اندكس ن فح الباري من ن

الرابط

 https://drive.google.com/file/d/1oQ6F4ip_x4FPYXEL9by5sq_at0QyoUMM/view?usp=sharing

اندكس / جاهز للالصاق بأي موفع

الخميس، 23 فبراير 2023

كتاب النحو الوافي لعباس حسن

كتاب النحو الوافي لعباس حسن

نسخ وتنسيق مكتبة مشكاة الإسلامية

 

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي عباس حسن) ضمن الموضوع ( مقدمة الكتاب )


مقدمة الكتاب، ودُستور تأليفه.
بيان هامّ.
1
الحمد لله على ما أنعم، والشكر على ما أوْلَى، والصلاة على أنبيائه ورسله؛ دعاة الهدى، ومصابيح الرشاد. وبعد.
فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو - كما وصفته من قبل - دعامة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه فى جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد علماً منها يستقل بنفسه عن النحو، أو يستغنى عن معونته، أو يسير بغير نوره وهداه.
وهذه العلوم النقلية - على عظيم شأنها - لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، والنفاذ إلى أسرارها، بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول عليه السلام، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة قد ترْقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة، وتسمو به إلى منازل المجتهدين - إلا بإلهام النحو وإرشاده؟ ولأمرٍ ما قالوا: (إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به ...)
وهذه اللغة التى نتخذها - معاشر المستعربين - أداة طَيِّعة للتفاهم، ونسخرها مركبًا ذلولا للإبانة عن أغراضنا، والكشف عما فى نفوسنا، ما الذى هيأها لنا، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها، ومَكَّن لنا من نظمها ونثرها تمكنهم منها، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أطلق لسانهم، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا؟
إنه النحو؛ وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوى، وعماد البلاغىّ، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية جميعًا.
فليس عجيباً أن يصفه الأعلام السابقون بأنه: "ميزان العربية، والقانون الذى تُحكَم به فى كل صورة من صورها" وأن يفرغ له العباقرة من أسلافنا؛ يجمعون أصوله، ويثبتون قواعده، ويرفعون بنيانه شامخًا، ركينًا، فى إخلاص نادر، وصبر لا ينفد. ولقد كان الزمان يجرى عليهم بما يجرى على غيرهم؛ من مرض، وضعف، وفقر؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، كما كان يقدر على سواهم، ولا ينجح فى إغرائهم بمباهج الحياة كما كان ينجح فى إغراء ضعاف العزائم، ومرضى النفوس، من طلاب المغانم، ورواد المطامع. ولقد يترقبهم أولياؤهم وأهلوهم الساعات الطوال، بل قد يترصدهم الموت؛ فلا يقع عليهم إلا فى حلقة درس، أو قاعة بحث، أو جِلسة تأليف، أو ميدان مناظرة، أو رحلة مُخْطرة فى طلب النحو. وهو حين يظفر بهم لا ينتزع علمهم معهم؛ ولا يذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم؛ إذ كانوا يُعِدون لهذا اليوم عُدته من قبل؛ فيدونون بحوثهم، ويسجلون قواعدهم، ويختارون خلفاء من تلاميذهم؛ يهيئونهم لهذا الأمر العظيم. ويشرفون على تنشئتهم، وتعهد مواهبهم؛ إشراف الأستاذ البارع القدير على التلميذ الوفىّ الأمين. حتى إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنيا بنفس مطمئنة، واثقة أن ميدان الإنشاء والتعمير النحوى لم يخل من فرسانه، وأنهم خلَّفوا وراءهم خلفًا صالحًا يسير على الدرب، ويحتذى المثال. وربما كان أسعد حظًّا وأوفر نجحًا من سابقيه، وأسرع إدراكًا لما لم يدركه الأوائل.
على هذا المنهج الرفيع تعاقبت طوائف النحاة، وتوالت زمرهم فى ميدانه، وتلقى الراية نابغ عن نابغ، وألمعىّ فى إثر ألمعىّ، وتسابقوا مخلصين دائبين. فرادى وزَرافات، فى إقامة صرحه، وتشييد أركانه، فأقاموه سامق البناء، وطيد الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها: عصور النهضة، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم ...
هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أو المغرورين.
2
وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز النحو بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ.
بيد أن النحو - كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أو سريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أو تكاد.
وقد خضع النحو العربى لهذا الناموس الطبيعى؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب - بالرغم من شوائب خالطته - وبلغ الفتَاء آخر ذلك القرن، وسنوات من الثالث، فلمع من أئمته نجوم زاهرة؛ كعبد الله بن أبى إسحاق، والخليل، وأبى زيد، وسيبويه، والكسائى، والفراء، ونظرائهم من الأعلام، ثم توالت أخلافهم، على تفاوت فى المنهج، وتخالف فى المادة، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم، ويتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألح الوهن والضعف، على النحو، وتمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورًا، وأثقلت من حمله ما كان خِفًّا، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته، وخلفتْه وراءها مبهورًا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فيه، وتزيدهم نفارًا منه، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أو ما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع.
والحق أن النحو منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى.
فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه - مالا غاية بعده لمستزيد.
ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا - طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هو ميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أو اختصر قاعدته، أو أوضح طريقة تدريسه، أو أراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أو جمع بين مزيتين أو أكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا - على الرغم من ذلك - لم نرى من تصدى للشوائب كلها أو أكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛ فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقدمددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدرى مبلغ توفيقى. ولكن الذى أدريه أنى لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا.
إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق النحو علينا - ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه - أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله - وأكثر منه - قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان: "رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة رسالة الإسلام، خلال سنتى 1957 و 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب سنتشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه - فى رسالة عنوانها: "مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر
على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، سنوات طوالا.
3
وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتى:
1- تجميع مادة النحو كله فى كتاب واحد ذى أجزاء أربعة كبار، تحوى صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغنى عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات النحوية، بالجامعات - دون غيرهم - غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ أول المسائل، وصدرها. ويليه الآخر - بعد نهاية كل مسألة - بعنوان مستقل هو: "زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة"- وبجانبها رقم خاص بها - بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعىّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمّى، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّى الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أو لا يبلغون.
2- العناية أكمل العناية بلغة الكتاب وضوحًا، وإشراقًا، وإحكامًا، واسترسالا؛ فلا تعقيد، ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقف لمناقشة لفظ، أو إرسال اعتراض، أو الإجابة عنه؛ ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم. إلا حين تسايرنا فى البيان الأوفى، والجلاء الأكمل.
أما الاصطلاحات العلمية المأثورة فلم أفكر فى تغييرها، إيمانًا واقتناعًا بما سجله العلماء قديمًا وحديثًا من ضرر هذا التغيير الفردىّ، ووفاء بما اشترطوه فى تغيير "المصطلحات"، أن يكون بإجماع المختصين، المشتغلين بالعلم الذى يحويها.
3- اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة فى أداء مهمتها؛ من توضيح القاعدة، وكشف غامضها فى سهولة ويسر، واقتراب، لهذا تركت كثيرًا من الشواهد القديمة، المترددة بين أغلب المراجع النحوية؛ لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة، وبالمعانى البعيدة التى تتطلب اليوم من المتعلم عناء وجهدًا لا يطيقهما، ولا يتسع وقته لشىء منهما. فإن خلَت من هذا العيب، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها.
والحق أن كثيرًا من تلك الشواهد يحتل المكانة العليا من سمو التعبير، وجمال الأداء، وروعة الأسلوب، وفتنة المعنى. لكنها اختيرت فى عصور تباين عصرنا، ولدواع تخالف ما نحن فيه؛ فقد كانت وسائل العيش حينذاك ميسرة، والمطالب قليلة، والقصد استنباط قاعدة، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظًا القرآن، مستظهرًا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية، متفرغًا للعلوم العربية والشرعية أو كالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال، ووسائل العيش صعبة، والمطالب كثيرة؛ فطالب العلم يمر بهذه العلوم مرًّا سريعًا عابرًا قبل الدراسة الجامعية، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة، انقطعت صلته بتلك العلوم، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببًا، إلا إن كان متفرغًا للدراسات اللغوية؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة، لا تمكنه من فهم دقائقها، ولا ترغبه فى مزيد، وغايته المستقبلة لا ترتبط - فى الغالب - ارتباطًا وثيقًا بالضلاعة فى هذه العلوم، والتمكن منها؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة، ونقيمها حِجَازًا يصعب التغلب عليه، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات. نعم إنها نماذج من الأدب الرائع؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة، أو نُغْفِل القصد أمام المظهر، وإلا فقدنا الاثنين معًا، وفى دروس النصوص الأدبية، وفى القراءة الحرة، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو - متسع للأدباء والمتأدبين؛ يشبع رغبتهم، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة النحو دراسة نافعة، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها، ولا تنتهب جهدًا وقفته الحياة المعاصرة على سواها.
وإن بعض معلمى اليوم ممنَّ يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين - لَيُسْرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالا لما يسميه: "التطبيق النحوى"، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكْدى، ولا وكْد من احتشد للمهمة الكبرى، مهمة: "النحو الأصيل" التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادًا وافيًا شاملا، وعرضها عرضًا حديثًا شائقًا، وكتابتها كتابة مشرقة بهية، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى، ودعوات الإصلاح، وتهيئتها لتلائم طبقات كثيرة، وأجيالا متعاقبة فى بلدان متباينة.
كل هذا بل بعض هذا - لا يساير ذلك "التطبيق التعليمى"؛ فإنه مدرسّى موضعى متغير لا يتسم بسمة العموم، أو ما يشبه العموم، ولا يثبت على حال. على أن هذا الفريق الذى اختار تلك الشواهد ميدانًا لتطبيقه قد فاته ما أشرنا إليه من حاجتها إلى طويل الوقت، وكبير الجهد فى تيسير صعوباتها اللغوية التى أوضحناها. وطلاب اليوم - خاصة - أشد احتياجًا لذلك الوقت والجهد، كى يبذلوهما فى تحصيل ما يتطلبه مستقبلهم الغامض. كما فاته أن خير التطبيق لكبار الطلاب ما ليس محدد المجال، مصنوع الغرض، متكلف الأداء، كالشواهد التى نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبى كامل، أو صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب، أو مقال أدبى - لهى أجدى فى التطبيق، وأوسع إفادة فى النواحى اللغوية المتعددة، وأعمق أثرًا فى علومها وآدابها - من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة. فليتنا نلتفت لهذا، وندرك قيمته العملية، فنحرص على مراعاته، ونستمسك باتباعه مع كبار المتعلمين، ولعل هؤلاء الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون
على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها - فى كثير من اتجاهاتها - قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها.
وعلى الرغم من هذا قد نسجل - أحيانًا مع الحيطة والحذر - بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها - ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها.
4- الفرار من العلل الزائفة، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل: أن يقال: المطابقة للكلام العربى الناصع، ومن الآراء أن يقال: مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها. والقرآنُ الكريم - بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات - فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولا ولا تمحلا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأى دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أو غير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصرىّ أو لكوفىّ، أو بغدادى، أو أندلسى... أو غير هؤلاء... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أو البلبلة فى الأداء والاستنباط.
ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو فى تشريع لغوىّ مأمون، أو تبصير المتخصصين - وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها - فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق - ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه - فى المقدمة التى أشرنا إليها.
5- تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفى ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.
6- عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوِارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة - أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير... فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل... وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعى حقب انقضت، ولم يبق من تلك الحاجات والدواعى ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده.
على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى - والحق يقال - على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزاً نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أى عسير على جمهرة الراغبين - كما أسلفنا.
7- تسجيل أبيات: "ابن مالك" كما تضمنتها "ألفيته"، المشهورة، وتدوين كل بيت فى أنسب مكان من الهامش، بعد القاعدة وشرحها، مع الدقة التامة فى نقله، وإيضاح المراد منه؛ فى إيجاز مناسب، وحرص على ترتيب الأبيات، إلا إن خالفت فى ترتيبها تسلسل المسائل وتماسكها المنطقى النحوى الذى ارتضيناه. فعندئذ نوفق بين الأمرين؛ ترتيب الناظم: وما يقتضيه التسلسل المنطقى التعليمى؛ فننقل البيت من مكانه فى "الألفية"، ونضعه فى المكان الذى نراه مناسبًا، ونضع على يساره الرقم الدال على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها الناظم، ولا نكتفى بهذا؛ فحين نصل إلى شرح المسألة المتصلة بالبيت الذى قبله، ونفرغ منها ومن ذكر البيت الخاص بها؛ تأييدًا لها - نعود فنذكر البيت الذى نقلناه من مكانه، ونضعه فى مكانه الأصلى الذى ارتضاه الناظم، ونشير إلى أن هذا البيت قد سبق ذكره وشرحه فى مكانه الأنسب من صفحة كذا...
وقد دعانا إلى تسجيل أبيات: "ابن مالك" - فى الهامش - ما نعلمه من تمسك بعض المعاهد والكليات الجامعية بها، وإقبال طوائف من الطلاب على تفهمها، والتشدد فى دراستها واستظهارهم كثيراً منها للانتفاع بها حين يريدون. وقد تخيرنا لها مكانًا فى ذيل الصفحات، يقربها من راغبيها، ويبعدها من الزاهدين فيها.
8- الإشارة إلى صفحة سابقة أو لاحقة، وتدوين رقمها إذا اشتملت على ماله صلة وثيقة بالمسألة المعروضة؛ كى يتيسر لمن شاء أن يجمع شتاتها فى سهولة ويسر، ويضم - بغير عناء - فروعها وما تفرق منها فى مناسبات وموضوعات مختلفة.
ولا نكتفى بذكر الرقم الخاص بالصفحة، وإنما نذكره ونذكر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائى الأول من حروفها، وهو: "م" اختصارًا.
والسبب فى الجمع بينهما أن رقم الصفحة عرضة للتغيير بتغير طبعات الكتاب أما رقم المسألة فثابت لا يتغير وإن تعددت الطبعات، فالإحالة عليه إحالة على شىء موجود دائمًا؛ فيتحقق الغرض من الرجوع إليه.
9- ترتيب أبواب الكتاب على النسق الذى ارتضاه ابن مالك فى: "ألفيته" وارتضاه كثيرون ممن جاءوا بعده، لأنه الترتيب الشائع اليوم، وهو فوق شيوعه - أكثر ملاءمة فى طريقته، وأوفر إفادة فى التحصيل والتعليم، ويشيع بعده الترتيب القائم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة، يليها الخاصة بالأفعال ثم الحروف... كما فعل الزمخشرى فى مفصله. وتبعه عليه شراحه. وهذه طريقة حميدة أيضاً. ولكنها تفيد المتخصصين دون سواهم من الراغبين فى المعرفة العامة أوّلا فأولا؛ فالمبتدأ يلازمه الخبر أو ما يقوم مقامه، وقد يكون الخبر جملة فعلية، أو شبه جملة، والفاعل لا بد له من فعل أو ما يقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنين... فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو الفعل أو الفاعل كذلك؟
وهناك أنواع أخرى من الترتيب لكل منها مزاياه التى نراها لا تعدل مزية الترتيب الذى اخترناه، ولا تناسب عصرنا القائم.
والله أرجو مخلصًا أن يجعل الكتاب نافعًا لغة القرآن، عونًا لطلابها، محققًا الغاية النبيلة التى دعت لتأليفه، والقصد الكريم من إعداده.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الكلام وما يتألف منه ) ضمن العنوان ( المسألة الأولى: الكلام وما يتألف منه )


الكلمة - الكلام (أو: الجملة) - الكَلِم - القول.
ما المراد من هذه الألفاظ الاصطلاحية فى عُرف النحويين؟
الكلمة:
حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفًا، (وهى: أ-ب-ت-ث-ج...) وكل واحد منها رمز مجرد؛ لا يدل إلا على نفسه، ما دام مستقلا لا يتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أكثر، نشأ من هذا الاتصال ما يسمى: "الكلمة". فاتصال الفاء بالميم - مثلا - يوجِد كلمة: "فَم"، واتصال العين بالياء فالنون، يوجد كلمة: "عين"، واتصال الميم بالنون فالزاى فاللام، يحدِث كلمة: "منزل"... وهكذا تنشأ الكلمات الثنائية، والثلاثية، والرباعية - وغيرها - من انضمام بعض حروف الهجاء إلى بعض.
وكل كلمة من هذه الكلمات التى نشأت بالطريقة السالفة تدل على معنى؛ لكنه معنى جزئى؛ (أىْ: مفرد)؛ فكلمة: "فم" حين نسمعها، لا نفهم منها أكثر من أنها اسم شىء معين. أما حصول أمر من هذا الشىء، أو عدم حصوله...، أما تكوينه، أو وصفه، أو دلالته على زمان أو مكان، أو معنى آخر - فلا نفهمه من كلمة: "فم" وحدها. وكذلك الشأن فى كلمة: "عين"، و"منزل" وغيرهما من باقى الكلمات المفردة.
ولكن الأمر يتغير حين نقول: "الفم مفيد" - "العين نافعة" - "المنزل واسع النواحى"، فإن المعنى هنا يصير غير جزئى؛ (أى: غير مفرد)؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير، بسبب تعدد الكلمات، وما يتبعه من تعدد المعانى الجزئية، وتماسكها، واتصال بعضها ببعض اتصالا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد؛ هو: اجتماع المعانى الجزئية بعضها إلى بعض، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة.
ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التى: "يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها، ويستطيع السامع أن يكتفى بها". وهذه الفائدة - وأشباهها - وإن شئت فقل: هذا المعنى المركب، هو الذى يهتم به النحاة، ويسمونه بأسماء مختلفة، المراد منها واحد؛ فهو: "المعنى المركب:، أو: "المعنى التام"، أو: "المعنى المفيد" أو: "المعنى الذى يحسن السكوت عليه"...
يريدون: أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيَستحسن الصمت، أو: أن السامع يكتفى به؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئى، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه؛ لعلمه أنه لا يعطى السامع الفائدة التى ينتظرها من الكلام. أو: لا يكتفى السامع بما فهمه من المعنى الجزئى، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل: باب، أو: ريَحان، أو: سماء، أو: سواها... لا يقنع بها.
لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة، برغم أن لها معنى جزئيًّا لا تسمى "كلمةً" بدونه؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد.
مما تقدم نعلم أن الكلمة هى: (اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية، وتدل على معنى جزئى؛ أىْ: "مفرد"). فإن لم تدل على معنى عربى وُضِعت لأدائه فليست كلمة، وإنما هى مجرد صوت.
الكلام (أو: الجملة):
هو: "ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل". مثل: أقبل ضيف. فاز طالب نبيه. لن يهمل عاقل واجبًا...
فلا بد فى الكلام من أمرين معًا؛ هما: "التركيب"، و"الإفادة المستقلة" فلو قلنا: "أقبلَ" فقط، أو: "فاز" فقط، لم يكن هذا كلامًا؛ لأنه غير مركب. ولو قلنا: أقبلَ صباحًا... أو: فاز فى يوم الخميس... أو: لن يهمل واجبه...، لم يكن هذا كلامًا أيضًا؛ لأنه - على رغم تركيبه - غير مفيدة فائدة يكتفى بها المتكلم أو السامع ...
وليس من اللازم فى التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين فى النطق؛ بل يكفى أن تكون إحداهما ظاهرة، والأخرى مستترة؛ كأن تقول للضيف: تفضلْ. فهذا كلام مركب من كلمتين؛ إحداهما ظاهرة، وهى: تفضلْ، والأخرى مستترة، وهى: أنت. ومثل: "تفضل" : "أسافرُ" ... أو: "نشكر" أو: "تخرجُ" ... وكثير غيرها مما يعد فى الواقع كلامًا، وإن كان ظاهره أنه مفرد.
الكَلِم:
هو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر؛ سواء أكان لها معنى مفيد، أم لم يكن لها معنى مفيد. فالكلم المفيد مثل: النيل ثروة مصر - القطن محصول أساسى فى بلادنا. وغير المفيد مثل: إن تكثر الصناعات...
القول:
هو كل لفظ نطق به الإنسان؛ سواء أكان لفظًا مفردًا أم مركبا، وسواء أكان تركيبه مفيدًا أم غير مفيد. فهو ينطبق على: "الكلمة" كما ينطبق على: "الكلام" وعلى: "الكلم". فكل نوع من هذه الثلاثة يدخل فى نطاق: "القول" ويصح أن يسمى: "قولا" على الصحيح، وقد سبقت الأمثلة. كما ينطبق أيضًا على كل تركيب آخر يشتمل على كلمتين لا تتم بهما الفائدة؛ مثل: إن مصر... - أو: قد حضر... أو: هل أنت. أو: كتاب علىّ... فكل تركيب من هذه التراكيب لا يصح أن يسمى: "كلمة"؛ لأنه ليس لفظًا مفردًا، ولا يصح أن يسمى: "كلامًا"؛ لأنه ليس مفيدًا. ولا: "كلمًا"؛ لأنه ليس مؤلفًا من ثلاث كلمات؛ وإنما يسمى: "قوْلاً".
ويقول أهل اللغة: إن "الكلمة" واحد: "الكلم". ولكنها قد تستعمل أحيانًا بمعنى: "الكلام"؛ فتقول: حضرتُ حفل تكريم الأوائل؛ فسمعت "كلمة" رائعة لرئيس الحفل، و"كلمة" أخرى لأحد الحاضرين، و"كلمة" ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلِين. ومثل: اسمعْ منى "كلمة" غالية؛ وهى:
*أحْسِنْ إلى الناس تَستعبدْ قلوبهمُ * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ*
فالمراد بالكلمة فى كل ما سبق هو: "الكلام"، وهو استعمال فصيح، يشيع على ألسنة الأدباء وغيرهم.
وللكلمة ثلاثة أقسام، اسم. وفعل، وحرف.
زيادة وتفصيل:
تعود النحاة - بعد الكلام على الأنواع الأربعة السابقة - أن يوازنوا بينها موازنة أساسها: "علم المنطق" ويطيلوا فيها الجدل المرهق، مع أن الموضوع فى غنى عن الموازنة؛ لبعد صلتها "بالنحو". وبالرغم من هذا سنلخص كلامهم... (وقد يكون الخير فى الاستغناء عنه).
(ا) يقولون: إن موازنة الأنواع السابقة بعضها ببعض؛ لمعرفة أوسعها شمولا، وأكثرها أفرادًا - تدل على أن: "القول" هو الأوسع والأكثر؛ لأنه ينطبق عليها جميعًا، وعلى كل فرد من أفرادها. أما غيره فلا ينطبق إلا على أفراده الخاصة به، دون أفراد نوع آخر؛ فكل ما يصدق عليه أنه: "كلمة" أو: "كلام" أو: "كلم" - يصْدُق عليه أنه: "قول"، ويُعَدّ من أفراد: "القول"، ولا عكس.
هذا إلى أن القول يشمل نوعًا آخر غير تلك الأنواع، وينطبق وحده على أفراد ذلك النوع؛ وهو: كل تركيب اشتمل على كلمتين من غير إفادة تامة منهما؛ مثل: "إنْ حضر"... "ليس حامد" - "ليت مصر"... - "سيارةُ رجل"... فمثل هذا لا يصح أن يسمى: "كلمة، ولا "كلامًا"، ولا "كَلمِا" ومن هنا يقول النحاة: إن القول أعم من كل نوع من الأنواع الثلاثة عمومًا مطلقًا، وأن كل نوع أخص منه خصوصًا مطلقاً... يريدون بالعموم: أن "القول" يشمل من الأنواع أكثر من غيره. ويريدون "بالإطلاق": أن ذلك الشمول عام فى كل الأحوال، بغير تقييد بحالة معينة؛ فكلما وُجد نوع وجد أن "القول"؛ يشمله وينطبق على كل فرد من أفراده - دائمًا -
وأما أن كل نوع أخص - وأن ذلك الخصوص مطلق - فلأن كل نوع من الثلاثة لا يشمل عددًا من الأفراد المختلفة بقدر ما يشمله "القول" ولا ما يزيد عليه. وأن هذا شأنه فى كل الأحوال بغير تقييد، كما يتضح مما يأتى:
كتب: كلمة، ويصح أن تسمى: "قولا." وكذلك كل كلمة أخرى.
كتب على: كلام، ويصح أن يسمى: "قولا ." وكذلك كل جملة مفيدة مستقلة بمعناها، مكونة من كلمتين. - أو أكثر كما سيجئ -
قد كتب صباحًا: كلم، ويصح أن يسمى: "قولا ." وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر، من غير أن يفيد.
كتب على صباحًا: كَلِم أيضًا. ويصح أن يسمى: "كلامًا، أو: قولا". وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر مع الإفادة المستقلة.
كتاب على: يسمى: "قولا ." فقط.. وكذلك كل تركيب يشتمل على كلمتين فقط من غير إفادة.
فالقول منطبق على كل نوع، وصادق على كل فرد من أفراد ذلك النوع ومن غيره.
وقد يوضح هذا كلمة أخرى مثل: ؛ "معدن" ؛ فإن " المعدن" أنواع كثيرة؛ منها الذهب، والفضة والنحاس... فكلمة؛ "معدن" أعم من كل كلمة من تلك الكلمات عمومًا مطلقًا، وكل نوع أخص منه خصوصًا مطلقًا؛ لأن كلمة "معدن" بالنسبة للذهب - مثلا - تشمله، وتشمل نوعًا أو أكثر غيره - كالفضة -. أما الذهب فمقصور على نوعه الخاص، فالمعدن عام؛ لأنه يشمل نوعين أو أكثر. والذهب خاص؛ لأنه لا يشمل إلا نوعًا واحدًا. و"المعدن" عام عمومًا مطلقًا؛ لأنه ينطبق دائمًا على كل فرد من أفراد نوعيه أو أنواعه وذلك فى كل حالات.
* * *
(ب) ثم تأتى الموازنة بين "الكلم" و "الكلام" فتدل على أمرين:
أحدهما: أن "الكلم" و " الكلام" يشتركان معًا فى بعض الأنواع التى يصدق على كل منها أنه: "كلم" وأنه: "كلام" -؛ فيصح أن نسميه بهذا أو ذاك؛ كالعبارات التى تتكون من ثلاث كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا". وكالعبارات التى تتكون من أربع كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا" وهكذا كل جملة اشتملت على أكثر من ذلك مع الإفادة المستقلة.
ثانيهما: أن كلا منهما قد يشتمل على أنواع لا يشتمل عليها الآخر فيصير أعم من نظيره أنواعًا، وأوسع أفرادًا؛ مثال ذلك: أن "الكلم" وحده يصدق على كل تركيب يحوى ثلاث كلمات أو أكثر، سواء أكانت مفيدة، مثل: (أنت خير مرشد) أم غير مفيدة، مثل: (لما حضر فى يوم الخميس) فهو من هذه الناحية أعم وأشمل من الكلام؛ لأن الكلام لا ينطبق إلا على المفيد، فيكون - بسبب هذا - أقل أنواعًا وأفرادًا؛ فهو أخص.
لكن "الكلام" - من جهة أخرى - ينطبق على نوع لا ينطبق عليه "الكلم" كالنوع الذى يتركب من كلمتين مفيدتين؛ مثل: "أنت عالم" وهذا يجعل الكلام أعم. وأشمل من نظيره، ويجعل الكلم أخص.
فخلاصة الموازنة بين الاثنين: أنهما يشتركان حينًا فى نوع (أى: فى عدد من الأفراد)، ثم يختص كل واحد منهما بعد ذلك بنوع آخر ينفرد به دون نظيره؛ فيصير به أعم وأشمل. فكل منهما أعم وأشمل حينًا، وأخص وأضيق حينًا آخر. ويعبر العلماء عن هذا بقولهم: "إن بينهما العموم من وجه، والخصوص من وجه." أو: " بينهما العموم والخصوص الوجهى".
يريدون من هذا: أنهما يجتمعان حينًا فى بعض الحالات، وينفرد كل منهما فى الوقت نفسه ببعض حالات أخرى يكون فيها أعم من نظيره، ونظيره أعم منه أيضاً؛ فكلاهما أعم وأخص معًا. وإن شئت فقل: إن بينهما العموم من وجه والخصوص من وجه (أى؛ الوجهى) فيجتمعان فى مثل قد غاب على ... وينفرد الكلام بمثل: حضر محمود ... وينفرد الكلم بمثل: إنْ جاء رجل ... فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لأنه يشمل المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة اللفظ؛ لعدم اشتماله على اللفظ المركب من كلمتين.
والكلام أعم من جهة اللفظ؛ لأنه يشمل المركب من كلمتين فأكثر. وأخص من جهة المعنى؛ لأنه لا يطلق على غير المفيد.
* * *
(حـ) أما موازنة الكلمة بغيرها فتدل على أنها أخص الأنواع جميعًا.
* * *
شىء آخر يعرض له النحاة بمناسبة: "كلِم". يقولون:
إننا حين نسمع كلمة: رجال، أو: كتب، أو: أقلام، أو: غيرها من جموع التكسير نفهم أمرين:
أولهما: أن هذه الكلمة تدل على جماعة لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد.
ثانيهما: أن لهذا الجمع مفردًا نعرفه من اللغة؛ هو: رجل، كتاب، قلم ... وكذلك حين نسمع لفظ: "كَلِم" نفهم أمرين:
أولهما: أنه يدل على جماعة من الكلمات، لا تقل عن ثلاث، وقد تزيد؛ (لأن "الكَلِم" فى الأصل يتركب من ثلاث كلمات أو أكثر؛ فهو من هذه الجهة يشبه الجمع فى الدلالة العددية؛ فكلاهما يدل على ثلاث أو أكثر).
ثانيهما: أن "للكلم" مفردًا نعرفه ونصل إليه بزيادة تاء للتأنيث فى آخره؛ فيصير بزيادتها - وموافقة اللغة - دالا على الواحد، بعد أن كان دالا على الجمع، فتكون: "كلمة" هى مفردة: "الكلم"؛ مع أنهما متشابهان فى الحروف، وفى ضبطها، ولا يختلفان فى شىء؛ إلا فى زيادة التاء فى آخر: "الكلمة" - بموافقة اللغة -. وهو بسبب هذا يختلف عن الجموع؛ فليس بين الجموع ما ينقلب مفردًا وينقص معناه من الجمع إلى الواحد من أجل اتصال تاء التأنيث بآخره. ولذلك لا يسمونه جمعًا، وإنما يسمونه: "اسم جنس جمعيًّا". ويقولون فى تعريفه:
"إنه لفظ معناه معنى الجمع، وإذا زيدت على آخره تاء التأنيث - غالباً - صار مفردًا".
أو هو: "ما يُفْرَق بينه وبين واحده بزيادة تاء التأنيث - غالبًا - فى آخره".
ومن أمثلته: تفاح وتفاحة - عنب وعنبة - تمر وتمرة - شجر وشجرة - وهذا هو النوع الغالب، كما أشرنا.
وهناك نوع يُفرَق بينه وبين مفرده بالياء المشددة، مثل: عرب وعربىّ، جُنْد وجندى، رُوم ورومى، تُرْك وترْكىّ.
وقد يُفْرَق بينه وبين واحده بالتاء فى جمعه، لا فى مفرده؛ مثل كَمْأة، وكمْء".
ولهم فى اسم الجنس الجمعىّ - من ناحية أنه جمع تكسير، أو أنه قسم مستقل بنفسه - آراء متضاربة ومجادلات عنيفة؛ لا خير فيها، وإنما الخير فى الأخذ بالرأى القائل: إنه جمع تكسير. وهو رأى فيه سداد، وتيسير، ولن يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة، أو خروج على قاعدة من قواعدها، وأحكامها السليمة.
هذا من جهة الجمع أو عدمه. بقى الكلام فى المراد من: "اسم الجنس" والمعنى الدقيق له. وفيما يلى إشارة موجزة إليهما:
إن كلمة مثل كلمة: "حديد" تدل على معنى خاص؛ هو: تلك المادة المعروفة، وذلك العنصر المفهوم لنا. فمن أين جاء لنا فهمه؟ وكيف وصل العقل إلى انتزاع المعنى وإقراره فى باطنه؟
رأينا قطعة من الحديد أول مرة، ثم قطعة أخرى بعد ذلك، ثم ثالثة، فرابعة، فخامسة، ... ولم نكن نعرف الحديد، ولا اسمه، ثم استعملنا تلك القطَع فى شئوننا، وعرفنا بالاستعمال المتكرر بعض خواصها الأساسية؛ وإذا رأينا بعد ذلك قطعًا من صنفها فإننا نعرفها، ولا تكون غريبة على عقولنا، ونشعر بحاجة إلى اسم نسمى به هذا الصنف...
فإذا رأينا بعد ذلك قطعة من جنس آخر (أى: من صنف آخر) كالذهب، ولم نكن استعملناه فى شئوننا - وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتية؛ فلا شك أننا سنحتاج إلى اسم يميز هذا الجنس من سابقه، بحيث إذا سمعنا الاسم ندرك منه المراد، ونتصور معناه تصورًا عقليًّا من غير حاجة إلى رؤية تلك القطَع والنماذج؛ فوضَعْنا للجنس الأول اسمًا هو: "الحديد"، ووضعنا للجنس الثانى اسما يخالفه هو: "الذهب". فالحديد اسم لذلك الجنس (الصنف المعروف)، وكذلك "الذهب"، وغيرهما من أسماء الأجناس... وصرنا بعد ذلك حين نسمع كلمة: "الذهب" أو "الحديد" ندرك المراد منها إدراكًا عقليًا بحتًا، فيقفز إلى ذهننا مباشرة مدلولها الخاص، من غير ربط - فى الغالب - بينها وبين شىء آخر من عنصرها، ومادتها، أو من غيرهما. وهذا الفهم هو ما يعبر عنه: بأنه "إدراك الماهية المجردة" أى: "إدراك حقيقة الشىء الذهنية، وصورته المرسومة فى العقل وحده". يريدون بذلك: المعنى الذى يفهم من الكلمة فهمًا عقليًّا مجردًا - فى الغالب - أى: بعيدًا عن عالم الحسّ، وعن تخيل النماذج والصور المختلفة المصنوعة منه، أو غير المصنوعة، والتى تساعد فى إيضاح المراد منه.
ومثل كلمة: الـ"حديد" غيرها من أسماء الأجناس - كما أسلفنا - ومنها: فضة، رجل، خشب. طائر ...
ثم إن هذا الجنس (أو: الماهية المجردة، والحقيقة الذهنية البحتة) ثلاثة أنواع، لكل منها اسم:
الأول: اسم الجنس الجمعى، وقد سبق.
الثانى: اسم الجنس الإفرادى؛ وهو الذى يصدق على القليل والكثير من الماهية (أى: من الحقيقة الذهنية) من غير اعتبار للقلة أو الكثرة. (مثل: هواء، ضوء، دم، ماء) فكل واحد من هذه وأشباهها يسمى بهذا الاسم؛ سواء أكان قليلا أم كثيرًا.
والثالث: اسم الجنس الآحادى؛ وهو: الذى يدل على الماهية (أى الحقيقة الذهنية) ممثلة فى فرد غير معين من أفرادها، ولا يمكن تصورها فى العقل إلا بتخيل ذلك الفرد غير المعهود، واستحضار صورة له فى الذهن؛ مثل: أسامة للأسَدَ.
* * *
ملاحظة: يُردد النحاة وغيرهم من المشتغلين بالعلوم والفنون المختلفة كلمة: "القاعدة" ويذكرونها فى المناسبات المختلفة، فما تعريفها؟
قالوا: "القاعدة - وجمعها: قواعد - هى فى اللغة: الأساس. وفى الاصطلاح: حُكم كُلّىّ ينطبق على جميع أجزائه وأفراده؛ لتعرف أحكامها منه).
وعلى الرغم من شيوع هذا التعريف فى مراجعهم ومطولاتهم - عارضَ بعض النحاة فى كلمة: "حكم" مفضلاً عليها كلمة "قضية" كليّة بحجة أن القاعدة فى مثل قولنا: "كل فاعل مرفوع" تشمل "المحكوم به"، و "المحكوم عليه"، و "الحكم"، فلا بدّ أن تشمل أمورًا ثلاثة، ولا تقتصر على "الحكم".
وقد دفع الاعتراض: بأن الاقتصار على "الحكم" فى ذلك التعريف الشائع، مقبول؛ لأنه نوع من المجاز، إذ فيه إطلاق الجزء - وهو الحُكم - على القضية الكليّة التى هى اسم يجمع المحكوم به، والمحكوم عليه، والحكم.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الكلام وما يتألف منه ) ضمن العنوان ( المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة: الاسم، والفعل والحرف. )


الاسم: كلمة تدل بذاتها على شىء محسوس، - مثل: نحاس، بيت، جَمل، نخلة، عصفورة، محمد ... - أو شىء غير محسوس، يعرف بالعقل؛ (مثل: شجاعة، مروءة، شرف، نُبل، نبوغ ...) وهو فى الحالتين لا يقترن بزمن.
علاماته: أهمها خمسة، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلا على أن الكلمة "اسم".
العلامة الأولى: الجر؛ فإذا رأينا كلمة مجرورة لداع من الدواعى النحوية، عرفنا أنها اسم؛ مثل: كنت فى زيادةِ صديقٍ كريمٍ. فكلمة: "زيارةِ" اسم؛ لأنها مجرورة بحر الجر "فى"، وكلمة: "صديق" اسم؛ لأنها مجرورة؛ إذ هى "مضاف إليه"، وكلمة: "كريم" اسم؛ لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها؛ فهى نعت لها.
العلامة الثانية: التنوين؛ فمن الكلمات ما يقتضى أن يكون فى آخره ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان؛ مثل: جاء حامدٌ - رأيت حامدًا - ذهبت إلى حامد. طار عصفورٌ جميلٌ - شاهدت عصفورًا جميلاً - استمعت إلى عصفورٍ جميلٍ ... وهذه الكلمات لا تكون إلا أسماء.
وكان الأصل أن تكتب هى وأشباهها كما يكتبها علماء "العَروض" هكذا:
حامدُنْ - حامدَنْ - حامدِنْ. عصفورُنْ جميلُنْ ... عصفورَنْ جميلَنْ ... عصفورِنْ جَميلِنْ... أى: بزيادة نون ساكنة فى آخر الكلمة؛ تحدث رنينًا خاصًّا؛ وتنغيمًا عند النطق بها. ولهذا يسمونها: "والتنوين" أى: التصويت والترنيم؛ لأنها سببه. ولكنهم عدلوا عن هذا الأصل، ووضعوا مكان "النون" رمزًا مختصرًا يغنى عنها، ويدل - عند النطق به - على ما كانت تدل عليه؛ وهذا الرّمز هو: الضمة الثانية، والفتحة الثانية، والكسرة الثانية... على حسب الجمل... ويسمونه: "التنوين"، كما كانوا يسمون النون السالفة، واستغنوا بها الرمز المختصر عن "النون"؛ فحذفوها فى الكتابة، ولكنها لا تزال ملحوظة يُنْطَق بها عند وصل بعض الكلام ببعض، دون الوقف.
ومما تقدم نعلم: أن التنوين نون ساكنة، زائدة. تلحق آخر الأسماء لفظًا، لا خطًا ولا وقفًا.
العلامة الثالثة: أن تكون الكلمة مناداة، مثل: يا محمدُ، ساعد الضعيف. يا فاطمة، أكرمى أهلك. فنحن ننادى محمدًا، وفاطمة. وكل كلمة نناديها اسم، ونداؤها علامة اسميتها.
العلامة الرابعة: أن تكون الكلمة مبدوءة (بأل) مثل: العدل أساس الملك.
العلامة الخامسة: أن تكون الكلمة منسوبًا إليها - أى: إلى مدلولها - حصولُ شىء، أو عدم حصوله، أو مطلوبًا منها إحداثه، مثل: علىٌّ سافرَ. محمود لم يسافر. سافرْ يا سعيد. فقد تحدثنا عن "علىّ" بشىء نسبناه إليه. هو: السفر، وتحدثنا عن "محمود" بشىء نسبناه إليه؛ هو عدم السفر، وطلبنا من "سعيد" السفر. فالحكم بالسفر، أو بعدمه، أو بغيرهما، من كل ما تتم به الفائدة الأساسية يسمى: إسنادًا، وكذلك الحكم بطلب شىء من إنسان أو غيره... فالإسناد هو: "إثبات شىء لشىء، أو نفيه عنه، أو طلبه منه".
هذا، واللفظ الذى نسب إلى صاحبه فعل شىء أو عدمه أو طُلب منه ذلك، يسمى: "مسنَدًا إليه"، أى: منسوبًا إليه الفعل، أو الترك، أو طُلب منه الأداء. أما الشىء الذى حصل ووقع، أو لم يحصل ولم يقع، أو طُلب حصوله - فيسمى: "مسندًا"، ولا يكون المسند إليه اسما. والإسناد هو العلامة التى دلت على أن المسند إليه اسم.
زيادة وتفصيل:
(ا) تعددت علامات الاسم، لأن الأسماء متعددة الأنواع؛ فما يصلح علامة لبعض منها، لا يصلح لبعض آخر، كالجر، فإنه لا يصلح علامة لضمائر الرفع، كالتاء - ولا يصلح لبعض الظروف؛ مثل: قَطُّ: وعَوْضُ. وكالتنوين؛ فإنه يصلح لكثير من الأسماء المعربة المنصرفة، ولا يصلح لكثير من المبنيات. وكالنداء فإنه يصلح وحده للأسماء الملازمة للنداء؛ مثل: يا فل (أى: يا فلان)، ويا مكرَمان للكريم الجواد، وغيرهما مما لا يكون إلا منادى. وهكذا اقتضى الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء ...
(ب) للاسم علامات أخرى؛ أهمها:
1- أن يكون مضافًا؛ مثل: تطرب نفسى لسماع الغناء. وقراءة كتب الأدب.
2- أن يعود عليه الضمير، مثل: جاء المحسن. ففى "المحسن" ضمير. فما مرجعه؟ لا مرجع له إلا "أل"؛ لأن المعنى: "جاء الذى هو محسن" ولهذا قالوا "أل" هنا: اسم موصول. وكذلك قد فاز المخلص، وأفلح الأمين.
3- أن يكون مجموعًا. مثل: مفاتيح الحضارة بيد علماء، وهبوا أنفسهم للعلم. فكوْن الاسم جمعًا خاصة من خواص الأسماء.
4- أن يكون مصغرًا؛ "لأن التصغير من خواص الأسماء كذلك" مثل: حُسَين أصغر من أخيه الحسن.
5- أن يبدل منه اسم صريح؛ مثل: كيف علىّ؟ أصحيح أم مريض؛ فكلمة: "صحيح" اسم واضح الاسمية، وهو بدل من كلمة: "كيف" فدلّ على أن "كيف" اسم.
6- أن يكون لفظه موافقاً لوزن اسم آخر، لا خلاف فى اسميته؛ كنزَال فإنه موافق فى اللفظ لوزن: "حَذَامِ" اسم امرأة، وهو وزن لا خلاف فىَ أنه مقصور على الأسماء. ولولا هذه العلامة لصعب الحكم على "نَزَالِ" بالاسمية؛ لصعوبة الاهتداء إلى علامة أخرى.
7- أن يكون معناه موافقًا لمعنى لفظ آخر ثابت الاسمية؛ مثل: قَطُّ. عَوْضُ. حيث... فالأولى ظرف يدل على الزمن الماضى، والثانية ظرف يدل على الزمن المستقبل، والثالثة بمعنى المكان - فى الأغلب - وبهذه العلامة أمكن الحكم على الكلمات الثلاثة بالاسمية؛ إذ يصعب وجود علامة أخرى.
(جـ) سبق أن من علامات الاسم الإسناد: وقد وضحناه. وبقى أن نقول: إذا أسندتَ إلى كلمة قاصدًا منها لفظها، وكان لفظها مبنيًا - كما لو رأيت كلمة مكتوبة؛ مثل: "قَطفَ" أو: "مَنْ" "أو: رُبَّ"، وأردت أن تقول عن لفظها المكتوب؛ إنه جميل، وهو لفظ مبنى فى أصله كما ترى - فإنه يجوز أحد أمرين.
أولهما: أن تحكيها بحالة لفظها، وهو الأكثر؛ فيكون إعرابها مقدرًا، منع من ظهور علامته حكاية اللفظ على ما كان عليه أولا؛ من حركة، أو سكون، فلا يدخل على آخر الكلمة تغيير.
ثانيهما: أن تعربها على حسب العوامل إعرابًا ظاهرًا مع التنوين؛ فتقول: قَطَفٌ جميلةٌ - بالرفع والتنوين فى هذا المثال - إلا إن كان فى آخر الكلمة ما يمنع ظهور الحركة؛ كوجود ألف مثلا، كقولك: "علىَ" حرف جر، فإنها تعرب بحركة مقدرة، وتُنَون، مالم يمنع من تنوينها مانع؛ كالإضافة...
وإذا كانت الكلمة ثنائية. وثانيها حرف لين، ضاعفته. فتقول فى "لوْ": لوٌّ. وفى كلمة "فى": فىٌّ. وفى كلمة "ما": "ماء". بقلب الألف الثانية الحادثة من التضعيف همزة، لا متناع اجتماع ألفين.
ويرى بعض النحاة: أن الحرف الثانى الصحيح من الكلمة الثنائية لا يضاعف إلا إذا صارت الكلمة علمًا لشىء آخر غير لفظها، كأن تسمى شيئًا: "بل" أو: "قدْ" أو: "هل" ... أما إذا بقيت على معناها الأصلى وقصد إعرابها فلا يضاعف ثانيها؛ سواء أكان صحيحًا مثل: "قَدْ" أم لَينًا مثل: "لَوْ" ...
(د) الاسم ثلاثة أقسام:
ظاهر، مثل كلمة: "محمد" فى : "محمد عاقل"، ومضمر، أى: غير ظاهر فى الكلام، مع أنه موجود مستتر، مثل الفاعل فى قولنا: أكرمْ صديقك؛ فإن التفاعل مستتر وجوبًا تقديره: "أنت"، ومبهم"، لا يتضح المراد منه ولا يتحدد معناه إلا بشىء آخر، وهو اسم الإشارة؛ مثل: هذا نافع، واسم الموصول؛ مثل: الذى بنى الهرم مهندس بارع.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الكلام وما يتألف منه ) ضمن العنوان ( المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه )


التنوين الذى يعتبره النحاة علامة على أن الكلمة اسم - أنواع؛ أشهرها أربعة؛ هى: التنوين الأمْكَنِيَّة - تنوين التنكير - تنوين التعويض - تنوين المقابلة، ولهم فى كل نوع آراء مختلفة، سنستخلص الرأى السليم منها:
النوع الأول: تنوين الأمكنية:
ولتوضيحه نقول: إن الأسماء أربعة أقسام:
(ا) قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجُمل، ويدخله التنوين فى آخره؛ مثل: علىٌّ، شجرةٌ، عصفورٌ، ... تقول: جاء علىٌّ، برفع آخره وتنوينه... رأيت عليًّا؛ بنصب آخره وتنوينه. ذهبت إلى علىِّ، بجر آخره وتنوينه... وكذلك باقى الأسماء السابقة وما يشبهها. وهذا القسم من الأسماء يسمى: "المُعْرَب الْمُنصرف".
(ب) قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجمل، ولكنه لا ينوّن؛ مثل: أحمد، فاطمة، عثمان... تقول: جاء أحمدُ، رأيت أحمدَ، ذهبت إلى أحمدَ... وكذلك باقى الأسماء السالفة، وما أشبهها: فإنها لا تنون، مهما اختلفت العوامل. وهذا القسم يسمى: "المعرب غير المنصرف". وله باب خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف...
(حـ) قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب. لكن قد يدخله التنوين أحيانًا لغرض. وإليك الإيضاح.
من الأسماء القديمة: خَالَوَيْه، نِفْطَوَيْه، عَمْرَوَيْه، سِيبَويْهِ. وغيرها من أعلام الأشخاص المبنية على الكسر - غالباً - المختومة بكَلمة: "وَيْه". فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام، وكان معينا معهودًا بينك وبين من تخاطبه، معروفًا بهذا الاسم، لا تختلط صورته فى الذهن بصورة غيره - فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى المعربة التى يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه؛ مثل: محمد، أو: صالح، أو: محمود، أو: غيرهم ...
أما إذا أتيت بالتنوين فى آخر الكلمة فإن المراد يتغير؛ إذ تصير كمن يتحدث عن شخص غير مُعَين، لا يتميز من غيره المشاركين له فى الاسم، فكأنك تتحدث عن رجل أىّ رجل مسمى بهذا الاسم.
ومن الأمثلة أيضًا ما ليس بعلَم، مثل: صَهْ، إيهِ، غاقِ.
وهذه الكلمات المبنية وأشباهها تكون منونة حينًا، وغير منونة حينًا آخر، كأن تسمع شخصًا يتحدث فى أمر معين لا يرضيك؛ فتقول له: صَهْ، (بسكون الهاء من غير تنوينها). فكأنك تقول له: اسكت عن الكلام فى هذا الأمر الخاص، ولك أن تتكلم فى أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له: صه (بالتنوين) فمرادك: اترك الكلام مطلقًا فى جميع الموضوعات؛ لا فى موضوع معين.
ولو قلت له: "إيهِ" (بالكسر من غير التنوين) لكان المقصود: زدنى من الحديث المُعَين الذى تتكلم فيه الآن. ولا تتركه. أما إذا قلت: "إيهٍ" بالتنوين فإن المراد يكون: زدنى من حديث أىّ حديث؛ سواء أكان ما نحن فيه أم غيره.
كذلك: صاح الغراب غاقِ (بغير تنوين) فالمراد أنه يصيح صياحًا خاصًّا، فيه تنغيم، أو حزن، أو فزع، أو إطالة... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح.
فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة - وأشباهها - هو الدليل على أنك تريد شيئًا واحدا معينًا، واضحًا فى ذهنك، معهودًا لك ولمخاطبك؛ سواء أكان ذلك الشىء شخصًا أم غير شخص، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئًا غير مُعَين بذاته، وإنما هو مختلط بين نظائره المماثلة له، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالى من التنوين: "معرفة"، لأن مدلولها معروف مُعَين. والكلمة التى من النوع الثانى المنَوّن: "نكرة"؛ لأن معناها مُنَكر - أى: شائع - غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها: "تنوين التنكير" أى: التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو: "العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة، وتدل بحذفها على أنها معرفة".
(د) قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين؛ مثل: هؤلاءِ حيثُ... كمْ... تقول: جاءَ هؤلاءِ، أبصرتُ هؤلاءِ، انتفعت بهؤلاءِ... (بالكسر فى كل الحالات، بغير تنوين، فهو مبنى، وغير منون).
من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب، وبعضها مبنى، وأن كل واحد منهما قد يكون منونًا، وقد يكون غير منون.
والقسم الأول: "ا" وحده هو الذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معًا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون مُعْربة ومنونة، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة؛ فكلما ابتعد الاسم عن مشابهة الحرف والفعل فى البناء وعدم التنوين كان أكثر أصالة فى الاسمية، وأشدّ تمكنًا.
وبتطبيق هذا على الأقسام الأربعة السالفة يتبين أن القسم الأول أقواها جميعًا فى الاسمية، وأعلاها فى درجتها؛ لأنه لا يشبههما فى شىء؛ فهو مُعرب؛ أما الحروف وأكثر الأفعال فمبنية. وهو منون؛ والتنوين لا يدخل الأفعال ولا الحروف.
ثم يليه فى القوة والأصالة؛ القسم الثانى: "ب"؛ لأنه معرب، والحروف وأكثر الأفعال مبنية - كما سبق - لكنه يشبه الأفعال والحروف فى عدم التنوين. ثم يليه القسم الثالث: "حـ" وهو أضعف من القسمين السابقين؛ لبنائه الدائم، ولعدم تنوينه أحيانًا. أما الرابع: "د" فهو أضعف الأقسام كلها، لأنه مبنى دائمًا، ولا ينون مطلقًا. فاجتمع فى القسم الأول العاملان الدالان على التباعد وعدم المشابهة، أما القسم الثانى فليس فيه إلا عامل واحد؛ لهذا يسمى القسم الأول: "المتمكن الأمكن"، أى: القوىّ فى الاسمية، الذى هو أقوى أصالة فيها، وأثبتُ مكانة من غيره. ويسمى التنوين الذى يلحقه: تنوين "الأمكنية" أو: "الصرْف" ويقولون فى تعريفه - "إنه التنوين الذى يحلق آخر الأسماء المعربة المنصرفة؛ ليدل على خفتها، وعلى أنها أمكَنُ، وأقوى فى الاسمية من غيرها" كما يسمى القسم الثانى: "المتمكن" فقط. وما عداهما فغير متمكن.
* * *
النوع الثانى: تنوين التنكير:
وهو "الذى يلحق - فى الأغلب - بعض الأسماء المبنية؛ ليكون وجوده دليلا على أنها نكرة، وحذفه دليلا على أنها معرفة" وهو الذى سبق إيضاحه وشرحه فى القسم الثالث: "حـ" من الأسماء.
* * *
النوع الثالث: تنوين التعويض، أو العِوَض:
من الدواعى ما يقتضى حذف حرف من كلمة، أو حذف كلمة كاملة، أو حذف جملة بتمامها أو أكثر؛ فيحل التنوين محل المحذوف، ويكون عوضًا عنه. فمن أمثلة - حذف الحرف ما يأتى:

الفعل الثلاثى

بعض المشتقات منه (اسم الفاعل)

وَضْع المشتق فى جملة بعد جمعه جمع تكسير

 

الحرف المحذوف

بقِىَ

باقيةٌ

النقود بواقٍ. سأزيد على بَواقٍ.

 

 

هو الحرف الأخير من الجمع، وهذا الحرف الأخير أصله الحرف الثالث الأصلى من الفعل الماضى.

مضىَ

مَاضية

الليالى مواضٍ بحوادثها. لا أحزن لمواضٍ.

بكى

باكيةٌ

العيون بواكٍ. أسفتُ لبواكٍ على ما فات.

سقىَ

سَاقيةٌ

هذه سواقٍ. شرب الزرع من سواقٍ فياضة.

نَمى

نَاميةٌ

الزروع نوامٍ. سوف أحرص على نوامٍ من الزروع.

رنا (بمعنى: نظر)

رانِيةٌ

العيون روان للزهر. عجبت من روانٍ للزهر.

فهنا بعض أفعال ثلاثية، أصلية الحروف، أى: لا يحذف منها حرف فى المشتقات المختلفة إلا لداع قوىّ، لكن الحرف الأخير من تلك الأفعال قد حذف فى جمع التكسير، وحل مكانه التنوين؛ عِوضًا عنه، فالتنوين المشاهد فى آخر كل جمع مما سبق إنما هو تعويض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول: الكلمة مرفوعة بالضمة على الياء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة.
أما حذف كلمة ومجئ التنوين عوضًا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة: "كل"، أو "بعض" - وما فى حكمهما - ومن أمثلته:
قسمت المال بين المستحقين؛ فأعطيت كُلاًّ نصيبه، أى: كل مستحقٍ.
حضرت الضيوف فصافحت كُلاًّ منهم. أى: كل ضيفٍ.
تعجبنى الصحف اليومية غير بعضٍ. أى: بعضٍ الصحفِ.
اعتدل الجو أيام الشتاء إلا بعضًا. أى: بعض أيامٍ.
وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجئ التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ" المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو "ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التى تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية:
جاء الصديق، وكنت (حين إذْ جاء الصديق) غائبًا - جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا.
أكرمتنى؛ فأثنيت عليك (حين إذ أكرمتنى) - أكرمتنى فأثنيت عليك "حينئذ".
سابقت، وكان زملاؤك (ساعة إذ سابقتَ) يرجون لك الفوز - سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز.
مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ (ساعة إذ مشيتَ) وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك.
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم.
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ"...
ومنه قوله تعالى: {إذا زُلزلت الأرضُ زِلزالها * وأخرجت الأرضُ أثقالها * وقال الإنسان مَالَها * يومئذٍ تُحدّث أخبارَها}.
فقد حذفت - فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: (إذْ) مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين - حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملا بقواعد رسم الحروف (الإملاء).
مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجئ بدلا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغنى عنه.
ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أى: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية.
* * *
النوع الرابع: تنوين المقابلة:
إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ.
لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبق فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟
يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالأف والتاء الزائدتين. (جمع المؤنث السالم وملحقاته) - وكلاهما جمع سلامة - كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثانى، ليكون مقابلا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه:
إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم.
إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده.
وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعى لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافى".
زيادة وتفصيل:
(ا) التنوين ساكن، إلا إن جاء بعده حرف ساكن أيضًا؛ فيتحرك التنوين بالكسر، وقد يجوز تحريكه بالضم، مثل: "وقف خطيبٌ استمعتُ خطبته (خطيبُنُِ استمعتُ خطبته)، وصاح قائلا افهموا، (قائلنُِ افهموا). فقد وقعت السين ساكنة، بعد التنوين، وكذلك الفاء؛ فتحركت التنوين بالكسر أو بالضم، وكلاهما جائز، والكسر أكثر إلا حين يكون بعد التنوين حرف ساكن بعده حرف مضموم لزومًا؛ مثل: "أقبل عالمٌ اخرُجْ لاستقباله" - فالخاء الساكنة بعد التنوين وليها حرف مضموم حتما؛ فيكون الأحسن تحريك التنوين بالضم، فتقول: "عالمنُ اخرُج"؛ لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم فى النطق. ومثله: "هذه ورقةٌ اكتُبْ فيها". فالكاف الساكنة بعد التنوين جاء بعدها التاء المضمومة، فكان من الأوفق تحريك التنوين بالضم؛ ليكون الانتقال من الضم إلى الضم، وهو أخف فى النطق من الانتقال من الكسر إلى الضمّ. تقول: "هذه ورقتنُ اكتُب فيها".
ومن العرب من يجيز حذف التنوين إذا وليه ساكن. وهذا أسهل اللغات كلها؛ فيقول: "وقف خطيبُ اسمعْ خطبته"؛ وصاح "قائلَ افهموا" و "أقبل عالمُ اخرج لاستقباله" وحبذا الاقتصار عليه بشرط التنبه إلى أن الكلمات التى حذف منها ليست ممنوعة من الصرف.
وبهذه المناسبة نقول:
إن هناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبًا، منها:
1- وجود "أل"، فى صدر الكلمة المنونة؛ مثل: جاء رجلٌ، بالتنوين من غير "أل"، وبحذفه وجوبًا معها؛ مثل: جاء الرجل.
2- أن تضاف الكلمة المنونة؛ مثل: جاء رجلُ المروءةِ.
3- أن تكون الكلمة المنونة شبيهة بالمضاف؛ مثل: لا مالَ لمحمود، بشرط أن يكون الجار والمجرور صفة؛ وخبر "لا" النافية للجنس محذوفًا. أى: لا مالَ لمحمود حاضر. فكأنك تقول: لا مالَ محمودٍ حاضر" فتفترض إضافة ملحوظة، مقدرة، لغرض يتصل بالمعنى المراد. وقد تفترض أن اللام زائدة؛ كأنها غير موجودة بين المضاف والمضاف إليه وأن الكلام يحوى إضافة ظاهرة.. ومن المستحسن عدم الالتجاء لهذا، قدر الاستطاعة.
أما إن كان الجار والمجرور هما الخبر فليس هناك تنوين محذوف. وإنما فتحة بناء فى آخر كلمة: "مال" التى هى اسم "لا" النافية للجنس.
4- أن تكون الكلمة ممنوعة من الصرف؛ مثل: اشتهر "سحبانُ" بالفصاحة لم أسمع "سحبانَ"... ولكن قرأت خُطب "سحبانَ"...
5- الوقف على الكلمة المنونة فى حالة الرفع أو الجر. ومعنى الوقف انتهاء الكلام عند النطق بآخرها. مثل: هذا أمرٌ عجيبْ - فكّرت فى أمر عجيبْ... فإن كانت منصوبة. فإن التنوين ينقلب ألفًا فى اللغة المشهورة. مثل: شاهدت أمْرَا، عند الوقوف على كلمة: "أمرًا" المنونة. وشاهدت أمرًا "عجيبَا"؛ عند الوقوف على كلمة: "عجيبًا" المنونة.
6- أن يكون الاسم المنون علمًا، مفردًا، موصوفًا، مباشرة - أى من غير فاصل - بكلمة: "ابن" أو: "ابنة" وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر مفرد، أو غير مفرد. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. ولا يشترط فى واحد من العلمين التذكير. فمجموع الشروط سبع؛ إذا تحققت مجتمعة حذف التنوين نطقًا وكتابة، وحذفت همزة الوصل وألفها من "ابن وابنة" كتابة ونطقًا، بشرط ألا تكون إحداهما أول السطر، ولا خاضعة لضرورة شعرية تقضى بإثباتها؛ فمثال الحذف: هذا محمدُ بن هاشم. وهذه هندُ بنة محمود. وإن اختل شرط من الشروط السبعة لم يحذف التنوين، ولا ألف "ابن وابنة".

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الكلام وما يتألف منه ) ضمن العنوان ( المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، علامة كل )


(ا) فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.
كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة (من غير حاجة إلى كلمة أخرى)... على أمرين.
أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أو الرجوع، ويسمى: "الحَدَث"،
وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى (أىْ: ذلك الحدث) وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام.
(ب) وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع"... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى (الحدَث) والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هو زمن صالح للحال، والاستقبال.
(حـ) وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ"... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى (الحدَث) وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل:
كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى (أىْ: حدث) وزمن يقترن به
وأقسامه ثلاثة: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَاركَ الذى جَعَل فى السماء بُرُوجًا، وجَعَلَ فيها سِرَاجًا؛ وقَمَرًا مُنِيرًا}.
ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى}، ولا بد أن يكون مبدوءاً بالهمزة، أو النون، أو التاء، أو الياء... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعىّ فتضمّ، وكذا فى: المضارع المبنى للمجهول. أما المضارع: "إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها.
وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا}، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شىء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها.
وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً}، وقول الشاعر:
*أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو * فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ*
ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة" مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، (وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة).
وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضى؛ بل يكفى أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و "نزلَ" فعل ماض، لأنه - مع خلوه من إحدى التاءين - صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ...
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل ماضى، وإنما هى: "اسم فعل ماض". مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا... ومثل: شتَّان المنصف والباغى؛ بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضى؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.
ومما تقدم نعلم أن كلمتى: "نِعْم" (وهى: كلمة للمدح) "وبئس" (وهى: كلمة للذم) فعلان ماضيان؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و "عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
زيادة وتفصيل:
(ا) تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضى، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلى وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التى تلحق الأسماء فتكون متحركة؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، (رُبّ، وثمّ، ولا...) تقول: رُبَّتَ كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات حين نَدم.
(ب) هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التى قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا" للمدح. ومثل: (عدا، وخلا، وحاشا)، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها ما دامت تؤدى هذه المعانى، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء.
(حـ) يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت - غالبًا - مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة.
هذا، وقد عرفنا فى ص 42 - حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقى حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده - مباشرة - ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، أحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال.
والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير.
فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً. لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة - الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم - اسألى المولى الهداية.
ويجوز تلاقى الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف - لام - جيم - (راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد)، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين:
أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ، يليه حرف مدغم فى نظيره، (أى: حرف مشدد).
والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هو فى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد.
وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88 و 162 و 255.
(د) عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل - فى الغالب - على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن:
الأولى: (وهى الأصل الغالب) أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى - أى: قبل الكلام - سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته: "قد" - وهى لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت - دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل: "خرج الصاحبان" يحتمل الماضى القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضى قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: قدْ، وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر علىّ، فتجيب: ما سافر علىّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربا من الزمن الحالى، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحالىّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة.
وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلا ماضيًا من أفعال "المقاربة"؛ (مثل: "كاد:) فإنه زمنه ماض قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد - كما سيجىء فى باب أفعال المقاربة-.
الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال (أى: وقت الكلام). وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التى يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمنى، ويحصل معه فى وقت واحد. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجىء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"
الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل (أى: بعد الكلام)؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى - كالذى سبق - وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء.
ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شىء إلا السفر فى المستقبل.
أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إنا أعطيناك الكوثر}. فالإعطاء سيكون فى المستقبل، لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها.
أو عُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ}، وقوله تعالى: {يومَ يُنفَخُ فى الصور ففزعَ من فى السموات...}
أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عسىِ الله أن يأتى بالفتح...".
أو يكون قبله نفى بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم.
أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بعده}. "أى: ما يُمسكهما!"...
أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود، لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضى الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلا خالصًا... فالفعل الماضى فى كل الحالات السالفة ماضى اللفظ دون المعنى.
الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء علىّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع فى المستقبل.
ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أىُّ وقت جئتنى. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضى بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضى معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضى الزمن كذلك؛ لأنه معادل له.
أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضى، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل.
أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضى؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهى الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: "كلما نَضِجت جلودُهم بدَّلناهم جلودًا غيرها؛ ليذوقوا العذاب". فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ.
أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضى؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل.
أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضى، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا".
أو وقع صفة لنكرة عامة، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضى، - لوجود: رُبّ - بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أى: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه...
"ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما...
هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.
* * *
وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب... ولن أتأخر عن معاونة البائس.
ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف" فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك . . و . .، ومثل قول الشاعر:
*سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته * ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق*
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا !! ماذا تفعل؟ أو: هى اسم مشتق بمعنى المضارع؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أو غدًا.
زيادة وتفصيل:
(ا) للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى.
الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضى له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، (هى: الأمر)، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه (كما يقولون). هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه.
فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل: "يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال.
الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفا.
أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و "شرع"، وأخواتهما؛ ليساير زمنه معناها.
أو: نُفى بالفعل: "ليس" أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق...
مثل: ليس يقوم محمد -، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم علىّ- أو دخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ.
أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال - فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب -، مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب.
الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا..."، سواء أكان الظرف معمولا للمضارع، أم كان المضارع معمولا للظرف - بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هى المضاف إليه فى محل جر -؛ مثل: أزورك إذا تزورنى؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا" و "إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثانى مع فاعله معمولا للظرف.
وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شىء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه - وهو دخول الجنة - فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال.
أو: سبقته: "هل"، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟
وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى: {والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن}. فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا لا يكون إلا فى المستقبل، ومثال الثانى قوله تعالى: {ليُنفِقْ ذُو سَعةٍ من سَعته}، وقوله: {ربنا لا تُؤَاخِذْنا..}، فإن طلب الإنفاق فى: {لينفق} وطلب عدم "المؤاخذة" فى: {لا تؤاخذنا}، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و "لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل.
أو: اقتضى وعدًا أو وعيدًا، كقوله تعالى: {يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} - لما سبق -، وقول الشاعر:
*من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها * قد تُحرك النار يوماً موقِد النار*
أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟
أو: لام القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة.
ويفهم من كل ما سبق أن الجوازم جميعها - ما عدا "لم، ولما" - تخلصه للاستقبال
أو: أداة رجاء؛ مثل: لعل الغائب يحضُر. أو: أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة؛ نحو قوله تعالى: {إنْ تنْصُروا الله ينصرْكمُ}.... أم غير جازمة، ومنها "لو" و "كيف" الشَّرْطيتان، مثل: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع فى إهلاكهم. ومثل: كيف تصنعُ أصنعُ.
أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لن تنالوا البرّ حتى تُنفقوا مما تُحبون}.
أو: "حرف تنفيس"، وهو: "السين" و "سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أى: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو: "زمن الحال"؛ - لأنه محدود -، إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو: "الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى: {كَلاّ سيعلمون ثم كلاّ سيعلمون}، وقول الشاعر:
*وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى * بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا*
وقول الآخر:
*وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها * إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ*
إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هى تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {ولسوف يُعطيك ربك فترضى}، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء؛ نحو:
وما أدرى، وسوف - إخالُ - أدرِى * أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ*
والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة ...
كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه (أى: عدم جعله للمستقبل البعيد) أدخلت عليه السين، ومنه قول الشاعر:
*سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتى * أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت*
الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضى؛ وذلك إذا سبقته "لم"، أو: "لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ)، وقول الشاعر:
*لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ * وحياةٌ من السِيَرْ*
فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما فى مثل:
*إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ * من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ*
فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجئ "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف.
أو: "إذا"؛ نحو: أطربنى كلامك؛ إذ تقول للغنىّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ.
أو: "ربما"، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركنى صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعى، أى: ربما كرهت.
أو: "قد" التى تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التى للتكثير.
أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضى، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضى إلى زمن آخر؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا... أى: ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع - مثل: طفق، وشرع - أو التى تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجئ البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة".
* * *
ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه فى أمور، يتصل منها بموضوعنا: "الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضى فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال... فكل ذلك يجرى فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتما؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال.
وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة - فإن الفعل: "أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل، لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا.
وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل: "تؤلم" هو للماضى فقط، تبعًا للمعطوف عليه: "تتأخر"، الذى جعلته "لم" للزمن الماضى وحده.
وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب.
على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضى؛ كقوله تعالى: {ألم تر أن اللهَ أنزلَ من السماء ماء فتصبح الأرضُ مخْضرة} أى: فأصبحت. وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر:
*ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى * فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى*
أى: مررت.
* * *
وأما علامة الأمر فهى: أن يدل بصيغته على طلب شىء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أى: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدى.. وتكلمى... واحرصى... ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ العفْو، وأمُرْ بالعُرْف، وأعْرِضْ عن الجاهلين} - وتقول: خُذى... -وأمْرى... -وأعْرِضِى...
ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و : "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتى يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعالىْ نقرؤه.
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هى: "اسم فعل أمر"؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و "نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و "حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا.
وهناك علامتان مشتركتان بين المضارع والأمر.
الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقى... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل.
الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتى تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومى على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامى...
زيادة وتفصيل:
زمن الأمر مستقبل فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ. ومثال الثانى قوله تعالى: {يا أيها النبى اتقِ الله...} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها.
وقد يكون الزمن فى الأمر للماضى إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندى بعد الحرب موقعة شارك فيها، ؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك... وافْتِك بهم؛ فإن الله معك"... فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ... والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الكلام وما يتألف منه ) ضمن العنوان ( المسألة الخامسة: الحرف، معناه )


مِنْ، فى، علَى، لمْ، إنْ، إنّ، حتى...
لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أىّ معنى، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل، مثال ذلك: (سافرت "من" القاهرة)... فهذه جملة؛ المراد منها: الإخبار بوقوع سفرى، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأنى أقول: سافرت، وكانت نقطة البدء فى السفر هى: "القاهرة"، فكلمة: "منْ" أفادت الآن معنى جديدًا ظهر على ما بعدها وهذا المعنى هو: "الابتداء"، لم يُفهم ولم يُحددْ إلا بوضعها فى جملة؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى: "مِنْ".
ولو قلت: سافرت من القاهرة "إلى" العراق - لصار معنى هذه الجملة: الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه القاهرة، ونهايته العراق. فكلمة: "إلى" أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها؛ وهذا المعنى هو "الانتهاء". ولم يظهر وهى منفردة، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة؛ كانت السبب فى إظهاره.
وكذلك: حضرتُ من البيت إلى النهر؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضورى، وأن أول هذا الحضور وابتداءَه: "البيت"، وأن نهايته وآخره: "النهر". فأفادت: "إلى" الانتهاء، وصبَّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه.
ولو قلت: الطلبة فى الغرفة - لكان المعنى؛ أن الطلبة تحويهم الغرفة؛ كما يحوى الإناء بعض الأشياء، وكما يحوى الظرفُ المظروف، أى: كما يحوى الوعاء أو الغلاف ما يوضع فى داخله. فمعنى كلمة: "فى" هو "الظرف"، أو: "الظرفية"، وهذا المعنى لم يفهم من لفظة: "فى" وحدها، وإنما عُرف منها بعد أن احتواها التركيب، فظهر على ما بعدها... وهكذا بقية أحرف الجر، وغيرها من أكثر الأنواع الأخرى المختلفة؛ كحروف النفى، والاستفهام، وسواها...
فالحرف: "كلمة لا تدل على معنى فى نفسها، وإنما تدل على معنى فى غيرها فقط - بعد وضعها فى جملة - دلالة خالية من الزمن".
من كل ما سبق نعلم: أن الاسم وحده - من غير كلمة أخرى معه-، يدل على معنى جزئى فى نفسه، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده يدل على معنى جزئى مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا يدل على شىء منهما ما دام منفردًا، فإذا دخل جملة دل على معنى فى غيره، ولم يدل على زمن.
زيادة وتفصيل:
(ا) عندما ينكشف معنى الحرف الأصلى بسبب وضعه فى جملة، ويظهر المراد منه، فإن ذلك المعنى ينصب على ما بعد الحرف، ويتركز فيه؛ سواء أكان ما بعد الحرف الأصلى مفردًا أم جملة، فالابتداء فى: "من"، والانتهاء فى: "إلى"، يتحقق فى الكلمة التى جاءت بعد كل منهما، وكذلك الظرفية، والاستعلاء...
وإذا قلنا: ما جاء أحد... - هل غاب أحد؟ فإن النفى والاستفهام ينصبّان على كل مضمون الجملة التى بعده... وهكذا...
أمّا الحروف الزائدة - ومنها بعض حروف الجر؛ كالباء - فإنها تفيد توكيد المعنى فى الجملة كلها، لأن زيادة الحرف تعتبَرُ بمنزلة إعادة الجملة كلها، وتفيد ما يفيده تكرارها بدونه سواء أكان الحرف الزائد فى أولها، أم فى وسطها، أم فى آخرها؛ مثل: بحسبك الأدب، وأصلها: حسبُك الأدب، أى: يكفيك، أو: كافيك، فالباء داخلة على المبتدأ، كدخولها عليه وهو ضمير فى نحو: كيف بك؟ (وأصلها... كيف أنت؟) وكدخولها عليه بعد "إذا الفجائية" فى نحو: رجع المسافر؛ فإذا بالأصدقاء فى استقباله.
وكدخولها على الفاعل فى مثل: كفى بالله شهيدًا، وأصلها: كفى اللهُ شهيدًا. وعلى الخبر فى مثل: الأدب بحسبك... فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أكدت معنى الجملة كلها.
هذا، والحرف الزائد قد يعمل؛ كباء الجر، أوْ لا يعمل مثل: "ما" الزائدة، فى مثل: إذا ما المجُد نادانا أجَبْنا... وهناك الشبيه بالزائد يعمل، وينحصر فى بعض حروف الجر؛ كُربّ، ولعلّ، الجارتين... و"لولا" على اعتبارها جارّة.
وحرف الجر الزائد والشبيه به لا يتعلقان، إلا أن الزائد "كالباء" يزاد لتوكيد المعنى الموجود. أمَّا "رب" فتفيد معنى التقليل أو التكثير، "ولعل" تفيد الرجاء... فهما - كغيرهما من الشبيه بالزائد - يفيدان معنى جديدًا يطرأ على الجملة؛ لا تقوية المعنى الموجود قبل مجيئهما. وكذا "لولا" فإنها تفيد الامتناع؛ وهو معنى جديد يطرأ على الجملة.
(ب) الحروف نوعان، نوع يسمى "العامل"؛ لأنه يعمل الجر، أو النصب، أو الجزم، كحروف الجر، وحروف النصب، وحروف الجزم، - ونوع آخر يسمى: "المهمَل"؛ لأنه لا يعمل شيئًا مما سبق، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب.، ومنها: هل - نعم - لا ... ومثل: التنوين
وبعض النحاة يسمى حروف الجر: "حروف الإضاءة" لأنها تضيف إلى الأسماء معانى الأفعال وشبهها من كل ما تتعلق به تلك الحروف.
(حـ) الحروف إما آحادية، أو ثنائية، أو ثلاثية؛ كبعض حروف الجرّ (الباء - فى - إلى...)
وإما رباعية؛ مثل: "لعلَّ" ولا تزيد على خمسة؛ مثل: "لكنَّ" فى الرأى الأصح الذى يعتبرها غير مركبة، وأنها مشددة النون، ثابته الألف بعد اللام نطقاً - كما سبق -

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 6: معنى كل، وسببه )


الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى.
معنى المصطلحات السابقة

(  أ )

طلع الهلالُ.

شاهد الناس الهلالَ.

فرح القوم بالهلالِ.

( ب )

يكثر الندَى شتاء.

يمتص النباتُ الندى.

يرتوى بعضُ النباتِ بالندى.

( جـ )

زاد هؤلاءِ علماً.

سمعت هؤلاءِ يتكلمون.

أصغيت إلى هؤلاءِ.

