فنكل الأشعث وقال إني أشهدكم الله وأشهد له إن خصمي صادق فرد إليه أرضه وزاده من أرض
نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقه فهي لعقب ذلك الرجل بعده
قلت كذا وقع في هذه الرواية المرسلة والحديث مخرج في الصحيحين والسنن الأربعة ومسند أحمد من طرق عن منصور والأعمش وغيرهما عن شقيق عن الأشعث منها لأحمد نا أبو معاوية نا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله من حلف على يمين هو فيها فاجر الحديث فقال الأشعث في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال لي ألك بينة قلت لا فقال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذا يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية
وفي رواية عاصم عن شقيق فجاء الأشعث فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن فحدثناه 270 فقال كان في والله هذا الحديث خاصمت ابن عم لي فذكره وفيه في بئر بدل أرض وفيه مالي بينه وإن تجعلها بيمينه يذهب ببئري إن خصمي رجل فاجر قال فقال من اقتطع مال امرىء مسلم الحديث وقرأ هذه الآية
ووقع نحو ذلك في حديث عدي بن عميرة عند النسائي ولفظه خاصم رجل من كندة امرأ القيس بن عابس الحضرمي في أرض الحديث وفيه فقال الحضرمي أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهب أرضي ورب الكعبة فذكر الحديث وتلا رسول الله إن الذين يشترون الآية وفي آخره فقال امرؤ القيس ما لمن تركها يا رسول الله قال الجنة قال فأشهدك أني قد تركتها
وهكذا في أكثر الطرق أن النبي تلا الآية عقب الحديث وصرح في
رواية الأعمش بقوله فأنزل الله تعالى وكذلك ذكرها جرير عن منصور عن شقيق عند البخاري وغيره كما صرح في رواية عكرمة المرسلة بذلك وللمتن شواهد من حديث أبي داود وأبي أمامة بن ثعلبة وغيرهما ليس فيه سبب النزول
3 - سبب أخر أخرج البخاري وأحمد والطبري من طريق العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق 271 فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع رجلا من المسلمين فنزلت هذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية
وله شاهد مرسل أخرجه الطبري من طريق الشعبي بسند صحيح إليه أن رجلا أقام سلعة أول النهار فلما كان آخره جاء رجل يشتري فحلف لقد منعها أول النهار من كذا ولولا المساء ما باعها به فأنزل الله هذه الآية وبه إلى داود عن رجل عن مجاهد نحوه
4 - سبب آخر قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن أناسا من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابتهم سنة فأتوا كعب بن
الأشرف يستميرونه فسألهم كعب هل تعلمون أن هذا الرجل يعني رسول الله في كتابكم قالوا نعم وما تعلمه أنت قال لا قالوا فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله قال كعب لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا قالوا فإنه شبه لنا فرويدا حتى نلقاه فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته ثم أتوا النبي فكلموه ثم رجعوا إلى كعب فقالوا قد كنا نرى أنه هو فأتيناه فإذا هو ليس بالنعت الذي نعت لناا وأخرجوا النعت الذي كتبوه ففرح كعب بذلك ومارهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وسبق نظيرها في البقرة إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار الآية
5 - وقال ابن الكلبي أيضا عن أبي صالح باذان عن ابن عباس نزلت في امرئ القيس 272 ابن عابس استعدى عليه عيدان بن أشوع في أرض ولم يكن له بينة فأمره رسول الله أن يحلف الحديث
205 - قوله ز تعالى وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب الآية 78
1 - نقل الثعلبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس نزلت في اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل وضربوا كتاب الله بعضه ببعض وألحقوا به ماليس منه وأسقطوا منه الدين الحنيف
2 - وأخرج الطبري من طريق قتادة إنهم اليهود حرفوا كتاب الله وابتدعوا
فيه وزعموا أنه من عند الله
ومن طريق الربيع بن أنس مثله
ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه وقال كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله
وقال مقاتل بن سليمان هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبو ياسر وحيي ابنا أخطب وسعية بن عمرو يلوون ألسنتهم بالكتاب يحرفونه كتبوا غير نعت محمد وحذفوا نعته ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله
206 - قوله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله الآية 79
1 - أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو نافع القرظي حين اجتمعت الأحبار
من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى فقال رجل من أهل نجران يقال له الرئيس أو ذاك تريد يا محمد وإليه 273 تدعونا فقال معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني أو كما قال فأنزل الله في ذلك من قولهما ما كان لبشر
وذكره الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نحوه فقال معاذ الله أن نعبد غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت
2 - ومن طريق سنيد ثم عن ابن جريج كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم بتحريفهم كتاب الله عن موضعه فنزلت
3 - قول آخر أخرج عبد بن حميد عن روح عن عوف عن الحسن بلغني أن رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فأنزل الله عز و جل هذه الآية إلى قوله بأنا مسلمون
4 - قول آخر قال مقاتل بن سليمان ما كان لبشر يعني عيسى بن مريم و الكتاب الإنجيل ونقل الثعلبي عن الضحاك نحوه وزاد نزلت في نصارى نجران
207 - قوله تعالى أيأمركم بالكفر 80
يعني بعبادة عيسى وعزير
قال مقاتل نزلت ردا على كردم بن قيس والأصبغ بن زيد
208 - قوله تعالى أفغير دين الله يبغون 83
نقل الثعلبي عن ابن عباس اختصم أهل الكتاب إلى رسول الله فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم كل فرقة زعمت أنه أولى بدينه فقال النبي كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم فغضبوا وقالوا والله ما نرضى بقضائك ولا بدينك
فأنزل الله تعالى أفغير دين الله يبغون
209 - قوله تعالى قل آمنا بالله وما أنزل علينا الآية 84
274 - قال ابن ظفر لما تكلم اليهود بما قالوه والنصارى بما ليس لهم أمر الله نبيه أن يقول للمسلمين قل آمنا بالله وما أنزل علينا الآية فأخبر أنهم يؤمنون بجميع الأنبياء ولا يفرقون بين أحد منهم
210 - قوله ز تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه الآية 85
أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية فأنزل الله بعد ذلك ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وقال مقاتل نزلت في طعمة بن أبيرق من الأوس ارتد عن الإسلام ولحق بكفار مكة
211 - قوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم الآية 86
1 - أخرج النسائي والطبري وصححه ابن حبان والحاكم من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ثم ندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله هل لي من توبة فسألوا فقالوا إن صاحبنا قد ندم وإنه قد أمرنا أن نسأل هل له توبة فنزلت كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم فأرسل إليه فأسلم
وفي رواية فلما قرئت عليه قال والله ما كذبني قومي على رسول الله ولا كذب رسول الله والله تعالى أصدق الثلاثة فرجع تائب فقبل منه
هذا لفظ الطبري عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد بن زريع عن داود وأخرجه البزار عن ابن بزيع هذا فقال في أوله إن قوما أسلموا ثم ارتدوا 275 ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون فذكره
والبزار كان يحدث من حفظه فيهم والمحفوظ ما رواه ابن جرير ومن وافقه
وقال عبد بن حميد نا أبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة أن رجلا ارتد عن الإسلام فذكر نحوه ولم يذكر ابن عباس
وروى حميد الأعرج عن مجاهد قال كان الحارث بن سويد قد أسلم وكان مع رسول الله ثم لحق بقومه وكفر فأنزل الله تعالى كيف يهدي الله قوما الآية فحملها إليه رجل من قومه فقرأهن عليه فقال الحارث والله إنك ما علمت لصادق
وإن رسول الله لصدوق وإن الله لأصدق الثلاثة ثم رجع فأسلم إسلاما حسنا أخرجه مسدد في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه
وأخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق جميعا عن جعفر بن سليمان عن حميد به وذكر ابن إسحاق في السيرة الكبرى إن الحارث بن سويد بن صامت كان منافقا فخرج يوم أحد مع المسلمين فلما التقى الناس غدا على مسلمين فقتلهما ثم لحق بمكة بقريش ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة فأنزل الله فيه هذه الآيات وذكر إن المقتول هو المجذر بن ذياد وقيس بن زيد من بني ضبيعة
وتعقب ابن هشام ذكر قيس بن زيد فإنه لم يعد في قتلى أحد
وأورد الطبري من طريق أسباط عن السدي نحور رواية حميد الأعرج
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هو رجل من بني عمرو بن عوف فذكره مختصرا ولم يسمه
وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جرير عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال لحق رجل بأرض الروم فتنصر ثم كتب إلى قومه أرسلوا لي هل لي من توبة الحديث
وبه إلى ابن جريج قال قال عكرمة في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا 276 بقريش ثم كتبوا إلى أهليهم هل لنا من توبة فنزلت إلا الذين تابوا من بعد ذلك
وساق مقاتل بن سليمان من أسماء الاثني عشر طعمة بن أبيرق أوسي
ومقيس بن صبابة ليشى وعبد الله بن أنس بن حنظل تيمي ووحوح ابن الأسلت أوسي وأبو عامر الراهب أوسي والحارث بن سويد أوسي ثم ذكر ندم الحارث بن سويد ومكاتبته أخاه الجلاس
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس كيف يهدي الله قوما الآية هم أهل الكتاب عرفوا محمدا ثم كفروا به
وبسند حسن عن الحسن قال
اليهود والنصارى نحوه وزاد عرفوه فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فكذبوه وأنكروه
ومن طريق معمر عن الحسن نحوه باختصار
212 - قوله تعالى إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا الآية 90
أخرج الطبري من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال هم اليهود والنصارى
ومن طريق معمر عن قتادة نحوه قال وقال عطاء الخراساني مثل ذلك وذكره الثعلبي عن عطاء الخراساني بلفظ نزلت في اليهود كفروا بعيسي ثم ازدادوا كفرا بمحمد
وأخرج عبد بن حميد عن روح عن الثوري عن داود عن أبي العالية وعن روح عن سعيد عن قتادة هم اليهود نحو الأول قال أبو العالية تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الكفر
وأخرجه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن رفيع وهو أبو العالية قال ازدادوا كفرا ازدادوا ذنوبا وهم كفار فلن تقبل توبتهم من تلك الذنوب ما كانوا على كفرهم وضلالتهم
وأخرج سنيد من طريق ابن جريج عن مجاهد ثم ازدادوا كفرا تموا على كفرهم 277 قال ابن جريج لن تقبل توبتهم يقول إيمانهم أول مرة لن ينفعهم
وأخرج الطبري من طريق السدي ازدادوا كفرا أي ماتوا وهم كفار وعند موته لا تقبل توبته
وقال ابن الكبي نزلت في الأحد عشر رفقة الحارث بن سويد لما رجع الحارث
قالوا نقيم بمكة ما بدا لنا فمتى أردنا رجعنا فنزل فينا ما نزل في الحارث فلما افتتحت مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلت توبته ونزلت فيمن مات منهم كافرا هذه الآية
ونقل مقاتل بن سليمان نحوه لكن في آخره فأخرجوا من مكة
213 - قوله ز تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون 92
يؤخذ من قصة إسرائيل في تحريمه على نفسه أحب الطعام إليه وأحب الشراب إليه كما سيأتي في الذي بعده أنه كان في شرعهم التقرب بترك بعض المباحات تحريما فشرع الله تعالى لهذه الأمة أن يتقربوا إلى الله بالصدقة بما يحبون فيحصل التوافق في الترك لكن كان أولئك إذا حرموه اقتصروا على عدم تناوله من غير أن يقترن بذلك بذله لغيرهم فيحصل لهم ثواب ذلك الإنفاق مضافا إلى التورع عن تناول ذلك ومن هنا يظهر أن مجرد ترك المباح لا يستقل بالاستحباب وبالله التوفيق
214 - قوله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة الآية 93
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال قالت اليهود إنما نحرم ما
حرم إسرائيل على نفسه وإنما حرم إسرائيل العروق وكن يأخذه عرق النساء كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار فحلف لئن الله عافاه منه لا يأكل عرقا أبدا 278 فحرمه الله عليه ثم قال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين يعني فإن فيها أنه ما حرم عليكم هذا غيري ببغيكم على أنفسكم وأنتم تحرمونه كتحريم إسرائيل له وهو كقوله في سورة النساء فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم
هذا قول السدي وقد خالفه الضحاك في بعضه وأخرجه الطبري أيضا من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك فذكر صدر الكلام في تحريم إسرائيل ثم قال كان ذلك قبل نزول التوراة فسأل نبي الله اليهود ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه فقالوا نزلت التوراة بتحريم الذي حرم فقال الله لمحمد قل فأتوا بالتوراة إلى قوله هم الظالمون فكذبوا وافتروا لم أنزل التوراة بذلك
ومن طريق العوفي عن ابن عباس فذكر نحو الضحاك لكن قال لئن عافاني الله منه لا يأكه لي ولد وليس تحريمه مكتوبا في التوراة فسأل النبي نفرا من أهل الكتاب فقال ما شأن هذا حراما عندكم قالوا هو حرام علينا من قبل التوراة
فأكذبهم الله فقال كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الآية
وأخرجه سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس فذكر نحوه وفيه فقال اليهود نزلت التوراة بتحريمه كذبوا ليس في التوراة
ثم ذكر الطبري بسند صحيح إلى ابن عباس في قوله تعالى إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قال كان به عرق النساء فجعل على نفسه لئن شفاه الله منه لا يأكل لحوم الإبل قال فحرمته اليهود وتلا قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أي أن 279 هذا كان قبل التوراة ومن هذا الوجه أيضا كان حرم العروق على نفسه ولحوم الإبل وكان أكل من لحومها فبات ليلة يرزقو فحلف أن لا يأكله أبدا
ونقل الثعلبي عن الكلبي وأبي روق إن النبي لما قال أنا على ملة إبراهيم قالت اليهود كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها فقال النبي إن ذلك حلا لإبراهيم فنحن نحله فقالت اليهود كل شيء نحرمه فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم وهلم جرا حتى انتهى إلينا فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم كل الطعام كان حلا
ونقل أيضا من طريق جويبر عن الضحاك إن يعقوب كان نذر إن وهب الله
له اثني عشرا ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم فتلقاه ملك فقال له يعقوب هل لك في الصراع فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه وغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النساء من ذلك وقال له أما أني لو شئت أن أصرعك لصرعتك ولكني غمزتك هذه الغمزة لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولدك وقد جعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا فلما قدمها يعقوب أراد ذبح ولده ونسي قول الملك فقال له قد وفيت بنذرك فدعه لا تذبحه
تنبيه
تقدم في أوائل البقرة في الكلام على قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية شيء يتعلق بقصة يعقوب في تحريمه لحوم الإبل وألبانها وأنه كان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها فنذر إن شفاه الله أن يحرمهما وبذلك جزم مقاتل بن سليمان ينبغي أن يستحضرهنا 280
214 - قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة 96
ذكر الثعلبي وتبعه الواحدي وابن ظفر عن مجاهد تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود بيت المقدس أفضل لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة وقال المسلمون مكة أفضل فأنزل الله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة الآية
هكذا ذكره الثعلبي بغير إسناد ولم أر له عن مجاهد ذكرا وإنما ذكره مقاتل ابن سليمان
فقال إن المسلمين واليهود اختصموا في أمر القبلة فقال المسلمون القبلة الكعبة وقالت اليهود القبلة بين المقدس فأنزل الله عز و جل أن الكعبة أول مسجد كان في الأرض والكعبة قبلة لأهل المسجد الحرام والمسجد الحرام قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض
215 - قوله ز تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا الآية 97
أخرج الفاكهي في كتاب مكة من طريق ابن جريج عن عكرمة ومن طريق ابن أبي نجيح سمعت عكرمة قال لما نزلت ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قالت اليهود فنحن على الإسلام فما يبتغي منا محمد فأنزل الله عز و جل حجا مفروضا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا الآية فقال النبي كتب عليكم الحج
زاد ابن أبي نجيح عن عكرمة فقال الله تعالى لنبيه حجهم أي اخصمهم فقال لهم حجوا فقالوا لم يكن علينا فأنزل الله فمن كفر فإن الله غني عن العالمين فأبوا وقالوا ليس علينا حج
وهو عند الفريابي وعبد بن حميد والطبري 281 من طريق ابن أبي نجيح عن عكرمة ولفظه لما نزلت ومن يبتغ غير الإسلام دينا قال الملل نحن مسلمون فنزلت فحج المسلمون وقعد الكفار
وقال سعيد بن منصور في السنن نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عكرمة فذكره إلى قوله قيل لهم حجوا فإن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلا فقالوا لم يكن علينا وأبوا أن يحجوا قال الله ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
ومن طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال آية فرقت بين المسلمين وأهل الكتاب لما نزلت ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قالت اليهود قد أسلمنا فنزلت ولله على الناس حج البيت الآية فقالوا لا نحجه أبدا
ومن طريق ليث ابن أبي سليم أيضا لما قالوا إن إبراهيم كان على ديننا قال لهم إن إبراهيم كان يحج البيت وأنتم تعلمون ذلك فنزل في ذلك قوله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
وروى أبو حذيفة النهدي من تفسير سفيان الثوري عن أبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن جعفر قال قال سعيد بن المسيب نزلت في اليهود حيث قالوا الحج إلى مكة غير واجب فأنزل الله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
وأخرج الطبري من طريق جويبر عن الضحاك قال لما نزلت آية الحج جمع رسول الله أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال يا أيها الناس أن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم من صدق به وآمن وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نستقبله ولا نصلي إليه فأنزل الله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
216 - قوله تعالى قل يا أهل 282 الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعلمون إلي قوله صراط مستقيم 98 - 101
قال الطبري ذكر أن هاتين الآيتين قل يا أهل الكتاب لم تكفرون وما بعدهما إلى قوله وأولئك لهم عذاب عظيم نزلت في رجل من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج بعد الإسلام ليراجعوا ما كانوا عليه في الجاهلية من العداوة والبغضاء فعنفه الله تعالى بفعله ذلك وقبح له ما فعل ونهى عن الافتراق وأمرهم بالاجتماع
ثم ساق من طريق محمد بن إسحاق حدثني الثقة عن زيد بن أسلم قال مر شأس بن قيس وكان شيخا عظيم الكفر قد عسا في الجاهلية شديد الضغن على المسلمين والحسد لهم بنفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من إلفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ ابني قيلة بهذه البلاد ولا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار فأمر فتى
شابا من يهود وكان معه فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار وكان يوم بعاث اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان على الركب وهما أوس بن قيظي من الأوس وجبار بن صخر من الخزرج فقال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها جذعة وغضب 283 الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة والظاهرة الحرة فخرجوا إليها وتحاوز الناس فانضمت الأوس بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله فخرج إليهم في من معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وألف به بينكم ترجعون إلي ما كنتم عليه كفارا فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شأس بن قيس وما صنع وفي شأس بن قيس وأوس بن قيظي وجبار بن صخر
نزلت الآيات المذكورات الخبر بطوله وفي آخره قال جابر ما من كان طالع أكره إلينا منه فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا منه وما رأيت يوما قط أوحش أولا ولا أطيب وأحسن آخرا من ذلك اليوم
217 - قوله ز تعالى قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا الآية 99
تقدم في نظيرتها أنها نزلت في حذيفة وعمار بن ياسر حين دعوهما إلى دينهم
218 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين الآية 100 وما بعدها
تقدم ما فيه قبل فصل وأخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره 284
عن مؤمل بن إسماعيل وعبد بن حميد عن سليمان بن حرب وابن أبي حاتم عن أبيه عن عارم محمد بن الفضل ثلاثتهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال كان بين هذين الحيين الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي مجلسا فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم فكأنهم دخلهم من ذلك فقال الآخرون قد قال شاعرنا يوم كذا كذا وكذا فقالوا تعالوا نرد الحرب جذعة كما كانت فنادى هؤلاء يا للأوس ونادى هؤلاء يا للخزرج فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال فنزلت أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب الآية فجاء النبي حتى قام بين الصفين فرفع صوته يقرؤها فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون له فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجثوا يبكون
طريق آخر قال عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن حميد الأعرج عن
مجاهد قال كان بين الأوس والخزرج حرب وشنآن ودماء حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم وألف بين قلوبهم فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج يتحدثان ومعهما يهودي جالس فذكرهما أيامهما حتى استبا ثم انفتلا فنادى هذا قومه وهذا قومه فخرجوا بالسلاح وصفوا للقتال ورسول الله شاهد بالمدينة يومئذ فجاء فلم يزل يمشي بينهم ليسكتهم حتى رجعوا ووضعوا 285 السلاح وأنزل الله تعالى هذه الآية
وأخرجه الطبري من طريقه
طريق آخر الأشجعي في تفسير سفيان الثوري عن سفيان
وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع كلاهما عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم حرب فأخذوا السلاح ومشى بعضهم إلى بعض فنزلت وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله إلى قوله فأنقذكم منها
وفي رواية قيس بن الربيع شر في الجاهلية فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى
بعض بالسيوف فأتى رسول الله فذهب إليهم فنزلت
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع أيضا
سياق آخر أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب الآية نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام فمشى بينهم يهودي من بني قينقاع فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيتقاتلوا فأنزل الله هذه الآية
سياق آخر ذكر الثعلبي عن عطاء أن رسول الله صعد المنبر فقال يا معشر المسلمين مالي أوذى في أهلي يعني عائشة في قصة الإفك فذكر الحديث ومراجعة السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فثار الحيان حتى هموا أن يقتتلوا فلم يزل رسول الله حتى سكنهم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين 286 آمنوا اتقوا الله حق تقاته إلى قوله فأصبحتم بنعمته إخوانا
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج قال نزل قوله إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فيما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة
وأخرجها الطبري من هذا الوجه أتم منه
وأخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال نزلت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته الآية بعد الآيات المذكورة قال فتقدم إلى المؤمنين من
الأنصاري فقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وما بعدها