نلحظ فى أمثلة القسم الأول (ا) أن كلمة: "الهلال" قد اختلفت العلامة التى فى آخرها؛ فمرة كانت تلك العلامة ضمة، ومرة كانت فتحة، ومرة كانت كسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟
سببه وجود داع متغير فى كل جملة، يحتاج إلى كلمة: "الهلال"؛ لتؤدى معنى معينًا فى الجملة. وهذا المعنى يختلف باختلاف الدواعى فى الجُمل، ويُرْمَز إليه فى كل حالة بعلامة خاصة فى آخر الكلمة، ففى الجملة الأولى كانت كلمة: "الهلال" مرفوعة؛ لوجود الداعى الذى يحتاج إليها، وهو الفعل: "طَلَع" فإنه يتطلب فاعلا. والفاعل يرمز له بعلامة فى آخره، هى: الضمة - مثلا - فيكون مرفوعًا.
وفى الجملة الثانية كانت كلمة: "الهلال" منصوبة؛ لوجود داع من نوع آخر؛ هو الفعل: "شاهَدَ"؛ فإنه لا يحتاج إلى فاعل، لوجود فاعله معه - وهو كلمة: الناس - ولكنه يحتاج إلى بيان الشىء الذى وقع عليه فعل الفاعل، وهو ما يسمى فى النحو: "المفعول به"؛ والمفعول به يُرْمزُ إليه بعلامة خاصة فى آخره هى: "الفتحة"، - مثلا - فيكون منصوبًا.
وفى الجملة الثالثة كانت كلمة "الهلال" مجرورة، لوجود داع يخالف السابقَين، وهو: الباء، فإنها تحتاج إلى تلك الكلمة لتكون مجرورة بها، فيزداد الفعل بهما وضوحًا، وعلامة جرها الكسرة هنا.
فنحن نرى أن الدواعى تغيرت فى الجمل الثلاثة السالفة على حسب المعانى المطلوبة، من فاعلية، ومفعولية، وتكملة أخرى للفعل... وتبعها فى كل حالة تَغَيُّرُ العلامة التى فى آخر كلمة: "الهلال". فَتَغَير العلامة على الوجه السالف يسمى: "الإعراب"، والداعى الذى أوجده يسمى: "العامل".
فالإعراب: (هو تَغَيُّر العلامة التى فى آخر اللفظ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل).
وفائدته: أنه رمز إلى معْنى معين دون غيره - كالفاعلية، والمفعولية، وغيرهما - ولولاه لاختلطت المعانى، والتبست، ولم يفترق بعضها عن بعض. وهو - مع هذه المزية الكبرى - موجَز غاية الإيجاز، لا يعادله فى إيجازه واختصاره شىء آخر يدلّ دَلالته على المعنى المعين الذى يرمز له. وهذه مزية أخرى.
والمعرَب: هو اللفظ الذى يدخله الإعراب (أى، التَّغَير الذى وصفناه) والعامل هو: ما يؤثر فى اللفظ تأثيرًا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص؛ كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما. ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: "ا" أو مقدرة كأمثلة: "ب" فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع، فتقول: تراكم النَّدَيَان، وامتص النبات النَّدَيَيْن، وارتوى من النديَيْنِ.
أما أمثلة القسم الثالث "حـ" ففيها كلمة: "هؤلاءِ" لم تتغير علامة آخرها بتغير العوامل؛ بل بقيت ثابتة فى الجمل كلها. فهذا الثبات وعدم التغير يسمى: بناء؛ وهو: "لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فى كل أحواله، مهما تغيرت العوامل".
والمبنى هو: اللفظ الذى دخله البناء.
هذا، وقد عرفنا أن المعرب المنصرف (أى: المُنَون)، يسمى: "متمكنًا أمْكن"، وأن غير المنصرف يسمى: "متمكنًا" فقط، وأن المبنى يسمى: "غير متمكن". ولا تصف الكلمة بإعراب أو بناء إلا بعد إدخالها فى جملة.
المعرب والمبنى من الأسماء، والأفعال، والحروف.
(أىْ: من أقسام الكلمة الثلاثة)
أولا: الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف وحده لا يؤدى معنى فى نفسه، وإنما يدل على معنى فى غيره، بعد وضعه فى جملة - كما سبق -. وإذًا لا ينسب إليه أنه فعل فعلا، أو وقع عليه فعل؛ فلا يكون بنفسه فاعلا، ولا مفعول به، ولا متممًا وحده للمعنى (أى: لا يكون مسندًا إليه ولا مسندًا، ولا شيئًا يتصل بذلك). لعدم الفائدة من الإسناد فى كل حالة،
ونتيجة ما سبق أنه لا يدخله الإعراب؛ لعدم حاجته إليه؛ لأن الحاجة إلى الإعراب توجد حيث توجد المعانى التركيبية الأساسية، والحرف وحده لا يؤدى معنى قط. ولكنه إذا وضع فى تركيب فإنه يؤدى فى غيره بعض المعانى الجزئية (الفردية) بالطريقة المفصَّلة التى أشرنا إليها عند الكلام عليه؛ كالابتداء، والتبعيض، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "من". أو الظرفية، والسببية، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "فى" - فهذه المعانى الجزئية تَعْتَور الحرف، وتتعاقب عليه، ولكن لا يكون التمييز بينها بالإعراب، وإنما يكون بالقرائن المعنوية التى تتضمنها الجملة.
* * *
ثانيًا: الأسماء يناسبها الإعراب وهو أصل فيها، لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل به - كما سبق - فهو يدل على مسمى؛ (أى: على شىء محسوس أو معقول، سميناه بذلك الاسم) وهذا المسمى قد يُسنَد إليه فعل، فيكون فاعلا له، وقد يقع عليه فعل، فيكون - مفعولا به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه... وكل واحد من تلك المعانى يقتضى علامة خاصة به فى آخر الكلمة، ورمزًا معينًا يدل عليه وحده، ويميزه من المعانى الأخرى؛ فلا بد أن تتغير العلامة فى آخر الاسم؛ تبعًا لتغير المعانى والأسباب، وأن يستحق ما نسميه: "الإعراب" للدلالة على تلك المعانى المتباينة، التى تتوالى عليه بتوالى العوامل المختلفة - كما شرحنا من قبل -.
وقليل من الأسماء مبنىّ. وأشهر المبنى منها عشرة أنواع (لكل نوع أحكامه التفصيلية فى بابه) وهى:
(1) الضمائر، سواء أكان الضمير موضوعًا على حرف هجائى واحد، أم على حرفين، أم على أكثر، مثل: انتصرتَ؛ ففرحنا، ونحن بك معجبَون.
(2، 3) أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام؛ بشرط ألا يكون أحدهما مضافًا لمفرد؛ مثل: أين توجدْ أكرمْك. أين أراك؟ بخلاف: أىُّ خيرٍ تعملْه ينفعْك. أىُّ يومٍ تسافر فيه؟ لإضافة "أىّ" الشرطية والاستفهامية فى المثالين لمفرد، فهما معه معربتان.
(4) أسماء الإشارة التى ليست مثناة؛ نحو: هذا كريم، وتلك محسنة. بخلاف: "هذان كريمان، وهاتان محسنتان". فهما معربان عند التثنية؛ على الصحيح.
(5) أسماء الموصول غير المثناة، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها - وجوبًا - إلى جملة أو شبهها؛ تكمل معناها، ولا تستغنى عنها بحال. فمثال الموصول: جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك، أو الذى فى ضيافتك.
ومن الأسماء الأخرى التى ليست موصولة ولكنها تحتاج - وجوبًا - بعدها إلى جملة: "إذا" الشرطية الظرفية؛ نحو: إذا تعلمتَ ارتفع شأنك، فلو قلت: جاء الذى... فقط، أو: إذا... فقط، لم يتم المعنى، ولم تحصل الفائدة. بخلاف جاء اللذان غابا، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - على الصحيح - لأنه مثنى.
(6) الأسماء التى تسمى: "أسماء الأفعال" وهى: التى تنوب عن الفعل فى معناه وفى عمله وزمنه، ولا تدخل عليها عوامل تؤثر فيها. مثل: هيهات القمر: بمعنى بَعُدَ جدًّا، وأفٍّ من المهمل، بمعنى أتَضَجَّرُ جدا، وآمين يا رب، بمعنى: استجبْ. فقد دلت كل كلمة من الثلاث على معنى الفعل، ولا يمكن أن يدخل عليها عامل قبلها يؤثر فيها بالرفع، أو النصب، أو الجر... بخلاف: سيرًا تحت راية الوطن، سماعًا نصيحة الوالد، إكرامًا للضيف. فإن هذه الكلمات [سيرًا، وسماعًا، وإكرامًا، وأشباهها] تؤدى معنى فعلها تمامًا، ولكن العوامل قد تدخل عليها فتؤثر فيها؛ فتقول: سرنى سيرُك تحت راية الوطن، مدحت سيرَك تحت راية الوطن. طربت لسيرِك ... وكذا الباقى؛ ولذلك كانت معربة.
(7) الأسماء المركبة؛ ومنها بعض الأعداد؛ مثل: أحَدَ عَشَرَ... إلى تسعة عَشَرَ؛ فإنها مبنية دائمًا على فتح الجزأين. ما عدا اثنىْ عَشَرَ، واثنتىْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى.
(8) اسم "لا" النافية للجنس - أحيانًا - فى نحو: لا نافعَ مكروه.
(9) المنادى؛ إذا كان: مفردًا، عَلَمًا، أو نكرة مقصودة، مثل: يا حامدُ، ساعد زميلك، ويا زميلُ اشكر صديقك.
(10) بعض متفرقات أخرى؛ مثل: "كم"، وبعض الظروف؛ مثل: "حيثُ" والعَلَم المختوم بكلمة: "وَيْهِ"، وما كان على وزن "فَعَالِ" - فى رأى قَوِىّ - مثل: حَذَامِ، وقَطَام... (وكلاهما اسم امرأة). وكذلك أسماء الأصوات المحكية مثل: "قاقِ"، و "غاقِ"، فى نحو: صاحت الدجاجة قاقِ، ونعَب الغراب غاقِ...
ملاحظة: يجب الإعراب والتنوين فى كل اسم أصله مفرد مبنىّ، ثم سُمى به، كما لو سمينا رجلا بكلمة: "أمسِ" المبنية على الكسر فى لغة الحجازيين - أو بكلمة "غاقِ" التى هى فى أصلها اسم لصوت الغراب...
* * *
ثالثًا: الأفعال. منها المبنى دائمًا، وهو: الماضى والأمر. ومنها المبنى حينًا والمعرب أحيانًا وهو: المضارع.
وأحوال بناء الماضى ثلاثة:
(1) يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء، مثل: صافحَ، محمد ضيفه، ورحَّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، أو ألف الاثنين، مثل: قالتْ فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا.
والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرًا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف، مثل: دعا العابد ربه.
(2) يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به "التاء" المتحركة التى هى ضميرٌ "فاعل"، أو: "نا" التى هى ضمير فاعل، أو "نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمتُ الصديق، وفرحتُ به. ومثل: خرجْنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة، أما الطالبات فقد ركبْن القطار.
(3) يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واو الجماعة، مثل الرجال خرجُوا لأعمالهم.
وأحوال بناء الأمر أربعة:
(1) يبنى على السكون فى آخره إذا لم يتصل به شىء؛ مثل: اعمَلْ لدنياك ولآخرتك. وصاحبْ أهل المروءات. أو: اتصلت به نون النسوة، مثل: اسمعْن يا زميلاتى...
(2) يبنى على فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة؛ مثل: صاحِبَنْ كريم الأخلاق. أو الثقيلة؛ مثل: اهجرَنّ السفيه...
(3) يبنى على حذف حرف العلة إن كان آخره معتلا؛ مثل: اسعَ فى الخير دائمًا، وادعُ الناس إليه، واقضِ بينهم بالحق. [فاسع: فعل أمر مبنى على حذف الألف، لأن أصله: "اسْعَى". وادعُ: فعل أمر مبنى على حذف الواو؛ لأن أصله: "ادْعُو". واقض: فعل أمر، مبنى على حذف الياء لأن أصله: "اقضىِ]". وعند تأكيد فعل الأمر بالنون يبقى حرف العلة الواو، أو الياء، ويتعين بناء الأمر على الفتحة الظاهرة على الحرفين السالفين، فإن كان حرف العلة ألفا وجب قلبها ياء تظهر عليها فتحة البناء؛ لأن الأمر يكون مبنيًا على هذه الفتحة؛ نحو: اسعَيَن فى الخير، وادعُوَن له، واقضيَن بالحق.
(4) يبنى على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين؛ مثل: اخرجَا، أو واو الجماعة، مثل: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ مثل: اخرجِى. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر، مبنى على حذف النون، والضمير فاعل (وهو ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة). ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون: {اذهَبَا إلى فرعون إنه طَغَى}، وقوله: {فكلُوا منها حيث شئتم وغَدًا} - وقول الشاعر:
*يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلمى * وعِمِى صباحا - دارَ عبلةَ - واسلمِى*
وأما المضارع فيكون معربًا إذا لم يتصل بآخره بنون التوكيد، أو نون النسوة. ومن الأمثلة - {إن اللهَ لا يَغفرُ أن يُشْرَكَ بِهِ}. إن تُخْلِصْ فى عملك تنفعْ وطنك. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرًا نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة بنى على الفتح مثل: والله لأقومَنْ بالواجب. ولأعْمَلنَّ ما فيه الخير، وقول الشاعر:
*لا تأخذنّ من الأمور بظاهرٍ * إن الظَّوَاهر تخدع الرّاءينا*
فإن كان الاتصال غير مباشر؛ بأن فصل بين نون التوكيد والمضارع فاصل ظاهر؛ كألف الاثنين، أو مقدر؛ كواو الجماعة، أو ياء المخاطبة - فإنه يكون معربًا ... فمثال ألف الاثنين (ولا تكون إلا ظاهرة) ماذا تعرف عن الصانعَيْن، أيقومانّ بعملهما؛ ومثال واو الجماعة المقدرة: هؤلاء الصانعون أيقومُنّ بعملهم؟ ومثال ياء المخاطبة المقدرة: أتقُومِنّ بعملك يا سميرة؟
وإن اتصلت به نون النسوة فإنه يبنى على السكون؛ مثل: إن الأمهاتِ يبذلْن ما يقدرْنَ عليه لراحة الأبناء. ولا يكون اتصالها به إلا مباشرًا.
فللمضارع حالتان؛ الأولى: الإعراب؛ بشرط ألا يتصل بآخره - مباشرة - نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، أو نون النسوة.
والثانية: البناء: إما على الفتح إذا اتصلت بآخره - مباشرة - نون التوكيد. وإما على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة.
وإذا كان المضارع مبنياً لاتصاله بإحدى النونين وسبقه ناصب أو جازم وجب أن يكون مبنيًّا فى محل نصب أو جزم، أىْ أنه يكون مبنيًا فى اللفظ، معربًا فى المحل. ولهذا أثر إعرابىّ يجب مراعاته. ففى التوابع - مثلا - كالعطف، إذا عطف مضارع على المضارع المبنى المسبوق بناصب أو جازم وجب فى المضارع المعطوف أن يتبع محل المعطوف عليه فى النصب أو الجزم. وكذلك المضارع المبنى إن كان معطوفًا عليه؛ فإنه يكون مبنيًّا فى محل رفع - فى الرأى المشهور الذى سبقت الإشارة إليه
زيادة وتفصيل:
(ا) جمَع بعض النحاة أشهر المبنيات لزومًا، (سواء أكانت أسماء، أم أفعالا، أم حروفًا) وعلامة بنائها، وأوضحها بالشرح والتمثيل. وفيما يلى البيان موجزًا مختصرًا، ومشتملا على بعض المبنيات جوازا.

المبنى على السكون

المبنى على السكون أو نائب السكون

المبنى على الفتح وحده

المبنى على الفتح أو نائب الفتح (وهو الياء، أو: الكسرة)

المبنى على الكسر وحده

المبنى على الكسر

المبنى على الضم وحده

المبنى على الضم أو نائب الضم

أشياء أخرى مبنية

نوعان: هما

نوع واحد له حالات ثلاثة هى:

وهو سبعة أنواع، هى:

نوع واحد هو:

خمسة أنواع هى:

أو نائب الكسر

أربعة أنواع هى:

نوعان: هما:

نوعان: هما:

1- الماضى المتصل بآخره ضمير رفع متحرك؛ كالتاء، ونا، فى مثل: فرْحت، فرحْنا.

أ- فعل الأمر:

1- يبنى على السكون إذا كان صحيح الآخر، وفاعله مستتر، أو كان فاعله نون النسوة. مثل: أكرمْ صديقك، وانطقْن بالحق يا شاهدات.

1- الماضى الذى لم يتصل بآخره شىء، مثل: قعد - نزل. وكذلك إن اتصل به ألف الاثنين أو تاء التأنيث الساكنة؛ مثل: قعدا - قعدتْ.

1- يبنى على الفتح اسم "لا" النافية للجنس، إذا كان مفرداً، أو جمع تكسير، نحو: لا رجلَ غائب، ولا رجلَ غائبون.

1- ما ختم بكلمة: ويهِ، فى مثل: سِيبويهِ، و نِقطويهِ وعمرويهِ.

.

.

1- ما قطع عن الإضافة لفظاً، مثل: قبل، وبعد فى مثل: حضرت قبلُ، أو بعد.

1- المنادى المفرد مثل: يا محمودُ.

1- الحروف وكلها مبنية: وتختلف علامة بنائها.

.

.

.

.

.

.

.

.

 

 

 

2- المضارع الذى اتصلت به نون التوكيد مباشرة: والله ليتعبَن المهمل، وكذلك الأمر، مثل أعملَن الخير.

 

 

 

 

 

2- المنادى النكرة المقصودة نحو: يا سائق تمهل.

 

 

 

 

3- ما ركب من الأعداد تركيب مزج (وهو 11 و 19 وما بينهما، ما عدا 12) نحو أحدَ عشرَ؛ فإنها مبنية على فتح الجزأين فى محل رفع أو نصب أو جر على حسب جملتها.

 

 

2- ما كان اسم فعل على وزن: "فعال" مثل دَرَاكِ. بمعنى: أدركْ.

 

2- ما ألحق بهما من مثل: "غير" فى قرأت خمسة كتب، ليس غيرُ.

 

 

 

 

4- الظروف الزمانية أو المكانية المركبة تركيب مزج؛ مثل: أنت تعمل صباحَ مساءَ. ومثل: : سهلت الهمزة بينَ بينَ.

 

 

3- ما كان على وزن: "فَعَالِ"، لسب الأنثى، ولا يستعمل إلا منادى مثل: يا خباثِ. أى: يا خبيثة.

 

 

3- يبنيان على الألف النائبة عن الضمة عند تثنيتهما نحو: يا محمودان ويا سائقان.

 

 

2- يبنى على حذف النون نيابة عن السكون إن كان فاعله ضميراً بارزاً غير نون النسوة (أى: ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة)، مثل: أكرِما - أكرِموا - أكرِمى...

5- ما ركب من الأحوال؛ مثل: أنت جارى بيتَ بيتَ. وبعض المقاتلين يسقط بينَ بينَ، أى: متوسطاً بين الفريقين (فالكتمان يقال فى إعرابهما: إنهما مبنيتان على فتح الجزأين فى محل نصب، حالا، أى: أنت جارى ملاصقاً، ومتوسطاً..

 

2- ويبنى على الياء النائبة عن الفتحة إذا كان مثنى أو جمع مذكر، نحو: لا مهملْينِ هنا، ولا عابثينَ.

 

 

 

3- ما ألحق بهما من كلمة "علُ" فى مثل: بيتنا خمس غرف من علُ.

 

 

 

 

6- الزمن المبهم؛ فيجوز إضافته فيبنى على الفتح، نحو: عرفتك يوم سافرت. وقد يجوز إعرابه.

 

4- ما كان على وزن "فعَالِ"؛ علماً لمؤنث، مثل حذامِ، وقطامِ، وسجاحِ.

 

 

 

 

 

ب- المضارع المتصل بآخره نون النسوة اتصالا مباشراً؛ مثل: المتعلمات يبقْن.

 

3- يبنى على حذف حرف العلة نيابة عن السكون إن كان آخرِه معتلا؛ مثل: ادعُ - أرض - اقضَ

7- الكلمات شديدة الإبهام (5) وتسمى: المتوغلة فى الإبهام إذا كانت مضافة إلى مفرد مبنى، سواء أكان المضاف زماناً نحو: سرت من يوم هذا، أم ليس بزمان، مثل كلمة: غير، فى قولنا: كان غيرك مسافراً. فيجوز فى كلمة "يوم" البناء على الفتح فى محل جر، ويجوز جرها على أنها معربة. كما يجوز فى كلمة "غير" أن تكون مبنية على الفتح فى محل رفع اسم كان، وأن ترفع مباشرة، لأنها اسم كان.

3- ويبنى على الكسرة بدل الفتح إذا كان جمع مؤنث سالماً؛ نحو: لا مهملاتِ هنا.

 

5- كلمة: أمسِ، بشرط أن يراد بها اليوم الذى قبل يومنا مباشرة، ولم يصغر، ولم يكسَّر، ولم يبن، ولم يضف، مثل: أمس كان جميلا.

 

 

4- ما ألحق بهما من، "أى" الموصولة بشروطها.

4- ويبنيان على الواو النائبة عن الضمة عند جمعهما جمع مذكر؛ نحو: يا محمودون، ويا سائقون.

2- بعض الأسماء غير المتمكنة؛ مثل: هؤلاء، وهى مبنية على الكسر، وغيرها من أنواع الأسماء المبنية وقد سبقت - فى ص 72 -.

"ملاحظة هامة": سبق أن أشرنا فى هامش ص 71 ... أن المبنى لا تراعى ناحيته اللفظية مطلقاً فى توابعه. أو غيرها - فتوابعه إنما تساير محله فقط إذا كان له محل من الإعراب. وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحل واستثنينا من هذا الحكم نعت المنادى: "أىّ، وأية" واسم الإشارة الذى نودى للتوصل بندائه إلى نداء ما فيه "أل" على الوجه الموضح تفصيله فى الباب الخاص بتوابع المنادى جـ 4 ص 34م 130.

زيادة وتفصيل:
(ا) الإعراب المحلىّ والتقديرىّ.
يتردد على ألسنة المعربين أن يقولوا فى المبنيات، وفى كثير من الجمل المحكية وغير المحكية، إنه فى محل كذا - من رفع، أو نصب، أو جر، أو جزم... فما معنى أنه فى محل مُعَيَّن؟ فمثلا: يقولون فى "جاء هؤلاءِ"... إن كلمة: "هؤلاءِ" مبنية على الكسر فى محل رفع فاعل - وفى: "قرأت الصحف من قبلُ" ...إن كلمة: "قبلُ" مبنية على الضم فى محل جر... وفى: "رأيت ضيفًا يبتسم"، إن الجملة المضارعية فى محل نصب صفة... وهكذا.
المراد من أن الكلمة أو الجملة فى محل كذا، هو أننا لو وضعنا مكانها اسما معربًا لكان مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. وفى بعض الحالات لو وضعنا مكانها مضارعًا معربًا لكان منصوبًا أو مجزومًا. فهى قد حلَّت محل ذلك اللفظ المعرب، وشغلت مكانه، وحكمه الإعرابى الذى لا يظهر على لفظها.
أما التقديرى فقد سبق أنه العلامة الإعرابية التى لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب؛ بسبب أن ذلك الحرف الأخير حرف علة لا تظهر عليه الحركة الإعرابية، كالألف فى مثل: إن الهدَى هدَى الله، واستجب لداعى الهدى.
ونتيجة لما سبق يكون الإعراب المحلى مُنصَبًّا على الكلمة المبنية كلها، أو على الجملة كلها، وليس على الحرف الأخير منهما. وأن التقديرى مُنصب على الحرف الأخير من الكلمة.
وهناك رأى آخر لا يجعل الإعراب المحلى مقصورًا على المبنى وبعض الجمل - كرأى الأكثرية - وإنما يدخل فيه أيضًا بعض الأسماء المعربة صحيحة الآخر بشرط ألا يظهر فى آخر الكلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب، ومن أمثلته عنده: ما جاءنى من كتاب، فكلمة "كتاب" مجرورة بالحرف: "مِن" الزائد. وهى فى محل رفع فاعل للفعل: "جاء". وقد تحقق الشرط فلم يجتمع فى آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأى الأول يدخلون هذا النوع فى التقديرى فيقولون فى إعرابه: مجرور لفظًا مرفوع تقديرًا... والخلاف لفطىّ. ولعل الأخذ بالرأى الثانى أنفع، لأنه أعمّ.
ويدخل فى الإعراب المحلى عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التى لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فى رأى سلف. - وكما سيجئ فى جـ 2 ص 350 م 89 - والمنادى المستغاث (جـ4)
هذا ولا يمكن إغفال الإعراب المحلى والتقديرى، ولا إهمال شأنهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما - مثلا - بغير معرفة الحركة المقدرة أو المحكية بل يستحيل توجيه الكلام على أنه فاعل أو مفعول، أو مبتدأ، أو: مضارع مرفوع - وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منهما. وستجئ إشارة لبعض ما سبق فى ص 178 وللإعراب المحلى فى ص 281 وأيضًا فى جـ 2 ص 35 م 89.
(ب) تلمس النحاة أسبابًا للبناء والإعراب، أكثرها غير مقبول. وسنشير إليه، داعين إلى نبذه.
قالوا فى علة بناء الفعل: إن الفعل لا تتعاقب عليه معان مختلفة، تفتقر فى تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل المختلفة التى تقتضى ذلك. فالفعل - وحده - لا يؤدى معنى الفاعلية، ولا المفعولية، ولا غيرهما مما اختص به الاسم وكان سببًا فى إعرابه - كما سبق، إلا المضارع فإنه قد يؤدى معنى زائدًا على معناه الأصلى، بسبب دخول بعض العوامل. فحين نقول؛ لا تهملْ عملك، وتجلسْ فى البيت (بجزم: تجلسْ) يكون المعنى الجديد: النهى عن الجلوس أيضًا، (بسبب مجئ الواو التى هى لعطف الفعل على الفعل هنا). وحين نقول: لا تهملْ عملك، وتجلسَ فى البيت (بنصب: تجلسَ) يكون المعنى الجديد: النهى عن اجتماع الأمرين معًا، وهما الإهمال والجلوس. فالنهى منصب عليهما معًا، بحيث لا يجوز عملهما فى وقت واحد؛ فلا مانع أن يقع أحدهما وحده بغير الآخر، ولا مانع من عمل كل منهما فى وقت يخالف وقت الآخر - (والواو هنا للمعية وهى التى اقتضت ذلك).
وإذا قلت: لا تهمْل القراءة، وتجلسُ (برفع: تجلسُ)، فالنهى منصب على القراءة وحدها، أما الجلوس فمباح. (فالواو هنا: للاستئناف، وهى تفيد ذلك المعنى.) فالمضارع قد تغيرت علامة آخره على حسب تغير المعانى المختلفة، والعوامل التى تعاقبت عليه، فأشبه الاسم من هذه الجهة، فأُعرب مثله.
أما بناؤه مع نون التوكيد، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال، فوجود أحداهما فيه أبعده من مشابهة الاسم المقتضية للإعراب، فعاد إلى الأصل الأول فى الأفعال؛ وهو البناء؛ لأن الأصل فيها البناء - كما سبق - وأما الإعراب فى المضارع أحيانًا، فأمر عارض، وليس بأصيل.
هكذا يقولون! وليس بمقبول، فهل يقبل أن سبب بناء الحرف هو دلالته فى الجملة على معنى فى غيره، وعدم دلالته وهو مستقل على ذلك المعنى التركيبىّ؛ فلا حاجة له بالإعراب؛ لأن وظيفة الإعراب تمييز المعانى التركيبية بعضها من بعض؟ إذاً لم التفرقة فنقول إن كلمة: "ابتداء" وحدها التى تفهم من الحرف: "مِن" هى اسم، وكلمة: "مِن" نفسها هى حرف، مع أنها تفيد عند وضعها فى الجملة معنى الابتداء، فكلاهما يتوقف فهمه على أمرين؛ شىء كان هو المبتدِئ، وشىء آخر كان المبتدأ منه؟
هل السبب ما سطروه من دليل جدلىّ مرهق، هو: أن معانى الأسماء تتوقف على أمور كلية معلومة لكل فرد بداهة، فكأنها مستقلة؛ مستغنية عن غيرها؟ فلفظة: "ابتداء" عندهم معناها مطلق ابتداء شىء من شىء آخر، بغير تخصيص، ولا تعيين، ولا تحديد. وشىء هذا شأنه يمكن أن يعرفه كل أحد، ويدركه بالبداهة كل عقل. بخلاف معنى الابتداء فى لفظة: "مِن" حين نقول مثلا: سرت من القاهرة، فإن الابتداء هنا خاص مقَيد بأنه ابتداء "سير" لا ابتداء قراءة: ، أو أكل، أو كتابة، أو سفر. أو... وأنه ابتداء "سير" من مكان معين؛ هو: القاهرة. فليس الابتداء فى هذا المثال معنى مطلقًا كما فى سابقه، وليس فهمه ممكنًا إلا بعد إدراك أمرين مخصوصين؛ يتوقف فهمه عليهما، ولا يعرفان إلا بالتصريح باسمهما، هما: السير والقاهرة. أى: أن المعنى إن لوحظ فى ذاته مجردًا من كل قيد، كان مستقلا، وكان التعبير عنه من اختصاص الاسم، "كالابتداء"، وإن لوحظ حاله بين أمرين، كان غير مستقل، وكان التعبير عنه مقصورًا على الحرف...
فهل نَقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أو كثيرًا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟
ثم يعود النحاة فيقولون: إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف، مثل: "مَنْ" و "أين" و "كيف" وغيرها من أسماء الاستفهام ... ومثل "مَنْ"، و "ما" وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق... فأسماء الاستفهام إن دلت على معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها؛ فكلمة: "مَن" الاستفهامية، اسم؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمَّى خاص بها، إنسانًا غالبًا، أو غير إنسان - وتدل على الاستفهام من خارجها، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرًا... فكأنك إذا قلت: مَن عندك؟ تفترض أن الأصل أمَن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان: "الهمزة"، وهى حرف معنى، و"مَن" الدالة على المسمى بها، أى: على الذات الخاصة التى تدل عليها: "مَنْ"
فلما كانت "مَن" لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر، استغنى وجوبًا عن همزة الاستفهام لفظًا، للزومها كلمة: "من" معنى، وصارت "مَن" نائبة عنها حتمًا؛ ولذلك بنيت؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة "لفظية"، مرجعها لفظها، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها. ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة: "فى" مع الظروف جوازًا؛ لأن الأمر مختلف؛ إذ الظرف ليس متضمنًا معنى: "فى" بالطريقة السالفة، فيستحق البناء كما بنيت "مَن" الاستفهامية، وإنما كلمة: "فى" محذوفة من الكلام جوازًا لأجل التخفيف؛ فهى فى حكم المنطوق به؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة.
وكذلك كلمة: "أين" تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها، هو: المكان، وتدل أيضًا على الاستفهام فيما بعدها، وهو معنى آخر جاءها من خارجها؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبًا؛ لوجود ما يتضمن معناها.
وكلمة: "كيف: تطل على معنى فى نفسها، وهو: الحال، وتدل على معنى فيما بعدها، وهو: الاستفهام، على الوجه السالف، وكذلك أسماء الشرط... فإن كلمة: "مَن" تدل على العاقل - غالبًا - بنفسها، وكلمة: "ما" تدل - غالبًا - على غير العاقل بنفسها، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، ونحوها - تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد، إحداهما: اسم يدل على مسمى، والأخرى: حرف يدل على معنى فى غيره، وهذا الحرف يجب حذفه لفظًا، لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديراً ويؤدى معناه تماماً. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف - فى خيال بعض النحاة - فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنًا يبعده من مشابهة الحرف.
ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هو لسبب، وأن الحركة تكون ضمة، أو فتحة، أو كسرة، لسبب آخر، بل لأسباب!! فما هذا الكلام؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخُلَّص أصحاب اللغة، أو يخطر ببالهم؟
علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أو بنَوه. من غير جدَل زائف، ولا منطق متعسف، وأن الفيصل فيهما راجع (كما قال بعض السابقين) إلى أمر واحد؛ هو: "السماع عن العرب الأوائل"، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا لا يصح الأخذ بما قاله النحاة من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية فى أحد أمور أربعة:
أولها: الشبه الوضعى:
بأن يكون الاسم موضوعًا أصالة على حرف واحد، أو على حرفين ثانيهما لِين، مثل: التاء، ونا، فى: جئتنا، وهما ضميران مبنيان؛ لأنهما يشبهان الحرف الموضوع على مقطع واحد، كباء الجر، وواو العطف، وغيرهما، من الحروف الفردية المقطع، أو ثنائية المقطع، مثل، قد، هل، لم.
ولو صح هذا، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التى تزيد على حرفين، مثل: نحن، وإيَّا.... وسألنا عن سبب إعراب أب، وأخ، ويد، ودم، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات، ولكنها مصنوعة، صادفتها اعتراضات أخرى، ثم إجابات....
ثانيهما: الشبه المعنوى:
بأن يتضمن الاسم بعد وضعه فى جملة، معنى جزئيًّا غير مستقل، زيادة على معناه المستقل الذى يؤديه فى حالة انفراده، وعدم وضعه فى جملة.
وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئى عندهم: الحرف. ومعنى هذا: أن الاسم قد خلف الحرف فعلا، وحل محله فى إفادة معناه، وصُرِف النظر عن الحرف نهائيًّا فلا يصح ذكره، ولا اعتبار أنه ملاحظ؛ فليس حذفه للاقتصار كحذف: "فى" التى يتضمنها أنواع من الظروف، أو حذف كلمة: "من" التى يتضمنها أنواع التمييز، فإن هذا التضمن فى الظرف والتمييز لا يقتضى البناء - كما يقولون -. أما التضمن الذى يقتضى البناء عندهم، فهو التضمن اللازم، الذى يتوقف عليه المعنى الذى قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام، مثل: متى تحضر أكرمْك - ومتى تسافر؟
فكلمة: "متى" فى المثال الأول تشبه الحرف "إنْ" فى التعليق والجزاء، وهى فى المثال الثانى تشبه همزة الاستفهام، فكلتاهما اسم من جهة، ومتضمنة معنى الحرف من جهة أخرى، فمتى الشرطية وحدها تدل على مجرد تعليق مطلق، ولكنها بعد وضعها فى الجملة دلت على معنى فى الجملة التى بعدها، وهو تعليق شىء معين بشىء آخر معين: أى: توقف وقوع الإكرام على وقوع الحضور، فحصول الأمر الثانى المعين: مرتبط بحصول الأول المعين.
وهى وحدها فى الاستفهام تدل على مجرد الاستفهام والسؤال، من غير دلالة على الشىء الذى تسأل عنه، أو عن صاحبه، أو غير ذلك. لكنها بعد وضعها فى الجملة دلت على معنى جزئى جديد؛ فوق المعنى السابق: هو أن السؤال متجه إلى معنى محدد. هو الحضور، ومتجه إلى المخاطب أيضًا.
وكذلك اسم الإشارة، مثل كلمة: هذا؛ فإنها وهى منفردة، تدل على مطلق الإشارة، من غير دلالة على مشار إليه أو نوعه؛ أهو محسوس أم غير محسوس؟ حيوان أم غير حيوان؟
لكن إذا قلنا: هذا محمد، فإن الإشارة صارت مقيدة بانضمام معنى جديد إليها؛ هو الدلالة على ذات محسوسة لإنسان.
فإن صح ما يقولونه من هذه التعليلات، فماذا أعربت: "أىّ" الشرطية، "وأىّ" الاستفهامية، وأسماء الإشارة المثناة؛ مثل: هذان عالمان، وهاتان حديقتان؟ نعم؟ لهذا عندهم إجابة، وعليها اعتراض، ثم إجابة، ثم اعتراض...
ثالثها: الشبه الاستعمالى:
بأن يكون الاسم عاملا فى غيره، ولا يدخل عليه عامل - مطلقًا - يؤثر فيه فهو كالحرف: فى أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال، مثل: هيهات القمر، وبَلْهَ المسىء، فهيهات: اسم فعل ماض، بمعنى بَعُد جدًّا، وفاعله القمر، وبله: اسم فعل أمر، بمعنى: اتركْ، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، والمسىء: مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع فى الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب فى المفعول، ولا يدخل على واحد من اسمى الفعل عامل يؤثر فيه.
رابعها: الشبه الافتقارى:
وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارًا لازمًا إلى جملة بعده، أو ما يقوم مقامها - كالوصف فى صلة "أل" - أو إلى شبه جملة؛ كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أو ما يقوم مقامها، أو شبهها، تسمى: جملة الصلة؛ لتكمل المعنى، فأشبه الحرف فى هذا؛ لأن الحرف، موضوع - غالباً - لتأدية معانى الأفعال وشبهها إلى الأسماء فلا يظهر معناه إلا بوضعه فى جملة، فهو محتاج إليها دائمًا. فاسم الموصول يشبهه من هذه الناحية: فى أنه لا يستغنى مطلقًا عن جملة بعده، أو ما ينوب عنها، أو شبهها، يتم بها المعنى.
فإن صح هذا فلم أعربت... "أى" الموصولة - أحياناً -، و"اللذان"، و"اللتان"؟ أجابوا: أن السبب هو ما سبق فى نظائرها؛ من الإضافة فى كلمة: "أى" والتثنية فيما عداها. والإضافة والتثنية من خصائص الأسماء، فضعف شبه تلك الكلمات بالحروف، فلم تُبْن. وعلى هذه الإجابة اعتراض، فإجابة، فاعتراض...
فما هذا العناء فيما لا يؤيده الواقع، ولا تساعفه الحقيقة؟ وأى نفع فيما ذكر من أسباب البناء وأصله، ومن سبب ترك السكون فيه إلى الحركة، وسبب اختيار حركة معينة لبعض المبنيات دون حركة أخرى...
خامسها: الشبه اللفظى:
زاده بعضهم، ومثَّل له بكلمة "حاشا" الاسمية قائلا: إنها مبنية لشبهها "حاشا" الحرفية فى اللفظ. وكذا بكلمة "علَى" الاسمية، و"كلاّ" بمعنى "حقًّا. و "قَدْ" الاسمية. وقيل إن الشبه اللفظى مجوّز للبناء، لا محتم له. وعلى هذا يجوز فى الأسماء السابقة أن تكون معربة تقديراً كإعراب الفتى. ما عدا "قَدْ" فإنها تعرب لفظًا - كما سبق - وهناك أنواع أخرى من الشبه لا قيمة لها.
إن الخير فى إهمال كل هذا، وعدم الإشارة إليه فى مجال الدراسة والتعليم، والاستغناء عنه بسرد المواضع التى يكون فيها الاسم مبنيًّا وجوبًا، وهو العشرة الماضية ومبنى جوازًا فى مواضع أخرى ستذكره فى مواطنها.
حـ- اشترطوا فى إعراب المضارع - كما سبق - ألا تتصل به اتصالا مباشرًا نونُ التوكيد، أو نون الإناث؛ فالمضارع معرب فى مثل: "هل تقومانِّ؟ وهل تقُومُنَّ؟ وهل تقومِنَّ"؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرًا، ولم تلتصق بآخره، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر، وهو: ألف الاثنين، أو المقدر، وهو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة؛ فأصل تقومانِّ: تقومانِنَّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالِى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وكلها ليس أصليًا، وإنما هو من حروف الزيادة - أمر مخالف للأصول اللغوية، فحذفت نون الرفع؛ لوجود ما يدل عليها، وهو أن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أو جازم يقتضى حذفها، ولم تحذف نون التوكيد المشددة، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها، وهو توكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف. فلما حذفت النون الأولى من الثلاث، وهى نون الرفع، كسرت المشددة، وصار الكلام؛ "تقومانِّ".
وأصل "تقُومُنَّ" هو: "تقومونَنَّ" حذفت النون الأولى للسبب السالف، فصار "تقومونَّ"؛ فالتقى ساكنان... واو الجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها؟ فحذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين. وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها؛ وهى: "الضمة" ولم تحذف النون، مراعاة للغرض البلاغى السابق؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها.
ومثل ذلك يقال فى: "تقومِنَّ" فأصلها: "تقومينَنَّ" حذفت النون الأولى، وبقيت نون التوكيد المشدد، فصار اللفظ أنت تقومينَّ؛ فالتقى. ساكنان: ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها، ولم تحذف النون للحاجة إليها، فصار اللفظ تقومِنَّ...
فعند إعراب "تقومُنَّ... السابقة، أو تقومِنَّ... نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالى النونات، والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين (واو الجماعة، أو: ياء المخاطبة) فاعل، مبنى على السكون فى محل رفع.
وعند إعراب "تقومانِّ" نقول فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالى النونات. والنون المشددة للتوكيد. ومثل هذا فى قوله تعالى: {لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم...} فأصل ... تُبْلَوُنَّ: تُبْلَوُونَنَّ؛ تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفًا، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، ثم حذفت نون الرفع لتوالى النونات، فالتَقَى ساكنان: واو الجماعة للتخلص من اجتماع الساكنين. ولم تحذف الواو لعدم وجود علامة قبلها تدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد أو تخفف لوجود داع بلاغىّ يقتضى بقاءها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الواو بالضمة، التى تناسبها.
وكذلك "تَرَيِنَّ" فى قوله تعالى يخاطب مريم: {فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولى إنى نذرتُ للرحمن صومًا فلنْ أكَلِّم اليوم إنسيًّا}. أصلها: تَرْأيينَنّ، نقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفاً، فصارت الكلمة: تَرَيِينَنَّ، ثم حذفت النون الأولى للجازم وهو: "إنْ" الشرطية المدغمة فى "ما" الزائدة؛ فصارت: تَرَيِينَّ، والياء الأولى متحركة وقبلها فتحة، فانقلبت ألفا، فصارت الكلمة: "ترايْنَّ" فالتقى ساكنان الألف وتلك الياء الأولى؛ حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارت "تَرَيْنَّ" فالتقت ياء المخاطبة ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة، فحركت الياء بالكسرة، إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها، ولا يجوز حذف النون الأولى من المشددة؛ لأن المقام يتطلبها مشددة؛ فلم يبق إلا تحريك الياء بالكسرة التى تناسبها؛ فصارت: تَرَيِنَّ.
وبمناسبة ما سبق من تحريك واو الجماعة وجوبًا نذكر قاعدة لغوية عامة تتصل بواو الجماعة؛ هى: أنها فى غير الموضع السابق تُضمّ - فى الأغلب إذا كان ما قبلها مفتوحًا وما بعدها ساكنًا، نحو: الصالحون سَعُوا اليوم فى الخير، ولن يسَعُوا الغداة فى سوء؛ فارضَوُا الخطة التى رسموها.
د- وجود التوكيد فى المثالين الأولين (تقُومُنَّ، وتقومِنَّ) قد يوهم أنها متصلة بآخر المضارع اتصالاً مباشرًا يقتضى بناءه؛ لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهم معرب، واتصال النون به ظاهرى؛ لا عبرة به؛ لأنه فى الحقيقة مفصول منها بفاصل مقدر (أى: خفى غير ظاهر) هو؛ واو الجماعة المحذوفة، أو ياء المخاطبة المحذوفة، وكلاهما محذوف لعلة، والمحذوف لعلة كالثابت - كما أشاروا - لهذا يكون المضارع فى المثالين السالفين معربًا؛ لا مبنيًّا؛ لأن نون التوكيد مفصوله منه حقيقة وتقديرًا. أما فى بقية الأمثلة (تقومانّ - تُبلَوُنَّ - تَرَيِنّ) فالنون لم تتصل أيضًا بآخره؛ لوجود الفاصل المنطوق به، الحاجز بينهما، ونعنى به: الضمير (ألف الاثنين - واو الجماعة - ياء المخاطبة). فالمضارع هنا معرب أيضاً؛ لأن نون التوكيد لم تتصل بآخره اتصالاً مباشرًا. وهذا شأن المضارع دائمًا؛ يظل محتفظًا بإعرابه، على الرغم من وجود نون التوكيد بعده إذا لم تكن متصلة بآخره اتصالاً مباشرًا؛ بحيث لا يفصل بينهما فاصل لفظى، مذكور أو مقدر.
ولهذا ضابط صحيح مطَّرد؛ هو أن المضارع إذا كان مرفوعًا بالضمة قبل مجئ نون التوكيد؛ فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشراً. وإن كان مرفوعاً بالنون قبل مجيئها فإنه لا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أو المقدر وهو: الضمير.
هـ- قلنا إن الماضى يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به التاء المتحركة التى هى ضمير "فاعل"، أو "نا" التى هى فاعل كذلك، أو نون النسوة وهى ضمير فاعل أيضًا، كما يبنى على الضم فى آخره إذا اتصل به واو الجماعة. لكن كثير من النحاة يقول إن هذا السكون عَرَضىّ طارئ؛ جاء ليمنع الثقل الناشئ من توالى أربع حروف متحركة فى كلمتين، هما أشبه بكلمة واحدة، (أى: فى الفعل وفاعله التاء، أو نا، أو نون النسوة)، فليس السكون فى رأيهم مجلوبًا من أثر عامل دخل على الفعل؛ فاحتاج المعنى لجلبه. لهذا يقولون فى إعرابه: بنى على فتح مقدر، منع من ظهوره السكون العارض... وكذلك يقولون فى الضمة التى قبل واو الجماعة؛ إنها عرضية طارئة؛ لمناسبة الواو فقط، وإن الفعل بنى على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة... إلخ.
ولا داعى لهذه التقدير والإعنات. فمن التيسير الذى لا ضرر فيه الأخذ بالرأى القائل بأنه بنى على السكون مباشرة فى الحالة الأولى، وعلى الضم فى الحالة الثانية.
و - ليس من المبنى الأسماء المقصورة؛ مثل: الفتى، الهدَى، المصطفى، ولا الأسماء المنقوصة؛ مثل: الهادى، الداعى، المنادى؛ لأن ثبات آخرها على حال واحدة إنما هو ظاهرى بسبب اعتلاله؛ ولكنه فى التقدير متغير؛ فهى معربة تقديرًا؛ بدليل أنها تثنى وتجمع فيتغير آخرها؛ فنقول فى الرفع: الفَتيان، والفَتَوْنَ. وفى النصب والجر: الفَتَيين والفَتَيْنَ. وكذلك: الهاديان، والهاديين والهادون والهادين... وكذا الباقى.
أما بناء اسم لا - أحياناً - وبعض أنواع المنادى فهو بناء عارض لا أصيل؛ يزول بزوال سببه وهو وجود: "لا" و "النداء"، فمتى زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنى الأصيل؛ فإن بناءه دائم...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 7: أنواع البناء والإعراب. علامة كل منهما )


للبناء أنواع أصلية، وأخرى فرعية تنوب عنها. فالأصلية أربعة:
(1) السكون وهو أخفها. يدخل أقسام الكلمة الثلاثة؛ فيكون فى الاسم؛ مثل: كَمْ، ومَنْ. ويكون فى الحرف مثل: قدْ، وهلْ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضى المتصل بضمير رفع متحرك، أو بنون النسوة، مثل: حضرْتَُِ (بفتح التاء، وضمها، وكسرها) حضرْنا - النسوة حضرْن. وفى الأمر المجرد صحيح الآخر؛ مثل: اجْلسْ واكتبْ... وفى المضارع المتصل بنون النسوة: مثل: الطالبات يتعلمْن ويعلمْن...
(2) الفتح، ويدخل أقسام الكلمة الثلاثة، فيكون فى الاسم؛ مثل: كيفَ وأينَ. ويكون فى الحرف؛ مثل: سَوْفَ، وثُمَّ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضى المجرد؛ مثل: كتَبَ، نَصَر، دعا. والفتح فى: "دعا" وأمثالها - مما هو معتل الآخر بالألف - يكون مقدراً.
وفى المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد فى آخرهما؛ مثل: والله لأسافرَن فى طلب العلم. سافرَن - يا زميل - فى طلب العلم.
(3) الضم، ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل، فمثال الاسم: حيثُ، والضم فيه ظاهر. وقد يكون مقدرًا فى مثل: "سيبويه" عند النداء: تقول: يا سيبويهِ؛ فهو مبنى على الكسر لفظًا، وعلى الضم تقديراً فى محل نصب فى الحالتين. ومثال الحرف: "منذُ" (على اعتبارها حرف جر).
أما الضم فى آخر الفعل فى مثل: الأبطال حضرُوا فليس بأصلىّ، وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو - كما سبق-.
(4) الكسر. ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل أيضًا؛ فمثال الاسم: هؤلاءِ. ومثال الحرف: باء الجر فى "بِك"...
والعلامات الفرعية التى تنوب عن الأصلية أشهرُها خمس:
(1) ينوب عن السكون حذفُ حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر؛ مثل الفعل: اخْشَ، وارمِ، واسْمُ؛ فى نحو: اصفحْ عن المعتذر لك، واخْشَ أن يقاطعك، وارمِ من ذلك إلى كسب مودته، واسْمُ بنفسك عن الصغائر.
وينوب عن السكون أيضًا حذف النون فى فعل الأمر، المسند للألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مثل: اكتبا-، اكتبوا، اكتبى.
(2) وينوب عن الفتح الكسرةُ فى جمع المؤنث المبنى، الواقع اسم "لا" النافية للجنس. نحو: لا مهملاتِ هنا (وفى هذا نيابة عن حركة بناء عن حركة أخرى).
وينوب عن الفتح أيضًا الياء فى المثنى المبنىّ، وفى جمع المذكر المبنىّ، إذا وقع أحدهما اسم: "لا" النافية للجنس، نحو: لا غائبَيْن. ولا غائبِينَ هنا (هذه نيابة حرف عن حركة بناء).
(3) وينوب عن الضم الألف فى المثنى؛ إذا كان منادى مفردًا علَمًا، نحو: يا محمدان، أو كان نكرة مقصودة؛ مثل: يا واقفان اجلسا؛ لاثنين معينين (وهذه نيابة حرف عن حركة بناء).
وتنوب الواو عن الضمة فى جمع المذكر المبنى إذا كان منادى مفردًا علمًا. نحو؛ يا محمدون (وهذه نيابة حرف عن حركة بناء أيضًا).
ومما تقدم نعلم أن الكسر فى البناء لا ينوب عنه شىء؛ وأن السكون ينوب عنه شيئان، وكذلك الفتح، والضم. كما نعلم أن الضم والكسر يكونان فى الاسم والحرف، ولا يكونان فى الفعل. وفى الجدول التالى تلخيص لكل ما تقدم:
علامات البناء الأصلية، والفرعية، ومواضعها

نوع البناء الأصلى

ما يدخل عليه من أقسام الكلمة

المثال

ما ينوب عن تلك العلامة

ا) السكون

الاسم

.    .    .    .

كمْ - مَنْ
قد - هلْ
عرفتُ - عرفنا الأمهات حافظن على الأولاد.
اكتبْ واقرأ وتعلمْ العاملات يسرعنَ.

 

1- حذف حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر، مثل ارضَ . .
2- حذف النون فى الأمر المسند إلى ألف الأثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة...

الحرف

.    .    .    .

الفعل

 

 

1- الماضى المتصل بضمير رفع متحرك، ومنه المتصل بنون نسوة.
 2- الأمر المجرد، صحيح الآخر.
 3- المضارع المتصل بآخره نون النسوة.

2) الفتح

الاسم

.    .    .    .    .

أيْنَ - كيفَ
سوفَ - رُبَّ

ضحك - نظر دعا الصالح ربه.

والله لتفرَحن افرحَن.

1- الكسرة فى جمع المؤنث السالم إذا وقع اسم "لا" النافية للجنس، نحو: لا مهملاتِ عندنا.
2- الياء فى المثنى المبنى، وجمع المذكر المبنى إذا وقع أحدهما اسم "لا" النافية للجنس؛ نحو: لا صديقينِ غادران، لا مصلحينَ مقصرون.

الحرف

.    .    .    .    .

الفعل

 

 

1- الماضى صحيح الآخر والمعتل الآخر بالألف.
 2- المضارع المتصل بآخره نون التوكيد.
 3- الأمر المتصل بآخره نون التوكيد.

3) الضم

الاسم

(والضم ظاهر فى آخره)

حيثُ   . . .
سيبويهِ   . . .
منذ (حرف جر)
× × × ×

1- الألف فى المثنى المبنى؛ إذا كان منادى مفرداً علماً أو نكرة مقصودة؛ نحو: يا محمدان: يا واقفان اجلسا.
2- الواو فى جمع المذكر المبنى إذا كان منادى مفرداً علماً؛ نحو: يا محمدون.

الاسم

(والضم مقدر فى آخره)

الحرف

.   .   .   .   . ـــ

الفعل

× × × ×

4) الكسر

الاسم

.   .   .   .   .

هؤلاءِ
الباء فى: بِك
× × × ×

× × × ×
× × × ×
× × × ×

الحرف

.   .   .   .   .

الفعل

× × × ×

إلى هنا انتهى الكلام على علامات البناء الأصلية والفرعية.
ب- وللإعراب أنواع أربعة:
(1) الرفع؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل: سعيدٌ يقومُ، ومثل الخبر والمضارع فى قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا:
*يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هو صَيْرَفٌ * يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب*
(2) النصب؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ.
(3) الجر؛ ويدخل الاسم فقط، مثل: باللهِ أستعين.
(4) الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ، وقول الشاعر:
*إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتى * فَسّمِ الفتى ميْتًا، وموطنَهُ قبْرَا*
فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع.
ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلية، وعلامات فرعية تنوب عنها:
فالعلامات الأصلية أربعة هى: الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب، والكسرة فى حالة الجرّ، والسكون (أى: عدم وجود حركة) فى حالة الجزم؛ فتقول فى الكلمة المرفوعة (فى مثل: سعيد يقوم): مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة؛ وفى الكلمة المنصوبة (فى مثل: إن عليًّا لن يسافر): منصوبة، وعلامة نصبها الفتحة: وفى المجرورة: علامة جرها الكسرة، وفى المجزومة: علامة جزمها السكون...
أما العلامات الفرعية التى تنوب عن تلك العلامات الأصلية فهى عشر؛ ينوب فى بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وينوب فى بعض آخر حرف عن حركة أصلية. وينوب فى بعض ثالث حذف حرف عن السكون؛ (فيحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم، وكذلك تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم).
والمواضع التى تقع النيابة فيها سبعة، تسمى أبواب الإعراب بالنيابة، وهى:
ا- الأسماء الستة. ب- المثنى. حـ- جمع المذكر السالم.
د- جمع المؤنث السالم. هـ- الاسم الذى لا ينصرف.
و- الأفعال الخمسة. ز- الفعل المضارع المعتل الآخر.
وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فيما يأتى:
(1) ينوب عن الضمة ثلاثة أحرف، هى: الواو، والألف، والنون.
(2) ينوب عن الفتحة أربعة، هى: الكسرة والألف، والياء، وحذف النون.
(3) ينوب عن الكسرة حرفان، هما: الفتحة؛ والياء.
(4) ينوب عن السكون حذف حرف، إما حرف علة فى آخر المضارع المعتل المجزوم، أو حذف النون من آخره إن كان من الأفعال الخمسة المجزومة.
وفيما يلى تفصيل الأحكام الخاصة بكل واحد.
زيادة وتفصيل:
ما السبب فى أن للبناء علامات خاصة، وللإعراب أخرى؟
قال شارح المفصّل ما نصه:
"اعلم أن سيبويه وجماعة من البصريين قد فصَلوا بين حركات الإعراب وسكونه، وبين ألقاب حركات البناء وسكونه، وإن كانت فى الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتح المطلق لقبًا للمبنى على الفتح، والضم لقبًا للمبنى على الضم، وكذلك الكسر، والوقف.
"وجعلوا النصب لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفع، والجر، والجزم، ولا يقال لشىء من ذلك مضموم مطلقًا، - أو مفتوح، أو مكسور، أو ساكن - فلا بد من تقييد، لئلا يدخل (المعرب) فى حيز المبنيات. أرادوا بالمخالفة بين ألقابها إبانة الفرق بينهما؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع عُلم أنه بعامل يجوز زواله، وحدوث عامل آخر يُحدث خلاف عمله، فكان فى ذلك فائدة وإيجاز، لأن قولك: مرفوع، يكفى عن أن يقالَ له: مضموم ضمة تزول، أو ضمة بعامل. وربما خالف فى ذلك بعض النحاة وسمّى ضمة البناء رفعا، وكذلك الفتح والكسر والوقف. والوجه هو هو الأول، لما ذكرناه من القياس، ووجه الحكمة." اهـ

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 8: (أ) الأسماء الستة )


هى: أبٌ، أخٌ، حَمٌ، فمٌ، هَنٌ، ذُو... بمعنى صاحب. فكل واحد من هذه الستة يرفع بالواو نيابة عن الضمة، وينصب بالألف نيابة عن الفتحة، ويجر الياء نيابة عن الكسرة، مثل: اشتهر أبوك بالفضل، أكرمَ الناس أباك، استمع إلى نصيحة أبيك... ومثل قول الشاعر:
*أخوكَ الَّذِى إنْ تَدْعُهُ لِمُلِمَّةٍ * يُجِبْك وإنْ تَغْضَب إلى السَّيْفَ يَغْضَب*
فتقول: إنَّ أخاك الَّذِى... - تَمَسَّكْ بأخيك الذى... ومثل هذا يقال فى سائر الأسماء الستة.
لكن يشترط لإعرابِ هذه الأسماء كلها بالحروف السابقة، أربعة شروط عامة، وشرط خاص بكلمة: "فم"، وآخر خاص بكلمة: "ذو".
فأما الشرط العامة فهى:
ا- أن تكون مفردة، فلو كانت مثناة أو مجموعة، أعربت إعراب المثنى أو الجمع، نحو: جاء أبوانِ، رأيت أبوينِ، ذهبت إلى أبوينِ. جاء آباءٌ، رأيت آباءً، ذهبت إلى آباءٍ............
ب- أن تكون مُكبَّرة؛ فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الثلاثة الأصلية فى جميع الأحوال، مثل: هذا أُبَيَّك العالم.... إن أُبَيَّكَ عالم... اقتد بِأُبيِّك...... إلخ.
حـ - أن تكون مضافة؛ فإن لم تضف أعربت بالحركات الأصلية، مثل: تعهد أبٌ ولدَه... أحبَّ الولدُ أبًا. اعتَن بأبٍ. وقد اجتمع فى البيت الآتى إعرابها بالحروف وبالحركات، وهو:
*أبونا أبٌ لو كان للناس كلهم * أبًا واحدًا أغناهمو بالمناقبِ*
د- أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم؛ فإن أضيفت وكانت إضافتها إلى ياء المتكلم، فإنها تعرف بحركات أصلية مقدرة قبل الياء، مثل: أبى يحب الحق، إن أبى يحب الحق، اقتديت بأبى فى ذلك. فكلمة: "أب" فى الأمثلة الثلاثة مرفوعة بضمة مقدرة قبل الياء، أو منصوبة بفتحة مقدرة قبل الياء، أو مجرورة بكسرة مقدرة أيضًا. وكذلك باقى الأسماء الستة. إلاّ "ذو" فإنها لا تضاف لياء المتكلم ولا لغيرها من الضمائر المختلفة.
أما الشرط الخاص بكلمة: "فَم"، فهو حذف "الميم" من آخرها، والاقتصار على الفاء وحدها. مثل: ينطق "فوك" الحكمة. (أى؛ فمك): إن "فاك" عذب القول. تجرى كلمة الحق على "فيك". فإن لم تحذف من آخره الميم أعرب "الفم" بالحركات الثلاثية الأصلية، سواء أكان مضافًا أم غير مضاف، وعدم إضافته فى هذه الحالة أكثر. نحو: هذا "فمٌ" ينطق بالحكمة - إن "فمًا" ينطق بالحكمة يجب أن يُسمَع - فى كل "فم" أداة بيان.
وأما الشرط الخاص بكلمة: "ذو" بمعنى: صاحب فهو أن تكون إضافتها لاسم ظاهر دال على الجنس، مثل: والدى ذو فضل، وصديقى ذو أدب وقول الشاعر:
*ومَن لا يَكُنْ ذَا نَاصِرٍ يَوْمَ حَقّهِ * يُغلَّبْ عليه ذُو النَّصِيرِ، وَيُضْهَدُ*
وما سبق هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة، ولذلك كان أحقها بالاتباع، وأنسبها للمحاكاة، دون غيره. إلا كلمة: "هَن" فإن الأكثر فيها مراعاة النقص فى آخرها، ثم إعابها بالحركات الأصلية بعد ذلك. والمراد بمراعاة النقص فى آخرها أن أصلها "هَنَوٌ"، على ثلاثة أحرف، ثمُ نقصت منها الواو؛ بحذفها للتخفيف، سماعًا عن العرب، وصارت الحركات الأصلية تجرى على النون، وكأنها الحرف الأخير فى الكلمة. فعند الإضافة لا تُردُّ الواو المحذوفة كما - ترد فى الغالب - عند إضافة الكلمات التى حذفت من آخرها، فحكم كلمة: "هَن" فى حالة الإضافة كحكمها فى عدمها، تقول: هذا "هَنٌ"، أهملتُ "هَنًا" - لم ألتفت إلى "هَنٍ". وتقول: "هَنُ" المال قليل النفع. إن "هنَ" المال قليل النفع. لم أنتفعْ "بهَنِ" المال. لكن يجوز فيها بقلة، الإعراب بالحروف، تقول: هذا هَنُو المال، وأخذت هَنَا المال، ولم أنظر إلى هَنِى المال.
وإذا كان الإعراب بالحروف بشروطه السابقة هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة إلا كلمة: "هَن" فإن هناك لغة أخرى تليه فى الشهرة والقوة؛ هى: "القَصْر" فى ثلاثة أسماء؛ "أبٌ"، و"أخٌ"، و"حَمٌ"، دون "ذو" و "هن" و "فم"... ومعنى القصر: إثبات الف فى آخر كل من الثلاثة الأولى فى جميع أحوالها، مع إعرابها بحركات مقدرة على الألف رفعًا ونصبًا وجرًّا؛ مثل: أباك كريم، إن أباك كريم، أثنيت على أباك. فكلمة: "أبا" قد لزمتها الألف فى أحوالها الثلاث، كما تلزم فى آخر الاسم المعرب المقصور، وهى مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، أو منصوبة بفتحة مقدرة عليها، أو مجرورة بكسرة مقدرة عليها، فهى فى هذا الإعراب كالمقصور.
وهناك لغة ثالثة تأتى بعد هذه فى القوة والذيوع، وهى لغة النقص السابقة؛ فتدخل فى: "أب" و "أخ" و "حم"، كما دخلت فى: "هَن"، ولا تدخل فى: "ذو" ولا "فم" إذا كان بغير الميم. تقول كان أبُك مخلصًا. إن أبَك مخلص، سررت من أبِك لإخلاصه... وكذا الباقى. فأب مرفوعة بضمة ظاهرة على الباء، أو منصوبة بفتحة ظاهرة، أو مجرورة بكسرة ظاهرة. ومثل هذا يقال فى "أخ" و "حم" كما قيل: فى "أب" وفى "هن".
ومما سبق نعلم أن الأسماء الستة لها ثلاثة حالات من حيث علامات الإعراب، وقوة كل علامة.
الأولى: الإعراب بالحروف، وهو الأشهر، والأقوى إلا فى كلمة: "هن" فالأحسن فيها النقص؛ كما سبق.
الثانية: القصر، وهو فى المنزلة الثانية من الشهرة والقوة بعد الإعراب بالحروف، ويدخل ثلاثة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحرف. ولا يدخل: "هَن".
الثالثة: النقص، وهو فى المنزلة الأخيرة، يدخل أربعة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم. لأن هذين الاسمين. ملازمان للإعراب بالحروف كما سبق.
فمن الأسماء الستة ما فيه لغة واحدة وهو "ذو" و "فم" بغير ميم.
وما فيه لغتان، وهو "هن".
وما فيه ثلاث لغات وهو أب، أخ، حم.
زيادة وتفصيل:
ا- بالرغم من تلك اللغات التى وردت عن العرب، يجدر بنا أن نقتصر على اللغة الأولى التى هى أشهر تلك اللغات وأفصحها، وأن نهمل ما عداها؛ حرصًا على التيسير، ومنعًا للفوضى والاضطراب الناشئين من استخدام لغات وهجمات متعددة. وقد يقالك ما الفائدة من عرض تلك اللغات إذًا؟
إن فائدتها هى لبعض الدارسين المتخصصين: وأشباههم؛ إذ تعينهم على فهم النصوص القديمة، المتضمنة تلك اللهجات التى لا تروق اليوم محاكاتها، ولا القياس عليها، ولا ترك الأشهر الأفصح من أجلها.
ب- جرى العرف على التسمية ببعض الأسماء الستة السالفة، مثل: أبو بكر - أبو الفضل - ذى النون - ذى يَزَن.... فإذا سمى باسم مضاف من تلك الأسماء الستة المستوفية للشروط جاز فى العلَم المنقول منها أحد أمرين:
أولهما: إعرابه بالحروف، كما كان يُعْرف أوّلا قبل نقله إلى العلمية. كما يصح إعرابه بغير الحروف من الأوجه الإعرابية الأخرى التى تجرى على تلك الأسماء بالشروط والقيود التى سبقت عند الكلام عليها، أى: أن كل ما يصح فى الأسماء الستة المستوفية للشروط قبل التسمية بها يصح إجراؤه عليها بعد التسمية.
ثانيهما: وهو الأنسب أن يلتزم العَلم صورة واحدة فى جميع الأساليب، مهما اختلفت العوامل الإعرابية، وهذه الصورة هى التى سمى بها، واشتهر، فيقال - مثلا - كان أبو بكر رفيق الرسول عليه السلام فى الهجرة - إنّ أبو بكر من أعظم الصحابة رضوان الله عليهم - أثنى الرسول عليه السلام على أبو بكر خير الثناء... فكلمة: "أبو" ونظائرها من كل عَلم مضاف صدره من الأسماء الستة يلتزم حالة واحدة لا يتغير فيها آخره، ويكون معها معربًا بعلامة مقدرة، سواء أكانت العلامة حرْفًا أم حركة على حسب اللغات المختلفة...
حـ- إذا أعرب أحد الأسماء الستة بالحروف، وأضيف إلى اسم أوله ساكن (مثل: جاء أبو المكارم، ورأيت أبا المكارم، وقصدت إلى أبى المكارم) فإن حرف الإعراب وهو: الواو، أو الألف، أو الياء - يحذف فى النطق، لا فى الكتابة. وحذفه لالتقاء الساكنين؛ فهو محذوف لعلة، فكأنه موجود. فعند الإعراب نقول: "أبو" مرفوع بواو مقدرة نطقًا، و "أبا" منصوب بألف مقدرة نطقًا، و"أبى" مجرور بياء مقدرة نطقًا؛ فيكون هذا من نوع الإعراب التقديرى بحسب مراعاة النطق. أما بحسب مراعاة المكتوب فلا تقدير.
د- من الأساليب العربية الفصيحة: "لا أبا له"... فما إعراب كلمة: "أبا" إذا وقعت بعدها اللام الجارة لضمير الغائب، أو غيره"؟
يرى بعض النحاة أنها اسم "لا" منصوبة بالألف، ومضافة إلى الضمير الذى بعدها، واللام التى بينهما زائدة. ومع أنها زائدة هى التى جَرّتْ الضمير دون المضاف، فالمضاف فى هذا المثال وأشباهه لا يعمل فى المضاف إليه. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر: "لا".
وفى هذا الإعراب خروج على القواعد العامة التى تقضى بأن المضاف يعمل فى المضاف إليه. وفيه أيضًا أن اسم "لا" النافية للجنس وقع معرفة؛ لإضافته إلى الضمير، مع أن اسم "لا" المفرد لا يكون معرفة... و... و...
وقد أجابوا عن هذا إجابة ضعيفة؛ حيث قالوا: إن كلمة "أبا" ذات اعتبارين؛ فهى بحسب الظاهر غير مظافة لوجود الفاصل بينهما، فهى باقية على التنكير، وليست معرفة؛ والإضافة غير محضة وإذًا لا مانع من أن تكون اسم "لا" النافية للجنس. وكان حقها البناء على الفتح؛ لكنها لم تبن للاعتبار الثانى؛ وهو مراعاة الحقيقة الوافعة التى تقضى بأنها مضافة؛ فنُصِبَتْ بالألف لهذا، وصارت معربة لا مبنية.
وكل هذا كلام ضعيف، ويزداد ضعفه وضوحًا حين نراه لا يصلح فى بعض الحالات، ولا يصدُق عليها، كالتى فى قولهم: "لا أَبَالى" فقد وقعت كلمة: "أبا" فى الأسلوب معربة بالحرف فإن اعتبرناها مضافة فى الحقيقة لياء المتكلم لم يصح إعرابها بالحرف، لأن المضاف من الأسماء الستة لياء المتكلم لا يصح إعرابه بالحرف. وإن اعتبرناها غير مضافة أصلا مراعاة للظاهر - بسبب وجود حرف اللام الفاصل - لم يصح إعرابها بالحرف أيضًا، فهى على كلا الاعتبارين لا تعرب بالحرف.
وأحسن رأى من النواحى المختلفة هو اعتبار كلمة: "أبا" اسم "لا"، وغير مضافة، بل مبنية على الألف على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف دائمًا فى جميع الحالات، وأنها خالية من التنوين بسبب هذا البناء.
ويرى بعض النحاة إعرابًا آخر هو بناء كلمة "أبا" على فتح مقدر على آخرها منع من ظهوره التعذر، باعتبار هذه الألف أصلية من بنية الكلمة كالألف التى فى آخر كلمة "هذا" فكلاهما عنده حرف أصلى تقدر عليه علامات البناء، ولا يعتبره حرفًا زائدًا جئ به ليكون علامة إعراب.
(راجع حاشية الخضرى، جـ1 أول باب "لا" النافية للجنس)
والخلاف شكلى، لا أثر له. وهو يقوم على اعتبار الألف الأخيرة زائدة، أو أصلية. وسيجئ لهذه المسألة إشارة أخرى فى باب "لا".

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 9: (ب) المثنى - تعريفه )


ب- المثنى

أ-

أضاء نجم

راقب الفكلىُّ نجماً.

اهتديت بنجم.

ب-

أضاء نجمانِ.

راقب الفلكىُّ نجْمَينِ.

اهتديت بنجْمَيْنِ.