219 - قوله ز تعالى واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا الآية 103
قال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة لقي رسول الله نفر من الأنصار فآمنوا به وصدقوه وأراد أن يذهب معهم فقالوا يا رسول الله إن بين قومنا حربا وإنا نخاف إن جئت على هذه الحال أن لا يتهيأ لك الذي تريد فواعدوه العام المقبل وقالوا نذهب يا رسول الله لعل الله يصلح تلك الحرب ففعل فأصلح الله تلك الحرب وكانوا يرون أنها لا تصلح أبدا يعني بعد يوم بعاث فلقي رسول الله منهم سبعين رجلا فذلك قوله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا قال فهداهم الله إلى الإسلام من الضلال ووسع عليهم في الرزق ومكن لهم في البلاد
وقال الثعلبي يشير بذلك إلى قصة إسلام الأوس والخزرج ومبايعتهم
النبي بالعقبة ثم ساقها بطولها من السيرة النبوية
وقد ذكر قبله الطبري وأخرج القصة من طريق سلمة بن الفضل عن محمد ابن إسحاق 287 حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه فذكرها وفي أولها إن إبتداء ذلك أن سويد بن الصامت أحد بني عمرو بن عوف من الأوس قدم مكة حاجا أو معتمرا فتصدى لرسول الله فسمع منه فدعاه إلى الإسلام فقال لعل الذي معك مثل الذي معي فقال وما الذي معك قال حكمة لقمان فعرضها عليه فقال إن هذا لكلام حسن ولكن معي أفضل من هذا قرآن أنزله الله علي نورا وهدى وتلا عليه فقال إن هذا القول حسن ولم يبعد من الإسلام فانصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث وكان قومه يقولون إنه أسلم ثم قدم أبو الحيسر أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل من الأوس أيضا فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على الخزرج فأتاهم النبي فجلس إليهم وقال لهم هل لكم إلى خير مما جئتم فيه فذكر لهم أن الله أرسله وأنزل عليه الكتاب ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أي قوم هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيسر كفا من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال دعنا عنك فلعمري لقد جئنا لغير هذا
فسكت عنه وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث فحج نفر من الأوس والخزرج فلقيهم رسول الله كعادته في الموسم يعرض نفسه على القبائل فلقي ستة نفر منهم أسعد بن زرارة فجلس معهم وكلمهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله أنهم كانوا أصحاب أوثان ومعهم ببلادهم طوائف من اليهود أهل كتاب وعلم 288 فإذا كان بينهم منازعة قالوا لهم إن نبيا يبعث قد أظل زمانه فإذا بعث تبعناه ونقتلكم معه قتل عاد فلما كلمهم النبي قالوا وهذا والله النبي الذي توعدنا به يهود فاستبقوهم إليه ففعلوا فسمعوا منه القرآن ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا وأذعنوا وأراد أن يتوجه معهم إلى بلادهم وقالوا له إنا تركنا وراءنا قوما لا قوم بينهم من العداوة والبغضاء والشر ما بينهم فعسى الله أن يجمعهم بك وسندعوهم إليك فإن أجابوا فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا مسلمين فدعوا قومهم إلى الإسلام فلم يبق دار من دور الأوس والخزرج إلا وفيها ذكر رسول الله حتى إذا كان العام المقبل وافي الموسم اثنا عشر رجلا فيهم عبادة بن الصامت وغيره من الخزرج وعويم بن ساعدة وغيره من الأوس وفيهم من الستة الأول أسعد بن زرارة
وغيره فاجتمعوا بالنبي بالعقبة فبايعوه وهذه هي العقبة الأولى ثم رجعوا ففشا الإسلام في المدينة
ثم وافى الموسم أهل العقبة الثانية ليدعوا من استطاعوا من عشائرهم إلى الإسلام فدعوهم وهم اثنان وسبعون رجلا فبايعوه وأرسل معهم مصعب بن عمير يفقههم فنزل على أسعد بن زرارة ثم دخل في الإسلام أكابر الأوس ثم الخزرج وأذن الله لنبيه في الهجرة فهاجر المسلمون أولا فأولا إلى أن هاجر النبي في شهر ربيع الأول فجمع الله على دينه الأوس والخزرج وأزال الشر الذي بينهم وارتفعت الحرب والشر والبغضاء عنهم وصاروا إخوانا متآلفين بعد الفرقة فوقعت 289 الإشارة في الآية إلى ذلك
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة في هذه الآية إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا الآية قال كان هذا شأن العرب أبين الناس ضلالة وأشقاه عيشا وأعراه جلدا وأجوعه بطنا فزال ذلك عنهم كله بالإسلام
220 - قوله ز تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد الآية 105
قال الثعلبي قال أكثر المفسرين هم اليهود والنصارى وقال بعضهم هم المبتدعة من هذه الأمة
قلت أخرج الطبري الأول عن الربيع بن أنس والحسن والبصري وغيرهما وأخرج الثاني عن السدي بمعناه
ومن طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال هم الخوارج
221 - قوله تعالى فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم 106
قال يونس بن أبي مسلم سألت عكرمة عنها فقال لو فسرتها لم أخرج من تفسيرها ثلاثة أيام ولكن سأجمل لك هؤلاء قوم أهل من الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم وبمحمد قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به ذكروا الثعلبي
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع عن يونس عن أبي سلمة قال قدم علينا عكرمة فأمرني رجل أن أسأله عن هذه الآية فقال لو فسرتها لم أتفرغ من تفسيرها ثلاثة أيام ولكني سأجمل لك هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين لهم وبمحمد فلما بعث كفروا به فذلك قوله تعالى أكفرتم بعد إيمانكم
قال أبو سلمة فأخبرت الذي أرسلني بذلك فقال صدق
222 - قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية 110
قال الثعلبي قال عكرمة ومقاتل نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب 290 ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا لهم إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله هذه الآية
قلت أما عكرمة فأخرجة سنيد في تفسيره عن حجاج عن ابن جريج قال قال عكرمة نزلت فذكره ولم يذكر وذلك أن مالك بن الصيف إلى آخره
أما مقاتل فإن لفظه بعد أن ذكر الآية وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا لعبد الله بن مسعود إلى آخره فعلى هذا فنسبة الكلام إلى عكرمة ومقاتل المراد بها التوزيع فإن كلا منهما ذكر النصف وهو خلاف ما يتبادر والله المستعان
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وصححه الحاكم
والطبري كلهم من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمع النبي يقوله في قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس قال أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز و جل
وأخرج الطبري من طريق قتادة قال بلغنا أن عمر حج فرأى من الناس رعة سيئة وقرأ هذه الآية كنتم خير أمة أخرجت للناس ثم قال قال من سره أن يكون منهم فليؤد شرط الله فيها
223 - قوله تعالى لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار الآية 111
قال مقاتل بن سليمان عمد رؤساء اليهود كعب يعني ابن الأشرف وعدي وبحري والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وكنانة وابن صوريا إلى عبد الله بن سلام ومن أسلم من اليهود فآذوهم بالقول لكونهم أسلموا فأنزل الله عز 291 وجل هذه الآية
والمراد بالأذى الطعن باللسان أو الدعاء إلى الضلال فإن المسلم يتأذى بسماع ذلك وأما لو اتفق بينهم قتال فإنهم يخذلون
224 - قوله تعالى ليسوا سواء الآية 113
قال الثعلبي عن ابن عباس ومقاتل لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا وقالوا لابن سلام وأصحابه لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم وقد عاهدتم الله أن لا تتركوا دينكم فنزلت
قلت أما مقاتل فهو موجود في تفسيره
وأما ابن عباس فأخرجه الطبري من طريق العوفي عنه بنحوه
وأخرج الطبري أيضا من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة وأسيد ابنا سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قال أهل الكفر من
أحبارهم ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله عز و جل ليسوا سواء الآية
ونقل الثعلبي عن عطاء قال نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فلما بعث محمد صدقوا به وكان في الأنصار منهم عدة قبل الهجرة منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وصرمة بن قيس كانوا موحدين ويغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من الحنيفية
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال أمة قائمة هم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سلام أخوه وسعية 292 ومبشر وأسد وأسيد ابنا كعب
225 - قوله تعالى من أهل الكتاب أمة قائمة الآية 113
1 - قال ابن جرير مقتضى كلام ابن عباس وقتادة وابن جريج إن الكلام فيما يتعلق بأهل الكتاب تم عند قوله ليسوا سواء وإن قوله من أهل الكتاب أمة قائمة خبر مبتدأ عن مدح من آمن منهم بمحمد
2 - وأخرج أحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق عاصم عن
زر بن حبيش عن ابن مسعود قال أخر النبي ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال
أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم قال ونزلت هذه الآيات من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله إلى قوله بالمتقين
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع عن عاصم وقال فيه لا أعلم أحدا من أهل الأديان إلى آخره
وأخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن سليمان عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال احتبس عنا رسول الله
ذات ليلة عند بعض أهله ونسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال إنه لا يصلي أحد هذه الصلاة من أهل الكتاب فأنزلت ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة إلى قوله يسجدون
سياق آخر أخرج الطبري من طريق منصور بن المعتمر بلغني أنها نزلت في قوم يصلون فيما بين المغرب والعشاء رجاله ثقات وهو مقطوع أو موقوف
226 - قوله تعالى إن الذين كفروا لن تغني 293 عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا إلى قوله ولكن أنفسهم يظلمون 116 - 117
قال مقاتل بن سليمان وهي نفقة سلفة اليهود على علمائهم ورؤسائهم كعب بن الأشرف وأصحابه
وقال ابن ظفر لما تضمن قوله تعالى فيما قبله وصف المؤمنين ذكر بعدها ما اعتمده الكفار وأهل الكتاب من إنفاق أموالهم في الصد عن سبيل الله وإن ذلك لا يغني عنهم شيئا
وعن مجاهد المراد نفقات الكفار وصدقاتهم أخرجه الطبري
وعن يمان بن المغيرة نفقة أبي سفيان وأصحابه ببدر وأحد على عداوة الرسول
227 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا الآية 118
قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس نزلت في قوم مؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاعة فنزلت هذه الآية
فنهوا عن مباطنتهم خوف الفتنة عليهم
وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال نزلت في المنافقين من أهل المدينة ينهى المؤمنين أن يتولوهم
وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال نزلت هذه الآيات في المنافقين
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال كانوا إذا رأوا من المؤمنين جماعة وائتلافا ساءهم ذلك وإذا رأوا منهم افتراقا واختلافا فرحوا وقال مقاتل بن سليمان دعا اليهود منهم أصبغ ورافع ابنا حرملة وهما من رؤوسهم عبد الله بن أبي ومالك بن دخشم إلى اليهودية 294 وزينا لهم ترك الإسلام حتى أرادوا أن يظهروا الكفر فأنزل الله تعالى هذه الآية يحذر من اتباع اليهود ويبين عداوتهم لهم
228 - قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال الآية 121
قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده نا عبد الله بن جعفر
المخرمي عن ابن عون عن المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أي خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال إلى قوله من بعد الغم أمنة نعاسا
أخرجه ابن أبي حاتم والواحدي من طريقه وليس في هذا سبب نزول وإنما كتبته تبعا له
229 - قوله ز تعالى إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما الآية 122
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو
ابن دينار سمعت جابر بن عبد الله يقول فينا نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب أنها لم تنزل لقول الله والله وليهما
وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال هم بنو حارثة وكانوا من نحو أحد وبنو سلمة وكانوا من نحو سلع وذلك يوم الخندق كذا قال
ومن طريق قتادة كان ذلك يوم أحد
وقال الطبري اختلف في يوم التبوئة الذي عني بقوله وإذ غدوت من أهلك
ثم أسند من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان ذلك يوم أحد
ومن طريق ابن أبي نجيح 295 عن مجاهد قال مشى النبي ذلك اليوم على رجليه
ومن طريق قتادة ومن طريق الربيع بن أنس غدا النبي من أهله إلى أحد ومن طريق أسباط عن السدي نحوه
ومن طريق عباد بن راشد عن الحسن البصري كان ذلك يوم الأحزاب ويوافقه قول مجاهد الآتي بعد
وبذلك جزم مقاتل بن سليمان فقال قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك أي على راحتلك يوم الأحزاب توطن للمؤمنين مقاعد في الخندق قبل أن يسبق إليه الكفار ثم قال إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا قال هما حيان من الأنصار من بني حارثة ومنهم أوس بن قيظي وأبو عمير بن أوس وابن يامين ومن بني سلمة بن جشم هما بترك المركز من الخندق
كذا قال ورجح الطبري الأول فإنه لا خلاف بين أهل المغازي أن الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا كان ذلك يوم أحد
وقال ابن إسحاق في المغازي حدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو وغيرهم من علمائنا أن رسول الله راح حين صلى الجمعة إلى أحد وقد لبس لأمته وكان المشركون نزلوا بأحد يوم الأربعاء فأقاموا به إلى أن خرج النبي فوصل إلى الشعب يوم السبت النصف من شوال وكان استشار أصحابه في الخروج إليهم فقال أكثر الأنصار اقعد يا رسول الله فإن دخلوا علينا قاتلناهم وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال من كان غاب عن بدر وهو يرغب في الشهادة اخرج بنا إليهم فخرجوا فندموا وسألوا أن يقيم فقال لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل 296
وأخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي نحو ذلك وعندهما إن الذين خرجوا معه كانوا ألفا فرجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمئة فناداهم عبد الله بن عمرو بن حرام ليرجعوا وناشدهم فأبوا وقالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم وقالوا لترجعن معنا وكان كل من عبد الله بن أبي وعبد الله بن عمرو من الخزرج فهمت بنو سلمة وهم من الخزرج وبنو حارثة وهم من الأوس أن يرجعوا أيضا ثم قوى الله
عزمهم فمضوا إلى أحد
230 - قوله ز تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة إلى قوله إن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين 123
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن عامر وهو الشعبي قال حدث المسلمون يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين فشق ذلك على المسلمين فقيل لهم ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف الآيات قال فبلغت كرزا الهزيمة فرجع فلم يمدوا بالخمسة ولا بالثلاثة
ومن طريق عبيد الله بن موسى عن أبي إدام سليمان عن عبد الله بن أبي أوفى قال حاصرنا قريظة ما شاء الله فلم تفتح لنا فرجعنا فدعا رسول الله بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل فقال وضعتم أسلحتكم ولم تضعها الملائكة فلف رسول الله رأسه ثم نادى فينا فقمنا كالين حتى أتينا قريظة فيومئذ أمدنا الله بثلاثة آلاف من الملائكة وفتح الله لنا فتحا يسيرا فانقلبنا بنعمة من الله
وفضل
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال لم يصبروا يوم أحد فلم يمدوا بالملائكة ولو مدوا بالملائكة لما انهزموا
قال وحدثنا ابن بشار نا عبد الرحمن هو ابن مهدي 297 انا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت عكرمة يقول لم يمدوا بملك واحد
ومن طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك قال وعد رسول الله يوم أحد إن المؤمنون صبروا أمددتهم بخمسة آلاف من الملائكة ففروا فلم يمدوا
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شرط عليهم إن صبروا أن يمدهم فلم يصبروا
ورجح الطبري هذه المقالة ثم قال
إن في القرآن دلالة على أنهم أمدوا يوم بدر بألف بخلاف أحد فإن الظاهر أنهم وعدوا بالمدد بشرط فلما تخلف الشرط لم يوجد المدد
231 - قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء 128
1 - الجمهور على أنها نزلت في الدعاء على المشركين
أخرج البخاري والنسائي من طريق معمر عن الزهري حدثني سالم هو ابن عبد الله ابن عمر عن أبيه سمع رسول الله يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية
زاد البخاري وعن حنظلة بن أبي سفيان عن سالم بن عبد الله كان رسول الله يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت
هكذا ذكره مرسلا ووصله أحمد من طريق عمر بن حمزة عن عمه سالم عن أبيه سمعت رسول الله يقول اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت قال فتيب عليهم كلهم
ومن طريق محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر نحوه وقال فهداهم الله
للإسلام
وفي رواية كان يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى نزلت
سياق آخر قال أحمد حدثنا هشيم نا حميد عن أنس إن النبي كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء
وأخرجه الفريابي عن أبي بكر بن عياش عن حميد عن أنس لما كان يوم أحد فذكره وفيه فقال وهو يمسح الدم عن وجهه كيف فذكره
وأخرج مسلم من رواية حماد عن ثابت عن أنس نحوه
وأخرج الطبري من طريق مطر الوراق عن قتادة قال كسرت رباعيته وفرق
حاجبه وعليه درعان والدم يسيل فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح الدم فأفاق وهو يقول كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم فنزلت
وأخرج عبد بن حميد عن روح عن عوف عن الحسن بلغني أن رسول الله لما انكشف عنه أصحابه يوم أحد وكسرت رباعيته وجرح وجهه قال وهو يصعد على أحد كيف يفلح يوم خضبوا وجه نبيهم
وأخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال نزلت هذه الآية على النبي يوم أحد وقد شج في وجهه وكسرت رباعيته فهم أن يدعو عليهم وقال كيف يفلح إلى آخره وهم أن يدعو عليهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء فكف عن الدعاء عليهم
ونقل الثعلبي نحوه عن ابن الكلبي وزاد لعلمه أن كثيرا منهم سيؤمن
قلت هذا مردود لما ثبت في الصحيح أنه دعا عليهم 299
وقد أخرج الطبري من طريق مقسم أن النبي دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسرت رباعيته اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا فما حال عليه الحول حتى مات كافرا
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال عكرمة أدمى عبد الله بن قمئة
وجه رسول الله فدعى عليه فكان حتفه أن سلط الله عليه تيسا فنطحه فقتله
ويمكن الجمع بأن المنفي الدعاء على الجميع بهلاك يعمهم والثابت دعاء على قوم منهم بغير الهلاك وذلك بين في الذي بعده
سياق آخر أخرج الشيخان من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله رأسه من الركعة الثانية قال اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم اشدد وطأتك على مضر الحديث
وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري عن سعد وأبي سلمة عن أبي هريرة وكان يقول حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد اللهم انج الوليد فذكره وزاد اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب وفي لفظ اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل الله عليه ليس لك من الأمر شيء الآية
قلت وفي هذا نظر لأن ظاهر الآثار الماضية أن الآية نزلت أيام أحد وقصة بئر
معونة متراخية عن ذلك بمدة لكن يمكن الجمع بأن نزولها تأخر حتى وقعت بئر معونة فكان يجمع في الدعاء بين من شج 300 وجهه بأحد ومن قتل أصحاب بئر معونة فنزلت الآية في الفريقين جميعا فترك الدعاء على الجميع وبقي بعد ذلك الدعاء للمستضعفين إلى أن خلصوا وهاجروا وهذه أولى من دعوى النزول مرتين
2 - وقد جزم مقاتل بن سليمان بأن قوله ليس لك من الأمر شيء إنما نزلت في القراء أصحاب بئر معونة ولفظه نزلت هذه الآية في أهل بئر معونة وكانت في صفر سنة أربع بعثهم رسول الله ليعلموا الناس فقتلوا وهذا سبب آخر
وقال الزبير بن بكار في ترجمة بني نوفل بن عبد مناف من كتاب النسب ومطعم وأم طعيمة بن عدي بن نوفل فاختة بنت عباس بن عامر من بني
رعل بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم وكان بنو رعل وأخوتهم بنو ذكوان أنجدوا عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله الذين قتلوا ببئر معونة من أجل قتل طعيمة يوم بدر
قال الزبير ولقتل أصحاب بئر معونة دعا رسول الله أربعين ليلة على رعل وذكوان وعصية حتى نزلت عليه ليس لك من الأمر شيء فأمسك عنهم
3 - سبب آخر نقل الثعلبي عن عبد الله بن مسعود أراد رسول الله أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد فنهاه الله عن ذلك وتاب عليهم وأنزل هذه الآية
4 - سبب آخر ذكر ابن إسحاق وغير واحد إن المسلمين لما رأوا ما صنع المشركون بمن قتل من المسلمين من جدع أنوفهم وغير ذلك حزنوا وقالوا لئن أدالنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها واحد من العرب بأحد فأنزل الله هذه الآية
وحكاه الثعلبي أيضا عن 301 الشعبي وغيره
5 - سبب آخر ذكر الثعلبي عن عطاء قال أقام رسول الله بعد أحد أربعين يوما يدعو على أربعة من ملوك كندة حمد ومشرح ونحى والمعمودة وهي أختهم وعلى بطن من هذيل يقال لها لحيان وعلى بطون من سليم هم رعل وذكوان وعصية والقارة فأجاب الله دعاءه وقحطوا فلما انقضت الأربعون نزلت هذه
الآية
232 - قوله ز تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة الآية 130
أخرج أبو داود من طريق حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عمرو بن أقيش كان له ربا في الجاهلية فكره أن يسلم حتى يأخذه فجاء يوم أحد فقال أين بنو عمي قالوا بأحد قال فأين فلان قالوا بأحد قال فلبس لأمته وركب فرسه وتوجه قبلهم فلما رآه المسلمون قالوا إليك عنا يا عمرو قال إني قد آمنت فقاتل حتى جرح فحمل إلى أهله جريحا فجاء سعد بن معاذ فقال لأخته سليه حمية لقومك وغضبا لهم أو غضبا لله عز و جل فقال بل غضبا لله ورسوله قال فمات فدخل الجنة وما صلي لله صلاة
قلت ما زلت أبحث عن مناسبة ذكر آية الربا في وسط ذكر قصة أحد حتى وقفت على هذا الحديث فكأنها نزلت فيه فترك الربا وخرج إلى الجهاد فاستشهد أو أن ورثته طالبوا بما كان له من الربا فنهوا عنه بالآية المذكورة
233 - قوله ز تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية 133
قال إسحاق بن راهوية وعبد بن حميد في تفسيريهما أنا روح بن عبادة نا محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن عطاء 302 إن المسلمين قالوا للنبي بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه في عتبة بابه مكتوبة أجدع أذنك افعل كذا فسكت النبي فنزل والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية فقال النبي ألا أدلكم ألا أخبركم بخير من ذلكم فقرأ هذه الآيات
وهذا سند قوي إلى عطاء
وقد ذكره الثعلبي عن عطاء بغير إسناد ولكن قال فسكت النبي ونزلت وسارعوا إلى مغفرة أي سابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة
وجدته في تفسير سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح فذكره إلى قوله فنزلت وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة إلى قوله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم فقال رسول الله ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأ هؤلاء الآيات
وأخرج سنيد أيضا عن عمر بن أبي خليفة عن علي بن زيد بن جدعان قال قال ابن مسعود كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبا على بابه الذنب وكفارته فأعطينا خيرا من ذلك هذه الآية
234 - قوله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله الآية 135
1 - نقل الثعلبي عن عطاء قال نزلت هذه الآية في نبهان التمار وكنيته أبو مقبل أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فهل لك فيه
قالت نعم فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له اتق الله فتركها وندم على ذلك فأتى النبي وذكر له ذلك فنزلت هذه الآية