تدل كلمة: "نجم" فى الأمثلة الأولى (ا) على أنه واحد، وحين زدنا فى آخرها الألف والنون، أو الياء المفتوح ما قبلها، وبعدها النون المكسورة - دلت دلالة عددية على اثنين؛ كما فى أمثلة "ب" واستغنينا بزيادة الحرفين عن أن نقول. أضاء نجم ونجم. راقب الفلكى نجمًا ونجمًا. اهتديت بنجم ونجم. أى: أننا اكتفينا بهذه الزيادة بدلا من عطف كلمة على نظيرتها الموافقة لها تمام الموافقة فى الحروف والحركات، والمعنى العامّ. فكلمة: "نجمان" وما أشبهها تسمى: "مثنى"، وهو:
"اسم يدُل على اثنين، متفقين، فى الحروف والحركات، والمعنى؛ بسبب زيادة فى آخره تغنى عن العاطف والمعطوف". وهذه الزيادة هى الألف وبعدها نون مكسورة، أو الياء وقبلها فتحة وبعدها نون مكسورة.
فليس من المثنى ما يأتى:
(1) ما يدل على مفرد؛ مثل: نَجم، ورَجْلان.
(2) ما يدل على جمع؛ مثل: نجوم، وصِنْوان، أو على اسم جمع؛ مثل: قوم، ورهْط.
(3) ما يدل على اثنين، ولكنهما مختلفان فى لفظيهما، مثل: الأبوين؛ للأب والأم. أو: مختلفان فى حركات أحرفهما؛ كالعُمَرين: لِعُمَرَ بن الخطاب، وعَمْرو بن هِشَام، المعروف: "بأبى جهل". أو مختلفان فى المعنى دون الحروف وحركاتها؛ كالعينين، تريد بإحداهما العين الباصرة، وبالأخرى البئر فلا يسمى شىء من هذا كله مثنى حقيقة، وإنما هو ملحق بالمثنى.
(4) ما يدل على اثنين متفقين فى المعنى والحروف وحركاتها ولكن من طريق العطف بالواو، لا من طريق الزيادة السالفة؛ مثل: أضاء نجم ونجم.
(5) ما يدل على شيئين، ولكن من طريق الوضع اللغوىّ، لا من طريق تلك الزيادة، مثل: شَفْع (ضد فَرد، و وتر). ومثل زَوْج وزَكًا، وهما بمعنى شَفْع. فكل واحدة من هذه الكلمات تدل دلالة لغوية على قسمين متماثلين متساويين تمامًا (وهى القسمة الزوجية ضد الفردية): فهى تدل على التثنية ضمنًا، ولكن من غير أن يكون فى آخرها الزيادة السالفة.
ومثلها: "كِلاَ" فإنها تدل على شيئين متساويين أو غير متساويين، ولكن من غير زيادة فى آخرها، فهذه ملحقة بالمثنى.
(6) ما يدل على اثنين، وفى آخره زيادة، ولكنها لا تغنى عن العاطف والمعطوف: مثل: كلتا، اثنان، اثنتان أو: ثنتان؛ فليس لواحدة من هذه الكلمات مفرد مسموع عن العرب، على الرغم من وجود زيادة فى آخرها، ولهذا تعد ملحقة بالمثنى، وليست مثنى حقيقة.
حكم المثنى: أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة. وبعدها نون مكسورة؛ مثل: يتحرك الكوكبانِ. وينصب بالياء نيابة عن الفتحة. وهذه الياء قبلها فتحة وبعدها نون مكسورة؛ مثل: شاهدت الكوكَبَيْنِ. ويجر بالياء نيابة عن الكسرة وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة، مثل: فرحت بالكوكبَيْنِ.
هذا هو أشهر الآراء فى إعرابه وإعراب ملحقاته، (ومنها كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، أو: ثنتان). إلا أن كلا وكلتا لا تعربان بهذه الحروف إلا إذا أضيفتا للضمير؛ الدال على التثنية سواء أكانتا للتوكيد، أم لغيره، فإن كانتا للتوكيد وجب أن يسبقَهما المؤكَّد الذى يطابقه الضمير، نحو أكرمْ الوالدين؛ فإن كليهما صاحب الفضل الأكبر عليك... وعاون الجدّتين، فإن كلتيهما أحبّ الناس لك. فالكلمتان ليستا للتوكيد، وهما معربتان كالمثنى منصوبتان بالياء،
ونحو: جاء الفارسان كلاهما، غابت السيدتان كلتاهما؛ "فكلا" و "كلتا" توكيد مرفوع بالألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، وهو مضاف و"هما" مضاف إليه، مبنى على السكون فى محل جر. ونحو: صافحت الفارسيَنِ كليهما، والمحسنتين كلتيهما، وأثنيت على الفارسيَنِ كليهما، والسيدتين كلتيهما "فكلا وكلتا توكيد منصوب أو مجرور بالياء مضاف، والضمير مضاف إليه، مبنى على السكون فى محل جر...
فلو أضيفت كلا أو كلتا لاسم ظاهر لم تعرب كالمثنى، ولم تكن للتوكيد، -وأعربت- كالمقصور - على حسب الجملة، بحركات مقدرة على الألف، فى جميع الأحوال: (رفعًا، ونصبًا، وجرًّا)، مثل: سبق كلا المجتهدَيْن، وفازت كلتا لماهرتَينِ، فكلا وكلتا: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. ومثل: هنأت كلا المجتهدَيْنِ، وكلتا الماهرتَين؛ فكلا وكلتا مفعول به، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسألت عن كلا المجتهدينِ، وعن كلتا الماهرتَينِ، فكلا وكلتا مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف.
مما تقدم نعلم:
ا- أن كلا وكلتا إذا أضيفتا للضمير تعربان كالمثنى - أى، : بالحروف المعروفة فى إعرابه -؛ سواء أكانتا للتوكيد أم لغيره، ولا بد أن يكون الضمير للتثنية
ب- وأنهما عند الإضافة للظاهر، لا تكونان كالمثنى، بل تعربان على حسب الجملة (فاعلا أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرًا... إلخ)، وبحركات مقدرة على الألف دائمًا، كإعراب المقصور.
زيادة وتفصيل:
ا- عرفنا أنه لا يجوز إعراب: "كلا وكلتا" إعراب المثنى إلا بشرط إضافتهما للضمير الدال على التثنية.
لكن يجب التنبه إلى أن تحقق هذا الشرط يوجب إعرابهما إعراب المثنى من غير أن يوجب إعرابهما توكيدًا؛ فقد يتحتم عند تحققه إعرابهما توكيدًا فقد، وقد يمتنع إعرابهما توكيدًا ويتحتم إعرابهما شيئًا آخر غيره، وقد يجوز فى إعرابهما الأمران؛ التوكيد وغيره، فالحالات الثلاث عند تحققه. ففى مثل: أقبل الضيفان كلاهما، وأجادت الفتاتان كلتاهما... يتعين التوكيد وحده.
وفى مثل: النجمات كلاهما مضئ، والشاعرتان كلتاهما نابغة - يمتنع التوكيد ويتحتم هنا إعرابهما مبتدأين، وما بعدهما خبر لهما، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول؛ (وهو: النجمان، والشاعرتان). ولا يصح إعراب "كلا وكلتا" فى هذا المثال توكيدًا؛ لكيلا يكون المبتدأ (النجمان - الشاعرتان) مثنى، خبره مفرد، إذ يصير الكلام: النجمان مضئ، الشاعرتان نابغة؛ وهذا لا يصح.
وفى مثل: النجمان - كلاهما - مضيئان، والشاعرتان - كلتاهما - نابغتان... يجوز فيهما أن يكونا للتوكيد. وما بعدهما خبر للمبتدأ. ويجوز فى كل منهما أن يكون مبتدأ ثانيًا خبره ما بعده، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول.
ب- إعراب المثنى وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها، كما أسلفنا. ويجب الاقتصار عليه فى عصرنا؛ منعًا للفوضى والاضطراب فى الاستعمال الكلامى والكتابى، وأما اللغات الأخرى فلا يسوغ استعمالها اليوم، وإنما تُذْكر للمتخصصين؛ ليسترشدوا بها فى فهم بعض النصوص اللغوى الواردة عن العرب بتلك اللغات واللهجات. ومن أشهرها:
(1) إلزام المثنى وملحقاته (غير: كلا وكلتا) الألف فى جميع أحواله، مع إعرابه بحركات مقدرة عليها؛ تقول عندى كتابانِ نافعانِ، اشتريت كتابانِ نافعانِ، قرأت فى كتابانِ نافعانِ، فيكون المثنى مرفوعًا بضمة مقدرة على الألف، ومنصوبًا بفتحة مقدرة عليها، ومجرورًا بكسرة مقدرة كذلك؛ فهو يعرب إعراب المقصور، والنون للتثنية فى كل الحالات.
(2) إلزام المثنى الألف والنون فى جميع أحواله مع إعرابه بحركات ظاهرة على النون. كأنه اسم مفرد، تقول عندى كتابانٌ نافعانٌ، واشتريت كتابانًا نافعانًا، وقرأت فى كتابانٍ نافعانٍ، ويحذف التنوين إذا وجد ما يقضى ذلك؛ كوجود "أل" فى أول المثنى. أو إضافته. وكذلك لمنع الصرف إذا وجد مانع من الصرف... فيرفع معه بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين أيضًا.
أما "كلا، وكلتا" ففيهما مذاهب أيضًا؛ أشهرها وأحقها بالاتباع ما سبق فيهما؛ وهو إعرابهما بالحروف، بشرط إضافتهما إلى ضمير دالّ على التثنية - علمًا بأنهما لا تضافان مطلقًا - إلى ضمير للمفرد، نحو: كلاى وكلتاى، ولا إلى ضمير للجمع، نحو: كلاهم، وكلتاهم-، ولا يضافان إلى الظاهر أيضًا، وإلا أعربا معه كالمقصور.
وهناك من يعربهما إعراب المقصور فى جميع أحوالهما، أى: بحركات مقدرة على الألف دائمًا. ومنهم من يعربهما إعراب المثنى فى جميع أحوالهما، ولو كانت إضافتهما إلى اسم ظاهر مثنى. ولا حاجة اليوم إلى غير اللغة المشهورة.
هذا، ولفظهما مفرد، مع أن معناهما مثنى؛ فيجوز فى الضمير العائد عليهما مباشرة، وفى الإشارة، وفى الخبر، ونحوه - أن يكون مفردًا، وأن يكون مثنى، تقول: كلا الرجلين سافر، أو سافرا، وكلا الطالبين أديب، أو أديبان، وكلتا الفتاتين سافرت، أو سافرتا، وكلتاهما أديبة، أو أديبتان، والأكثر مراعاة اللفظ. كقول الشاعر:
*لا تَحْسَبَنّ الموتَ موتَ البِلى * وإنما الموتُ سُؤال الرجالِ*
*كلاهُمَا موْت، ولكنّ ذَا * أفضعُ من ذاك، لذُل السؤالِ*
هذا ويتعين الإفراد ومراعاة اللفظ فى مثل: كلانا سعيد بأخيه؛ من كل حالة يكون المعنى فيهما قائمًا على المبادلة والتنقل بين الاثنين فينسب فيها إلى كل واحد منهما ما ينسب إلى الآخر، دون الاكتفاء بذكر المعنى المجرد من دلالة المبادلة والتنقل بينهما كالمثال السابق، وكقولنا: كلانا حريص على المودة، كلانا محب لبلاده...
بقيت مسألة تتعلق بالإعراب فى مثل: محمد وعلىّ كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان، فكلمة: "كلاهما"، فى المثال الأول مبتدأ حتمًا، و"قائم" خبره والجملة خبر الأول، ولا يصح إعراب "كلا" للتوكيد، لما يترتب على ذلك من إعراب كلمة "قائم" خبر المبتدأ، وهذا غير جائز؛ إذ لا يقال: محمد وعلى قائم؛ لعدم المطابقة اللفظية. أما فى المثال الثانى فيصح إعرابها مبتدأ أو توكيدًا - كما سبق فى فى "ا".
حـ- جرى الاستعمال قديماً وحديثًا على تسمية فرد من الناس وغيرهم باسمٍ، لفظه مثنى ولكن معناه مفرد، بقصد بلاغى؛ كالمدح، أو الذم، أو التلميح...- كما سبق فى رقم 4 من هامش ص 111- مثل: "حمدان" تثنية: "حمْد"، و"بدْران" تثنية "بدر" و "مَرْوان"، تثنية: "مرْو"؛ وهى: الحجارة البيض الصلبة، و"شعبان" تثنية "شَعْب" و "جبْران" تثنية "جبْر"، ومثل: مُحمدَين، وحسَنَيْنِ والبحْرين (اسم إقليم عربىّ على خليج العرب...) فهذه الكلمات وأشباهها ملحقة بالمثنى، وليست مثنى حقيقيًّا. وفى إعرابهما وجهان:
أحدهما: حذف علامتى التثنية من آخرها، وإعرابها بعد ذلك بالحروف؛ كباقى أنواع المثنى الحقيقى؛ فتقول سافر بدْرَانِ، يحب الناس بدْرَينِ، وتحدثوا عن بدْرَين.
والآخر: إلزامها الألف والنون، - مثل عِمران - وإعرابهما إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النون؛ فترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالفتحة من غير تنوين أيضًا.
ولعل الخير فى إباحة وجه ثالث يحسن الاصطلاح على إباحته وإن كنت لم أره لأحد من قدامى النحاة؛ فإنهم قصروه على جمع المذكر السالم، هو إبقاء العلَم على حاله - من الألف والنون، أو الياء والنون - مع إعرابه كالاسم المفرد بحركات إعرابية مناسبة على آخره، وهذا الوجه وحده أولى بالاتباع، إذ لا يؤدى إلى اللبس، لأنه الموافق للواقع، وليس فى أصول اللغة ما يمنعه بل إن كثيرًا من المعاملات الجارية فى عصرنا توجب الاقتصار عليه، فالمصارف لا تَعترف إلا بالعَلم المحْكىّ، أى: المطابق للمكتوب نَصًّا فى شهادة الميلاد، وفى الشهادة الرسمية المحْفوظة عندها المماثلة لما فى شهادة الميلاد ولا تقضى لصاحبه أمرًا مَصْرِفيا إلا إذا تطابق إمضاؤه (توقيعه) واسمه المسجل فى تلك الشهادة تطابقًا كاملاً فى الحروف وفى ضبطها، فمن اسمه: "حَسَنيْن" أو: بدران... يجب أن يظل على هذه الصورة كاملة فى جميع الاستعمالات عندها، مهما اختلفت العوامل التى تقتضى رفعه، أو نصبه، أو جرّه.
فلو قيل: حسنان، أو: بَدْرَيْن؛ تبعًا للعوامل الإعرابيَّة لكان كل علَم من هذه الأعلام دالاً فى عُرْف المصرف على شخص آخر مغاير للشخص الذى بدل عليه العلم الأول، وأن لكل منهما ذاتًا وحقوقًا ينفرد بها، ولا ينالها الآخر، ولن يوافق المصرف مطلقًا على أنّ الاسمين لشخص واحد، ولا على أن الخلاف يتجه للإعراب وحده دون الاختلاف فى الذات. ومثل المضارف كثير من الجهات الحكومية؛ كالبريد، وأنواع الرخص، والسجلات الرسمية المختلفة...
أما الوجه الأول فقد يوهم أنه مثنى. ولا يأمن اللبس فيه إلا الخبيرُ الذى يعرف أنه مفرد؛ ويُدْرك أن العلم المثنى لا يتجرد من "أل" إلا عند إضافته، أو ندائه، كما سيجئ، وهذا غير مضاف؛ بل إنه قد يضاف فيزداد اللبس قوة. ولا يخلو الثانى من لبْس، أيضًا.
د- اشترط جمهور النحاة فيما يراد تثنيته قياسًا ثمانية شروط:
(1) أن يكون معربًا. فأما هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، فقد وردت عن العرب هكذا معربة - مع أن مفرداتها مبنية؛ فلا يقاس عليها.
(2) أن يكون مفردًا؛ فلا يثنى جمع المذكر السالم. ولا جمع المؤنث السالم؛ لتعارض معنى التثنية وعلامتها، مع معنى الجمعين وعلامتهما. أما جمع التكسير واسم الجمع فقد يثنى كل منهما أحيانًا؛ نحو: "جِمَاليْن، وركبيِن" فى تثنية: "جِمال" و "رَكب"؛ بقصد الدلالة فى التثنية على التنويع، ووجود مجموعتين متميزتين بأمر من الأمور. وكذلك يثنى اسم الجنس - غالبًا - للدلالة السابقة - نحو، ماءين، ولبنين. وأكثر النحاة يمنع تثنية جمع التكسير ويقصرونه على السماع كما فى المثالين السالفين - وستجئ الإشارة لهذا فى ص 146. أما التفصيل فمكانه: "باب جمع التكسير" من الجزء الرابع، ص 505 م 174.
وأما المثنى فلا يثنى، ولا يجمع؛ لكيلا يجتمع إعرابان بعلاماتهما على كلمة واحدة. وهذا هو الرأى السائغ الذى يحسن الاقتصار عليه.
لكنْ لو سمى بالمثنى، وأريد تثنية هذا المسَمَّى لم يصح تثنيته مباشرة، وإنما يصح بطريقة غير مباشرة، بأن نأتى قبل المثنى بالكلمة الخاصة التى يتوصل بها لتثنيته؛ وهى "ذو" مختومة، بعلامة التثنية للمذكر والمؤنث فى حالات الإعراب المختلفة؛ فيقال للمذكر فى حالة الرفع: "ذوَا"... وفى حالتى النصب والجر: "ذَوَىْ..." مثل: نبغ ذَوَا حمدان، وأكرمت ذَوَىْ حمدان, واستمعت إلى ذَوَىْ حَمْدان. فكلمة: "ذَوَا وذَوَىْ" تعرب على حسب حاجة الجملة، كإعراب المثنى وهما "مضافان"، والمثنى المسمى به هو: "المضاف" إليه دائمًا ويحتفظ بكل حروفه، ثم تجرى عليه أَحكام المضاف إليه؛ من الجرّ، وغيره.
ويقال للمؤنث فى حالة الرفع: "ذاتا"، أو: ذواتا، وفى حالة الجر: "ذاتىْ..." أو "ذواتَىْ..."..وتعرب هذه الألفاظ على حسب حاجة الجملة كإعرْاب المثنى. وهى "مضافة" والمسمى به هو "المضاف إليه" الذى يخضع للحكم السالف.
(3) أن يكون نكرة؛ أما العلَم فلا يثنى؛ لأن الأصل فيه أن يكون مسماه شخصًا واحدًا معينًا، ولا يثنى إلا عند اشتراك عدة أفراد فى اسم واحد، وهذا معنى قول النحويين: "لا يثنى العلم إلا بعد قصد تنكيره"، وحينئذ تزاد عليه: "أل" بعد التثنية؛ لتعيد له التعريف، أو: يسبقه حرف من حروف النداء - مثل: "يا"؛ لإفادة التعيين والتخصيص أيضًا، بسبب القصد المتجه لشخصين معينين؛ نحو: يا محمدان، أو إضافة إلى معرفة، مثل: حضر محمداك. فلا بد مع تثنية العلم من شىء مما سبق يجلب له النعرف.؛ لأن العلم يدل على واحد معين. كصالح، وأمين، ومحمود، والتثنية تدل على وقوع مشاركة بينه وبين آخر، فلا يبقى العلم مقصورًا على ما كان عليه من الدلالة على واحد بعينه، بل يشترك معه غيره عند التثنية، وفى هذه المشاركة نوع من الشيوع، يناقض التعيين والتحديد الذى يدل عليه العلم المفرد. هذا إلى أن العلَم المفرد قد يصار بعد التثنية إلى لفظ لم تقع به التسمية أولا...
(4) غير مركب؛ فلا يثنى بنفسه المركب الإسنادى (وهو المكون من مبتدأ وخبر؛ مثل "على مسافر" علم على شخص، أو من فعل وفاعل، مثل: "فتحَ اللهُ - علم على شخص أيضًا). و إنما يثنى من طريق غير مباشر؛ فنأتى بكلمة: "ذو" للمذكر، و "ذات" للمؤنث؛ لتوصل معنى التثنية إليه. وهى ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وتكون مضافة إلى المركب فى الأحوال الثلاثة، تقول: جاء ذوَا "محمدٌ مسافرٌ"، وذاتا...، أو: ذواتا "هندٌ مسافرةٌ"، وشاهدت ذوَىْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَىْ...، أو: ذَوَاتَىْ "هندٌ مسافرةٌ": ونظرت إلى ذَوَىْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَىْ... أو: ذواتَىْ "هندٌ مسافرةٌ". والمركب الإسنادى فى كل هذه الحالات مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة، منع من ظهورها حركة الحكاية.
كذلك المركب المزجى: كحضْرَموت، اسم بلد عربى، و"بَعْلبَك" اشم بلد لُبنانى، واسم معبد هناك. أيضًا. "سيبويه" اسم إمامَ النحاة. فإنه لا يثنى بنفسه مباشرة؛ وإنما يثنى بمساعدة: "ذو، وذَات" بعد تثنيتهما وإضافتهما؛ تقول: هناك "ذَوَا" بعلبك، وذاتا أو: ذواتا بعلبك، وزرت "ذوَىْ" بعلبك، وذاتَىْ، أو ذواتى بعلبك، ونزلت بذوَىْ بعلبك، وبذاتَىْ أو: ذواتَىْ بعلبك، وهكذا...
ومثله المركب العددى؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ.
ومن العرب من يعرب المركب المزجى بالحرف كالمثنى الحقيقى؛ فيقول: بعلبكانِ" و "بعلبكَّيْنِ"، والأخذ بهذا الرأى أسهل وأخف، لدخوله مع غيره فى القاعدة العامة لإعراب المثنى؛ فيحسن الاقتصار عليه. وفيهم من يجيز تثنية صدره وحده معربًا بالحرُوف، ويستغنى عن عجزُه نهائيًا؛ فيقول فى حالة الرفع "حضْران" فى "حضْرموت"، و "بعلان" فى "بعلبك"، و"سيبان" فى "سيبويه" وفى حالة النصب والجر يأتى بالياء مكان الألف. ولكن هذا الرأى يوقع فى لبس وإبهام وخلط بين المركب المزجى وغيره، فيحسن إهماله فى استعمالنا.
"أما المركب الإضافى كعبد الله" و "عبد العزيز" و "عبد الحميد"، فلا خلاف فى تتثنية صدره المضاف، مع إعرابه بالحروف، وترك المضاف إليه على حاله تقول: هما عبدا الله، وهما عبدا العزيز، وسمعت عبدَى الله: وعبدَى العزيز، وأصيغت إلى عبدَى الله... إلخ.
أما إذا كان المركب وصفيًّا "أى: مكونًا من صفة وموصوف؛ مثل: الرجل الفاضل" - فيثنى الصدر والعجز معًا، ويعربان بالحروف؛ فتقول: جاء الرجلان الفاضلان، ورأيت الرجلين الفاضلين، ومررت بالرجلين بالفاضلين وبالرغم من أن هذا هو الرأى الشائع فإنه يوقف فى لبس كبير؛ إذ لا يظهر معه أنه مثنى، مفردُه مركب وصفى. ولهذا كان من المستحسن تثنيته بالطريقة غير المباشرة، وهى زيادة "ذَوَا"، وذَوَىْ، قبله، وذاتا، أو ذواتا... وذاتَىْ، أو ذَوَاتَىْ... وبهذا تكون طريقة تثنيته هى طريقة جمعه الآتية...
(5) أن يكون له موافق فى اللفظ موافقة تامة فى الحروف وعددها وضبطها؛ فلا يثنى مفردان بينهما خلاف فى شىء من ذلك "إلا ما ورد عن العرب ملاحظًا فيه "التغليب" كما وضحنا.
(6) أن يكون له موافق فى المعنى، فلا يثنى لفظان مشتركان فى الحروف، ولكنهما مختلفان فى المعنى حقيقة أو مجازًا، مثل: "عين" للباصرة "وعين" للجارية، فلا يقال: هاتان عينان، تريد بواحدة معنى غير الذى تريده من الأخرى.
(7) وجود ثان له فى الكوْن، فلا تثنى كلمة: شمس، ولا قمر، عند القدامى؛ لأن كلا منهما لا ثانى له فى الكون فى زعمهم. أما اليوم فقد ثبت وجود شموس وأقمار لا عداد لها؛ فوجب إهمال هذا الشرط قطعًا. إذ لا يوجد فى المخلوقات شىء لا نظَيرَ لَه.
(8) عدم الاستغناء عن تثنيته بغيره، فلا تثنى - فى الرأى الغالب - كلمتا: "بعض" و "سواء" - مثلا - استغناء عنهما بتثنية جزء، وسِىّ، فنقول: "جزءان وسيَّان"، ولا تثنى كلمة: "أجمع وجمعاء" فى التوكيد؛ استغناء بكلا وكلتا فيه. كما لا يثنى العدد الذى يمكن الاستغناء عن تثنيته بعدد آخر، مثل: ثلاثة وأربعة؛ استغناء بستة وثمانية. ولذلك تثنى مائة وألف، لعدم وجود ما يغنى عن تثنيتهما.
وقد جمعوا الشروط السالفة كلها فى بيتين؛ هما:
*شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا * ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا*
*موافقًا فى اللفظ والمعنى، له * مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ*
وزاد بعضهم شرطًا آخر هو: أن يكون فى تثنيته فائدة؛ فلا يثنى: "كل" ولا يجمع؛ لعدم الفائدة من ذلك. وكذلك الأسماء التى لا تستعمل إلا بعد نفى عام، وتقتصر فى الاستعمال عليه؛ مثل: أحَد، وعَرِيب، تقول: ما فى الدار أحد، وما رأيتَ عَرِيبًا... (أى: أحدًا)
د- عرفنا أن المثنى يغنى عن المتعاطفين (أى: المعطوف والمعطوف عليه) وأن ما يدل على اثنين من طريق العطف لا يسمى مثنى؛ مثل: نجم ونجم؛ ومن هنا لا يجوز إهمال التثنية استغناء بالعطف بالواو، إلا لغرض بلاغى، كإرادة التكثير فى مثل: أخذتَ منى ألفًا وألفا، أو بيان عدد المرات، وما تحتويه المرة الواحدة؛ مثل: أرسلت لك الدنانير، ثلاثة وثلاثة. ثم أرسلت لك كتابًا وكتابا... أو: وجود فاصل ظاهر بين المعطوف والمعطوف عليه، مثل: قرأتُ كتابًا صغيرًا، وكتابًا كبيرًا، أو فاصل مقدر؛ كأن يكون لك أخ غائب اسمه: علىّ، وصديق غائب اسمه: علىّ، أيضًا، ثم تفاجأ برؤيتهما معًا، فتقول: علىّ وعلىّ فى وقت واحد!! كأنك تقول: علىّ أخى وعلى صديقى أراهما الآن!!
هذا إن كان العطف بالواو، فإن كان بغيرها فلا تغنى التثنية - غالبًا - لأن العطف بغير الواو يؤدى معانى تضيع بالتثنية، كالترتيب فى الفاء، تقول داخل زائر فزائر، بدلا من دخل زائران، وهكذا.
هـ- مما ينطبق عليه تعريف المثنى، الضمير فى أنتما قائمان؛ فهو دال على اثنين، ويغنى عن أنت وأنت، بما فى آخره من الزيارة الخاصة به، وهى "ما" ولكنه فى الحقيقة لا يعد مثنى، ولا ملحقًا به، لسببين:
أولهما: أنه مبنى، وشرط المثنى أن يكون معربًا - كما عرفنا.
وثانيهما: أن الزيادة التى فى آخره ليست هى الزيادة المشروطة فى المثنى.
و- من الملحق بالمثنى: "اثنان" و "اثنتان" (وفيها لغة أخرى: ثنتان) وهما ملحقان به، فى كل أحوالهما؛ أى: سواء أكانا منفردين عن الإضافة مثل: جاء اثنان، جاءت اثنتان... أم مركبين مع العشرة؛ مثل: انقضى اثناء عشرَ يومًا، واثنتا عشرْة ليلة (فتعرب اثنا واثنتا على حسب الجملة إعراب المثنى. أما كلمة: "عشر" وكذا "عشرة" فاسم مبنى على الفتح لا محل له؛ لأنه بدل من نون المثنى الحرفية. أم مضافين إلى ظاهر، نحو جاءنى اثنا كتبك، وثنتا رسائلك، أم أضيفا إلى ضمير، نحو غاب اثناكما، وحضرت ثنتاكما، لكن الصحيح عند إضافتهما للظاهر أو للضمير أن يراد بالمضاف إليه شىء غير المراد من اثنا وثنتا أى: غير المراد من المضاف؛ فلا يقال حضر اثنا محمود وصالح، ولا حضر اثناكما، إذا كان مدلول المضاف إليه فى الحالتين هو مدلول "اثنا"، أى: مدلول المضاف، لأنه فى هذه الحالة يؤدى ما تؤديه "اثنان": و "اثنتان" ومعناه هو معناهما؛ فالإضافة لا فائدة منها؛ إذ هى - كما سبق - من إضافة الشىء إلى نفسه؛ فلا حاجة إليها، بخلاف ما لو قلنا: جاءاثنا المنزل، إذا كان المراد صاحبيه، وجاءت ثنتا المنزل، إذا كان المراد صاحبتيه، وجاءاثناكما، وجاءت اثنتاكما، والقصد: خادمتاكما، أو سيارتكما... وجاء اثناه واثنتاه، واثناكم واثنتاكم... فإن المراد من المضاف هنا غير المراد من المضاف إليه، وكذلك ما يكون الضمير فيه للمفرد أو الجمع، نحو: اثناك واثناكم... وهكذا فلا بد فى المضاف إليه (سواء أكان اسما ظاهرًا أم ضميرًا) أن يدل على غير الذى يدل عليه المضاف؛ وهو؛ الكلمتان: اثنان واثنتان، وقد سبقت الإشارة لهذا...
ز- إذا أضيف المثنى حذفت نونه؛ فمثل: سافر الوالدان. من غير إضافة المثنى، تقول إذا أضفته: سافر والدا علىّ. فإذا أضيف المثنى المرفوع - فقط - إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: جاءنى صاحبا الرجل، ومُكْرِما الضيف... فإن علامة التثنية - وهى الألف - تحذف فى النطق حتمًا لا فى الكتابة. لكن ماذا نقول فى إعرابه؟ أهو مرفوع بالألف الظاهرة فى الخط، أم مرفوع بالألف المقدرة وهى التى حذفت لالتقاء الساكنين (لأنها ساكنة وما بعدها ساكن) والمحذوف لعلة كالثابت؟ يرجح النحاة أن تقول: إنه مرفوع بالألف المقدرة لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة ويعدون هذه الحالة فى عداد حالات الإعراب التقديرى، ونرى أنه لا داعى للأخذ بهذا الآن.
ح- هناك مفردات محذوفة الآخر، مثل: أخ، ويد. أصلهما: أخَوٌ، ويَدْىٌ. فإذا أريد تثنية هذا النوع فقد يرجع المحذوف حتما أولا يرجع، ومما لا يرجع ما حذفت لامه وجاءت همزة الوصل فى أوله عوضًا عنْ لامه المحذوفة، كالتى فى كلمة "اسم" وكذلم ما لا ترد لامه عند إضافته على حسب القاعدة التالية:
جاء فى شرح المفصل جـ 4 ص 151. ما ملخصه:
اعلم أن المحذوف الآخر (أى: محذوف اللام) على ضربين؛ ضرب يرد إليه الحرف الساقط فى التثنية، وضرب لا يرد إليه. فمتى كانت اللام المحذوفة ترجع فى الإضافة فإنها ترد إليه - فى الفصيح - عند التثنية. وإذا لم يرجع الحرف المحذوف عند الإضافة لم يرجع عند التثنية؛ فمثال الأول: أخ وأب؛ تقول فى تثنيتهما: هذان أخوانِ، وأبوانِ، ورأيت أخوَيْن وأبويْن، ومررت بأخوَين وأبوَين؛ لأنك تقول فى الإضافة؛ هذا أبوك وأخوك، ورأيت أباك وأخاك، وذهبت إلى أبيك وأخيك. فترى اللام قد رجعت فى الإضافة؛ فكذلك فى التثنية...
ومثال الثانى يد ودم؛ فإنك تقول فى التثنية: "يدان" و "دمان" فلا ترد الذاهب؛ لأنك لا ترده فى الإضافة. اهـ. وهذا خير ما يتبع. أما غيره فضعيف لا نلجأ إليه اختيارًا.
ط- بقيت أحكام تختص بالمثنى ونونه، وستجئ فى ص 141 وما بعدها،
ى- سيجئ فى جـ4 ص 457 م 171 باب خاص بطريقة التثنية. وأهمها: تثنية المقصور، والمنقوص، والممدود...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 10: (حـ) جمع المذكر السالم. تعريفه، حكمه، نوعاه، شروطه، طريقة إعرابه )


جـ- جمع المذكر السالم

أ-

فاز علىٌّ.

هَنَّأت عليّاً.

أسرعت إلى علىّ.

ب-

فاز العَليون.

هَنَّأت العليينَ.

أسرعت إلى العليينَ.

نفهم من كلمة: "علىّ" فى القسم الأول أنه شخص واحد، ثم زدنا عليها الواو والنون المفتوحة، أو الياء المكسور ما قبلها، وبعدها النون المفتوحة، فصارت تدل على أكثر من اثنين، كما فى القسم الثانى: "ب". وبسبب هذه الزيادة استغنينا عن أن نقول: فاز علىّ وعلىّ وعلىّ ... و ... و ... أى: أن زيادة حرف الهجاء المذكورين أغنتْ عن عطف كلمتين متماثلتين أو أكثر على نظيرة سابقة، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى المعنى والحروف والحركات. فكلمة "العليون" وما يشبهها تسمى: "جمع مذكر سالمًا" وهو:
"ما يدل على أكثر من اثنين؛ بسبب زيادة معينة فى آخره، أغنت عن عطف المفردات المتماثلة فى المعنى والحروف والحركات بعضها على بعض".
فليس من جمع المذكر ما يأتى:
(1) ما يدل على مفرد؛ مثل: محمود، أو (محمد بِنَ) علما على شخص واحد.
(2) ما يدل على مثنى، ومنه: المحمودان...، أو على جمع تكسير؛ كأحامد، جمع أحمد، أو على جمع مؤنث سالم، كفاطمات؛ لخلو هذين الجمعين من الزيادة الخاصة بجمع المذكر السّالم، ومن الدلالة المعنوية التى يختص بتأديتها.
(3) ما يدل دلالة جمع المذكر ولكن من طريق العطف بالواو؛ نحو: جاء محمود، ومحمود، ومحمود.
(4) ما يدل دلالة جمع المذكر، ولكن من طريق الوضع اللغوى وحده؛ لا من طريق زيادة الحرفين فى آخره؛ مثل: كلمة: "قوم" إذا كانت بمعنى: الرجال، فقط.
(5) ما يدل على أكثر من اثنين، ولكن مع اختلاف فى معنى المفرد؛ مثل: الصالحون محبوبون؛ تريد؛ رجلين يسمى كل منهما: "صالحًا" ومعهما ثالث ليس اسمه "صالحًا"، ولكنه تقىّ، معروف بالصلاح؛ فأنت تذكره مع الآخَرين على اعتبار أنه صالح فى سلوكه لا على أنه شريك لهما فى التسمية.
وقد يكون الاختلاف فى بعض حروف المفرد أو كلها؛ فلا يصح أن يكون "السعيدون" جمعًا لسعد، وسعيد، وساعد (أسماء رجال)، ولا جمعًا لمحمود وصالح وفهيم، كذلك.
وقد يكون الاختلاف فى حركات الحروف، فلا يصح: العُمَرونَ قرَشيون إذا كان المراد: عُمر بن الخطاب، وعُمر بن أبى ربيعة، وعَمْرو بن هشام... (المعروف بأبى جهل).
حكمه: حكم جمع المذكر السالم الرفع بالواو نيابة عن الضمة، وبعدها النون المفتوحة، مثل: {قد أفلح المؤمنون} والنصب والجر بالياء المكسور ما قبلها وبعدها النون المفتوحة، مثل: صادقْتُ المؤمنينَ، وأثنيت على المؤمنينَ.
* * *
نوعَا جمع المذكر السالم:
الاسم الذى يُجمعَ جمع المذكر سالمًا نوعان: أحدهما "العَلم" والآخر: "الصفة".
ا- فإن كان علمًا فلا بد أن تحقق فيه الشروط الآتية:
(1) أن يكون علمًا لمذكر، عاقل، خاليًا من تاء التأنيث الزائدة، ومن التركيب، ومن علامة تثنية أو جمع.
فإن لم يكن علمًا لم يجمع هذا الجمع، فلا يقال فى رّجل: رجلون، ولا فى غلام، غلامون...
وإن كان علمًا لكنه لمؤنث، لم يجمع أيضًا؛ فلا يقال فى زينب: زينبون، ولا فى سعاد: سعادون. والعبرة فى التأنيث أو عدمه ليست بلفظه، وإنما بمعناه، وبما يدل عليه، فكلمة: سعاد، أو زينب، إن كانت علمًا لمذكر، واشتهرت بذلك - فإنها تجمع جمع مذكر سالما، وكلمة: حامد أو حليم... إن كانت علمًا معروفًا لمؤنث لم تجمع هذا الجمع.
وإن كان علمًا لمذكر لكنه غير عاقل لم يجمع أيضًا، مثل: "هلال" وهو علم على: حصان، و"نسيم" علم على: زورق...
وكذلك إن كان علمًا لمذكر عاقل، ولكنه مشتمل على تاء التأنيث الزائدة مثل: حمزة، وجمعة، وخليفة، ومعاوية، وعطية...، فإنه لا يجمع جمع مذكر، ولا يصح هنا ملاحظة المعنى؛ لوجود علامة التأنيث فى اللفظ؛ فيقع بينها وبين علامة جمع المذكر التناقض والتعارض بحسب الظاهر، كما لا يصح أن تحذف؛ لأن حذفها يوقع فى لَبس؛ إذ لا ندرى أكانت الكلمة مؤنثة اللفظ قبل الجمع أم لا؟ لهذا اشترطوا خلو المفرد من تاء التأنيث الزائدة كما قلنا...
وكذلك إن كان مركبًا تركيب إسناد، مثل: فَتَحَ اللهُ - رامَ اللهُ - رزقَ اللهُ...؛ فإنه لا يجمع مباشرة باتفاق؛ وإنما يجمع بطريقة غير مباشرة، بأن تسبقه كلمة: "ذو" مجموعة ويبقى هو على حاله لا يدخله تغيير مطلقًا، فى حروفه، وحركاته، مهما تغيرت الأساليب فيقال: "ذَوُو كذا" رفعا، "وذوِى" نصبًا وجرًّا؛ فتغنى عن جمعه كما سيجئ...
أو: مركبًا تركيب مزج، كخالَوِيه، وسيبويْهِ، ومَعدِيكَرِب، أو: تركيب عدد؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ، وأربعةَ عشرَ... والمشهور فى هذه المركبين عدم جمعهما جمعًا مباشرًا؛ فيستعان بكلمة: "ذو" مجموعة على: "ذَوُو، وذَوِى)؛ فتغنى عن جمعهما، كما سيجئ أيضًا...
أما المركب الإضافى كعبد الرحمن وعبد العزيز فيجمع صدره المضاف؛ ويبقى العجر (وهو المضاف إليه) على حاله من الجر تقول: اشتهر عبدو الرحمن، وصافحت عبدِى الرحمن، وسلمت على عبدِى الرحمن.
ولا يجمع ما آخره علامة تثنية، أو علامة جمع مذكر؛ مثل: المحمدان أو المحمدَيْن (علمًا على شخص) والمحمدون أو المحمدينَ علمًا كذلك.
ب- وإن كان صفة (أى: اسما مشتقًّا) فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية:
أن تكون الصفة لمذكر، عاقل، خالية من تاء التأنيث، ليست على وزن أفْعَلَ (الذى مؤنثه فَعْلاء)، ولا على وزن فَعْلان (الذى مؤنثه فَعْلَى)، ولا على وزن صيغة تستعمل للمذكر والمؤنث.
فإن كانت الصفة خاصة بالمؤنث، لم تجمع جمع مذكر سالما؛ منعًا للتناقض بين ما يدل عليه المفرد، وما يدل عليه جمع المذكر، مثل: "مُرضع" فلا يقال: مرضعون، وكذلك إن كانت لمذكر، ولكنه غير عاقل؛ مثل: صاهل، صفة "للحصان" أو: ناعب، صفة للغراب، فلا يقال: صاهلون ولا ناعبون، أو: كانت مشتملة على تاء تدل على التأنيث؛ نحو: قائمة؛ فلا يصح: قائمتون.
وكذلك ما كان على وزن: "أفْعَلَ" (الذى مؤنثه، فَعْلاء) نحو أخضر؛ فإن مؤنثه: خضراء، وأبيض، فإن مؤنثه: بيضاء، فلا يقال أخضرون، ولا أبيضون، على الأصحّ. ومثله ما كان على وزن فَعْلان (الذى مؤنثه فَعْلى)، مثل سكران وسكْرَى. وكذلك ما كان على صيغة تستعمل للمذكر والمؤنث، كصيغة، مِفْعال كمِهْذار، ومِفْعَل؛ كمِغْشَم. وفَعُول؛ مثل صَبور وشكور، وفَعيل؛ مثل كَسِير وقَطِيع؛ إذا لا يتأتى أن يكون المفرد صالحاً للمذكر والمؤنث معًا وجمعه لا يكون إلا للمذكر؛ فيقع اللبس والخلط بسبب هذا.
إلى هنا انتهت الشروط الواجبة فيما يجمع أصالة جمع مذكر سالمًا.
زيادة وتفصيل:
ا- اشترطوا فى العلم أن يكون خاليًا من تاء التأنيث الزائدة - إلا عند الكوفيين - والمراد بها: التى ليست عوضًا عن فاء الكلمة؛ أو عن لام الكلمة، لأنها عوض عن أصلى فهى كالأصلية. فالأولى مثل: عِدَة، أصلها: وَعْد، حذفت الواو، وعوض عنها تاء التأنيث، والثانية مثل: مئة. وأصلها: مِئَوٌ؛ حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث.
فإن كانت عوضًا عن أصل وجعل اللفظ اسمًا لمسمى (أى: صار علمًا) فإنه يجمع قياسًا بعد حذفها. ويكون من الجموع الحقيقة؛ تقول: "عِدُون" لجمع مذكر، ومثلها: مِئُون؛ أما إذا لم يجعل علمًا، فإنه يصح جمعه إن كان محذوف اللام، مثل: الجيش مئون، ولكنه يعد من ملحقات جمع المذكر السالم.
أما ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة فلا يشترط خلوه منها، فلو سمينا رجلا بسَلْمَى، أو: صحراء، حذفت فى جمع المذكر السالم الألف المقصورة، وقلبت همزة الممدود واوًا، فيقال: السَّلْمَوْن والصحراوون (أعلام رجال).
ب- لا يجمع المركب الإسنادى جمع مذكر سالمًا إلا بطريقة غير مباشرة؛ - كما سبق - وذلك بأن نأتى قبله بكلمة: "ذوِو" أو: "ذَوِى" (وهما جمع: "ذو" و "ذِى") فنقول: غاب ذوو فتحَ اللهُ، وأكرمْناذَوِى فتحَ اللهُ، وسلمنا على ذَوِى فتحَ اللهُ. وهذا باتفاق.
أما المركب المزِجى فأشهر الآراء أنه لا يجمع إلا بالطريقة السابقة غير المباشرة. وهناك رأى آخر يجيز جمعه مباشرة - وكذلك تثنيته-، فيقال: جاء خالوَيهُون، وشاهدت خالويهِين، وقصدت إلى خالويهِين. ومثله سيبويه، ومعد يكرب (اسم رجل) وغيرهما من باقى المركبات المزجية، وهذا الرأى أسهل الآراء. وأجدرها بالقبول، لدخوله فى الحكم العام لجمع المذكر السالم وبُعده من اللّبس. كما سيجئ فى: "جـ".
وأما المركب التقييدى؛ وهو: المركب من صفة وموصوف مثل: محمد الفاضل، أو من غيرهما؛ مما لا يُعَدّ فى المركبات السابقة - فالأشهر أن يقال فى جمعه: ذوو "محمد الفاضل"، فلا يجمع مباشرة، وإنما يتوصل إلى جمعه بكلمة (ذوو) رفعاً و (ذَوِى) نصبًا وجرًّا.
وقد سبق أن قلنا إن المركب الإضافى يجمع صدره دون عجزه. وهذا صحيح إن كان المضاف وحده هو المتعدد، دون المضاف إليه؛ كما نقول فى "عبد الله" عند الجمع: عبدُو الله. أما إن تعدد أفراد المضاف وأفراد المضاف إليه معا (كعبد السيد والمضاف والمضاف إليه مصريان مثلا -، وعبد السيد والمضاف والمضاف إليه شاميان - مثلا -، وعبد السيد لعراقيين)، فالواجب جمع المضاف والمضاف إليه معًا جمع مذكر سالما؛ فنقول: عبدو السيَّدينَ، أو جمع تكسير، فتقول: عبيد السادة.
حـ- سبق أنه يشترط فى الاسم الذى يجمع جمع مذكر سالمًا، ما يشترط فى الاسم المراد تثنيته؛ ومن شروطه: أن يكون معربًا... فلو كان مبنيًّا لزومًا مثل: هؤلاء، أو: حَذَامِ (على أنها أعلام رجال) لم يجز جمعه مباشرة، وإنما يجمع بطريق الاستعانة بكلمة: (ذَوُو) رفعًا و "ذوِى" نصبًا وجرا.
ولما كانت كلمة "سيبويْه" و "خالويه" وأشباهها هى من الكلمات المبنية لزوما - كان حقها ألا تجمع جمع مذكر سالمًا إلا بالاستعانة بكلمة: "ذوُو"، و "ذوى". لكنهما من ناحية أخرى يدخلان فى قسم المركب المزجى وقد آثرنا - فى الصفحة السابقة - الرأىَ الذى يبيح جمعه مباشرة جمع مذكر سالما.
د- سيجئ - فى جـ4 ص 457 م 171 - باب خاص بطريقة جمع الاسم جمع مذكر سالما، وأهمها طريقة جمع: المقصور، والممدود، والمنقوص جمع مذكر سالما.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 11: الملحق بجمع المذكر )


ألْحق النحاة بجمع المذكر فى إعرابه أنواعًا أشهرها: خمسة؛ فَقَد كلُّ نوع منها بعض الشروط، فصار شاذًا ملحقًا بهذا الجمع، وليس جمعًا حقيقيًّا، وكل الأنواع الخمسة سماعىّ؛ لا يقاس عليه؛ -لشذوذه - وإنما يُذكَر هنا لفهم ما ورد منه فى النصوص القديمة.
أولها: كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع، وليس لها مفرد من لفظها، ولكن لها مفرد من معناها، مثل كلمة: "أوُلُو" فى قولنا: "المخترعون أُولو فضل"، أى: أصحاب فضل؛ فهى مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة، لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ إذ لا مفرد لها من لفظها، ولها مفرد من معناها، وهو: صاحب. وهى منصوبة ومجرورة بالياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة فى قولنا: كان المخترعون "أوُلى" فضل. وانتفعت من "أُولِى" الفضل. ومثل هذه الكلمة يسمى: اسم جمع.
ومن الكلمات المسموعة: أيضًا كلمة: (عالَمون). ومفردها: عالَم، وهو ما سوى الله، من كل مجموع متجانس من المخلوقات، كعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد؛ وعالم المال، وعالم الطائرات... إلخ.
وكلمة: "عالَم" تشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره. فى حين أن كلمة: "عالَمون" لا تدل إلا على المذكر العاقل، فهى تدل على معنى خاص بالنسبة لما يندرج تحت كلمة "عالَم"، والخاص لا يكون جمعًا للعام؛ لهذا كان "عالمون" إما اسم جمع لكلمة: "عالَم" وليس جمعًا له؛ وإمَّا جمعًا له غير أصيل ولكن بتغليب المذكر العاقل على غيره. وفى هذه الحالة لا تكون جمع مذكر سالمًا حقيقة؛ لأن اللفظة ليست علمًا ولا صفة، وإنما تلحق به كغيرها مما فقد بعض الشروط.
ثانيها: من الكلمات المسموعة، مالا واحد له من لفظه ولا من معناه، وهى: عشرون، وثلاثون، وأربعون، وخمسون، وستون، وسبعون، وثمانون، وتسعون. وهذه الكلمات تسمى: "العقود العددية" وكلها أسماء جموع أيضًا.
ثالثها: كلمات مسموعة أيضًا؛ ولكن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه، فلا يبقى على حالته التى كان عليها قبل الجمع؛ ولذلك يسمونها، جموع تكسير، ويلحقونها بجمع المذكر فى إعرابها بالحروف؛ مثل: بَنون، وإحَرُّون، وأرَضون، وذَوُو، وسنون وبابه. فكلمة: "بنون" مفردها. "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع، وتحركت الباء؛ وكلمة: "إحَرُّون" "مفردها: "حَرَّة"، زيدت الهمزة فى جمعها. "وأرَضون" (بفتح الراء) لا مفرد لها إلا: أرْض (بسكونها)؛ فتغيرت حركة الراء عند الجمع من سكون إلى فتح. هذا إلى أن المفرد مؤنث، وغير عاقل. و "ذَوو" فى الجمع مفتوحة الذال، مع أن مفردها: "ذُو" مضموم الذال. "وسِنون" مكسورة السين فى الجمع، مفتوحتها فى المفرد، وهو: "سَنَة"، فضلا عن أنها لمؤنث غير عاقل أيضًا، - وأصلها "سَنَهٌ" أو "سَنَوٌ"، بدليل جمعهما على "سَنهات" و "سَنَوات" - ثم حذفت لام الكلمة، (وهى الحرف الأخير منها)، وعوض عنه تاء التأنيث المربوطة، ولم ترجع الواو عند الجمع.-
ومن الكلمات الملحقة بهذا الجمع سماعًا، والتى تدخل فى باب "سَنَة" كلمة: عِضَة، وجمعها: عِضون (بكسر العين فيهما). وأصل الأولى: "عِضَةٌ، بمعنى: كذب وافتراء. أو: عِضَوٌ. بمعنى: تفريق. يقال فلان كلامه عضهٌ، أى: كذب، وعمله عِضَوٌ بين الأخوان، أى: تفريق وتشتيت؛ فلام الكلمة هاء، أو واو. ومثلها "عِزَة"، جمعها: عزُون (بالكسر فيهما). والعزَة: الفرقة من الناس، وأصلها عِزْىٌ؛ يقال: هذه عِزَة تطلب العلم... وأنتم عِزون فى ميدان العلم. وأيضًا: "ثُبةٌ" بالضم، وجمعها: ثُبُون، بضم أول الجمع أو كسره. والثُّبة "الجماعة"، وأصلها ثبَوٌ، أو: ثُبَىٌ، يقال: الطلاب مختلفون: ثبة مقيمة. وثُبة مسافرة، وهم ثُبون.
وعلى ضوء ما سبق نعرف السبب فى تسمية تلك الكلمات المسموعة بجمع التكسير، لأن تعريفه وحده هو الذى ينطبق عليها، دون غيره من جمعى التصحيح؛ إذ هو "ما تغَيَّر فيه بناء الواحد" وقد تغير بناء واحدها.
رابعها: كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخرى الخاصة بجمع المذكر؛ فألحقوها به، ولم يعتبروها جمعًا حقيقيًّا. ومن هذه الكلمات، "أهل". فقد قالوا فيها: أهلون. مثل:
*وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ * ولا بد يومًا أن ترَد الودائعُ*
فجمعوها مع أنها ليست علمًا ولا صفة. ومنها: "عالمون"؛ ليست علمًا، ولا صفة أيضًا. وقد تكلمنا عنها من وجهة أخرى فيما سبق. ومنها: "وابل"؛ بمعنى: مطر غزير. يقال: غَمَر الوابلون الحقول. فجمعوها، مع أنها ليست علمًا ولا صفة، ولا تدل على عاقل...
خامسها: كلمات من هذا الجمع المستوفى للشروط، أو مما ألحق به، ولكن سمى بها، وصارت أعلامًا. فمن أمثلة الأولى المستوفى للشروط "حَمْدون". "وعَبْدون". و "خَلْدون" و "زيدون" أعلام أشخاص معروفة قديمًا وحديثًا.
ومثال الثانى: "عِلِّيُّون". (اسم لأعالى الجنة) المفرد: عِلِّىَ. بمعنى المكان العالى، أو عِلِّية، بمعنى: الغرفة العالية. وهو ملحق بالجمع، لأن مفرده غير عاقل.
سادسها: كل اسم من غير الأنواع السابقة يكون لفظه كلفظ الجمع فى اشتمال آخره على واو ونون، أو ياء ونون، لا فرق فى هذا بين أن يكون نكرة؛ مثل: "يا سَمين" و "زيتون" أو علَمًا مثل: "صِفِّينَ" و "نَصِيينَ" و "فِلَسْطينَ"
زيادة وتفصيل:
ا- بمناسبة النوع الخامس نشير إلى أن التسمية بجمع المذكر السالم معروفة قديمًا وحديثًا، كالتسمية بغيره من أنواع المفردات، والمثنيات، والجموع. فإذا سُمِّىَ به ففيه عدة إعرابات، يرتبها النحاة الترتيب التالِىَ، بحسب شهرتها وقوتها:
(1) أن يعرب بالحروف كجمع المذكر السالم، مع أنه علم على واحد، فيبقى حاله بعد التسمية به كحاله قبلها. تقول فى رجل اسمه سعدون: جاء سعدونَ. وأكرمت سَعْديِنَ، وأصغيت إلى سعدِينَ. وفى هذه الحالة لا تدخله "أل" التى للتعريف، لأنه معرفة بالعلمية.
(2) أن يلزم آخره الياء والنون رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، ويعرب بحركات ظاهرة على النون مع تنوينها - غالباً - تقول فى رجل اسمه محمدِين: هذا محمدِينٌ، ورأيت محمدِينًا، وقصدت إلى محمدينٍ، فكلمة: "مُحمدِين": إما مرفوعة بالضمة الظاهرة، أو: منصوبة بالفتحة الظاهرة، أو: مجرورة بالكسرة الظاهرة، مع التنوين (غالبًا فى كل حالة) (فإعرابها - كما يقول النحاة - كإعراب: غِسْلِين وحِين). وتلك النون لا تسقط فى الإضافة؛ لأنها ليست نون جمع، والأخذ بهذا الإعراب - فى رأينا - أحسن؛ فى العلمَ المختوم بالياء والنون. والاقتصار عليه أولى؛ ليسره ومطابقته للواقع الحقيقى، فهو بعيد، عن كل لَبس؛ إذ لا يتوهم الماء معه أن الكلمة جمع مذكر حقيقى؛ وإنما يدرك حين يسمعها أنها علم على مفرد. وهناك سبب هام يقتضى الاقتصار على هذا الرأى فى العلَم المختوم بالياء والنون هو: "المعاملات الرسمية" الجارية فى عصرنا على الوجه المبين عند الكلام على التسمية بالمثنى...
والقصد من سرد الآراء التى تخالف هذا الأحسن والأيسر فهم النصوص القديمة الواردة بها، دون أن نبيح اليوم استعمالها؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدية إلى البلبلة والاضجراب فيما ننشئه من كلام، وإلى التعسير من غير داع، فيما نمارسه من شئون الحياة.
ومن العرب من يجرى حكم: "غِسْلين وحِين" منونًا - فى الغالب - أو غير منون على "سنين" وبابه كله. وإن لم يكن علمًا. ومنهم من يجريه منونًا على جميع أنواع المذكر السالم وملحقاته كما سبق.
(3) أن يلزم آخره الواو والنون فى كل الحالات، ويعرب بحركات ظاهرة على النون من غير تنوين فيكون نظير: "هارون" فى المفردات الممنوعة من الصرف.
(4) أن يلزم آخره الواو والنون، فى كل الحالات ويعرب بحركات ظاهرة على النون، مع تنوينها فيكون نظير "عَرَبون" من المفردات.
ونرى أن الاقتصار على هذا الإعراب - أو على سابقه - أحسن فى العَلم المختوم بالواو والنون؛ مثل: زيدون؛ لما سبق فى نظيره المختوم بالياء والنون.
(5) أن يلزم آخره الواو والنون المفتوحة فى جميع الحالات، ويعرف بحركات مقدرة على الواو.
ب- إذا سُمِّى بجمع المذكر، أو بما ألحق به (كالأعلام الواردة فى النوع الخامس، ومنها: حَمدون، خَلدون، عَبدون، زيدون...)، وأريد جمع هذا العلم جمع مذكر سالماً، لم يصح جمعه مباشرة - كما عرفنا - وإنما يصح جمعه من طريق غير مباشر، وذلك بالاستعانة بالكلمة الخاصة التى يجب أن تسبق هذا العلم، وتلحقها علامة الجمع رفعاً، ونصباً، وجرًّا، وهذه الكلمة هى: "ذو" دون غيرها، وتصير فى الرفع: "ذوُو"، وفى النصب والجر: "ذَوِى" وهـ "مضافة"، والعلم بعدها هو "المضاف" إليه دائمًا، وفيه الإعرابات السابقة فيقال: جاءنى ذُوو حمدون، وصافحت ذَوِى حمدون، وأصيغت إلى ذَوى حمدون... فكلمة: "ذَوو" و "ذَوِى" تعرب على حسب حاجة الجملة، وترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء وتلك الكلمة هى التى توصل لجمع المسمى به. أما الطريقة إلى تثنية هذا الجمع فهى الطريقة التى تقدمت فى التثنية، ويستعان فيها بكلمة: "ذو" أيضاً
حـ- سبقت الإشارة إلى أن النون مفتوحة فى جمع المذكر السالم وملحقاته فى أحواله الإعرابية المختلفة؛ أى: فى حالة رفعه بالواو، أو نصبه أو جره بالياء، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من يكسرها، ولكن لا داعى للأخذ بهذه اللغة، منعًا للخلط والتشتيت من غير فائدة.
أما نون المثنى وجميع ملحقاته فالأشهر فيها أن تكون مكسورة فى الأحوال الإعرابية المختلفة. وقليل من العرب يفتحها، ومنهم من يضمها بعد الأللف، ويكسرها بعد الياء، فى حالتى النصب والجر، ولا داعى للعدول عن الـ أى الأشهر فى الاستعمال، للسبب السالف.
د- لنون المثنى والجمع وملحقاتهما أثر كبير فى سلامة المعنى، وإزالة اللبس؛ ففى قولنا: سافر خليلان: موسى ومصطفى - نفهم أن موسى ومصطفى هما الخليلان، وأنهما اللذان سافرا، بخلاف ما لو قلنا: سافر خليلا موسى ومصطفى؛ بغير النون فإننا قد نفهم الكلام على الإضافة (إضافة: خليلاَ إلى موسى) ويتبع هذا أن الخليلين هما اللذان سافرا، دون موسى ومصطفى. وفرْق بين المعنيين.
ومثل هذا أن نقول فى الجمع: مررت ببنينَ أبطال؛ فالأبطال هم البنون؛ والبنون هم الأبطال، فلو حذفت النون لكان الكلام: مررت ببنى أبطال، وجاز أن نفهم الكلام على الإضافة؛ إضافة البنين إلى أبطال؛ فيتغير المعنى.
وكذلك تمنع توهم الإفراد فى مثل: جاءنى هذان، ورحبت بالداعين للخير؛ فلو لم توجد النون لكان الكلام: جاءنى هذا، ورحبت بالداعى للخير؛ وظاهره أنه للمفرد، وهو غير المراد قطعاً.
وتحذف نون المثنى والجمع للإضافة - كما أشرنا - فى الأمثلة السابقة؛ وهو حذف لازم؛ كحذفها وجوبًا مع "اثنين" و "اثنتين" عند تركيبهما مع عْشر، أو: عَشرة...؛ فتحل كلمة: "عَشر، أو: عشْرة" مكان النون بعد حذفها، نحو: "اثنا عشَر" و "اثنتا عشْرة"؛ فتعرب: "اثنا" و "اثنتا" إعراب المثنى، وكلمة "عْشر أو: عَشرة" اسم مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب، لوقوعه موقع نون المثنى التى هى حرف. - كما سبق.
وقد تحذف جوازًا للتخفيف؛ إذا كانت فى آخر اسم مشتق (أىْ: وَصْف) فى أوله "أل" الموصولة، و "خيراً"، قد نصَب بعده مفعوله مثل: ما أنتما المهملا واجبًا، - وما أنتم المانعو خيرًا؛ ومنه قراءة من قرأ: "والمقيمى الصلاةَ" (بنصب كلمات: "الواجبَ"، وخيراً، و "الصلاةَ"؛ على أنها مفعول به لاسم الفاعل الذى قبل كل منها). ويجيز سيبويه وآخرون حذف نون ما دل على تثنية أو جمع من أسماء الموصول؛ نحو: اللذان، واللتان، والذين.
وقد تحذف نون الجمع جوازًا إذا وقع بعدها لام ساكنة، كقراءة من قرأ: {غير مُعْجِزِى اللهَ}. بنصب كلمة "اللهَ" على أنها مفعول به (أصله: معجزين اللهَ)، وقراءة: "{وإنكم لذائقو العذابَ} بنصب كلمة: "العذابَ" على أنها مفعول به أيضًا، وأصلها: {وإنكم لذائقون العذاب}.
وأقل من هذا أن تحذف من غير وقوع اللام الساكنة بعدها؛ كقراءة من قرأ: {وما هم بضَارّى به من أحد} وأصلها: "بضارين به".
وقد تحذف النون جوازًا لشبه الإضافة فى نحو: لا غلامىْ لمحمد، ولا مكرَمىْ للجاهل، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة، والخبر محذوفًا.
وكذلك فى. لَبَّيْكَ وسَعْدَيك... وأشباههما عند من يرى أن الكاف حرف للخطاب، وليست باسم.
وقد يحذفان للضرورة فى الشعر:
هذا، وعلى الرغم من أن حذفهما جائز فى الموضع التى ذكرناها - فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة؛ منعًا للغموض واللبس، وضبطًا للتعبير فى سهولة، ووضوح، واتفاق يلائم حالة الناس اليوم. أما الموضع التى يجب فيها حذفهما فلا مفر من مراعاتها.
هـ- الأصل فى المثنى أن يدل على اثنين حقيقة. لكن قد يكون اللفظ ظاهره التثنية ومعناه الجمع بشرط وجود قرينة؛ فيكون ملحقًا بالمثنى فى الإعراب فقط، وليس مثنى حقيقة؛ لفقد شرط التثنية؛ ومن ذلك: {ارجع البصر كَرَّتين} أى: كَرَّات؛ لأن المراد التكثير، والتكثير لا يتحقق بكَرتين، وإنما يتحقق بكَرَّات. ومثله: حَنَانَيْك... وهذا النوع يجوز فيه التجريد من علاتَىِ التثنية اكتفاء بالعطف، مثل: أتعبتنا الأسفار؛ خمس وخمس، وذَهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر:
*تَخدِى بنا نُجُبٌ أفْنَى عرائكهَا * خَمْسٌ وِخَمْسٌ وتأويبٌ وتأويبُ*
وقد يغنى التكرار عن العطف؛ كقوله تعالى: {صفًّا صفًّا}، وقوله: {دَكًّا دكًّا}.
و- سبق أن قلنا إن المثنى المرفوع إذا أضيف إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: غاب حارسا الحقل وأقبل زارعا الحديقة - فإن علامة التثنية (وهى الألف) تحذف نطقًا، لا خَطًّا. ويرجح النحاة فى إعرابه أن يقال: إنه مرفوع بألف مقدرة...
وكذلك الشأن فى جمع المذكر؛ فإنه إذا أضيف حذفت نونه للإضافة؛ فإن كانت إضافته إلى كلمة أولها ساكن حذفت واوه رفعًا، وياؤه نصبًا، وجرًّا؛ فى النطق، لا فى الكتابة؛ تقول: جاء عالمو المدينة، وكرمت عالمِى المدينة، وسعيت إلى عالمِى المدينة.
لكن ما إعرابه؟ أيكون مرفوعًا بالواو الظاهرة فى الكتابة، أم بالواو المقدرة المحذوفة فى النطق لالتقاء الساكنين؛ فهى محذوفة لعلة، فكأنها موجودة؟
وكذلك فى حالة النصب والجر؛ أيكون منصوباً ومجروراً بالياء المذكرورة أم المقدرة؟
يرتضى النحاة أنه معرب فى جميع حالاته بالحرف المقدر؛ لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة، ويعدون هذه الحالة كحالة المثنى فى أنها من مواضع الإعراب التقديرى، لا الإعراب اللفظى.
ونقول هنا ما سبق أن قلناه فى المثنى: وهو أنه لا داعى اليوم للأخذ بهذا الرأى، ولن يترتب على إهماله ضرر، لأن الخلاف شكلى لا قيمة له. ولكن الإعراب التقديرى هنا لا يخلو من تكلف، وقد يؤدى إلى اللبس.
كذلك تقدر الواو رفعا - فقط - فى جميع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ نحو: جاء صاحبِىَّ. وأصلها: صاحبون لى؛ حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة؛ فصارت الكلمة صاحِبُوىَ. اجتمعت الواو والياء، وسَبقت إحداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء؛ فصارت الكلمة: صاحُبُىَّ، ثم حركت الباء بالكسرة؛ لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة: صاحِبِىَّ. ومثلها جاء خادِمىّ ومساعدِىّ، إذ يرتضى النحاة فى إعرابها: "خادمىّ"، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة ياء المدغمة فى ياء المتكلم. و"خادم" مضاف وياء المتكلم مضاف إليه؛ مبنية على الفتح فى محل جر. وكذلك الباقى وما أشبهه.
ويقول فريق آخر: إن إعراب كلمة: "صاحِبِىّ" وأشباهها هو إعراب لفظى، لا تقديرى؛ لوجود ذات الواو، ولكن فى صورة ياء. وتغير صورتها لعلة تصريفية لا يقتضى أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بين هذين الرأيين لا قيمة له؛ لأنه خلاف لفظى، شكلى، لا يترتب عليه شىء عملى؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأيين. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخرى.
ز- جسم الإنسان - وغيره - ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه فى وقت، ثم يعود إليه فى وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب... ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها...فإذا كان فى الجسم شىء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب - ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه:
أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صَغتْ قلوبُكما}. وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية، لأن التثنية فى الحقيقة جمع لُغَوى؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد...
ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما.
ثالثها: الإفراد؛ نحو؛ ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شىء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع فى لبس. فجئ باللفظ المفرد، للخفة.
أما ما يكون فى الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى: {السارِق والسّارقة فاقطعوا أيدَيهُما...} فإنه جمع؛ لأن المراد الإيمان: (جمع يمين، أى: اليد اليمنى).
وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما... وسلمت على غلاميكما... إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع فى مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف.
ح- سبق الكلام على منع تثنية جمع المذكر وجمعه بطريقة مباشرة فيهما، وإباحة ذلك عند التسمية به... فهل يجوز تثنية جمع التكسير، وجمعه؟
فريق قال: إن جمعه مقصور على السماع. أما تثنيته فملخص الرأى فيها عنده أن القياس يأبى تثنية الجمع، وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة العددية، والتثنية تدل على القلة؛ فهما متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما فى كلمة واحدة. وقد جاء شىء من ذلك - عن العرب - على تأويل الإفراد؛ قالوا: إبلان، وغَنَمان. وجمَالانِ. ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضموا إليه مثله فثنوه... وما دام القياس يأباه فالأحسن الاقتصار فيه على السماع.
وفريق آخر - كما سيجئ - يميل إلى إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة.
والأفضل الأخذ بالرأى القائل إن الحاجة الشديدة قد تدعو أحيانًا إلى جمع الجمع، كما تدعو إلى تثنيته؛ فكما يقال فى جماعتين من الجِمال: جمالان - كذلك يقال فى جماعات منها: جِمالات. وإذا أريد تكسير جمع التكسير روعى فيه ما نصوا عليه فى بابه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 12: د- جمع المؤنث السالم، تعريفه، شروطه، سبب تسميته هو وجمع المذكر السالم )


د- جمع المؤنث السالم

(1)

حضرتْ سيدةٌ.
حضرت سيداتٌ.

سمعتُ سيدةً.
سمعتُ سيداتٍ.

قرأت مقالة سيدةٍ.
قرأت مقالاتٍ لسيداتٍ.

(2)

فارت هندٌ.
فارت الهنداتُ.

أكرم الوالد هنداً.
أكرم الوالد الهنداتِ.

هذه مَدرسة هندٍ.
هذه مدرسة الهنداتِ.

(3)

عطيةُ طالبٌ ماهرٌ.
العطيات طالبون ماهرون.
اتسعت السُّرادِقاتُ.

إن عطيةَ طالبٌ ماهر.
إن العطياتِ طالبون مَهَرَة.
ملأ الناسُ السرادِقاتِ.

لعطيةَ نشاطٌ ظاهر.
للعطياتِ نشاط.
جلس القوم فى السرادِقاتِ.

فى الأمثلة السابقة كلمات مفردة، تدل كل كلمة منها على شىء واحد مؤنث، أو مذكر، (مثل: سيدة، هند، عطية، سُرادق...).
وحين زِدنا فى آخرها الألف والتاء المفتوحة صارت تدل على جمع مؤنث؛ مثل: سيدات، هندات، عطيات، سُرَادِقات، واستغنينا بهذه الزيادة عن العطف بالواو؛ أى: عن أن نقول: سيدة؛ وسيدة؛ وسيدة... أو هند، وهند، وهند...إلخ.
فهذه الكلمات تسمى: الجمع بالألف والتاء الزائدتين، أو: جمع المؤنث السالم؛ كما هو المشهور. وهو: ما دل على أكثر من اثنين بسبب زيادة معَينة فى آخره، أغنتْ عن عطف المفردات المتشابهة فى المعنى، والحروف، والحركات، بعضها على بعض. وتلك الزيادة هى "الألف والتاء" فى آخره.
ومفرد هذا الجمع قد يكون مؤنثًا لفظيًّا ومعنويًّا معاً؛ مثل: سيدة، وسُعْدَى ولمْيَاء. والجمع؛ سيدات، وسُعَديات، ولمياوات.
وقد يكون مفرده مؤنثًا معنويًا فقط؛ بأن يكون خاليًا من علامة التأنيث مع دلالته على مؤنث حقيقى؛ مثل: هند، وسعاد. والجمع: هندات، وسعادات.
وقد يكون مفرده مؤنثًا لفظيًّا فقط؛ بأن يكون لفظه مشتملا على علامة تأنيث، مع أن المراد منه مذكر. مثل: عطية، اسم رجل، وجَمعه: عطيات، وشَبَكة، اسم رجل، وجمعه: شَبَكات... وقد يكون مفرده مذكرًا؛ كسُرادِق وسرادِقات.
وحكم هذا الجمع: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، ويجر بالكسرة، كما فى الأمثلة السابقة، وأشباهها. كل هذا بشرط أن تكون الألف والتاء زائدتين معا؛ فإن كانت الألف زائدة والتاء أصلية؛ -مثل: بيت وأبيات، وقوت وأقوات، وصوت وأصوات، ووقت وأوقات... -لم يكن جمع مؤنث سالماً، ولم ينصب بالكسرة؛ وإنما هو جمع تكسير، ينصب بالفتحة. وكذلك إن كانت ألفه أصلية والتاء زائدة، - مثل: سُعادة: جمع ساع، ورماة: جمع رام، ودعاة: جمع داع، وأشباهها -؛ فإنه يدخل فى جموع التكسير التى تنصب بالفتحة.
ملحقاته:
أُلحق بهذا الجمع نوعان، أولهما: كلمات لها معنى جمع المؤنث ولكن لا مفرد لها من لفظها؛ وإنما لها مفرد من معناها، فهى اسم جمع، مثل "أولات" ومفردها: "ذات"، بمعنى صاحبة، فمعنى كلمة: "أولات" هو: صاحبات. تقول: الأمهاتُ أولاتُ فضل، عرفت أوُلاتِ فضل، احترمت أوُلاتِ فضل.
وكلمة: "أولات" مضافة دائمًا؛ ولهذا ترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالكسرة من غير تنوين أيضًا؛ ومثلها: "اللاّت" (اسم موصول لجمع الإناث)، عند من يلحقها بجمع المؤنث، ولا يبنيها على الكسر، كالإعراب المشهور، يقول: جاءت اللاتُ تعلمن، ورأيتِ اللاتِ تعلمن، وفرحت باللاتِ تعلمن؛ فاللات عنده اسم جمع لكلمة: (التى).
ثانيهما: ما سمى به من هذا الجمع وملحقاته، وصار علمًا لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية؛ مثل: سعادات، وزينبات، وعنايات، ونعمات، وأشباهها مما صار علما على رجل أو امرأة. ومثل: عَرَفات؛ (اسم مكان بقرب مكة)، وأذْرِعات (اسم قرية بالشام). وغير ذلك، مما لفظه لفظ جمع المؤنث، ولكن معناه مفرد مذكر أو مؤنث. مثل: سافرت سعاداتٌ، ورأيت سعاداتٍ، واعترفت لسعاداتٍ بالفضل. فهذا النوع يعرب بالضمة رفعًا، وبالكسرة نصبًا وجرًّا، مع التنوين فى كل الحالات؛ مراعاة لناحيته اللفظية الشكلية التى جاءت على صورة جمع المؤنث السالم، مع أن مدلولها مفرد.
وبعض العرب يحذف التنوين، وبعضهم يعربه بالضمة رفعًا من غير تنوين، وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين فى الحالتين، أى: يعربه إعراب ما لا ينصرف مراعاة لمفرده، بشرط أن يكون هذا المفرد مؤنثًا فيقول: هذه عرفاتُ، زرت عرفاتَ، ووقفت بعرفاتَ. وإذا أراد الوقوف على آخره وَقف بالتاء المفتوحة، فهذه ثلاثة أراء قد يكون أفضلها الأخير فيحسن الاقتصار عليه فى استعمالنا.
زيادة وتفصيل:
(ا) هذا الجمع ينقاس فى ستة أشياء:
أولها: كل ما فى آخره التاء الزائدة مطلقًا؛ أى: سواء أكان علمًا، مثل: فاطمة، أم غير علم، مثل: زراعة - تجارة. مؤنثًا لفظًا ومعنى. مثل: حليمة، رُقية، من أعلام النساء، أم مؤنثًا لفظا فقط مثل: عطية، حمزة، معاوية، من أعلام الرجال. وسواء أكانت التاء للتأنيث كالأمثلة السابقة، أم للعوض عن أصل، نحو: عِدة، وثُبَة، تقول: فى جمعهما: عِدات - ثُبات؛ وقد تكون التاء للمبالغة، نحو علاّمة وعلاَّمات.
ويستثنى مما فيه التاء كلمات منها: امرأة، وأمة، وشاة، وشفة، وقلَة، وأمَّة، ومِلَّة.
هذا، ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد، مؤنث، عند جمعه جمع تأنيث سالمًا، لكيلا تتلاقى مع التاء التى فى آخر الجمع. فإن كان الاسم بعد حذفها مختومًا بألف لازمة، أو بهمزة قبلها ألف زائدة - نحو: فتاة...، وهناءة...- روعى فى جمع هذين الاسمين ما يراعى فى جمع المقصور والممدود - مع ملاحظة ما فى رقم 6 من هامش ص 170، وكذا "و" ص 172 - (وسيجئ الباب الخاص بتثنيتهما، جـ4 ص 457 م 171).
ثانيها: ما فى آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة (سواء أكان علمًا، أم غير علم، لمؤنث أم لمذكر؛ فمثال المقصورة: "سُعدى" وهى علم مؤنث، "وفُضْلى"، وهى غير علم، وإنما هى صفة لمؤنث، "ودُنيا" إذا كانت علمًا لمذكر. ومثال الممدودة: "زَهراء"، وهى علم لمؤنث، و "حسناء" وهى غير علم وإنما هى صفة لمؤنث، و "زكرياء" علم لمذكر.
ويستثنى من هذا القسم - عند غير الكوفيين كما سبق -: فَعْلَى؛ مؤنث "فَعْلان"، مثل "سَكْرى" مؤنث "سكران"، "وفَعْلاء" مؤنث: "أفْعَل" مثل: "خضراء وسوداء"، وكلتاهما صفة لمؤنث، وليست بعلَم.
ثالثهما: كل علم لمؤنث حقيقى وليس فيه علامة تأنيث، كزينب، ونوال، وإحسان، إلا ما كان مثل: "حَذَام" عند مَن يبنيه فى جميع أحواله. -كما سبق-.
رابعها: مصغر المذكر الذى لا يعقل، مثل: "نُهيرات"، تصغير: "نهر" و "جُبيلات"؛ تصغير "جبل" و "مُعَيْدِناتٌ"، تصغير: "معدِن".
خامسها: وصف المذكر غير العاقل؛ مثل؛ هذا بساتين جميلات، زُرْتها أيامًا معدودات.
سادسها: كل خماسىّ لم يسمع له عن العرب جمع تكسير؛ مثل: سُرادِقات وقَيْصُومات - وحَمَّامات - وكَتَّانات. واصطبلات - وقِطْميرات... فى جمع: سُرادِق، وقَيْصُوم، وحَمَّام، وكَتَّان، واصطبل، وقطْمير.
وما عدا تلك الأنواع الستة مقصور على السماع؛ مثل: شَمَالات.
وإلى ما سبق يشير بعضهم بقوله عن جمع المؤنث السالم، وما يقاس فيه وما لا يقاس:
*وقسْهُ فى ذى التَّا، ونحو ذِكْرَى * ودرهمٍ مُصَغّرٍ، وصَحْرا*
وزًينبٍ، ووصفِ غيرِ العاقلِ * وغير ُ ذا مُسلمٌ للناقل*
يريد أنه مقيس فى كل ما هو مختوم بالتاء؛ مثل: رحمة ونعمة، أو ألف التأنيث المقصورة؛ مثل: ذِكْرَى، أو الممدودة؛ مثل: صَحْراء. وفى مصغر غير العاقل؛ نحو: دُرَيْهم، فى تصغير: دِرْهم. وفى وصف غير العاقل، نحو: هذه بساتين جميلات. أما غير هذه الخمسة فمقصور على سماع عن العرب فمن نقل عنهم شيئًا أخذنا بما نقل، وسلمنا به. وقد ترك السادَس وهو الخماسىّ الذى لم يسمع له جمع تكسير.
(ب) إذا كان المفرد اسما، مؤنثًا، ثلاثيًّا، صحيح العين، ساكنها، غير مضعفها، مختومًا بالتاء أو غير مختوم بها - وأردنا جمعه جمع مؤنث سالماً فإنه يراعى فى جمعه ما يأتى:
1- إن كانت "فاء" الكلمة مفتوحة وجب تحريك العين الساكنة بالفتح فى الجمع أيضًا؛ تبعًا للفاء. تقول فى جمع: ظَرْف، وبَدْر، ونَهْلة، وسَعْدة،... (وكلها أسماء إناث) ظَرَفات، وبدَرات، ونَهَلات، وسَعَدات. بفتح الثانى فى كلٍّ.
2- وإن كانت فاء الكلمة مضمومة، جاز فى العين ثلاثة أشياء: الضم، أو الفتح، أو السكون؛ تقول فى جمع، لُطْف، وحُسْن، وشُهْرَة، وزُهْرَة (وكلها أسماء إناث)، لطفات، وحسنات، وسهدات، وزهرات، بضم الثانى فى كلّ، أو فتحه، أو تسكينه.
إلا إنْ كانت "لام" المفرد ياء فلا تضم العين فى الجمع، مثل: غُنْيَة، فلا يُقالُ: غُنُيات. وإنما يقال: غُنَيات، أو: غُنْيات؛ بفتح النون، أو سكونها.
3- وإن كانت فاء الكلمة مكسورة جاء فى العين ثلاثة أشياء؛ الكسر، أو الفتح، أو السكون. تقول فى جمع: سِحْر، وهِند، وحِكمة، ونِعْمة (أسماء إناث): سِحَِْرَات، هِنَِْدَات، حِكَِْمَات، نِعَِْمَات. بفتحِ الثانى فى كلّ، أو كسره، أو تسكينه، إلا إذا كان المفرد المؤنث مكسور الفاء ولامه واو مثل: ، ذِرْوة، فلا يجوز فى العين إتباعها للفاء للفاء فى الكسر؛ فلا يقال: ذِرِوات وإنما يقال ذِرَوَات أو ذرْوات بفتح العين أو تسكينها.
ولا بد فى المفرد الذى تجرى عليه الأحكام السالفة أن يشتمل على الشروط الستة التى سردناها. فإن فُقِد شرط لم يجز إتباع حركة العين لحركة الفاء؛ ومن ذلك أن تكون الكلمة صفة لا اسما، مثل: "ضَخْمة"، فلا يقال فيها: ضَخَمات، بفتح الخاء. أو تكون اسما غير مؤنث مثل: سعد، علم، رجل، فإنه لا يجمع جمع جمع مؤنث، ولا تتحرك عينه. أو تكون غير ثلاثية، مثل: "زَلزَل" و "عُنيزة" (لجاريتين)، فلا يتغير شىء من حركات حروفهما عند الجمع. أو تكون غير صحيحة العين؛ مثل "خَوْد"، "وقَيْنة" فلا يتغير شىء من حركات حروفهما عند الجمع، أو تكون مُضعفة العين، مثل: جنَّة وجنات؛ فلا يتغير شىء من حركات حروفها فى الجمع.
وقد وردت جمع مخالفة لبعض الشروط السالفة؛ فلا نقيس عليها؛ لأنها لغة نادرة؛ أو قليلة لبعض العرب، أو دفعت إليها ضرورة شعرية. ولهذا البحث مزيد إبانة وتفصيل فى موضعه الخاص من باب: "تثنية المقصور والممدود وجمعهما"، فى الجزء الرابع...
(ج) إذا كان المفرد مركبًا إضافيًّا وأريد تثنيته أو جمعه جمع مؤنث سالمًا فإن صدره هو الذى يثنى ويجمع، ويبقى عجزه على حاله، مثل: سيدة الحُسن (علم امرأة) يقال فى تثنيته وفى جمعه: سيدتا الحُسن، وسيدات الحسن، وهذا إن لم يكن صدره المضاف كلمة "ذو"، أو: كلمة: "ابن"، أو: "أخ" ونحوهما... من أسماء ما لا يعقل من الأجناس، - ومنها: ذو القَعدة، وذو الحِجة وابن لبون، وابن آوى، وابن عُرسٍ... - فإن كان المضاف أحدها وأريد جمعه فالغالب أن يجمع جمع مؤنث سالمًا فيقال مثلاً: ذوات القَعدة، وذوات الحِجَّة، وبنات آوى، وبنات عُرس... ولا فرق فى ذلك بين اسم الجنس غير العلم الجنسى كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى. والفرق بينهما أن ثانى الجزأين من علم الجنس لا يقبل: "آل" بخلاف اسم الجنس - كما سيجئ فى جـ4...
وإن كان مركبًا إسناديًّا مثل: زادَ الجمالُ (علم امرأة) بقى على حاله تمامًا؛ وأتينا قبله بكلمة: "ذاتا" فى التثنية؛ و "ذوات" فى الجمع المؤنث، تقول: جاءت ذاتا زادَ الجمالُ، وذواتُ زادَ الجمالُ. ويجرى الإعراب على ذات" و "ذوات"؛ دون العلم المركب إسناديًّا؛ فإنه يبقى على حاله تمامًا، ويعرب مضافًا إليه، مجرورًا بكسرة مقدرة، منع من ظهورها: الحكاية.
وكذلك نأتى - فى أشهر الآراء - بهذه الكلمات المساعدة التى تُوصل إلى التثنية إن كان مركبًا تركيب مزج مثل: شهرزاد، اسم امرأة.
د- المفرد الذى لا يصح جمعه جمع مذكر سالمًا، لا يصح فى مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالمًا. وقد سبق بيان هذا وما فيه.
هـ- إذا سمى بجمع المؤنث، أو ملحقاته، -مثل: سعادات، عنايات... - وأريد تثنية هذا المسمى لم يصح تثنيته إلا من طريق غير مباشر بأن نأتى قبله بالكلمة الخاصة التى توصلنا لهذا الغرض؛ وهى كلمة: "ذاتا"... رفعا، و "ذاتَىْ"... نصبًا وجرا. وتعرب كل واحدة منهما على حسب حاجة الجملة إعراب المثنى فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء. وهى "المضاف"، والمسمى به بعدها "مضاف" إليه. وإذا أريد جمع المسمى به جمعًا مؤنثًا وجب الإتيان قبله بكلمة "ذوات" المضافة؛ والمسمى هو المضاف إليه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 13: هـ- إعراب ما لا ينصرف، والأحكام المتصلة بهذا )


هـ- إعراب ما لا ينصرف

1-

تعلم محمودٌ، أو
 مصطفىً.

نافس الطلاب محموداً أو
 مصطفىً.

فاض الثناء على محمودٍ أو مصطفىً.

2-

تعلم أحمدُ.

نافس الطلاب أحمدَ.

فاض الثناء على أحمدَ.

3-

تعلمتْ ليلَى.

نافست الطالباتُ ليلىَ.

فاض الثناء على ليلىَ

4-

صالحٌ أفضلُ من غيره.
صالح أفضلُ الزملاء.

عرفت أفضلَ من غيره.
عرفتُ أفضلَ الزملاء.

سلمت على أفضلَ من غيره.
سلمت على أفضلِ الزملاء.

5-

صالح هو الأفضلُ

عرفت الأفضلَ.

يتساءل الطلاب عن الأفضلِ.

من الأسماء المعربة نوع يعرب بالحركات الظاهرة، أو المقدرة، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع وجود التنوين فى الحالات الثلاث؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم المنصرف"، أى: الاسم المنون. كأمثلة القسم الأول.
ومن الأسماء المعربة نوع آخر يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجَر بالفتحة أيضًا، نيابة عن الكسرة، ولكن من غير تنوين - غالبًا - فى الحالات الثلاث؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم الذى لا ينصرف؛ أى: لا يُنون". ولا فرق فى هذا النوع بين أن تكون حركة آخره ظاهرة، كأمثلة القسم الثانى، أو مقدرة كأمثلة القسم الثالث.
والاختلاف بين صورتى المعرب المنصرف وغير المنصرف، ينحصر فى أمرين؛ أولهما: أن المنصرف يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة، أو المقدرة رفعًا، ونصبًا، وجرًّا؛ فالضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر.
ثانيهما: أنه ينون فى جميع حالاته، إلا إن وجد مانع آخر يمنع التنوين. أما الاسم الذى ينصرف فتتلخص حركات آخره الظاهرة، أو المقدرة فى أنه يرفع بضمة واحدة من غير تنوين، وينصب بفتحة واحدة من غير تنوين، ويجر بفتحة واحدة أيضًا من غير تنوين؛ فهو يختلف عن سابقه فى الأمرين، - فى عدم التنوين، وفى الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة - وإنما يتحقق الاختلاف بشرط ألا يكون مضافًا أو مبدوءًا (بأل). فإن كان مضافًا مثل كلمة: "أفضل" فى القسم الرابع، أو مبدوءًا (بأل) مثل كلمة: "الأفضل" فى القسم الخامس، وجب جره بالكسرة دون الفتحة، مع حذف التنوين فى الحالتين أيضا؛ لأن التنوين لا يوجد فى الاسم المضاف، أو المبدوء (بأل) مهما كان نوعها.
هذا وللاسم الذى لا ينصرف باب خاص - سيجئ فى الجزء الرابع - تُبَيَّن فيه أسباب المنع من الصرف، وتوضح أحكامه، ونقتصر هنا على ما يناسب موضوع الإعراب، تاركين غيره لذلك الباب.
زيادة وتفصيل:
(ا) سبقت الإشارة - فى جمع المؤنث السالم، (ص 150) - إلى أن هذا الجمع وملحقاته عند التسمية به يصح إعرابه إعراب مالا ينصرف، كما يصح إعرابه إعراب جمع المؤنث السالم، مراعاة لأصله وصورته. والإعراب الأول أحسن، لما سبق هناك.
ب- من المبينات ما يكون ممنوعًا من الصرف لانطباق سبب المنع عليه؛ مثل: سيبويه؛ فإنه علم مبنى على الكسر وجوبًا فى كل حالاته - فى الرأىّ الشائع -. فعند اعتباره ممنوعًا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجى نقول فى إعرابه فى حالة الرفع: إنه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر. أو إنه مبنى على الكسر فى محل رفع.
ونقول فى حالة نصبه: إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر، أو: إنه مبنى على الكسر فى محل نصب.
ونقول فى حالة جره إنه مجرور بفتحة مقدرة. منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر. ولا مانع أن نقول هنا أيضًا: إنه مبنى على الكسر فى محل جر. ولكن النحاة يفضلون - بحق - فى حالة الجر الأعراب الأول، لأنه يوافق الحكم العام للاسم الذى لا ينصرف.
(حـ) بعض القبائل العربية يستعمل كلمة: "أمْ" بدلا من "أل" فيقول: امقمرُ يستمدّ امْضَوْءَ من امْشَمْش، أى: (القمر يستمد الضوء من الشمس) وعلى هذه اللغة لا يمنع الاسم عندهم من الصرف إذا بدئ بكلمة: (أمْ) المستعملة بدلاً من: "أَلْ".

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 14: -و- الأفعال الخمسة، وأحكامها )


و- الأفعال الخمسة

أ-

العاقل يتكلم بعد تفكير.

لن يتكلمَ العاقل مسرعاً.

لم يتكلمْ عاقل فيما لا يَعنيه.

 

 

 

(1)

أنتما تتكلمان بخير.

أنتما لن تتكلما إلا بخير.

أنتما لم تتكلما إلا بالخير.

 

(2)

الحكيمان يتكلمان بخير.

الحكيمان لن يتلكما إلا بخير.

الحكيمان لم يتكلما إلا بالخير.

ب-

(3)

أنتم تساعدون المحتاج.

أنتم لن تساعدوا المحتال.

أنتم لم تساعدوا المحتال.

 

(4)

الأغنياء يشاركون فى النفع.

الأغنياء لن يتأخروا عن المساعدة.

الأغنياء لم يشاركوا فى إساءة.

 

(5)

أنت - يا فاطمة - تعملين بجد.

أنت لن تعملى بتوانٍ.

أنت لم تعملى بتوان.

إذا كان المضارع صحيح الآخر، وغير مختوم بضمير بارز، فإنه يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة (الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب إذا سبقه ناصب، والسكون فى حالة الجزم إذا سبقه جازم). كأمثلة القسم "ا".
أما إذا اتصل بآخره ألف اثنين (وله معها صورتان. إحداهما أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب، والأخرى أن يكون مبدوءًا بياء الغائب، كأمثلة 1، 2 من القسم "ب".) أو اتصل بآخره واو الجماعة، (وله معها صورتان كذلك: أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب أو ياء الغائب، كأمثلة 3 و 4 من "ب") أو اتصل آخره بياء المخاطبة، (كأمثلة القسم الخامس من "ب") - فإنه فى هذه الصورة الخمس التى يسميها النحاة الأفعال الخمسة - يرفع بثبوت النون فى حالة الرفع، نيابة عن الضمة، وينصب فى حالة النصب بحذفها نيابة عن الفتحة، ويجزم فى حالة الجزم بحذفها أيضًا نيابة عن السكون. (أمثلة، 2، 3، 4، 5).
وهذا معنى قولهم: الأفعال الخمسة هى: "كل مضارع اتصل بآخره ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة".
وحكمها: أنها ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها. مع ملاحظة أن تلك النون عند ظهورها تكون مكسورة بعد ألف الاثنين، مفتوحة فى باقى الصور.
"ملاحظة": إذا كان المضارع معتل الآخر بغير إسناد لضمير رفع بارز - فحكمه سيجىء فى مكانه الخاص. فإن كان مسنداً لضمير رفع بارز وجب أن تلحقه تغيرات مختلفة؛ بيانها وتفصيلُ أحكامها فى الباب المعدّ لذلك، وهو باب: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة؛ بتوكيد، وغير توكيد،
زيادة وتفصيل:
2- إذا قلت: النساء لن يَعْفُونَ عن المسىء؛ فالنون هنا نون النسوة؛ وليست نون الرفع التى تلحق بآخر الأفعال الخمسة. كما أن الواو واو أصلية، لأنها لام الفعل؛ إذا أصله: "عفا" "يعفو" تقول: النساء يَعْفون؛ "يعفو" فعل مضارع مبنى على السكون الذى على الواو. لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة فاعل مبنى على الفتح فى محل رفع. وتقول "النساء لن يعفُون": "يعفو": فعل مضارع، مبنى على السكون لاتصاله بنون النسوة؛ فى محل نصب بلن، والنون فاعل... وفى النساء لم يعْفُون: "يَعْفُو" فعل مضارع مبنى على السكون لاتصاله بنون النسوة، فى محل جزم بـ"لم"، ونون النسوة فاعل...
بخلاف قولك: الرجال يَعْفُون؛ فإن النون هنا علامة للرفع، والواو ضمير الجمع، فاعل، مبنى على السكون فى محل رفع. وأصله: الرجال يعفُوُون (على وزن: يفْعُلُون)؛ استثقلت الضمة على الواو الأولى (التى هى حرف علة، ولام الفعل أيضًا) فحذفت الضمة؛ فالتقى ساكنان، هما: الواوان. حذفت الواو الأولى؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الواو الثانية: لأنها كلمة تامة. إذ هى ضميرٌ، فاعل، يحتاج إليها الفعل، فصار الكلام: "الرجال يعْفُون" على وزن: "يَفْعُون"، وعند وجود ناصب أو جازم تحذف النون، نقول: الرجال لن يعْفُوا (على وزن يَفْعُوا) ومن قوله تعالى: {وأن تَعْفُوا أقربُ للتقوى} والرجال لم يعْفُوا، فحذفت نون الرفع؛ لوجود أحدهما، بخلاف نون النسوة، فإنها لا تحذف - كما سبق.
(ب) عرفنا أن نون الرفع تحذف وجوبًا للناصب أو الجازم؛ كحذفها فى قوله تعالى {لن تَنالُوا الْبِرَّ حَتى تنفقُوا مما تُحِبّون}، وقول الشاعر المصرى:
*لا تقْربوا النيل إنْ لم تعملوا عملاً * فماؤهُ العذبُ لم يخلَق لكسْلان*
وقد تحذف لغير ناصب أو جازم، وجوبًا أو جوازًا؛ فتحذف وجوبًا إذا جاء بعدها نون التوكيد الثقيلة؛ مثل: أنتما - يا صاحباى - لا تقصرانّ فى الواجب، وأنتم - يا رجال - لا تهملُنّ فى العمل، وأنت - يا قادرة - لا تتأخَرنِّ عن معاونة البائس، فحذفت نون الرفع فى الجميع؛ لتوالى الأمثال (أى: لتوالى ثلاثة أحرف متماثلة زائدة؛ هى: النونات الثلاث...) وحذفت معها أيضًا واو الجماعة، وياء المخاطبة دون ألف الاثنين، ولكن عند إعراب المضارع المرفوع نقول: مرفوع بالنون المقدرة، كما سبق بيان سببه وتفصيله.
وتحذف جوازًا عند اتصالها بنون الوقاية، مثل: الصديقان يُكْرمانِنى، أو: يُكْرِمَانِى، والأصدقاء يكرمُوننى، أو: يكرمونى، وأنت تكرميننى، أو: تكرِمينِّى.
فتلخص من هذا أن نون الأفعال الخمسة لها ثلاثة أحوال عند اتصالها بنون الوقاية: الحذف، أو الإدغام فى نون الوقاية، أو الفك مع إبقاء النونين.
وهناك لغة تحذف نون الرفع (أى: نون الأفعال الخمسة) فى غير ما سبق؛ وبها جاء الحديث الشريف "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا"، أى: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنون حتى تتحابوا. وقوله أيضًا: "كما تكونوا يولَّى عليكم" فى بعض الآراء، وليس من السائغ اتباع هذه اللغة فى عصرنا، ولا محاكاتها، وإنما ذكرناها لنفهم ما ورد بها فى النصوص القديمة.
(حـ) يجوز أن تقول: "هما تفعلان" و "هما يفعلان" عند الكلام على مؤنثتين غائبتين؛ ففى الحالة الأولى تؤنث مراعيًا أنك تقول فى المفردة: هى تفعل؛ بوجود التاء أول المضارع. فكأن الأصل - مثلا - زينب تفعل؛ لأن الضمير بمنزلة الظاهر المؤنث الذى بمعناه. فإذا قلت: "هما تفعلان" فقد أدخلت فى اعتبارك الحالة السابقة. وإذا قلت: "هما يفعلان" فقد أدخلت فى اعتبارك مراعاة لفظ الضمير الحالى الذى للمشى الغائب، والأول أكثر وأشهر، وفيه بُعْد عن اللّبس، فوق ما فيه من مسايرة لقاعدة هامة؛ هى: أن الفعل يجب تأنيثه إذا كان مسندًا. لضمير يعود على مؤنث...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 15: -ز- المضارع المعتل الآخر، أقسامه الثلاثة، وحكم كل قسم، ومعنى تقدير الإعراب فيه. )


ليس فى الأفعال ما يدخله الإعراب إلا الفعل المضارع أحيانًا، وهو قسمان:
(ا) مضارع صحيح الآخر: مثل: يشكر، يرتفع، ينزل... وهذا يعرب بحركات ظاهرة على آخره فى كل أحواله: (رفعًا، ونصبًا، وجزمًا)؛ تقول: يشكرُ المرء من أعانه، لن يرتفعَ شأن الخائن، لم ينزلْ مطرٌ فى الصحراء...، "فيشكرُ". مرفوع بالضمة الظاهرة، و "يرتفعَ": منصوب بالفتحة الظاهرة، و"ينزلْ" مجزوم بالسكون الظاهر، أما الجر فلا يدخل الأفعال، كما هو معلوم.
(ب) مضارع معتل الآخر، وهو ثلاثة أنواع:
1- معتل الآخر بالألف، مثل: يخشَى، يرضَى، يرْقَى. وحكمه: أنه تقدر على آخره الضمة فى حالة الرفع، مثل: يخشى الصالح ربه، فيخشى: مضارع مرفوع بضمة مقدره على الألف.
وكذلت تقدر الفتحة على آخره فى حالة النصب؛ مثل: لن يرضَى العاقل بالأذى؛ فيرضى: مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسبب التقدير فى الرفع والنصب تعذر ظهور الحركة على الألف واستحالتها.
أما فى حالة الجزم فتحذف الألف. وتبقى الفتحة قبلها دليلا عليها؛ مثل: لم يرقَ العاجز، فكلمة يرقَ: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف. ومثله المضارع "يَلقَ" فى قول الشاعر:
*إذا كنت فى كلّ الأمور معاتِبًا * صديقك لم تلقَ الذى لا تعاتبهْ*
2- معتل الآخر بالواو، مثل: يسمو، يصفو، يبدو. وحكمه: أنه يرفع بالضمة المقدرة، مثل: يسمو العالِم، فيسمو: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو. ولكنه ينصب بفتحة ظاهرة على الواو، مثل لن يصفوَ الماء إلا بالتنقية. ويجزم بحذف الواو، وتبقى الضمة قبلها دليلا عليها، مثل لم يبدُ النجم وراء السحُب نهارًا. فالفعل: يبدُ، مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو.
3- معتل الآخر باليا؛ مثل: يمشى، يبنى، ومثل يُغْضِى فى أول البيت التالى:
*يُغضِى حياءً، ويُغْضَى من مهابتهِ * فلا يُكلَّمُ إلا حينَ يَبتسِمُ*
وحكمه كسابقه، يُرَفع بضمة مقدرة؛ مثل: يمشى الحازم فى الطريق المأمون؛ ويُنْصَب بفتحة ظاهرة على الياء؛ مثل: لن يبغَى أخٌ على أخيه. ويُجَزم بحذف الياء؛ وتبقى الكسرة قبلها دليلا عليها، مثل لم يَبْنِ المجدَ إلا العصاميون. ومن أمثلة حذف الألف والياء من آخر المضارع المجزوم قول الشاعر:
*فمنْ يلْقَ خيرًا يَحْمد الناسُ أمرَه * ومن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغىّ لائِما*
وملخص ما سبق فى أنواع الفعل المضارع الثلاثة المعتلة الآخر؛ أنها متفقة فى حالتى الرفع والجزم، مختلفة فى حالة النصب فقط. فجميعها يرفع بضمة مقدرة، ويجزم بحذف حرف العلة، مع بقاء الحركة التى تناسبه؛ لتدل عليه، (وهى الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء) أمَّا فى حالة النصب فتقدر الفتحة على الألف، وتظهر على الواو والياء.
زيادة وتفصيل:
(ا) هناك لغة تجيز إبقاء حرف العلة فى آخر المضارع المجزوم؛ فيكون مجزومًا؛ وعلامة جزمه السكون المقدر على حرف العلة. وهذه لغة تذكر لمجرد العلم بها؛ لاستخدامها فى فهم النصوص القديمة، الواردة بها، لا لتطبيقها فى استعمالنا.
(ب) عرفنا أن المضارع المعتل الآخر يحذف آخره عند الجزم. وهذا بشرط أن يكون حرف العلة أصيلا فى مكانه، كالأمثلة السابقة؛ فلا يكون مبدلا من الهمزة. مثل: يقرا الرجل، أى: يقرأ. ومثل: يوْضُو وجهُ علىّ؛ بمعنى؛ يحسنُ ويضئ. وأصله يَوْضُؤ، ومثل: يُقرى الضيفُ السلامَ؛ بمعنى: يُلقيه، وأصله: يقرئ؛ فلو كان مبدلا من الهمزة كالكلمات السالفة - لكان خير ما يقال هو: أن المضارع مجزوم بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة ألفا، أو واو، أو ياء، فى تلك الأمثلة وأشباهها، ولا يحذف حرف العلة.
ومن الأمثلة أيضًا: "يَبْرَا" المريض و "يَبرُو"، أى: يُشفَى؛ وأصلهما: "يَبرَأ" و "يبرُؤُ"؛ بالهمز فيهما. و "يُبرى" اللهُ المريض. أى: يَشفيه؛ وأصله. يُبرئه. ومثل يملا الساقى الإناء، أى: يملأ. "ويمتلى" الإناء: أى: يمتلئ، و "يبطُو" القطار؛ أى: يُبطُؤُ؛ فلا داعى للتفصيل الذى يقوله النحاة، من أن إبدال حرف العلة من الهمزة، إن كان بعد دخول الجازم، فهو إبدال قياسى، "لسكون الهمزة بسببه. فيكون الجازم قد عمل عمله فيها؛ وهو: الجزم؛ ومتى سكنت الهمزة، كان إبدالها من جنس حركة ما قبلها قياسيًا؛ فتقلب ألفًا أو واوًا، أو ياء، على حسب تلك الحركة، ولا تحذف هذه الحروف؛ إذ لا داعى لحذفها، بعد أن أدّى الجازم عمله، وفى هذه الحالة تعرف الكلمة مجزومة بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة المختفية... أما إن كان الإبدال من الهمزة قبل الجزم، فهو إبدال شاذ، والأفصح عدم حذف حرف العلة أيضًا، ويكون الفعل مجزومًا بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة المختفية كسابقه. ولا يحذف حرف العلة - مع أن الجازم حين وروده على الفعل لم يكن أمامه الهمزة، ليؤثر فيها - لأن حرف العلة هذا عارض، وليس أصيلا، ولا اعتداد بالعارض عندهم؛
فالفرق بين الحالتين أن الأولى لا يحذف فيها حرف العلة باتفاق، لما بينوه؛ وأن الثانية فيها خلاف، ولكن الأشهر عدم الحذف أيضًا.
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فما المانع أن يكون الحكم الفاصل هو عدم الحذف دائمًا، لنستريح من تعداد الآراء، واختلاف الحجج، من غير أثر واضح؟ هذا هو الأفضل.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الإعراب والبناء، والمعرب والمبنى ) ضمن العنوان ( المسألة 16: الاسم معتل الآخر، أنواعه الثلاثة، ومنها: المقصور والمنقوص )


من الأسماء المعربة نوع صحيح الآخر، مثل: سعاد، صالح، جمل، شجرة، قمر، سماء... وهذا النوع يعرب فى أحواله الثلاثة بحركات ظاهرة على آخره؛ تقول: صالحٌ محسنٌ، وإن صالحًا محسن، وحبذا الإحسان من صالح.. وكذا بقية الأمثلة مع مراعاة الأحكام التى شرحناها فى المسائل المختلفة السابقة.
ومنها نوع معتل الآخر جارٍ مجرى الصحيح، وهو ما آخره ياء أو واو وكلا الحرفين متحرك قبله ساكن، وقد يكون الحرفان مشددين أو مخففين؛ نحو: مرمِىّ - مَغْزوّ - ظَبْىِ - دَلو... وحكم آخره من الناحية الإعرابية كحكم صحيح الآخر، فهو شبيه به فى الحكم.
ومن هذا الشبيه أيضًا المختوم بياء مشددة للنسب، ونحوه، بشرط ألا يكون تشديده بسبب إدغام ياءين: ومن الأمثلة: عبقرىّ - كرسى - شافعىّ، فخرج نحو: خليلىّ - صاحبىّ - بَنِىَّ - كاتبِىّ - (كما فى جـ4 ص45 م 131).
ومنها نوع معتل الآخر لا يشبه الصحيح: ومن أمثلته (الرضا، العُلا، الهدى، الحِمى...) وأيضًا (الهادى، الداعى، المنادِى، والمرتجِى...) وأيضًا (أدكو طوكيو، سَمَنْدُو قَمَندُو...) وهذا النوع المعتل ثلاثة أقسام على حسب حرف العلة الذى فى آخره:
أولها؛ المقصور: وهو: الاسم المعرب الذى فى آخره ألف لازمة. وحكمه: أن يعرب بحركات مقدرة على هذه الألف فى جميع صوره؛ رفعًا؛ ونصبًا، وجرًّا؛ إذ لا يمكن أن تظهر الفتحة أو الضمة أو الكسرة على الألف. ومن أمثلته "إنّ الهدَى هُدَى الله". "اتَّبْع سبيلَ الهدَى". فكلمة: "الهدَى" الأولى، اسم "إن"؛ منصوبة بفتحة مقدرة على الألف؛ وكلمة: "هدَى" الثانية خبر "إن"، مرفوعة بضمة مقدرة على الألف أيضًا. وكلمة: "هدى" الثالثة مضاف إليه، مجرورة بكسرة مقدرة على الألف.
ومن أمثلته: رضا الله أسمى الغايات. وإن رضا الناس غاية لا تُدْرَك، احرص على رضا الله... فكلمة: "رضا" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بحركة مقدرة على الألف... وهكذا كل الأسماء المقصورة.
وليس من المقصور ما يأتى:
(ا) الأفعال المختومة بألف لازمة، مثل: دعا، سعى، يخشى، ارتقى. وإنما هى نوع من الأفعال التى تسمى ناقصة. (ويراد بهذه التسمية هنا: أنها معتلة الآخر).
(ب) الحروف المختومة بألف لازمة، مثل: إلى، على... لأن هذه كتلك ليست أسماء.
(حـ) الأسماء المبنيَّة المختومة بهذه الألف؛ مثل: "ذا" و "تا" من أسماء الإشارة. ومثل "إذا" الظرفية و "ما" الموصولة، وغيرها من الأسماء المبنية.
(د) الأسماء المعربة التى فى آخرها واو، أو ياء، مثل: "أدكو"، "الهادى"، لأنها ليست معتلة الآخر بالألف.
(هـ) المثنى فى حالة الرفع مثل: سافر الوالدان، والأسماء الستة فى حالة النصب، مثل: رأيت أباك؛ لأن الألف فيهما غير لازمة، إذ تتغير وتجئ مكانها الياء مع المثنى فى حالة نصبه وجره؛ مثل: أكرمت الوالدَيْن، وأصغيت إلى الوَالديْنِ. وتجئ مكانها الواو أو الياء مع الأسماء الستة فى حالة رفعها وجرها؛ مثل: أبوك كريم، استمع إلى أبيك.
(و) أشرنا إلى أن المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث - نحو: فتاة، مباراة، مستدعاة - يفقد اسمه وحكمه بسبب هذه التاء، ولا يسمى مقصورًا، لأنه لا يكون مقصورًا إلا بشرط انتهائه بألف تقع عليها الحركات الإعرابية مقدرة. ولا يتحقق هذا الشرط إذا وقعت بعد ألفه تاء التأنيث، إذ تكون هى خاتمة أحرفه، وعليها تقع الحركات الإعرابية ظاهرة لا مقدرة؛ ولذا تبقى عند تثنيته للدلالة على تأنيثه، وتحذف عند جمعه، ويراعى فى الاسم بعد حذفها ما يراعى فى جمع المقصور-
ويجب التَّنبه للفرق الواسع بين تاء التأنيث السَّالفة والهاء الواقعة ضميرًا بعد ألف المقصور فى مثل: "من أطاع هواه أعطى العدو مناه؛ فهذه الهاء كلمة مستقلة تماماً.
* * *
ثانيها: المنقوص؛ وهو: الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة، غير مشددة، قبلها كسرة، مثل: العالى، الباقى، المرْتقِى، المستعلِى...
وحكمه: أن يرفع بضمة مقدرة على الياء فى حالة الرفع، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء فى حالة النصب، ويجر بكسرة مقدرة عليها فى حالة الجر؛ مثل: الخلق العالى سلاح لصاحبه، إن الخلق العالىَ سلاح لصاحبه، تمسَّك بالخلق العالى. فكلمة: "العالى" فى الأمثلة الثلاثة نعت (صفة)، ولكنه مرفوع فى المثال الأول بضمة مقدرة، ومنصوب فى المثال الثانى بالفتحة الظاهرة، ومجرور فى المثال الثالث بالكسرة المقدرة. ومثله: الباقى للمرء عمله الصالح. إن الباقىَ للمرء عمله الصالح. حافظ على الباقى من مآثر قومك. فكلمة: "الباقى" فى المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة، وهى فى المثال الثانى اسم "إن" منصوبة بالفتحة الظاهرة، وهى فى الثالث مجرورة بكسرة مقدرة، وهكذا، فالمنقوص يرفع ويجر بحركة مقدرة على الياء؛ وينصب بفتحة ظاهرة عليها، كما رأينا.
والمنقوص الذى تقدر الضمة والكسرة على يائه وتظهر عليها الفتحة يجب إثبات يائه إن كان غير منون - لسبب يمنع التنوين؛ كإضافته، أو اقترانه بأل، أو تثنيته، أو جمعه جمع مؤنث سالما - فإن كان منونًا لخلوه مما يمنع التنوين؛ وجب حذف الياءدون التنوين فى حالتى الرفع والجر، مع تقدير الضمة والكسرة عليها، ويجب بقاء الياء والتنوين فى حالة النصب؛ نحو: خيرُ ما يحمد به المرء خلقٌ عالٍ - إن خلقًا عاليًا يتحلَّى به المرء خير له من الثروة والجاه - لا يحرص العاقل على شىء قَدْرَ حرصه على خلق عالٍ يشتهر به. فيرفع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء الثابتة مع التنوين، ويجر بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة. وإنما حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين فى حالتى الرفع والجر؛ إذ الأصل: (عالِيُنْ) فى الرفع، و (عالِيِنْ) فى الجر، استثقلت الضمة والكسرة على الياء، فحذفتا، فالتقى ساكنان، الياء والتنوين، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصارت الكلمة: عالٍ، فى حالتى الرفع والجر - كما سلف -. ومن أمثلة حذف الياء من المنون المرفوع قول الشاعر يمدح كريمًا:
*فهو مُدْنٍ للجود - وهو بغيضٌ - * وهو مُقصٍ للمال، وهو حبيبُ*
"ملاحظة": إذا كانت لام المنقوص محذوفة بغير تعويض همزة الوصل عنها (مثل: شَجٍ) فإنها ترجع أوْلا ترجع فى التثنية وفى جمع المؤنث السالم طبقًا للضابط الذى سبق (فى رقم 3 من هامش ص 102 وفى "ح" من ص 123 و 124).
وليس من المنقوص ما يأتى:
(ا) الفعل بجميع أنواعه، ولا سيما المختوم بياء لازمة، مثل يَنْوِى محمد التنقل، ويجرى وراء رزقه، وكذلك الحرف؛ ولا سيما المختوم بياء لازمة؛ مثل: فى.
(ب) الاسم الذى فى آخره ياء مشددة؛ مثل: كرسىّ.
(حـ) الاسم المختوم بياء ولكنه مبنى؛ مثل: الذى، التى... ذى (اسم إشارة).
(د) الاسم المعرب الذى آخر ياء ولكنها غير ملازمة له فى كل حالاته؛ كالأسماء الستة فى حالة جرها بالياء؛ مثل: أحسن إلى أخيك؛ وكذلك المثنى وجمع المذكر السّالم فى حالة نصبهما وجرهما؛ مثل: أكرم الوالدَيْنِ، واعتن بالوَالدَيْنِ، وصَافح الزائرِينَ، وأسرع إلى الزائرِينَ؛ فإن الياء فى الأسماء الخمسة لا تثبت؛ بل تتغير ويحل محلها الواو رفعًا، والألف نصبًا. كما أن الياء فى المثنى وجمع المذكر تتغير، ويحل محلها الألف فى حالة رفع المثنى، والواو فى حالة رفع جمع المذكر...
(هـ) الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة، ولكن ليس قبلها كسرة؛ مثل: ظبْى وكرسى؛ فالياء فى الأولى قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفى الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف معتل.
* * *
ثالثها: الاسم المعرب الذى آخره الحقيقى واو ساكنة لازمة قبلها ضمة. وهذا نوع لا تعرفه اللغة العربية الأصلية؛ ولم يُسمع عن العرب، إلا فى بضع كلمات نقلوها عن غيرهم من الأجانب، منها: "سَمَنْدُو"، "قَمَنْدُو"، لكن لا مانع من تسمية بعض الأشخاص وغيرهم بأسماء مختومة بتلك الواو؛ كتسمية شخص أرسطو، أو خوفُو، أو سنفرو، أو: يدعو، أو: يسمو، وتسمية بلد: (أدفو، وأدكو)، أركنو، طوكيو، كنغو.
ولما كان هذا النوع غير عربى فى أصله، ونادراً فى استعمال العرب، أهمله النحاة، فلم يضعوا له اسما، ولا حُكْمًا - فيما نعرف... - ولعل الحكم الذى يناسبه فى رأينا هو أن يعرب بحركات مقدرة على آخره فى جميع حالاته فيرفع بالضمة المقدرة على الواو، وينصب بالفتحة المقدرة عليها، ويجر بالفتحة المقدرة عليها بدلا من الكسرة، تقول: كان "سِنِفرو" ملكًا مصريًّا قديمًا، إن "سنفرو" أحد الفراعين، هل عرفت شيئًا عن سنفرو؟. وهذا الحكم يسرى على الكلمات القليلة التى أخذها العرب عن غيرهم، كما سيرى على الأسماء التى لم يأخذوها، وكذلك المستحدثة بعدهم للأشخاص والبلاد وغيرها...
وليس من النوع الثالث ما يأتى:
(ا) الفعل الذى آخره واو، مثل: يدعو، يسمو، يعلو، لأن هذه ليست أسماء.
(ب) الاسم الذى ليس معربًا، مثل: هُوَ... وذو، بمعنى الذى (نحو جاء ذو قام)...
(حـ) الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست فى الآخر الحقيقى بل فى الآخر العارض؛ مثل: يا "ثمو" ويا "محْمُو" فى ترخيم كلمتى: "ثمود" و "محمود" حين النداء؛ فإن الآخر الحقيقى هو الدّال، لا الواو.
(د) الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست لازمة؛ كالأسماء الخمسة فى حالة الرفع، مثل: سعد أخوك... فإن هذه الواو تتغير فى حالة النصب، وتحل محلها الألف؛ كما تتغير فى حالة الجر وتحل محلها الياء.
(هـ) الاسم المعرب الذى آخره واو لازمة، ولكن ليس قبلها ضمة؛ مثل: حُلْو، خَطْوٌ، صحو، دَلو، صَفو، فإنه من المعتل الجارى مجرى الصحيح فى إعرابه بحركات ظاهرة على آخره رفعًا ونصبًا وجرا.
"ملاحظة" سيجئ فى جـ4 ص 457 م 171 باب خاص بطريقة تثنية المقصور والمنقوص والممدود وجمعها جمع مذكر سالما وجمع مؤنث سالما.
زيادة وتفصيل:
(ا) عرفنا أن المنقوص تقدر على آخره الضمة، والكسرة، وتظهر الفتحة؛ مثل: أجبت داعىَ الحق. لكن إذا وقع المنقوص صدر مركب مزجى، فإنه قد يجوز - عند بعض القبائل - فى هذا الصدر أن يُعْرب إعراب المضاف، ويعرب ما بعده (وهو: العَجزُ) مضافًا إليه، ممنوعًا من الصرف أو غير ممنوع على حسب حالته وما يستحقه. وفى هذه الحالة لا تظهر الفتحة على ياء المنقوص - فى الأشهر - ومن أمثلته عرفت "داعِى سَلْمٍ"، أو: "مَعْدِى كَرِبٍ"، أو "صافى هَنَاء" (أسماء أشخاص) ودخلت "سواقِى خَيْلٍ"، أو: "مرامى سفرٍ" أو "قالى قلاً) (أسماء بلاد) فالصدر يعرب إعراب المنقوص من غير أن تظهر عليه الفتحة فى حالة النصب. وهذا هو نوع المنقوص الذى لا تظهر على يائه الفتحة فى حالة نصبه... ومع أن هذا هو المشهور - قديمًا فى تلك اللغة - فالمناسب لنا اليوم ألا نلجأ إلى الإضافة؛ لأن ترك الياء فى حالة النصب بدون فتحة ظاهرة قد يدعو للحَيْرة والإيهام بغير داع، فالخير ألاّ نعربه إعراب المتضايفين، وإنما الخير أن نستعمله الاستعمال المشهور فى المركب المزجىّ؛ بأن يكون الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، فلا نعربه إعراب المضاف مع المضاف إليه لأن الإعراب على آخر العجز وحده يدل على أن اللفظ مركب مزجىّ.
ومن العرب من يجيز فتح هذه الياء كغيرها من المنقوص، كما أن منهم من يمكن ياء المنقوص دائمًا. ولكن من المستحسن عدم الأخذ بهذين الرأيين؛ للدواعى القوية التى نرددها، والتى نردفها بأننا حين نذكر عدة آراء مختلفة نذكرها لا لنحاكيها، - فالمحاكاة اليوم للأشهر وحده - وإنما نذكرها للمتخصصين؛ ليستعينوا بها على فهم النصوص القديمة التى التى تشتمل عليها، إلا إذا أشرنا إلى جواز استعمالها لسبب قوى.
وإذا ختم صدر المركب المزجى بواو، وأريد إضافة الصدر إلى العجزِ - اتباعا للرأى السالف - فإن الحركات كلها تقدر على الواو؛ مثل: "نِهْرو هند" و "مجْدُو ملوك" والحكمة فى عدم ظهور الفتحة هو الحرص على بقاءً الاسم على حالته الأصلية؛ ليبقى دالاً على صاحبه، دلالة العلَم، لا دلالة المضاف والمضاف إليه، لأن الإضافة هنا ظاهرية شكلية فقط. ولم أر من يجيز الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، ولا من عرض حكما لهذا النوع من المعتل - كما أسلفنا - لكن حمله على نظيره المركب المزجىّ المختوم صدره بالياء قد يبيح هذا، بل يجعله أفضل؛ إذ يدل على أن اللفظ مركب مزجىّ، مضاف فلا يقع فيه لبْس.
(ب) إذا أضيفت كلمة "لدَى" للضمير فإن ألفها تقلب ياء، مثل: زاد الخير لديْك، فكلمة: "لدى" ظرف منصوب بفتحة مقدرة. لكن أهذه الفتحة مقدرة على الياء الظاهرة، أم مقدرة على الألف التى كانت فى الأصل، وانقلبت ياء؟ يُفضل النحاة أن يقولوا منصوب بفتحة مقدرة على الألف التى صارت ياء، وذلك لسببين:
أولهما: أن الألف هى الأصل،فلها الاعتبار الأول.
ثانيهما: أن الياء فى آخر المعربات تظهر عليها الفتحة فى الأغلب، فإذا جعلنا الفتحة مقدرة على الألف، بقيت القاعدة السابقة سليمة مطردة، بخلاف ما لو جعلناها مقدرة على الياء فيكون التقدير مخالفًا للأعم الأغلب، من ظهور الفتحة مباشرة على الياء.
* * *
مواضع الإعراب التقديرى
(حـ) فهمنا من المسائل السابقة، معنى الإعراب الظاهر، والإعراب المقدر (أى: التقديرى)، فى الأسماء والأفعال المضارعة. وسواء أكانت علامة الإعراب ظاهرة أم مقدرة - لا بد أن تُلاحَظ فى التوابع، فيكون التابع مماثلا فى علامة إعرابه للمتبوع.
وبقى أن نشير هنا إلى أن الإعراب التقديرى لا ينحصر فى تلك المواضع التى سبق الكلام عليها فى المضارع المعتل الآخر، وفى الاسم المعتل الآخر؛ لهذا كان من المستحسن أن نجمع هنا ما تفرق من مواضع الإعراب المقدر (التقديرى) التى سبقت، والتى لم تسبق، وأن نركزها فى موضع واحد، ليسهل الرجوع إليها.
فمن هذه المواضع ما تقدر فيه الحركات (الأصلية أو الفرعية)، ومنها ما تقدر فيه الحروف النائبة عن الحركات الأصلية. (فالحروف تقدر كالحركات). وإليك البيان:
أولا - أشهر المواضع التى تقدر فيها الحركات الأصلية:
1- تُقَدر الحركات الثلاث (أى: الضمة، والفتحة، والكسرة) على آخر الاسم المقصور، - مثل المصطفى - فى كل حالاته الثلاث: الرفع، والنصب، والجر، - كما سبق فى ص 170 - وكذلك على آخر الاسم المعتل بالواو، كما فى ص 175.
2- تُقَدر حركتان فقط هما: الضمة، والكسرة، على آخر الاسم المنقوص، فى حالة الرفع والجر؛ كما سبق فى ص 172.
3- تقدر الحركات الثلاثة على آخر الاسم، إذا سكن للوقف، مثل جاء محمدْ. رأيت محمدْ، قصدت إلى محمدْ (بإعراب "محمد" مرفوعة، أو منصوبة أو مجرورة، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف). ومثل هذا يقال فى الفعل المضارع صحيح الآخر، رفعا، ونصبا؛ مثل: على يأكلْ، علىّ لن يأكلْ، : فالفعل (يأكل) مرفوع، أو منصوب، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومن التيسير فى الإعراب واختصار الكلام، أن نقول فى إعراب "محمدْ" إنه: مرفوع أو منصوب، أو مجرور بالحركة الأصلية، وضُبط بالسكون للوقف؛ وكذلك نقول فى المضارع إنه: مرفوع، أو منصوب بالحركة الأصلية، وألزم السكون للوقف. ومثل هذا نقوله فى بقية المواضع الآتية:
4- تقدر الحركات الثلاثة جوازاً على الحرف الأخير من الكلمة، إذا كان مما يدغم فى الحرف الأول من الكلمة التالية؛ مثال ذلك فى الاسم قراءة من قرأ: {وقتل داوُودْ جالوت} بإدغام الدال فى الجيم؛ ومثاله فى الفعل: يكتبْ بكر، بإدغام الباءين فى بعض اللغات. ومن التيسير لما سبق، أن نقول: "داوود"، و"يكتب" مرفوع، وجاءه السكون العارض لأجل الإدغام.
5- تقدر الحركات الثلاث جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا سكن للتخفيف؛ كتسكين الحروف الآتية فى الكلام، نثره ونظمه، وفى بعض القراءات القرآنية. فقد سكنت الهمزة المكسورة فى قوله تعالى: {فتوبوا إلى بارئْكم}. وسكنت التاء المضمومة فى قوله تعالى: {وبعولتْهن أحق بردهنّ}. وسكنت السين المضمومة فى قوله تعالى: {قالت لهم رُسْلهم}.
وسكنت الهمزة المكسورة فى آخر الكلمة السَّىءِْ من قوله تعالى فى المشركين: {فلما جاءهم نذيرٌ مَّا زادهم إلا نُفُورا، استكبارًا فى الأرض ومَكْرَ السَّيِّىءْ، ولا يَحِيق المكرُ السَّيِّىءْ إلا بأهله".
وسكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {إن الله يأمُرْكُمْ أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}. وكذلك سكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {وما يشعرْكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون". ومن التيسير أن نقول فى كل كلمة من الكلمات السابقة وأشباهها: إنها مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بالعلامة الأصلية وسُكِّنت للتخفيف.
6- تقدر الحركات الثلاثة جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا أهملنا حركته الأصلية، وجعلناها مماثلة لحركة الحرف الذى يجئ بعده، كقراءة من قرأ: {الحمدِ للهِ رب العالمين}، بكسر الدال، تبعًا لحركة اللام التى جاءت بعدها، وتسمىّ هذه الحركة حركة الإتباع؛ لأننا أتبعنا السابق للاّحق فيها، ومن الممكن مراعاة التيسير السابق.
7- تقدر الحركات الثلاث على آخر العلم المحكى من غيره تغيير فى حالة من أحواله؛ رفعًا ونصبًا وجرًّا، كالعلم المركب تركيب إسناد؛ مثل: "فَتَحَ اللهُ" ، "نصرَ اللهُ" ، "علىٌّ شاعر" (وكل هذه أعلام أشخاص). تقول: جاء "فتحَ اللهُ". شاهدت "فَتَحَ اللهُ" ذهبت إلى "فَتَحَ اللهُ"؛ فتبقى حركة الكلمتين كما هى فى الأصل، مع إعرابهما معًا فى الحالة الأولى فاعلا مرفوعًا بضمة مقدرة للحكاية، وهى غير هذه الضمة الظاهرة... وإعرابهما فى الحالة الثانية مفعولا به منصوبًا بفتحة مقدرة، منع من ظهورها ضمة الحكاية، وفى الحالة الثالثة مجرورًا، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. وكذا البقية.
8- تقدر الحركات الثلاث على آخر الاسم المضاف لياء المتكلم، مثل: هذا كتابى، قرأت كتابى، وانتفعت بكتابى. فكلمة: "كتاب" الأولى خبر مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها الكسرة التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم. "كتاب" مضاف، و "ياء المتكلم" مضاف إليه، مبنى على السكون فى محل جر. وكلمة: "كتاب" الثانية. مفعول منصوب بفتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها الكسرة التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، و "ياء المتكلم" مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر. وكلمة: كتاب" الثالثة مجرورة بالياء، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الكسرة الظاهرة، التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه...
وبعض النحاة لا يوافق على أن الكسرة فى حالة الجر مقدرة، وإنما هى الكسرة الظاهرة وهو إعراب أحسن، إذ لا داعى للتعقيد والإعنات والتطويل، ويجدر الأخذ بهذا وحده.
ولما كانت ياء المتكلم قد تنقلب ألفا أحيانًا، فنقول، فى يا "صاحبى"؛ و "صديقى": يا "صاحبَا" و يا "صديقَا... كانت كلمة: "صاحب" و "صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التى جاءت لمناسبة الألف، التى أصلها ياء المتكلم. وصاحب، وصديق: مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا: مضاف إليه، مبنى على السكون فى محل جر. ومن الممكن فى هذه الحالة مراعاة التيسير بأن نعرب كلمة "صاحب" و "صديق" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه... وهو إعراب محمود؛ لخلوه من الإطالة التى فى سابقه.
9- يُقَدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا تحرك للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل؛ لم يكن المحسن ليتأخرَ عن المعونة. فقد تحركت النون بالكسر، مع أن الفعل مجزوم بلَم، لأن هذه النون الساكنة قد جاء بعدها كلمة أولها حرف ساكن، وهو اللام، فالتقى ساكنان لا يجوز التقاؤهما، فتخلصنا من التقائهما بتحريك النون بالكسر، كالشائع فى مثل هذه الحالة؛ فكلمة: "يكن" مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه سكون مقدر، بسبب الكسرة التى جاءت للتخلص من الساكنين... ومن الممكن مراعاة التيسير هنا بأن نقول، مجزوم وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين.
10- يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا كان مجزومًا مدغمًا فى حرف مماثل له، نحو: لم يمدَّ العزيز يده، ولم يفرَّ الشجاع. فكل من كلمة: "يمد" ، و "يفر" مجزوم الآخر، وعلامة جزمه السكون المقدر، منع من ظهورها الفتحة التى جاءت للتخلص من الساكنين. ويمكن التيسير بالاختصار هنا.
11- كذلك يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل الذى حرك لمراعاة القافية، مثل قول الشاعر:
*وَمهْمَا تكُنْ عند امْرِئٍ من خَليقةٍ * وإنْ خالها تَخفىَ على الناس تُعْلَمِ*
فكلمة "تُعَلمِ" مضارع مجزوم فى جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون المقدر، الذى منع من ظهوره الكسرة التى جاءت لمراعاة القافية؛ ذلك أن كل الأبيات التى قبل هذا البيت مختومة بميم مكسورة، فلم يكن بد من كسر آخر الفعل لمراعاة القافية. ولا مانع من التيسير بالاختصار، بل إنه حسن كحسنه فى كل المواضع التى سبقت.
إلى هنا انتهى أظهر المواضع التى تقدر فيها الحركات الإعرابية.
* * *
ثانيا - أشهر المواضع التى تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات الأصلية هى:
1- تقدر الحروف التى تعرب بها الأسماء الستة، إذا جاء بعد تلك الحروف ساكن، مثل: جاء أبو الفضل؛ وذلك لحذفها فى النطق فقط - كما تقدم فى "حـ" من ص 106؛ - أما فى الخط فلا بد من كتابتها. فإن رُوعى المكتوب فلا تقدير. والأفضل فى النطق أن نقف - عند الإعراب - على آخر كلمة: "أبو" فتظهر الواو؛ فلا يكون هناك تقدير فى الحالتين، ونستريح من التشعيب فى القاعدة الواحدة.
2- تقدر ألف المثنى المضاف إذا جاء بعدها ساكن، مثل: ظهر نجمَا الشرق، وذلك لحذفها فى النطق دون الكتابة - كما سبق أما عند إعراب المكتوب فلا تقدير. وهنا يقال ما قيل فى الحالة السابقة.
3- تقدر واو جمع المذكر السَّالم وياؤه إذا كان مضافًا، وجاء بعدهما ساكن؛ مراعاة لحذفهما فى النطق: مثل: تيقظ عاملو الحقل مبكرِين، ورأيت عاملى الحقل فى نشاط. ولا تقدير عند إعراب المكتوب. وهنا يقال ما قيل فى الحالة الأولى. وشرط التقدير أن يكون جمع المذكر غير مقصور؛ فإن كان مقصورًا لم تحذف الواو ولا الياء، لأن ما قبلهما مفتوح دائمًا، فلا توجد علامة مناسبة قبلهما، تدل على الحرف المحذوف، ولهذا يتحركان فقط؛ مثل: سافر مصطفَوُ الفصل فى رحلة؛ (جمع؛ مصطفىً)، استقبلت مصطفَىِ الفصل.
4- تقدر واو جمع المذكر المضاف إلى ياء المتكلم فى حالة الرفع؛ مراعاة لحذفها فى النطق، مثل جاء صاحبِىَّ؛ (وقد سبق).
5- تقدر النون فى الأفعال الخمسة عند تأكيدها، مثل: لا تكتُبُنَّ فالمضارع مسند إلى واو الجماعة المحذوفة... وقد سبق التفصيل فى ص 88 وما بعدها.
(حـ) قال تعالى: {إنه منْ يَتَّقِ ويصْبِرْ فإن الله لا يُضيعُ أجرَ المحسنين". فكلمة "مَنْ" هنا شرطية، والفعل "يَتَّقِ"؛ مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الياء؛ "ويصبر": مضارع مجزوم، لأنه معطوف عليه، وقرأ بعض القراء : {إنه من يَتَّقِى ويصبرْ} بإثبات الياء فى آخر: "يتقى"، وإسكان الراء فى آخر "يصبرْ"، مع عدم الوقف عليها. فإثبات الياء إنما هو على اعتبار "من" شرطية و "يتقى" مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف السكون المقدر على الياء تبعاً لتلك اللغة، التى لا تحذف حرف العلَّة للجازم، وإنما تبقيه وتحذف الحركة المقدرة عليه فقط: و"يصبر" مضارع مجزوم معطوف عليه. ويصح أن يكون "منْ" اسم موصول والفعل "يتقى" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و "يصبرْ" مضارع معطوف عليه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها السكون العارض لأجل التخفيف، أو لأجل نية الوقف فى حالة الوصل (أى: وصل: "يصبر" عند القراءة، بالكلام الذى بعدها، وعدم الوقف عليها). وهناك آراء أخرى نرى الخير فى إهمالها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النكرة والمعرفة ) ضمن العنوان ( المسألة 17: معناهما. معنى الشيوع )


ا- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ.
ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل.
لكلمة: "رجل" - فى التركيب الأول، وأشباهها - معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلى المحض والمدلول الذهنى المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد فى العالمَ الواقعى، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذى يسمونه: العالمَ الخارجى عن العقل والذهن.
والسبب: أن ذلك المعنى الذهنى المجرد؛ أى: "المعنى العقلى المحض" إنما ينطبق فى عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه فى حقيقته، وتماثله فى صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التى ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم...، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم: "مُبْهَم الدَّلالة"؛ أى: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم: "رجل" ويستحيل فى عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم.
لكن إذا قلتُ: "أنا فى الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفى؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره فى واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود فى الحديقة لسواه.
وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة: "طالب" اسم، له معنى عقلى، ومدلول ذهنى. ولكن مدلوله الخارجى "أى: الذى فى عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور فى فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد... وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه: "طالب": ويشترك مع غيره فى هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة فى تلك الحقيقة التى أشرنا إليها، والتى يقال لكل فرد منها إنه: "طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق.
لكن إذا قلنا: "تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة: (محمود) التى تدل على فرد بعينه؛ والتى تمنع الاشتراك التام فى معناها ومدلولها.
ومثل هذا يقال فى: "قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ: "كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة...، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما... لكن إذا قلنا: "هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب.
وكذلك يقال فى المثال الأخير: "مصر يخترقها نهر". فأى نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه: "نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا: "مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التى جاءت بعد ذلك؛ وهى: "النيل".
فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهى: "اسم يدل على شىء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه فى حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى قولهم "النكرة شىء شائع بين أفراد جنسه". ومن أمثلتها غير ما سبق الكلمات التى تحتها خط: سمعت عصفورًا - ركبت سفينة كتبت رسالة قطفت زهرة...
أما لفظ "أنا" و "محمود"، و"هذا"، و "نهر"، "والنيل" وأمثال ما فى: "ب" فيسمى: معرفة؛ وهى: "اسم يدل على شىء واحد معين"، لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها غيره من نوعه. ومن أمثلتها غير ما سبق: سمعت تغريد "عصفورى" - "هذه" سفينة ركبتها، كتبت "الرسالة"...
وللنكرة علامة تُعرف بها؛ هى: أنها تقبل دخول: "أل" التى تؤثر فيها فتفيدها التعريف، أى: التعيين وإزالة ما كان فيها من الإبهام والشيوع. وبهذه العلامة ندرك أن كل كلمة من الكلمات السابقة وهى: رجل، طالب، كتاب...)، نكرة، لأنها تقبل دخول "أل" التى تَكسبها التعريف. تقول: الرجل شجاع، الطالب نافع، الكتاب نفيس... وقد صارت هذه الكلمات معارف بعد دخولها: "أل".
وربما كانت الكلمة فى ذاتها لا تصلح لدخول "أل" عليها مباشرة، وإنما تدخل على كلمة أخرى بمعناها، بحيث تصلح كل واحدة منهما أن تحل محل الأخرى؛ فلا يتغير شىء من معنى الجملة: مثل: كلمة "ذو"، فإنها بمعنى: "صاحب"، تقول: أنت رجل ذو خُلق كريم، والمحسن إنسان ذو قلب رحيم، فكلمة: "ذو" نكرة لا شك فى تنكيرها؛ مع أنها لا تقبل "أل" التى تفيدها التعريف. ولكنها بمعنى كلمة أخرى تقبل "أل"، وهى كلمة: "صاحب" التى يصح أن تحل محل كلمة: "ذو".
ومن هنا كانت "ذو" نكرة؛ لأنها - وإن كانت لا تقبل "أل" - يصح أن تحل محل كلمة؛ "صاحب" التى تقبل "أل"، وتقع فى الجملة مكانها، من غير أن يترتب على ذلك إخلال بالمعنى.
فعلامة النكرة - كما سبق - أن تقبل بنفسها "أل " التى تفيدها التعريف، أو تقع موقع كلمة أخرى تقبل: "أل" المذكورة.
وبديهٌ أن هذه العلامة لا تَدْخل المعرفة، ولا توجد فيها؛ لأن "ألْ" تفيد التعريف، كما أشرنا، والمعرفة ليست فى حاجة إليه؛ فقد اكتسبته بوسيلة أخرى سنعرفها. فإن ظهرت "أل" فى بعض المعارف فليست "أل" التى تفيد التعريف، وإنما هى نوع آخر؛ جاء لغرض غير التعريف، سيُذكَر فى مكانه.
والمعارف سبعة:
1- الضمير، مثل: أنا، وأنت، وهو...
2- العلم، مثل: محمد، زينب....
3- اسم الإشارة: مثل: هذا، وهذه، وهؤلاء...
4- اسم الموصول، مثل: الذى، والتى...
5- المبدوء بأل المُعّرفة (أى: التى تفيد التعريف)، مثل: الكتاب، والقلم، والمدرسة إذا كانت هذه أشياء معينة...
6- المضاف إلى معرفة؛ مثل: بيتى قريب من بيتك وكذلك نهر النيل فى أمثلة "ب"... وهذا بشرط أن يكون المضاف قابلا للتعريف؛ فلا يكون من الألفاظ المتوغلة فى الإبهام التى لا تتعرف بإضافة، أو غيرها، كلفظ غير، ومثل - فى أغلب أحوالهما-.
7- النكرة المقصودة من بين أنواع المنادى. مثل: يا شُرْطىّ، أو: يا حارس؛ إذا كانت تنادى واحدًا معينًا، تتجه إليه بالنداء، وتقصده دون غيره؛ ذلك أن كلمة: "شُرْطىّ" وحدها. أو كلمة: "حارس" وحدها، نكرة؛ لا تدل على معين. ولكنها تصير معرفة عند النداء؛ بسبب القصد - أى: التوجه - الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره.
* * *
حكم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنكرات:
إن الجملة بنوعيها، وشبه الجملة بنوعيه، إذا وقع شىء منهما بعد النكرة المحضة فإنه يعرب صفة، وبعد المعرفة المحضة يعرب حالا؛ فمثال الجملة الفعلية بعد النكرة المحضة: حضر عنى "يحسن إلى المحتاج". ومثال الجملة الاسمية حضر عنى "إحسانه غامر". ومثال الظرف: رأيت طائراً "فوق" الغصن. ومثال الجار مع المجرور: رأيت بلبلا "فى قفصه".
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة المحضة: أقبل خالد "يضحك". ومثال الاسمية: أقبل خالد "وجهه مشرق". ومثال الظرف: أبصرتُ طائرتنا "فوق" السحاب. ومثال الجار مع المجرور: أبصرت طائرتنا "فى وسط" السحاب.
أما إذا كانت النكرة غير محضة، أو المعرفة غير محضة، فإنه يجوز فيما بعدهما من جمل وشبه جمل أن يعرب "صفة" أو "حالا"؛ تقول فى الأمثلة السابقة بعد غير المحضة: حضر غنى كريم "يحسن إلى المحتاج"، وحضر غنى كريم "إحسانه غامر"، ورأيت طائرًا جميلا "فوق" الغصن، ورأيت بلبلا شجيًّا "فى قفصه"...
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة غير المحضة: يروقنى الزهْر يفوح عطره، بإدخال "أل الجنسية" على الاسم. ومثال الاسمية بعدها: يروقنى الزهر عطرُه فوّاح. ومثال الظرف: يروقنى الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره: يسرنى الطير على الأغصان، فوجود "أل" الجنسية" فى أول الاسم جعله صالحًا للحكم عليه بأنه معرفة أو نكرة، على حسَب الاعتبار الذى يوجَّه لهذا أو لذاك.
زيادة وتفصيل:
ا- يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه (الظروف والجار مع مجروره) صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان - جـ1 أول باب النكرة والمعرفة - حيث قال: "أسلفنا عن الدمامينى جواز كون الظرف (ويراد به فى مثل هذا التعبير: شبه الجملة بنوعيه) بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلقه معرفة). اهـ. أى: أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف فى التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلَّق تيسيرًا وتسهيلاً - طبقًا لما سيجئ فى رقم 1 من هامش ص 347 وما بعدها وفى هامش ص 431 بالإيضاح والشرط المسجلين هناك
وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يكون صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضًا بعد النكرة غير المحضة - أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هى: "شبه الجملة يصلح دائمًا أن يكون حالا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة - أو يقال: إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالا، أو صفة: إلا فى صورة واحدة هى أن تكون النكرة محضة؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير.
ومما هو جدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعد وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر، حرصًا على سلامة المعنى. فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها فى سائر المسائل. وإن لم توجد فالحكم بجواز الأمرين سائغ
ب- من الأسماء ما هو نكرة فى اللفظ، معرفة فى المعنى؛ مثل: كان سفرى إلى الشام عامًا "أولَ". أى: فى العام الذى قبل العام الذى نحن فيه. ومنه كان وصولى هنا "أولَ" من أمْسسِ. أى: فى اليوم الذى قبل أمس. فمدلول كلمة: "أول" - فى الأسلوب العربى السابق - لا إبهام فيه ولا شيوع؛ ولكنه لا يستعمل فيه إلا نكرة؛ محاكاة للأساليب الفصيحة الباردة وتجرى عليه أحكام النّكرة، كأن يكون موصوفة نكرة...
ومن الأسماء ما هو معرفة فى اللفظ، نكرة فى المعنى، مثل: "أسامة" "أىْ: أسد": فهو علم جنس على الحيوان المفترس المعروف، وهو من هذه الجهة التى يراعى فيها لفظه، شبيه بالعَلم: "حمزة" - وغيره من الأعلام الشخصية - فى أنه لا يضاف، ولا تدخله "أل"، ويجب منعه من الصرف، ويوصف بالمعرفة دون لانكرة، ويقع مبتدأ، وصاحب حال... ولكنه من جهة أخرى معنوية غير معين الدلالة؛ إذ مدلوله شائع بين أفراد جنسه، مبهم: فهو مثل كلمة: "أسد" فى الدلالة.
حـ- ومن الأسماء صنف مسموع يصلح للحالين بصورته المسموعة عن العرب مثل كلمة: "واحد" فى قولهم: "واحد أمِّه". ومثل كلمة: عبد، فى قولهم: "عبد بطنِه"؛ فكل واحدة منهما يصح اعتبارها معرفة؛ لإضافتها للمعرفة، ويصح اعتبارها نكرة منصوبة على الحال عند النصب. ومثلهما: المبدوء "بأل" الجنسية؛ مثل: الإنسان أسير الإحسان، فهو من ناحية المظهر اللفظى معرفة؛ لوجود "أل" الجنسية. ومن جهة المعنى نكرة، لشيوعه؛ ولأن معناه عام مبهم؛ فكأنك تقول: كل إنسان... وكل إحسان...؛ فلا تعيين، ولا تحديد، فهو صالح للاعتبارين كما سبق، وستجئ إشارة لهذا فى باب الحال جـ2 ص 311 م 84؟ وفى باب النعت جـ3 ص380 م114؟

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الضمير ) ضمن العنوان ( المسألة 18: تعريفه - أمثلة منه. )


تعريفه؛ اسم جامد يدل على: متكلم، أو مخاطَب، أو غائب. فالمتكلم مثل: أنا, ونحن، والتاء، والياء، ونا، فى نحو: أنا عرفتُ واجبى - نحن عرفنا واجبنا... وأدّيناه كاملا. والمخاطب مثل: أنتَِ... أنتما، أنتم، أنتن، والكاف وفروعها فى نحو: إن أباكَِ قد صانكَِ... والغائب مثل: هى، هو، هما، هم، هن، والهاء فى مثل: يصون الحر وطنه بحياته... وكذا فروعها....
ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: "ضميرَ حضور"؛ لأن صاحبه لا بد أن يكون حاضرًا وقت النطق به.
والضمير بأنواعه الثلاثة لا يثنى، ولا يجمع. إنما يدل بذاته على المفرد، المذكر أو المؤنث - أو على المثنى بنوعيه المذكر والمؤنث معًا، أو على الجمع المذكر، أو المؤنث، كما يتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته على التثنية أو الجمع فإنه لا يسمى مثنى، ولا جمعًا.
أقسامه: ينقسم الضمير إلى عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة:
(ا) ينقسم بحسب مدلوله إلى ما يكون للتكلم فقط، وللخطاب. فقط، وللغَيْبة كذلك. - وقد سبقت الأمثلة - ولما يصلح للخطاب حينًا، وللغَيبة حينًا آخر؛ وهو ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة. فمثال ألف الاثنين: اكتبا يا صادقان، والصادقان كتبا. ومثال واو الجماعة: اكتبوا يا صادقون، والصادقون كتبوا. ومثال نون النسوة: اكتبْن يا طالبات. الطالبات كتبْن...
(ب) وينقسم بحسب ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى: بارز ومستتر؛ فالبارز: هو الذى له صورة ظاهرة فى التركيب، نطقًا وكتابة، نحو: أنا رأيتك فى الحديقة. فكل من كلمة: أنا، والتاء، والكاف - ضمير بارز.
والمستتر، ما يكون خفيًّا غير ظاهر فى النطق والكتابة؛ مثل: ساعدْ غيرك يساعدْك؛ فالفاعل لكل من الفعلين ضمير مستتر تقديره فى الأو: "أنت" وفى الثانى: "هو".
والبارز قسمان، أولهما: المتصل؛ وهو: "الذى يقع فى آخر الكلمة، ولا يمكن أن يكون فى صدرها ولا فى صدر جملتها"؛ إذ لا يمكن النطق به وحده، بسبب أنه لا يستقل بنفسه عن عامله؛ فلا يصح أن يتقدم على ذلك العامل مع بقائه على إعرابه السابق قبل أن يتقدم، كما لا يصح أن يَفْصل بينهما - فى حالة الاختيار - فاصل من حرف عطف، أو أداة استثناء؛ كإلا، أو غيرهما.
ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال؛ التاء المتحركة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة، وذلك كله فى مثل: سمعتُِ النصح، والرجلان سَمِعا، والعقلاء سمعوا، والفاضلات سمعْنَ. فليس واحد من هذه الضمائر بممكن أن يستقل بنفسه فيقع أول الكلمة قبل عامله، ولا يتأخر عنه مع وجود فاصل بينهما.
ثانيهما: المنفصل؛ وهو الذى يمكن أن يقع فى أول جملته، ويبتدئ الكلامُ به؛ فهو يستقل بنفسه عن عامله؛ فيسبق العامل، أو يتأخر عنه مفصولا بفاصل؛ مثل؛ أنا، ونحن؛ وإياك... فى مثل: أنا نصير المخلصين. ونحن أنصارهم، وإياك قصدت، وما النصر إلا أنا، وما المخلصون إلا نحن.
هذا، والضمائر كلها مبنية الألفاظ؛ سواء فى هذا ما ذكرناه وما سنذكره بعد.
وينقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى ثلاثة أنواع:
أولها: نوع يكون فى محل رفع فقط؛ وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم؛ نحو: صدقتُ. وكذلك فروعها. وألف الاثنين: نحو: المتعلمان صَدَقا، وواو الجماعة، نحو: المتعلمون صدقوا. ونون النسوة؛ نحو: الفتيات صَدَقْنَ، وياء المخاطبة، نحو: اصدقى يا متعلمة.
ثانيها: نوع مشترك بين محل النصب ومحل الجر، إذ لا يوجد ضمير متصل خاص بمحل النصب؛ ولا ضمير متصلٌ خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترك بينهما ثلاثة ضمائر؛ ياء المتكلم، وكاف المخاطب بنوعيه؛ وهاء الغائب بنوعيه.
فأما ياء المتكلم فمثل: ربى أكرمنى (فالياء الأولى فى محل جر، لأنها مضاف إليه، والياء الثانية فى محل نصب، لأنها مفعول به).
وأما كاف المخاطب فيهما فمثل: لا ينفعك إلا عملك. (فالكاف الأولى فى محل نصب، لأنها مفعول به؛ والكاف الثانية فى محل جر، لأنها مضاف إليه).
وأما هاء الغائب بنوعيه المذكر والمؤنث فمثل: من يتفرغ لعمله يحسنه. أو؛ من تتفرغ لعملها تحسنه (فالهاء الأولى فى المثالين فى محل جر، لأنها مضاف إليه، والثانية فى محل نصب؛ لأنها مفعول به).
ثالثها: نوع مشترك بين الثلاثة: وهو؛ (نا) نحو: {ربَّنا لا تؤاخذْنا إن نَسِينا أو أخْطْأنا} فالأولى فى محل جر، لأنها مضاف إليه؛ والثانية فى محل نصب، لأنها مفعول به - كما سبق - والثالثة والرابعة فى محل رفع؛ لأنها فاعل.
ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به، وليس للنصب وحده أو الجر وحده شىء خاص به.
زيادة وتفصيل:
روى أبو علىّ القالى فى كتابه: "ذيل الأمالى والنوادر" ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم:
*فها أنا لِلعاشق يا عَزُّ قائد * وبى تُضرب الأمثالُ فى الشرق والغرب*
والشائع دخول: "ها" التى للتنبيه على ضمير الرفع المنفصل الذى خبره اسم إشارة؛ نحو: "هأنذا" المقيم على طلب العلوم. وغير الشائع دخولها عليه إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. وهو - مع قلته - جائز، لورود نصوص فصيحة متعددة تكفى للقياس عليها. منها قول عمر بن الخطاب يوم "أحُد" حين وقف أبو سفيان بعد المعركة يسأل: أين فلان، وفلان... من كبار المسلمين؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله عليه السلام، وهذا أبو بكر، وهأنا عمر... ومنها بيت لمجنون ليلى، ونصّه:
*وعُروةُ مات موتًا مستريحًا * وهأنا ميّتٌ فى كل يوم*
كما روى صاحب الأمالى أيضًا البيت التالى لعوف بن مُحَلِّم، ونصّه:
*وَلُوعا؛ فَشَطَّتْ غُربةً دارُ زينبٍ * فهأنا أبكى والفؤاد جريح*
وقول سُحَيْمِ من شعراء صدر الإسلام:
*لو كان يَبغىِ الفِداءَ قلت له * هأنا دون الحبيب ياوَجَعُ*
ويترتب على الحكم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بين: "ها" التى للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنتذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد. وقد يقع الفصل بغير الضمير قليلا - مع جوازه - كالقسم بالله فى مثل: ها - والله - ذا رجل محب لوطنه، و"إنْ" الشرطية فى مثل: ها إنْ ذى حسنةٌ تَتَكَرَّر يضاعفْ ثوابها. وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفاصل للتقوية...، نحو: هأنتم هؤلاء تخلصون.
* * *
وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين: أولهما؛ ما يختص بمحل الرفع، وثانيهما ما يختص بمحل النصب.
فأما الذى يختص بمحل الرفع [فاثنا عَشَر]، موزعة بين المتكلم، والمخاطب، والغائب، على الوجه الآتى:
(ا) للمتكلم ضميران، "أنا" للمتكلم وحده، و"نحن" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو مع غيره. (و "أنا" هو الأصل و "نحن" هو الفرع).
(ب) للمخاطَب خمسة؛ أولها؛ وهو الأصل: "أنتَ"، للمفرد المذكر، ثم الفروع: "أنتِ" للمخاطَبة المؤنثة، "وأنتما" للمذكر المثنى المخاطَب، أو المؤنث المثنى المخاطَب، "وأنتم" لجماعة الذكور المخاطَبين، "وأنتن" لجماعة الإناث المخاطبات.
(جـ) للغائب خمسة؛ أولها وأصلها: "هو" للمفرد الغائب. ثم فروعه: "هى"، للمفردة الغائبة، و "هما" للمثنى الغائب: و"هم" لجمع الذكور الغائبين، و"هن" لجمع الإناث الغائبات؛
فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشَر على التوزيع السالف.
وأما الضمائر التى تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضميرًا أيضًا، كل منها مبدوء بكلمة: إيَّا.
فللمتكلم: "إياى"، وهو الأصل، وفرعه: "إيانا" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو معه غيره.
وللمخاطَب المفرد: "إياكَ"، وهو الأصل، وفروعه: "إياكِ"، للمخاطَبة، و"إياكما"، للمثنى المخاطَب، مؤنثا، أو مذكرا، و"إياكم"؛ لجمع الذكور الخاطَبين، و"إياكن" لجمع الإناث المخاطَبات.
وللغائب: "إياه" للمفرد الغائب، وفروعه: "إياها" للمفردة الغائبة، و"إياهما" للمثنى الغائب بنوعيه، و"إياهم" لجمع الذكور الغائبين، و"إياهن" لجمع الإناث الغائبات.
فللمتكلم اثنان، وللمخاطَب خمسة، وللغائب خمسة. وليس هناك ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر.
هذا وجميع الضمائر المنفصلة تشارك نظائرها المتصلة فى الدلالة على التّكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، فلكل ضمير منفصل نظير آخر متصل يماثله فى معناه: فالضمير "أنا" يماثل التاء، والضمير "نحن" يماثل "نا"، وهكذا.
* * *
وينقسم المستتر إلى قسمين:
أولهما: المستتر وجوبًا، وهو الذى لا يمكن أن يحل محله اسم ظاهر، ولا ضمير منفصل؛ مثل: إنى أفرح حين نشترك فى عمل نافع. فالفعل المضارع: "أفرح"، فاعله ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا. ولا يمكن أن يخلفه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل، إذ لا نقول: أفرح محمد - مثلا - ولا أفرح أنا، على اعتبار "أنا" فاعلا، بل يجب اعتبارها توكيدًا للفاعل المستتر الذى يشابهها فى اللفظ والمعنى. كذلك الفعل المضارع: "نشترك" فاعله مستتر وجوبًا تقديره: "نحن" ولا يمكن أن يحل مكانه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل؛ إذ لا نقول: "نشترك محمد" ولا نقول: "نشترك نحن" على اعتبار كلمة: "نحن" فاعلا؛ لأنها لو كانت فاعلا لوجب استتارها حتمًا. ولكنها تعرب توكيدًا لضمير مستتر يشابهها فى اللفظ والمعنى.
وثانيهما: المستتر جوازًا، وهو الذى يمكن أن يحل محله الاسم الظاهر أو الضمير البارز؛ مثل: الطائر تَحَرّكَ. النهر يتدفق. فالفاعل فيهما ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، إذ من الممكن أن نقول: الطائر تحرك جناحه، والنهر يتدفق ماؤه: بإعراب كلمتى "جناح" و "ماء" فاعلا للعامل الموجود وهو: "تحرك" و "يتدفق". ومن الممكن كذلك أن نقول: الطائر ما تحرك إلا هو: والنهر ما يتدفق إلا هو... بإعراب الضمير البارز: "هو" فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعيه لا يكون إلا مرفوعًا متصلا كما سبق.
مواضع الضمير المرفوع المستتر وجوبًا. أشهر هذه المواضع تسعة:
1- أن يكون فاعلا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر، مثل: أسرعْ لإنقاذ الصارخ، وبادرْ إليه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة، نحو: قومى، أو للمثنى؛ نحو: قوما، أو الجمع، نحو: قوموا، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب فاعلا أيضًا، ولكنها ضمائر بارزة.
2- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ مثل: يا بُنَىَّ، أتعرف متى تتكلم ومتى تسكت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة؛ مثل: تتعلمين يا زميلة، أو للمثنى بنوعيه، مثل: أنتما تتعلمان، أو للجمع بنوعيه مثل: أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة، فإنه مستتر جوازًا؛ مثل: الأخت تقرأ.
3- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتكلم؛ مثل: أحُسنُ اختيار الوقت الذى أعملُ فيه، وقول الشاعر:
*لا أَذُودُ الطيرَ عن شجرٍ * قد بَلَوْتُ المُرَّ من ثَمرِْه*
4- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون؛ مثل نحب الخير، ونكره الأذى.
5- أن يكون فاعلا للأفعال الماضية التى تفيد الاستثناء؛ مثل: خلا - عدا - حاشا. تقول: حضر السياح خلا واحدًا - أو: عدا واحدًا - أو: حاشا واحدًا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمير مستتر وجوبًا تقديره: هو....
6- أن يكون اسمًا مرفوعًا لأدوات الاستثناء الناسخة؛ (وهى: ليس، ولا يكون) تقول: انقضى الأسبوع ليس يومًا. انقضى العام لا يكون شهرًا. فكلمة "يومًا" و "شهرًا" خبر للناسخ، وهى المستثنى أيضًا. أما اسم الناسخ فضمير مستتر وجوبا تقديره: هو.
7- أن يكون فاعلا لفعل التعجب الماضى؛ وهو: "أفعَلَ"؛ مثل: ما أحسنَ الشجاعةَ. "فأحسن" فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره؛ هو. "يعود على: ما".
8- أن يكون فاعلا لاسم فعل مضارع، أو اسم فعل أمر، مثل: أفّ من الكذب، (بمعنى: أتضجر جدا). وآمينَ. (بمعنى: استجب.)
9- أو فاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ مثل؛ قيامًا للزائر. فقيامًا: مصدر، وفاعله مستتر وجوبًا، تقديره: "أنت"؛ لأنه بمعنى: قُمْ.
فهذه تسعة مواضع، هى أشهر المواضع التى يستتر فيها الضمير وجوبًا، ولا يكون إلا مرفوعًا متصلا - كما أشرنا من قبل. - أما الضمير المستتر فى غيره تلك المواضع فاستتاره جائز، لا واجب.
زيادة وتفصيل:
(ا) يعرب الضمير المرفوع المستتر جوازًا إمّا فاعلا إذا كان فعله لغائب أو غائبة؛ كالأمثلة السابقة، وإما فاعلا لاسم فعل ماض؛ مثل: البحر هيهات، بمعنى: بَعُد جدًا، أى: هو.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: شتان الصحة والضعف، بمعنى: افترق الحال بينهما جدًا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أى: هما، فالفاعل ضمير، تقديره: هما. وتقول هيهات البحر هيهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل "هيهات" الثانية ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هو" يعود على البحر، بشرط أن تكون الجملة المكونة من: "هيهات" الثانية وفاعلها توكيدًا للجملة التى قبلها، فيكون الكلام من توكيد الجمل بعضها ببعض. أما لو جعلنا لفظة: "هيهات" الثانية وحدها توكيدًا للأولى فإنها لا تحتاج إلى الفاعل، ويكون الكلام من نوع توكيد اسم الفعل وحده بنظيره. واسم الفعل؛ كالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توكيدًا لفظيًّا فإنه لا يحتاج لفاعل، وكذلك يقال فى: "شتان" فى الحالتين.
(ب) وإما مرفوعًا لأحد المشتقات المحضة: (كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، نحو: على نافع، أو مكرَم، أو فَرِحٌ)؛ ففى كل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمير مستتر جوازًا، تقديره: "هو" ويكون الضمير المرفوع بها فاعلا، إلا مع اسم المفعول، فيكون نائب فاعل.
أما المشتقات غير المحضة (وهى التى غلبت عليها الاسمية المجردة من الوصف بأن صارت اسمًا خالصًا لشىء) فإنها لا تتحمل ضميرًا؛ كالأبطح، والأجرع أسماء أماكن، ومثلهما: الأبيض، والأرحب، والمسعود، والعالى، أسماء قصور، والمفتاح، والمِلعقة، والمَلعب...
ومن المشتقات المحضَة: "أفعل التفضيل". والغالب فيه أنه يرفع الضمير المستتر، ولا يرفع الظاهر - قياسًا - إلا فى المسألة التى يسميها النحاة مسألة: "الكحل" وقد يرفعه نادرًا - لا يقاس عليه - فى مثل: مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب كلمة: "أبو" فاعلا. وكذلك يرفع الضمير البارز نادرًا فى لغة من يقول: مررت برجل أفضل منه أنت، بإعراب "أنت" فاعلا، حملا لها على الفاعل الظاهر فى مسألة "الكحل". ولو أعرب "أنت" مبتدأ، خبره: أفضل، لجاز ولم يكن أفعل التفضيل رافعًا للضمير.
بناء على ما تقدم لو لاحظنا أنه لا يرفع الظاهر إلا قليلا ولا الضمير البارز إلا نادرًا فإن الضمير المستتر فيه يكون من نوع المستتر وجوبًا مع الإغصاء عن تلك القلة والندرة، وإن لاحظنا الواقع من غير نظر للقلة والندرة قلنا: إنه مستتر جوازًا.
* * *
تلخيص ما سبق من أنواع الضمائر:
(ا) ينقسم الضمير باعتبار مدلوله إلى ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطَب، وغائب.
(ب) ينقسم الضمير باعتبار ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى قسمين بارز، ومستتر.
أقسام البارز
ينقسم الضمير البارز إلى قسمين: منفصل. ومتصل.
-ا- ينقسم الضمير البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابى إلى:
1- بارز منفصل فى محل رفع، وهو: اثنا عشر ضميرًا، للمتكلم اثنان، هما: "أنا" وفرعه "نحن". وللمخاطب: "أنت" وفروعه الأربعة. وللغائب: "هو" وفروعه الأربعة.
2- بارز منفصل فى محل نصب، وهو اثنا عشر ضميرًا؛ للمتكلم اثنان "إياى" وفرعه "إيانا". وللمخاطب "إياك" وفروعه الأربعة. وللغائب "إياه" وفروعه الأربعة.
ولا يوجد ضمير بارز منفصل فى محل جر.
(ب) ينقسم الضمير البارز المتصل باعتبار محله الإعرابى إلى ما يأتى:
1- بارز متصل فى محل رفع؛ وهو خمسة: التاء المتحركة - ألف الاثنين - واو الجماعة - ياء المخاطبة - نون النسوة.
2- بارز متصل صالح لأن يكون فى محل نصب حينًا، وفى محل جر حينًا آخر، وهو ثلاثة: ياء المتكلم، والكاف، والهاء.
3- بارز متصل، صالح لأن يكون فى محل رفع، أو نصب، أو جر، هو: "نا".
ولا يوجد ضمير بارز متصل فى محل نصب فقط، أو فى محل جر فقط.
أقسام الضمير المستتر
(ا) مستتر وجوبًا وله جملة مواضع، وأشهرها: تسعة.
(ب) مستتر جوازًا وله مواضع غير السالفة.
* * *
ويتضمن الاسم الآتى كل ما سبق.

 

بارز

الضمير

مستتر

 

متصل

منفصل

وجوبا

جوازاً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أشهر موضعه تسعة

في غير التسعة












 

مختص بمحل الرفع
1) التاء المتحركة (تَُِ)
2) ألف الاثنين
3)واو الجماعة
4) ياء المخاطبة
5) نون النسوة

مشترك بين الالنصب والجروهو ثلاثة
1) الياء لغير المخاطبة
2) الكاف
3) الهاء

مشترك بين الثلاثة، وهو (نا)

في محل رفع وهو اثنا عشر:
للمتكلم: انا ، ونحن.
وللمخاطب خمسة:
هي :
أنت ، فروعه.
وللغائب خمسة:
هو ، وفروعه

في محل نصب وهو اثنا عشر:
للمتكلم اثنان:
إياي وإيانا
وللمخاطب خمسة:
إياك ، فروعه.
وللغائب خمسة:
إياه ، وفروعه

تقسيم آخر للضمير بحسب محله الإعرابى:

ينقسم إلى خمسة أقسام.

1- مرفوع متصل.

2- مرفوع منفصل.

3- منصوب متصل.

4- منصوب منفصل.

5- مجرور، ولا يكون إلا متصلا.

 

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الضمير ) ضمن العنوان ( المسألة 19: الضمير المفرد "البسيط والمركب )


الغرض من الضمير - كما عرفنا - الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث فى كل حالة.
غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة (بسيطة) وذلك كالياء، والتاء، والهاء، فى نحو: إنى أكرمت من أكرمتَِ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد، وكذلك التاء فى: "أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب.
فكل ضمير من الثلاثة - وأشباهها - كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها.
ومثلها: "نحن" فى: نحن نسارع للخيرات - فإنها لفظة واحدة فى تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها فى أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض.
وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه فى أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصوراً على كلمة واحدة. وذلك مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما - إياكن... ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن... وهكذا.
كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز
قلنا: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين:
أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو فى محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ فى مثل: أنت أمين، أم فى محل نصب، كأن يكون مفعولا به فى مثل: زاركَ الصديق، أم فى محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه فى مثل: كتابى مثل كتابكَ؟
ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هى؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء فى: أحسنْتَ؟.
فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون فى محل رفع؛ لأنه مبتدأ فى مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل فى مثل: "نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا... وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر.
وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أو الفتح، أو الكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهو مبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة: "نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول به. والهاء فى مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر فى محل جر... وهكذا يقال فى كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتى أشرنا إليها من قبل.
فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل فى آخره تلك الزيادة اللاّزمة مثل: (إياكَ - إياكما - إياكم - إياكن - أنتَِ - أنتما - أنتم - أنتن) فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير فى "إياكما" و"أنتما" هو كلمة: "إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها... وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبنى على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزئ رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة: "إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما فى الإعراب كلمة واحدة. وكذلك: "أنتما" وباقى الفروع. وهذا الرأى الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسئ إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول فى كل من: أنتَِ - أنتما - أنتم - أنتن - إياكَِ - إياكما - إياكم - إياكنْ، ونظائرها - إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبنى على كذا فى محل كذا.
زيادة وتفصيل:
-ا- وقوع الكاف حرف خطاب:
قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب. أى: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتى:
(1) فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة... أخبرنى الزراعة... وإليك الإيضاح:
كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجئ بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، فى محل رفع. لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين، ولا تتصرف التاء... فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْنى"، كما سبق. وهى إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد فى الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها فى أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرنى، أى: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتى بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: عرفتَ، أو أبصرت - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها: "علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التى بعده فى محل نصب، تغنى عن المفعول الثانى. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرنى"، ولم نلتفت إلى الأصل الأو - فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول فى الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرنى عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرنى عن الزراعة؛ أتغنى عن الصناعة؟
وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شىء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب - كما قلنا - بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هى موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام فى الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما فى قوله تعالى: {أرأيتك هذا الذى كرَّمتَ علىّ، لئن أخرْتنى}...إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذى كرمت علىّ، لِمَ كرمته على؟.
وقد يحذف الاسم المنصوب الذى بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى: {قلْ أرأيتَكم إنْ أتاكم عذاب الله}. أى: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله.
هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقى الفعل "رأى" من "رأيت" على أصله اللغوى الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام فى الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول: "أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هى وما اتصلت به من علامة تثنية أو جمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثانى. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى: "عَلِم" التى تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال. وسيجئ فى أول الجزء الثانى تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر.
2- فى اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ...؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً.
3- فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا.
ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم؛ وذلك لأن الفعل: "نِعم" "وبئس" لا ينصب مفعولا به.
ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لو أعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هو المصدر المؤول (أن تجئ) ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر (لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر) وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهو ممنوع عندهم فى أغلب الحالات.
4- بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلاَّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلاَك. أى: بلى لك. (أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل).
* * *
(ب) كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟
أشرنا فى رقم 2 من ص 211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلى النصب والجر، ولا تكون فى محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة: "لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاى ما حضرت - لولاك لسافرتُ .-. الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة... فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟
نعيد ما سبق، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال فى الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى فى آخره فى محل رفع، وخبره محذوف. وهذا الرأى فوق يسره ووضوحه يؤدى إلى النتيجة التى ترمى إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفى مقدمتها رأى: سيبويه الذى يجعل: "لولا" فى هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفى بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات.
وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عسانى، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب... فخير ما يقال فى إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية.
* * *
حـ- ضمير الفصل:
من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل". وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه.
1- "الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسى الذى نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغى رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغى رضا الله" ركنًا أساسيًّا فى الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلى إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة: "الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلى وتكمله (فتعرب الناطق: صفة)... أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "الناطق"، هى الأساسية والضرورية التى يتوقف عليها المعنى المطلوب، لأنها خبر لا يستقيم المعنى الأصلى ولا يتمّ بدونه، وما جاء بعدها فهو زيادة تكميلية؛ تخدم المعنى الأصلى من غير أن يتوقف وجوده عليها، ومن الممكن الاستغناء عنها.
الأمران جائزان، على الرغم من الفارق المعنوى بينهما. ولا سبيل لتفضيل أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود قرينة توجه لهذا دون ذاك.
لكن إذا قلنا: الشجاع - هو - الناطق بالحق، يبغى رضا الله. فإن الأمر يتغير؛ بسبب وجود الضمير: "هو": فيتعين المعنى الثانى وحده، ويمتنع الأول، ويزول الاحتمال الذى كان قائمًا قبل مجئ الضمير.
2- "إن الزعيم الذى ترفعه أعماله تمجده أمته". ما المعنى الأساسى فى هذا الكلام؟ أهو تعريف الزعيم بأنه: "الذى ترفعه أعماله"؟ فيكون هذا التعريف ركنا أصيلا فى الكلام، لا يمكن الاستغناء عنه بحال، وما بعده متمم له، وزيادة طارئة عليه، يمكن الاستغناء عنها، وتعرب "الذى" اسم موصول خبر "إن"... أم هو القول بأن: "الزعيم تمجده أمته"؟ فتكون هذه الجملة الفعلية هى عصب الكلام، لا يقوم المعنى إلا بها، "لأنها خبر" ولا يتحقق المراد إلا بوجودها مع كلمة الزعيم، وما عداها فزيادة طارئة لا أصيلة (وتعرب كلمة: "الذى" اسم موصول، صفة)؟
الأمران متساويان؛ يصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغير ترجيح. لكن إذا قلنا: "إن الزعيم - هو - الذى ترفعه أعماله" امتنع الاحتمال الثانى، وتعين المعنى الأول بسبب وجود الضمير الدال على أن ما بعده هو الجزء الأساسى المتمم للكلام، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعيم بأنه: ترفعه أعماله. وما عدا ذلك فزيادة فرعية غير أصيلة فى تأدية المراد. (فتكون كلمة: "الذى" هى الخبر وليست صفة).
3- "ليس المحسن المنافق بإحسانه، يَخْفَى أمره على الناس". فما المعنى الأصيل فى هذا الكلام؟ أهو القول بأن المحسن لا يَخفَى أمره على الناس فيكون نفى "الخفاء" هو الغرض الأساسى، وما عداه زيادة عرضية (وتعرب كلمة: "المنافق" صفة)؟
أم القول بأنه: (ليس المحسن، المنافق بإحسانه)؟ فمن كان منافقًا بإحسانه فلن يسمى: محسنًا. فقد نفينا صفة الإحسان عن المنافقين، فتكون كلمة "المنافق" جزءًا أصيلا فى تأدية المعنى؛ (لأنها خبر ليس) وما عداها تكملة طارئة.
الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن - هو - المنافق؛ فيتعين المعنى الثانى وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع فى أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسى؛ لأنه خبر.
4- يقول النحاة فى تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد..." أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسى؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة - هو - تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدل.
فالضمير - هو - وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل فى الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التى ليست أصيلة فى المعنى الأساسى، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد فى الكلام معنى الحصر والتخصيص (أى: القصر المعروف فى البلاغة).
تلك هى مهمة ضمير الفصل - لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وكنا نحن الوارثين}. وقوله: {كنتَ أنت الرقيبَ عليهم}، وقوله: {إن تَرَنِ أنا أقَلَّ منك مالا وولدًا فعسى ربى أن يُؤتينى....} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل (نحن) بين كلمتى "نا" و "الوارثين"، مع أن كلمة: "الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التى هى ضمير، والضمير لا يوصف. وفى المثال الثانى توسط ضمير الفصل (أنت) بين "التا" و "الرقيب"، مع أن كلمة: "الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء، لأن الضمير لا يوصف كما قلنا، وكذلك الشأن فى المثال الثالث الذى توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء" وكلمة: "أقل" التى هى المفعول الثانى للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء، لأن الضمير لا يوصف. و . و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل مالا يصلح صفة، ولا تابعا من التوابع أو المكملات.
وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا فى كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه فى الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثانى خبر لا تابع. وبعضهم يسميه: "دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أى: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقى التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره، لأن الخبر هو المبتدأ فى المعنى.
شروط ضمير الفصل:
يشترط فيه ستة شروط: (اثنان فيه مباشرة. واثنان فى الاسم الذى قبله، واثنان فى الاسم الذى بعده) فيشترط فيه مباشرة:
(1) أن يكون ضميرًا منفصلا مرفوعًا.
(2) أن يكون مطابقًا للاسم السابق فى المعنى، وفى التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفى الإفراد، والتثنية والجمع،. وفى التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل: "العلم هو الكفيل بالرقى، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هى الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل" - "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان فى الفضاء" - "العلماء هم الأبطال يحتملون فى سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم" - "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء"... وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه... ويشترط فى الاسم الذى قبله:
(1) أن يكون معرفة.
(2) وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل: "الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هى الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل" - "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم" - "إن الصناعة هى العماد الأقوى فى العصر الحديث تنمو عندنا" - "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا".
وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما فى المعنى؛ إذ الخبر صفة فى المعنى - بالرغم من اختلاف كل منهما فى وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسى فى الجملة دون الصفة -. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة، لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير.
ويشترط فى الاسم الذى بعده:
(1) أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ.
(2) أن يكون معرفة، أو ما يقاربها فى التعريف "وهو: : أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم.
(1) العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره.
(2) إن الثروة هى المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة.
(3) ما زالت الكرامة هى الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.
ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها:
(1) النبيل هو أسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من يناد.
(2) الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب.
(3) الموت فى الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره.
فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها.
أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده - غالبًا - إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين. أما ما قارب المعرفة - وهو أفعل التفضيل المشار إليه - فإنه يشابه المعرفة فى أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه - فى الغالب - لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود (مِنْ) بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة. هكذا قالوا، ولا داعى لشىء من هذا؛ لأن السبب الحقيقى هو استعمال العرب ليس غير، ومجئ كلامهم مشتملا على ضمير الفصل بين المعرفة وما شابهها.
إعراب ضمير الفصل:
انسب الآراء وأيسرها هو الرأى الذى يتضمن الأمرين التاليين:
(1) أنه فى الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب فى أسماء الإشارة، وفى بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك "وقد سبقت الإشارة إليها فى هذا الباب" فمن الأنسب أيضًا تسميته: "حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل.
(2) أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر فى غيره.
لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو علىّ" (برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: علىّ).
لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح فى محل رفع وخبره كلمة: "عَلىٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب خبر: "كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال فى كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثانى بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم.
وإن اتباع ذلك الرأى الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره -. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا فى حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة فى صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير.
إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له - كباقى الأسماء - من محل إعرابى، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. (ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد):
(1) "العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز فى الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول (العقل).
ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب - أو حرفًا - فكأنه غير موجود فى الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة: "حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة.
ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس، لأن الاسم الذى بعد الضمير مرفوع.
(2) "كان محمد هو الحارسَ" "ظننت محمدًا هو الحارسَ". إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب - لم يجز فى الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل: "ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة (لأنه يجوز فيها الرفع) فالضمير عندئذ مبتدا، وما بعده خبر له، والجملة منهما فى محل نصب خبر: "كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل: "ظننت"، أو لأخواتهما.
(3) "كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب - جاز فى ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز فى ضمير الفصل أن يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء (لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق) وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا.
(4) إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة.
وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفى بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها فى المطولات.
* * *
(د) ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث... أو ضمير المجهول...
من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه:
أن العرب الفصحاء - ومن يحاكيهم اليوم - إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه - لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير - بما فيه من إيهام وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه - مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجئ الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، فى حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.
ومن أمثلة ذلك:
1- أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غنى افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شىء؛ فيقول الثانى: حسبه أن أنفقه فى سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوها: يا رفاقى، "هو: الزمان غدار، وهى: الأيام خائنة".
فالغرض الذى يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و "هى" من غير أن يسبقه شىء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجئ بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التى بعده؛ فهى التى تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهى المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية.
والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها - من حيث المعنى شىء واحد (ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لا تحادهما فى المعنى). ومثل ما سبق نقول فى بيت الشاعر:
*هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ * فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ*
2- أن تسير فى حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول: "إنه -الزهر ساحر" "إنها - الرياحين رائعة"، أو: "إنه - يسحرنى الزهر" "إنها - تروعنى الرياحين". فقد كان فى نفسك معنى هام، وخاطر جليل - هو: "سحر الزهر"، أو: "روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير (إنه... إنها...) لما فى الضمير - ولا سيما الذى لم يسبقه مرجعه - من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران فى النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.
3- يشتد البرد فى إحدى الليالى، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم فى بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول: "هو: نظام الكون ثابت" و "إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و "إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير (هو... والهاء... وها) رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التى هى المدلول الذى يرمى إليه، والغرض الذى يتضمنه. فكلاهما فى المعنى سواء.
فكل ضمير من الضمائر التى مرت فى الأمثلة السابقة - ونظائرها - يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون فى صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه".
وإنما سمى ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أى: للحال المراد الكلام عنها، والتى سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى: "ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أى: المسألة التى سيتناولها الكلام." ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجئ بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه.
ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهى احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره فى سياق جملته نوعًا آخر من الضمير.
أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل: {قل هو: الله أحد}، فقد وقع فى الآية مبتدأ. أو مثل قو الشاعر:
*وما هو من يَأسو الكُلُوم ويُتَّقَى * به نائباتُ الدهر - كالدائم البُخْل*
فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر:
*عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد" * فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ*
ثانيها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له - الآن أو بحسب أصله - مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفى الجملة، أو تقديره.
ثالثها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شىء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجئ قبل المفسَّر (أى: أن المفسِّر لا يجئ قبل الشىء الذى يحتاج للتفسير).
رابعها: أن يكون للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة؛ كقوله تعالى: {فإذا هى؛ شاخصة أبصار الذين كفروا}، وكقوله تعالى: {فإنها؛ لا تَعْمَى الأبصار، ولكنْ تَعْمَى القلوبُ التى فى الصدور}. ومثل: "هى؛ الأعمال بالنيات" و "هى؛ الأم مدرسة".
خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها.
سادسها: أنه إذا كان منصوبًا - بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر - وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" - حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، فى موضع نصب، لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها فى محل نصب، هى المفعول الثانى.
أما إذا كان مرفوعًا متصلا فإنه يستتر فى الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففى "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و "خلق" فعلان؛ والفعل لا يعمل فى الفعل مباشرة؛ فلا بد من اسم يرتفع بليس فلذلك كان فيها الضمير المستتر. ومثله: كان على عادل. وكان أنت خير من محمد، ففى "كان" فى الحالتين ضمير مستتر تقديره: "هو"، أى: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا... ومنه قول الشاعر:
*إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ * وآخرُ مُشْنٍ بالذى كنتُ أصنعُ*
ومثله:
*هى الشفاءُ لدائى لو ظفرتُ بها * وليس منها (شفاءُ الداء مبذولُ)*
ففى "كان" و "ليس" ضمير الشأن، تقديره: "هو"، يفسره (الناس صنفان) و (شفاء الداء مبذول).
* * *
(هـ) مرجع الضمير:
الضمائر كلها لا تخلو من إبهام وغموض - كما عرفنا - سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شىء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهو حاضر يتكلم بنفسه، أو حاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شىء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل فى هذا الشىء المفسِّر الموضِّح أن يكون - فى غير ضمير الشأن - متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله ليبين معناه أولا، ويكشف المقصود منه، ثم يجئ بعده الضمير مطابقًا له؛ - فيما يحتاج للمطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. - فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير".
فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجئ. ولهذا التقدم صورتان.
الأول: التقدم اللفظى أو الحقيقى؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته. معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوى ويشمل عدة صور؛ منها:
(1) أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق.
(2) أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه فى ناحية من نواحى مادة الاشتقاق. مثل قوله: تعالى: {اعْدِلوُا؛ هو أقربُ للتقوى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله: "اعدلوا" واللفظان: "اعدلوا" و "العدل" مشتركان فى المعنى العام. وفى ناحية من أصل الاشتقاق. ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير فى الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل: "صَدَق". كما أن مرجع الضمير فى الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل: "كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح فى معناه وفى ناحية من أصل الاشتقاق... ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أى: الإتقان، وتقول للجندى: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أى: الصبر.
(3) أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع (أى: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام)، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى: {وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّر ولا يُنْقَصُ مِنْ عُمُره إلا فى كتاب...}، أى: من عمر مَعَمَّر آخر.
(4) أن يسبقه شىء معنوى (أى: شىء غير لفظى) يدل عليه، كأن تجلس فى قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك فى ميعاده. فالضمير "هو" - فاعل المضارع: يجب - والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظى، وإنما سبقهما فى النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التى تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى: "القرينة المعنوية" أو "المقام".
ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمنى، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس فى الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم فى الفنون. تريد قدماء المصريين... وهكذا.
* * *
(و) عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة:
عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا، ومعنويًّا كذلك. غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمى" وأهمها ستة:
1- فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أى: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ (لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا)؛ نحو: نعم رجلا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلا".
2- الضمير المجرور بلفظه: "رُب". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره (أى: تزيل إبهامه الناشئ من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا) نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير - مع أنها لا تدخل إلا على النكرات - لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة.
3- الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير فى: "يحاربون" (وهو الواو) عائد على متأخر (وهو العرب). (وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب): فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلا الثانى، وجعلنا ضميره فاعلا للأول.
4- الضمير الذى يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه... السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" - بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه... الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها.
5- الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شىء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبى؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه.
6- ضمير الشأن، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء - إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير فى "إنه" و "إنها" ضمير الشأن أو القصة...
ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع - إن كان لفظيًّا أو معنويًّا - يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا.
* * *
(ز) تعدد مرجع الضمير:
الأصل فى مرجع ضمير الغائب (أى: مفسِّره) أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل فى ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب فى الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"، لأنه الأقرب فى الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معا؛ لأنه مفرد، وهما فى حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة - وسيجئ الكلام عليها - ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة.
وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها.
والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف، بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارنى والد الصديق فأكرمته. أى: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أى: "الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم خى فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه.
وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت فى القوة - وهو التفاوت الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف، وشهرته - وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضى الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم - فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده.
ومما تجدر الإشارة إليه فى هذا الموضع - وفى غيره، من سائر مسائل اللغة - أن الذى يجب الأخذ به أوّلا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذى يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل - أى: القرينة - لها وحدها القول الفصل فى الإيضاح هنا، وفى جميع المواضع اللغوية الأخرى.
وإذا كان للضّمير مرجعان أو أكثر مع التفاوت فى القوة - وجب أن يعود على الأقوى، طبقًا للبيان المفضّل الذى سيجئ فى رقم 9 من ص 241.
* * *
(ح) التطابق بين الضمير ومرجعه:
عرفنا أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقى أن نعرف أن التطابق واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتى: - وهذا يراعى فى التطابق المطلوب فى صور كثيرة؛ كالتى بين المبتدأ وخبره، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها... ونحو هذا مما يقتضى المطابقة-.
1- إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب - فى الرأى الأصح - أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أى: "هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أى: "هى". والطالبة أقبل والدها... فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا.
وكذلك إن كان المرجع مثنى فى الحالتين.
2- إن كان المرجع جمع مذكر سالمًا وجب فى الرأى الأغلب - أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح - فى الأفصح - أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أى: "هى"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز فى الرأى الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه.
3- إن كان المرجع جمع مؤنث سالمًا لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أى: "هى". والشجرات سقيتها... وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها.
وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث (أى: نون النسوة) فى جميع حالاته (أى: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا) وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة.
4- إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واو جماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أو الرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة.
فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أو مؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو: "الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن.
ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هو الأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هو الأكثر.
5- إن كان المرجع اسم جمع غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واو الجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم 3 -
6- وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا، نحو قوله تعالى: {أعجازُ نخلٍ منقعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أعجاز نخل خاوية}، أى: هى.
7- إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أو التأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو التأنيث، مراعاة للمتقدم أو للمتأخر، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهو منظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهو باب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم (كما سيجئ فى بابها، وفى باب المبتدأ...) نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا...
8- إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أو مراعى فيه معناها.
بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أو القليل، المذكر، أو المؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أو مذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى: "كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أو جمعًا، مؤنثًا، أو مذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أو جمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ: "كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى.
وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها: "كِلاَ" و "كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية. ومنها "منْ"، و "ما" و "كلٌّ" و "أىّ". وكذلك كلمة: "بعض" فى صور معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا...، ومن سافروا...، ومن سافرت، ومن سافرتا... ومن سافرْن... وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه -... ما تفعلا... ما تفعلوا... ما تفعلى... ما تفعلْن...
كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير:
*وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ * وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ*
أىّ رجل حضر. أىّ رجلين حضر، أو: حضرا... أىّ الرجال حضر، أو: حضروا، أىّ كاتبة حضر، أو حضرت، أىّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أىّ الكاتبات حضر، أو: حضرن.
بعض الناس غاب، أو: غابت، أو، غابا، أو غابتا، أو: غابوا - أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها.
وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى فى المحكىّ بالقول، ففى حكاية من قال: "أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكى، كما يصحّ: "قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح: "قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح: "قلنا لفلان هو بطل".
ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة - فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر فى هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر.
"ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أو يتعين أحدهما دون الآخر... أو...
أما المطابقة بين المبتدأ وخبره فتجئ فى ص 410 م 34- كما أشرنا فى رقم 1 من هامش ص 237 -.
9- إذا كان للضمير مرجعان أو أكثر مع التفاوت فى القوة، عاد على الأقوى. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ من العلم، والعلم أعرف من الإشارة... وهكذا. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب...
فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب - قُدِّم المتكلم - فى الرّأى الأصح -؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه فى عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه.
وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أو معرفة أخرى روعى الضمير، نحو: أنا وعلى أكلنا؛ ولا يقال - فى الرأى الأفضل - أكمَلاَ، وتقول: أنا الذى سافرت، وهو أفضل من: أنا الذى سافر... وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذى فى رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذى فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعى لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفى الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قوىّ.
(10) الغالب فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أو للإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أو القمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية (التى لبيان الأنواع والأقسام)، فالمطَابقة، كقوله تعالى: {...إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما...}.
وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أو على أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة وعدمها، وهى موضحة تفصيلا فى باب العطف (جـ3 ص525 م 122).
* * *
(ط) اختلاف نوع الضمير مع مرجعه:
قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه فى مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير فى كلمتى: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟
يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهو عائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب، وهذا يقتضى أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا.
وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد فى الجملة الواقعة صلة. طبقًا للتفصيل الذى سيجئ فى باب اسم الموصول ولا سيما الذى فى "ب" ص 343.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الضمير ) ضمن العنوان ( المسألة 20: حكم اتصال الضمير بعامله. )