قلت 303 وهو من رواية موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو كذاب
والمشهور في هذه القصة نزول إن الحسنات يذهبن السيئات وسيأتي في تفسير هود
2 - وذكره مقاتل بن سليمان فقال خرج رجل غازيا وخلف في أهله رجلا فتعرض له الشيطان فهوي المرأة فكان منه ما ندم عليه فأتى أبا بكر فذكر ذلك له فقال أما علمت أن الله يغار للمغازي فأتى عمر فذكر له فقال له مثل ذلك فأتى النبي فذكر ذلك له فأنزل الله هذه الآية فقال له النبي إنك ظلمت نفسك فاستغفر الله ففعل
ثم قال وقيل نزلت في عمر بن قيس ويكنى أبا مقبل قصة تأتي في سورة هود
3 - سبب آخر عن الثعلبي قال آخى رسول الله بين رجلين أحدهما من الأنصار والآخر من ثقيف فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على نفسه فاشترى لهم اللحم ذات يوم فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها فدخلت
المرأة بيتا فتبعها فأتقته بيدها فقبل يدها ثم ندم وانصرف فقال له والله ما حفظت غيبة أخيك ولا نلت حاجتك فخرج الأنصاري ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه فلما رجع الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسأل امرأته عن حاله فقالت لا أكثر الله في الإخوان مثله ووصفت له الحال والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده فأتى به أبا بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجا فقال له الأنصاري هلكت قال وما أهلكك فذكر له القصة فقال له أبو بكر ويحك 304 أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك فأتيا النبي فقال له مثل مقالتهما فأنزل الله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة الآية
وذكره الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رجلين أنصاريا وثقفيا آخى بينهما رسول الله فكانا لا يفترقان فخرج النبي في بعض مغازيه وخرج معه الثقفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته فكان يتعاهد أهل الثقفي فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا فأدبر راجعا فقالت سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك فندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتقرب إلى الله من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله فخرج يطلبه حتى دل عليه فوفقه ساجدا وهو يقول رب ذنبي قد خنت أخي فقال له يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجا وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة فكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل بتوبته فتلا على رسول الله
والذين إذا فعلوا فاحشة إلى قوله ونعم أجر العاملين فقال عمر يا رسول الله أخاص هذا به أم للناس عامة قال بل للناس عامة في التوبة
235 - قوله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون الآية 139
أخرج الطبري 305 من طريق ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال كثر في أصحاب محمد القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرىء منهم اليأس فأنزل الله تعالى القرآن فآسى فيه المؤمنين بأحسن ما أسى به قوما من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال ولا تهنوا ولا تحزنوا إلى قوله تعالى لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم
236 - قوله تعالى وأنتم الأعلون 139
أخرج سنيد عن حجاج بن محمد عن ابن جريج في قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون قال انهزم الصحابة في الشعب فنعى بعضهم بعضا وتحدثوا أن النبي قد قتل فكانوا في وهم وحزن فبينا هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد الجبل بخيل المشركين فوقهم وهو أسفل في الشعب فلما رأوا النبي فرحوا وقال النبي اللهم لا قوة لنا إلا بك وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر
وثاب نفر فلقوا النبي فصعدوا الجبل وفيهم رماة فرموا خيل المشركين حتى أزاحوهم وعلا المسلمون الجبل ونزلت وأنتم الأعلون
وعند الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس أقبل خالد بن الوليد لما انهزم الصحابة يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك وثاب نفر من المسلمين فأنزل الله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون
237 - قوله تعالى إن يمسسكم قرح 140
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من رواية الحكم بن أبان عن عكرمة قال ندم المسلمون كيف خلوا بينه وبين رسول الله وصعد رسول الله الجبل فجاء أبو سفيان فقال يا محمد الحرب سجال الحديث قال ونام
المسلمون وبهم كلوم ففيهم نزلت إن يمسسكم 306 قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس
وذكر الثعلبي عن راشد بن سعد لما انصرف رسول الله من أحد كئيبا حزينا جعلت المرأة تجيء بزوجها وأبيها وابنها وهي تلتدم فقال رسول الله أهكذا يفعل برسولك فنزلت
238 - قوله ز تعالى ويتخذ منكم شهداء 140
قال ابن أبي حاتم عن أبيه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن عكرمة لما أبطأ الخبر على النساء بالمدينة خرجن يستقبلن فإذا رجلان مقتولان على بعير فقالت امرأة من الأنصار من هذان قالوا فلان وفلان أخوها وزوجها أو زوجها وابنها فقالت ما فعل رسول الله قالوا حي قالت فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء قال فنزل القرآن على وفق ما قالت ويتخذ منكم شهداء هذا مرسل رجاله من رجال البخاري
239 - قوله ز تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الآية 142
قال مقاتل بن سليمان سببها أن المنافقين قالوا للمؤمنين يوم أحد بعد الهزيمة لم تقتلون أنفسكم وتهلكون أموالكم فإن محمدا لو كان نبيا لم يسلطوا عليه فنزلت
240 - قوله ز تعالى ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه الآية 143
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس إن رجالا من أصحاب النبي كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلي فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق فأشهدهم الله أحدا فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم يقول الله عز و جل ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه
وأخرج عبد بن حميد من طريق فضيل 307 بن مرزوق عن عطية نحوه ليس فيه ابن عباس
وعند الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد غاب رجال عن بدر فكانوا يتمنون مثل يوم بدر ليصيبوا من الأجر والخير فلما كان يوم أحد ولى من
ولى منهم فعاتبهم الله بذلك
وأخرجه عبد بن حميد أيضا ومن طريق سعيد عن قتادة كان ناس من المسلمين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الشرف والفضل فذكر نحوه
وأخرجه الطبري من هذه الطرق كلها ومنها طريق ابن جريج قال ابن عباس كانوا يسألون الشهادة فلقوا المشركين يوم أحد فاتخذ منهم شهداء
ومن طريق الربيع بن أنس نحو رواية قتادة
ومن طريق هوذة عن عوف عن الحسن البصري قال بلغني أن رجالا من أصحاب النبي كانوا يقولون لئن لقينا مع النبي يعني عدوا لنفعلن ولنفعلن فابتلوا بذلك فوالله ما كلهم صدق فأنزل الله عز و جل هذه الآية
ومن طريق أسباط عن السدي كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدرا قالوا اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نحوه
وقال مقاتل بن سليمان نزلت في الذين قالوا يا نبي الله أرنا يوما مثل يوم بدر فأراهم الله يوم أحد فانهزموا فعاتبهم الله
241 - قوله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية 144
أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة ومن طريق الربيع بن أنس قالا لما فقدوا النبي يوم أحد وتناعوه قال ناس لو كان نبيا ما قتل وقال ناس قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم 308 او تلحقوا به فنزلت
زاد الربيع ذكر أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال أشعرت أن محمدا قتل فقال الأنصاري إن كان محمد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم فنزلت
ومن طرق أسباط عن السدي لما كان يوم أحد فذكر القصة وفيه وفشا في الناس أن محمدا قد قتل فقال بعضهم ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يأخذ
لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم ارجعوا إلى قومكم قبل أن تقتلوا فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على دينكم وانطلق رسول الله حتى أتى الصخرة فاجتمع عليه ناس فنزل في الذين قالوا إن محمدا قد قتل وما محمد إلا رسول
ومن طريق ابن إسحاق حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري من بني عدي بن النجار أن أنس بن النضر مال إلى نفر من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله فما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل
ومن طريق جويبر عن الضحاك لما انهزم الصحابة نادى مناد إن محمدا قتل فأنزل الله الآية
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس نحوه
وذكر مقاتل بن سليمان نحوه ووقع في النسخة التي نقلت منها من رواية الهذيل أبي صالح عنه بشر بن النضر عم أنس وهو تحريف وإنما هو أنس
242 - قوله ز تعالى انقلبتم على أعقابكم 145
قال ابن ظفر روي سفيان بن عيينة عن الزهري قال لما نزلت ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قالوا يا رسول الله قد علمنا أن الإيمان 309 يزيد فهل ينقص
قال أي والذي بعثني بالحق فقيل هل لذلك دلالة قال فتلا هذه الآية انقلبتم على أعقابكم فالانقلاب نقصان ولا كفر
243 - قوله تعالى سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا الآية 151
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ندموا فقالوا بئس ما صنعتم أنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا وقالوا له إن لقيت محمدا فأخبره ما قد جمعنا لهم فأخبر الله رسوله فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فأنزل الله في ذلك يذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع وما قذف في قلبه من الرعب سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب الآية
وذكر مقاتل بن سليمان نحوه فقال ألقى الله في قلوب المشركين الرعب بعد هزيمة المسلمين فرجعوا إلى مكة من غير شيء
244 - قوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه الآية 152
أخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس قال لما كان يوم أحد قال لهم النبي إنكم ستظهرون فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا
فتركوا أمره الذي عهد إليهم وتنازعوا فوقعوا في الغنائم وتركوا العهد الذي عهد إليهم فانصرف عليهم عدوهم من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون
ومن طريق العوفي عن ابن عباس أن رسول الله بعث ناسا فكانوا من ورائهم فقال كونوا ها هنا فردوا وجه من نفر وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا ولما هزم المشركون 310 رأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم فقالوا انطلقوا ندرك الغنيمة قبل أن نسبق إليها وقالت طائفة بل نطيع رسول الله ونثبت مكاننا فذلك قوله فمنكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة فلما تنازعوا وخالفوا الأمر جدلوا قال فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا
والذين قالوا لا نخالف الأمر أرادوا الآخرة فنزلت الآيات في ذلك
ومن طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك نحوه وزاد فكان ابن مسعود يقول ما شعرت أن أحدا من أصحاب رسول الله كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد ومن طريق السدي عن عبد خير عن ابن مسعود نحوه ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال كان ابن مسعود يقول فذكره
وأخرج البخاري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال أجلس النبي يوم أحد جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقيناهم هزموا حتى رأينا النساء يسندن في الجبل يرفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال لهم عبد الله بن جبير عهد النبي إلينا أن لا نبرح فأبوا فصرف الله وجوههم فأصيب منهم سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم ابن أبي قحافة فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال لا تجيبوه فقال إن هؤلاء قتلوا ولو كانوا 311 أحياء
لأجابوا فلم يملك عمر نفسه أن قال كذبت يا عدو الله فقد أبقى الله لك ما يخزيك فقال أعل هبل الحديث