تقدم أن للرفع ضمائر تختص به؛ بعضها متصل؛ كالتاء المتحركة؛ و "نا" فى مثل: سعيتَُِ إلى الخبر، وسعينا. وبعضها منفصل، ولكنه يؤدى ما يؤديه المتصل من الدلالة على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة؛ مثل: "أنا"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على التكلم، كما تدل عليه تلك "التاء"، ومثل: "نحن"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على المتكلم المعظم نفسه، أو جماعة المتكلمين؛ كما يدل عليه: "نا"، تقول: أنا أمين على السر، ونحن أمناء عليه...
وللنصب كذلك ضمائر تختص به، منها المتصل، كالكاف فى مثل: صانك الله من الأذى، ومنها المنفصل الذى يؤدى معناه؛ مثل: إياك، فى: نحو: إياك صان الله، ومنه: {إياك نعبد وإياك نستعين}. أما الجر فليس له ضمائر تختص به - كما عرفنا -. لكن هناك ضمائر متصلة مشتركة بينه وبين غيره. كالكاف، والهاء... إلى غير ذلك مما سبق إيضاحه وتفصيله، ولا سيما ما يدل على أن الضمير مع اختصاره وقلة حروفه يؤدى ما يؤديه الاسم الظاهر، بأكثر.
ونزيد الآن أن الكلام إذا احتاج إلى نوع من الضمير - كالضمير المرفوع، أو المنصوب - وكان منه المتصل والمنفصل، وجب اختيار الضمير المتصل، وتفضيله على المنفصل الذى يفيد فائدته؛ ويدل دلالته؛ لأن المتصل أكثر اختصارًا فى تكوينه وصيغته، فهو أوضح وأيْسَر فى تحقيقه مهمة الضمير، فتقول: بذلت طاقتى فى تأييد الحقّ، وبذلنا طاقتنا فيه، ولا تقول: بذل "أنا."، ولا بذل "نحن". وتقول: كرّمك الأصدقاء؛ ولا تقول: كَرَّم "إياك" الأصدقاء. وتقول فرحت بك، ولا تقول: فرح أنا بأنت.
فالأصل العام الذى يجب مراعاته عند الحاجة للضمير هو: اختيار المتصل ما دام ذلك فى الاستطاعة، ولا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا لسبب. هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه فى أكثر الحالات.
غير أن هناك حالتين يجوز فيهما مجئ الضمير "منفصلا" مع إمكان الإتيان به "متصلا".
الحالة الأولى: أن يكون الفعل - أو ما يشبهه - قد نصب مفعولين ضميرين، أولهما أعرف من الثانى؛ فيصح فى الثانى أن يكون متصلا وأن يكون منفصلا. نحو: الكتابُ أعطيتنيه، أو: أعطيتنى إياه، والقلمُ أعطيتكه، أو: أعطيتك إياه. فالفعل: "أعطى" هو من الأفعال التى تنصب مفعولين، وقد نصبهما فى المثالين، وكانا ضميرين؛ ياء المتكلم، وهاء الغائب فى المثال الأول، وكاف المخاطب وهاء الغائب فى المثال الثانى. والضمير الأول فى المثالين أعرف من الثانى فيهما؛ فصحّ فى الثانى الاتصال والانفصال. ومثل ذلك. أن تقول: الخيرُ سَلنْيه وسلنى إياه. والخيرُ سألتكه، وسألتك إياه.
وبهذه المناسبة نشير إلى حكم هامّ يتصل بما نحن فيه، هو: أنه إذا اجتمع ضميران، منصوبان، متصلان، وأحدهما أخصّ من الآخر (أى: أعرَفُ منه، وأقوى درجة فى التعريف). فالأرجح تقديم الأخصّ منهما. تقول: المالُ أعطيتكه، وأعطيتنيه، فتقدم الكاف على الهاء فى المثال الأول؛ لأن الكاف للمخاطب، والهاء للغائب، والمخاطب أخصّ من الغائب. وكذلك تقدم الياء فى المثال الثانى على الهاء أيضًا؛ لأن الياء للمتكلم وهو أخصّ من الغائب. ومن غير الأرجح أن تقول أعطيتهوك وأعطيتهونى. فإن كان أحد الضميرين مفصولا جاز تقديم الأخص وغير الأخص عند أمن اللبس؛ تقول: الكتابُ أعطيتكه أو أعطيته إياك، وأعطيتنيه أو أعطيته إياى. بخلاف: الأخ أعطيتك إياه، فلا يجوز تقديم الغائب؛ خشية اللبس، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما؛ فيجب هنا تقديم الأخص؛ ليكون تقديمه دليلا على أنه الآخذ. فكأنه فى المعنى فاعل، والأصل فى الفاعل أن يتقدم.
وقد اشترطنا فى الحالة الأولى أن يكون الضميران منصوبين، وأولهما أعْرَفُ من الثانى.
(ا) فإن لم يكن الضميران منصوبين؛ بأن كان أولهما مرفوعًا والثانى منصوبًا - وجب وصل الثانى بعامله إن كان عامله فعلا؛ نحو: النظامُ أحببته.
(ب) وإن كان أولهما منصوبًا والثانى مرفوعًا - وجب فصل المرفوع؛ إذ لا يمكن وصله بعامله مع قيام حاجز بينهما؛ وهو الضمير المنصوب. نحو: ما سمِعَك إلا أنا.
(جـ) وإن كانا منصوبين، وثانيهما أعرَفُ - وجب فصل الثانى، مثل: المالُ سلبه إياك اللص. وكذلك إن كان مساويًا للأول فى درجة التعريف بأن وقع كل منهما للمتكلم؛ مثل: تركتنى لنفسى؛ فأعطيتَنى إياى، أو: للخطاب، مثل: أعطيتك إياك، أو للغائب مع اتفاق لفظهما؛ مثل؛ أعطيته إياه، ولا يجوز اتصال الثانى؛ فلا تقول أعطيتنينى، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما؛ فيجوز وصل الثانى. تقول: سأل أخى عن القلم والكتاب فأعطيتهماه، ومنحتهماهُ، أو أعطيتهما إياه، ومنحتهما إياه...
الحالة الثانية: أن يكون الضمير الثانى منصوبًا بكان أو إحدى أخواتها (لأنه خبر لها) فيجوز فيه الوصل والفصل؛ نحو؛ الصديقُ "كنته" أو: كنت إياه، والغائبُ ليسه محمد أو ليس محمد إياه.
زيادة وتفصيل:
عرفنا أن الغرض من الضمير هو الدلالة على المراد مع الاختصار، ولذا وجب اختيار المتصل دون المنفصل الذى يؤدى معناه؛ كلما أمكن ذلك. إلا فى حالتين سبق الكلام عنهما. وهما اختياريتان؛ يجوز فيهما الاتصال والانفصال.
لكن هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجئ الضمير متصلا؛ فيجئ منفصلا وجوبًا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها:
1- ضرورة الشعر؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه:
*وما أصاحبُ منْ قومٍ فأذكُرَهُمْ * إلا يزيدُهمُ حبًّا إلَىَّ همُ*
2- تقديم الضمير على عامله لداع بلاغى، كالحصر (القصر) والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله؛ فيحل محلَّه المنفصل الذى بمعناه. ففى مثل: نسبحك، ونخافك يا رب العالمين - لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها، لذلك نأتى بضمير منصوب بمعناها، وهو: "إياك" فنقول: إياك نسبح، وإياك نخاف.
3- الرغبة فى الفصل بين الضمير المتصل وعامله بكلمة "إلا"، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا يتحقق إلا إذا أتينا بالضمير منفصلا؛ مثل: ربَّنا ما نعبد إلا إياك، ولا نهاب إلا إياك.
وقد يكون الحصر بغير "إلا" فلا يقع الفصل بكلمة توجب الانفصال، ولكن ينفصل الضمير؛ مثال ذلك، الحصر بإنما فى قول الشاعر:
*أنا الذائد الحامى الذِّمَارَ وإنما * يدافع عن أحسابهم أنا، أو: مثلى*
ومن أمثلة الفصل للقصْر: إن الأبطالَ نحن، "فنحن" ضمير منفصل خبر إن، ولا يمكن اتصاله بعامله (إن)؛ وذلك لأن خبرها لا يتقدم على اسمها.
4- أن يكون عامله اللفظى محذوفًا؛ مثل: إياك والكذبَ. فأصل: "إياك" هو: أحذِّرك، أو: أخوِّفك. حذف الفعل وحده، وبقى الضمير "الكاف" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه؛ فحذفناه، وأتينا مكانه بضمير منفصل يؤدى معناه، ويستقل بنفسه، وهو: إياك. وقد سبق بيان إعرابه، كما سبق أنه وفروعه كثير الاستعمال فى أسلوب: "التحذير" بصوره المتعددة التى ستجئ فى بابه الخاص - جـ4 ص97 م140-.
5- أن يكون عامله معنويًّا؛ مثل: أنا صديق وفىّ، وأنت أخ كريم. فالضمير: "أنا"، و"أنت"، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوى، لا وجود له فى اللفظ؛ فلا يمكن وصل الضمير به.
6- أن يكون عامله حرف نفى، مثل: الخائن غادر؛ فما هو أهلا للصداقة. فالضمير "هو" اسم "ما" الحجازية، وهى العاملة فيه الرفع؛ ولكنها من الحروف التى لا يتصل بآخرها الضمير ولا غيره:
7- أن يكون الضمير تابعًا لكلمة تفصل بينه وبين عامله؛ مثل: نحن نكرم العلماء وإياكم: فالضمير: "إياكم" معطوف؛ فهو تابع يتأخر عن متبوعه، والمعطوف عليه: "العلماء" هو المتبوع الذى يجب تقدمه عليه. وقد فصل المتبوع بين الضمير: "إياكم" وعامله: "نكرم". ومثله قوله تعالى: {يُخْرجون الرسولَ وإياكم}. وقول القائل فى مدح عمر رضى الله عنه:
*مُبَرَّأ من عيوب الناس كلِّهمُ * فالله يرعى أبا حَفصٍ وإيَّانا*
8- أن يقع الضمير بعد واو المصاحبة (وتسمى: واو المعية) مثل: حضر الرفاق، وسأسافر وإياهم إلى بعض الأقاليم.
9- أن يكون فاعلا لمصدر مضاف إلى مفعوله (فيفصل المفعول به بين الضمير الفاعل وعامله)، مثل: بمساعدتكم نحن انصرتم؛ فكلمة: "مساعدة" مصدر مضاف إلى مفعوله "الكاف". وفاعله كلمة: "نحن".
10- أن يكون مفعولا به لمصدر مضاف إلى فاعله؛ مثل: سررت من إكرام العقلاء إياك.
11- أن يقع بعد إما، مثل كَتَبَ: إما أنت، وإما هو.
12- أن يقع بعد اللام الفارقة، مثل:
*إنْ وجدتُ الصديقَ حقًّا لإيا * ك، فمُرْنى؛ فلن أزال مطيعا*
13- أن يكون منادى - عند من يجيز نداء الضمير - مثل: يا أنت. يا إياك.
14- أن يكون الضمير منصوبًا وقبله ضمير منصوب، والناصب لهما عامل واحد مع اتحاد رتبتى الضمير؛ مثل: عِلمْتُنى إياى، علِمتك إياك، وعلِمته إياه.
15- أن يكون الضمير مرفوعًا بمشتق جار على غير من هو له، مثل: محمدٌ علىٌّ مكرُمه هو.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الضمير ) ضمن العنوان ( المسألة 21: نون الوقاية، وأحكامها، وفائدتها. )


من الضمائر المتصلة: "ياء المتكلم"، وتسمى - أحياناً -: "ياء النفس" وهى مشترَكة بين محلى النصب والجر؛ مثل: زرتنى فى حديقتى. فإن كانت فى محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل، أو حرف ناسخ؛ - مثل: "إن" أو إحدى أخواتها - وإن كانت فى محل جر فقد تكون مجرورة بحرف جر، أو تكون مجرورة بالإضافة، لأنها مضاف إليه.
(ا) فإن كانت منصوبة بفعل، أو باسم فعل، أو بما ألحق بهما - عند كثير من النحاة - وهو الحرف: "ليت" (وهذا حرف ناسخ من أخوات إنّ) وجب أن يسبقها مباشرة نون مكسورة تسمى: "نون الوقاية". فمثال الفعل: ساعدَنى أخى، وهو يساعدنى عند الحاجة، فساعدْنى فما أقدرك على المساعدة الكريمة. فقد توسطت نون الوقاية بين الفعل وياء المتكلم، ولا فرق بين أن يكون الفعل ماضيًا، أو مضارعًا، أو أمرًا. ولا بين أن يكون متصرفًا، أو جامدًا. ومثال اسم الفعل: "دَرَاكِ"، و"تَرَاكِ"، و"عليكَ" بمعنى: أدركْ، واتركْ، والزمْ. فيجب عند مجئ ياء المتكلم أن نقول: دراكنى، وعليكَنى. بمعنى أدركنى؛ واتركنى، والزمنى. ومثال ليت: ليتنى أزور أنحاء الدنيا - ليتنى أستطيع معاونة البائسين جميعًا.
هذا حكم نون الوقاية فى الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعا من آخر بعض الأفعال، ومن آخر "وليت" حذفًا نادرًا لا يقاس عليه: مثل، هنا رجل ليسى؛ أى: غيرى. وليتى أعاون كل محتاج؛ بمعنى ليتنى. وقد تحذف فيهما للضرورة، مثل قول الشاعر:
*عَدَدْتُ قومى كَعَدِيد الطَّيْسِ * إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْسِى*
وقول الآخر:
*كُمنية جابرٍ إذ قال ليتى * أصادفه، وأفْقِدُ كلَّ مالى*
وإن كانت منصوبة بالحرف "لعل" جاز الأمران، والأكثر حذف النون نحو: لعلى أدرك آمالى، ولعلنى أبلغ ما أريد.
وإن كانت منصوبة بحرف ناسخ آخر (غير: ليت، ولعلّ) جاز الأمران على السواء، تقول، تقول: إننى مخلص؛ وإنى وفىّ. لكننى لا أخلص للغادر. أو: لكنى لا أخلص للغادر. وتقول.. سررت من أننى سباق للخير، أو: من أنى سباق...: وهكذا الباقى من الأحرف الناسخة الناصبة...
(ب) وإن كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف جر فإن كان حرف الجر "مِن" أو "عنْ" وجب الإتيان بنون الوقاية، وحذفها شاذ أو ضرورة؛ تقول منّى الصفح، ومنِّى الإحسان، وعنِّى يصدر الخير والإكرام، بخلاف "مِنِى"، و "عَنِى".
وإن كان حرف الجر غيرهما وجب حذف النون مثل: لى فيك أمل، وبى نزوع إلى رؤيتك، وفىَّ ميل لتكريمك.
(جـ) وإن كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمضاف هو كلمة ساكنة الآخر؛ مثل: "لدن" (بمعنى: عند)، أو: كلمة "قدْ"، أو" "قطْ" (وكلاهما بمعنى: حَسْب، أى: كافٍ) فالأصح إثبات النون؛ مثل: {قد بلغتَ منْ لَدُنّى عذرًا}. ومثل، قَدنى من مواصلة العمل المرهق، وقَطْنى من إهمال الرياضة المفيدة. ويجوز بقلة حذف النون فى الثلاثة؛ تقول: لدُنى، قَدِى - قَطى؛ وهو حذف لا يحسن بالرغم من جوازه.
فإنْ كان المضاف كلمة أخرى غير الثلاث السابقة وجب حذف النون، مثل: هذا كتابى أحمله معنى حينًا، وحينًا أدعه فى بيتى فوق مكتبى.
* * *
يستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقاية وعدم إثباتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة محلا، أو مجرورة محلا. وبنوع العامل الذى عمل فيها النصب، أو الجر:
(1) فإن كانت هذه الياء منصوبة، وناصبها فعل، أو اسم فعل - وجب إثبات نون الوقاية قبلها.
(2) وإن كانت هذه الياء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو: "ليت" وجب إثبات النون. فإن كان الحرف الناسخ هو: "لعل" جاز الأمران، والأفصح الإثبات، وإن كان غيرهما جاز الأمران على السواء.
(3) وإن كانت الياء مجرورة بحرف وعامل الجر هو: "من"، أو: "عن" وجب إثبات النون. وإن كان حرفًا آخر غيرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها.
(4) وإن كانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الكلمات الثلاثة: لدنْ - قدْ - قطّ - جاز الأمران، ولكن الأفصحُ إثبات النون. وفى غير هذه الثلاثة يجب الحذف.
زيادة وتفصيل:
(ا) عرفنا مما سبق أن نون الوقاية واجبة فى آخر الأفعال الناصبة لياء المتكلم. ومن تلك الأفعال المضارع، سواء أكان فى آخره نون الرفع؛ (وهى: نون الأفعال الخمسة) أم كان مجردًا منها؛ مثل: أنت تعرفنى صادق الوعد، وأنتم تعرفوننى كذلك. ولم تعرفونى مخلفًا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقاية جاز أحد الأمور الثلاثة الآتية:
1- ترك النونين (نون الرفع ونون الوقاية) على حالهما من غير إدْغام؛ تقول أنتما تشاركاننى فيما يفيد - أنتم تشاركوننى فيما يفيد - أنتِ تشاركيننى فيما يفيد، وهكذا...
2- إدغام النونين، تقول فى الأمثلة السابقة: أنتما تشاركانِّى...، وأنتم تشاركُنِّى، وأنتِ تشاركِنى...
3- حذف إحدى النونين؛ تخفيفًا، وترك الأخرى: تقول: أنتما تشاركانِى وأنتم تشاركوِنى...، وأنت تشاركينِى؛ بنون واحدة فى كل ذلك.
(ب) هناك بعض أمثلة مسموعة، وردت فيها نون الوقاية فى آخر اسم الفاعل، واسم التفضيل؛ فمن الأول قوله عليه السلام لليهود: هل أنتم صادقونِى؟ واو حذف النون لقال صادِقىَّ. ومثله قول الشاعر:
*وليس الموافينى - ليُرْفَد - خائبًا * فإنّ له أضعافَ ما كان أمَّلا*
وقوله:
*وليس بمُعْيينى - وفى الناس مُمْتعٌ - * صديقٌ إذا أعْيَا علىَّ صديقُ*
ولو حذفت النون لقيل: الموافىَّ والمعيِىَّ، ومثال اسم التفضيل قوله عليه السلام: غيرُ الدجَّال أخوفُنى عليكم. وروى: أخْوَفِى عليكم (أى: غير الدجال أخوف الأمور التى أخافها عليكم...)
والشائع أن هذه الأمثلة لا يقاس عليها؛ لقلتها لكن الرأى السديد: أنه يجوز أحيانًا إذا وجد داعٍ.
(جـ) إذا كان الفعل مختومًا بنون النسوة لم يغير ذلك من لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم؛ مثل: النساء أخبرننى الخبر، هن يخبرننى. أخبرننى يا نسوة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب العلم ) ضمن العنوان ( المسألة 22: علم الشخص، وعلم الجنس، والعلم الذهنى )


(ا) (محمود - إبراهيم) (فاطمة - أمينة) (مكة - بيروت) (بَرَدَى - دِجْلة).
(ب) رجل - شجرة - إنسان - حيوان - معدن...
(جـ) أسامة (للأسد). ثُعالة (للثعلب). شَيْوَة (للعقرب) ذُؤَالة (للذئب)...
كل كلمة فى القسم الأول: (ا) تدل بنفسها مباشرة على شىء واحد، معيَّن بشكله الخاص، وأوصافه المحسوسة التى ينفرد بها، وتميزه من باقى أفراد نوعه. فكلمة: "محمود" تدل بذاتها على فرد واحد له صورة معينة، ووصف حسّى ينطبق عليه واحده دون غيره من أفراد النوع الإنسانى. وكذلك إبراهيم، وفاطمة وأمينة، وغيرها.
وكلمة: مكة، أو: بيروت، أو: أشباههما من البلاد - تدل على شىء واحد محسوس؛ هو: بلد معين، له خصائصه، وأوصافه الحسية التى لا تنطبق على سواه، ولا تحمل إلى الذهن صورة غيره. وكذلك الشأن فى بَرَدى، ودِجلة وغيرهما من الأنهار المعينة.
فكل كلمة من الكلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها على معنى واحد، معين، ينطبق على فرد واحد "أى: تدل على مسمى بعينه" وهى لا تحتاج فى دلالتها عليه إلى معونة لفظية أو معنوية تأتيها من غيرها، بل تعتمد على نفسها فى إبراز تلك الدلالة.
أما كلمات القسم الثانى فتدل الواحدة منها على معنى معين، ولكنه معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه؛ وإنما ينطبق على أفراد كثيرة مشتركة معه فى النوع، فهو صالح لكل منها، لا يختص بواحد دون آخر، أى: أنه شائع بينها، كما سبق أن قلنا فى النكرة. فكلمة: رجل أو شجرة... أو غيرهما من سائر النكرات تدل على مدلول واحد، لفرد واحد، ولكن هذا الفرد شائع، له نظائر وأشباه كثيرة قد تبلغ الآلاف...، ويصلح كل منها أن يكون هو المقصود، وليس بعضها أولى من بعض فى ذلك، فإذا أرَدنا لهذه الكلمة أن تدل على مدلول واحد معين لا ينطبق على غيره وجب أن نَضم إليها زيادة لفظية أو معنوية تجعل مدلولها مركزًا فيه وحده بغير شيوع، كأن تقول: رأيت رجلا فى النادى، فصافحت الرجل. أو هذا رجل، أو: أعجبنى هذا. مشيرًا إلى شىء حسى أو معنوى معروف مُتَمَيّز، أو: أكرمت الذى زارك. فوجود "أل" فى كلمة "الرجل" بالطريقة السالفة جعلتها تدل على مُعَين. ووجود الإشارة الحسية أو المعنوية جعلت كلمة: "هذا" تدل على معين. ووجود صلة الموصول - وهى لفظية - جعلت كلمة: "الذى" تدل على معين. ووجود قرينة التكلم أو الخطاب جعلت ضميرهما يدل على معين. وهكذا؛ فلولا الزيادة التى انضمت إلى كل واحدة ما حصل التعيين والتخصيص... ومن هنا يتضح الفرق بين كلمات القسم الأول التى هى نوع من المعرفة يسمى: "العَلَم الشخصى" أو "علم الشخص" وكلمات القسم الثانى التى هى نكرة قبل وجود الزيادة التى انضمت إليها. ثم صارت بعدها نوعًا من أنواع المعرفة. فكلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعيين والتحديد، بخلاف الثانية. وهذا معنى قولهم فى تعريف العلم:
"إنه اللفظ الذى يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا"، أى: غير مقيَّد بقرينة تكلم، أو خطاب، أو غَيبة، أو إشارة حسية، أو معنوية، أو زيادة لفظية؛ كالصلة... او غير ذلك من القرائن اللفظية أو المعنوية التى توضح مدلوله، وتحدد المراد منه. فهو غنى بنفسه عن القرينة، لأنه عَلَم مقصور على مسماه، وشارة خاصة به وافية فى الدلالة عليه. وكل كلمة من كلمات القسم الثانى وأشباهها تسمى نكرة.
أما أمثلة القسم الثالث فهى لنوع آخر يختلف فى دلالته عن النوعين السابقين؛ يسمى: (علم الجنس).
ولتوضيحه نقول؛ إذا دخلت حديقة الحيوان فرأيت الأسد، ومنظره الرائع المَهِيب، وشاهدت ما يغطى عنقه، وينسدل على كتفيه؛ من شعر غزير، كثيف، يسمى: اللِّبد، وما ينبت فوق فمه من شعر طويل؛ كأنه الشارب؛ فسميت الأسد بعد ذلك: "صاحب اللِّبد" أو "أبو الشوارب"، فهذه التسمية تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها على تخيل صورة للأسد حتمًا، وعلى تذكر مثال له، من غير أن تكون تلك الصورة أو المثال مقصورة على الأسد الذى كان فى الحديقة؛ بل تنطبق عليه وعلى غيره من أمثاله. فهذا الاسم الذى وضعته للصورة هو علم يدل عليها؛ وعلى كل صورة مثلها من أفراد صنفها. أى: أنه شارة ورمز لتلك الصورة التى لا تمثل فردًا بعينه، وإنما تُمثل الصنف كله، أى: تُمثل ما يسمونه: "الجنس" كله؛ فتنطبق على كل فرد من أفراد ذلك الجنس؛ وهذا معنى قولهم: "إنه علم للجنس"، أو:"علم الجنس"، ومثل هذا يقال يقال عن كلمة: "أسامة". فقد أطلقت أول مرة على أسد معين لداع دعا إلى هذه التسمية. فإذا قيلت بعد ذلك لم يفهم العقل معناها فهمًا مجردًا من غير تخيل صورة فردٍ - أىّ فرد - من ذلك الحيوان المفترس، بل لا بد أن يحصل مع الفهم تخيل صورة تمثل أسدًا غير معين، أى: لا بد مع الإدراك من ذلك التخيل الذى يعيد إلى الذهن صورة تمثل المراد، وينطبق عليها الاسم، فهذا الاسم هو الذى يسمى: علمًا للجنس كله، أو: علم الجنس.
ومثل هذا أن ترى الفيل وخُرطومه فتسميه: (أبو الخرطوم) فهذا علم للفيل ينطبق على الفرد الذى أمامك، وعلى كل نظير له، فهو علم لواحد غير معين من الأفيال. فإذا كان اسم الجنس هو اسم يدل على الحقيقة الذهنية المجردة أى: الخالية من استرجاع الخيال لصورة فرد منها - كما سبق - فإن علم الجنس يدل على تلك الحقيقة، مركزة فى صورة كاملة ويقترن بها، و؛ يستعيدها الخيال لفرد غير معين من أفراد ذلك الجنس فهى تصدق على كل فرد. فكأن هذا العلم موضوع لكل فرد من أفراد تلك الحقيقة الذهنية العقلية. ولذا قالوا فى تعريف علم الجنس، إنه: اسم موضوع للصورة التى يتخيلها العقل فى داخله لفرد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية. ومن أمثلته أيضًا - غير ما سبق فى "جـ": "ابن دَأيَة"؛ للغراب و"بنت الأرض": للحصاة، "وابنة اليم"؛ للسفينة...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب العلم ) ضمن العنوان ( المسألة 23: أقسام العلم. )


له عدة أقسام باعتبارات مختلفة:
(ا) فينقسم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وإلى علم جنس.
(ب) وينقسم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب.
(جـ) وينقسم باعتبار أصالته فى العلمية وعدم أصالته إلى مُرْتَجَل، ومنقول.
(د) وينقسم باعتبار دلالته على معنى زائد على العَلمية أو عدم دلالته - إلى اسم، وكُنية، ولقب.
تلك هى أشهر أقسامه، ولكل منها أحواله الخاصة التى نفصلها فيما يلى:
التقسيم الأول:
يتضمن انقسام العلم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وعلم جنس.
علم الشخص:
"هو، اللفظ الذى يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا" وقد شرحنا هذا شرحًا وافيًا، وأوضحنا المراد من "الإطلاق".
وله حكم معنوى وأحكام لفظية. فأما حكمه المعنوى: فالدلالة على فرد مشخص معين - فى الغالب - ويكون هذا الفرد من بين ما يأتى من الأنواع:
1- أفراد الناس، مثل على: وسمير، وشريف، ونبيلة، وغيرهم من أفراد الأجناس التى لها عقل، وقدرة الفهم، كالملائكة، والجن، مثل: جبريل، وإبليس...
2- أفراد الحيوانات الأليفة التى يكون للواحد منها علَم خاص به، مثل: "بَرْق"، علم لحصان، و "بارع" علم لكلب، و"فصيح" علم على بلبل و "مكحول" علم على ديك...
3- أشياء أخرى لها صلة وثيقة بحياة الناس وأعمالهم: كأسماء البلاد، والقبائل، والمصانع، والبواخر، والطائرات، والنجوم، والعلوم، والكتب، وغيرها من كل ماله ارتباط قوىّ بمعايش الناس، وله اسم خاص به لا يطلق على غيره... مثل: مصر، دِمَشق، حَلَب (أسماء بلاد). ومثل: تميم، طَىّ، غَطَفان، ... (أسماء قبائل عربية قديمة). ومثل: زامر، وأُلْبا، وفُرْد (أسماء مصانع مسماة بأسماء أصحابها). ومثل: محروسة - عناية - قاصد خير... (أسماء بواخر). وغير ذلك مما يشبهها من كل مدرسة، أو معبد، أو ملجأ، أو طائرة، أو مؤسسة... بشرط أن يكون لكل منها اسم خاص يُعرف به، ولا يشاركه فيه سواه. وهذه الأشياء المعينة المحددة التى تدل عليها الأعلام تسمى: "المدلالوت"، أو: "الحكم المعنوى" لعلم الشخص.
وأما أحكامه اللفظية فكلها أثر من آثار أنه معرفة؛ فلذا لا يضاف، ولا يعرّف بأل، لعدم حاجته لشىء من ذلك. وهو يقع مبتدأ؛ مثل: محمود نابه، ويقع صاحب حال متأخرة عنه ومتقدمة؛ مثل: جاء حامدٌ مبتسمًا؛ لأن الغالب فى المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين - ويمنع من الصرف إن وجد مع العلمية سبب آخر للمنع، كالتأنيث فى مثل: أصغيت إلى فاطمةَ. ويكون نعته معرفة مثله، ولا يصح أن يكون نكرة.
* * *
علم الجنس:
تعريفه:
اسم موضوع للصورة الخيالية التى فى داخل العقل، والتى تدل على فرْد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية.
حكمه المعنوى: أكثر ما يتجه إليه معناه هو: الدلالة على واحد غير معين؛ فشأنه فى هذه الدلالة كشأن النكرة. ولكن هذا الواحد الشائع يكون من بين الأشياء الآتية المسموعة عن العرب:
1- حيوانات غير أليفة؛ كالوحوش، والحشرات السامة؛ وجوارح الطيور، ومنها: "أبو الحارث وأسَامة) وهما: للأسد، (وأبو جَعْدة وذُؤَالة) وهما: للذئب. (وشَبْوَة وأمّ عِرْيَط)، وهما: للعقرب (وثُعَالة، وأبو الحُصَيْن)، وهما: للثعلب.
2- بعض حيوانات أليفة؛ ومنها: هَيَّان بن بَيَّان؛ للإنسان المجهول نسبه وذاته. ومثله: طامر بن طامر، وأبو المَضَاء، للفرس. وأبو أيوب، للجمل وأبو صابر، للحمار، وبنت طَبَق، للسحلفاة. وأبو الدَّغفاء، للأحمق، من غير تعيين شخص بذاته.
3- أمور معنوية (أى؛ ليست محسوسة؛ فهى تخالف النوعين السابقين) مثل: أم صبور، علم للأمر الصعب الشديد. ومثل: سُبحان، علم للتسيج، وأم قَشْعَم، علم للموت، وكَيْسان، علم للغدر، ويَسَارِ (على وزن: فَعَالِ، وهو وزن للمؤنث هنا) علم للمَيْسرة، أى: اليُسر. وفَجَارِ؛ علم للفَجْرة. (أى: الفجور، وهو الميل عن الحق) وبَرَّة؛ علم للمَبرة. (أى: البرّ).
أحكامه اللفظية:
هى الأحكام اللفظية الخاصة بقسيمه: "علم الشخص"؛ فهما متشابهان فيها؛ فلا يجوز فى علم الجنس أن يضاف، ولا أن تدخل عليه "ألْ" المعرّفة؛ فلا تقول: أسامةُ الحديقة فى قفص، ولا الأسامة فى قفص. وهو يقع مبتدأ؛ مثل أسامة مفترس؛ ويكون صاحب حال متأخرة عنه؛ مثل: زأر أسامة غاضبًا. ويمنع من الصرف إن وجدت علة أخرى مع العلمية، كالتأنيث فى مثل: أسامةُ ملك الوحوش؛ فتمتنع كلمة: "أسامة" من الصرف للعلمية والتأنيث ويجب أن يكون نعته معرفة مثل: أسامة القوىّ ملك الوحوش. ولا يصح أن يكون نكرة. - فى الرأى الصحيح.
وفيما سبق من الأحكام المعنوية واللفظية بيان وتفسير لقول النحاة: حُكْم علَم الجنس أنه نكرة معنى، معرفة لفظًا.
زيادة وتفصيل:
1- استعمل العرب علم الجنس فى أمور معنوية - كما سبق - غير أن بعض تلك الأمور قد استعملوه حينًا علم جنس؛ فتجرى عليه الأحكام اللفظية الخاصة بعلم الجنس؛ فهو معرفة من هذه الجهة، وحينًا استعملوه كالنكرة تمامًا؛ فلا يلاحظ فيه تعيين مطلقًا. والطريق إلى معرفة هذا النوع هو السماع المحض عن العرب. ومن أمثلته: فَيْنَة (بمعنى؛ وقت) و "بُكْرة" و "غُدْوة" وهما بمعنى أول النهار، و"عشية" بمعنى آخر النهار. فهذه الكلمات تستعمل بغير تنوين؛ فتكون معرفة؛ مثل: قضينا فَينةَ فى الحديقة أى: الفينة المعينة من يوم معين. وتقول؛ فلان يتعهدنا بُكرةَ: أى: البكرةَ المحددة الوقت واليوم. وكذا. "غدْوةَ وعشيةَ" بغير تنوين؛ تريد بكل منهما وقتها ويومها المحددين. فأنت تقصد الأوقات المعينة التى تبينها هذه الأسماء السابقة.
أما إذا قلتها بالتنوين فلست تريد واحدة، معينة، محددة فى يوم محدد - وإنما تريد "فَيْنةً"، من يوم أى يوم، و "بُكرة" أىّ بكرة أيضًا، وهكذا الباقى...
وفى الأثر المَرْوى: "(للمؤمن ذنب يعتاده الفَيْنةَ بعد الفينة) فدخول أل دليل على أن الكلمة قبلها كانت نكرة. ويترتب على هذا الاختلاف فى المراد الاختلاف فى الأحكام اللفظية التى عرفناها، والتى تطبق على الكلمات باعتبارها علم جنس، ولا تطبق عليها باعتبارها نكرات، ولا يعرف هذا فى النوعين الآخرين من علم الجنس؛ فهما معرفتان، وحهكما من جهة اللفظ حكم علم الجنس.
التقسيم الثانى:
وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب. فالمفرد: ما تَكَوّن من كلمة واحدة، مثل: صالح، مأمون، حليمة، (أعلام أشخاص). والمركب: ما تكون من كلمتين أو أكثر. وهو ثلاثة أقسام:
أولها: المركب الإضافى: ويتركب من مضاف ومضاف إليه؛ مثل: عبدُالعزيز، وسعد الله، وعزّ الأهل...
وثانيها: المركب الإسنادى: ويتركب إما من جملة فعلية؛ - أى: من فعل مع فاعله أو مع نائب فاعله-، مثل: (فَتَحَ اللهُ) و(جادَ الحقُّ) و (سُرُّ من رَأى) وإما من جملة اسمية؛ أى: من مبتدأ مع خبره مثل: (الخيرُ نازلٌ) و (السيدُ فاهمٌ) و (رأسٌ مملوء) وكلها أسماء أشخاص معاصرين، إلا (سُرَّ من رأى) فإنها اسم مدينة عراقية.
وثالثها: المركب المزجىّ: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا (أى: اختلطَتَا؛ بأن اتصلت الثانية بنهاية الأولى.) حتى صارتا كالكلمة الواحدة؛ من جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية وحدها - غالبًا - أمَّا آخر الأولى فيبقى على حاله قبل التركيب. ومن أمثلته: بُرْسعيد (اسم مدينة مصرية) رَامَهُرْمُز، وَطبَرِسْتان، وجَرْدِسْتان؛ من أسماء البلاد الفارسية ومثل: نُيُويُرْك، وقاليقلا، وجَرْدِنْستى وبَعْلَبَكّ وسِيَبَويه، وبرْزَوَيْهِ ونِفْطَوْيه، وخالَوَيْهِ، ومثل: (السّلاحْدار، والخازِنْدار، والبُندُقْدار).
فالعلم إما مفرَد، وإما مركب تركيب إضافة، أو تركيب إسناد، أو مزج.
التقسيم الثالث:
هو يتضمن انقسام العلم باعتبار أصالته فى العلمية وعدم أصالته، إلى مرَتَجَل، ومنقول. فالمرتجل: ما وضع من أول أمره علمًا، ولم يستعمل قبل ذلك فى غير العلمية. ومثاله: الأعلام التى اخترعها العرب أول مرة لمسميات عندهم؛ ومنها: أُدَد (علم رجل) وسعاد (علم امرأة) وَفقْعسَ علم للأب الأول لقبيلة عربية معروفة. ومثل: الأعلام التى يخترعها الناس لمسميات خاصة عندهم، من غير أن يكون لها عند العرب الخُلَّص وجود سابق، مثل:"جَيْن"، علم على بلد. و "رَسَح" علم على جبل. "وبَحْن" علم على شجرة مُعينة. وغير ذلك من الأعلام التى يبتكرونها فى عصر من العصور، على حسب رغبتهم وأذواقهم
ويريدون بالمنقول - وهو الأكثر - أحد شيئين:
أولهما: العلم الذى لم يستعمل لفظه أول الأمر علمًا مطلقًا؛ وإنما استعمل أوّلا فى شىء غير العلمية، ثم نُقِل بعده إلى العلمية؛ مثل: حامد، محمود فاضل، أمين...؛ فقد كانت قبل العلمية تؤدى معنى آخر، ثم انتقلت منه إلى العلمية.
وثانيهما: العلم الذى استعمل أول أمره علمًا لفرد فى نوع، ثم صار علمًا لفرد فى نوع آخر يخالف الأول؛ مثل: "سعاد" علم امرأة؛ ثم صار علم قرية، لا علم امرأة.
1- والنقل قد يكون من اسم منفرد اللفظ؛ فيشمل: ما هو منقول من معنى من المعانى العقلية الخالصة التى يُسَمُّون كُلاًّ منها: (الحدث المجرد) مثل: فضْل، وسُعُود، ومجْد، وهيْبة؛ أعلام أشخاص - وما هو منقول من اسم عيْن، أى: من ذات مجسَّمة محسوسة؛ مثل: غزال، وقمحة، وزيتون وفيل... أعلام أشخاص... وما هو منقول من اسم مشتق؛ مثل: صالح، ونبيل، ومحمد، ومفتاح.
2- وقد يكون النقل من الفعل وحده؛ من غير أن يكون معه فاعل ظاهر، أو ضمير مستتر، أو بارز، ومن غير أن يلاحَظ الفاعل أو يُقَدَّر بوجه من الوجوه؛ فيشمل المنقول من فعل ماض مثل: شمَّرَ، وجادَ وصفا، (أسماء أشخاص). أو: من فعل مضارع؛ مثل: يزيد، وتميس، وتَعِز وتغلب، ويشكر. أو: من فعل أمر، مثل: سالمْ، وسامحْ.
3- وقد يكون النقل من جملة، إما اسمية؛ مثل: "علىّ أسد"، و "ماشاء الله" و "نحن هنا" اسم كتاب...، وإما جملة فعلية، مثل: فَتَحَ اللهُ، زادَ الخيرُ، وأَطْرِقا (اسم بلد. وصحراء ببلاد العرب) والنقل هنا من جملة فعلية؛ لظهور الفاعل الضمير البارز.
4- وقد يكون النقل من حرف؛ كتسمية شخص بكلمة: "رُبّ"، أو: إن... وقد يكون من حرفين، مثل: ربما، إنما.
5- وقد يكون من حرف واسم مثل: بِهَناء، ومثل: الحارث (اسم قبيلة عربية).
6- أو حرف وفعل مثل: اليزيد...
زيادة وتفصيل:
إذا كان العلم منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع - كما أشرنا - نحو: "إستقبال" علم امرأة، و "أل" علم على الأداة الخاصة بالتعريف أو غيره، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: "أل" كلمة ثنائية، و "أل" فى اللغة أنواع من حيث المدلول...، ومثل: يوم الإثنين، بكتابة همزة: "إثنين" لأنها علم على ذلك اليوم... ومثل: "أُسكُت" علم على صحراء...
التقسيم الرابع:
وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته، إلى: اسم، ولَقب، وكُنْية. فأما الاسم هنا فهو: عَلَم يدل على ذات معينة مشخَّصة، دون زيادة غرض آخر من مدح، أو ذمّ...، مثل: سعيد، كامل؛ مرْيم، بُثَيْنة، وأشباهها؛ من كل ما يكون القصد منه أمر واحد؛ هو: مجرد الدلالة على ذات المسمى وتعيينها وحدها، دون غيرها، ودون إفادة شىء يتصل بها؛ كمدح أو ذم.
وأما اللقب فهو: علَم يدل على ذات مُعيَّنة مشخصة، مع الإشعار - بمدح أو ذمّ؛ إشعارًا مقصودًا بلفظ صريح؛ مثل: (بَسّام، الرشيد، جميلة) (السفاح، صخر، عرجاء).
وأما الكنية فهى علم مركب تركيبًا إضافيًّا، بشرط أن يكون صدره (وهو المضاف) كلمة من الكلمات الآتية: (أب، أمّ)، (ابن، بنت) (أخ، أخت) (عمّ، عمة) (خال، خالة) ، مثل: الأعلام الآتية: (أبو بكر، أبو الوليد) (أم كلثوم، أمّ هانئ)، (ابن مريم، بنت الصديق) (أخو قيس، أخت الأنصار)، وهكذا... وليس منه: أبٌ لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل مالا إضافة فيه على الوجه السابق.
وكل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة قد يكون مرتجلا أو منقولا، مفردًا أو مركبًا، إلا الكنية فإنها لا تكون إلا مركبة.
* * *
الأحكام الخاصة بالتقسيمات السالفة، وتتركز فى النواحى الأربعة الآتية:
أولها: الأحكام الخاصة بإعراب العلم المفرد، والعلم المركب.
ثانيها: الأحكام الخاصة بالترتيب بين الاسم، والكنية، واللقب، إذا اجتمع من هذه الأعلام اثنان، أو ثلاثة.
ثالثها: الأحكام الخاصة بإعراب ما يجتمع منها.
رابعها: الأحكام المعنوية وبقية الأحكام اللفظية الأخرى التى تتصل بعلم الشخص وعلم الجنس.
(ا) فأما العلم المفرد، كحامد، وسعيد، وسميرة، وعبلة... فإنه يخضع فى إعرابه وضبط آخره لحاجة الجملة المشتملة عليه؛ فقد يكون مبتدأ، أو: خبرًا، أو فاعلا... أو مفعولا، أو مجرورًا بالإضافة، أو بالحرف، أو غير ذلك؛ فيرفع، أو ينصب، أو يجر على حسب ما تقتضيه الجملة. تقول: حامد أديب، إن حامدًا أديبٌ. أُعْجبْت بأدب حامد؛ فتضبط كلمة: "حامد" بالضبط المناسب لموقعها كالشأن فى كل الأسماء المنفردة.
وأما العلم المركب: فإن كان تركيبه إضافيًا، كعبد الله - أعرب صدوره وهو المضاف - كإعراب المفرد السابق (أى: على حسب حاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، أو غير ذلك.) ويبقى المضاف إليه على حالته؛ وهى الجر دائمًا. تقول: عبدُالله شاعرٌ، فاز عبدُ الله، صاحبت عبدَ الله، سارعت إلى عبدِ الله؛ فالمضاف - وهو كلمة: عبد - تغيرت حركة آخره بتغير حاجة الجُمل، وبقى المضاف إليه مجرورًا لم يتغير.
وإن كان تركيبه إسناديًّا (مثل: فتحَ اللهُ... - الخيرُ نازلٌ) بقى على حاله قبل التسمية؛ فلا يدخله تغيير مطلقًا، لا فى ترتيب حروفه، ولا فى ضبطها ثم يجرى عليه ما يجرى على المفرد فيعرب على حسب حاجة الجملة التى تحتويه؛ فيكون مبتدأ، وخبراً، وفاعلا، ومفعولا، وغير ذلك على حسب ما تقتضيه تلك الجملة. إلا أن آخره يظل على حاله ملتزمًا حركته الأولى قبل العلمية فى جميع تلك الحالات مهما تغيرت الجمل؛ فكأنه كلمة واحدة تلازمها علامة واحدة للإعراب، لا تتغير فى الرفع، ولا فى النصب، ولا فى الجر، تقول: "فتحَ اللهُ" نشيط. جاء "فَتَحَ اللهُ". صاحبت "فتَحَ اللهُ" رضيت عن "فتَحَ اللهُ". فالعَلَم: (فتح اللهُ) فى الجملة الأولى: مبتدأ، مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية. وفى المثال الثانى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية، وفى الثالث: مفعول به، منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة للحكاية، وفى الرابع: مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة للحكاية؛ فهو لا يتأثر بالعوامل تأثرًا ظاهرًا، وإنما يتأثر بها تأثرًا تقديريًا.
ويقال فى المثال الثانى: "الخيرُ نازل" حضر. إن "الخيرَ نازلٌ" حضر، سَلَِّمْ على "الخيرُ نازلٌ"، وهكذا فى كل مثال آخر من أمثلة المركب الإسنادى، وملحقاته فإنه يكون معربًا تقديرًا لأجل الحكاية.
وإن كان تركيبه مزْجيًّا غير مختوم بكلمة" (وَيْه)، مثل: رامهرْمُزُ ونُيُويُرْك... فإنه يعتبر كالكلمة الواحدة؛ فيعامل من ناحية الإعراب معاملة المفرد، فيكون على حسب جملته؛ مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا،... أو غير ذلك؛ لكنه يرفع بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة فى الحالتين من غير تنوين. تقول: رامهرمُزُ جميلةٌ، وإن رامهُرمُزَ جميلةٌ، سمعت برامُهرْمُزَ، فتتغير حركة الحرف الأخير وحده تبعًا لحالة الإعراب، ويبقى غيره على حالته الأولى.
فإن كان تركيبه مزجيًّا مختومًا بكلمة: "وَيه" (مثل: حمدَوَيه - خالوَيْه) كان كسابقه خاضعًا لحاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو: مفعولا... إلخ، إلا أن آخره فى كل هذه الأحوال يكون مبنيًّا على الكسر - فى المشهور - تقول: خالويهِ - عالم جليل - وإن خالويهِ عالم جليل - ولخالوْيِه شهرة فائقة... فقد وقعت كلمة: "خالويه" مبتدأ، واسما لإن، ومجرورة باللام، ولم تتغير حالة آخرها بتغير الجمل؛ بل لزمت البناء على الكسر؛ فهى مبتدأ مبنية على الكسر فى محل رفع. وهى اسم إنّ مبنية على الكسر فى محل نصب، وهى مجرورة باللام مبنية على الكسر فى محل جرّ... وهكذا فى الأحوال التى تشابه ما سردناه.
زيادة وتفصيل:
من أنواع المركب المزجى ما يستعمل غير علم؛ كالمركب العددى، أىْ: الأعداد المركبة، وهى؛ أحدَ عشرَ، وتسعةَ عشرَ، وما بينهما. فكل واحد منها مبنى دائمًا على فتح الجزأين فى جميع أحواله، وفى كل التراكيب. ويقال فى إعرابه: مبنى على فتح الجزأين فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. ما عدا اثنىْ عشَر، واثنَتىْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى. فاثنا واثنتا ترفعان بالألف فى حالة الرفع، وتنصبان وتجران بالياء فى حالتى النصب والجر. أما كلمة: "عشر، وعشرة" فهى اسم مبنى على الفتح لا محل له، لأنها بدل من حرف النون فى المثنى. ويقال هذا فى إعرابهما - كما سبق - وسيجئ تفصيل الكلام على هذا فى الباب الخاص بالعدد، بالجزء الرابع.
وكالظروف المركبة، مثل: (صباحَ مساءَ) فى مثل: (والدى يسأل عنا صباحَ مساءَ) أى: دائمًا. وكالأحوال المركبة فى مثل: "أنت جارُنا بيتَ بيتَ"، أى: ملاصقًا، وهذه الأعداد، والظروف، والأحوال - مبنية على فتح الجزأين فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالتها من الجملة؛ تقول فى الأعداد: جاء أحدَ عشرَ رجلا، وأبصرت أحدَ عشرَ رجلا، ونظرت إلى أحَدَ عشرَ رجلا. وتقول: أنا أسأل عنك "صباحَ مساءَ" أى: دائمًا. فهو ظرف مبنى على فتح الجزأين فى محل نصب. وتقول: أخى جارى "بيتَ بيتَ" فهو مبنى على فتح الجزأين فى محل نصب، حال، فيكون اللفظ المركب مبنيًّا على فتح الجزأين فى محل رفع؛ لأنه فاعل - مثلا، أو شىء آخر يكون مرفوعاً -، وفى محل نصب لأنه مفعول به، أو ظرف، أو حال، أو: شىء آخر منصوب، وفى محل جر؛ لأنه مجرور. فآخر كل كلمة من الكلمتين يلزم حركة واحدة لا تتغير؛ هى الفتحة. وحكم هذا المركب هو البناء على الفتح؛ فهو شبيه بالمركب المزجى المختوم بكلمة (وَيْه) حيث يلزم آخره حركة واحدة هى البناء أيضًا، ولكن على الكسر - على المشهور - فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. وهذا الإعراب فى الأمثلة السابقة نوع مما يسمونه الإعراب: "المَحلِّى" حيث يكون للكلمة حالة لفظية ظاهرة، حلت محل أخرى غير ظاهرة، ولكنها ملحوظة برغم عدم ظهورها؛ فتراعى فى التوابع وغيرها، وهو غير "الإعراب التقديرى" الذى سبق الكلام عليه.
وما ذكرنا من حكم المركب المزجى بأنواعه المختلفة هو الذى يحسن الأخذ به، والاقتصار عليه وحده فى استعملنا؛ لأنه أشهر الآراء وأقواها... والاقتصار عليه يمنع الفوضى فى ضبط الكلمات، ويريحنا من جدل أهل المذاهب المختلفة. وعلى الرغم من هذا سنذكر بعض الآراء الأخرى، لا لاستعمالها؛ ولكن ليستعين بها من يشاء فى فهم النصوص القديمة التى وردت بها، واشتملت عليها.
فمن تلك الآراء أن المركب المزجى غير المختوم بكلمة: (ويه) يجوز فيه البناء على الفتح فى جميع حالاته. نقول: هذه بعلبكَّ. إن بعلبكَّ جميلةٌ. لم أسكن فى بعلبكَّ، فتكون مبنية على الفتح دائمًا فى محل رفع، أو نصب، أو جرّ.
ومنها: أنه يجوز إعرابه إعراب المتضافين؛ فيكون صدره - وهو المضاف - معربًا على حسب حالة الجملة، ويكون عجزه - وهو المضاف إليه - مجرورًا أبدًا؛ تقول؛ هذه بعلُ بَكٍّ. إن بعلَ بكٍّ جميلة. لم أسكن فى بعلِ بكً.
وفى هذه الحالة - وحدها - يحسن فى الكتابة فصل المضاف من المضاف إليه، وعدم وصلهما خطًّا. بخلاف أكثر الحالات الأخرى. كما أن المضاف فى هذه الحالة إن كان معتل الآخر فإنه يظل ساكنًا دائمًا، ولا تظهر عليه الحركة؛ بل تقدر؛ مثل: عرفت "مَعْدِى كَرِبٍ"، فكلمة "معدى" مفعول منصوب بفتحة مقدرة على الياء: مع أن الفتحة تظهر على الياء دائمًا، ولكنها لا تظهر هنا، لثقلها مع التركيب - كما سبق البيان -.
أما المركب المزجى المختوم بكلمة: (وَيْه) فقد أجازوا فيه حالة أخرى غير البناء على الكسر، هى إعرابه كالممنوع من الصرف، فيرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة، من غير تنوين فى الحالات الثلاث؛ مثل: سيبويهُ إمام نحوىّ كبير، عرفت سيبويهَ، وتعلمت من سيبويهَ.
(ب) أما الترتيب بين قسمين فيلاحظ فيه ما يأتى:
1- لا ترتيب بين الاسم والكُنْية، فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر، مثل: أبو الحسن علىّ بطلٌ، أو: علىّ أبو الحسن بطل.
2- لا ترتيب بين اللقب والكنية؛ فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر؛ مثل: الصّدّيق أبو بكر أول الخلفاء الراشدين، أو: أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين.
3- يجب الترتيب بين الاسم واللقب؛ بحيث يتقدم الاسم ويتأخر اللقب. مثل: عمرُ الفاروق هو الخليفة الثانى من الخلفاء الراشدين، وهذا الترتيب واجب إن لم يكن اللقب أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز الأمران؛ مثل: المسيح عيسى بنُ مريمَ رسولٌ كريم، أو: عيسى بنُ مريمَ المسيحُ رسولٌ كريم. ذلك أن "المسيح" أشهر من "عيسى". ومثل: السفَّاح عبدالله أول خلفاء العباسيين، أو: عبدالله السفاح... ومن أجل ذلك كثر تقديم ألقاب الخلفاء والملوك على أسمائهم.
ومما سبق نعلم أن الترتيب عند اجتماع قسمين غير واجب إلا فى حالة واحدة هى حالة اجتماع الاسم واللقب؛ فيجب تأخير اللقب عنه بشرط ألا يكون أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز الأمران.
(جـ) أما إعراب قسمين عند اجتماعها فيُتَّبع فيه ما يأتى:
1- إن كان القسمان مفردين مثل: "علىّ سعيد" جاز اعتبارهما متضابفين فيكون الأول هو المضاف، ويضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة. ويكون الثانى هو المضاف إليه، وهو مجرور دائمًا؛ تقول: غاب علىُّ سعيدٍ، عرفت علىَّ سعيدٍ، وسألت عن علىَّ سعيدٍ، وجاز عدم إضافتهما فيعرب الأول ويضبط على حسب حالة الجملة ويكون الثانى تابعًا له فى جميع حركات الإعراب؛ فتكون كلمة: "سعيد" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة تبعًا للكلمة الأولى؛ وهى علىّ. ولا دخل للكنية هنا لأن الكنية مركبة تركيبًا إضافيًّا، فتدخل فى الأحوال الثلاثة الآتية الخاصة بالمركب الإضافى، ولا تدخل فى المفرد الذى نحن بصدده - كما أشرنا من قبل -.
2- وإن كان القسمان، مركبين معًا تركيب إضافة؛ مثل: "عبد العزيز سعد الله" فإن المضاف الأول، وهو: "عبد" يُضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويكون المضاف الثانى، وهو: "سعد" تابعًا له فى حركات إعرابه.
3- وإن كان الأول هو المفرد والثانى هو المركب تركيب إضافة؛ مثل: "على زين العابدين" - أعرب المفرد على حسب حالة الجملة، وجاء المضاف الذى بعده تابعًا له فى حركته؛ تقول: علىٌّ زينُ العابدين شريف. إن عليًّا زينَ العابدين شريف. وماذا تعرف عن علىٍّ زين العابدين؟
ويجوز شىء آخر؛ أن يكون الأول المفرد مضافًا؛ يُضبَط ويعرب على حسب حاجة الجملة، وأن يكون المضاف إليه هو صدر الثانى؛ تقول: علىُّ زينِ العابدين شريف، إن علىَّ زينِ العابدين شريف. ماذا تعرف عن علىِّ زينِ العابدين؛ فتكون كلمة: "علىّ" معربة على حسب العوامل، ومضافة. وتكون كلمة: "زين" مضافة إليها مجرورة.
(4) إن كان الأول هو المضاف والثانى هو المفرد؛ مثل: زين العابدين علىّ - فإن صدر الأول؛ أى: المضافَ، يضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويعرب المفرد تابعاً له، تقول: زينُ العابدين علىٌّ شريف، إن زينَ العابدين عليًّا شريف، عطفت على زين العابدين علىٍّ.
أما المركب المزجى وملحقاته، والمركب الإسنادىّ فلا يعتد بتركيبهما فى هذا الشأن وإنما يعتبر كل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بقسم آخر وتجرى عليه أحكام المفرد السابقة.
وإلى هنا ينتهى الكلام على الترتيب والإعراب بين قسمين عند اجتماعهما. أما إذا اجتمعت الأقسام الثلاثة: (الاسم، والكنية، واللقب) فيراعى فى الترتيب بينها ما سبق إيضاحه؛ حيث يجوز تقديم بعضها على بعض. إلا اللقب فلا يجوز تقديمه - فى أكثر حالاته - على الاسم؛ ففى مثل: عمرُ بنُ الخطاب الفاروقُ - يجوز أن تقدم أو تؤخر ما شئت من الاسم، أو: الكنية، أو اللقب. إلا صورة واحدة لا تجوز؛ وهى: تقديم كلمة "الفاروق" على "عمر". وكذلك يراعى فى الإعراب بين الأول والثانى ما سبق أيضًا. أما الثالث فيكون تابعًا للأول فى حركاته.
* * *
د- هذا، وما يخص الأقسام السالفة من الأحكام المعنوية وباقى الأحكام اللفظية الأخرى فقد سبق الكلام عليها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب اسم الإشارة ) ضمن العنوان ( المسألة 24: معنى اسم الإشارة. أقسامه بحسب الإفراد وغيره. والقرب وغيره. )


تعريفه: اسم يعين مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسية إليه؛ كأن ترى عصفورًا فتقول وأنت تشير إليه: "إذا" رشيق؛ فكلمة: "ذا" تتضمن أمرين معًا، هما: المعنى المراد منها: (أى: المدلول)، وهو:: جسم العصفور، والإشارة إلى ذلك الجسم فى الوقت نفسه. والأمران مقترنان؛ يقعان فى وقت واحد؛ لا ينفصل أحدهما من الآخر.
والغالب أن يكون المشار إليه (وهو: المدلول) شيئًا محسوسًا كالمثال السابق. وكأن تشير بأحد أصابعك إلى كتاب، أو قلم، أو سيارة، وتقول: ذا كتاب - ذا قلم - ذى سيارة. وقد يكون شيئًا معنويًّا، كأن تتحدث عن رأى، أو: مسألة فى نفسك، وتقول: ذى مسألة تتطلب التفكير - ذا رأى أبادر بتحقيقه...
تقسيم أسماء الإشارة:
تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إليه إلى قسمين؛ قسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه من ناحية أنه مفرد، أو مثنى، أو جمع...، مع مراعاة التذكير، والتأنيث، والعقل، وعدمه فى كل ذلك. وقسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه أيضًا، ولكن من ناحية قربه، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد.
فالقسم الأول خمسة أنواع:
(ا) ما يشار به للمفرد المذكر مطلقًا؛ (أى: عاقلا أو غير عاقل): وأشهر أسمائه "ذا". نحو: ذا طيار ماهر - ذا بلبل صَدَّاح.
(ب) ما يشار به للمفردة المؤنثة - عاقلة وغير عاقلة - وهو عشرة ألفاظ؛ خمسة مبدوءة بالذال هى: ذى - ذهْ - ذهِ - بكسر الهاء مع اختلاس كسرتها - ذهِ - بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا - ذات.
وخمسة مبدوءة بالتاء، هى: تى - تا - تهْ - تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة - تهِ - بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا. تقول: ذى الفتاة شاعرة... تى الفتاة محسنة ... وكذا الباقى منهما.
(جـ) ما يشار به للمثنى المذكر مطلقًا - أى: عاقلا وغير عاقل -، وهو لفظة واحدة: "ذانِ" رفعًا، وتصير: "ذَيْنِ" نصبًا وجرًّا. تقول: ذانِ عالمان، إنّ ذيْنِ عالمانِ، سلمت على ذَيْنِ، فيعرب كالمثنى، أى: "ذانِ": مبتدأ مرفوع بالألف. "ذيْنِ": اسم: "إنّ" منصوب بالباء. "ذينِ"، مجرور بعلى، وعلامة جره الياء أيضًا.
(د) ما يشار به إلى المثنى المؤنث مطلقًا، وهو لفظة واحدة: "تان" رفعًا "وتصير: تَيْنِ" نصبًا وجرًّا؛ تقول: تان محسنتانِ؛ إن تيْنِ محسنتانِ، فرحت بِتَيْنِ المحسنتينِ. "تان" مبتدأ مرفوع بالألف. "تْينِ" اسم: "إن" منصوب بالياء. "تَيْن" مجرور بالياء، وعلامة جره الياء.
(هـ) ما يشار به للجمع مطلقًا (مذكراً ومؤنثًا، عاقلا وغير عاقل) هو لفظة واحدة: "أولاَءِ". ممدودة فى الأكثر، أو: أولَى مقصورة؛ مثل: أولئك الصناع نافعون. ومثل: {إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسئولا}.
* * *
أما القسم الثانى من أسماء الإشارة، وهو الذى يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربة، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد؛ فإنه ثلاثة أنواع:
(ا) الأسماء التى تستعمل فى حالة قربه. هى: كل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد، والمفردة، والمثنى والجمع، بنوعيهما، من غير اختلاف فى الحركات أو الحروف، ومن غير زيادة شىء فى آخرها.
(ب) الأسماء التى تستعمل فى حالة توسطه للدلالة على أن المشار إليه متوسط الموقع بين القرب والبعد، هى: بعض الأسماء السابقة بشرط أن يُزاد فى آخر اسم الإشارة الحرف الدالة على التوسط، وهذا الحرف هو: "كاف الخطاب الحرفية". فإنها وحدها - بغير اتصال لام البعد بها - هى الخاصة بذلك. وهى تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة، دون بعض آخر؛ فتلحق آخِر أسماء الإشارة التى للمفرد المذكر، والتى للمثنى، والتى للجمع بنوعيهما؛ نحو: ذاك المكافح محبوب - ذانك المكافحان محبوبان - تانك الطبيبتان رحيمتان - أولئك المقاومون للظلم أبطال، أو: أولاك (بمد كلمة: "أولاء" وقصرها).
وكذلك تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة، هى: (تى - تا - ذى)؛ نحو، تِيك الدار واسعة... ولا تلحق آخر السبعة الأخرى التى للمفردة المؤنثة، فباستبعاد هذه السبعة تكون بقية أسماء الإشارة التى للقُرب صالحة للتوسط أيضًا.
"ملاحظة": هذه الكاف تلحق اسم إشارة للمكان وهو يعتبر فى الوقت نفسه ظرفًا من ظروف المكان؛ ونعنى به الظرف: "هنا" - وسيجئ أيضًا إيضاحه قريبًا -؛ نحو: هناك فى أطراف الحديقة دوح ظليل.
ولا تلحق آخر اسم الإشارة إذا كان مبدوءًا بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل؛ كالضمير فى مثل: هأنذا محب للانصاف؛ فلا يقال فى الأفصح: هأنذاك - كما سيجئ -.
وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التى للمتوسط هى الأسماء السابقة التى للقرْب. ولكن بشرط زيادة "كاف" الخطاب الحرفية فى آخر الاسم للدلالة على التوسط؛ تقول: ذاك الطائر مغرد...، تِيك الغرفة واسعة... وبشرط أن كاف الخطاب الحرفية لا تدخل فى اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا فى ثلاثة: "تى" و "تا" و "ذى" ولا تدخل فى السبعة الأخرى - على الصحيح -. وهذا هو الموضع الثانى الذى لا تدخله تلك الكاف.
(جـ) الأسماء التى تستعمل فى حالة بُعْده.
لا سبيل للدلالة على أن المشار إليه بعيد إلا بزيادة حرفين فى آخر اسم الإشارة، هما: لام فى آخره تسمى: "لام البعد" يليها "كاف الخطاب" الحرفية حتمًا، ولا توجد "لام البعد بغيرها. وهذه اللام تزاد فى آخر بعض الأسماء دون بعض: فتزاد مع "الكاف" فى آخر أسماء الإشارة التى للمفرد؛ نحو: ذلك الكتاب لا ريب فيه. وفى آخر ثلاثة من الأسماء التى لإشارة المفردة (وهى الثلاثة التى تدخلها "كاف" الخطاب الحرفية دون السبعة الأخرى التى لا تدخلها)؛ نحو: تلك الصحارى ميادين أعمال ناجحة. وتزاد فى آخر كلمة: "أُولَى" المقصورة التى هى اسم إشارة للجمع مطلقاً، نحو: أُولاَلِكَ المغتربون فى طلب العلم جنود مخلصون، دون "أولاء" الممدودة التى اسم الإشارة للجمع - فى الرأى الأرجح - فلا يقال: أولاء لَكَ المغتربون مخلصون...
ولا تزاد فى اسم الإشارة الذى للمثنى المؤنث أو المذكر، ولا فى اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه: "ها"، والمختوم بـ"كاف" الخطاب الحرفية؛ فلا يصح فى مثل: "هذاك وهاتاك" أن يقال: هذا لِكَ، ولا هاتا لِكَ... على اعتبار "اللام" فيهما للبعد، و "الكاف" حرف خطاب.
ومما سبق يتبين أنه لا يجوز زيادة لام البعد وحدها بغير "كاف" الخطاب الحرفية بعدها، ولهذا يمتنع زيادة "لام البعد: فى آخر الأسماء الخالية من تلك "الكاف" إما لأن "الكاف" لا تدخلها مطلقاً؛ كالأسماء السبعة التى لإشارة المفردة، وإما لأنها تدخلها ولكن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة فى إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل: إن أسماء الإشارة التى تستعمل فى حالة البعد لابد أن يزداد فى آخرها حرفان معا: لام تسمى: لام البعد، وحرف الخطاب (الكاف) بعدها؛ نحو: ذلك السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغير كاف الخطاب؛ فيجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التى للمفرد والمفردة بشرط وجود تلك الكاف. ويمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التى لا تدخلها الكاف مطلقًا، أو التى تدخلها، ولكنها غير موجودة فيها عند الرغبة فى إلحاق اللام. وكذلك يصح إلحاق هذه اللام بكلمة "أُولَى" المقصودة، دون الممدودة، - على الأرجح - ودون المثنى بنوعيه أيضًا.
ويصح أن تدخل: "ها" التى هى حرف تنبيه على اسم الإشارة الخالى من كاف الخطاب؛ مثل: هذا، هذه، هذان، هؤلاء... وقد تجتمع مع الكاف بشرط عدم الفاصل - كالضمير - بين "ها" واسم الإشارة.؛ نحو هذاك - هاتاك ... لكنهما إذا اجتمعا لم يصح مجئ لام البُعْد معهما، فلا يجوز هذا لِكَ. وهذا موضع آخر من المواضع التى تمتنع فيها لام البعد.
وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" التنبيه واسم الإشارة فاصل؛ كالضمير فى نحو: هأنذا مُخلص، فلا يصح الإتيان بالكاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثانى الذى لا تدخله كاف الخطاب، وإذًا لا تدخله لام البعد أيضًا.
بقى من أسماء الإشارة التى من القسم الثانى كلمتان: هُنا، و: "ثَمَّ" وكلتاهما تفيد الإشارة مع الظرفية التى لا تتصرف. فأما: "هُنَا" فهى اسم إشارة إلى المكان القريب، مثل: "هنا العلم والأدب". وقد يزاد فى أولها حرف التنبيه: "ها" نحو: "هَا هُنَا الأبطال؛ فهى فى الحالتين سواء.
وبسبب دلالتها على المكان مع الإشارة دخلت فى عِدَاد ظروف المكان أيضًا، فهى اسم إشارة وظرفُ مكان معًا وهى ظرف مكان لا ينصرف، فلا تقع فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير هذا مما لا يكون ظرف مكان. ولا تخرج عن الظرفية إلا لشبه الظرفية، وهو معها الجر بالحرف "مِنْ" أو "إلى"، نحو: سرت من هنا إلى هناك.
فإذا زاد على آخرها الكاف المفتوحة للخطاب وحدها أو مع "ها" التنبيه صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان المتوسط؛ مثل: هنا، أو: "ها هناك" فى الحديقة الفواكه. وإن اتصل بآخرها كاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان البعيد؛ مثل: هنالك فى الصعيد أبدع الآثار. وفى هذه الصورة تمتنع "ها" التنبيه، لأن "ها" التنبيه لا تجتمع مع لام البعد - كما أشرنا -.
وقد يدخل على صيغتها بعض تغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد؛ من ذلك، هَنَّا، هِنَّا، هَنَّتْ - هِنَّت... فهذه لغات فيها، وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.
وأما الأخرى: "ثَمّ" فاسم إشارة إلى المكان البعيد؛ مثل: تأمل النجوم فثَم الجلال والعظمة. وهى كسابقتها ظرف مكان لا يتصرف، إلا أن "ثَمَّ" للبعيد خاصة، ولا تلحقها "ها" التنبيه" ولا كاف الخطاب، وهما اللذان قد يلحقان نظيرتها. وقد تلحقها - دون نظيرتها - تاء التأنيث المضبوطة - غالبًا - بالفتح؛ فيقال ثَمَّة.
ومما تقدم نعلم أن المكان باعتباره وعاء، أىْ: ظرفًا - يقع فيه أمر من الأمور ومعنى من المعنى - قد اختص وحده باسمين من أسماء الإشارة؛ فلا يشار إليه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا كانا فى محل نصب على الظرفية لا يفارقها أحدهما إلا إلى الجر بمن أو إلى. أما بقية أسماء الإشارة فتصلح لكل مشار إليه، مكانًا أو غير مكان. إلا أن المشار إليه إذا كان مكانًا فإنه لا يعتبر ظرفًا؛ مثل هذا المكان طيب، وتلك بقعة جميلة، فكل واحدة من كلمتى: "مكان"، و"بقعة" مشار إليه، دال على المكان، ولكنه لا يسمى ظرفًا.
وفى الجدول الآتى بيان أسماء الإشارة فى الأنواع الخمسة السابقة؛ وهى التى يلاحظ فيها المشار إليه من ناحية إفراده، وتثنيته؛ وجمعه، مع التذكير، والتأنيث، العقل، وعدمه، فى كل حالة، وكذلك مع القرب، والتوسط، والبعد:

نوع المشار إليه
(عاقلا وغير عاقل

أسماء الإشارة للمذكر
وللمؤنث

اسم الإشارة للقريب

للمتوسط

للبعيد

ملاحظات

المفرد - بنوعيه، المذكر، المؤنث - لما سبق الكلام إليه فى: ا، ب

 

 

 

(ا) المذكر: "ذا"

هذه

الأسماء

كما

هى

للمشار

إليه

القريب

"ذاك"

"ذلك

 

 

 

 

 

لا يكون للمؤنث البعيد إلا الثلاثة التى للمتوسط - مختومة بالكاف واللام معا - ولهذا يرى فريق من النحاة أن يكون التقسيم للقرب والبعد فقط؛ من غير وجود قسم للمتوسط؛ بحيث تنضم الأسماء التى للمتوسط إلى البعيد، ولأن المثنى أيضاً ليس له بعيد... والشائع أن التقسيم ثلاثى، لكل قسم أسماء خاصة به وما لاحظ له من بعض أسماء الإشارة يظل بغيرها

(مبنى على الشكون دائماً فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة

بزيادة حرف الخطاب أى: الكاف المتصرفة - فى الأشهر - المبنية على الفتح أو غيره، على حسب المخاطب، لا محل لها

(بزيادة لام البعد مع كاف الخطاب)

"ب" المؤنث: ذى - ذهٍ (باختلاس) ذِهِ (بإشباع) - ذات تّى - تا - تهْ
تهِ (باختلاس) - تهِ (بإشباع) مبنى على .. فى محل ... على حسب موقعه من الجملة

ذِيك - تيكِ - تاكِ (بزيادة حرف الخطاب فى هذه الثلاثة، وأما غيرها من بقية الأسماء العشرة التى للمفردة المؤنثة فلا يكون منه شئ للمتوسط

ذِلِِْك - تِلك - تَلك
بزيادة لام البعد مع كاف الخطاب وحذف الياء والألف لالتقاء الساكنين ولا تدخل اللام فى غير هذه الثلاثة بسبب عدم دخول الكاف

المثنى بنوعيه كما سبق الكلام عليه فى: حـ، د

 

 

 

 

(ا) المذكر: "ذان" رفعا (مرفوع بالألف، لأنه كالمثنى) "ذين": نصباً وجرا (بالياء فيهما؛ لأنه كالمثنى)
(ب) المؤنث: "تان" رفعاًـ بالألف؛ (لأنه كالمثنى).
"تَينِ" نصبا وجرا (بالياء (لأنه كالمثنى)

 

ذانك

ذينك
و
تانك

تينك

 

 

بزيادة
حرف
الخطاب

.....................
لا يكون فى أسماء الإشارة للمثنى ما هو للبعد؛ تبعاً لعدم دخول كاف الخطاب

الجمع بنوعيه كما سبق الكلام عليه فى "هـ"

 

 

أُولَى:
مبنى على السكون فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب جملته.
أُولاءِ:
مبنى على الكسر فى محل رفع، أو نصب، أو جر... إلخ

أولاك

 

أولئك

 

 

بزيادة حرف الخطاب

أُولَى لك.
بزيادة لام البعد مع كاف الخطاب

لا تستعمل للبعد - على الأرجح -

 

 

 

 

 

اسمان للإشارة مع الظرفية المكانية

 

هُنا. (مبنى على السكون فى محل نصب، ظرف مكان)

 

 

للقريب

هناك

 

 

بزيادة حرف الخطاب

هنالك بزيادة لام البعد مع كاف الخطاب

 

ثَمّ (مبنى على الفتح فى محل نصب ظرف مكان).