وأخرج عبد بن حميد من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن عبد الرحمن بن أبزي قال وضع رسول الله خمسين من الرماة يوم أحد وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات وأقعدهم إزاء خالد بن الوليد وكان على خيل المشركين فلما انهزم المشركون قال طائفة منهم نلحق بالناس لا يسبقونا بالغنائم وقالت طائفة عهد إلينا النبي أن لا نزيغ من مكاننا حتى يأتينا أمره فمضى أولئك فرأى خالد رقتهم فحمل عليه فقتلهم ونزلت ولقد صدقكم الله وعده الآية وكانت معصيتهم توجههم عن مكانهم وقوله من يريد الدنيا أي الغنيمة والآخرة الشهادة
ومن طريق عطية العوفي نحوه
وأخرج أحمد والطبري والحاكم من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال ما نصر الله في موطن كما نصر في يوم أحد
قال فأنكرنا ذلك فقال بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه والحس القتل حتى إذا فشلتم وإنما عنى بهذا الرماة وذلك أن النبي أقامهم في موضع ثم قال احموا ظهرنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا فلما انهزموا أكب الرماة في العسكر ينهبون وانتشب العسكران وشبك بين أصابعه فدخلت خيل المشركين من ذلك الموضع فضرب بعضهم بعضا وقتل من المسلمين ناس كثير وصاح الشيطان قتل محمد وشكوا أنه حق 312 فذكر قصة أبي سفيان وأخرج أحمد من طريق حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال كان النساء يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبرأ أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى نزلت الآية فلما خالف الرماة ما أمروا به يعني
وانهزم الناس أفرد رسول الله في تسعة سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو عاشرهم الحديث
وفي حديث عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر عند النسائي والبيهقي في الدلائل انهزم الناس عن النبي يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة 245 قوله تعالى فأثابكم غما بغم 153
قال مقاتل بن سليمان لما تراجع المسلمون من الهزيمة حصل لهم غم عظيم لما أصابهم من الهزيمة ولما فاتهم من الفتح والغنيمة فأشرف عليهم خالد بن الوليد من الشعب في الجبل فلما عاينوه أنساهم ما كانوا فيه من الغم الأول فأنزل الله تعالى لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم قال وغشي النعاس سبعة منهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة وسهل بن
حنيف ورجلين من الأنصار أيضا
قلت ثبت في الصحيح ذكر أبي طلحة فيمن غشيه النعاس وهو أنصاري
246 - قوله تعالى وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية الآية 154
قال الزبير بن بكار قائل ذلك هو معتب بن قشير شهد عليه بذلك الزبير بن العوام هكذا أخرجه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن الزبير بن بكار
قلت وأخرج ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أنه حدثه عن أبيه 313 عن عبد الله بن الزبير قال قال الزبير لقد رأيتني مع رسول الله حين أشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره قال فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم يقول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا
وأخرجه إسحاق بن راهوية وابن أبي حاتم من هذا الوجه
247 - قوله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان الآية 155
قال عبد بن حميد حدثنا يوسف بن بهلول عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق قال قال عكرمة مولى ابن عباس جاءت فاختة بنت غزوان امرأة عثمان بن عفان ورسول الله وعلي يغسلان السلاح من الدماء فقالت ما فعل ابن عفان أما والله لا تجدونه الأم القوم فقال لها علي ألا إن عثمان فضح الذمار اليوم فقال له رسول الله مه وكان ممن ولى دبره يومئذ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان إخوان من الأنصار من بني زريق حتى
بلغوا الجلعب فرجعوا بعد فقالت فقال لهم رسول الله لقد ذهبتم بها عريضة قال الله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم الآية
وأخرجه الطبري من رواية سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق وقال في روايته الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأحوص أقاموا به ثلاثا ثم رجعوا
وأخرج سنيد عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قال عكرمة إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان نزلت 314 في رافع بن المعلى وغيره من
الأنصار وفي أبي حذيفة بن عتبة وآخر ولقد عفا الله عنهم إذ لم يعاقبهم
248 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض الآية 156
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه
وجزم مقاتل بن سليمان بأن الذي قال ذلك عبد الله بن أبي
249 - قوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم 159
اتفقوا على أنها نزلت في حق الذين انهزموا يوم أحد فإنه لم يغلظ على الذين خالفوا أمره حتى كانوا سببا لقتل من قتل من المسلمين
250 - قوله تعالى وشاورهم في الأمر 159
قال مقاتل بن سليمان
كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم فأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه إكراما لهم فيكون أطيب لأنفسهم
251 - قوله تعالى وما كان لنبي أن يغل الآية 161
1 - أخرج عبد بن حميد والترمذي والطبري وأبو يعلى وابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مقسم حدثني ابن عباس إن هذه الآية نزلت وما كان لنبي أن يغل في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس أخذها محمد وأكثروا في ذلك فأنزل الله تبارك وتعالى ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة
لفظ الطبري وفي رواية أبي يعلى فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال ناس لعل رسول الله أخذها فأنزل الله وما كان لنبي أن يغل قال خصيف فقلت لسعيد بن جبير وما كان لنبي أن
يغل يعني بفتح الغين فقال بل يغل ويقتل
وفي رواية الطبري قلت لسعيد بن جبير كيف تقرأ أن يغل أو يغل قال أن يغل يعني بضم الغين قد كان والله يغل ويقتل
قال الترمذي حسن غريب وقد رواه عبد السلام بن حرب عن خصيف
قلت هي رواية الطبري من طريقه
قال ورواه بعضهم عن خصيف عن مقسم فأرسله
قلت هي رواية شريك عنه عند عبد بن حميد
315 - وأخرج الطبراني من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ أن يغل يعني بفتح الغين ويقول كيف لا
يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله عز و جل ويقتلون الأنبياء لكن المنافقين اتهموا رسول الله في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز و جل وما كان لنبي أن يغل
وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن خصيف فقال عن عكرمة بدل مقسم
وفي رواية عن عكرمة وسعيد بن جبير والرواية المفصلة أثبت
وأخرجه من طريق حميد الأعرج عن سعيد بن جبير قال نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر لم يذكر ابن عباس
قال الطبري في ذكر وعيد أهل الغلول في بقية الآية دليل واضح على صحة قراءة الجمهور
قلت أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وما كان لنبي أن يغل قال يغله أصحابه
وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال وما كان لنبي أن يغل بضم أوله
أن يغله أصحابه الذين معه ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت يوم بدر وقد غل طوائف من المسلمين
وكذا أخرجه الطبري من طريق الربيع بن أنس ثم شرع الطبري في رد هذه القراءة واستشهد للمشهورة بحديث أبي هريرة المخرج في الصحيح ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة الحديث
2 - قول آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس وما كان لنبي أن يغل أي يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة فيجور في القسمة ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر الله فإذا فعل ذلك استنوا به
3 - قول آخر أخرج الطبري من طريق 316 سلمة بن نبيط عن
الضحاك بن مزاحم قال بعث رسول الله طليعة وغنم النبي فقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا وقدمت الطلائع فقالوا لم يقسم لنا فنزلت وما كان لنبي أن يغل قرأها بضم الغين أي يعطي غير من قاتل
4 - قول آخر ذكر جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي لما وقعت في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل في مخيط فنزلت
قلت وهذا من تخليط جويبر فإن هذه الآية نزلت في يوم أحد اتفاقا
5 - قول آخر قال مقاتل بن سليمان نزلت في الذين طلبوا الغنيمة يوم أحد يعني الرماة فتركوا المركز وقالوا نخشى أن يقول النبي من أخذ شيئا فهو له ونحن ها هنا وقوف فلما رآهم النبي قال ألم أعهد إليكم أن لا تبرحوا من المركز حتى يأتيكم أمري قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا قال أو ظننتم أنا نغل فنزلت وما كان لنبي أن يغل
وكذا ذكره الكلبي في تفسيره بنحوه لكن قال فقالوا نخشى أن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر وزاد بعد قوله إنا نغل ولا نقسم لكم
252 - قوله تعالى 317 أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم 165
1 - قال الثعلبي روى عبيدة بن عمرو السلماني عن علي قال جاء جبريل إلى النبي فقال يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسرى وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء علي أن يقتل منهم فذكر ذلك رسول الله فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على عدونا ويستشهد منا عدتهم وليس في ذلك شيء نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر
قال الثعالبي فمعنى قوله على هذا التأويل من عند أنفسكم أي بأخذكم الفداء واختياركم القتل
قلت حديث علي هذا أخرجه الحسين بن داود المعروف بسنيد في تفسيره عن إسماعيل بن علية عن ابن عون وعن حجاج بن محمد عن جرير بن حازم كلاهما عن محمد بن سيرين عنه
وأخرجه الطبري من طريق سنيد وأصله عند الترمذي والنسائي من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ولفظه أن جبريل هبط عليه فقال له خيرهم في أسارى بدر القتل أو الفداء
على أن يقتل منهم قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا
قال الترمذي حسن غريب من حديث الثوري ورواه أبو أسامة عن هشام نحوه وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة بن عمرو مرسلا
قلت أخرجه الطبري عن الدورقي عن ابن علية عنه مرسلا ومن طريق أشعث بن سوار عن ابن سيرين 318 كذلك
وقد وصل سنيد رواية ابن عون كما ترى وزاد رواية جرير وخالف في سياق المتن وقد تكلموا فيه
حديث آخر قال الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما
جميعا حدثنا قراد أبو نوح واسمه عبد الرحمن بن غزوان ثنا عكرمة بن عمار نا سماك الحنفي حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوضوا بما صنعوه يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر القوم عن النبي وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله عز و جل أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم بأخذكم الفداء
لفظ أبي بكر وسياق أحمد أتم وأصل الحديث في صحيح مسلم من هذا الوجه وأوله لما كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين الحديث بطوله وفيه فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وفيه أن النبي استشار أبا بكر وعمر في الأسرى وفيه أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة وأنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى وسيأتي في سورة الأنفال
حديث آخر مرسل أخرج ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور سألت
الحسن عن قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قال لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا فأخبرهم الله تعالى إن ذلك بالأسرى الذين أخذوا منهم الفداء يوم بدر فردهم الله بذلك وعجل لهم عقوبة 319 ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة
2 - قول آخر قال الطبري في المراد بقوله قل هو من عند أنفسكم قال بعضهم تأويله ما وقع من خلافكم على نبيكم حين أشار عليكم فأبيتم إلا أن يخرج ويصحر لهم ويقاتلهم