 

 

 

 

للبعيد

هى نفسها للبعد، فلا تكون لغيره، ولا يزاد عليها شئ

 

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب اسم الإشارة ) ضمن العنوان ( المسألة 25: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها. )


عند اختيار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا: حالة المشار إليه من ناحية: (إفراده، أو: تثنيته، أو: جمعه) و (تذكيره، أو تأنيثه) (عقله، وعدم عقله) ثم نعرف ثانيًا: حالته من ناحية: (قربه، توسطه، أو بعده).
(ا) فإذا عرفنا حالته من النواحى الأولى تخيرنا له من أسماء الإشارة ما يناسب؛ فالمشار إليه إن كان مفردًا مذكراً - عاقلا أو غير عاقل - كرجل وباب، نختار له: "ذا"، مثل: ذا رجل أديب، ذا باب مُحكَم. فكلمة "ذا" اسم إشارة، مبنى على السكون فى محل رفع، لأنها مبتدأ فى هذه الجملة، وقد تكون فى محل نصب أو جرّ فى جملة أخرى، فمثال محلها المنصوب: نجح العلماء فى إرسال القذائف إلى القمر؛ فنزلت على سطحه، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر:
*أيها الناس، إن ذا العصرَ عصُر الـ * ـعلْم، والجدّ فى العلا، والجهاد*
ومثلها محلها المجرور قول الآخر:
*ولسْتُ بإمَّعَةٍ فى الرجالِ * أسائل عن ذا، وذا، ما الخبر؟*
فهى مبنية دائمًا. ولكنها فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجمل.
وإن كان المشار إليه مفردة، مؤنثة عاقلة أو غير عاقلة - مثل: فتاة وحديقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو: "ذى" أو إحدى أخواتها مثل: ذى غرفة بديعة - ذى فتاة ما هِرة ... وهى اسم إشارة مبنية دائمًا على السكون فى محل رفع، لأنها مبتدأ، هنا، أما فى جملة أخرى فمبنية أيضاً، ولكن فى محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مثنى مذكرًا - للعاقل أو غيره - مثل: فارسين - وقلمين - فاسم الإشارة المناسب له: "ذَان" رفعًا، و "ذَيْن" نصبًا وجرا؛ فيعرب كالمثنى؛ تقول: ذان فارسان، حاكيت ذَيْن الفارسين، اقتديت بذين الفارسين - ذان قلمان جميلان، اشتريت ذَيْن القلمين، كتبت بذين القلمين؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف فى حالة الرفع، ومنصوب ومجرور بالياء فى حالتى النصب والجر. وكذا فى كل جملة تشبه هذه.
فإن كان المشار إليه مثنى مؤنثًا - للعاقل أو غيره - (ومنه: فصيحتان، وردتان...). فاسم الإشارة الذى يناسبه هو: "تانِ" رفعًا، و"تَيْنِ" نصبًا وجرًّا، فيُعرب إعراب المثنى؛ تقول: تان فصيحتان، إن تين فصيحتان، أصغيت إلى تَيْن الفصيحتين. وتانٍ وردتان - شمِمْت تَيْن الوردتين، حرَصت على تَيْن الوردتين؛ فاسم الإشارة هنا كسابقه - معرب إعراب المثنى. وكذا فى كل جملة أخرى.
وإن كان جمعًا للعاقل أو غيره مثل: الطلاب - الأبواب - أتينا باسم الإشارة المناسب؛ وهو "أولاء" ممدودة أو مقصورة، تقول: أولاء الطلاب نابهون، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبنى على الكسر فى محل رفع؛ لأنه مبتدأ.أما فى جملة أخرى فيكون مبنيًّا أيضًا ولكنه فى محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعة من الجملة التى يكون فيها: ومثله: "أُولَى" المقصورة. إلا أنها فى جميع أحوالها مبنية على السكون فى محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مكاناً أتينا بكلمة: "هُنَا" وهى إشارة وظرف مكان معًا فهى مبنية على السكون - أو غيره على حسب لغاتها - فى محل نصب؛ لأنها ظرف غير متصرف - كما سلف - تقول؛ هنا موظف العلم؛ أى: فى هذا المكان. وقد يكون قبلها "ها" التى للتنبيه وحدها، نحو: ها هنا، أو هى والكاف المفتوحة نحو: ها هناك. وقد يلحقها الكاف واللام معًا بشرط عدم وجود "ها" التى للتنبيه.
ومثلها. "ثَمّ" فهى اسم إشارة للبعد وظرف مكان معًا - ولا يتصرف -، مبنية على الفتح فى محل نصب تقول: ثَمَّ مَقَر السماحة. أى: هنالك. ويجوز أن تلحقها تاء التأنيث المفتوحة فتقول: ثَمَّةَ ميدان للتسابق الأدبى. ولما كانت "ثمّ" تفيد البعد بنفسها لم يكن هنا داع لأن تلحقها الكاف ولا اللام.
ومما تقدم نعلم:
أن كل مشار إليه له اسم إشارة يناسبه؛ وكل اسم إشارة مقصور على مشار إليه بعينه، وأن جميع أسماء الإشارة مبنية؛ إما على السكون أو غيره، ولكنها فى محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب تصرفها، وموقعها من الجملة. وليس فيها معرب إلا كلمتان؛ هما "ذان" للمذكر المثنى "وتان" للمؤنث المثنى؛ فيعربان إعراب المثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، ومع أنهما معربان، فإنهما لا يضافان - كما سبق - فشأنهما فى ذلك كشأن المبنى من أسماء الإشارة؛ لا يجوز إضافة شىء منه مطلقًا.
(ب) وإذا عرفنا حالته فى ناحية قربه أو بعده أو توسطه لم يتغير شىء من طريقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد فى آخر واحد منها كاف الخطاب الدالة على التوسط (نحو ذاك... هناك) قيل فيها: "الكاف" حرف خطاب، مبنى لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحياناً، مثل: "ذلك" - وهذه اللام لا توجد منفردة عن الكاف - كما أشرنا - قيل فيها: اللام حرف للبعد، مبنى على الكسر فى نحو: ذلك، وعلى السكون فى نحو: تَلْك... لا محل لها من الإعراب. وإن وجد فى أول اسم الإشارة "ها" التى للتنبيه؛ مثل: "هذا" قيل فيها: حرف تنبيه مبنى على السكون لا محل له. (مع ملاحظة أن الكاف بعد كلمة: "هنا" حرف خطاب لا يتصرف مطلقًا فهو مبنى على الفتح دائمًا، أما بعد غيرها فيجوز أن تتصرف.
زيادة وتفصيل:
(ا) للمناسبة هنا وللأهمية نلخص ما ذكرناه وأيدناه بالنصوص المسموعة الصحيحة فى ص 203 وهو أنه: يجوز الفصل بين: "ها" التى للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه؛ مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنت ذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد... وقد يكون الفصل بغير الضمير قليلا؛ كالقسم بالله؛ نحو: ها - والله - ذا الرجلُ محب لوطنه. وكذلك "إن" الشرطية - مثل ها - إن - ذى حسنةٌ تتكررْ يُضاعف ثوابُها ... وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفصل، لتوكيد التنبيه وتقويته؛ مثل: ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع.
والشائعغ هو دخول: : "ها" التى للتنبيه على ضمير الرفع المنْفصل الذى خبره اسم إشارة، نحو: هأنذا المقيم على طلب العلوم. ومن غير الشائع - مع صحته طبقًا للبيان والأمثلة المتعددة التى فى ص 203 - دخولها إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن.
ويُستأنَس لهذا أيضًا - وإنْ كان فى غنى عنه لكنه فى معرض التخصيص - بما جاء فى الصبان والخضرى معًا فى باب الحال عند الكلام على العامل المضمن معنى الفعل، كتلك، وليت، وكأن، وحرف التنبيه... حيث قالا فى التمثيل لحرف التنبيه: (هأنت زيد راكبا...) ا.هـ وهذا لمجرد الاستثناس فقط فقد سبقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن يستشهد بكلامه من العرب.
"ملاحظة" يتعين أن يكون اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التى للتنبيه مبتدأ فى مثل: هذا أخى. لأن "ها" التنبيهية لها الصدارة بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل الضمير بينهما فى مثل: "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ، واسم الإشارة هو الخبر. ويجوز: "هذا أنا" ولكن الأول أحسن وأسمَى فى الأساليب الأدبية العالية - كما ستجئ الإشارة لهذا فى رقم 8 من ص 454، وتكملتها فى رقم 3 من هامش ص 455.
(ب) عرفنا أن كلمة "هنا" اسم إشارة للمكان القريب، وظرف مكان معاً. وقد تقع: "هُناك" و "هنالك" و "هَنَّا" المشددة - أسماء إشارة للزمان؛ فتنصب على الظرفية الزمانية؛ مثل قول الشاعر:
*وإذا الأمورُ تشابهتْ وتعاظمتْ * فهناك يعترفون أين المفزعُ*
أى: فى وقت تشابه الأمور. وكقوله تعالى عن المشركين: {يوم نحشرهم...} إلى أن قال: {هناك تَبْلُو كُلّ نفس ما أسلَفَتْ}، أى: فى يوم حشرهم.
وكقول الشاعر:
*"حَنَّت نوارُِ ولات هَنَّا حَنَّت * وبدَا الذى كانت نوَارُِ أَجنت".*
أى: ولات فى هذا الوقت حنين.
(حـ) يطلق النحاة على أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسمًا خاصًّا؛ هو "المُبْهمات"، لوقوعها على كل شىء؛ من حيوان، أو نبات، أو جماد، وعدم دلالتها على شىء معين، مفصَّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها؛ فالموصول لا يزول إبهامه إلا بالصلة، نحو: رجع الذى غاب، كما ستجئ. واسم. الإشارة لا يزول إبهامه إلا بما يصاحب لفظه من إشارة حسية كما عرفنا. ولذلك يكثر بعده مجئ النعت، أو البدل، أو عطف البيان؛ لإزالة إبهامه، ومنع اللبس عنه؛ تقول؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الموصول ) ضمن العنوان ( المسألة 26: تقسيم الموصول، وتعريفه. )


الموصول قسمان: اسمى، وحرفى. وسنبدأ بالأول.
تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية:
(ا) فرح الذى... - سمعت الذى... - أصغيت إلى الذى...
(ب) فرح الذى (حضر والده) - سمعت الذى (صوته مرتفع) - أصغيت إلى الذى (فوق المنبر).
(حـ) وقفت التى... - احترمت التى... - لم أشهد التى...
(د) وقفت التى (تخطب) - احترمت التى (خُطبَتُها رائعة) - لم أشهد التى (أمام المذياع).
فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهو حيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أو النبات، أو الجماد؟ إذًا هو اسم غامض المعنى، مبهم الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه.
لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة - رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما فى القسم الثانى "ب".
وكذلك الشأن فى قسم "جـ" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التى"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلى للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: (التى) بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولا، وعن الجملة تبعًا له، كما فى القسم "د".
فكلمة "الذى" و "التى" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج - دائمًا - فى تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه - إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، ولا بد فى الجملة من ضمير يعود عليه، أو ما يغنى عن الضمير.
ألفاظ الموصول الاسمى:
ألفاظه قسمان: مختص، وعام (ويسمى: مشترَكا).
فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه.
والعام أو المشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها.
وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:

اللفظ المختص

النوع الذى يستعمل فيه

1- الذى .....

ويختص بالمفرد المذكر؛ سواء أكان عاقلا، أم غير عاقل؛ تقول: الذى كتب الرسالة منشئ - الذى يتلألأ فى السماء نجم.
وكلمة: "الذى" مبنية على السكون دائماً فى كل أحوالها. غير أنها تكون فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجملة.

2- التى .....

وتختص بالمفردة المؤنثة، عاقلة كانت أم غير عاقلة، تقول: التى رسمت الصورة بارعة - التى أنارت الكون شمس كبيرة.
وكلمة "التى" مبنية على السكون دائماً فى كل أحوالها؛ وتكون فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجملة.

3- اللَّذانِ.....
واللَّذيْن

ويختص بالمثنى المذكر؛ عاقلا أو غير عاقل. ففى حالة الرفع تحذف الياء من الاسم المفرد وهو: "الذى" ونجئ بعلامتى التثينة (الألف والنون المكسورة). وفى حالة النصب والجر نحذف الياء أيضاً من ذلك المفرد، ونجئ بعلامتى التثنية؛ وهى: الياء المفتوح ما قبلها والنون المكسورة بعدها؛ نحو: نجا اللذان استعدا. عاونت اللَّذيْن استعدا، قصدت إلى اللَّذَيْنِ استعدا. ونحو: العلم والمال هما اللذانِ يَبنيانِ الأمم - إن اللَّذيْنِ شاهدتهما صديقان كَريمان - بادرت إلى اللَّذينِ شاهدتهما.
والأحسن أن تكون "اللذان" و "اللتان" معربتان إعراب المثنى، وأن تكون نونهما مكسورة من غير تشديد فى جميع أحوالها - رفعاً ونصباً، وجراً

4- اللتانِ - اللتين

ويختص بالمثنى المؤنث، عاقلا: وغير عاقل. وينطبق عليه كل ما سبق فى: "اللذان"؛ من حيث حذف ياء المفرد، وزيادة علامتى التثنية وإعرابه إعراب المثنى، ومن حيث تشديد النون وعدم تشديدها؛ تقول؛ اللتان تحسنان عملهما تفوزان - أعرف اللتين فازتا - أكبرت شأن اللتين فازتا...

5- الأُلَى، مقصورة أو: الأُلاءِ، ممدودة

للعقلاء من جمعى المذكر والمؤنث، تقول: سرنى الألَى هاجروا فى طلب العلم، أو الأُلاءِ.... وراقتنى "الأُلَى"، خدمن بلادهن بإخلاص ... أو: الأُلاء. ومن أمثلتها لجمع المذكر قول الشاعر يمدح:
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم
                فما يبالون مالاقَوْا إذا حُمِدوا
... والأُلَى بالقصر مبنية على السكون. أما الممدودة فمبنية على الكسر، وكلاهما فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة.

6- الَّذينَ

للجمع المذكر العاقل؛ تقول: الذين ينقادون للغضب يلاقون شر العواقب.
وكلمة: "الذين" لا تتغير حالتها رفعاً ولا نصباً ولا جرًّا؛ لأنها اسم مبنى على الفتح دائماً فى محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعها من الجملة. وهذا الرأى وحده هو الأولى بالاتباع.

7، 8 الَّلاتِ، أو: الَّلاتِى،

والَّلاءِ، أو: اللائى

وتختص بجمع المؤنث للعاقلة وغير العاقلة، تقول: الَّلات سبقْن فى الميدان العملى كثيرات، ومنهن الَّلاءِ اشتهرن بالاختراع ... أو اللاتى أو: اللائ. وامتلأ البحر بالسفن اللاتِ تشقه طولا وعرضاً، وهى محملة بالبضائع المتنوعة اللاء تنتقل بين أطراف المعمورة... أو اللاتى أو: اللائى.
(واللات واللاء مبنيتان على الكسر. أما اللاتى واللائ فمبنيتان على السكون). وكلها فى محل رفع، أو: نصب، أو: جرّ، على حسب موقعها من الجملة

وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها.
أما ألفاظ القسم العام (وهو المشترَك) فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق فى القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التى يدل عليها؛ لأنه مبنى، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَىّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب، - كما سيجئ فى ص 327 -
ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذى يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجئ بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك.
وإليك الألفاظ الستة، ونواحى استعمالها:
(ا) مَن: أكثر استعمالها فى العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر:
*ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ * على نائبات الدهر حين تنوبُ*
وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن.
وقد تستعمل فى غير العقلاء فى الأحوال الآتية:
(ا) إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة: "مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة....
(ب) إذا وقع مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم فى استعمال: "مَن". كأن تسمع البلبل يشدو بلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى... وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلاَّنىِ...
(حـ) أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شىء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعى أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟
زيادة وتفصيل:
كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا، مراعاة للفظها - وهو الأكثر -. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهو كثير؛ فمن الأول قوله تعالى: {ومنهم منْ يُؤْمنُ به ومنهم مَنْ لا يُؤْمِنُ به}.
ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثانى قوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك" وقول الفرزدق:
*تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى * نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ*
فالفاعل فى الآية واو الجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها:
وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُوَ مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: "{ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين..}"
ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ: "مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".
2- "ما" وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع:
(ا) إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض}. وقول الشاعر:
*إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ * فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ*
(ب) أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحو أكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أو بالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها.
(حـ) المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إنى لا أتبين ما أراه، أو لا أدرك حقيقة ما أراه... وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إنى نَذَرتُ لك ما فى بطنى مُحَرَّرًا فتَقَبَّلْ منى}...
زيادة وتفصيل:
(ا) تصلح (من) و (ما) للأمور الخمسة الآتية:
1- اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {ما عندكم ينفَدُ، وما عند الله باقٍ}. وقول الشاعر:
*إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى * حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ*
2- اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟
3- اسم شرط، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا.
4- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك (أى: ربّ إنسان نصحته استفاد...) ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك (أى: رب شىء كرهته) وربّ ما مكروه أفاد... ومن هذا قول الشاعر:
*الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به * وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ*
والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان.
كما أن الغالب فى "ما" التى هى نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شىء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهى نكرة غير موصوفة، بمعنى: شىء، أيضًا، وتسمى: تامة.
5- نكرة تامة (أى: غير موصوفة) - وهى التى سبقت الإشارة إليها - مثل: رُب من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر.
(ب) تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية:
1- التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا.
2- النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك.
3- أن تكون كافة؛ وهى التى تدخل على العامل فتكُفّه (أى: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا) كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه - ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب فى الكتابة وصل "رُب" بكلمة: "ما" الكافة؛ لأن الذى يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق.
4- أن تكون زائدة (أى: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى) وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا... أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: "مما خَطيئاتِهم أُغْرِقوا...
5- مصدرية ظرفية (أى: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معًا كما سيجئ البيان آخر هذا الباب)، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أى: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر:
*ترى الناس ماسِرْنا يسيرون خلْفنا * وإنْ نحنُ أوْمَأنا إلى الناس وقَّفوا*
أى: مدة سيرنا.
6- أن تكون مصدرية غير ظرفية (أى: تُسبك مع ما بعدها بمصدر فقد كما سيجئ فى آخر الباب). مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أى: بإخلاصهم.
7- أن تكون مُهَيَّئة. (وهى التى تدخل على كلمة غير شرطية. فتهيئها وتُعِدها لمعنى الشرط وعمله) كدخول "ما" على "حيث"، فى مثل: حيثما تَصْدقْ تجدْ لك أنصارًا.
8- أن تكون مُغيِّرة... (وهى التى تدخل على أداة شرطية؛ فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على "لو" فى مثل: "لوْما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما"، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض.
9- أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد؛ لأمر أىّ أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإيهامية". ويتفرغ على الإبهام إما الحقارة؛ نحو: أعْط فلانًا شيئًا ما. تريد شيئًا تافهًا حقيرًا، وإما التفخيم؛ نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب... وإما النوعية؛ نحو: عاوِنْ عليّا معاونة ما، تريد: نوعًا من المعاونة.
ويقول بعض المحققين من النحاة: إنها فى كل المواضع السابقة الخاصة بالصفة ليست صفة؛ وإنما هى زائدة؛ تفيد التنبيه؛ وتقوية المعنى، ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس فى كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أىَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون.
وهذا الخلاف شكلى، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا - وهو الأسهل - أو اسمًا يعرب صفة.
3- ... "أل" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا وغير مفرد؛ نحو: جاءنى الكاتب، أو: الكاتبة؛ أو: الكاتبان، أو الكاتبتان، أو: الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة؛ فتكون الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه.
هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة - فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها، التى تعرَب مع مرفوعها صلة لها.
4- "ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذو تعلَّمَ وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ. وهى مبنية على السكون المقدر على الواو، فى محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها
5- "ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" فى كل ما سبق، ومنه قول الشاعر:
*مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها * أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟*
وقول الآخر:
*مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا * أو من نَحدِّ ثُ بعدك الأسرارا*
فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و "ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أو غيره - خبر، مبنى على السكون فى محل رفع. ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط:
أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته... ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما".
ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو "ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهو الاستفهام غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها (وإن كانت ذات جزأين) وفى معناها أيضًا - وهو الاستفهام غالبًا - كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا".
وفى حالة التركيب التى وصفناها تسمى: "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول.
ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق؟
تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟
زيادة وتفصيل:
(ا) عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهو الاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة.
أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها:
أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أو نصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، (مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا... إلخ). ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر:
*منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَسـ * ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ*
وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و "ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أو صنعت ماذا؟...
وفى الإلغاء الحقيقى تحذف ألف "ما" الاستفهامية فى حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ (وهى: حذف الف "ما" الاستفهامية عند جرها). بخلاف الإلغاء الحكمى لأن أداة الاستفهام فيه هى "ماذا" وليست "ما".
(ب) لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب - كما قلنا -؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هى: "ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر:
*دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه * ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّرينى*
فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة: "علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة: "علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته.
مما تقدم نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟" جاز لنا أن نجعل "ماذا" و "من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو "من" استفهام مبتدأ و "ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و "من ذا" بشطريهما موصولتين أو نكرتين موصوفتيين على حسب ما أوضحنا... و ... و ....
ويظهر أثر الإلغاء وعدمه فى توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفى الجواب عنه. ففى مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمى؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء.
وكالمثال السابق فى صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" فى قول الشاعر:
*ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟ * أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟
ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أو برفعهما على الاعتبارين السالفين.
أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالنصب على البدلية من "ماذا" التى هى مفعول به مقدم لكتبت، ويكون فى الكلام إلغاء. والرفع على البدلية من كلمة "ذا" بمعنى "الذى" على اعتبارها خبر "ما" فلا يكون فى الكلام إلغاء. ومنه قوله تعالى: {يَسألونك: ماذا ينفقون؟ قل: العفوَُ} - أى: الزيادة - بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {ماذا أنزل ربكم؟. قالوا: خيرًا}، أو خير.
(حـ) فى نحو قوله تعالى: {من ذا الذى يُقْرضُ اللهَ قرضًا حسنًا فيضاعفَه له...} يصح فى كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقى أو الحكمى. وفى الحالتين تكون كلمة: "الذى" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذى" خبر "من". وتكون كلمة: "الذى" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التى هى اسم موصول بمعناها.
"ملاحظة": يصح فى بعض الصور التى سبقت (فى: ا و ب و جـ) إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا.
6- "أىّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرنى أىٌّ هو نافع. يسرنى أىٌّ هى نافعة. يسرنى أىٌّ هما نافعان. يسرنى أىٌّ هما نافعتان. يسرنى أىّ هم نافعون. يسرنى أىّ هن نافعات.
وتختلف "أىٌّ" فى أمر البناء والإعراب؛ عن باقى أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هى فتُبْنى فى حالة واحدة، وتعرب فى غيرها.
فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية، صَدْرُها - وهو المبتدأ - ضمير محذوف؛ نحو: يعجبنى أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب فى الحالات الآتية.
(ا) إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة (وهو؛ المبتدأ) ضميرًا مذكورًا؛ نحو: سيزورنى أيُّهم (هو أشجعُ) - سأصافح أيَّهم (هو أشجعُ) - وسأُقبل على أيِّهم (هو أشجعُ).
(ب) إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر فى الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أىٌّ (هو مخلص) - سنكرم أيًّا (هو مخلص) - سنحتفى بأىٍّ (هو مخلص).
(حـ) إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ.
(د) وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم (محمد مكرمه). أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أو فعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك.
زيادة وتفصيل:
يسوقنا الكلام على "أىّ" إلى سرد أنواعها المختلفة. وهى ستة - كلها معربة إلا "أىّ" التى تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أىّ" الموصولة، وقد سبقت.
1- موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذى فى باب الإضافة -، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأى. وتجب مراعاة لفظها فى الضمير العائد إليها، وفى كل ما يتعلق بالمطابقة.
أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأىُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًا أو عطفا بالواو؛ فمثال التَّعدد الصريح: أىُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذى يلحَظ فيه ما يكون فى الفرد الواحد من أجزاء متعددة، مثل: أىُّ محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أىُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيى وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا...
وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة - طبقًا لما سيجئ فى باب الإضافة.
3- أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أو مقدر، أو عطفًا عليها بالواو معرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟.
وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أو معنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى جـ3 - باب الإضافة.
4- أن تكون اسما معرباً، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى فى مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة - فى الغالب - وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أى: المعنى المجرد الذى يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أىَّ فارس... فالمعنى المقصود من المدح، هو: "الفروسية" المفهومة من المشتق (فارس) وإذا قلنا: احترسنا من خائن أىِّ خائن... فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق (خائن). أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الى يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إنى مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا أىَّ رجل،... فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التى يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أىُّ امرأة... فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التى تذم بها المرأة.
والأغْلب فى النكرة التى هى المضاف، والتى ليست مصدرًا - لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته - أن تكون مذكورة فى الكلام، ومن الشاذ الذى لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها فى قول القائل: إذا حارب الحجاج أىَّ منافق... يريد: منافقًا أىّ منافق.
ويقول النحاة: "إن هذا فى غاية الندور" فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأىّ" هو المبالغة فى المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذى ليس بمصدر، وإضافتها لفظًا ومعنى معًا.
5- أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى فى مدح أو ذم. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى علىّ أىَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا.
6- أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو: {يأيها الإنسانُ ما غرَّك بربك الكريم}. وهذه مبنية قطعًا.
* * *
ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة - لفظية ومعنوية - مفصلة فى الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابى "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.
كما عرفنا أن كلمة: "أى" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة فى الأغلب نحو: فرحت برسالة أىّ رسالة. انتصر محمود أىَّ قائد. وأما التى هى وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهى مبنية. وكذلك "أى" الموصولة فإنها مبنية فى إحدى حالاتها التى أوضحناها. أما بقية أنواع "أى"؛ من شرطية، واستفهامية، ... و .... فمعربة.
ولما كانت "أى" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير... عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟
أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو: "أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هو الغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟... أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض"...
ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أو مراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى.
وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة (أى: المشتركة).
ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة فى الجدول الآتى:
* * *
(ا) الألفاظ المختصة الثمانية:

اللفظ المختص

النوع الذى يصلح له

حكمه من ناحية الإعراب والبناء

1- الذى . . . .

المفرد المذكر مطلقاً (أى: عاقلا، وغير عاقل)

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب جملته.

2- التى . . . .

المفردة المؤنثة، مطلقاً

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب جملته.

3- اللذانِ - اللذيْن

المثنى المذكر، مطلقاً

الأحسن أن يعرب إعراب المثنى.

4- اللتان - اللتينِ

المثنى المؤنث مطلقاً

الأحسن أن يعرب إعراب المثنى.

5-

 

 

الألَى. . . .
أو:
الألاء

الجمع المذكر والمؤنث مطلقاً

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب جملته.
مبنى على الكسر فى محل. . . على حسب جملته.

6- الَّذين  . . . .

الجمع المذكر العاقل. . . .

مبنى على الفتح فى محل . . . على حسب جملته.

7، 8- اللاتِ، اللاتي
و:
اللاءِ - اللائى

 

 

الجمع المؤنث بنوعيه

اللات، واللاء، مبنيتان على الكسر فى محل . . . على حسب الجملة
واللاتى واللائى مبنيتان على السكون فى محل . . . على حسب الجملة







فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناه، وكذلك جمعه، فالمجموع ثلاثة ألفاظ.
وللمفردة المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مُثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة.
وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة. فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.
(ب) الألفاظ الستة العامة، (أى: المشتركة):

اللفظ العام

النوع الذى يصلح له

حكمه من ناحية البناء أو الإعراب

1- مَنْ . . . .

أكثر استعماله فى العقلاء؛ إفراداً، وتثنية، وجمعاً وقد يستعمل فى غيرهم أحياناً

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب الجملة.

2- ما . . . .

أكثر استعماله فى غير العقلاء إفراداً، وتثنية، وجمعاً. وقد يستعمل فى غيرهم

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب الجملة.

3- أل . . . .

يستعمل فى جميع الأنواع، ويشترط فى صلته أن تكون صفة صريحة: (اسم فاعل أو: اسم مفعول فقط)

مبنى على السكون. ولكن يحسن إعرابه، وألا يظهر الإعراب عليه، وإنما يكون على الصفة الصريحة المتصلة به. باعتبارها بمنزلة كلمة واحدة - كما شرحنا -.

4- ذو . . . .

يستعمل فى جميع الأنواع

مبنى على السكون فى محلّ . . . على حسب جملته.

5- ذا . . . .

يستعمل فى جميع الأنواع بثلاثة شروط

مبنى على السكون فى محل . . . على حسب الجملة

6- أىّ . . . .

يستعمل فى جميع الأنواع

مبنى على الضم فى حالة واحدة، ويعرب فى غيرها.

* * *
كيفية إعراب أسماء الموصول:
(ا) جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى؛ هما: "اللذان" "واللتان". وما عدا هذين الاسمين يلاحظ فى إعرابه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به...، أم مبتدأ، أم خبر... أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه - نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ (موقعه من الجملة، وحالة آخره) قلنا فى إعرابه: اسم موصول مبنى على السكون، أو على حركة كذا، فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها فى محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون فى محل رفع، لأنها فاعل. وفى مثل: ودعت الذى سافر - مبنية على السكون فى محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفى مثل: أشرت على الذى سافر بما ينفعه - مبنية على السكون فى محل جر بعلى.
ومثل هذا يقال فى باقى الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التى"، و"أولَى" مقصورة، واللاتى، واللائى. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو: "أولاءِ"، و "اللاتِ" و"اللاءِ". أو مبنيًّا على الفتح وهو: "الذينَ".
أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و "اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و "اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء.
(ب) وجميع الأسماء الموصولة العامة (أى: المشتركة) مبنية كذلك؛ إلا (أىّ)؛ فإنها تكون مبنية فى حالة، وتكون معربة فى غيرها، على حسب ما أوضحنا.
والأساس الذى نتبعه فى الموصولات العامة هو الأساس الذى بيناه فى الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول... أو ...؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبنى على السكون أوعلى حركة "كذا" فى محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه ... أو ...
فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن فى محل رفع، أو نصب، أو جر، ف فهى فى مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون فى محل رفع؛ لأنها فاعل. وهى فى مثل: آنستُ "مَنْ" حضر 0 مبنية على السكون فى محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهى فى مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون فى محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء.
وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو "من" الاستفهاميتين.
أما "أل" الموصولة فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهو اللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول: "الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الموصول ) ضمن العنوان ( المسألة 27: صلة الموصول والرابط. تعريفها وشروطها. )


الموصولات كلها - سواء أكانت اسمية أم حرفية - مبهمة المدلول، غامضة المعنى، كما عرفنا. فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها وغموضها، وهو ما يسمى: "الصلة". فالصلة هى التى تُعَين مدلول الموصول، وتُفَصّل مجمله، وتجعله واضح المعنى، كامل الإفادة. ومن أجل هذا كله لا يستغنى عنها موصول اسمى، أو حرفى. وهى التى تُعرّف الموصول الاسمى. - فى الصحيح -
شروطها:
الصلة نوعان: جملة (اسمية أو: فعلية) وشبه جملة. والجملة هى الأصل.
فأما النوع الأول - وهو الجملة بقسميها - فمن أمثالها قول الشاعر يصف إساءة أحد أقاربه:
*ويَسْعَى إذا أبْنِى لِيْدِمَ صَالحِى * وليس الذى يَبْنِى كمنْ شأنُه الهدمُ*
ولا يتحقق الغرض منها إلا بشروط، أهمها:
1- أن تكون خبرية لظفاً ومعنى، وليست للتعجب؛ نحو؛ اقرأ الكتاب الذى "يفيدك". بخلاف: اقْرأ الكتاب الذى "حَافِظْ عليه" لأن جملة؛ "حافظْ عليه"، إنشائية، وليست خبرية. وبخلاف: مات الذى "غفر الله له" لأن جملة: "غفر الله له" خبرية فى اللفظ دون المعنى؛ إذ معناها طلب الدعاء للميت بالغفران؛ وطلب الدعاء إنشاء، لا خبر. وبخلاف: هنا الذى "ما أفْضَلَه"؛ لأن الجملة التعجية إنشائية - فى رأى كثير من النحاة - برغم أنها كانت خبرية قبل استعمالها فى التعجب. ويلحق بالخبرية - هنا - الإنشائية التى فعلها: "عسى".
قد يصح فى: "إنْ" - وهى من الموصولات الحرفية - وقوع صلتها جملة طلبية: نحو: كتبت لأخى بأن دَاوِمْ. على أداء واجبك. وهذا مقصور على "أنْ" دون غيرها من الموصولات الاسمية والحرفية.
2- أن يكون معناها معهداً مفصلاً للمخاطب، أو بمنزلة المعهود المفصَّل.
فالأولى مثل: أكرمت الذى قابلك صباحاً؛ إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فى شخص مُعَين. ولا يصح غاب الذى تكلم، إذا لم تقصد شخصاً معيناً عند السامع.
والثانية: هى الواقعة فى مَعْرِض التفخيم، أو معرض التهويل؛ مثل: يا له من قائد انتصر بعد أن أبدى من الشجاعة ما أبْدى!! ويا لها من معركة قُتل فيها من الأعداء مَنْ قُتل!!.أي: أبْدَى من الشجاعة الشىء الكثير المحمود. وقتل فى المعركة الكثير الذى لا يكاد يُعَد. ومثل هذا قوله تعالى: {فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ}. أى: الكثير من العلم والحكمة... وقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}، أى؛ الهول الكثير، والبلاء العظيم.
والمعول عليه فى ذلك كله هو الغرض من الموصول؛ فإن كَان الغرض منه أمرًا معودًا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة، وإن أريد به التعظيم أو التهويل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة.
3- أن تكون مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول - غالباً - ويطابقه؛ إما فى اللفظ والمعنى معًا، وإما فى أحدهما فقط على التفصيل الذى سنعرفه. وهذا الضمير يسمى: "العائد، أو: الرابط" لأنه يعود - غالبًا - على الموصول، ويربطه بالصلة. ولا يكون إلا فى الموصولات الاسمية دون الحرفية، ويجب أن تكون مطابقته تامة؛ بأن يوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حين يكون الموصول اسمًا مختصًا؛ فيطابقه الضمير فى الإفراد، والتأنيث، وفروعهما؛ نحو: سَعِدَ الذى أخلص، واللذان أخلصا، والذين أخصلوا، والتي أخلصتْ، واللتان أخلصتا، واللاتى أخلصْن. ومن هذا قول الشاعر:
*أمَنزلَتىْ مَىٍّ، سَلامٌ عليكما * هل الأزْمُنُ اللاَّتى مَضَيْنَ رَوَاجعُ*
أما إن كان الاسم الموصول عامًّا (أى: مشتركاً) فلا يجب فى الضمير مطابقته مطابقة تامة: لأن اسم الموصول العام: لفظه مفرد مذكر دائماً، كما أسلفنا (مثل: مَنْ - ما - ذو -...) ولكن معناه قد يكون مقصوداً به. المفردة، أو المثنى، أو الجمع. بنوعيها، ولهذا يجوز فى العائد (أى: الرابط). عند أمْن اللبس، وفى "غير أل": مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى وهو كثير أيضًا - بالتفصيل الذى عرفناه - تقول شَقِىَ مَنْ أسْرَف... فيكون الضمير مفردًا مذكرًا فى الحالات كلها؛ مراعاة للفظ "من"، ولو كان المراد المفردة، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما. وإن شئت راعيْت المعنى، فأتيت بالرابط مطابقًا له؛ فقلت: من أسْرَفَتْ. من أسْرَفَتَا - من أسْرفُوا - من أسْرفَّن. فالمطابقة فى اللفظ أو فى المعنى جائزة فى العائد على اسم الموصول المشترك. إلا إن كان اسم الموصول المشترك "أل" فتجب المطابقة فى المعنى وحده؛ لخفاء موصوليتها بغير المطابقة - كما سبق عند الكلام عليها.
وقد يغنى عن الضمير فى الربط اسم طاهر يحل مكان ذلك الضمير، ويكون بمعنى الموصول؛ نحو: اشكر عليًّا الذى نفعك علْمُ علىّ، أي: علمه. ونحو قول الشاعر العربى:
*فيا رَبَّ ليلَى أنتَ فى كُلِّ مَوْطن * وأنت الَّذِى فى رحمةِ اللهِ أطمعُ*
أى: فى رحمته أطمعُ.
زيادة وتفصيل:
(ا) هناك شروط أخرى في جملة الصلة؛ أهمها:
1- أن تتأخر وجوباً عن الموصول؛ فلا يجوز تقديمها، ولا تقديم شىء منها عليه.
2- أن تقع بعد الموصول مباشرة؛ فلا يفصل بينهما فاصل أجنبى؛ (أى: ليس من جملة الصلة نفسها). وألا يفصل بين أجزاء الصلة فاصل أجنبى أيضًا؛ ففى مثل: اقرأ الكتاب الذى يفيدك فى عملك، وأرشدْ إليه غيرَك...، لا يصح اقرأ الكتاب الذى - غيرَك - يفيدك فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبى بين الموصول وصلته، وهو كلمة: "غير" التى هى من جملة أخرى غير جملة الصلة. ولا يصح اقرأ الكتاب الذى يفيدك - غيرَك - فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبي لم يفصل بين الموصول وصلته؛ وإنما تخلل جملة الصلة، وفصل بين أجزائها مع أنه ليس منها... وهكذا.
لكن هناك أشياء يجوز الفصل بها بين الموصولات الاسمية وصلتها إلا "أل" فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها مطلقاً. وكذلك يجوز الفصل بها بين الموصول الحرفى "ما" وصلته - في رأى قوىّ - دون غيره من باقى الموصولات الحرفية.
فأما الأشياء التى يجوز أن تفصل بين هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهى: جملة القسم؛ نحو غاب الذى "والله" قهر الأعداء. أو جمكلة النداء بشرط أن يسبقها ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذى - يا حامد - تتعهد الحديقة، أو بالجملة المعترضة؛ نحو: والدى الذى - أطال الله عمره - يرعى شئونى، أو بجملة الحال، نحو: قدم الذى - هو مبتسم - يحسن الصنيع.
وكذلك يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة الواحدة على بعض بحيث يفصل المتقدم بين الموصول وصلته، أو بين أجزاء الصلة، إلا المفعول به؛ فلا يصح تقديمه على عامله إن كان الموصول حرفياً غير: "ما" تقول: تفتح الورد الذى العيونَ - يَسُرّ ببهائه. أو تفتح الورد الذى - ببهائه - يَسُرّ العيون. تريد فيهما: تفتح الورد الذى يسر العيون ببهائه.
والفصل بتلك الأشياء على الوجه الذى شرحناه - جائز فى الموصولات الاسمية إلا "أل"، غير جائز فى الموصولات الحرفية إلا "ما"؛ كما قلنا؛ فيصح أن تقول: فرحتُ بما الكتابةَ أحسْنت، أى: بما أحسنْت الكتابة. (بإحسانك الكتابة).
ولما كان الفصل بين الموصول وصلته غير جائز إلا على الوجه السالف امتنع مجىء تابع للموصول قبل مجىء صلته؛ فلا يكون له قبلها نعت، ولا عطف بيان، أو نسق ولا توكيد، ولا بدل، وكذلك لا يخبر عنه قبل مجىء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبى عن الصلة، وكذلك لا يستثنى من الموصول؛ فلا يصح: (رجع الذى - غيرُ الضار - ينفع الناس)؛ ولا يصح: (يحترم العقلاء الذى محمدًا - يفيد غيره)، ولا: (نظرت إلى الذى - والحصنِ - سكنتَه)، ولا: (رأيت التى - نفسَها فى الحقل)، ولا : (جاء الذينَ - الذى فاز - فازوا). ولا: (الذى سباحٌ ماهر - عبر النيل) ولا: (وقف الذين - إلا محمودًا - فى الغرفة) تريد: رجع الذى ينفع الناس غيرُ الضار. ويحترم العقلاء الذى (أى: محمدًا) يفيد غيرَه. ونظرت إلى الذى سكنته والحصنِ، ورأيت التى فى الحقل نفسَها. وجاء الذى فاز. الذى عبر النيل سباح ماهر - ووقف الذين فى الغرفة إلا محمودًا.
ويفهم من الشرط السابق شىء آخر. هو: أنه لا يجوز تقدم الصلة ولا شىء من مكملاتها على الموصول، وهذا صحيح، إلا أن يكون المكمل ظرفًا، أو جارًّا مع مجروره - فيجوز التقديم عند أمن اللبس نحو: أمامنا الذى قرأتَه رسالةٌ كريمةٌ. أى: الذى قرأته أمامنا رسالةٌ كريمة. ومثل: الغزالة هى - فى حديقتك - التى دَخَلَتْ. أى: الغزالة هى التى دخلتْ فى حديقتك.
3- ألا تستدعى كلامًا قبلها؛ فلا يصح: كتب الذى لكنه غائب، ولا: تَصَدَّق الذى حتى ما لُه قليل؛ إذ "لكن" لا يتحقق الغرض منها (وهو: الاستدراك) إلا بكلام مفيد سابق عليها، وكذلك: "حتى" لا بد أن يتقدمها كلام مفيد تكون غاية له.
4- ألا تكون معلومة لكل فرد؛ فلا يصح شاهدت الذى فمه فى وجهه، ولا حضر مَنْ رأسه فوق عنقه.
(ب) إذا كان اسم الموصول خبرًا عن مبتدأ، هو ضمير متكلم أو مخاطب، جاز أن يراعى فى الضمير الرابط مطابقته للمبتدأ فى التَّكلم أو الخطاب، وجاز مطابقته لاسم الموصول فى الغَيبة؛ تقول: أنا الذى حضرت، أو: أنا الذى حضر. وأنت الذى برعتَ فى الفن، أو: أنت الذى برع فى الفن؛ فالتاء فى الصورة الأولى يراد بها المبتدأ: (أنا) ولا تعود على اسم الموصول. وهو فى هذه الحالة يعرب خبرًا؛ ولا يحتاج لرابط يعود عليه من الصلة؛ اكتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ؛ فيكون المبتدأ والخبر هنا كالشىء الواحد. وأما فى الصورة الثانية فالضمير فى الصلة للغائب فيعود على اسم الموصول. ومثل ذلك يقال فى الحالتين اللتين فيهما المبتدأ ضمير المخاطب، وخبره اسم موصول. كما يقال أيضًا فى حالة ثالثة؛ هى: أن يكون المبتدأ ضمير متكلم أو مخاطب، وله خبر موصوف باسم موصول؛ فيجوز فى الرابط أن يكون للتكَّلم أو للخطاب، مراعاة للمبتدأ، ويجوز فيه أن يكون للغيبة؛ مراعاة لاسم الموصول.تقول: أنا الرجل الذى عاونت الضعيف، أو أنا الرجل الذى عاون الضعيف - وأنت الرجل الذى سبقت فى ميدان الفنون، أو: أنت الرجل الذى سبق فى ميدان الفنون.
وإنما يجوز الأمران فى الحالات السابقة ونظائرها بشرطين:
أولهما: ألا يكون المبتدأ الضمير مُشَبهًا بالخبر فى تلك الأمثلة؛ فإن كان مُشَبَّهًا بالخبر لم يجز فى الربط إلا الغَيبة؛ نحو: أنا فى الشجاعة الذى هزم الرومان فى الشام. وأنت فى القدرة الذى بنى الهرم الأكبر؛ تريد؛ أنا فى الشجاعة كالذى هزم الرومان فى الشام، وأنت فى القدرة كالذى بنى الهرم الأكبر. فالمبتدأ فى المثالين مقصود به التشبيه، لوجود قرينة تدل على ذلك؛ هى: أن المتكلم والمخاطب يعيشان فى عصرنا، ولم يدركا العصور القديمة.
وثانيهما: ألا يكون اسم الموصول تابعًا للمنادى: "أىّ"، أو: أيّة، فى مثل: يأيّها الذى نصرت الضعيف ستسعد، ويأيتها التى نصرت الحق ستفوزين فلا يَصح أن تشتمل الصلة على ضمير خطاب فى رأى بعض النحاة، دون بعض آخر. وملخص المسألة - كما سيجىء فى ج4 ص 36 م 30 باب أحكام تابع المنادى - هو أنه لا بد من وصف؛ "أى وأيَّة"، عند ندائهما بواحد من أشياء معينة محددة، منها: اسم الموصول المبدوء "بأل" وقد اشترط الهمع (ج1 ص175) أن يكون الموصول مبدوءًا بأل، وأن تكون صلته خالية من الخطاب، فلا يقال يأيها الذى قمت. فى حين نقل الصبان (ج3 أو باب تابع المنادى) - صحة ذلك قائلا ما نصه: (ويجوز بأيها الذى قام، ويأيها الذى قمت)، والظاهر أن الذى منعه الهمع ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح الشائع فى الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره النحاة ونقله الصبّان فى الموضع المشار إليه ونصّه: (الضمير فى تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغَيبة؛ نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب نظرًا إلىكون المنادى مخاطبًا، فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه أو نفسك. قاله الدمامينى. ثم قال ويجوز يأيها الذى قام، ويأيها الذى قمت) ا هـ كلام الصبان نصّا.
وكل ما سبق تقريره فى العائد من حيث التكلم أو الخطاب أو الغيبة يثبت لكل ضمير قد يجىء بعده ويكون بمعناه؛ نحو: أنا الذى عاهدتك على الوفاء ما عشتُ. أو أنا الذى عاهدك على الوفاء ما عاش، وقد يختلفان كما فى قول الشاعر:
*نحن الذين بايعوا محمدًا * على الجهاد ما بقينا أبدا*
هذا، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها فى الصور السابقة - فإن مطابقة الرابط لضمير المتكلم أفصح، وأوضح؛ فهى أولى من مراعاة الموصول الغائب، وكذلك مطابقته للمخاطب أولى من اسم الموصول الغائب؛ وزيادة الإيضاح غرض لغوىّ هامّ لا يُعْدَل عنه إلا لداع آخر أهم.
وسيجىء فى باب أحكام تابع المنادى (فى الجزء الرابع) أن الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح فيه أن يكون للغائب أو للمخاطب، وأن هذا الحكم عام يسرى على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فيها الخلاف. وتطبيقًا لذلك الحكم العام نقول: يا عربا كلكم، أو: كلهم... ويا هارون نفسك، أو: نفسه، خذ بيد أخيك - يا هذا الذى قمت أو قام أسرع إلى الصارخ.
أما الصورة المستثناة التى وقع فيها الخلاف فهى التى يكون فيها المنادى لفظ. (أىّ، أو: أية) والتابع اسم موصول، فلا يجوز عند فريق من النحاة أن تشتمل صلته على ما يدل على خطاب؛ فلا يصح: يأيها الذى حضرت، ويصح عنده غيره - كما سلف -
حـ - يجيز الكوفيون جزم المضارع الواقع فى جملة بعد جملة الصلة، بشرط أن تكون الجملة الفعلية المشتملة على هذا المضارع مترتبة على جملة الصلة كترتب الجملة الجوابية على الجملة الشرطية حين توجد أداة الشرط التى تحتاج للجملتين، فكأن الموصول بمنزلة أدامة الشرط، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففى مثل: من يزورنى أزُوره... يجيزون؛ من يزورنى أزره؛ بجزم المضارع: "أزرْ" على الاعتبار السالف. لكن حجتهم هنا ضعيفة، والسماع القوى لا يؤيدهم، ولهذا يجب إهمال رأيهم، والاكتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد، دون محاكاته - كما سيجىء فى الجوازم.
وأما النوع الثانى وهو: "شبه الجملة" فى باب الموصول فثلاثة أشياء: الظرف - والجار مع المجرور - والصفة الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تأمّين، أى: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة؛ تزيل إبهام الموصول، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما؛ نحو: تكلم الذى عندك، وسكت الذى فى الحجرة. فكل من الظرف: (عند) والجار مع المجرور: (فى الحجرة)، تام. وكلاهما يتعلق حتمًا بفعل لا بشىء آخر، وهذا الفعل محذوف وجوبًا - لأنه كوْن عامّ - تقديره: استقرّ، أو حَل، أو نزلَ... وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول، ويربط بينه وبين الصلة. فالأصل فى المثالين السابقين: تكلم الذى استقر عندك، وسكت الذى استقر فى الحجرة. وهكذا...
"ملاحظة"؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة "أل" - بأن دخلت عليه مباشرة، كصنيع بعض القبائل العربية فى مثل قولهم: سررت من الكتاب الْمَعَك؛ يريدون: الذى معك - فإنَّ تعلق الظرف فى هذه الحالة لا يكون إلاّ بصفة صريحة، تقديرها: "الكائن"، أو: نحو هذا التقدير. لأن صلة: "أل" لا بد أن تكون صفة صريحة، ولا يصح التعلق بفعل - كما سنعرف -...
أما الصفة الصريحة فالمراد بها: الاسم المشتق الذى يشبه الفعل فى التجدد والحدوث، شبهًا صريحًا؛ أى: قويًا خالصًا (بحيث يمكن أن يحل الفعل محله) ولم تغلب عليه الاسمية الخالصة. وهذا ينطبق على اسم الفاعل - ومثله صيغُ المبالغة - واسم المفعول؛ لأنهما - باتفاق - يفيدان التجدد والحدوث؛ مثل قارىء، فاهم: زَرّاع، مقروء، مفهوم...، وتكون الصفة الصريحة مع فروعها صلة "أل" خاصة؛ فلا يقعان صلة لغيرها، ولا تكون "أل" اسم موصول مع غيرهما على الأشهر. تقول: انتفع القارىء - سَمَا الفاهم - اغتنى الزَّراع، المقروء قليل،ولكن المفهوم كثير... ومثل المرتَجَى والخائب في قول الشاعر:
*الصدق يألفُه الكريمُ المرتَجَى * والكِذْب يألفه الدنىء الخائبُ*
ولما كانت الصفة المشبهة الصريحة مع مرفوعها هى التى تقع صلة "أل" وتتصل بها اتصالا مباشراً ولا ينفصلان حتى كأنهما كلمة واحدة - كان المستحسن إجراء الإعراب بحركاته المختلفة على آخر هذه الصفة الصريحة دون ملاحظة "أل"؛ فهو يتخطاها؛ برغم أنها اسم موصول مستقل، وأن صلته هى شبه الجملة المكون من الصفة الصريحة مع فروعها. فالصفة وحدها هى التى تجرى عليها أحكام الإعراب، ولكنها مع فروعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب أيسر وأبعد من التعقيد الضارب فى الآراء الأخرى.
فإن غلبت الاسمية على الصفة صارت اسماً جامد، ولم تكن "أل" الداخلة عليها اسم موصول، مثل الأعلام: المنصور، والهادى، والمأمول، والمتوكل... من أسماء الخلفاء العباسيين؛ ومثل: الحاجب؛ لما فوق العين. والقاهر، والمنصور، والمعمورة، من أسماء البلاد المصرية.
زيادة وتفصيل:
يقتضى المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فيه. منها: تعدد الموصول، والصلة - حذفها - حذف الموصول - اقتران الفاء بخبر اسم الموصول، والتفريعات المتصلة بذلك - حذف العائد (ولهذا بحث مستقل فى 357).
وإليك الكلام فى هذه المسائل:
(ا) تعدد الموصول والصلة:
1- قد يتعدد الموصول من غير أن تتعدد الصلة؛ فيكتفى موصولان أو أكثر بصلة واحدة. ويشترط فى هذه الحالة أن يكون معنى الصلة أمرًا مشتركًا بين هذه الموصولات المتعددة، لا يصح أن ينفرد به أحدهما، دون الآخر، وأن يكون الرابط مطابقًا لها باعتبار تعددها. مثل: فاز بالمنحة "الذى" "والتى" أجادا، وأخفق "الذين واللاتى" أهملوا. ففى المثال الأول وقعت الجملة الفعلية: (أجادا) صلة لاسمى الموصول: "الذى" و"التى". ولا يصح أن تكون صلة لأحدهما بغير الآخر؛ لاشتراكهما معًا فى معناها؛ ولأن الرابط مثنى لا يطابق أحدهما وحده، وإنما لوحظ فيه أمرهما معًا. وكذلك الشأن فى المثال الآخر.
2- قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة؛ فيكون لكل موصول صتله؛ إما مذكورة فى الكلام، وإما محذوفة. جوازًا، و تدل عليها صلة أخرى مذكورة، بشرط أن تكون المذكورة صالحة لواحد دون غيره؛ فلا تصلح لكل موصول من تلك الموصولات المتعددة؛ نحو: عُدْت "الذى" و"التى" مرضتْ. وسارعت بتكريم "اللائى" و"الذين" أخلصوا للعلم. فالصلة فى كل مثال صالحة لأحد الموصولين فقط؛ بسبب عدم المطابقة فى الرابط؛ فكانت صلة لواحد، ودليلا على صلة الآخر المحذوفة جوازًا. فأصل الكلام عدت الذى مرض، والتى مرضت. وسارعت بكريم اللائى أخلصن، والذين أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازًا، لقرينة لفظية تدل عليها....
وقد تحذف الصلة لوجود قرينة لفظية أيضاً ولكن من غير أن يتعدد الموصول؛ مثل من رأيته فى المكتبة؟ فتجيب: محمد الذى ... أو: سعاد التى...
وقد تحذف الصلة من غير أن يكون فى الكلام قرينة لفظية تدل عليها وإنما تكون هناك قرينة معنوية يوضحها المقام؛ كالفخر، والتعظيم، والتحقير، والتهويل... فمن أمثلة الفخر أن يسأل القائد المهزوم البادى عليه وعلى كلامه أثر الهزيمة، قائدًا هزمه: من أنت؟ فيجيبه المنتصر: أنا الذى... أى: ،أنا الذى هزمتك. فقد فُهمت الصلة من قرينة خارجية، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل: أن يسأل الطالب المتخلف زميله الفائز السابق بازدراء: من أنت؟ فجيب الفائز: أنا الذى... أي: أنا الذى فزت، وسبقتك، وسبقت غيرك... ومنه قول الشاعر يفاخر:
*نَحْنُ الأُلى... فَاجْمَعْ جُمُو * عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا*
أى: نحن الذين اشتهروا بالشجاعة، والبطولة، وعدم المبالاة بالأعداء.
ومن التحقير أن يتحدث الناس عن لص فتاك، أوقعت به حيلة فتاة صغيرة وغلام، حتى اشتهر أمرهما. ثم يراهما اللص؛ فيقول له أحد الناس: انظر إلى التى والذى... أي: التى أوقعت بك. والذى أوقع بك...
وقد وردت أساليب قليلة مسموعة عند العرب، التزموا فيها حذف الصلة؛ كقولهم: عند استعظام شىء وتهويله: "بعد اللَّتُيَا والَّتى، يريدون بعد اللتيا كَلَّفتْنا مالا نطيق، والتى حملتنا مالا نقدر عليه - أدركنا ما نريد.
مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية، أو معنوية؛ سواء أكانت الموصولات متعددة، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقى بعد حذفها صالحًا لأن يكون صلة.
3- يجوز حذف الموصول الاسمى غير "أل" إذا كان مطوفاً على مثله، بشرط ألا يوقع حذفه - فى لَبْس؛ كقول زعيم عربىّ: "أيها العرب، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا؛ من حقد علينا، وبغض لنا، وأن فريقًا منهم يدبر المؤامرات سرًّا، وفريقًا يملأ الحواضر إرْجَافًا، وفريقًا يُعِد العُدة للهجوم علينا، وإشعال الحرب فى بلادنا، ألا فليعلموا أن من يُدبّر المؤامرات، ويطلق الإشاعات. ويحْشُد الجيوش للقتال - كمن يطرق حديدًا باردًا. بل كمن يضرب رأسه فى صخرة عاتية، ليحطمها؛ فلن يخدشها وسيحطم رأسه".
فالمعنى يقتضى تقدير أسماء موصولة - محذوفة -؛ فهو يريد أن يقول: من يدبّر المؤمرات، ومن يطلق الإشاعات، ومن يحشد الجيوش... ذلك لانهم طوائف متعددة، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير "مَنْ". ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف، كأنه مذكور، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السلام:
*فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ * وَيَمْدَحُه وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ*
فالتقدير؛ من يهجو رسول الله، ومن يمدحه: ومن ينصره سواء. ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر - كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى: "قولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم"، أى: والذى أنزل إليكم، لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب.
أما الموصول الحرفى فلا يجوز حذفه. إلا "أنْ" فيجوز حذفها؛ مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقد يجب. الحذف - بنوعيه - تفصيلات موضعها الكلام على "أنْ" الناصبة.
ب - قد يقترن الخبر الذى مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبًا أو جوازًا، أو الذى مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال على الوجه الذى يجىء بيانه وتفصيله فى مكانه المناسب من باب المبتدأ والخير تحت عنوان: مواضع اقتران الخبر بالفاء ص 484 م41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زيادة "الفاء" فى صلة الموصول بنوعيه بسبب إبهامه وعمومه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الموصول ) ضمن العنوان ( المسألة 28: حكم حذف العائد. حذف العائد المرفوع. )


لا بد لكل موصول من صلة. فإن كان اسميًّا وجب أن تشتمل صلته على رابط؛ هو: الضمير، أو ما يقوم مقامه، كما أسلفنا.
وهذا الضمير الرابط قد يكون مرفوعًا؛ مثل "هو" فى نحو: خبر الأصدقاء مَنْ هو عَوْنٌ فى الشدائد... أو منصوباً،مثل "ها" فى نحو: ما أعجبَ الآثار التى تركها قدماؤنا، أو مجروراً؛ مثل: "هم" فى نحو: أصغيتُ إلى الذين إصغيتَ إليهم.
والرابط فى كل هذه الصور - وأشباهها - يجوز ذكره فى الصلة كما يجوز حذفه، بعد تحقق شرط عام، هو: وضوح المعنى بدونه، وأمن اللبس (ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا يكون الباقى بعد حذفه صالحًا صلة). غير أن هناك شروطًا خاصة أخرى تختلف باختلاف نوع الضمير يجب تحققها قبل حذفه، سواء أكان اسم الموصول هو "أىّ" أم غيرها. وفيما يلى التفصيل:
(ا) إن كان الضمير الرابط مرفوعًا لم يجز حذفه إلا بشرطين: أن تكون الصلة جملة إسمية، المبتدأ فيها هو الرابط، وان يكون خبره مفردًا. كأن يسألك سائل.
كيف نُفَرّقَ بين ماء النهر وماء البحر؟ فتجيب: الأنهار التى عذبةُ الماء، والبحار التى مِلْحيَّة الماء. تريد: الأنهار، التى هى عذبة الماء، والبحار التى هي ملحيةُ الماء. ومثل: أن يسأل: ما أوضحُ فارق بين النجم والكوكب؟ فتقول: النجم الذى مضىءٌ بنفسه، والكوكب الذى مستمِدٌ نورَه من غيره. أى: النجم الذى هو مضىء بنفسه... والكوكب الذى هو مستمد...
فإذا استوفى الضمير المرفوع الشرطين الخاصّين ومعهما الشرط العام جاز حذفه، والأحسن عند الحذف أن تكون صلته طويلة (أى: ليست مقصورة عليه وعلى خبره المفرد، وإنما يكون لها مُكَملات؛ كالمضاف إليه، أو المفعول، أو الحال، أو النعت، أو غير ذلك...)، نحو: نزل المطر الذى مصدر مياه الأنهار، ونحو برعتْ مصانعنا التى الرجاء العظيم. أو التى رجاؤنا فى الغنى قريبًا... ونحو: اشتد الإقبال على التعليم الذى كفيل بإنهاض الفرد والأمة... ويجوز أن نقول: نزل المطر الذى حياة، وبرعتْ مصانعنا التى الأمل، واشتد الإقبال على التعليم الذى سعادة.
والأساليب العالية لا تَجْنَح كثيرًا إلى حذف العائد المرفوع؛ فإن جنحت إليه اختارت - فى الغالب - طويل الصلة.
(ب) إن كان الرابط ضميراً منصوبًا لم يجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة - غير الشرط العام - هى: أن يكون ضميرًا متصلاً، وأن يكون ناصبه فعلاً تامًّا، أو وصفًا تامًّا، وأن يكون هذا الوصف لغير صلة: "أل" التى يعود عليها الضمير، مثل: ركبت القطار الذى ركبتَ، أى: ركبته، وقرأت الصحيفة التى قرأتَ، أى: قرأتها وقول الشاعر يصف مَدينة:
*بها ما شئتَ مِنْ دين ودنْيا * وجيرانٍ تناهوْا فى الكمالِ*
أى: ما شئته: وقول الآخر:
*ومن ينفق الساعاتِ فى جعِ مالهِ * مخافةَ فقْرٍ فالذى فعلَ الفقرُ*
أى: فعَله.. ومثل: اشكر الله على ما هو مُوليك، واحْمَدُه علىما أنت المعْطَى. أى: موليكه (والأصل: موليك إياه)، والمُعْطَاه.
ومثل: الذى أنا مُعيرُك - كتابٌ. والذى أنت المسلوب - المالُ. أى: الذى أنا مُعيِرُكه كتاب، والذى أنت المسلوبُه 0 المال.
فإن فُقد شرط لم يصح الحذف.
(حـ) وإن كان الرابط ضميرًا مجرورًا - والشرط العام متحقق - فإما أن يكون مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر؛ فالمجرور بالإضافة يجوز حذفه إن كان المضاف اسم الفاعل، أو اسم مفعول. وكلاهما للحال أو الاستقبال؛ مثل: يفرح الذى أنا مُكرِمٌ الآن أو غدًا، (أي: مكرمه). ويرضينى ما أنا معطًى الآن أو غدًا (أي: مُعطاه) ومثلهما: جادت مصنوعاتنا، فالبس منها منا أنت لابس غدًا، واطلب منها ما أنت طالب بعد حين، (أى: لابسه... وطالبه) - إن يسلبنى اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب (أى: مسلوبه).
والمجرور بالحرف يجوز حذفه بشرط أن يكون اسم الموصول مجروراً بحرف يشبه ذلك الحرف فى لفظه، ومعناه، ومتعلَّقه. وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذى يجره؛ مثل: سلّمتُ على الذى سلّمتَ، (أى: سلّمتَ عليه وانهيتُ إلى ما انتهيتَ. (أى: إلى ما انتهيت إليه.)
وقد يكون حرف الجر غير داخل على اسم الموصول وإنما على موصوف باسم الموصول. نحو: مشيتُ على البساط الذى مشيتَ؛ أى: عليه، وسرتُ فى الحديقة التى سرتَ؛ أى: فيها.
تلك حالة حذف العائد المجرور، وهى كثيرة فى الأساليب العالية.
زيادة وتفصيل:
ا- قد يستغنى الموصول عن العائد كما فى بعض الصور التى سلفت.
ب- الكلام فى: "ولاسيما، وأخواتها" معناها، وإعرابها فى جملتها. يتضح معنى "ولا سيما" من الأمثلة التالية:
المعادن أساس الصناعة؛ كولا سيما الحديد. - تجود الزروع بمصر، ولاسيما القطن - نحتقر الأشرار، ولا سيما الكذَّاب...
فالمثال الأول يتضمن: أن الصناعة تقوم على أساس؛ هو: المعادن؛ كالنحاس، و الرصاص، والفضة... وكالحديد أيضاً. فالحديد يشاركها فى وصفها بأنها: "أساس". ولكنه يختلف عنها فى أن نصيبه من هذا الوصف أكثر وأوفر من نصيب كل معدن آخر.
وفى المثال الثانى حُكمٌ بالجودة على ما ينبت فى مصر، من قمح، وذرة وقصب، و... قطن أيضًا؛ فهو يشاركها فى الاتصاف بالجودة؛ ولكنه يخالفها فى أن تصيبه من هذه الجودة أوْفى وأكبر من نصيب كل واحد من تلك الزروع.
وفى المثال الثالث نحكم بالاحتقار على الأشرار؛ ومنهم اللص، والقاتل، والمنافق... ومنه الكذاب - أيضاً - فهو شريكهم فى ذلك الحكم، وينطبق عليه الوصف مثلهم. ولكن نصيبه منه أكبر وأكثر من نصيب كل فرد منهم.
مما سبق نعرف أن الغرض من الإتيان بلفظ: (ولا سيما) هو: إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشتركان فى أمر واحد، ولكن نصيب ما بعدها أكثر وأوفر من نصيب ما قبلها. ولذا يقول النحاة: إن "لاسىَّ"، معناها: لا مثل... يريدون: أن ما بعدها ليس مماثلا لما قبلها فى المقدار الذى يخصه من الأمر المشترك بينهما؛ وإنما يزيد عليه فى ذلك المقدار؛ سواء أكان الأمر محمودًا، أم مذمومًا.
أما إعرابها فى جملتها وإعراب الاسم الذى بعدها فقد يكفى جمهرة المتعلمين علمها أن: "ولا سيَّمَا" لا تتغير حركة حروفها مهما اختلفت الأساليب، وأن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة: "الرفع، والنصب، والجر" سواء أكان نكرة أم معرفة. وأن فيها عدة لغات صحيحة لا يمنع من استعمال إحداها مانع. ولكن أكثرها فى الاستعمال الأدبى هو: (ولا سيَّمَا)؛ فيحسن الاقتصار علهي؛ لما فى ذلك من المسايرة للأساليب الأدبية العالية التى تكسب اللفظ قوة فى غالب الأحيان، وفى هذا القدر كفاية لمن يتبغى الوصول إلى معرفة الطريقة القويمة فى استعمالها، من غير أن يتحمل العناء فى تفهم الإعرابات المختلفة. أمام من يرغب فى هذا فإليه البيان:
الاسم الواقع بعد: (ولا سيما) ما أن يكون نكرة، وإما أن يكون معرفة؛ فإن كان نكرة جاز في الأوجه الثلاثة كما سبق، تقول:
1- اقتنيت طرائف كثيرة، ولا سيَّما: أقلامٌ، أو أقلامًا، أو أقلامٍ.
2- اشتريت طيورًا كثيرة، ولا سيما؛ عصفورٌ، أو: عصفورًا، أو: عصفورٍ.
3- قصرت ودى على المخلصين؛ ولا سيَّما واحدٌ، أو واحدًا، أو واحدٍ.
وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة فالصواب جواز الأوجه الثلاثة أيضًا، كما فى الأمثلة التالية:
1- أتمتع برؤية الأزهار، ولاسيما: الوردُ، أو: الوردَ، أو: الوردِ.
2- شاهدت أثارًا رائعة، ولاسيما: الهرمُ، أو: الهرمَ، أو: الهرمِ.
3- ما أجمل الكواكب فى ليل الصيف: ولاسيما القمرُ، أو:القمرَ أو القمرِ.
وفيما يلى الإعراب تفصيلاً:

الكلمة

إعرابها فى حالة الرفع

فى حالة النصب

فى حالة الجر

و

للاستئناف...

"و" كالسابق...

"و" كالسابق

لا

نافية للجنس، حرف لا محل لها من الإعراب.

"لا" كالسابق....

"لا" كالسابق.

سيما

سى:
اسمها منصوب، لأنه مضاف.

سىَّ: اسم لا مبنى على الفتح فى محل نصب.

(سىّ) اسم "لا" منصوب لأنه مضاف فى هذه الصورة.

 

"ما" اسم موصول، مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه. (ويحتاج لصلة).

"ما" زائدة حرف مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.

"ما" زائدة (أقلام): مضاف إليه مجرور.

أقلام

خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول وخبر "لا" محذوف، تقديره مثلا: موجود؛...

أقلاماً: تمييز منصوب أما خبر "لا" فمحذوف تقديره: موجود... أو ما يشبه هذه الكلمة.

وخبر لا محذوف، تقديره: موجود، أو ما يشبهها.

ولا سيما كالذى سبق في نظائرها تمامًا.
كلمة: عصفور يجرى عليهما الإعراب السابق في كلمة: "أقلام رفعاً،
وكلمة: واحد... ونصبًا، وجرًا.
وإعراب المعرفة فى حالتى الرفع والجر كإعراب النكرة فيهما. أما فى حالة النصب فتعرب النكرة تمييزاً كما أوضحنا، وتعرب المعرفة مفعولا به. ففى مثل: أتمتع برؤية الأزهار ولا سيما الوردَ - يصح أن يكون الإعراب كما يلى:
الواو للاستئناف. (لا) نافية للجنس. (سىّ) اسمها منصوب ومضاف. (ما) نكرة تامة بمعنى: شىء، وهى مضاف إليه. مبنية على السكون فى محل جر. وخبر لا محذوف تقديره: موجود مثلا - و (الورد) مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخص: أو: أعنى... والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا. ومثل هذا يقال فىكلمة: الهرم، والقمر، وأشباههما.
وقد تقع الحال المفردة أو الجلمة بعد: (ولا سيما) نحو: أخاف الأسد، ولاسيما غاضبًا، أو: وهو غاضب... وقد تقع الجملة الشرطية بعدها، وغير الشرطية، أيضًا؛ نحو: النمر غادر، ولاسيما إن أبصر عدوه.
أما أخوات: "ولا سيما" فقد نقل الرواة منها: "لا مِثْلَ مَا" و"لا سِوَى ما..." - فهذان يشاركان: "لا سيما" فى معناها، وفى أحكامها الإعرابية التى فصّلناها فيما سبق.
ومنها: "لا تَرَمَا..." و "لوتَرَمَا..." وهما بمعناها، ولكنهما يخالفانها فى الإعراب، وفى ضبط الاسم بعدهما، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذى يليها. ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تكون: "ما" موصولة وهى مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت. والاسم بعدها مرفوع - وهذا هو الوارد سماعا - على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجلمة صلة.
وإنما كان الفعل مجزومًا بعد: "لا" - لأنها للنهى. والتقدير فى مثل: "قام القو لا تر ما على"...، هو: لا تبصر" أيها المخاطب الشخص الذى هو علىّ فإنه فى القيام أولى منهم.
أو تكون: "لا" للنفى، وحذفت الياء من آخر الفعل سماعا وشذوذًا، وكذلك بعد "لو" سماعًا. والتقدير: لو تبصر الذى هو علىّ لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر فى استعمالنا على"ولا سيما" لشيوعها قديمًا وحديثًا.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الموصول ) ضمن العنوان ( المسألة 29: "ب" الموصولات الحرفية. )


عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها، وحرفية وهى خمسة: "أنْ" ، (مفتوحة الهمزة، سكانة النون أصالة.) و "أَنّ" الناسخة (المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف) و"ما"، و"كى"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هى أو شىء منها -، - كما أوضحنا -. أما الفصل بين الموصول الحرفى، أو الاسمىّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام عليه (وهو بحث هام).
ولكن بين الموصول الاسمى والحرفى فروق، أهما ستة:
الأول: أن الموصولات الاسمية - غير أىّ - لا بد أن تكون مبنية فى محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب؛ - شأن كل الحروف - فلا تكون فى محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب.
الثانى: أن صلة الموصول الاسمى لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفى فلا تشتمل عليه مطلقًا.
الثالث: أنّ الموصول الحرفىّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة - كما سنبينه بعد -. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية: "حروف السبك" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.
الرابع: أن بعض الموصول الحرفىّ (وهو الحرف المصدرى) لا يوصل بفعل جامد - كما سيجىء - مثل: "لو"، وكذلك: "ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى: (خلا - عدا - وكذا: حاشا، فى رأي) فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارىء لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق،... أى: مجاوزين.
الخامس: أن الموصول الاسمى - غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه، أما الحرفىّ فلا يحذف منه إلا: "أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لماهو مبين عند الكلام عليها فى النواصب (جـ4) وهى فى حالتى حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك فىحالة وجودها....
السادس: أن الموصول الحرفى "أنْ" يصح - فى الرأى المشهور - وقوع صلته جملة طلبية، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية.
وفيما يلى شىء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة:
(ا) أنْ. - ساكنة النون أصالة - ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية، فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ فى وجه الأقوياء، وقول الشاعر:
*إنّ من أقبح المعايِب عارًا * أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه*
أم أمرًا، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك،
وهى فى كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما، ويعرب علىحسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع، وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل... ولا تغير زمن الماضى ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضى وإما للمستقبل...
وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثانى (الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون)...
(ب) "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّنى أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها: (أنْ) المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون - فى الأفصح - إلا ضميراً محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ علىٌّ لمسافر؛ (ومنه المثالان السالفان فى الكلام على "أنْ"). ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر فى النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلا، أومبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك... وقد سيُدّ مسَد المفعولين إنْ وجد فى الجملة ما يحتاج لهما.
(حـ) "كَىْ". وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية (وتنصب المضارع) نحو: أحسنت العمل لكى أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب علىحسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا...
(د) "ما"، وتكون مصدرية ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أى: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أى: مدة إنصافك. وقول الشاعر:
*المرء ما عاش ممدود له أملٌ * لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر*
ومصدرية غير ظرفية، مثل: :فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل... ودهشت مما ترك العمل، أى: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ،
وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس فى الحديقة ما لم تجلس فيها، أى: مدة عدم جلوسك فيها. وإنى أبتهج بما تكرم الاخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر:
*والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ * غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدرو ولم يَسرِ*
أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضينى نفع العمل. ولكن الأكثر فى المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التى ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أى: لا أصيح مدة نومك.
ومن الحرف المصدرى "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.
ويصح الفصل - مع قلته - بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه دون غيرها من الموصولات الحرفية.
(هـ) "لو"، وتوصل بالجملة الماضوية، نحو ودِدْتُ لو رأيتك معى فى النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك فى عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضى أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.
زيادة وتفصيل:
(ا) من حروف السَّبك - عند فريق كبير من النحاة - "همزة التسوية" وهى التى تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلى الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة: "أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التى بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ - بمعنى: متساو - إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر: "إن" "والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التى هى بمعنى اسم الفاعل: "متساوٍ". وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه فى المثل العربى: "تسمعُ بالمعيدى خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسع" فى أحدى الروايات؛ فقالوا فى سبكه: سماعك بالمعيدى... من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون فى كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذى فى قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً...}، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال" - من غير وجود حرفَ سابك...
(ب) كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدرى مع صلته؟
للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدرى هو: "أنْ"، أو: "أنّ"، كما فى الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجرى عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلى البيان:

 

 

 

1- نستخرج المصدر الصريح لخبر "أنّ" فى الجمل المشتملة على "أن"، أو للفعل الذى بعد "أنْ" الناصبة فى الجمل المشتملة على الفعل؛ فنجده فى الأمثلة المعروضة: "كثرة" - "نهضة" - "نَفْع".

شاع (أنّ الفواكه كثيرةٌ فى بلادنا)
شاع (أنْ تكثرَ، الفواكهُ) فى بلادنا

2- نضبط ذلك المصدر الصريح على حسب حاجة الجملة هكذا: "كثرةُ"... (مفروعة فى القسم الأول)، "نهضةَ"... (منصوبة القسم الثالث)؛ لأن الأول محتاج لفاعل. والثانى محتاج لمفعول به، والثالث محتاج إلى مجرور.

عرفت (أن الصناعةَ ناهضةٌ) بمصر
عرفت (أن تنهضَ الصناعةٌ) بمصر

3- نذكر بعده اسم "أنّ" فى الجمل التى كانت مشتملة على "أنّ". و: نذكر الفاعل فى الجمل التى كانت مشتملة على "أنْ" الناصبة والفعل؛ فيكون: كثرةُ الفواكه، نهضةَ الصناعة، نفعِ الإذاعة.

آمنت بـ (أن الإذاعةَ نافعةٌ)
آمنت بـ (أن تنفع الإِذاعةُ)

4- نضبط ذلك الاسم الذى وضعناه بعد المصدر الصريح - بالجر، ونعربه مضافاً إليه؛ فتكون الجمل بعد السبك: شاع كثرةُ الفواكه - عرفت نهضةَ الصناعةِ بمصر -آمنت بنفعِ الإِذاعة!. وبإتمام الخطوة الرابعة تم عملية سبك المصدر المؤول؛ وتظهر الجملة فى شكلها الجديد؛ فتغنى عن "أنّ" و "أنْ" وعن صلتهما السابقة.

وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أو فاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.
ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدرى هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو: "كى"، أو "ما".
وقد يقتضى الأمر فى بعض الأمثلة عملا زائدًا على ما سبق؛ ففى مثل: سرنى أن تَسْبقَ... تنتهى الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرنى (سبقُ أَنت) فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح - كما قدمنا - ولما كان هذا الفاعل (الذى صار مضافًا إليه) ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا - وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرنى سبقُك... وهكذا... يجرى التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذى فى قول الشاعر:
*ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى * عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ*
حيث يكون المصدر المؤول المضاف: (رؤية هو)، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته...
مسألة أخرى؛ قلنا فى تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتى بمصدر صريح لخبر الناسخ (أنَّ) أو بمصدر الفعل الذى دخلت عليه "أنْ"... فإن كان خبر الحرف المصدرى: (أنْ) اسما جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت - فإننا نأتى فى الجامد بلفظ مصدر عام هو: "الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التى تفيد النفى، إن كان الكلام منفيًا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقى الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتى بالاستقرار أو الوجود فى الظرف والجار مع المجرور؛ أى: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو فى الدار.
ويصح فى الجامد شىء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى...
وإن كان الفعل الذى فى الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" فى قولنا: (شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول) ففى هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى" (ومعناها الرجاء) أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب.
وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد - للنفى مثل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} أتينا بما يفيد النفى؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شىء للإنسان إلا سعيه.
وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُشْبتًا أو منفيًّا، علىحسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفى أو إثبات.
***
(جـ) لما نلجأ فى الاستعمال إلى الحرف المصدرى وصلته، ثم نؤولهما بمصدر - ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول - مثلا -: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟
إن الداعى للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى:
1- الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلو قلنا - أول الأمر - الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ - كما سجىء فى "د" -.
2- الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشىء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبنى أن أكلتَ، أى مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها... ولو قلنا: أعجبنى أكلك... لكان محتملا لبعض تلك الأشياء والحالات.
3- الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب.
4- الحرف على إظهار الفعل مبنيًا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثى المبنى للمجهول؛ ففى مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك فى حالات أخرى من التعجب يجىء بيانها فى بابه - حـ 3-
ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح:
1- أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. فى حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا.
2- لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبنى أن تمشىَ الهادىء، تريد: يعجبنى مشيك الهادىء. مع أن الصريح يوصف.
3- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر فى مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح.
4- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" فى قوله تعالى: {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال فى: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين - أرى: المشدّدة والمخففة - مثل قول الشاعر:
*فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكى * وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى عند واسع*
5- يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل فى نحو: علىّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.
***
(د) من المعلوم أن المصدر الصريح (مثل، أكْل - شُرْب - قيام - قعود) لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدرى وصلته؛ فإنه - وقد صار مصدرًا - لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التى سبك منها؛ فكأنه يحمل فى طيه الزمن الذى كان فى تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًات من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففى نحو: شاع أنْ نهض العرب فى كل مكان - نقول: "شاع نهوض العرب فى كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذى فى الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما فى مثل: "الشائع أن ينهض العرب فى كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلا؛ مراعاة للزمن الذى فى العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذى دخل فى السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضى بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلا؟ ولا يكون للحال، لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال. ومثلها: "لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه - كما تقدم عند الكلام عليها - وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال - غالباً - وقد تكون لغيره.
أما "كى" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه - وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها - فيلاحظ الاستقبال فى المصدر المؤول منها ومن صلتها.
وأمام "أنّ" (المشددة النون) فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، فى مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهى كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ فى مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهى كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية فى مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب المُعَرف بأداة التعريف ) ضمن العنوان ( المسألة 30: إشارة ثانية إلى تحول همزة الوصل للقطع. )


1- زارنى صديق - زارنى صديق؛ فأكرمت الصديق.
2- اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب.
3- تنزهت فى زورق - تنزهت فى زورق؛ فتهادى الزوْرق بى.
كلمة: "صديق" فى المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهى نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا - هو الذى سبق ذكره - قد زارنى دون غيره من باقى الأصدقاء.
ومثلها كلمة: "كتاب" فى المثال الثانى، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهى نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين - كما عرفنا - لكن حين أدَخلنا علهيا: "أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا - هو الذي سبق ذكره - قد اشتريته.
ومثل هذا يقال فى كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه.
فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت فى أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول: "أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التى من الطراز السابق أداة من أدوات التعريف؛ إذا دخلت على النكرة جعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها.
وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء فى كلمة "أل" التى هى حرف للتعريف؛ أهى كلها التى تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها...؟ فإن هذا الترديد لا طائل ورءاه بعد أن اشتهر الرأى القائل بأنهاما معًا. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام منها: الموصولة وهى اسم - فى الرأى الأرجح - وقد سبق الكلام عليها فى الموصولات. منها المعَرِّفة، ومنها الزائدة. وفيما يلى بيان هذين القسمين.
(ا) "ألْ" المُعَرِّفة؛ (أى: التى تفيد التعريف).
وهى نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية (أى: التى للعهد) ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف.
فأما"العهدية" فهى التى تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتى:
1- أن النكرة تذكر فى الكلام مرتين بلفظ واحد، تكون فى الأول مجردة من "أل" العهدية، وفى الثانية مقرونة "بأل" العهدية التى تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره فى فرد واحد هو الذى تدل عليه النكرة الأولى. كالأمثلة الأولى، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ}. فكل كلمة من الثلاث: (مطر - سيارة - رسول) وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذى جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أى: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها فى الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى: "بالعهد الذِّكْرى".
2- وقد يكون السبب فى تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره فى فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق فى زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة فى عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة فى الكلام الحالى. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شىء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا: "أل"؛ فإنها هى التى توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهنى" أو: "العهد العِلمى".
3- وقد يكون السبب فى تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه فى وقت الكلام، بأن يتبدىء الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: (اليوم يحضر والدى). - (يبدأ عملى الساعة) - (البرد شديد الليلة)... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذى أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أى: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أى: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو "العهد الحضورى".
فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِىّ"، و"ذهنىّ أو علمىّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل علىكل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التى للعهد، أو: "أل" العهدية. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصى بذاته لا برمز آخر. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصى، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها فى المرتبة التى تليه مباشرة.
***
وأما: "أل الجنسية" فهى الداخلة على نكرة تفيد معنى الالجنس المحض من غير أن تفيد العهد. ومثالها؛ النجم مضىء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات ( وشأن النكرات كشأن اسم الجنس، لا تدل على واحد معين) وليس في الكلام ما يدل على العهد.
ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل" "الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف.
1- فمنها التى تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حى، الإنسان مفكر، المعدن نافع... فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حى، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع... يحذف "أل" فى الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقى المعنى على حالته الأولى.
وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجرى عليه أحكام المعرفة، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" فى قول الشاعر:
*إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه * مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ*
2- ومنها التى تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعلىّ هو الفتى شجاعة.تريد: أنت كل الرجال من ناحية العلم، أى: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة (صفة العلم) إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك على؛ بمنزلة الفتيان كلهم فى الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء.
وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى.
3- ومنها التى لا تفيد نوعًا من نوعى الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة فى الذهن. ومادته التى تكوّن منها فى العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد (أى: مادته وطبيعته) أصلب من حقيقة الذهب (أى: من مادته وعنصره) من غير نظر لشىء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هى أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد فى حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما - كما سبق - إذ أنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها فى الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أى: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز - لا من حيث أفراده - أقوى من حقيقة المراة وجنسها من حيث هى كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء، لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال فى: الذهب أنفس من النحاس، وفى: الصوف أغلى من القطن، وفى: الفحم أشد نارًا من الخشب... وفى الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات. تقول: الماء سائل: أى: أن عنصره وطبيعته من حيث هى مادة تجعله فى عِداد السوائل، من غير نظر فى ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شىء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أى: مادته الأصلية التى قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أى: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهى حقيقته الذاتية، وماهيته التى عرف بها من حيث هى. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أى: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك... وهكذا.
وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التى للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدهم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله فى درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى.
فمعانى "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب المُعَرف بأداة التعريف ) ضمن العنوان ( المسألة 31: "أل" الزائدة بنوعيها. )


هى التى تدخل على المعرفة أو النكرة فلا تغير من تعريفها أو تنكيرها. وربما أفادتها شيئًا آخر، - كما سيجىء -. فمثال دخولها على المعرفة: المأمون بن الرشيد من أشهر خلفاء بنى العباس. فالكلمات "مأمون"، و"رشيد: و"عباس"، معاف بالعلمية قبل دخول "أل". فلما دخلت عليها لم تفدها تعريفًا جديدًا. ومثال دخولها على النكرة ما سُمع من قولهم: "ادخلوا الأولَ فالأولَ..." وأشباهها. فكلمة "أول" نكرة لأنها حال ولم تخرجها "أل" عن التنكير.
و"أل الزائدة" نوعان، كلامهما حرف؛ نوع تكون فيه زائدة لازمة وهى التى اقترنت باسمٍ كبعض الأعلام منذ استعْماله علمًا؛ فلم يوجد خاليًا منها منذ علميته... ولا تفارقه بعد ذلك مطلقًا. (برغم زيادتها) كبعض أعلام مسموعة عن العرب لم يستعملوها بغير "أل"؛ مثل: السموءل، اليَسَعِ، واللاتِ والعُزَّى. وكبعض الظروف المبدوءة بأل، مثل: "الآن" للزمن الحاضر، وبعض أسماء الموصولات المصدرة بها، كالتى، والذى، والذين، واللاتى... ومن الزائدة اللازمة "أل" التى للغاية، وسيجىء بيانها...
ونوع تكون فيه زائدة عارضة (أى: غير لازمة) فتوجد حينًا وحينًا لا توجد؛ وهذا النوع ضربان: ضربٌ اضطرارى يلجأ إليه الشعراء وحدهم عند الضرورة؛ ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله؛ كقول القائل:
*ولقد جَنَيْتُك أكْمُؤًا وعَساقِلاً * ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأوْبَرِ*
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "أوبر" مضطرّا؛ مع أن العرب حين تستعملها علم جنس تجردها من "أل"؛ فتقول: بنات أوبر. ومثل قول الشاعر:
*رَأيتُكَ لَمَّا أنْ عَرَفْتَ وجُوهَنَا * صَدَدْت وطِبتَ النفسَ ياقيْسُ عن عَمْرِ*
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "النفس" التى هى تمييز، والتمييز - على المشهور - لا تدخله "أل"، وكان الأصل أن يقول: طبت نفسًا. ولكن الضرورة الشعرية قهرته.
وضرب اختيارى يلجأ إليه الشاعر وغير الشاغر لغرض يريد أن يحققه هو: لمح الأصل؛ وبيانه: أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علمًا، ثم انتقل إلى العلمية، وترك معناه السابق؛ مثل: عادل، ومنصور، وحسن؛ فقد كان المعنى السابق لها - وهى مشتقات -: ذاتٌ فعلت العدل. أو وقع عليها النصر، أو اتصفت بالحسن، ولا دخل للعلمية بواحد منها... ثما صار كل واحد بعد ذلك علمًا يدل على مُسَمّى مُعَين، ولا يدل على شىء من المعنى السابق؛ فكلمة: عادل، أو: منصور، أو: حسن، أو: ما شابهها - قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلى الاستعمال الثانى. وهو : العَلمية، وصارت بعد العلمية اسمًا جامدًا لا يُنظَر إلى أصله المشتق.
فإذا أردنا ألا تنقطع تلك الصلة المعنوية، وأن تبقى الكلمة المنقولة مشتملة على الأمْرين معًا، وهما: معناها الأصلى السابق، ودلالتها الجديدة وهى: العلمية، فإننا نزيد فى أولها: "أل" لتكون رمزًا دالا على المعنى القديم تلميحًا؛ فوق دلالته على المعنى الجديد، وهو: العلمية مع الجمود؛ فنقول: العادل، والمنصور، والحسن، فتدل على العلمية بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة، وتدل على المعنى القديم "بأل" التى تشير وتُلمح إليه. ولهذا تسمى: "أل التى للمح الأصل". ومن هنا دخلت فى كثير من الأعلام المنقولة الصالحة لدخلوها؛ لتشير إلى معانيها القديمة التى تحوى المدح أو الذم، والتفاؤل، أو التشاؤم؛ نحو؛ الكامل، المتوكل، السعيد؛ الضحاك، الخاسر، الغراب، الخليع، المحروق... وغير ذلك من الأعلام المنقولة قديمًا وحديثًا.
والنقل قد يكون من اسم معنوى جامد؛ كالمصادر فى مثل: الفضل، والصلاح والعِرْفان... وقد يكون من اسم عين جامد؛ كالصخر، والحجر، والنعمان، والعظم... وقد يكون من كلمات مشتقة فى أصلها كالهادى، والحارث، والمبارك والمستنصر، ويُهْمَل هذا الاشتقاق بعد العلمية فتعدّ من الجامد - كما سبق -
فالأعلام السابقة يجوز أن يتدخلها "أل" عند إرادة الجمع بين لمح الأصل والعلمية، كما يجوز حذفها عند الرغبة فى الاقتصار على العلمية وحدها. والأعلام فى الحالتين جامدة.
أما من ناحية التعريف والتنكير فوجود "أل" التى للمح الأصل وحذفها سيان. - كما تقدم -.
والأعلام كلها صالحة لدخول "أل" هذه، إلا العلم المرتجل؛ كسعاد، وأدَد، وإلا العلم المنقول الذى لا يقبل "أل" بحسب أصوله؛ إما لأنه على وزن فعل من الأفعال؛ والفعل لا يقبلها؛ مثل: يحين، يزيد، تَعِز، يشكر، شَمَّر...، وإما لأنه مضاف؛ والمضاف لا تدخله "أل"؛ نحو: عبدالرءوف، وسعد الدين، وأبو العينين.
من كل ما سبق نعلم أن أشهر انواع "أل" هو: الموصول، والمُعتَرفة بأقسامها، والزائدة بأقسامها.
***

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب المُعَرف بأداة التعريف ) ضمن العنوان ( المسألة 32: العلم بالغلَبة، تعريفة أحكامه. )


المعارف متفاوتة فى درجة التعريف - كما سبق -؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف "بأل" العهدية، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل فى قوة التعريف إلى درجة علم الشخص، ويصير مثله فى الأحكام الخاصة به، ولبيان ذلك نقول:
إن كُلاًّ من المعرف "بأل" العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة؛ فالكتاب - مثلا - ينطبق على عشرات، ومئات وألوف من الكتب، وكذلك النجم، والمنزل، والقلم... وكتاب سعد، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة، ومثله: قلم عمرو، وثوب عثمان...
غير أن فردًا واحدًا من أفراد المعرف "بأل" أو المضاف قد يشتهر اشتهارًا بالغًا دون غيره من باقى الأفراد؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر؛ بسبب شهرته التى غطت على الأفراد الأخرى، وحجبت الذهن عنها. ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السُّنّة، ابن عباس، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم... ومن الرسول: النبى محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبدالله، بن عباس، بن عبدالمطلب... دون باقى أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبدالله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبدالله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات فى الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصىّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل فى كلمة: "المصحف" أن تنطبق علىكل غلاف يحوى صحفًا. وفى كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفىكلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق - بعد التعريف - فى فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة (أى: التغلب بالشهرة) وهى درجة تلحقه بالعلم الشخصى فى كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل" أو بالإضافة، ولكن حقيقتها أنها معرفة بعلمية الغلبة. وهى فى درجة علم الشخص - كما قلنا - وتلغى معها الدرجة القديمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة: المدينة، العقبة الهرم... مجلس الأمن، جمعية الأمم، إمام النحاة... وغيرها مما هو عَلَم بالغلبة: كالنابغة ، أو الأعشى، أو الأخطل... وأصل النابغة: الرجل العظيم، وأصل الأعشى: من لا يبصر ليلا، وأصل الأخطل: الهجَّاء، ثم غلب على كل ما سبق الاستعمال فى العملية وحدها.
و "أل" فى الأعلام السابقة - ونظائرها - قسم من "أل" الزائدة اللازمة - كما أشرنا - ولكنه قسم مستقل، يسمى: "أل" التى للغلبة، وبالرغم من من أنها زائدة، ولازمة لا تفارق الاسم الذى دلت عليه - فإنها تحذف وجوبًا عند ندائه، أو إضافته؛ مثل: يا رسول الله قد بلغت رسالتك. هذا مصحف عثمان؛ يا نابغة، أسْمِعنا من طرائفك... فشأنها فى الحالتين المذكورتين من جهة الحذف وعدمه شأن "أل" المُعَرفة - فى الرأى الأرجح-
أما العَلَم بالغلبة إذا كان مضافًا، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه فى نداء، ولا فى غيره: تقول فى النداء: يا بنَ عمرَ قد أحسنت، ويا بنَ عباس قد أفدت الناس بفقهك، ويا بن مسعود قد حققت لنا كثيرًا من أحاديث الرسول...
وإذا اقتضى الأمر إضافته فإنه يضاف مع بقائه الإضافة الأولى، تقول: أنت ابن عُمَرنا العادل، وهذا ابن عباسنا زعيم الفتوى.
زيادة وتفصيل:
إذا أريد تعريف العدد "بأل" فإما أن يكون مضافًا، أو مركبًا، أو مفردًا، أو معطوفًا. فإذا كان العدد مضافًا وأردنا تعريفه "بأل" فالأحسن إدخالها على المضاف إليه وحده - أى: على المعدود -؛ نحو: عندى ثلاثة الأقلام، وأربع الصحف، ومائة ألف الورقة، وألف القرش. وعندئذ يكتسب المضاف التعريف من المضاف إليه في هذه الإضافة المحضة. والكوفيون يجيزون إدخال "أل" عليهما معًا ويحتجون بشواهد متعددة، تجعل مذهبهم مقبولا، وإن كان غير فصيح...
وإذا كان العدد مركبًا فالأحسن إدخالها على الجزء الأول منه؛ نحو: قرأت الأحدَ عشرَ كتابًا، وسمعت الخمسَ عشْرةَ أنشودة...
وإذا كان مفردًا - أى: أنه من العقود - دخلت عليه مباشرة؛ نحو: فى حديقتنا العشرون كرسيًّا، والثلاثون شجرة، والأربعون زهرة...
وإذا كان معطوفًا فالأحسن دخولها على الاسمين لتعريفهما معًا؛ نحو: أنفقت الواحد والعشرين درهما، وكتبت الخمسة والعشرين سطرًا...
وإذا كان المضاف إليه - وهو المعدود - معرفًا "بأل" فإن المضاف يكتسب منه التعريف فى الإضافة المحضة كما سبق، سواء أكانا متصلين لا فاصل بينهما، نحو: هذه ثلاثة الأبواب، ومائة اليوم، وألف الكتاب - أم فصل بينهما اسم واحد؛ نحو: هذه ثلاثُ قطع الأبواب، وخمسمائة الألف - أم اسمان، نحو: هذه ثلاث قطع خشب الأبواب، وخمسمائة ألفِ الدرهم - أم ثلاثة أسماء؛ نحو: هذه ثلاثة قطع خشب صَنَوْبَرِ الأبواب، وخمسمائة ألفِ درهمِ الرجل - أمر أربعة، نحو: هذه ثلاثُ قطعِ خشب صَنَوْبرِ صناعة الأبوابِ، وخمسمائةِ ألفِ درهمِ صاحبِ البيوت... ويسرى التعريف من المضاف إليه الأخير إلى ما قبله مباشرة، فالذى قبله... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول، فيكون معرفة كالمضاف إليه، وما بينهما. وهذا حكم كل إضافة محضة؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت، فإنك تُعرّف الاسم الأخير؛ فيسرى تعريفه إلى ما قبله، فالذى قبله،... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول. غير أن كثرة الإضافات المتوالية معيبة من الناحية البلاغية؛ فلا نلجأ إليها جهد استطاعتنا.
***
الاسم النكرة المضاف إلى معرفة - المنادى النكرة المقصودة:
بقى من أنواع المعارف السبع نوعان، سبق الكلام عليهما بما ملخصه:
ا- أن النكرة التى تضاف لمعرفة - مثل: قلمى شبيه بقلمك - قد تكتسب منها التعريف،وتصير فى درجتها. أى: أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف إليه، ويرقى فى التعريف إلى درجته. إلا إذا كانت النكرة مضافة إلى الضمير فإنها تكتسب منه التعريف، ولكنها ترقى فى التعريف إلى درجة: "العَلَم" - فى الرأى الصحيح - لا إلى درجة الضمير.
وإنما يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف على الوجه السالف إذا كان المضاف لفظًا غير متوغل فى الإبهام؛ فإن كان متوغلا فيه لم يكتسب التعريف - فى أكثر حالات استعماله - بإضافة، أو غيرها؛ كالأسماء: مثل - غير - حسب...
ب - أن من أنواع المنادى نوعًا واحدًا يكتسب التعريف بالنداء، وهذا النوع الوحيد، هو: "النكرة المقصودة، مثل: يا شرطى، أو يا حارس... إذا كنت تنادى واحدًا منهما معينًا تقصده دون غيره. ذلك أن كلمة: "شرطىّ" وحدها، أو: كلمة، "حارس" وحدها نكرة، لا تدل فى أصلها قبل النداء على فرد معين"، ولكنها تصير معرفة بعد النداء، بسبب القصد الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره.
ودرجة هذا المنادى فى التعريف هى درجة اسم الإشارة؛ لأن تعريف كل منهما يتم بالقصد الذى يعينه المشار إليه فى اسم الإشارة والتخاطب فى المنادى النكرة المقصودة - كما سبقت الإشارة فى هامش رقم 1 من ص 142.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 33: تعريفهما. أنواع العامل. )


تعريفها:
(ا) الشموسُ متعددةٌ - الأقمارُ كثيرةٌ - المحيطاتُ خمسٌ.
(ب) أمرتفعٌ البناءُ - ما حَسَنٌ الظلمُ - ما مكرَمٌ الجبانُ.
فى القسم الأول: (ا) كلمات تحتها خط، كل واحدة منها اسم، مرفوع، فى أول الجملة، خال من عامل لفظى أصيل، وبعده كملة تتمم المعنى الأساسى للجملة: (أى: تتضمن الحكم بأمر من الأمور لا يمكن أن تستغنى الجملة عنه فى إتمام معناها الأساسى، كالحكم على الشموس بالتعدد؛ وعلى الأقمار بالكثرة، وعلى المحيطات بأنها خمس...) ذلك الاسم يسمى: "مبتدأ" والكلمة الأخرى تسمى: "خبر" المبتدأ.
وفى القسم (ب) أمثلة لمبتدأ أيضًا، ولكنه غير محكوم عليه بأمر؛ لأنه وصف يحتاج إلى فاعل بعده، أو نائب فاعل؛ يتمم الجلمة، ويكمل معناها الأساسى؛ مثل: كلمتى: "البناء" "والظلم" فإنهما فاعلان للوصف ومثل كلمة: "الجبان"؛ فإنها نائب فاعل له. وقد استغنى الوصف بمرفوعه عن الخبر.
مما سبق نعرف أن المبتدأ: اسم مرفوع فى أول جملته، مجرد من العوامل اللفظية الأصلية، محكوم عليه بأمر. وقد يكون وصفًا مستغنيًا بمرفوعه فى الإفادة وإتمام الجملة. والخبر هو: اللفظ الذى يكمل المعنى مع المبتدأ، ويتمم معناها الأساسى. (بشرط أن يكون المبتدأ غير وصف). ومن هنا كان المبتدأ نوعين، نوعًا يحتاج إلى خبر حتمًا - وقد يتحتم أيضًا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتى -، ونوعًا لا يحتاج إلى خبر، وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل. ولا بد فى هذا النوع أن يكون وصفًا مُنكرًّا، وأن يكون رافعًا لاسم بعده يتمم المعنى؛ فإن لم يتمم المعنى لم يعرب الوصف مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه بالصورة السالفة؛ ففى مثل: ما حاضرٌ والدُه علىّ - لا يتم المعنى بالاقتصار على الوصف مع مرفوعه؛ أىْ: ما حاضرٌ والده. وفى هذه الحالة يعرب الوصف (وهو كلمة: "حاضر") إعرابًا آخر؛ كأن نجعله خبرًا مقدمًا، و"والده" فاعله، (على) مبتدأ مؤخر...
والأكثر فى الوصف الواقع مبتدأ أن يعتمد على نفى، أو استفهام؛ بأن يسبقه شىء منهما كالأمثلة السالفة فى "ب" ويجوز - بقلة - ألا يسبقه شىء منهما؛ نحو: نافعٌ أعمالُ المخلصين، خالد سيَرُ الشهداء.
ولا فرق بين أن يكون المبتدأ اسمًا صريحًا؛ كالأمثلة السالفة - وأن يكون اسمًا بالتأويل؛ نحو "أنْ تقتصد" أنفع لك، "أنْ تجنتبَ" الغضبَ أقربُ للسلامة. أى: اقتصادك... واجتنابك، وكقول الشاعر:
*فما حَسَنٌ أن يَعذِرَ المرء نفسَه * وليس له من سائر الناس عاذر*
هذا، والمبتدأ مع خبره أو مع مرفوعه الذى يستغنى به عن الخبر نوع من الجملة الاسمية.
زيادة وتفصيل:
(ا) عرفنا أن العوامل الأصلية لا تدخل على المبتدأ، أما غير الأصلية (وهى الزائدة وشبه الزائدة) فقد تدخل؛ فمثال الزائدة "مِنْ" فى قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ}، ومثالُ شبه الزائدة: "رُبّ" في مثل: "رُبّ قادمٍ غَريبٍ أفادنا. فكلمةَ: "مِن" حرف جر زائد؛ دخل على المبتدأ؛ فَجَرَّه فى اللفظ، دون المحل. ولذلك نقول فى إعرابه: إنه مبتدأ مجرور بمِنْ فى محل رفع.
وكذلك كلمة: "قادم" فإنها مبتدأ مجرور فى اللفظ بحر الجر الشبيه بالزائد، وهو: "رُبّ" - فى محل رفع.
(ب) الوصف الذى له مرفوع يستغنى به عن الخبر هو الوصف المشتق الجارى مجرى فعله فى كثير من الأمور، وأوضحها: المشاركةُ فى الحروف الأصلية، وحركاتها وسكناتها، وفى عمله ومعناه... كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشتبهة، وكذا اسم التفضيل؛ فإنه قد يرفع الظاهر فى مثل: ما رأيت ورقةً أحسنَ فى سطورها الخطُّ منه فى ورقةِ محمودٍ. فيقال هنا عند وقوعه مبتدأ هل أحسنُ فى سطور هذه الورقةِ الخطُّ منه في سطور غيرها؟
ويلحق بالوصف ما أوّلَ به؛ من كل جامد تضمن معناه؛ مثل: أأسدٌ الرجلان؟ بمعنى أشجاعٌ الرجلان؟. والمنسوب؛ نحون: أعربىٌّ الشاعران. أى: أمنسوب الشاعران للعرب؟ و"ذَو" بمعنى صاحب؛ نحو: أذو علم القادمان؟ بمعنى: أصاحب علم القادمان؟ والمصغر؛ نحو: أصُخَيْرٌ المرتفعان؛ لأنه بمعنى: صخر صغير. فكل هذه الأنواع المؤولة تجرى مجرى المشتق فى أن لها مرفوعاً فى بعض الأحيان تستغنى به عن الخبر.
(حـ) قلنا إن الوصف يسبقه فى الأكثر نفى، أو استفهام؛ فالنفى قد يكون بالحرف؛ نحو: ما غائب الشاهدان، أو بالفعل؛ نحو: ليس محبوب الغادرون. أو بالاسم؛ نحو: غيرُ نافعٍ مالٌ حرامٌ. وغيرها من أدوات النفى التى تدخل على الأسماء. بخَلاف ما لا يدخل عليها؛ مثل: لم، ولمَّا، ولن، فإنها أدوات نفى مخنصة بالمضارع. وقد يكون النفى لفظيًا؛ لوجود لفظه كما سبق، أو معنويًا فى نحو: إنما قائم الحاضرون، لأنه فى قوة: ما قائم إلا الحاضرون. وإذا نقص النفى بإلا لم يتغير الحكم السابق؛ نحو: ما قائم إلا الحاضرون.
وكذلك الاستهفام قد يكون بالحرف نحو: أحافظٌ الصديقان العهدَ؟ هل عالمٌ أنّما الخبرَ؟ أو بالاسم؛ نحو: كيف جالسٌ الضيوفُ؟ ومَنْ مكرِمٌ الآباءُ! ومتى قادمٌ السائحون؟.
وقد يكون الاستفهام مقدرًا يدل عليه دليل؛ نحو: واقف الرجلان أم قاعدان؟ فوجود "أمْ" دليل على أنها مسبوقة باستفهام؛ شأن "أمْ" التى لطلب التعيين. (وكلمة "كيف" حال من الفاعل وهو "ضيوف". مبنية على الفتح فى محل نصب. و"من" مفعول به لكلمة: مكرم، مبنى على السكون فى محل نصب. و"متى" ظرف لكلمة "قادم" مبنى على السكون فى محل نصب).
(د) سبق أن المبتدأ الذى يستغنى بمرفوعه عن الخبر مقصور على نوع معين من المشتقات (أى: من الوصف)؛ وعلى الجامد المؤول بالمشتق وقد سبقت أمثلته. ومن أمثلته أيضاً بعض أساليب سماعية وقع فيها المبتدأ اسمًا جامدًا ليس له خبر؛ وإنما له اسم مرفوع يغنى عن الخبر؛ وذلك لتأول الجامد بالمشتق، كقولهم لا نَوْلُكَ أن تفعل كذا... يريدون: ما متناولك أن تفعل... أى: ليس متناولك هذا الفعل، فليس هو الذى تتناوله. والمراد لا ينبغى ولا يليق بك تناوله. فكلمة: "نوْل" جامدة؛ لأنها مصدر بمعنى: التناول، ولكنها مؤولة بالمشتق؛ إذ معناها: متناوَل، فهى بمعنى اسم المفعول، وتعرب مبتدأ، بمعنى: متناوَل، والمصدر المؤول من أنْ والفعل والفاعل: (أن تفعل) فى محل رفع نائب فاعل لها. ولا مانع من أن تكون كلمة "نول" مبتدأ والمصدر المؤول فى محل رفع خبره. وبهذا لا تحتاج إلى تأويل.
وكذلك وردت أساليب أخرى قليلة (لا يجوز القياس عليها) وقع فيها المبتدأ وصفًا لا خبرٍ له، ولا مرفوع يغنى عن الخبر، منها؛ أقل رجل يقول ذلك. والمراد؛ قَل رجلٌ يقول ذلك؛ أى: صَغُر شأ،ه وحَقُر. فقيل إن المبتدأ لا يحتاج هنا إلىخبر، وجملة: (يقول ذلك) صفة "لرجل" النكرة؛ لأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ فتُفَضّل الصفة على الخبر؛ فتغنى عنه. وقيل السبب هو: أن المبتدأ ليس مبتدأ فى المعنى؛ إذ الكلام ليس مقصودًا به التفضيل؛ وإنما المعنى: قَلَّ رجلٌ يقول ذلك؛ فهو مبتدأ فى ظاهره، فعل فى معناه وحقيقته؛ فكيتفى بالمضاف إليه الذى هو فاعل فى الأصل، ويستغنى به عن الخبر. وقيل: إنه مبتدأ والجملة هى الخبر؛ والأخذ بها الرأى وحده أوفق؛ لمسايرته الأصل العام الذى يقضى بأن للمبتدأ خبرًا، أو مرفوعًا يغنى عنه. على أن هذا الأسلوب سماعى لا يجوز القياس عليه، فذكره ليفهمه من يراه فى النصوص المسموعة؛ فيقتصر عليها فى الاستعمال.
هـ- أشرنا فى (رقم 2 من هامش ص 402) إلى المبتدأ الى لا يحتاج لخبر إن كان هذا المبتدأ وصفًا ناسخًا يعمل؛ كالمثال الذى فى رقم 1 من هامش ص 511 كما أشرنا فى رقم 3 من هامش ص 406 إلى الناسخ الذى يحتاج لخبر منصوب فيستغنى عنه بمرفوع.
و- إذا كان الخبر هو الذى يتمم الفائدة مع المبتدأ - على الوجه المشروح فيما تقدم فأني الخبر فى مثل: فلان - وإن كثر ماله - لكنه بخيل؟ وهذا تعبير يتردد على ألسنة بعض السابقين من المولدين الذي لا يستشهد بكلامهم، ومثله: فلان - وإن كثر ماله - إلا أنه بخيل. وكلا التعبيرين ظاهر القبح والفساد بالرغم مما حاوله بعض متأخرى النحاة - كما نقل الصبان - من تأويله تأويلا غير مستساغ، ليصحح الأول على أحد اعتبارين:
أولهما: أن جملة الاستدراك هى الخبر، بشرط اعتبار المبتدأ مقيدًا بالقيد المستفاد من الجملة الشرطية التى بعده، فكأن المراد: فلان مع كثرة ماله بخيل... أو فلان الكثير المال بخيل، والتكلف المعيب ظاهر فى هذا.
ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفًا والاستدراك منه، أى: فلان دائب العمل وإن كثر ماله لكنه بخيل. وهذا الوجه المعيب ينطبق على المثال الثانى أيضًا.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 34: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه. )


إذا كان المبتدأ وصفًا متقدمًا فله مع مرفوعه حالتان؛ إحداهما: أن يتطابقا فى الإفراد، والتثنية، والجمع والأخرى: ألا يتطابقا.
(ا) فإن تطابقا فى الإفراد مع تقدم الوصف (مثل: أحاضرٌ القلمُ؟ - ما مهزومٌ الحقٌّ) جاز أن يعرب الوصف المتقدم مبتدأ والاسم المرفوع به فاعلا، أو نائب فاعل، على حسب نوع الوصف، وجاز أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا. والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. ففى المثال الأول يجوز أن تكون كلمة: "حاضر" مبتدأ، وكلمة: "القلم" فاعل أغنى عن الخبر. ويجوز أن تكون كلمة: "حاضر" خبرًا مقدمًا. والقلم مبتدأ مؤخرًا.
وفى المثال الثانى يصح أن تكون كلمة: مهزوم؛ مبتدأ "والحق" نائب فاعل أغنى عن الخبر. كما يجوز أن تكون كلمة: "مهزوم" خبرًا مقدمًا و "الحق" مبتدأ مؤخرًا.
والمطابقة فى الإفراد على الوجه السابق الذى يبيح الإعرابين المذكورين تقتضى المطابقة فى التذكير والتأنيث حتمًا؛ فإن اختلفت فى مثل: "أمغرد فى الحديقة عصفورة"؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ، والاسم المرفوع بعده فاعله أو نائب فاعل على حسب نوع الوصف، ولا يصح إعراب الوصف خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع مبتدأ مؤخرًا؛ وذلك لعدم تطابقهما فى التأنيث؛ إذ لا يصح أن نقول: أعصفورة مغرد فى الحديقة.
ومما يجوز فيه الأمران أيضاً: أن يكون الوصف أحد الألفاظ التى يصح استعمالها بصورة واحدة فى الإفراد والتأنيث وفروعهما من غير أن تتغير صيغتها؛ مثل كلمة: "عدو"، فيصح: اللص عدو - اللصان عدو - اللصوص عدو - اللصة عدو - اللصتان عدو - اللصات عدو... فمثل هذه الكلمة التى يصح فيها أن تلزم صورة واحدة فى جميع الأساليب يجوز فيها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع: (مثل: أعدو اللص - أعدو اللصان - أعدو اللصوص...) أن يكون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أو نائب فاعل، على حسب نوع الوصف. كما يجوز أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. فهذه مسألة أخرى يجوز فيها الأمران. ومثلها المصدر الذى يصح أن يستعمل بلفظ واحد فى استعمالاته المختلفة؛ مثل: أحاضر عدْل - أحاضران عدل - أحاضرون عدْل... و...
وإن تطابقا فى التثنية أو الجمع (مثل: ما السابحان المحمدان - ما السابحون المحمدون)، فالأحسن - فى رأى جمهورة النحاة - أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا.
(ب) وإن لم يتطابقا فإن كان الوصف مفردًا ومرفوعه مثنى أو جمعًا (مثل: أعالم المحمدان؟ أمحبوب المحمدون؟) صح التركيب فى هذه الصورة الخالية من المطابقة، ووجب إعراب الوصف مبتدأ، وإعراب مرفوعه فاعلا أو نائب فاعل على حسب حاجة الوصف - أغْنَى عن الخبر، ولا يجوز أن يكون مرفوعه مبتدأ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المبتدأ مثنى أو جمعًا والخبر مفردًا؛ وهذا لا يجوز ويتساوى فى هذا الحكم أن يكون مرفوع الوصف اسمًا ظاهرًا، وضميرًا بارزًا...
أما فى غير هذه الصورة فلا يصح التركيب؛ ويكون الأسلوب فاسدًا. فمن الصور الفاسدة: أن يكون الوصف مثنى والاسم المرفوع مفردًا؛ مثل: ما قائمان محمد، أو يكون الوصف مثنى والاسم المرفوع جمعًا؛ نحو: أقائمان المحمدون؟. أو يكون الوصف جمعًا، والاسم المرفوع مفردًا، مثل: أحاضرون محمدٌ؟ أو يكون الوصف جمعًا والاسم المرفوع مثنى؛ نحو: أحاضرون الرجلان... وهكذا كل صورة تخلو من المطابقة الصحيحة.
من كل ما تقدم يمكن تلخيص الحالات الإعرابية الخاصة بالمبتدأ الوصف فى ثلاث:
الأولى: وجوب إعرابه مبتدأ يرفع فاعلا، أو نائبه - إذا لم يطابق ما بعده. وهذه الحالة مقصورة على أن يكون الوصف المتقدم مفردًا، والاسم المرفوع بعده مثنى أو جمعًا؛ نحو: أسابح المحمودان؟- أسابح المحمودون؟
الثانية: وجوب إعرابه خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا، وذلك عند تطابقهما فى التثنية أو فى الجمع؛ نحو: أنائمان الرجلان؟ أنائمون الرجال؟
الثالثة: جواز الأمرين إن تطابقا فى الإفراد، وما يقتضيه. مثل أقارىء الجندىّ؟ وفى بعض مسائل سبقت الإشارة إليها.
زيادة وتفصيل:
(ا) هناك أنواع أخرى من المطابقة الواجبة، أو الجائزة، أو الممنوعة فيجب أن يكون الخبر مطابقًا للمبتدأ فى الإفراد والتذكير، وفروعهما؛ بشرط أن يكون الخبر مشتقًّا لا يستوى فيه التذكير والتأنيث، وأن يكون جاريًا على مبتدئه. ومن الأمثلة: محمود غائب، المحمودان غائبان، المحمودون غائبون. فاطمة غائبة. الفاطمتان غائبتان، الفاطمات غائبات... فلا تطابق فى مثل: زينب إنسان، ولا مثل: أتعرفُ الدنيا خداعة؟ وهى إقبال وإدبار؛ لعدم اشتقاق الخبر. ولا فى: هذا جريح؛ لأن الخبر وصف يستوى فيه المذكر والمؤنث (وسيجىء فى باب التأنيث من الجزء الرابع تفصيل هذه المسألة) ولا فى: سعاد كريم أبوها؛ لأن الخبر جار على غير مبتدئه.
وإذا كان المبتدأ جمعًا لما لا يعقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أو جمعًا سالما مؤنثًا، أو جمع تكسير للمؤنث، أو جمع تكسير للمذكر؛ مراعاةً لمفرده المذكر غير العاقل - إن لم يمنع من الجُمُوع السالفة ما نع آخر - نحو: العقوبات رادعة، أو رادعات، أو روادع - البيوت عالية، أوعاليات، أو عوال، أو: أعال، جمعُ أعْلَى. فإن كان المبتدأ جمع مؤنث للعاقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أو جمع مؤنث سالمًا، أو جمع تكسير للمؤنث؛ نحو المتعلمات نافعة، أو نافعات،أو نوافع. وقد سبق لهذا - ولحالات أخرى - بيان عند الكلام على تطابق الضمير ومرجعه.
وقد يُذَكَّر المبتدأ لمرادعاة الخبر؛ كقوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} والإشارة المثناة راجعة إلى اليد والعصا قبل هذه الآية، وهما مؤنثتان، ولكن المبتدأ هنا مذكر لتذكير الخبر، ومثله قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ}... فاسم الإشارة: (هذا) مذكر، مع أن المشار إليه - وهو: الشمس - مؤنث، فحق الإشارة إليها أن تكون باسم إشارة للمؤنث مثل: "هذه". قال الزمخشرى: "فإن قلت: ما وجه التذكير؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر، لكونهما عبارة عن شىء واحد؛ كقولهم: "ما جاءت حاجتَك"؟ أى: ما صارت حاجتَك؟ - ومن كانت أمَّك؟... - ومثل هذا ينطبق على الآية السابقة وهى: (هذا ربى). على أن التذكير فى هذه الآية واجب لصيانة "الرب" عن شبهة التأنيث لو قيل: "هذه ربى". ألا تراهم قالوا فى صفة "الله": "علاّم"، ولم يقولوا: "علاّمة" - وإن كان "العلاّمة" أبلغ -؛ احترازًا من علامة التأنيث. اهـ ببعض اختصار.
ومن تأنيث المبتدأ المذكر مراعاةً لتأنيث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بالتاء فى أول المضارع: "تكنْ" لتأنيث اسم الناسخ؛ وهذا الاسم هو المصدر المنسك المتأخر، وهو فى أصله مذكر، ولكنه أنَّث موافقة للخبر المتقدم، وبسبب تأنيث هذا الخبر أنَّث الفعل "تكن".
وإذا كان الخبر دالاً على تقسيم أو تنويع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فى الإفراد وفروعه؛ نحو: الصديق صديقان، مقيم على الود والولاء، وتارك لهما، والإخاء إخاءان، خالص لله، أو لمغنم عاجل. وكقولهم: المال أنواع؛ محمود الكسب، محمود الإنفاق؛ وهذا خيرها. وخبيث الثمرة خبيث المَصْرِف؛ وهذا شرّها، وما اجتمع له أحد العيبين وإحدى المزيتين؛ وهو بمنزلة بين المنزلتين السالفتين.
وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنَزَّل منزلة المفرد؛ بقصد التشبيه، أو المبالغة، أو نحوهما؛ سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا فى قولهم: المقاتلون فى سبيل الله رجل واحد وقلب واحد، وهم يد على من سواهم، وقولهم: التجارب مرشد حكيم، والمنتفعون بإرشاده قلعة تَرتدّ دونها الشدائد، ومن أمثلة التعدّد الحقيقى أيضًا، قول الشاعر:
*المجْد والشَّرف الرّفيع صحيفةٌ * جُعِلتْ لها الأخلاق كالعنوان*
وقد يختلفان تذكيرًا وتأنيثًا، ولكن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف - كسابقه - المبالغة، أو التشبيه ونحوهما؛ مثل: الشدة مرب حازم، والتجربة معلم نافع، واللص هيابة، والمؤرخ نَسَّابة. وقد يختلفان كذلك إذا كان المبتدأ اسم جنس جميعًّا على الوجه الذى سبق تفصيله.
ومن الخبر الذى يجوز فيه التذكير والتأنيث كلمتا: "أحَد. وإحدى" المضافتين، إذا كان المضاف إليه لفظًا يخالف المبتدأ فى التذكير أو التأنيث؛ فيجوز فى الكلمتين موافقة المبتدأ، أو الخبر، مثل: المال أحد السعادتين، أو: إحدى السعادتين، بتذكير "أحد" مراعاة للمبتدأ المذكر (المال) وبالتأنيث مراعاة للمضاف إليه المؤنث، وهو كلمة: السعادتين. ومثل: الكتابة أحد اللسانين، إو إحدى اللسانين، بالتأنيث أو التذكير، طبقًا لما سلف.
وقد يكون الخبر مؤنثًا والمبتدأ مذكرًا مضافًا إلى مؤنث؛ فيستفيد التأنيث من المضاف إليه، أو العكس؛ (بأن يكون الخبر مذكرًا والمبتدأ مؤنثًا مضافًا إلى مذكر؛ فيستفيد منه التذكير).ويشترط فى الحالتين أمران.
ا- أن يكون المبتدأ المضاف صالحًا للحذف، وللاستغناء عنه بالخبر من غير أن يفسد المعنى.
ب- وأن يكون المبتدأ ا لمضاف كُلاًّ للمضاف إليه، أو جزءًا منه، أو مثل الجزء... و...
ومن أمثلة اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث قول الشاعر:
*وما حُبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبى * ولكن حُبُّ مَن سكنَ الديارا*
ومِن أمثلة اكتساب المضاف التذكير من المضاف إليه قولهم: رؤيةُ الفكر عواقبَ الأمور مانعٌ له من التسرع.
وهناك حالات هامة من المطابقة وأحكامها المختلفة أشرنا إليها فيما سبق.
حـ- الغالب أن البدل يرتبط به ما بعده، ويعتمد عليه، فيطابقه فى حالتى التذكير والتأنيث وغيرهما، نحو: إن الغزال عينَه جميلة، وإنّ الفتاة جفنَها فاتر، ينصب كلمتى "عين" و"جفن" - وهما بدلان - وتأنيث خبر "إن" فى المثال الأول، وتذكيره فى الثانى. ولولا أن الملاحَظ هو البدل - وأنه بمنزلة المبدل منه - لوجب التذكير فى الأول، والتأنيث فى الثانى. ولا مانع من العدول عن البدل فيما سبق إلى المبتدأ فى الكلمتين، ولعله الأحسن؛ لبعده عن اللبس الناشىء من البدل. ولا بد عند مراعاة الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره. ومن غير الغالب قول الشاعر:
*إن السيوفَ غُدُوَّها ورواحَها * تركت هَوَازن مثلى قرن الأعْضَب*
فقد جاء الفعل "ترك" مؤنثًا مراعاة لاسم: "إن"، لا للبدل...
وبمناسبة الكلام على المبتدأ والخبر وأنهما مرفوعان، بحث النحاة - كعادتهم - عن العامل الذى يوجد الضمة فىكل منهما. ولما لم يجدوا قبل المبتدأ عاملا لفظيًّا يوجدها، قالوا إن العامل معنوى؛ هو؛ وجود المبتدأ فى أول الجملة؛ لا يسبقه لفظ آخر؛ وسموْا هذا العامل المعنوى: الابتداء.فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فيه هو: المبتدأ؛ أى: أن الخبر مرفوع بالمبتدأ. هذا رأى من عدة آراء لا أثر لها فى ضبط كل منهما، ولا فى وضوح معناهما، ومعنى الكلام. فالخير فى إهمالها، وتناسيها، والاقتصار على معرفة أن المبتدأ مرفوع، والخبر مرفوع كذلك.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 35: أقسام الخبر. )


عرفنا أن الخبر جزء أساسىّ فى الجملة؛ يكملها مع المبتدأ الذى ليس بوصف ويتمم معناها. وهو ثلاثة أقسام: مفرد، وجملة. وشبه جملة.
القسم الأول: الخبر المفرد:
وهو ما كان كلمة واحدة، أو بمنزلة الواحدة (أى: ليس جملة، ولا شبه جملة) وهو إما جامد)، فلا يرفع ضميرًا مستترًا) فيه، ولا بارزًا، ولا اسمًا ظاهرًا؛ مثل: كلمتى: "كَرة" و"نهر" فى قولنا: الشمس كرة، الفرات نهر، ومثل كلمتى "إقبال" وإدْبار" فى قول الشاعر يصف ناقته التى فقدتْ وليدها:
*ترتَع ما رَتَعَتْ، حتَّى إذا ادّركتْ * فإنما هى إقبالٌ وإدبار*
فالخبر فى الأمثلة السابقة فارغ من الضمير المستتر، وغير رافع لضمير بارز أو لاسم ظاهر بعده.
وإما مشتق (وصف) فيرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أو يرفع ضميرًا بارزًا، أو: اسمًا ظاهرًا بعده؛ مثل: الهرم مرتفع - الآثار عالية. أى: مرتفع هو. وعالية هى، فقد تحمل المشتق ضميرًا مستترًا وجوبًا يعود على المبتدأ؛ ليربط الخبرية ارتباطًا معنويًا. ومثل: ما راغب أنتم فى الظلم؟ فقد رفع الوصفُ ضميرًا بارزًا بعده. ومثل: الورد فاتن ألوانُه، ساحر أنواعُه. فكل من الوصفين: (فاتن، وساحر) قد وقع خبرًا، ورفع بعده اسمًا ظاهرًا. فلا بد فى الخبر المشتق من أن يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أو ضميرًا بارزًا أو يرفع اسمًا ظاهرًا بعده.
ومن المشتق (الوصف) ما يعرب على حسب الظاهر خبرًا للمبتدأ، مع أن معناه فى الواقع لا يَنْصَبُّ على ذلك المبتدأ، ولا ينسب إليه مباشرة: مثل: البنت الأبُ مكرمَتُهُ هى. "فالبنت" مبتدأ أول. و"الأب": مبتدأ ثان. "مكرمة" خبر المتبدأ الثانى، مع أن معنى هذا الخبر مُنْصَبٌّ على المبتدأ الأول وحده، لان البنت هى المكرمة؛ أى: المنسوب لها الإكرام، دون المبتدأ الثانى.
ومثل: الشفيق الأمُّ مساعدُها، هو. فكلمة "الشفيق": مبتدأ أول، و"الأم" مبتدأ ثان. و"مساعد": خبر المبتدأ الثانى. مع أن المعنى هذا الخبر - وهو: مساعد - واقع على الأول، ولاحقٌ به دون المبتدأ الثانى...، وهكذا كل وصف وقع خبرًا عن مبتدأ غريب عن معنى ذلك الخبر، وعن مدلوله. وهذا الخبر يقول عنه النحاة. "إنه جارٍ على غير صاحبه. أو: جارٍ على غير من هو له".
ولما كان هذا الخبر مشتقًّا كان لابد أن يرفع ضميرًا أو اسمًا ظاهرًا. غير أن الضمير هنا يجوز إبرازه، كما يجوز استتاره، بشرط أن يكون المبتدأ المنسوب إليه الخبر والمحكوم عليه حقيقة، واضحًا لا يشتبه بغيره عند الاستتار؛ أى: بشرط أمن اللبس، كما فى الأمثلة السابقة.
وهناك أمثلة للوصف الواقع خبرًا يصلح فيها أن يكون جاريًا على من هو له وعلى غير من هو له، فيقع اللبس فى المراد: نحو: (الفارس الحصانُ مُتْعِبُه) فكلمة: "الفارس" مبتدأ، و"الحصان" مبتدأ ثان "ومُتْعِب" خبر الثانى وفيه ضمير مستتر، والجملة منها خبر الأولى. فما المراد من هذا المثال؟ أتريد الحكم على الحصان بأنه يتعب الفارس؛ فيكون الخبر جاريًا على من هو له: أم نريد الحكم على الفارس بأنه يتعب الحصان؛ فيكون الخبر جاريًا على غير من هو له؟ الأمران محْتمَلان مع اختلافهما فى المعنى. وهذه هى حالة اللبس، حيث لا قرينة ترجح أحدهما على الآخر. فإن كان المراد هو المعنى الأول الذى يقتضى جريان الخبر على من هو له وجب استتار الضمير مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على ذلك المعنى؛ فنقول: "الفارس الحصان متعبه". وإن كان المراد هو المعنى الثانى الذى يقتضى جريان الخبر على غير من هو له وجب إبراز الضمير منفصلاً؛ ليكون إبرازه دليلا على جريانه على غير من هو له؛ فنقول (الفارسُ الحصانُ متعبه هو). فالضمير: "هو" عائد على الفارس، المنسوب إليه "أنه متعب"، والمحكوم عليه بذلك الحكم. والضمير: "الهاء" المتصل بالخبر. وهو الهاء فى آخر كلمة: "متعبه" عائد إلى المبتدأ الثانى).
ومثل الكلبُ الثعلبُ مخيفهُ. "الكلب"؛ مبتدأ؛ أول. "الثعلب": مبتدأ ثان، "مخيف": خبر الثانى، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. فما المراد؟ قد نريد الحكم على الثعلب بأنه يخيف الكلب؛ فيكون الخبر جاريًا على صاحبه، ويجب استتار الضمير؛ مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على جريانه على صاحبه. وقد نريد المعنى الثانى؛ وهو جريانه على غير صاحبه؛ فجب إبراز الضمير منفصلا؛ ليكون إبرازه شارة على هذا المعنى؛ فنقول: الكلب الثعلب مخيفة هو. ويكون الضمير البارز عائدًا على "الكلب" وهو المحكوم عليه حقيقة بالخبر؛ أى: بأنه المخيف. أما الضمير الثانى (وهو الهاء المتصلة بالخبر) فعائدة على المبتدأ الثانى.
وخلاصة ما تقدم:
1- أن الخبر الجامد لا يتحمل الضمير إلا عند التأويل الذى يقتضيه السياق؛ وأما المشتق فيتحمله.
2- إذا جرى الخبر المشتق على غير من هو له وكان اللبس مأمونًا جاز استتار الضمير وجاز إبرازه.
3- وإن لم يُؤْمَنْ اللبس وجب إبراره.
هذا، ومن المستحسن عدم محاكاة الأساليب المشتملة على النوع الأخير، وعدم صياغة نظائر لها؛ منعًا لاحتمال ألا يُفهَم المراد منها؛ بالرغم من كثرة ورودها فى الكلام العربى الأصيل، كما يستحسن إهمال الرأى الذى يوجب إبراز الضمير فى حالة أمن اللبس، لمجافاته الأصول اللغة العامة.
***
القسم الثانى الخبر الجملة:
الخبر الجملة: كلمتان أساسيتان لا بد منهما للحصول على معنى مفيد؛ كالفعل مع فاعله أو نائب فاعله؛ فى مثل: فرح الفائز، وأكْرِمَ النابغ. وتسمى هذه الجلمة: "فعلية"؛ لأنها مبدوءة - أصالة - بفعل. وكالمبتدأ مع خبره، أو ما يغنى عن الخبر فى مثل: المال فاتن. وهل الفاتن مال؟ وتسمى هذه الجملة: "اسمية" "لأنها مبدوءة" أصالة باسم؛ فالجملة إما "اسمية"، وإما "فعلية" وكل واحدة منهما قد تقع خبرًا؛ فتكون هنا فى محل رفع؛ نحو: الصيف يشتد حره. الشتاء يقسو بردُه. الربيع جَوُّه معتدل. الخريف جوه متقلب. وقد اجتمعت الجملتان فى قول الشاعر:
*الْبَغْىُ يصْرَعُ أهْلَهُ * وَالظلمُ مَرتَعُهُ وخِيم*
ويشترط فى الجملة والواقعة خبرًا أن تشتمل على رابط يربطها بالمبتدأ، إلا إن كانت بمعناه، كما سيجىء. وهذا الرابط - كالضمير فى الجمل السالفة - ضرورى؛ ولولاه لكانت جملة الخبر أجنبية عن المبتدأ، وصار الكلام مفككاً لا معنى له؛ لانقطاع الصلة بين أجزائه؛ فلا يصح أن نقول: محمد يذهب علىّ، وفاطمة يجىء القطار... لفساد التركيب، واختلال المعنى يفقد الرابط. والروابط أنواع كثيرة منها:
1- الضمير الراجع إلى المبتدأ، وهو أصل الروابط وأقواها (وغيره خلَف عنه)، سواء أكان ظاهرًا؛ مثل: الزارع "فضلُه كبيرٌ" أم مستتر (أى: مقدر) مثل: الأرض، تتحرك"، وقولهم: مخالفة الناصح الأمين تُورثُ الحسْرة، وتُعْقِبُ الندامة، أم محذوفًا للعلم به مع ملاحظته ونيته؛ مثل: الفاكهة "أقةٌ بعشرة قروش" أى: أقة منها. وحجارة الهرم "حجرٌ بوزن عشرة" أى: حجر منها. والورق "اللونُ لونُ اللبن". اللون منه. الثوب "الرائحة رائحةُ الزهر": الرائحة منه.
ويشترط في الضمير أن يكون مطابقًا للمبتدأ السابق فى التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية، والجمع.
2- الإشارة إلى المبتدأ السابق؛ نحو: الحرية "تلك" أُمْنِيّة الأبطال، والإصلاح "ذلك" مقصد المخلصين. ومنه قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ}...
3- إعادة المبتدأ السابق؛ بقصد التفخيم، أو التهويل، أو التحقير. والإعادة قد تكون بلفظه ومعناه معًا؛ نحو: الحرية ما الحرية؟ والحرب ما الحرب؟ والسارق من السارق؟ وقد تكون بمعناه فقط؛ نحو: السيف ما المهند؟ والأسد ما الغضنفر؟ وعلىّ من أبو الحسين؟ بشرط أن يكن أبو الحسين كنية علىّ. والمراد بهما شخص واحد.
4- أن يكون فى الجملة الواقعة خبرًا ما يدل على عموم يشمل المبتدأ السابق وغيره؛ نحو: أما جبُنُ المحارب فلا جبنَ فى بلادنا، وأما هربه فلا هربَ عندنا. و العربيّ نعم البطل... فعدم الجبن أمر عام يشمل جبن المحارب وغير المحارب، وكذلك عدم الهرب فى بلادنا يشمله ويشمل غيره... والبطل الممدوح بكلمة:"نِعم" يشمل العربى وغيره.
5- أن يقع بعد جلمة الخبر الخالية من الرابط جملة أخرى معطوفة عليها بالواو، أو الفاء، أو ثم، مع اشتمال المعطوفة على ضمير يعود على المبتدأ السابق؛ فيُكتفَى فى الجملتين بالضمير الذى فى الثانية فمثال الواو: الزارع نبتَ الزرعُ وتعهده - الطالب بدأت الدارسةُ وا ستعد لها... ومثال الفاء: الصانع تيسرت أسباب الصناعة فأقبل غير متردد، والعامل كثرت ميادين العمل فوجد الرزق مكفولا. ومثال ثُمّ: القمر طلعت الشمس ثم اختفى نوره، والنجوم انقضى النهار ثم أشرق ضوءها.
6- أن يقع بعد جملة الخبر الخالية من الرابط أداة شرط حذف جوابه الدلالة الخبر عليه، وبقى فعل الشرط مشتملا على ضمير يعود على المبتدأ؛ مثل الوالد يترك الأولادُ الصياح إن حضر - الضيف يقف الحاضرون إن قَدِمَ.
تلك أشهر الروابط. ويجوز أن تستغنى جملة الخبر عن الرابط إن كانت هى نفس المبتدأ فى المعنى؛ بحث يتضمن أحدهما المعنى الذى يتضمنه الآخر تمامًا؛ كأن يقول رجل لزميله؛ ما رأيك فى التجارة؟ فيجيب: رأيى. "التجارة غِنًى". فالجملة الواقعة خبرًا مطابقة فى معناها للمبتدأ فى معناه ومدلوله؛ فكلاهما مساو للآخر فى المضمون؛ فالرأى هو: "التجارة غنى" و"التجارة غنى" هى: "الرأى". ومن أمثلة ذلك: أن يتكلم متكلم فيسأله الآخر ماذا تقول؟ فيجب: قولى "الذليل مهين". كلامى "الكرامة تأبى المهانة" فجملة الخبر فى كل مثال هى نفس المبتدأ السابق فى المعنى، والمبتدأ السابق فى كل مثال يتضمن معنى الجملة الواقعة خبرًا، فكلاهما يتضمن معنى الآخر، ودلالته.
زيادة وتفصيل:
(ا) اشترطنا فى جملة الخبر وجود رابط، - بالتفصيل الذى أوضحناه - ويشترط فيها أيضًا أن تكون غير ندائية؛ فلا يصح: محمد (يا هذا...). وأن تكون غير مبدوءة بكلمة "لكن": أو "حتى": أو "بل"؛ لأن كل واحدة من هذه الكلمات تقتضى كلامًا مفيدًا قبلها، فالاستدراك بكلمة: "لكن" لا يكون إلا بعد كلام سابق. وكذلك الغاية بكلمة: "حتى" والإضراب بكلمة: "بل".
ويجوز فى جملة الخبر أن تكون قَسَمية؛ نحو: القوى والله ليهزمن عدوه، وأن تكون إنشائية؛ سواء أكانت إنشائية طلبية؛ نحو: الحديقةُ نسْقها، أم غير طلبية مثل: الصديقُ لعله قادم. العادل نعم الوالى، والظالم بئس الحاكم.
(ب) فى الأساليب التى يكون فيها الخبر جملة معناها هو معنى المبتدأ مثل: (كلامى: "الجو معتدل") (حديثى: "يجىء الفيضان صيفًا"). (قولى: "نشر التعليم ضرورى")، (خطْبتى: "التوحد قوة"). (مقالى: "احذروا الخائنين")... يجوز إعرابان:
أولهما: أن نعرب الجملة الاسمية أو الفعلية مجزأة على حقيقتها جزأين (مبتدأ وخبرًا، أو فعلا وفاعلا) ثم يكون مجموع الجزأين فى محل خبر المبتدأ السابق؛ ففى مثل: (كلامى: الجو معتدل) نقول: "كلام" مبتدأ مضاف، والياء مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جرّ، "الجو" مبتدأ ثان. "معتدل" خبره، والجملة من الجزأين فى محل رفع خبر المبتدأ الأول. وفى مثل: (حدثنى: يزداد الفيضان صيفًا) نقول: "يزداد" مضارع مرفوع. "الفيضان" فاعل مرفوع "صيفًا" ظرف منصوب، والجملة من الجزأين (الفعل والفاعل) فى محل رفع خبر المبتدأ. فلكل جزء من أجزاء الجملة وجود مستقل، وإعراب خاص به وحده؛ ثم يكون مجموع الجزأين معًا هو خبر المبتدأ السابق.
ثانيهما: أن ننظر إلى تلك التى كانت فى الأصل جملة نظرتنا إلى شيى واحد ليس مجزأ، وليس له كلمات مفردة؛ فكأنه كتلة واحدة ليس لها أجزاء، أو أنه كلمة واحدة منهما تعددت الكلمات، فهى من قبيل المركب الإسنادى الذى ننطق فيه بالألفاظ على حسب ضبطها الأصل - قبل أن تكون خبرًا أو شيئًا آخر -؛ من غير تغيير شىء من حروفها أو ضبطها. ثم نقول عنها كلها الآن: إنها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره لأجل الحكاية؛ (وهى - كما سبق ترديد اللفظ الأصلى وترجيعه على حسب هيئته الأولى - غالبا -؛ حروفًا وضبطًا). ويكون الخبر فى هذه الحالة من قبيل الخبر المفرد. لا الجملة؛ فنقول فى إعراب: (كلامى: "الجوّ معتدلٌ" "كلام" مبتدأ مضاف. والياء مضاف إليه."الجوُّ معتدلٌ" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة. على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية). ونقول فى مثل: (حديثى "يظهر الفيضان صيفًا") "حديث" مبتدأ مضاف... الياء مضافٌ إليه... "يظهر الفيضان صيفًا" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره؛ منع من ظهورها حرَكة "الحكاية"... وهكذا.
وقد يقع العكس كثيرًا؛ فيكون المبتدأ جملة بحسب أصلها، ولكنها صارت محكية. والخبر مفرد يتضمن معناها، كأن يقول قائل: أريد أن تدلنى على آية قرآنية، وعلى مثل قديم، وعلى حكمة مأثورة. فتجيب: (قولٌ معرُوفٌ ومغفرةٌ خَيرٌ منْ صَدقة يَتْبعُها أذىً) آية قرآينة. (إنّ أخاكَ من واساك) مثلٌ قديم. (رُبّ عيشٍ أهونُ منه لحمامُ) حكمةٌ من حكم المتنبى. فالآية كلها من أولها إلى آخرها مبتدأ مرفوع، بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. وكلمة: "آية" هى لخبر. وكذلك (إن أخاك من واساك) كلها من أولها إلى أخرها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع ظهورها حركة الحكاية، والخبر كلمة: "مثل" وكذا يقال فى: "رب عيش أهون منه الحمام".
وكما تتكون الجملة المحكية من مبتدأ وخبره تتكون من فعل وفاعله ومن غير ذلك. والمهم فى الألفاظ المحكية أن تكون دائمًا بصورة واحدة فى جميع الحالات الإعرابية، ولكنها مع ذلك فى محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب موقعها الإعرابىّ.
حـ- أشرنا إلى أنواع المبتدأ تحتاج إلى خبر حتمًا وإلى وجوب أن يكون هذا الخبر جملة - ويلحق بها نوع يجب أن يكون خبره شبه جملة (جارًّا مع مجروره) - وأشهر تلك الأنواع المحتاجة لجملة: أسماء الشرط الواقعة مبتدأ، وكذا: ضمير الشَّان، و "كأيِّن الخبرية الشبيهة بكم الخبرية، والمخَّصوص بالمدح والذم إذا تقدَّم، والمنصوب على الاختصاص؛ فإنه يجب فيه أن يتقدم عليه اسم بمعناه يعرب مبتدأ، ويعرب الاسم المنصوب على الاختصاص مفعولا به لفعل محذوف تقديره: أخُص - مثلا - والجملة خبر عن ذلك المبتدأ. ويجب أن يكون خبر "ما" التعجبية جملة، وكذلك المبتدأ الملازم للابتداء سماعًّا؛ نحو: طُوبَى للمؤمن؛ فإن خبره لا يكون إلا جارًا مع مجروره وهما شبيهان بالجملة... - ومثله وقولهم فى المدح: لله درّ فلان... وغير هذين مما سيجىء.
القسم الثالث: الخبر شبه الجملة:
يريد النحاة بشبه الجملة هنا أمران؛ أحدهما: الظرف بنوعيه الزمانىّ والمكانىّ، والآخر: حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد يكون ظرف زمان؛ نحو: الرحلة "يومَ" الخميس. والرجوعُ "ليلةَ" السبت. وقد يكون ظرف مكان؛ نحو: "الحديقة" "أمامَ" البيت، والنهر "وراءَهُ"؛ فكلمة "يوم", و"ليلة" وما يشبههما ظرف زمان، منصوب، فى محل رفع؛ لأنه خبر المبتدأ. وكلمة "أمام" و "وراء" وما يشبههما - ظرف مكان منصوب في محل رفع؛ لأنه خبر المبتدأ. وقد يكون الخبر جارًّا مع مجروره؛ نحو، النشاط في السباحة. السكَّر من القصب؛ فالجار مع المجرور في محل رفع خبر المبتدأ. ومنه قول الشاعر:
*للعيد يومٌ من الأيام منتظَرٌ * والناس في كل يومٍ منك في عيدِ*
ويشترط في الظرف الوَاقع خبراً، وفي الجار مع المجرور كذلك - أن يكون تامًّا، أَى: يحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذكره، ويكْمُلُ به المعنى المطلوب من غير خفاء ولا لَبْس، كالأمثلة السابقة. فلا يصلح للخبر منهما ما كان ناقصاً؛ مثل: محمود اليوم.. أو حامد بك؛ لعدم الفائدة. أما حيث تحصل الفائدة فيصح وقوعهما خبراً؛ ويكون كل منهما هو الخبر مباشرة؛ أي: أن شبه الجملة نفسه يكون الخبر - فى الرأى المختار.
بقيت مسألة تتعلق ببيان نوع الظرف التام الذى يصلح أن يكون خبراً. فأما ظرف المكان فيصلح - فى الغالب - أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى وعن المبتدأ الجثة؛ فمثال الأول؛ العلم عندك - الحق معك. ومثال الثاني: الكتاب أمامك - الشجرة خلفك. ولا بد فى ظرف المكان أن يكون خاصًّا لكى يتحقق شرط الإفادة؛ كالأمثلة السالفة؛ فلا يصح أن يكون عامًّا؛ مثل: العلم مكاناً، أو الكتب مكاناً؛ لعدم الإفادة.
وأما ظرف الزمان فيصلح أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى فقط، بشرط أن تتحقق الإفادة. كأنْ يكون الزمان خاصّاً، لا عامًّا؛ مثل: السفر صباحاً، والراحة ليلا. بخلاف: السفر زماناً، الفضل دهراً، الأدب حيناً، لعدم الإفادة.
وهو لا يصلح أن يكون خبراً عن الجثة إلا قليلا؛ وذلك حين يفيد أيضاً؛ فلا يصح: الشجرة يوماً - البيت غداً؛ لعدم الإفادة. ويصح: القطن صيفاً. القمح شتاء، لتحقق الفائدة؛ إذ المراد: ظهور القطن صيفاً. وظهور القمح شتاء. ومنه قولهم: الهلاُ الليلةَ. والرطبُ شهرىْ ربيع.
ومجمل الأمر أن ظرف المكان يصلح - فى الغالب- خبراً للمبتدأ بنوعيه: المعنى والجثة، وأن ظرف الزمان يصلح في الغالب خبراً للمبتدأ المعنى دون الجثة، إلا إن أفاد؛ وهذه الإفادة تحقق فى الظرف بنوعيه حين يكون خاصًّا لا عامًّا. فالمعول عليه فى الإخبار بالظرف هو الإفادة.
زيادة وتفصيل:
أ- من الألفاظ الملازمة للابتداء كلمة: "طُوبَى، وهذه الكلمة لا يكون" خبرها إلا الجار مع مجروره، - كما سبق - نحو طوبى: للصّالح.
ب- شبه الجملة لا بد ن يتعلق بعامله على الوجه الذى شرحناه. فإن لم يوجد فى الكلام عامل يصح التعلق به صح أن يكون تعلقه بالإسناد نفسه (أى: بالنسبة الواقعة بين ركنى الجملة)، كقول ابن مالك فى باب "الاستثناء" من ألفيته، خاصاً بالأداتين "خلا وعدا":
وحيثُ جَرَّا فهُما حرفان
فالظرف: "حيث" متعلق بالنسبة (أى: بالإسناد) المأخوذة من قوله: "فهما حرفان"، أى: تثبت حرفيتهما حيث جرّا.
أما وجود الفاء هنا فله بيان أوضحناه عند إعادة الكلام فى هذه المسألة فى الجزء الثانى: (بابى الظرف وحرف الجر).
(حـ) قلنا: إن ظرف الزمان لا يقع خبراً عن الذات (الجثة) إلا بشرط أن يفيد، وهذه الإفادة تتحقق بأحد الثلاثة الآتية:
الأولى: أن يتخصص ظرف الزمان إما بنعت؛ مثل: نحن فى يوم طيب، أو: نحن فى أسبوع سعيد. وإما بإضافة؛ مثل: نحن فى شهر شوال .. وإما بَعَلميه مثل: نحن فى رمضان؛ ويجب جر الظرف الزمانى فى هذه الصور الثلاث بفى؛ ويكون الجار مع المجرور فى محل رفع خبرا. ولا يسمى فى حالة جره - أو رفعه - ظرفاً. كما سيجىء. الثانية: أن يكون المبتدأ الذات مما يتجدد؛ بأن يظهر فى بعض الأوقات دون بعض؛ فله مواسم معينة يظهر فيها ثم ينقطع، ثم يظهر .. وهكذا .. فيكون شبيهاً بالمعنى، مثل: البرتقال شهور الشتاء، والبِطيخ شهورَ الصيف. الهلال الليلةَ. وفى هذه الحالة يجوز نصب ظرف الزمان، أو جره بفى. وهو فى الحالتين فى محل رفع خبر.
الثالثة: أن يكون المبتدأ الذات صالحاً لتقدير مضاف قبله تدل عليه القرائن؛ بحيث يكون ذلك المضاف أمراً معنوياً مناسباً؛ كأنْ يلازم المرء بيته يومياً للراحة، فيعرض عليه صديقه الخروج لنزهة بحرية، فيعتذر قائلا: البيتُ اليومَ، والبحرُ غدا. أى: ملازمة البيت اليوم، ونزهة البحر غدا. ومثله: الكتابُ الساعةَ، والحديقةُ عصراً. أى: قراءةُ الكتاب الساعةَ، ومتعةُ الحديقة عصراً ... وفى هذه الصورة يكون الظرف منصوباً فى محل رفع خبراً.
والحالات الثلاث السابقة قياسيَّة؛ يصح محاكاتها؛ وصوغ الأساليب الحديثة على مقتضاها.
لكن كيف نعرب الظرف الزمانى فى غير تلك الأحوال الثالثة؟ وكيف نعرب المكانى؟ وكيف نضبطهما؟
إن الأصل في الظرف أن يكون منصوباً مباشرة، أو فى محل نصب.
1- فإن كان الظرف للزمان ووقع خبراً عن معنى ليس للزمان - جاز رفعه، ونصبه، وجره بفى، ويكون المرفوع هو الخبر مباشرة، ويكون المنصوب، أو المجرور مع حرف الجر، في محل رفع، هو: الخبر. تقول: الصوم شهرٌ، أو: شهراً، أو فى شهر. والراحة يومٌ، أو يوماً، أو فى يوم. والأكل ساعةٌ، أو ساعةً، أو فى ساعة. (أى: زمن الصوم ... وزمن الراحة ... وزمن الأكل) لكن الأحسن الرفع مباشرة إن كان الزمان نكرة والمبتدأ المعنى يعم ذلك الزمان كله أو أكثره؛ نحو: الصوم يومٌ، والسهر ليلةٌ.
2- إن كان الظرف زمانيًّا من أسماء الشهور ووقع خبراً عن مبتدأ هو معنى وزمان، تعين رفع الخبرُ، مثل: أولُ السنة المحرمُ، وشهرُ الصوم رمضانُ.
3- وإن لم يكن هذا الخبر الظرف من أسماء الشهور. ولكنّ المبتدأ يتضمن عملا - جاز الرفع والنصب؛ مثل: الجمعة اليوم، أو السبت اليوم، أو العيد اليوم، لتضمنها معنى الجمع، والقطع، والعوْد. ومنه: اليومُ يومك؛ لتضمنه معنى: شأنك الذى تذكر به. فإنْ لم يتضمن عملا؛ كالأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس - كان الرفع أحسن.
4- وإن كان الظرف للزمان، ووقع خبراً للمبتدأ الذات فى الحالات التى يصح وقوعه خبراً فيها؛ لإفادته، وقد سبقت فى "أ" - فحكمه كما سبق هناك.
5- وإن كان الظرف للمكان، ووقع خبراً عن ذات، أو معنى، وكان متصرفاً - جاز رفعه ونصبه؛ مثل: الكبار جانب، أو: جانباً، والأطفال جانب، أو جانباً. (برفع كلمة: "جانب". أو: نصبها) والرجل أمامك، والدار خلفك (برفع أمام، وخلف، أو نصبهما) ومثل: العلم ناحية والعمل ناحية، برفع كلمة: "ناحية" أو نصبها.
فإن كان غير متصرف مثل "فوق" وجب نصبه؛ نحو: الكتاب فوق المكتب.
6- إذا قلتَ: ظهرُك خلفك، جاز رفع الظرف المكانى: "خلْف" ونصبه. أما الرفع فلأن الخلف فى المعنى هو: الظهر. فالخبر هو اسم محض معناه معنى المبتدأ، وأما النصب فعلى الظرفية الواقعة خبراً. وكذلك ما يشبه ما سبق من الظروف المكانية، نحو: نعلك أسفل رجلك، والركب أسفلَ منك. وقد سبق أن الظرف المكانىّ المخبر به إذا كان غير متصرف، يجب نصبه؛ مثل: رأسك فوقك، ورجلاك تحتك؛ لأن "فوق" و "تحت" ظرفين للمكان غير متصرفين.
7- إذا كان الظرف الزمانى غير متصرف: مثل: "ضحوة" يراد بها ضحوة معينة ليوم معين - وجب النصب؛ مثل: العملُ ضحوةَ.
8- إذا كان الظرف بنوعيه متصرفاً، محدود المقدار، ووقع خبرا عن المبتدأ الذات - جاز فى الظرف الرفع، والنصب، بشرط أن يكون المبتدأ الذات على نية تقدير مضاف قبله، يدل على البعد والمسافة، مثل: المدرسة منى ميل أو ميلا. المدينة منى يوم أو يوماً، أى: بُعْدُ المدرسة ... وبعد المدينة ...، إذا قلت هذا - مثلا - قبل ابتداء السير. فإن كان المقصود أن المدرسة أو المدينة من أشياء تبعد عما سرنا ميلا تعين النصب على الظرفية، وكان الخبر هو الجار والمجرور: "منى" بخلاف الرفع فإنه على تقدير: بُعْد مكانها منى ميل، مثلا...
9- من الأساليب الواردة عن العرب: حامد وحده. يريدون: أنه فى موضع التفرد، وفى مكان التوحد؛ فيجوز إعراب: "وحد" ظرفاً منصوباً فى محل رفع خبر.
"ملاحظة": إذا ترك الظرفُ النصبَ على الظرفية، إلى الرفع أو إلى الجر فإنه لا يكون ظرفاً، ولا يسمى بهذا الاسم.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 36: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة. )


إذا قلنا: الطيار شجاع - الوطنى مخلص - العربىّ كريم ... حكمنا على الطيار بالشجاعة، وعلى الوطنى بالإخلاص، وعلى العربى بالكرم. أى: حكمنا على المبتدأ بحكم مُعين؛ هو: الخبر. فالمبتدأ فى هذه الجمل الاسمية - و - نظائرها محكوم عليه دائماً بالخبر، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوماً، ولو إلى حدّ مَّا، وإلا كان الحكم لغوًا لا قيمة له؛ لصدوره على مجهول، وصارت الجملة غير مفيدة إفادة تامة، مثل: زارع فى القرية ... صانع فى المصنع ... يد متحركة ... جشم مسْرع ... وغيرها مما لا يفيد الإفادة الحقيقية المطلوبة؛ بسبب عدم تعيين المبتدأ، أو عدم تخصيصه. أى: بسبب تنكيره تنكيراً تامًّا؛ لهذا امتنع أن يكون المبتدأ نكرة إذا كان غير وصف، لأنها شائعة مجهولة في الغالب. فلا يتَحَقَّقُ معها الغرض من الكلام؛ وهو: الإفادة المطلوبة، فإن هذه الإفادة هى السبب أيضاً فى اختيار المعرفة لأن تكون هى المبتدأ حين يكون أحد ركنى الجملة معرفة والآخر نكرة؛ مثل: شجرةٌ المتحركة. لكن إذا أفادت النكرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ.
وقد أوصل النحاة مواضع النكرة المفيدة حين تقع مبتدأ إلى نحو أربعين موضعاً. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء فى سردها، واستقصاء مواضعها، ما دام الأساس الذى تقوم عليه هو: "الإفادة" فعلى هذا الأساس وحده يرجع الحكم على صحة الابتداء بالنكرة، أو عدم صحته، من غير داع لحصر المواضع أو عَدّها هذا إلى أن تلك المواضع الكثيرة يمكن تجميعها وتركيزها في نحو أحدَ عشَرَ تغنى عن العشرات التى سردوها. وإليك الأحدَ عشَرَ.
1- أن تدلّ النكرة على مدح، أو ذم، أو تهويل؛ مثل: (بطلٌ فى المعركة. خطيب على المنبر) - (جبانٌ مُدْبرٌ. جاسوسٌ مقبل) - (بالء فى الحرب، جحيم فى الموقعة).
2- أن تدل على تنويع وتقسيم؛ مثل رأيت الأزهار، فبعضٌ أبيضُ، وبعض أحمرُ، وبعضٌ أصفرُ ... عرفت فصل الخريف متقلبًا؛ فيومٌ بارد، ويومٌ حارّ، ويومٌ معتدل. وقول الشاعر:
*فيومٌ علينا، ويومٌ لنا * ويومٌ نُسَاءُ، ويومٌ نُسَرّ*
3- أن تدل على عموم؛ نحو: كلٌّ محاسَبٌ على عمله. وكلٌّ مسئول عما يصدر منه؛ {فمن يعملْ مِثقالَ ذَرّة خيراً يرَهُ. ومن يعملْ مثقالَ ذرة شرًّا يَرَه}.
4- أن تكون مسبوقة بنفى، أو استفهام؛ مثل: ما عملٌ بضائعٍ، ولا سعىٌ بمغمور. فمن مُنكرٌ هذا؟ وقول من طالت غربته:
*وهلْ داءٌ أمَرُّ من التَّنائِى؟ * وهلْ بُرْءٌ أتَمُّ من التَّلاقى؟*
5- أن تكون النكرة متأخرة، وقبلها خبرها؛ بشرط أن يكون مختصًّا؛ سواء أكان ظرفاً، أم جارًّا مع مجروره أم جملة؛ مثل: عند العزيز إباءٌ، وفي الحُرِّ تَرفع وقول الشاعر:
*وللحِلْم أوقاتٌ، وللجهل مثلها * ولكنَّ أوقاتى إلى الحَلْم أقْربُ*
ومثل: نَفَعك برهُ والدٌ، وصانك حنانُها أمٌّ.
6- أن تكون مخصّصَة بنعت، أو بإضافة، أو غيرهما مما يفيد التخصيص؛ نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ويقظةُ البكور أنفعُ من نوم الضحا، وقول العرب: أحسن الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به، وشر البلاد بلاد لا عدل فيها، ولا أمان، وقولهم: وَيْلٌ للشَّجى مِن الخَلِىِّ.
7- أن تكون دعاء؛ نحو: سلامٌ على الخائف - شفاءٌ للمريض - عونٌ للبائس؛ بشرط أن يكون القصد من النكرة فى كل جملة هو الدعاء.
8- أن تكون جواباً؛ مثل: ما الذى فى الحقيبة؟ فتُجيب: كتاب فى الحقيبة.
9- أن تكون فى أول جملة الحال، سواء سبقتها واو الحال، مثل: قطع الصحراء، ودليلٌ يَهدينى، وركبت البحر ليلا وإبرةٌ ترشد الملاحين. أمْ لم تسبقها؛ نحو كلُّ يوم أذهب للتعلم، كتبٌ فى يدى.
10- أن تقع بعد الفاء الداخلة على جواب الشرط؛ وهى التى تسمى: فاء الجزاء؛ مثل: مطالبُ الحياة كثيرة؛ إن تَيَسَّر بعضٌ فبعضٌ لا يتيسّر، والآمال لا تنفد؛ إن تحقق واحدٌ فواحدٌ يتجدد.
11- أن يدخل عليها ناسخ - أىّ ناسخ - وفى هذه الحالة لا تكون مبتدأ، وإنما تصير اسماً للناسخ، ومن ثَمَّ يصحّ فى أسماء النواسخ أن تكون فى أصلها معارف أو نكرات - كقولهم: كان إحسانٌ رعايةَ الضعيف، وإنّ يداً أن تذكروا الغائب...
زيادة وتفصيل:
(أ) قلنا إن مسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة؛ أوصلها النحاة إلى أربعين، بل أكثر. وبالرغم من كثرتها بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه؛ نحو: "مذ" و "منذ" فهما نكرتان فى اللفظ؛ فى نحو: ما رأيته "مذ" أو "منذ" يومان، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى؛ إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا.
على أن تلك الكثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام كل نكرة لتدخل منه إلى الابتداء، حتى صار من العسير الحكم على نكرة، أىّ نكرة، بأنها لا تصلح أن تكون مبتدأ. كما صار الرأى القائل: "إن المبتدأ لا يكون نكرة إلا إن أفادت" - رأياً لا جديد فيه؛ لدخوله تحت أصل لغوى عام: هو: "ما يَستحدث معنى أو يزيد فى غيره لا يُطعن فى وجوده، ولا يستغنى عنه، وما لا فائدة منه لا خير فى ذكره".
وتأييداً لكلامنا وتوفية للبحث - نذكر أهم تلك المسوغات؛ ليؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النكرات كلها إلى الابتداء. وقد سبق منا أحدى عشر. وفيما يلى الباقى مع الاقتصار على ما يغنى عن غيره، وما يمكن إدماج غيره فيه.
12- أن تكون النكرة عاملة؛ سواء أكانت مصدراً؛ نحو: إطعامٌ مسكيناً طاعة، أمْ وصفاً عاملا، نحو: متقنٌ عمله يشتهر اسمهُ. ومن العمل أن تكون مضافة؛ لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه؛ مثل: كلمة خير تأسِر النفس...
13- أن تكون النكرة أداة شرط؛ نحو؛ من يعملْ خيراً يجدْ خيراً.
14- أن يكون فيها معنى التعجب - كما سبق -؛ نحو: ما أبرع جنود المِظلات.
15- أن تكون محصورة؛ نحو: إنما رجلٌ مسافرٌ.
16- أن تكون فى معنى المحصور - بشرط وجود قرينة تُهَيِّئ لذلك - نحو: حادث دعاك للسفر المفاجئ، أى: ما دعاك للسفر المفاجئ إلا حادث. ويصح فى هذا المثال أن يكون من قسم النكرة الموصوفة بصفة غير ملحوظة، ولا مذكورة.... أى: حادث خطير دعاك إلى السفر.
17- أن تكون معطوفة على معرفة؛ نحو: محمود وخادم مسافران.
18- أن تكون معطوفة على موصوف، نحو: ضيف كريم وصديق حاضران.
19- أن يكون معطوفاً عليها موصوف، نحو: رجل وسيارة جميلة أمام البيت.
20- أن تكون مبهمة قصداً، لغرض يريده المتكلم؛ نحو: زائرة عندنا.
21- أن تكون بعد لولا؛ نحو: لولا صبرٌ وإيمانٌ لقتل الحزين نفسه.
22- أن تكون مسبوقة بلام الابتداء؛ نحو: لرجل نافع.
23- أن تكون مسبوقة بكلمة: "كَمْ" الخبرية؛ نحو: كم صديقٌ زرته فى العطلة فأفادنى كثيراً.
24- أن تكون مسبوقة بإذا الفجائية؛ نحو: غادرت البيت فإذا مطر.
25- أن يكون مراداً بها حقيقة الشئ وذاته الأصلية، نحو: حديد خير من نحاس.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 37: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً. )