ثم أسند عن قتادة قال ذكر لنا أن النبي قال إنا في جنة حصينة فقال أناس من الأنصار فذكر القصة وقوله ما كان النبي أن يلبس لأمته ثم يضعها حتى يقاتل
253 - قوله تعالى وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم 167
اتفقوا على أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأتباعه الذين رجعوا قبل القتال
254 - قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون الآية 169
1 - قال إسحاق بن راهويه أنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء قال لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وغيرهما يوم أحد ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا ليت إخواننا علموا ما أصبنا من الخير كي يزدادوا رغبة في الجهاد فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء إلى قوله أجر المؤمنين أخرجه الطبراني من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن سالم الأفطس به
وأخرج أبو داود وعبد بن حميد والطبري وأبو يعلى والحاكم من طريق ابن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل 320 من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب قال الله أنا أبلغهم عنكم قال الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية
طريق آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن دينار عن سعيد بن جبير قال
لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة قالوا يا ليت إخواننا في الدنيا يعلمون ما نحن فيه فإذا شاهدوا القتال باشروه بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبهم ما أصبنا من الخير فأخبر الله تعالى نبيه بأمرهم وما هم فيه من الكرامة فاستبشروا بذلك
طريق آخرى قال الفريابي نا قيس بن الربيع أنا سعيد بن مسروق عن أبي الضحى في هذه الآية قال نزلت في قتلى أحد حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وهؤلاء الأربعة من المهاجرين ومن الأنصار ستة وستون رجلا نزل فيهم ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
وعن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لما أصيبوا فرأوا الرزق والخير تمنوا أن أصحابهم يعلمون بما هم فيه ليزدادوا رغبة في الجهاد فقال الله أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآية
وأخرجه عبد بن حميد عن أبي الوليد عن أبي الأحوص وابن أبي حاتم من طريق إسرائيل كلاهما عن سعيد بن مسروق
حديث آخر أخرج الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم والطبراني من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري سمعت طلحة 321 بن حراش يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول لقيني رسول الله فقال ما لي أراك منكسرا قلت يا رسول الله توفي أبي استشهد بأحد وترك علي دينا وعيالا قا بل أفلا يسرك بما لقي الله به أباك قال بلى يا رسول الله قال يا عبدي تمن علي قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون قال فأنزلت هذه الآية
قال الترمذي حسن غريب وقد رواه علي بن عبد الله وغيره من الكبار عن موسى وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئا من هذا
قلت رواية علي في الطبراني ورواية ابن عقيل عن أحمد وأبي يعلى
والطبري وغيرهما ولفظه قال لي رسول الله أعلمت أن الله أحيا أباك فقال ما تحب يا عبد الله قال يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى
وأخرج سنيد عن حجاج بن محمد بن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة قال قالوا يعني شهداء أحد يا رب لا رسول لنا يخبر النبي بما أعطيتنا قال الله أنا رسولكم فأمر جبريل أن يأتي بهذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية
وأخرج مسلم وغيره أصل الحديث عن عبد الله بن مسعود قال أرواح الشهداء عند الله كطير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث
شاءت فاطلع ربك طلاعة فقال ما تشتهون قالوا تعيد أرواحنا في أجسادنا فنقاتل في سبيلك مرة أخرى
وفي رواية عند عبد الرزاق تقرئ عنا نبينا السلام وتخبره أن قد رضيت عنا ورضينا وليس في شيء من طرقه ذكر نزول الآية
2 - قول آخر 322 أخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي قالوا يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا يوم أحد
ومن طريق قتادة نحوه
3 - قول آخر ذكر ابن إسحاق في المغازيي قصة قتلى بئر معونة مطولا وأصلها أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة قدم على النبي فعرض عليه الإسلام فقال إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك فقال إني أخشى عليهم فقال أبو براء أنا لهم جار فبعث المنذر بن عمرو الساعدي في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء ونافع بن بديل
وعامر بن فهيرة فذكر قصة قتلهم بإشارة عامر بن الطفيل لطائفة من بني سليم قال فأنزل الله تعالى في شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا عنا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرآناها زمانا وأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية
وأخرج الطبري من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني أنس في قصة أصحاب بئر معونة قال لا أدري أربعين أو سبعين وكان علي الماء عامر بن الطفيل فخرج أولئك النفر حتى أتوا الماء فقالوا أيكم يبلغ رسالة رسول الله فخرج يعني حرام بن ملحان خال أنس حتى أتى حواء منهم فاحتبى أمام البيوت ثم قال يا أهل بئرت معونة إني رسول الله إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله 323 فآمنوا بالله ورسوله فخرج رجل من كسر بيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه فقتلوهم قال أنس إن الله أنزل فيهم قرآنا فذكره وفيه فرفعت بعد أن قرأناها زمنا وأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
وأصل هذا الحديث عند مسلم
وفي الصحيحين من حديث أنس في قصة القنوت وفي آخره ما في آخر هذا الحديث
4 - قول آخر نقله الثعلبي عن بعضهم ولم يسمه أن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا نحن في النعمة والسرور وأمواتنا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيسا لهم وإخبارا عن أحوال قتلاهم
255 - قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح الآية 172
روى البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول إلى آخرها قالت لعروة يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزبير
هكذا أخرجه البخاري وأخرجه الحاكم من طريق أبي سعيد المؤدب عن هشام به وهم في استدراكه وأخرجه من طريق البهي عن عروة عن عائشة مختصرا وأخرجه سعيد بن منصور في السنن والحميدي في المسند كلاهما عن سفيان بن عيينة عن هشام
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قصة وقعة أحد وكانت في شوال قال ألقى الله في قلب 324 أبي سفيان الرعب فسار بمن معه إلي مكة وكان التجار يأتون بدرا الصغرى في ذي القعدة فندب رسول الله الناس لما شاع بين الناس أن الناس قد جمعوا لكم فانتدب معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وابن مسعود وحذيفة في سبعين حتى بلغوا الصفراء فلم يلقوا كيدا فأنزل الله عز و جل الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح الآية
وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا سفيان ومن معه ندموا على تركهم الإيقاع بالمسلمين وقالوا أصبنا حدهم وأشرافهم ثم نرجع ولم نستأصلهم وهموا بالرجوع وإن معبد بن أبي معبد الخزاعي لقي النبي بحمراء الأسد فعزاه فيمن أصيب من أصحابه وأمره أن يقصد أبا سفيان ويخذله عن الرجوع فرجع معبد إلى بلاده فلقي أبا سفيان فقال ما وراءك قال محمد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع ما رأيت مثله يتحرقون عليكم وقد آجتمع معه من كان تخلف عنه وندموا وأنشده في ذلك شعرا فأنثنى رأي أبي سفيان ومن معه عما هموا به واستمر ذهابهم لمكة
وقد ذكر ابن إسحاق القصة مطولة وفي آخرها أن أبا سفيان مر به ركب من عبد القيس فذكر القصة التي بعد هذه
256 - قوله ز تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم الآية 173
ذكر ابن إسحاق متصلا 325 بالقصة التي قبل هذه قال ومر به أي بأبي
سفيان ركب من عبد القيس فقالوا نريد المدينة نمتار منها فقال فجعل لهم جعلا على أن يبلغوا المسلمين رسالة عنه أنه يقول لهم قد أجمعنا المسير إليكم لنستأصل بقيتكم فمر الركب المسلمين وهم بحمراء الأسد فأخبروه بما قال أبو سفيان فقال حسبنا الله ونعم الوكيل
وقال مقاتل بن سليمان لما انصرف أبو سفيان ومن معه من أحد ولهم الظفر قال النبي إني سائر في أثر القوم وكان النبي يوم أحد على بغلة شهباء فدب ناس من المنافقين إلى بعض المؤمنين فقالوا أتوكم في دياركم فوطؤكم قتلا فكيف تطلبونهم وهم عليكم اليوم أجرا وأنتم اليوم أرعب فوقع في نفوس المؤمنين فقال النبي لأطلبنهم ولو بنفسي فانتدب معه سبعون رجلا حتى بلغوا صفراء بدر فبلغ أبا سفيان فأمعن السير إلى مكة ولقي نعيم بن مسعود الأشجعي متوجها إلى المدينة فقال يا نعيم بلغنا أن محمدا في أثرنا فأخبره أن أهل مكة قد جمعوا جمعا كبيرا من قبائل العرب وأنهم لقوا أبا سفيان فلاموه على رجوعه حتى هموا به فردوه قالوا يا نعيم فإن أنت رددت عنا محمدا فلك عندنا عشرة ذود من الإبل تأخذها إذا رجعت إلى مكة فلقي نعيم النبي بالصفراء فذكر له ذلك
وقال أتاكم الناس فقال النبي حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود إن الناس قد جمعوا لكم الجموع الآيات
وأخرج الطبري من طريق السدي قال لما تجهز رسول الله وأصحابه للمسير إلى بدر الموعد لميعاد أبي سفيان أتاهم المنافقون 326 فقالوا نحن إخوانكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم فعصيتمونا وقد أتوكم في دياركم فقاتلوكم وظفروا فإن توجهتم إليهم لا يرجع منكم أحد فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
وذكر الثعلبي عن أبي معشر أن وفدا من هذيل قدموا المدينة فسألوهم عن أبي سفيان فقالوا قد جمعوا لكم جموعا كثيرة فاخشوهم فنزلت واشتهر في كتب الأصول قصة نعيم بن مسعود وذكر الثعلبي أن عكرمة ومجاهدا وافقا مقاتلا
قلت أما عكرمة فأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره ومن طريق ابن أبي حاتم فقال عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كانت بدر متجرا في الجاهلية فلما كان يوم أحد قال أبو سفيان للنبي موعدك عام قابل بدر فقال هو موعد لك فلما خرج النبي لموعدهم لقيهم رجل فقال إن بها جموعا من المشركين فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوقوا بها ولم يجدوا عندها أحدا فأنزل الله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية
وأما رواية مجاهد فأخرجها الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ذكر الآية فقال هذا أبو سفيان قال لمحمد موعدك بدر حيث قتلتم أصحابنا فقال النبي عسى أن ننطلق قال فذهب لموعده حتى نزلوا بدرا فوافوا السوق فابتاعوا فذلك قوله فانقلبوا بنعمة من الله وفضل
وأخرج عبد بن حميد من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزي قال جعل أبو سفيان للقوم جعلا على أن من لقي 327 منهم أصحاب محمد يخبرهم أن أبا سفيان قد جمع لكم جموعا فإذا قالوا لهم ذلك قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
وأخرج أبو بكر بن مردويه من طريق عبد الرحيم بن محمد بن زياد السكري عن أبي بكر بن عياش عن حميد عن أنس قال قيل للنبي يوم أحد إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
قلت والمحفوظ عن أبي بكر بن عياش ما أخرجه البخاري عن شيخه أحمد ابن يونس عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم الآية
وكذا أخرجه النسائي من رواية يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر
وأخرج سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال عمد رسول الله لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يكيدونهم بذلك يريدون أن يرعبوهم فيقول الرسول حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قدموا بدرا فوجدوا أسواقها عافية أي خالية من التجار فلم ينازعهم فيها أحد وقدم رجل من المشركين فسألوه عن المسلمين فقال
قد نفرت من رفقتي محمد ... وعجوة من يثرب كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد ... قد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد ...
257 - قوله تعالى فانقلبوا بنعمة من الله وفضل 174
تقدم قبل هذه عن مجاهد وغيره
258 - قوله ز تعالى إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم الآية 175
بقية القصة التي تقدمت
259 - قوله ز تعالى ولا يحزنك الذين يسارعون 328 في الكفر 176
تأتي في تفسير سورة المائدة
260 - قوله تعالى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب 179
قال الثعلبي في هذه الآية إشارة إلى أن الذي وقع للمسلمين من الهزيمة يوم أحد كان لتمييز من اندس فيهم من المنافقين فأظهر القتال نفاقهم و يميز الخبيث وهو المنافق من الطيب وهو المؤمن ورجح أن الخطاب للمؤمنين وأن المراد بما كانوا عليه اندساس المنافقين واختلاطهم بهم وتوقعهم بهم الجوائح فميزهم الله بالوقعة المذكورة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي قال حدث رسول الله أصحابه أن أمته عرضت عليه كما عرضت على آدم قال فأعلمت بمن يؤمن بي ومن يكفر بي فبلغ ذلك المنافقين فقالوا يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن
يكفر به ونحن معه ولا يعلم بنا فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قالت قريش يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان ومن اتبع على دينك فهو في الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فنزلت
وقال مقاتل بن سليمان قال الكفار إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن منا ومن يكفر فنزلت
ونقل الثعلبي عن أبي العالية أنه قال سأل المؤمنين أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه الآية
261 - قوله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم الآية 180
1 - قال الواحدي أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة
قال وروى عطية العوفي 329 عن ابن عباس أنها نزلت في أخبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته والبخل على هذا كتمان العلم
وأخرج البخاري من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فأخذه بلهزمتيه يعني شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله الآية
وأخرجه النسائي من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحوه قال النسائي هذا أثبت من رواية عبد الرحمن
قلت بل له أصل من رواية أبي صالح فقد أخرجه ابن حبان من رواية الليث عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح وله طريق أخرى عن أبي صالح
وابن أبي سلمة سلك الجادة وهذا من دقيق نظر البخاري ويحتمل أن يكون
عند عبد الله بن دينار بالوجهين ويؤيده أن رواية ابن عمر ليس فيها للآية ذكر
طريق أخرى عن أبي هريرة أخرجها ابن مردوية والثعلبي من طريق محمد بن أبي حميد عن زياد مولى الخطميين عن أبي هريرة رفعه ما من عبد له مال فيمنعه من حقه ويضعه في غير حقه إلا مثل له فذكره وفيه فيقول أعوذ بالله منك فيقول لم تستعيذ مني وأنا مالك الذي كنت تبخل به فيطوقه في عنقه حتى يدخله جهنم ويصدق ذلك في القرآن فذكر الآية
ومحمد بن أبي حميد ضعيف
وفي الباب عن ابن مسعود له رفعه ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه وهو يفر منه يقول أنا كنزك ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله سيطوقون 330 ما بخلو به يوم القيامة الآية
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم
وعن ثوبان أخرجه أبو يعلى وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وعن عند الطبراني وعن معاوية بن حيدة عند الطبري
وأخرج الطبري والثعلبي من طريق داود بن أبي هند عن أبي قزعة سويد بن حجير عن رجل من قيس رفعه ما من كبير رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله فيبخل عنه إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله
ثم أخرجه الطبري من وجه آخر عن أبي قزعة عن أبي مالك العبدي ولم
يرفعه
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها
وذكره الثعلبي عنه بلفظ نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته قال وأراد بالبخل كتمان العلم
262 - قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا الآية 181
قال الثعلبي ذكر الحسن قائل ذلك حيي بن أخطب
قلت أقوى من ذلك ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق الدشتكي عن أشعث ابن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
أتت اليهود محمدا حين أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فقالوا يا محمد افتقر ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله لقد سمع الله الآية
طريق آخر أتم منه أخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس قال 331 دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد من اليهود أناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال له أشيع فقال له أبو بكر ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله جاء من عند الله بالحق تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل فقال فنحاص والله يا أبا بكر ما لنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه الأغنياء ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فاكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين
فذهب فنحاص إلى رسول الله فقال يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فغضبت لله مما قال فضربت وجهه فقال فنحاص ما قلت ذلك فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء الآية وأخرجه ابن المنذر من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بطوله بغير سند لابن إسحاق وزاد في آخره ونزل في أبي بكر وغضبه من ذلك ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا إلى قوله من عزم الأمور
وذكر الثعلبي عن عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق 332 قالوا كتب النبي مع أبي بكر الصديق إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويقرضوا الله قرضا حسنا فدخل أبو بكر ذات يوم بيت مدارسهم فذكر نحو ما تقدم بطوله
وهذا الصدر ذكره مقاتل بن سليمان بلفظه واقتصر من القصة كلها على قول فنحاص إن الله فقير حين يسألنا القرض
وأما عكرمة فهو الذي أخرجه ابن إسحاق من طريقه لكن الثعلبي إنما أشار إلى ما أخرجه أبن المنذر من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج قال مولى ابن عباس أن النبي بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهودي يستمده ونهى أبا بكر أن يفتات بشيء حتى يرجع فلما قرأ فنحاص الكتاب قد أحتاج ربكم فسنفعل سنمده قال أبو بكر فهممت أن أمده بالسيف وهو متوحشه ثم ذكرت قول النبي فنزلت لقد سمع الله إلى قوله آذى كثيرا في يهود بني قينقاع
وأما السدي فساق القصة كسياق محمد بن إسحاق وقال فنحاص بن عازورا وزاد بعد قوله والإنجيل فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب والباقي سواء إلا أنه قال وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا إن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولم يتعرض لذكر الوفاق
وأخرج عبد بن حميد وغيره من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نزلت في اليهود صك أبو بكر وجه رجل منهم وهو الذي قال أن الله فقير ونحن أغنياء وهو الذي قال يد الله مغلولة قال شبل بلغني أنه فنحاص اليهودي
وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة 333 لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال اليهودي إنما يقترض الفقير من الغني زاد ابن المنذر من طريق سعيد عن قتادة ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب
263 - قوله تعالى الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار الآية 183
قال الثعلبي قال المفسرون كانت الغنائم والقرابين لا تحل لبني إسرائيل فكانوا إذا قربوا قربانا أو قربوا غنيمة فتقبل منهم ذلك جاءت نار بيضاء من السماء وحفيف فتأكل ذلك القربان وتلك الغنم فيكون ذلك علامة القبول فإن لم تقبل تبقى على حالها
قلت
أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج قال كان من كان قبلنا من الأمم يقرب أحدهم القربان فإن تقبل منهم جاءت نار من السماء بيضاء فأكلته فإن لم يتقبل لم تأت تلك النار فيعرف أنه لم يقبل منهم
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي يزيد النعمان بن قيس المرادي عن العلاء بن بدر قال كانت رسل تجيء بالبينات ورسل علامة نبوتهم أن يضع أحدهم لحم البقر على يده فتجيء نار من السماء فتأكله فأنزل الله تعالى قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم الآية
قال قلت للعلاء كيف قال لهم فلم قتلتموهم وهم لم يدركوا ذلك قال لموالاتهم قتلة الأنبياء
ولابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس كان الرجل يتصدق فإذا تقبل منه نزعت عليه نار من السماء فأكلته
ومن طريق جويبر عن الضحاك قالوا يا محمد إن أتيتنا بقربان تأكله النار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس بريد مكة

 الرابط