للخبر من ناحية تأخُّرِه عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات، أن يتأخر وجوباً، وأن يتقدم وجوباً، وأن يجوز تأخره وتقدمه.
فأما تأخره وتقدمه جوازاً فهو الأصل الغالب؛ نحو: السحاب بخار متكاثف - البرق شرارة كهرَبية - الكتاب صديق أمين - قول الشاعر:
*أفى كل عام غُرْبةٌ ونُزُوحُ * أما للنَّوى من وَنْيةٍ فتُريحُ*
ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره...
أما تأخره وجوباً؛ ففى مواضع أشهرها:
1- أن يكون المبتدأ والخبر معاً متساويين أو متقاربين فى درجة تعريفهما أو تنكيرهما، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ؛ نحو: أخى شريكى - استاذى رائدى فى العلم - مكافح أمين جندى مجهول - أجملُ من حرير أجملُ من قطن...
ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر؛ لأن تقديمه يوقع فى لَبْس؛ إذ لا توجد قرينة تُعَينه، وتميزه من المبتدأ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه؛ ويَفسد المعنى تعاً لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أو لفظية تدل على أن المتقدم هو الخبر وليس المبتدأ جاز التقديم؛ فمثال "المعنوية": أبى أخى فى الشفقة والحنان .ز. فكلمة: "أب" خبر مقدم؛ وليست مبتدأ؛ لأن المراد: أخى كأؤ... أى: الحكم على الآخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان، ولا يُعْقَل العكس. فالمحكوم عليه هو: "الأخ"؛ فهو المبتدأ، والمحكوم به هو: "الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هو الخبر ولو تقدم؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هو الخبر؛ فصح التقديم لوجودها.
ومثل: الجامعة فى التعليم البيت. "فالجامعة" خبر مقدم، "والبيت" مبتدأ مؤخر؛ فهو المحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل: نور الشمس نور الكهربَا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فى الغضب القِطّ فى الثورة. الجبلُ الهرمُ فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى تعلمه ... وهكذا ... ومثال القرينة "اللفظية": حاضرٌ رجلٌ أديبٌ. فكلمة "حاضر" هى الخبر؛ لأنها نكرة محضة والنكرة التي بعدها (وهى: رجل) نكرة غير محضة؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها؛ فهى أحق بأن تكون المبتدأ بسبب تخصصها. 2- أن يكونَ الخبر جملة فعلية، فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ: نحو: الكواكب "تتحرك"، فالجملة الفعلية المكونة من الفعل المضارع وفاعله، خبر المبتدأ. فلو تقدم الخبر وقلنا: تتحرك الكواكب - لكانت "الكواكب" فاعلا، مع أننا نريدها مبتدأ، وليس فى الكلام ما يكشف اللبس. بخلاف ما لو كان الفاعل اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً، نحو: تتحرك كواكبُها السماء - قد أضاءَ النجمان...، فتعرب الجملة الفعلية هنا؛ (تتحرك كواكبُها) خبراً متقدماً؛ لاشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ "السماء" فرجوع الضمير إلى كلمة: "السماء" دليل علىأنها متأخرة فى الترتيب اللفظى فقط، دون الترتيب الإعرابى (وهذا يسمى: الرتبة)؛ لأن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبة إلا فى مواضع ليس منها هذا الموضع. فكلمة: "السماء" متأخرة فى اللفظ، لكنها متقدمة فى الرتبة. وأصل الكلام: السماء تتحرك كواكبها؛ فكلمة: "السماء" مبتدأ. وحاز تقديم الخبر عليها مع أنه جملة فعلية لأن اللبس مأمون؛ إذ فاعلها اسم ظاهر، وليس ضميراً مستتراً يعود على ذلك المبتدأ.
وتعرب الجملة الفعلية الثانية خبراً مقدماً، والنجْمان مبتدأ. ولا لبْس فيه، لأن وجود الضمير البارز (وهو ألف الاثنين) وإعرابه فاعلا - فى اللغات الشائعة عند العرب - أوجب أن يكون "النجمان" مبتدأ، لا غير؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل، ومن ثمَّ كان اللبس مأمونيًّا.
وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميراً مستتراً أيضاً؛ نحو: البيتُ أقيمَ. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً؛ نحو: القمرُ هيهاتَ. وقد يلتبس المبتدأ لو تأخر بالتوكيد؛ نحو: أنا سافرت؛ فلو تأخر المبتدأ الضمير لكان توكيداً للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق...
3- أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ بإنما، أو إلا؛ مثل: إنما البحْترىّ شاعر - إنما المتنبى حكيم - ما النيل إلا حياة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر؛ كى لا يزول الحصر، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد.
4- أن يكون الخبر المبتدأ دخلت عليه لام الابتداء؛ نحو: لَعلْمٌ مع تعب خيرٌ من جهل مع راحة؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه؛ وهو المبتدأ.
5- أن يكون المبتدأ اسماً مستحقًّا للصدارة فى جملته؛ إما بنفسه مباشرة، كاسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وما التعجبية، وكم الخبرية...؛ مثل: مَن القادمُ؟ وأىُّ شريف تصاحبْه أصحابه - ما أطيبَ خُلُقك!! كم صديق عرفتُ فيه الذكاء!! وإما بغيره؛ كالمضاف إلى واحد مما سبق؛ فالمضاف إلى اسم استفهام نحو: صاحبُ مَن القادم؟ والمضاف إلى اسم شرط نحو: غلامُ أيِّ رجل شريف تعاونْه أعاونْه. والمضاف إلى كم الخبرية نحو: خادمُ كم صديق عرفت فيه الذكاء.
زيادة وتفصيل:
(أ) هنا مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر؛ أشهرها ما يأتى:
1- ما ورد مسموعاً مِن مثل: راكبُ الناقة طَليحان. (أى: مُتْعبَان؛ أصابهما الإعياء والإرهاق، وأصله: راكبُ الناقةَ والناقَةُ طليحان؛ من كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق فى التثنية أو الجمع للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف شىء ظاهر على المبتدا؛ كالمثال السابق. ونحو: مهندس البيت جميلان - ونحو: خدم الطفلين لاعبون؛ أى: مهندسُ البتي والبيتُ جميلان. وخادم الطفلين والطفلان لاعبون. فالمعطوف على المبتدأ محذوف لوضوح المعنى. والخبر هنا واجب التأخير. لكن أيجوز القياس على تلك الأساليب التى حذف فيها حرف العطف والمعطوف على المبتدأ؛ لوضوح المعنى؟ الأحسن الأخذ بالرأى القائل بجوازه بشرط وجود قرينة واضحة تدل على المحذوف: لأن هذا الرأى يطابق الأصول اللغوية العامة التى تقضى بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى؛ كما رددنا هذا كثيراً...
2- أن يكون الخبر مقروناً بالفاء؛ نحو: الذى ينصحنى فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء.
3- أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة؛ نحو: ما شريف بكاذب.
4- أن يكون طلباً؛ نحو: المحتاجُ عاونْه، والبائسُ لا تؤلمه.
5- أن يكون الخبر عن "مذ" أو "منذ"، بجعلهما مبتدأين معرفتين فى المعنى؛ نحو: ما سافرت مذْ أو منذ شهران؛ (إذ المعنى: زمن انقطاع الرؤية شهران.
6- ضمير الشأن الواقع مبتدأ؛ نحو: قل (هو: الله أحد).
7- المبتدا المخبر عنه بجملة هى عينه فى المعن نحو: (كلامى: "السفر مفيد") (قولى: "العمل النافع").
8- اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التنبيه، فى جملة اسميه؛ نحو: هذا أخى. وهذا رأى كثير من النحاة، ومن الميسور رفضه بالأدلة التى سبقت والتي تجعل تقديم المبتدأ هنا مستحسناً، لا واجباً. وإنما يتعين - عند أصحاب ذلك الرأى - أن يكون اسم الإشارة فى الجملة الاسمية هو: المبتدأ ولا يكون خبراً، بحجة أن: "ها" التنبيه تتطلب الصدارة، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة، لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل بينهما الضمير فى مثل؛ "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ واسم الإشارة هو الخبر. ويجوز: هذا أنا. ولكن الأول أحسن وأولى؛ لكثرة الأساليب الأدبية الواردة به.
9- المبتدأ الذى للدعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل للأعداء.
10- المبتدأ الذى له خبر متعدد يؤدى مع تعدده معنى واحداً؛ مثل: الفتى نحيف سمين - الرمان حلو حامض؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر المتعدد الذى يؤدى معنى واحداً، ولا تقديم واحد مما تعدد.
11- المبتدأ التَّالى: أمَّا: نحو: أما صالح فعالم؛ لأن الفاء لا تقع بعد "أما" مباشرة. ولأن الخبر الذى تدخل عليه لا يتقدم على المبتدأ - كما سلف -.
12- المبتدأ المفصول من خبره بضمير الفصل، نحو: الشجاع هو الناطق بالحق غير هياب.
13- المبتدأ إذا كان ضمير تكلم أو خطاب، وقد أخبر عنه بالذى وفروعه مع وجود بعده الضمير مطابقاً للتكلم، أو الخطاب؛ نحو: أنا الذى أساعد الضعيف. أنتما اللذان تساعدان الضعيف.
14- ويجب تقديم المبتدأ وتأخير الحبر فى باب الإخبار عن: "الذى"، نحو: الذى صافحته محمد.
15- المبتدأ إذا كان ضمير متكلم أو مخاطب، وقد أخبر عنه بنكرة مُعرَفة بأل، بعدها ضمير مطابق للمبتدأ في التكلم والخطاب، نحو: أنا السيف أمزق الضلال، أنت الجندى تدافع عن الوطن.
16- إذا كان المبتدا اسم موصول وجب تأخير الخبر عنه وعن الصلة معا. ملاحظة: يجب تقديم كل اسم أو فعل سبقته أداة عرض، أو تمن، أو رجاء، أو نفى، أو طلب.
17- ويجب تأخير الخبر، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ "ما" التعجبية؛ نحو: ما أقدر الله أن يُدْنِىَ المتباعدين.
(ب) أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقاً حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير، أو متقاربين فيهما؛ من غير لَبْس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبراً وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير.
بالرغم من جدلهم المرهق؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أو التقارب فى درجة التعريف والتنكير؛ وإنما المعول عليه وحده وهو وجود قرينة تدل على أن هذا هو المحكوم عليه، (أى: أنه المبتدأ)، وذلك هو المحكوم به، أى: الخبر، على حسب المعنى؛ بحيث يتميز كل من الآخر، دون خلط أو اشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى. وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتماً من غير أن يكون للتساوى أو التقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبراً. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده، وإما بالتزام الترتيب؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ، ووسيلة إلى تعينه؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 38: تقديم الخبر وجوباً. )


يتقدم الخبر وجوباً فى مواضع؛ أهمها:
1- أن يكون المبتدأ نكرة محضة، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص؛ ظرفاً كان، أو حارًّا مع مجروره؛ أو جملة؛ فمثال شبه الجملة: عندك كتابُ - على المكتب قلم ... فإن كان للمبتدا مسوغ آخر جاز تقديم الخبر وتأخيره؛ نحو: عندك كتاب جميل - على المكتب قلم نفيس؛ ويجوز: كتاب جميل عندك، وقلم نفيس على المكتب. ومثال الجملة: قَصَدَك ولدُه محتاج. فلا يجوز تقديم المبتدأ؛ وهو: "محتاج"؛ لأنه نكرة محضة، ولأن المبتدأ النكرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أو شبه الجملة فقد يتوهم السامع أن المتأخر صفة، لا خبر.
3- أن يكون المبتدأ مشتملاً على ضمير يعود على جزء من الخبر؛ نحو: فى الحديقة صاحبها. فكلمة: "صاحب" مبتدأ، خبره الجار مع المجرور السابقَين؛ (فى الحديقة). وفى المبتدأ ضمير يعود على الحديقة التى هى جزء من الخبر. ولهذا وجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: صاحبها فى الحديقة؛ لكيلا يعود الضمير على متأخر لظفاً ورتبة؛ وهو ممنوع هنا. ومثل ذلك: "فى القطار رُكَّابُه" فكلمة: "ركاب" مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقين. وفى المبتدا ضمير يعود على: "القطار" وهو جزء من الخبر. ويجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: رُكَّابُه فى القطار؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ وهو ممنوع هنا كما قلنا. وهكذا...
3- أن يكون للخبر الصدارة فى جملته؛ فلا يصح تأخيره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام؛ نحو: أين العصفورُ؟ فكلمة: "أين" اسم استفهام، مبنى على الفتح فى محل رفع، خبر مقدم، و "العصفور" مبتدا مؤخر. ونحو: متى السفرُ؟ فكلمة: "متى" اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع خبر مقدم، و "السفر" مبتدأ مؤخر. ومثل هذا: كيف الحال؟ من القادم؟..
وكذلك الخبر الذى ليس اسم استفهام بنفسه ولكنه مضاف إلى اسم استفهام؛ نحو؛مِلْكُ مَن السيارةُ؟؛ وصاحبُ أيِّ اختارع أنت؟
ومما له الصدارة "مُذْ ومُنْذُ" عند إعرابهما ظرفين خبرين متقدمين فى مثل: ما رأيت زميلى مُذْ أو منذُ يومان. ولو أعربناهما مبتدأين لوجب تقديمهما أيضاً.
4- أن يكون الخبر محصوراً فى المبتدأ بإلا أو إنما؛ نحو: ما فى البيت إلا الأهل، إنما فى البيت الأهل؛ فلا يجوز تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، لكيلا يختل الحصر المطلوب، ويختلف المراد.
زيادة وتفصيل:
(أ) من المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر:
1- أن يكون لفظة "كم" الخبرية؛ نحو: كم يومٍ غيابُك!! أو أن يكون مضافا إليها، نحو: صاحب كم كتابٍ أنت!!
2- أن يكون قد ورد عن العرب متقدماً في مثَل من أمثالهم؛ نحو: فى لك واد بنو سعد؛ لأن الأمثال الواردة لا يصح أن يدخلها تغيير مطلقاً، (لا فى حروفها، ولا فى ضبطها، ولا فى ترتيب كلماتها). - كما سيجىء فى ص 471 -
3- أن يكون المبتدأ مقروناً بفاء الجزاء؛ نحو: أمَّا عندك فالخير. 4- أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً للمكان؛ نحو: هنا وثَمَّ فى مثل: هنا النبوغ؛ وثَمَّ العلم والأدب.
5- أن يكون تأخير الخبر مؤدياً إلى خفاء المراد من الجملة، أو مؤدياً إلى الوقوع فى لبس؛ فمثال الأول: لله درك، عالما، فالمراد منها: التعجب. ولو تأخر الخبر وقلنا: درك لله - لم يتضح التعجب المقصود. ومثال الثانى: عندى أنك بارع، من كل مبتدأ يكون مصدراً مسبوكاً من "أنَّ" (مفتوحة الهمزة مشدودة النون) ومعموليها: وهى "أنّ" التى تفيد التوكيد. فلو قلنا: أنك بارع عندى - لكان التأخير سبباً فى احتمال اللبس فى الخلط بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون و "إنّ" المكسورة الهمزة المشددة النون، وسبباً فى احتمال لَبْس آخر أقْوَى، بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة التى معناها التوكيد، والتى تسبك مع معموليها بمصدر مفرد - و "أن" التى بمعنى "نعل"، وهذه مع معموليها جملة فلا تسبك معهما بمصدر مفرد، وفرق كبير فى الإعراب بين المفرد والجملة، وفى المعنى بين التوكيد، والترجى أو الظن ... فقد صار اللبس محتملا لفظاً وكتابة ومعنى بسبب تأخير الخبر، ولو تقدم لامتنع اللبس، إذ الحكم الثابت "لإن" المكسورة الهمزة المؤكِّدة، و "أنَّ" المفتوحة الهمزة التى بمعنى "لعل" أن كلا منهما مع معموليه جملة، وأن كلا منهما لا يجوز تقديم معمول خبره عليه؛ سواء أكان المعملو ظرفياً أم غير ظرف. ولهذا يسهل الاهتداء إلى إعراب الظرف فى المثال السابق، وأشباهه، وأنه خبر وليس معمولا للخبر متقدماً عليه؛ إذ لو لم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف: "أنّ" للتوكيد (وهى المفتوحة الهمزة، المشددة النون) لكان المصدر المؤول منها ومن معموليها مبتدأ، ولا نجد له خبراً؛ وهذا لا يصح. ولو اعتبرناها بصورتها هذه بمعنى: "لعل" لم يصح تعليق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا يجوز تقديم شىء من معمولات خبرها عليها - كما قلنا -. وكذلك لو اعتبرناها "إن" المكسورة الهمزة، المشددة النون، للتوكيد. فلم يبق بدّ من إعراب ذلك الظرف خبراً متقدماً. فتقدمه - أو غيره من المعمولات - يختم أمرين:
(أ) تعيين نوع "أنّ" التى بعده؛ فتكون للتوكيد، مفتوحة الهمزة مشددة النون.
(ب) أنه خبر متقدم وليس معمولا لخبرها.
كما أن تأخيره يوجب أمرين:
(أ) اعتبار "أن" (مفتوحة الهمزة، مشددة النون) بمعنى "لعل" أو كسر همزتها مع تشديد نونها لتكون للتوكيد.
(ب) إعرابه فى الصورتين معمولا للخبر وليس خبراً.
ولا شك أن كل اعتبار من الاعتبارات السالفة يؤدى إلى معنى يخالف الآخر.
هذا وإنما يكون تقديم خبر "أنَّ" واجباً على الوجه الذى شرحناه بشرط عدم وجود "أما" الشرطية. فإن وجدت جاز تأخير الخبر. إذ المشددة المكسورة الهمزة. وكذا التى بمعنى: "لعل" لا يقعان بعدها.
وغاية القول: أنه يجب تقديم الخبر فى كل موضع يؤدى فيه تأخيره إلى لبس، أو خفاء فى المعنى أو فساد فيه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 39: حذف المبتدأ والخبر. )


يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب ... "حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه... وهكذا.
ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "في الحقل". وأصل الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة: "القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد.
وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهو محسن، ومن يساعف مستغيثاً فهو محسن، ومن يشهدْ شهادة الحق... أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: (هو محسن) مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهو عظيم، ومن ينفع وطنه فهو عظيم، ومن يخدم الإنسانية ... أي: فهو عظيم.
ذلك هو الحذف الجائز، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان:
مواضع حذف المبتدأ وجوباً، أشهرها أربعة:
(ا) المبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت ثم ترك أصله وصار خبراً. بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتاً خاصًّا بالمدح كالذى فى نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أو بالذم كالذى فى، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيهِ، أو: بالترحم كالذى فى نحو: ترفقْ بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد، تابع للمنعوت فى حركة الإعراب، مجرور فى الأمثلة السابقة.
لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أو النصب بشروط، وعندئذ لا يسمى ولا يعرب فى حالته الحديد "نعتاً" وإنما يكون فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو - مثلا - فيكون المراد: ذهبت إلى الصديق؛ "هو الأديبُ" ابتعدت عن الرجل؛ "هو السفيهُ. ترفق بالضعيف "هو البائسُ".
ويكون فى حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: "أمدحُ"، أو: "أذم"، أو: "ارحمُ"، على حسب معنى الجملة. والفاعل فى هذه الأمثلة ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا. فالمراد: أمدحُ الأديبَ... أذم السفيهَ... أرحمُ البائسَ.
ومن الأمثلة: أصغيت إلى الغناء الشجىِّ، فزعت من رؤية القاتل الفتاك، أشفقت على الطفل اليتيم. فكلمة "الشجىّ" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت. وتفيد المدح. وكلمة: "الفتاك" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت وتفيد الذم. وكذلك: "اليتيم"، إلا أنها تفيد الترحم. فتلك الكلمات الثلاث وأشباهها - من كل نعت مفرد مجرور يفيد المدح، أو الذم، أو الترحم - قد يجوز إبعادها عن الجر، إلى الرفع أو: النصب؛ فلا تعرب نعتاً مفرداً مجروراً؛ وإنما تعرب فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" ويكون المراد: "هو الشجُى". "هو التفاكُ". "هو اليتيمُ" كما تعرب فى حالة النصب مفعولاً به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: أمدح... أو: أذم... أو: أرحم...، على حسب الجلمة؛ فالمراد: أمدحُ الشجىَّ... أذمُّ الفتاك... أرحمُ اليتيم.
وإذا كان النعت مرفوعاً فى الأصل جاز قطعه إلى النصب، واذا كان منصوبا جاز قطعه إلى الرَّفع وإذا كان مجرور جاز قطعه للرفع أو النصب، والذى يتصل بموضوعنا هو: النعت المقطوع إلى الرفع حيث يعرب بعد القطع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً ولا يجب الحذف إلا بشرط أن يكون أصل النعت للمدح، أو الذم، أو الترحم، دون غيرها - كما سبق -.
2- المخصوص بالمدح أو الذم.
وبيانه: أن فى اللغة أساليبَ للمدح، وأخرى للذم، وكلاهما يؤلَّف بطريقة معينة، وصُوَر مختلفة، مشورحة فى أبوابها النحوية. فمن أساليب المدح: أن تقول فى مدح زارع اسمه حليم: "نِعْم الزارع حليم". وفى ذم صانع اسمه سليم: "بئس الصانع سليم"... فالممدوح هو "حليم" ويسمى: "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "سليم" ويسمى: "المخصوص بالذم". ومثلهما: "نعْم الوَفى حامد" أو: "بِئْسَ المختلِف وعده زُهَير". فالممدوح هو: "حامد"، ويسمى، "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "زُهير" ويسمى: "المخصوص بالذم" فالمخصوص - فى الحالتين - يقع بعد جملة فعلية، مكونة من فعل خاص - يدل على المدح، أو على الذم، - وفاعله. وقد يتقدم المخصوص عليهما؛ فنقول: "حليم نعم الزارع"... "سليم بئس الصانع". وله صور وإعرابات مختلفة؛ يعنينا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخراً؛ فيجوز إعرابه خبراً، مرفوعاً، لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" فيكون أصل الكلام: "نعم الزارع هو حليم". "بئس الصانع هو سليم".
3- أن يكون الخبر صريحاً فى القَسَم (الحَلِف). وصراحته تتحقق بأن يكون معلوماً فى عُرف المتكلم والسامع أنه يمين؛ نحو: فى ذمتى لأسافرن. - بحياتى لأخْدُمَن العدالة. تريد: فى ذمتى يمين، أو عهد، أو ميثاق... بحياتى يمين، أو عهد، أو ميثاق...
4- أن يكون الخبر مصدراً يؤدى معنى فعله، ويغنى عن التلفظ بذلك الفعل - فى أساليب معينة، محدّدة الغرض؛ محاكاة للعرب فى ذلك -؛ كأن يدور بينك وبين طبيب، أو مهندس، أو زارع ... كلام فى عمله، فيقول عنه: "عملٌ لذيذ". أى: عمل عملى عملٌ لذيذ. وهذه الجملة فى معنى جملة أخرى فعلية، هى: "أعمَلُ عملاً لذيذاً". فكلمة: "عملا" مصدر، ويعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالى: (أعمل) وقد حذف الفعل وجوباً؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذى يؤدى معناه، وللتمهيد لإحلال جملة اسميه محلّ هذه الجملة الفعلية... وصار المصدر مرفوعاً بعد أن كان منصوباً؛ ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة. ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا: "سباحةٌ شاقةٌ" أى: سباحتى سباحةٌ شاقةٌ. وهذه الجملة فى معنى: أسْبَحُ سباحةً شاقةً. فكلمة: "سباحة" مصدر منصوب، لأنه مفعول مطلق للفعل: "أسْبَح"، ثم حذف الفعل وجوباً؛ استغناءً عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه؛ ثم رفع المصدر ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى.
ومن الأمثلة أيضاً أن يقول السعيد: شكرٌ كثير. حمدٌ وافر... وأن يقول المريض أو المكدود: صبرٌ جميلٌ - أملٌ طيبٌ... وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئاً: سمعٌ وطاعةٌ... أى: أمرى وحالى سمعٌ وطاعةٌ.
زيادة وتفصيل:
(ا) هناك مواضع أخرى - غير الأربعة السالفة - يجب فيها حذف المبتدأ؛ منها:
1- الاسم المرفوع بعد "لا سيما"؛ فى مثل: أحب الشعراء، ولا سيما "شوقىّ" بإعراب "شوقىٌّ" خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو.
2- بعد المصر النائب عن فعل الأمر: من مثل: "سَقْياً لك"... و "رَعْياً لك"... ومثلهما فى قول الشاعر:
*نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْران عاتبةً * سَقْيًا ورَعْياً لذاك العاتب الزارى*
وغيرهما من كل مصدر ينوب عن فعل الأمر نيابة تغنى عن لفظه ومعناه، وبعد المصدر ضمير مجرور المخاطب. فأصل: "سَقْيًا لك" "اسْقِ يا رب"... "الدعاء لك يا فلان". وأصل "رَعْياً لك" "ارْعَ يا رب"... "الدعاء لك يا فلان"، فالمصدر نائب عن لفظ فعل الأمر وعن معناه، وبعده المخاطب المجرور. والجار مع المجرور خبر لمبتدأ محذوف. ولا يصح أن يكون هذا الجار مع مجروره متعلقاً بالمصدر: (سقياً ورعياً)، لأن هذا التعلق مخالف للأصول العامة فى تكوين الجملة.
3- بعد ألفاظ مسموعة عن العرب مثل: (من أنت؟. محمد) وهو أسلوب يقال حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم اسمه: محمد... والتقدير: من أنت؟ مذكورُك محمد... أو: مذمُومك محمدّ: أى: من أنت؟ وما قيمتك بالنسبة للشخص الذى تذكره بالسوء؛ وهو محمد؟. فالمثل يتضمن تحقيراً للمغتاب، وتعظيماً لمحمد. فمحمد خبر لمبتدأ محذوف تقديره: مذكورُك ... أو مذمومك (أى: الشخص الذى تذكره فى حديثك أو تذمه فيه). ولما كان هذا الأسلوب قد ورد بغير مبتدأ صار من الواجب التزامه والإبقاء عليه بغير زيادة أو نقص؛ لأه بمنزلة المثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقاً. وقد ورد ذلك الأسلوب بالنصب أيضاً: (من أنت؟ محمداً). التقدير: (من أنت؟ تذكر محمداً، أو تذم محمداً)؛ فتكون الكلمة المنصوبة مفعولاً به لفعل محذوف. ومن الأساليب المسموعة أن يقال: "لا سواءٌ" عند الموازنة بين شيئين. والتقدير: لا هما سواء، أو: هذان لا سواء؛ بمعنى: لا يستويان. فكلمة: "سواء" خبر مبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هما" أو: "هذان".
ويرى فريق من النحاة أن الحذف فى المسألتين جائز لا واجب. والأخذ بهذا الرأى أنسب فيما نصوغه من أساليبنا. أما الوارد المسموع عن العرب نصًّا على أنه مثل من أمثالهم فيجب إبقاؤه كما ورد عنهم.
* * *
مواضع حذف الخبر وجوباً، أشهرها خمسة:
1- أن يقع الخبر كوناً عامًّا والمبتدأ بعد "لولا الامتناعية"، نحو: لولا عدلُ الحاكم لقتل الناسُ بعضُهم بعضاً. ولولا العلم لشقى العالَم، ولولا الحضارة ما سعد البشر... أى: لولا العدل موجود... لولا العلم موجود... لولا الحضارة موجودة... فالخبر محذوف قبل جواب: "لولا"...
ومن هذه الأمثلة وأشباهها يتضح أن الخبر يحذف وجوباً بشرطين: وقوعه كونً عامًّا، ووجود لولا الامتناعية قبل المبتدأ. فإن لم يتحقق أحد الشرطين أو هما معاً تغير الحكم؛ فإن لم توجد "لولا" فإنّ حكم الخبر من ناحية الحذف وعدمه كحكم غيره من الأخبار كلها؛ وقد سبق الكلام عليها. وإن لم يقع كوناً - عاماً بأن كان خاصًّا - وجب ذكره؛ نحو: لولا السفينةُ واسعةٌ ما حملتْ مئات الركاب. لولا الطيارُ بارعٌ ما نجا من العاصفة؛ فكلمة: "واسعة" وكلمة: "بارع" - خبر من نوع الكون الخاص الذى لا دليل يدل عليه عند حذفه، فيجب ذكره؛ فإن دل عليه دليل جاز فيه الحذف والذكر؛ نحو: الصحراء قحلة لعدم وجود الماء بها؛ فلولا الماءُ معدومٌ لأنبتتْ - دخل اللص الحديقة لغياب حارسها؛ فلولا الحارس غائب لخاف اللص. - اضطرب البحر من شدة الهواء. فلولا الهواء شديد ما اضطرب. فكل من: "معدوم" و "غائب" و "شديد" قد وقع خبراً، وهو كون خاص، فيجوز ذكره وحذفه؛ لوجود ما يدل عليه عند الحذف.
2- أن يكون لفظ المبتدأ نصًّا فى القسم، نحو: لعمرُ الله لأُجِيدَنَّ عملى - لأمانةُ الله لن أهملَ واجبى - لحياةُ أبى لا أنصرُ الظالمَ - لأيمنُ الله لأسرعنّ للملهوف... فالخبر محذوف فى الأمثلة كلها قبل جواب القسم. وأصل الكلام لَعَمْرُ الله قَسَمِى ... لأمانة الله قَسَمِى... لحياة أبى قَسَمِى... لأيْمُنُ اللهِ قَسَمِى... ومن الأمثلة قول الشاعر:
*لعَمْرك ما الأيامُ إلا مُعَارَةٌ * فما اسْطَعْتَ من معروفها فَتَزَوَّدِ*
فالمبتدأ فى كل مثال كلمة صريحة الدلالة على القسم، غلب استعمالها فيه فى عُرْف السامع لها، ولذلك حذف خبرها؛ (وهو: قسمى) لأنها تدل عليه، وتغنى عنه، ولا يصح أن يكون المحذوف فى الأمثلة السابقة هو المبتدأ.
وهناك سبب آخر قوى يحتم أن يكون المحذوف هو الخبر؛ ذلك السبب وجود لام الابتداء فى أول كل اسم؛ إذ يدل على وجودها على أن المذكور هو المبتدأ دون الخبر؛ لأن الغالب عليها أن تدخل على المبتدأ لا على الخبر؛ ليكون لها الصدارة الحقيقية.
فإن لم يكن المبتدأ نصًّا فى اليمين، أو لم توجد لام الابتداء - لم يكن حذف الخبر واجباً، وإنما يكون جائزاً، نحو: عهدُ الله قسمى لا أرتكب ذنباً. أمرُ الدين قسمى لا أفعل إساءة؛ بإثبات الخبر أو حذفه.
3- أن يقع الخبر بعد المعطوف بواو تدل دلالة واضحة على أمرين مجتمعين، هما: العطف، والمعية؛ نحو: الطالب وكتابهُ...
ولبيان هذا نسوق المثال الآتى: إذا أقمت فى بلد تراقب أهله؛ فرأيت الفلاح يلازم حقله، والصانع يلازم مصنعه، والتاجر متجره، والملاّح سفينته، والطالب معهده، وكل واحد من أهلها يتفرغ لشأنه، لا يكاد يتركه. ثم أردت أن تصفهم، فقد تقول: شاهدت أهل البلد عاكفين على أعمالهم، منصرفين لشئونهم؛ (الفلاحُ وحقلُه) - (الصانعُ ومصنعهُ) - (التاجرُ ومتجرةُ) - (الملاح وسفينتُه) - (الطالبُ ومعهدهُ) - (كل رجل وحرفتُه). فما معنى كل جملة من هذه الجمل؟ معناها (الفلاح وحقله متلازمان) - (والصانع ومصنعه متلازمان) وهكذا الباقي...
وإذا تأملت تركيب واحدة منها (مثل: الفلاح وحقله) عرفت أنها مركبة من مبتدأ؛ هو: "الفلاح". بعده واو تفيد أمرين معاً، هما: العطف، والمعية، وبعد هذه الواو يجئ المعطوف على المبتدأ، ويشاركه فى الخبر، ثم يجئ بعده الخبر. لكن أين الخبر الواقع بعد المعطوف؟ إن الخبر محذوف نفهمه من الجملة؛ وهو كلمة: "متلازمان" أو: "متصاحبان" أو: "مقترنان" أو: ما يدل على الملازمة والمصاحبة التى توحى بها الواو التى بمعنى: "مع" وتدلّ عليها فى وضوح ظاهر للسامع. ومثل هذا يقال فى الأمثلة الأخرى. فإن لم تكن الواو نصًّا فى المعية لم يكن حذف الخبر واجباً؛ وإنما يكون جائزاً عند قيام دليل يدل عليه؛ نحو: الرجل وجاره مقترنان، أو: الرجل وجاره، فقط؛ لأن الاقتصار على المتعاطفين يفيد الاشتراك والاصطحاب. أما جواز ذكر المحذوف فلأن الواو هنا ليست نصًّا فى المعية، إذ الجارُ لا يلازم جاره، ولا يكون معه فى الأوقات كلها، أو أكثرها.
4- الخبر الذى بعده حال تدل عليه، وتسد مسده، من غير أن تصلح فى المعنى لأن تكون هى الخبر؛ نحو: "قراءتى النشيدَ مكتوباً". وذلك فى كل خبر لمبتدأ، مصدر، وبعد هذا المصدر معموله، ثم حالٌ، تدل على الخبر المحذوف وجوباً، وتغنى عنه، ولا تصلح فى المعنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ...؛ كالمثال السالف. فكلمة "قراءة" مبتدأ، وهى مصدر مضاف، والياء مضاف إليه، "النشيدَ" مفعول به للمصدر، فهو المعمول للمصدر - "مكتوباً" حال منصوب ولا تصلح أن تكون خبراً لهذا المبتدأ؛ إذ لا يقال: قراءتى مكتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية أضيف لها، والتقدير؛ قراءتى النشيد إذا كان مكتوباً، أو إذ كان مكتوباً وقد حذف الخبر الظرف متعلَّقه، ومعه المضاف إليه؛ لوجود ما يدل عليه، ويسد مسدهُ فى المعنى؛ وهو؛ الحال التى صاحبها الضمير، الفاعل، المحذوف مع فعله.
ومثله: مساعدتى الرجلَ محتاجاً، أى: إذا كان أو إذ كان محتاجاً. "فمحتاجاً" حال لا تصلح من جهة المعْنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ، إذ لا يقال: مساعدتى محتاج (وصاحب هذه الحال هو الضمير الفاعل المحذوف مع فعله). و "الرجل" مفعول به للمصدر - فهو معموله - ومثل هذا يقال فى شربى الدواء سائلا، وأكلى الطعامَ ناضجاً -.. و ...
فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور وجب رفعها لتكون هى الخبر؛ فلا يصح إكرامى الضيف عظيماً، بل يتعين أن نقول: إكرامى الضيفَ عظيم... بالرفع على الخبر...
هذا، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر - التى سبقت - فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه، أو ما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب.
5- حذفه من بعض أساليب مسموعة عن العرب؛ منها: حَسْبُك يَنَم الناسُ.
"ملاحظة": بقيت حالة سبقت الإشارة إليها، وهى التى يكون فيها المبتدأ متقدماً - مباشرة - على أداة شرطية، فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطية - كان هو الجواب للأداة الشرطية - فى الرأى الأرجح - وكان خبر المبتدأ محذوفاً وجوبا؛ نحو: الطفل إن يتعلم فهو نافع، - الصانعُ إن يتقن صناعته يستفدْ مالا وجاهاً.
فدخول "الفاء" على الجملة الاسمية دليل على أن هذه الجملة جواب للشرط، وليست خبراً؛ لكثرة دخول الفاء على الجمْلة الجوابية دون الخبرية.، وجزم المضارع: "يستفدْ" دليل على أنه جواب الشرط وعلى صلاحه لمباشرة الأداة، وأن الجملة المضارعية ليست خبراً...
فإن لم يقترن ما بعدهما بالفاء، أو لم يصلح لمباشرة الأداة، كان خبرا، والجواب محذوفا؛ نحو: الطفل إن يتعلم هو نافع - الصانع إن يهمل صناعته ليس يستفيدُ.
زيادة وتفصيل:
لا فرق فى المصدر الواقع مبتدأ بين أن يكون صريحاً كالأمثلة السابقة وأن يكون مؤولا؛ مثل: أن اقرأ النشيد مكتوباً. أن أساعد الرجل محتاجاً. وكذلك لا فرق فى الحال بين المفردة كالتى سبقت، والظرف، نحو: قراءتى النشيد مع الكتابة - أكلى الطعام مع النضج -، والجملة الاسمية نحو: قراءتى النشيد وهو مكتوب، أو: الفعلية مضارعية وغير مضارعية؛ نحو: مساعدتى الرجل يحتاج، أو: مساعدتى الرجل وقد احتاج.
وليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هو المصدر فقد يكون المبتدأ أفعل تفضيل مضافاً إلى المصدر - الصريح، أو المؤول - الذى وصفناه، نحو: أحسن قراءتى النشيد مكتوباً. أكمل مساعدتى الرجل محتاجاً. أحسن ما أقرأ النشيد مكتوباً - أكمل ما أساعد الرجل محتاجاً.
(ب) من الأساليب الصحيحة محمد والفرس يباريها، أو: محمد وهند تسابقه ... ونحو هذا من كل أسلوب يشتمل على مبتدأ، بعده معطوف بواو العطف، ثم يجىء بعد ذلك المعطوف شئ ينسب حصوله للمعطوف، أو المعطوف عليه، ويقع أثره المعنوى على الآخر الذى لم ينسب له الحصول، ففى المثال الأول نرى المبتدأ هو: "محمد"، وبعده المعطوف بالواو هو: "الفرس"، وبعده الفعل "يبارى" الذى ينسب حصوله للمبتدأ "محمد"، ولكن يقع أثره على الفرس، فكأنك تقول: محمد يبارى الفرس... وفى المثال الثانى: المبتدأ هو "محمد" أيضاً، وبعده المعطوف بواو العطف؛ وهو: "هند" والفعل الذى بعده هو: "تسابق" وينسب حصوله للمعطوف "هند"، ولكن يقع أثره المعنوى على المتبدأ؛ فكأنك تقول: هند تسابق محمداً... فأين خبر المبتدأ في المثالين السابقين وأشباههما؟
خير الآراء فى ذلك أن الخبر محذوف، والتقدير والفرس يباريها - مسرعان... محمد وهند تسابقه متناسقان... ويجوز أن تكون الواو واو الحال والجملة بعدها حال أغنت عن الخبر...
والأول أحسن؛ لاعتبارين؛
"أولهما": مطابقته لقاعدة عامة؛ هى: أن الأصل فى المبتدأ أن يكون له خبر أصيل، لا شئ آخر - كالحال - يسدّ مسدّه، وأن هذا الخبر الأصيل يصح حذفه لدليل.
"ثانيهما": أنه يصلح لكل التراكيب التى تتصل بموضوعنا. ومن هذه التراكيب ما يكون فيه المبتدأ غير مستوف للشروط التى تجعله يستغنى بالحال عن الخبر كالمثالين المعروضين هنا، وأشباههما...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 40: تعداد الخبر، وأنواعه، وحكم كل نوع. )


يكثر أن يكون للمبتدا الواحد خبران أو أكثر؛ مثل: التنبى شاعرٌ، حكيمٌ، فكلمة "المتنبى" مبتدأ، و "شاعرٌ" خبر، و "حكيمٌ" خبر ثان. وكذلك: "شوقىٌّ" شاعر، ناثر، حكيم؛ فكلمة "شوقىّ" مبتدأ و "شاعر" خبر، و "ناثر" خبر ثان، و "حكيم" خبر ثالث. وهكذا يتعدد الخبر.
غير أن هذا التعدد ثلاثة أنواع:
أولهما: أن يتعدد الخبر لفظاً ومعنى، بحيث يكون كل واحد مخالفاً للآخر فى هذين الأمرين؛ نحو: بلدنا زراعىّ، صناعىّ - صحيفتنا علمية، أدبية، سياسية... فكلمة "بلد" مبتدأ، بعده خبران، مختلفان، لفظاً ومعنى، وكل معنى مقصود لذاته. وكلمة "صحيفة" مبتدأ، وبعدها ثلاثة أخبار؛ كل واحد منها على ما وضفنا. نحو قوله تعالى: {وهو الغفوُ، الودودُ، ذو العرش، المجيدُ، فعالٌ لما يريد}.
وحكم هذا النوع أنه يجوز فيه عطف الخبرالثاني وما بعده على الخبر الأول، فيصح فى الأمثلة السابقة أن نقول: بلدُنا زراعىٌّ وصناعىٌّ - صحيفتنا عمليةٌ، وأدبيةٌ، وسياسيةٌ... - معهدنا علمىٌّ، وأدبىٌّ، ورياضىٌّ، وثقافىٌّ... بإثبات حرف العطف أو حذفه فى كل الأمثلة؛ فعند إثباته يعرب ما بعده معطوفاً على الخبر الأول دائماً. ومع أنّ ما بعد الخبر الأول هو خبر فى المعنى والتقدير فإنا لا نسميه عند الإعراب خبراً. أما عند حذف العطف فيسمى اللفظ المتعدد: خبراً، ويعرب خبراً.
ثانيهما: أن يتعدد الخبر فى اللفظ فقط وتشترك الألفاظ المتعددة فى تأدية معنى واحد، هو المعنى المقصود، وذلك بأن تكون الألفاظ مختلفة؛ لكل منها معنى خاص يخالف معنى الآخر -. ولكنه معنى غير مقصود لذاته؛ وإنما المعنى المقصود لا يتحقق إلا بأن تنضم هذه المعانى المتخالفة، بعضها إلى بعض، لتؤدى وهى مجتمعة معنى جديداً لا ينشأ إلا من مجموعها، كأن ترى رجلاً ليس بالقصير ولا الطويل. فتقول: (الرجل طويل قصير) تريد أنه "متوسط" فكل من كلمتى: "طويل" و "قصير" لها معنى خاص يخالف الآخر، ولكنه ليس مقصوداً لذاته؛ وإنما المقصود منه أن ينضم إلى المعنى الآخر لينشأ عن انضمامهما معنى جديد، هو: "متوسط" وهو المعنى المراد، الذى لا يفهم من إحدى الكلمتين منفردة؛ وإنما يفهم منهما معاً؛ برغم أن كل واحدة منهما تسمى: خبراً، وتعرب خبراً، ولها معنى خاص، ولكنه غير مقصود، كما قلنا. ومثل: الطفل سمين نحيف، أى: معتدل. ومثل: الفاكهة حلوةٌ مرةٌ، أى: متغيرة الطعم، أو متوسطة، بين الحلاوة والمرارة، وهكذا...
ولهذا النوع ضابط يميزه؛ هو: أن المعنى المراد يتحقق ويصلح حين نجعل الألفاظ المتخالفة كتلة واحدة هى الخبر، ويفسد إذا جعلنا بعضها هو الخبر دون بعض.
على أننا عند الإعراب لا بد أن نعرب كل واحد خبراً، ونسميه خبراً، - كما قلنا - ونعلم أنه يشتمل على ضمير مستتر يعود على المبتدأ، وهو غير الضمير المستتر الذى يحويه المعنى الجديد الناشئ من المعانى الفردية غير المقصودة.
وحكم هذا النوع أنه لا يجوز فيه العطف؛ لأن الخبرين أو الأخبار شئ واحد من جهة المعنى، والعطف يشعر بغير ذلك. كما لا يجوز أن يَفصِل فيه بين الخبرين أو الأخبار فاصل أجنبى، ولا أن يتأخر المبتدأ عن تلك الأخبار أو يتوسط فيها.
ثالثها: أن يتعدد الخبر فى لفظه ومعناه ولكن تعدده فى هذه الحالة يكون تابعاً لتعدد المبتدأ فى نفسه حقيقة أو حكماً. ويوصف المبتدأ بأنه متعدد فى نفسه حقيقة حين يكون ذا فردين أو أفرادن أى: حين يكون مثنى أو جمعاً؛ نحو: الصديقان مهندس، وطبيب. ونحو: السباقون غلام، وشاب، وكهل. ففى المثال الأول تعددت أفراد الخبر فكانت فردين، يستقل كل منهما عن الآخر؛ تبعاً لتعدد أفراد المبتدأ المثنى؛ إذ يشمل فردين. وفى المثال الثانى تعددت أفراد الخبر فكانت ثلاثة أفراد - على الأقل - تبعاً للأفراد المقصودة من المبتدأ الجمع. فالمبتدأ المثنى فى المثال السابق فى قوة مبتدأين لكل منهما خبر، والمبتدأ الجمع فى قوة ثلاث مبتدءات لكل منها خبر... وهكذا.
ويوصف المبتدأ بأنه متعدد حكماً حين يكون منفرداً (أى: شيئاً واحداً) ولكنه ذو أجزاء وأقسام؛ نحو: جسم الإنسان رأس، وجذع، وأطراف. ونحو: البيت غرفة للضيوف، وغرفة للأكل، وغرفة للقراءة، وغرف للنوم. ونحو: حديقة الحيوان جزء للوحوش، وجزء للطيور، وجزء للقردة... و... و...
والفرق بين هذا النوع وسابقه أن المبتدأ فى النوع السابق لا بد أن يكون ذا فردين أو أفراد، وكل فرد له كيان مستقل كامل، يتركب من أجزاء متعددة. أما فى النوع فالمبتدأ فرد واحد، لكن له أجزاء، ومن هذه الأجزاء مجتمعة يتكون الفرد الواحد.
وحكم هذا النوع أنه يجب فيه عطف الخبر الثانى والثالث وما بعدهما، على الأول؛ بشرط أن يكون حرف العطف الواو، ومتى عطف الخبر زال عنه اسم الخبر، وسمى عند الإعراب معطوفاً.
هذا وتعدد الخبر ليس مقصوراً على نوع الخبر المفرد؛ بل يكون فيه (نحو: المجلات طبيةٌ، هندسيةٌ، زراعيةٌ، تجاريةٌ...) ويكون فى الجملة؛ (نحو: العصفور يغردُ ، يتحركُ؛ يطيرُ، يتلفتُ - الصيف نهاره طويل، ليله قصير). وفى شبه الجملة؛ (نحو: الطائر أمامكَ؛ قُرْبك) وقد يكون مختلطاً؛ (نحو: هو أسد يزأر). فكلمة: "أسد" خبر. وكذلك جملة: "يزأر"، (ونحو: الأسد يَكْشِر عن أنيابه، غاضب، عابس). فجملة؛ (يكشر...) خبر، وكذلك كلمة: غاضب، وكلمة: عابس.
نستخلص من كل أن الأخبار المتعددة:
- ا - وقد تكون واجبة العطف.
- ب - وقد تكون ممتنعة العطف.
- حـ - وقد يجوز فيها العطف وعدمه.
زيادة وتفصيل:
(ا) من الأخبار المتعددة ما لا يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ نحو: المجلات طبية، هندسية، زراعية؛ لأن المعنى يفسد مع النعت، إذ يؤدى إلى أن الطية صفتها هندسية، زراعية؛ وهو غير المقصود. ومثل: الأسد يَكْشر عن نابه، غاضب؛ إذ لا يوجد فى الكلام ما يصلح أن يكون منعوتاً. وكثير من الأخبار المتعددة يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ مثل: هو أسد يزأر؛ فجملة: "يزأر" تصلح أن تكون فى محل رفع خبراً ثانياً، أو نعتاً للخبر الأول. ومثلها: الحُطَيْشة شاعرٌ مُخَضْرَم، هَجّاء. فيجوز فى كل من "مخضرم" و "هجاء" أن تكون خبراً، وأن تكون نعتاً لكلمة: "شاعر".
ونحو: "وَلاَّدة [الأندلسية] أميرة شاعرة، كاتبة، موسيقية؛ فيجوز فى كل واحدة من الكلمات الثلاث الأخيرة أن تكون خبراً بعد الخبر الأول، وأن تكون نعتاً للخبر الأول.
ومن الألفاظ ما يجب أن يكون نعتاً ولا يصلح خبراً؛ وذلك حين يمنع مانع معنوى أو لغوىّ، نحو: حامد رجل صالح، أو علىٌّ رجل يفعل الخير؛ لأن الخبر لا بد أن يتمم الفائدة الأساسية - كما عرفنا - ولم يتممها هنا لعدم إفادة الإخبار بالأول إلا مع النعت؛ لأن رجولته مستفادة من اسمه، لا من الخبر وهذا من نوع الخبر الذى يتمم الفائدة بتابعه... ولذلك كان الأحسن فى قوله تعالى: "كونوا قردة خاسئين" أن تكون كلمة: "خاسئين" خبراً ثانياً، لا نعتاً؛ لان جمع المذكر السالم لا يكون نعتاً لغير العاقل إلا بتأول لا داعى له هنا...
ومثل قول النحاة: الفاعل، اسم، مرفوع، متأخر عن فعله، دال على من فعل ذلك الفعل، أو قام به ... فيجب أن يكون الخبر هو كلمة: "اسم" فقط، وما بعده صفات له، وليست أخباراً؛ لأن الخبر يجب أن يتم به المعنى الأساسى مع المبتدأ، وهنا لا يتم بواحد مما جاء بعد الخبر الأول، إذ الفاعل لا يتم معناه ولا تتضح حقيقته بأنه مرفوع فقط، أو متأخر فقط... أو... فقط. وإنما يتم معناه وتتضح حقيقته بأنه اسم موصوف بصفات معينة؛ مجتمعة هى: الرفع، مع التأخير، مع الدلالة... فكلمة: "اسم" هى التى تعرب وحدها خبراً؛ لأنها مع تلك القيود التى نسميها نعوتاً - تكمل المعنى مع المبتدأ، وتتمم الفائدة. ومثل هذا يقال فى تعريف المبتدأ، وتعريف الخبر، والمفعول، وكل تعريف من التعريفات العلمية المشتملة على ألفاظ وقيود تصلح أن تكون أخباراً أو نعوتاً لولا المانع السابق.
(ب) قد يتعدد المبتدأ. وأكثر ما يكون ذلك فى صورتين: يحسَن عدم القياس عليهما فى الأساليب الأدبية والعلمية التى تقتضى وضوحاً ودقة؛ لأنهما صورتان فيهما تكلف ظاهر، وثقل جلىّ. وقيل إنهما موضوعتان فلا يصح القياس عليهما.
الأولى: صالح، محمودن هند، مكرمته من أجله، حيث تعددت المبتدءات متوالية، مع خلو كل منها من إضافته لضمير ما قبله. ثم جاءت الروابط كلها متوالية بعد خبر المبتدأ الأخير. ولإرجاع كل ضمير إلى المبتدأ الذى يناسبه نتبع ما يأتى:
1- أن يكون أول خبر لآخر مبتدأ، ويكون الضمير البارز فى هذا الخبر راجعاً إلى أقرب مبتدأ قبل ذلك المبتدأ الذى أخبر عنه بأول خبر.
2- ثم يكون الضمير البارز الثانى للمبتدأ الذى قبل ذلك. وهكذا... فترتب الضمائر مع المبتدءات ترتيباً عكسيّاً. ففى المثال السابق نعرب كلمة "مكرمته" خبراً عن "هند"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهو الهاء يعود إلى: "محمو"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهو الهاء يعود إلى: "محمود"، والضمير الذى فى آخر: "أجله"، وهو: الهاء أيضاً يعود إلى: "صالح"، ويكون المراد: محمود هند مكرمته من أجل صالح، أو؛ هند مكرمة محمود من أجل صالح. وذلك بوضع الاسم الظاهر مكان الضمير العائد إليه.
الثانية: فى مثل محمد، عمه، خاله، أخوه قائم، حيث تعددت المبتدءات وكان الأول منها مجرداً من إضافته للضمير. أما كل مبتدأ آخر فمضاف إلى ضمير المبتدأ الى قبله. فمعنى الجملة السابقة، أخو خال عم محمد - قائم - فنضع مكان كل ضمير الاسم الظاهر الذى يفسر ذلك الضمير العائد عليه.
وفى الأمثلة السابقة للصورتين ما ينهض دليلا على أن استعمال هذه الأساليب معيب، والفرار منها مطلوب.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الابتداء. المبتدأ والخبر ) ضمن العنوان ( المسألة 41: مواضع اقترن الخبر بالفاء )


الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباطاً معنويًّا قويًّا. ويزيده قوة بعض الروابط اللفظية؛ كالضمير العائد عليه من الخبر، وكغيره مما عرفناه، ولهذا كان الغالب عليه أن يخلو من الفاء التى تستخدَم للربط فى بعض الأساليب الأخرى. فمن أمثلة الخبر الحالية من الفاء: العلمُ وسيلةُ الغنى - النظافةُ وقايةٌ من المرض - التجارةُ بابٌ للثروة.
ومن الألفاظ التى ليست خبراً ولكنها تحتاج - أحيانا - إلى الفاء الرابطة بينها وبين ما سبقها: جواب اسم الشرط المبهم الدال على العموم؛ (لكونه لا يختص بفرد معين؛ وإنما هو شائع)؛ مثل: منْ يعمل خيراً فجزاؤُه خيرٌ. فكلمة "مَنْ" اسم شرط، يدل على العموم، وبعده فعل الشرط مستقبل الزمن؛ وهو: (يعمل)، ثم يليه جملة اسمية هى جواب الشرط، أى: نتيجته المترتبة عليه، التى يتوقف حصولها فى المستقبل أو عدم حصولها على وقوعه أو عدم وقوعه، وهى: "جزاؤه خير". وقد اقترنت هذه الجملة الاسمية بالفاء؛ فربطت بينها وبين جملة الشرط. ودل هذا الارتباط على اتصال بين الجملتين، وأن الثانية منهما نتيجة للأولى. ولولا الفاء الرابطة لكان الكلام جُمَلا مفككة، لا يظهر بينها اتصال. ومثل هذا كل أسماء الشرط الأخرى الدالة على الإبهام والعموم، والتى لها جملة شرطية، تليها جملة جواب مقرون بالفاء...
والخبر - مفرداً أو غير مفرد - قد يقترن بالفاء وجوباً فى صورة واحدة، وجوازاً فى غيرها، إذا كان شبيها بهذا الجواب الشرطى، بأن يكون نتيجة لكلام قبله، مستقبل الزمن، وفى صدر هذا الكلام مبتدأ يدل على العموم والإبهام؛ نحو: الذى يصادقنى فمحترم: "فالذى" اسم موصول مبتدأ، وهو يدل على الإبهام والعموم، وبعده "يصادقنى" كلام مستقبل المعنى، له نتيجة مترتبة على حصوله وتحققه، هى الخبر: (محترم) وقد دخلت الفاء على هذا الخبر؛ لشبهه بجواب الشرط فى الأمور الثلاثة السالفة التى هى: (وجود مبتدأ دال على الإبهام والعموم، كما يدل اسم الشرط المبتدأ على الإبهام والعموم) و (وجود كلام بعد المبتدأ مستقبل المعنى؛ كوجود جملة الشرط بعد أداة الشرط) و (ترتّب الخبر على الكلام السابق عليه؛ كترتب جواب الشرط على جملة الشرط - وهذا مهم).
ومن الأمثلة: رجلٌ يكرمنى فمحبوب - من يزورنى فمسرور... وهكذا كل خبر تحققت فيه الأمور الثلاثة؛ سواء أكان خبراً مفرداً، أم جملة، أم شبه جملة. فالقاعدة العامة فى اقتران الخبر بالفاء هى: مشابهته لجواب الشرط فى فى تلك الأمور الثلاثة، مع خلو الكلام من أداة شرط بعد المبتدأ، لكيلا يلتبس الخبر بجواب الشرط.
وقد تتبع النحاة مواضع المشابهة فوجدوها تتركز فى موضعين لا تكاد تخرج عنهما، مع خلو كل موضع من أداة شرط بعد المبتدأ.
الأول: كل اسم موصول عامّ وقعت صلته جملة فعلية مستقبلة المعنى، أو وقعت ظرفاً، أو جارًّا مع مجروره بشرط أن يكون شبه الجلمة بنوعيه متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن.
الثانى؛ كل نكرة عامة، وصفت بجملة فعلية، مستقبلة المعنى، أو بظرف، أو بجار مع مجروره على الوجه السالف الذى يقضى بتعليق شبه الجملة بمضارع مستقبل الزمن.
وإذا اقترن الخبر بالفاء وجب تأخيره عن المبتدأ؛ كالأمثلة التى أوضحناها، فإن تقدم وجب حذف الفاء.
زيادة وتفصيل:
لم يكتف النحاة بالتركيز الذى أشرنا إليه وإنما عرضوا للتفصيل، وعدّ المواضع المختلفة التى تقع فيها المشابهة - بشرط استيفاء كل منها الشروط الثلاثة السالفة، مبالغة منهم فى الإبانة والإيضاح. وإليك بيانها بعد التنبيه إلى أن كثيراً منها مع صحته لا تستسيغه أساليبنا الحديثة العالية. فخير لنا ألا نستعمله قدر الاستطاعة، وأن نعرف هذه المواضع لنفهم بها كلام السابقين.
1- خبر المبتدأ الواقع بعد "أمَّا" الشرطية. نحو: أما الوالد فرحيم. وهذا الموضع يجب فيه اقتران الخبر بالفاء دون باقى المواضع؛ فيجوز فيها الاقتران وعدمه، والاقتران أكثر.
2- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جملة فعلية زمنها مستقبل، تصلح أن تكون جملة للشرط: نحو: الذى يستريض فنشيط.
3- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته ظرف؛ نحو: الذى عندك فأديب. ولا بد أن يكون شبه الجلمة فى هذه الصورة وفما يليها متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن كما سلف.
4- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جار مع مجروره، نحو الذى فى الجامعة فرجل.
5- أن يكون المبتدأ نكرة عامة بعدها جملة فعلية زمنها مستقبل، صفة لها؛ نحو: رجل يقول الحق فشجاع.
6- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها ظرف، صفة لها؛ نحو: طالب مع الأستاذ فمستفيد.
7- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها جار ومجرور، صفة لها؛ نحو: طالبٌ فى المعمل فمنتفع.
8- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن، تصلح أن تكون جملة للشرط؛ نحو: كتاب الذى يتعلم فمصون.
9- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته ظرف؛ نحو قلم الذى أمامك فجيد.
10- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مرشدة التى فى البيت فخبيرة. 11- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها؛ مثل جميع) مضافاً إلى نكرة موصوفة بجملة فعلية بعدها، نحو: كل رجل يهمل فصغير.
12- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها)، مضافاً إلى نكرة موصوفة بظرف، نحو: كل وطنى أمام الوطن فمخلص. وقول الشاعر:
*كُلُّ سَعْى سوى الذى يورث الفوْ * زَ فعقباه حسْرةٌ وخَسَارُ*
13- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها) مضافاً إلى نكرة موصوفة بجار ومجرور؛ نحو: كل فتاة فى العمل فنافعة.
14- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن تصلح للشرط، نحو: الزميل الذى يعاونك فرياضى.
15- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته ظرف: نحو: الزائرة التى معك فمثاليّة.
16- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: الرائد الذى فى الرحلة فأمين.
17- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف صلته جملة فعلية؛ نحو: خادم الرجل الذى يزرع فنافع.
18- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته ظرف؛ نحو: كاتب الرسالة التى معك فقدير.
19- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مؤلف الكتب التى فى الحقيبة فعظيم.
وفى جميع الأمثلة السابقة يجوز أن يكون الخبر مفرداً، أو جملة، أو شبه جملة. ولا بد من خلو الجملة بعد المبتدأ من أداة شرط - كما سبق.
تلك هى أشهر الصور التى يقترن فيها الخبر بالفاء - وجوباً فى واحدة، وجوازاً فى الباقى - لغرض هام، هو: النص على مراد المتكلم من ترتب الخبر على الكلام الذى قبله، وإبانة أن الخبر نتيجة مترتبة على ما سبقه.
ولو فقد شرط من الثلاثة التى بيناها لامتنع دخول الفاء على الخبر؛ فمثال فقد العموم: سعيك الذى تبذله فى الخير محمود. ومثال فَقْد الاستقبال: الذى زارنى أمس مشكور. ومثال الجملة الفعلية الواقعة صلة أو صفة وهى غير صالحة لأن تقع شرطية لاشتمالها على ما، أو: لن، أو: قد، أو... أو: إلخ. الذى لن يزورنى مسئ... ومثل هذا يقال فى الصفة أو الصلة التى لم تستوف الشروط.
وقد تدخل الفاء جوازاً - ولكن بقلة - فى الخبر الذى مبتدؤه كلمة "كل" إما مضافة لغير موصوف أصلا؛ نحو: كل نعمة فمن الله، وقول الشاعر:
*وكلُّ الحادثات وإن تناهتْ * فمقرون بها الفرج القريبُ*
وإمّ مضافة لموصوف لكن غير ما سبق نحو: كل أمر مفرح أو مؤلم فنتيجة لعلم صاحبه.
وإذا كان المبتدأ "أل" الموصولة وصلتها صفة صريحة مستقبلة الزمن - جاز الإتيان بالفاء فى الخبر نحو: الصانع والصانعة فنافعان. المخترع والمخترعة فمفيدان. ومنه قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}... وفريق من النحاة منع دخول الفاء فيما سبق، وأوّلَ الآية. وهذا رأى لا يصح الأخذ به مع وجود آية كريمة تعارضه، كما لا يصح تأويل الآية لتوافقه. فالصحيح دخولها على الخبر ولو كان أمراً أو نهيًّا.
بقى أن نعرف أن المبتدأ الذى يشبه اسم الشرط فيما سبق إذا دخل عليه ناسخ - غير إنّ، وأنّ، ولكنّ - فإن الناسخ يمنع دخول الفاء على خبره. أما إنّ، وأنّ، ولكنّ، فلا تمنع؛ فيجوز معها دخول الفاء: مثل قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم} وقوله تعالى: {واعلموا أنّ ما غنمتم من شىء فإنّ لله خُمسُه} وقول الشاعر:
*فوالله ما فارقتكم قالياً لكم * ولكنّ ما يُقْضَى فَسَوْف يكونُ*
وإذا عطفت على المبتدأ الذى خبره من الأنواع السابقة المقرونة بالفاء، أو على ما يتصل به من صلة، أو صفة، ونحوها - وجب تأخير المعطوف عن الخبر؛ إذ لا يجوز الفصل بينه وبين مبتدئه بالمعطوف، ففى مثل: الذى عندك فمؤدب، لا يصح أن يقال: الذى عندك والخادم فمؤدب، أو فمؤدبان، وهكذا...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 42: معنى الناسخ، ونوعه. )


معنى الناسخ: الجملة الاسمية فى مثل "الرياحين مُتْعة" - تتكون من اسمين مرفوعين، يسمى أولهما: المبتدأ، وله الصدارة فى جملته - غالباً -. ويسمى الثانى: خبراً كما هو معروف. ولكن قد يدخل عليهما ألفاظ معينة تغير اسمهما، وحركة إعرابهما، ومكان المبتدأ من الصدارة فى جملته، ومن هذه الألفاظ: كانَ، إنَّ... ظنَّ... مثل: كان العامل أُميناً، وقول الشاعر:
*وإذا كانت النفوسً كباراً * وتَعِبتْ فى مرادها الأجسامُ*
فيصير المبتدأ اسم "كان" مرفوعاً وليس له الصدارة، ويصير خبره خبر كان منصوباً. ومثل؛ إنّ العاملَ أمينٌ؛ فيصير المبتدأ اسم "إن" منصوباً، وليس له الصدارة، ويصير خبره خبر "إن" مرفوعاً. ونقول: ظننت العامل أميناً فيصير المبتدأ والخبر مفعولين منصوبين للفعل: "ظننت" وليس للمبتدأ الصدارة. وتسمى الكلمات التى تدخل على المبتدأ والخبر فتغير اسمهما وحركة إعرابهما ومكان المبتدأ: "النواسخ"، أو: نواسخ الابتداء؛ لأنها تحدث نسخاً، أى: تغييراً على الوجه الذى شرحناه ولا مانع من دخولها على المبتدأ النكرة... فيصير اسماً لها؛ إذ لا يشترط فى اسمها أن يكون معرفة فى الأصل.
ومما سبق يتبين أن النواسخ بحسب التغيير الذى تحدثه ثلاثة أنواع: نوع يرفع اسمه وينصب خبره - فلا يرفع فاعلا، ولا ينصب مفعولا - مثل: "كان وأخواتها"، ونوع ينصب اسمه ويرفع خبره؛ مثل: "إن وأخواتها"، ونوع ينصب الاثنين ولا يستغنى عن الفاعل؛ مثل: "ظن وأخواتها". ولكل نوع أحواله وأحكامه المفصلة فى بابه الخاص. وكلامنا الآن على: "كان" وأخواتها من الأفعال الناسخة التي تعمل عملها، وتسمى أيضاً: الأفعال الناقصة.
وفيما يلي بيان أشهرها، وشروطه عمله، ومعنى كل فعل:
إنها ثلاثةَ عَشَرَ فعلا؛ كان - ظل - بات - أصبح - أضحْى - أمسى - صار - ليس - زال - برح - فتئ - انفك - دام. وكل هذه الأفعال تشترك فى أمور عامة، أهمها:
أنها لا تعمل إلا بشرط أن يتأخر اسمها عنها، وأن يكون خبرها غير إنشائي؛ فلا يصح: كان الضعيف عاونْهُ. وأن يكون الاسم والخبر مذكورين معاً، ولا يَصح - مطلقاً - حذفهما معا، ولا حَذف أحدهما. إلا "ليس"، فيجوز حذف خبرها، وإلا "كان" فيجوز فى أسلوبها أنواع من الحذف. وسيجئ البيان عند الكلام عليهما.
وألا يتقدم الخبر عليها إذا كان اسماً متضمناً معنى الاستفهام؛ وهى مسبوقة بأحد حرفى النفى: "ما" أو: "إن"؛ فلا يقال: أين ما يكون الصديق؟ ولا أين إنْ يكونُ الصديق؟ ولا أين ما زال العمل؟ لأنّ "ما" و "إنْ" النافيتين لهما الصدارة فى كل جملة يدخلان عليها؛ فلا يصح أن يسبقهما شىء من تلك الجملة، وإلا كان الأسلوب فاسداً.
وأن صيغتها حين تكون بلفظ الماضى، وخبرها جملة فعلية مضارعية - لا بد أن يماثلها زمن هذا المضارع؛ فينقلب ماضياً - عند عدم وجود مانع -؛ ففى مثل: أصبح العصفور يغرد - يكون زمن المضارع "يغرد" ماضياً، مع أن الفعل مضارع، ولكنه - هو وكل الأفعال المضارعة - يتابع زمن الفعل الماضى الناسخ، بشرط عدم المانع الذى يعينه لغيره - كما أشرنا -.
وأن أخبارها لا تكون جملة فعلية ماضوية، ما عدا "كان" فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية.
أما فى غير الأمور المشتركة السالفة فلكل فعل معناه الخاص مع معموليه وشروطه الخاصة التى سنعرضها فيما يلى:
كان: نفهم معناها من مثل: كان الطفل جارياً؛ فهذه الجملة يراد منها إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وان الجرى فى زمن ماض؛ بدليل الفعل: "كان".
ولو قلنا: يكون الطفل جارياً - لكان المراد إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وأن الجرى فى زمن حالى أو مستقبل، بدليل الفعل المضارع: "يكون".
ولو قلنا: كن جاريًا - لكان المراد إفادة السامع أن المخاطب موصوف بتوجه طلب معين إليه؛ هو؛ مباشرة الجرى، أى: مطالبته بالجرى فى المستقبل؛ بدليل فعل الأمر: "كُنْ".
مما سبق نفهم المراد من قول النحاة: "كان" مع معموليها تفيد مجرد اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافاً مجرداً فى زمن يناسب صيغتها. فإن كانت صيغتها فعلاً ماضياً فالزمن ماض، بشرط ألاّ يوجد ما يجعله لغير الماضى. وإن كانت صيغتها فعلاً مضارعاً فالزمن صالح للحال والاستقبال بشرط لا يوجد ما يجعله لغيرهما، وإن كانت صيغتها فعل أمر فالزمن مستقبل؛ إن لم يوجد ما يجعله لغيره -.
وقد تستعمل "كان" الناسخة بمعنى: "صار" فتأخذ أحكامها، وتعمل عملها بشروطه؛ مثل: جمد الماء فكان ثلجاً - احترق الخشب فكان تراباً.
وقد تستعمل بمعنى: "بَقِىَ على حاله، واستمر شأنه من غير انقطاع ولا تَقَيُّدٍ بزمن" نحو: كان الله غفوراً رحيماً.
وقد تستعمل تامة، وتكثر فى معنى: حصل وظهر (أىّ: وُجِد) فتكتفى بفاعلها؛ نحو: أشرقت الشمس فكان النورُ، وكان الدفء، وكان الأمن. أى: حصل وظهر.
وما تقدم من الأحكام للفعل الماضى: "كان" يثبت لباقى أخواته المشتقات؛ كالمضارع، والأمر، واسم الفاعل. و. و..
هذا، وتضم الكاف من الفعل الماضى: "كان" عند اتصاله بضمائر الرفع المتحركة؛ كالتاء، ونون النسوة، طبقاً للبيان الذى سلف مفصلا.
وبقى من أحكام "كان" أربعة أخرى سيجئ الكلام عليها مفصلاً فى موضعه من آخر هذا الباب؛ وهى: أنها تقع زائدة، وأن الحذف يتناولها كما يتناول أحد معموليها، أو هما معاً، وأن نون مضارعها قد تحذف، وأن خبرها قد ينفى. وهذا الأخير يجئ الكلام عليه مع باقى الأخبار الأخرى المنفية.
زيادة وتفصيل:
(ا) إذا وجد نفى قبل "كان" الماضية والمضارعة وكان خبرها جملة مقترنة "بإلا" الاستثنائية الملغاة - جاز أن يقترن بالواو؛ كقول الشاعر:
*ما كانَ من بَشَرٍ إلا ومِيتتُهُ * محْتومة؛ لكِنِْ الآجالُ تختلفُ*
لأن النفى قد نقض هنا بـ "إلا". والنفى ونقضه شرطان - على الصحيح - لزيادة الواو فى الجملة الواقعة خبر: "كان" أو مضارعها - كما تقدم-.
وهذه الواو تسمى "الواو الداخلة على خبر الناسخ" وتدخل أيضاً فى خبر "ليس بالشرط السالف كما سيجئ. وقد سُمعت قليلا فى خبر غيرهما من النواسخ. ولا يصح القياس على هذا القليل.
وبرغم أن وجودها جائز فى غير القيل مما ذكرناه، فإن الخير - كما يرى كثير من النحاة - فى العدول عنها؛ حرصاً على الدقة فى التعبير، وبعداص عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواو والواو الأخرى التى للحال - أو غيره -، ولكل منهما معنى يخالف معنى الأخرى. والبراعة تقتضى الإبانة التامة، وتجنب أسباب اللبس والاشتباه؛ نزولاً على حكم البلاغة.
(ب) من الأساليب الأدبية الشائعة: "كائناً ما كان"، و "كائناً من كان"؛ فى مثل: سأفعل ما يقضى به الواجب؛ كائناً ما كان. وسأحقق الغرض الكريم كائناً ما كان... أى: سأفعل ذلك مهما جدّ وكان ذلك الواجب؛ وذلك الغرض. ومثل: سأرد الظالم: "كائناً من كان" - سأكرم النابغ "كائناً من كان"... أى: سأفعل ذلك مهما كان الإنسان الظالم، أو النابغ.
أما إعرابه فمتعدد الأوجه: وأيسر ما يقال وأنسبه هو: "كائناً" حال منصوب، واسمه ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الشئ السابق، و "ما" أو "من" نكرة موصوفة مبنية على السكون فى محل نصب خبر "كائن". و "كان" فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر يعود على "ما" أو "من" والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب صفة "ما" أو "من". والتقدير النحوىّ: سأفعل ذلك كائناً شيئاً كان. أو: كائناً إنساناً كان. أى: سأفعل ذلك كائناً أىّ شئ وجد أو أىّ إنسان وجد.
ومن الأساليب المرددة فى كلام القدامى الفصحاء - برغم غرابتها اليوم - قولهم: "ربما اشتدت وَقْدة الشمس على المسافر فى الفلاة؛ فكان مما يُغَطِى رأسَه وذراعيه، وربما ثارت الرمال؛ فكان مما يَحْجُبُ عينيه ومنخريه..." يريدون: فكان ربما يُغَطى رأسه - وكان ربما يحجب عينيه ومنخريه، أى: يغطيهما...
ظل: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول النهار، فى زمن يناسب صيغتها. نحو: ظل الجو معتدلا.
وتسعمل كثيراً بمعنى: "صار" عند وجود قرينة؛ فتعمل بشروطها؛ نحو قوله تعالى: (وإذا بُشِّرَ أحدُهم بالأنثى ظل وجههُ مسوداً)، أى: صار. وقد تستعمل تامة فى نحو: ظل الحر؛ بمعنى: دام وطال...
شروط عملها: لا يشترط لها وللمشتقات أخواتها سوى الشروط العامة التى سلفت.
أصبح: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها صباحاً، فى زمن يناسب صيغتها. مثل أصبح الساهر مُتعباً. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها؛ مثل: أصبح النِّفطُ دِعامة الصناعة؛ وإنما كانت بمعنى: "صار" فى هذا المثال وأشباهه لأن المراد ليس مقصوراً على وقت الصبح. وإنما المراد التحول من حالة قديمة إلى أخرى جديدة ليست خاصة بالصباح.
وقد تستعمل - بكثرة - تامة فى نحو: أيها السارى قد أصبحت. أى: دخلت فى وقت الصباح. وشروط عملها هى الشروط العامة؛ فهى مثل: "ظل".
أضحى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها وقت الضحا، فى زمن يناسب صيغتها... مثل: أضحى الزارع نكبًّا على زراعته. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فَتعمل بشروطها فى مثل: أضحى الميدان الصناعى مطلوباً. وإنما كانت بمعنى: "صار" لأن المعنى ليس على التقيد بوقت الضحا أو غيره - وإنما على التحول والانتقال من حالى إلى أخرى.
وقد تستعمل تامة فى مثل: أضحى النائم؛ أى: دخل فى وقت الضحا.
شروط عملها: هى الشروط العامة التى سبقت؛ فهى مثل: "ظل".
أمسى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها، مسَاءً فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: أمسى المجاهد قريراً. وتكون كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها؛ مثل: اقتحم العلم الفضاء المجهول: فأمسى معلوماً؛ أى: صار معلوماً؛ لأن المراد ليس التقيد بوقت المساء، وإنما المراد التحول والانتقال. وتستعمل تامة فى مثل: أمسى الحارس. أى: دخل فى وقت المساء.
شروط عملها هى الشروط العامة. كظل:
بات: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول الليل؛ فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: "بات القادم نائماً، وقول الشاعر:
*أبيتُ نجِيًّا للهموم كأنَّما * خلالَ فِراشى جمرةٌ تتوهَّجُ*
وتكون تامة، فى مثل: بات الطائر؛ بمعنى: نزل ليقضى الليل فى بعض الأمكنة.
صار: تفيد مع معموليها تَحَوُّلَ اسمها، وَتَغيُّرهُ من حالى إلى حالة أخرى ينطبق عليها معنى الخبر؛ مثل: صارت الشجرة باباً. أى: تحولت الشجرة (وهى اسم: صار) من حالتها الأولى إلى حالة جديدة، سميت فيها باسم جديد، هو: "باب" (وهو؛ الخبر)، ومثل: صار الماء بخاراً؛ فقد تحول الماء (وهو: اسم: صار)، من حالته الأولى إلى حالة جديدة يسمى فيها: "بخاراً" وهو الخبر. وتستعمل تامة فى مثل: صار الأمر إليك؛ بمعنى؛ انتقل إليك. وفى مثل: إلى الله تصير الأمور، أى: ترجع....
شروط عملها: يشترط فيها وفى الأفعال التى بمعناها.
(1) الشروط العامة.
(2) ألا يكون خبرها جملة فعلية فعلها ماض، فلا يصح صار الجالس وقف، ولا صار المتكلم سكت.
زيادة وتفصيل:
ويشترك مع صار فى المعنى، والعمل، والشروط، أفعال أخرى - غير التى سبقت - أشهرها أحدَ عشرَ، كل منها يصح أن تحل "صار" محله، واستعماله قياسىّ مثلها:
1- آض، مثل: آضَ الطفل غلاماً. وآض الغلام شابًّا: بمعنى: "صار" فيهما.
2- رجع، مثل: قوله عليه السلام: "لا تَرْجِعوا بعدى كفارا يَضْربُ بعضكم رقابَ بعض".
3- عاد، مثل:
عاد البلد الزراعى صناعيًّا.
4- استحال، مثل: استحال الخشب فحماً.
5- قعد، مثل: قعدتْ المرأةُ مكافحةً فى الميادين المختلفة. 6- حار، مثل:
*وما المرْءُ إلا كالشِّهاب وضوْئِهِ * يَخُورُ رَماداً بَعْد إذْ هو ساطعُ*
7- ارتد، مثل قوله تعالى: {أَلقَاهُ على وجْههِ فارْتَدَّ بَصِيراً}.
8- تَحَول، مثل: تحول القطن نسيجاً، وتحولَ النسيح ثوباً رائعاً.
9- غَدَا: مثل غَدَا العملُ الحرّ مرموماً. وقول الشاعر:
*إذا غَدَا ملِكٌ بالَّلهوِ مشتغلاً * فاحكمْ على مُلكه بالويْل والحَرَبِ*
10- رَاح: مثل: رَاحَ المرءُ مقدَّراً بما يحسنه.
11- جاء، فى مثل: ما جاءت حاجَتَك؟ فقد ورد هذا الأسلوب فى الأساليب الصحيحة المأثورة بنصب كلمة: "حاجة"، ومعناه: ما صارت حاجتك.؟ والمراد: أىُّ حاجة صارت حاجتك؟ وإنّما نُصِبتْ كلمة "حاجة" لأنها خبر "جاء" التى بمعنى: صار، واسمها ضمير يعود على "ما" الاستفهامية التى تعرب مبتدأ مبنية على السكون فى محل رفع، والجملة من "جاء ومعموليها" فى محل رفع خبرها.
وقد سبق بيان الأفعال الأخرى الناسخة التى يكثر استعمالها بمعنى: "صار" وبشروطها (وهى: كان - ظل - أصبح - أضحى - أمسى).
ليس: تفيد مع معموليها نفى اتصاف اسمها بمعنى خبرها فى الزمن الحالىّ نحو: ليس القطار مقبلاً. فالمراد نفى القدوم عن القطار الآن. ولا تكون للنفى فى الزمن الحالى إلا عند الإطلاق، أى: عند عدم وجود قرينة تدل على أن النفى واقع فى الزمن الماضى، أو فى المستقبل: فإن وجدت قرينة تدل على أنه واقع فى أحدهما وجب الأخذ بها؛ نحو: ليس الغريب مسافراً أمس، أو: ليس سافر الغريب، أو: وجود الفعل الماضي بعدها، أو قبلها - دليل على أنه النفى للماضى ... أما فى نحو: ليس الغريب مسافراً غداً، أو قوله تعالى في عذاب الكافرين يوم القيامة: {ألاَ يَوْمَ يأتيهم ليْس مصرُوفاً عنهمْ}، فيكون النفى متجهماً للمستقبل؛ لوجود قرينة لفظية فى المثال؛ وهى كلمة: "غد" الدالة عليه ولوجود قرينة عقلية فى الآية تدل عليه أيضاً، هى: أن يوم القيامة لم يأت حتى الآن.
وقد يكون المراد منها نفى الحكم نفياً مجرداً من الزمن؛ كقول العرب: ليس لكذوب مروءة، ولا لحسود راحة، ولا لسيء الخلق سُؤْدُد.
شروط عملها؛ وأحكامها:
(1) هى الشروط العامة.
(2) لا تستعمل تامة.
(3) لا يجوز تقدم خبرها عليها فى الرأى الأرجح.
(4) يجوز حذف خبرها، إذا كان نكرة عامة؛ نحو: ليس أحد. أى: ليس أحد موجوداً، أو نحو ذلك... ويجوز جره بالباء الزائدة، بشرط ألا تكون أداة استثناء؛ وبشرط ألا ينتقض النفى بإلا؛ نحو: ليس الغضب بمحمود العاقبة. وقول الشاعر:
*وليس بِمُغْنٍ فى المودة شافعٌ * إذا لم يكنْ بين الضلوعِ شفيعُ*
فإن نقض النفى بإلا لم يصح جر الخبر بالباء الزائدة؛فلا يجوز ليس الغِثَى إلا بغِنَى النفس...
(5) لا يصح وقوع "إنْ" الزائدة بعدها...
وبقى من أحكام "ليس" حكم يتعلق بخبرها المنفى، سيجئ الكلام عليه مع بقية الأخبار المنفية...
زيادة وتفصيل:
(أ) أشرنا فيما سبق إلى أنه يجوز فى خبر "ليس" ما جاز فى خبر "كان" الماضية والمضارعة المسبوقة بالنفى، من اقترانه بالواو حين يكون جملة موجبة، بسبب اقترانها بكلمة: "إلا"؛ كقول الشاعر:
*لَيْس شَىْءٌ إلاّ وَفيهِ إذَا * قَابَلَتْهُ عيْنُ البَصيرِ اعبتارُ*
وتسمى هذه الواو: "الواو الداخلة على خبر الناسخ" كما - عرفنا.
ونقول هنا ما قلناه فى "كان": من أن الأحسن العدول عن زيادتها، برغم أن وجودها جائز؛ حرصاً على دقة التعبير، وبعداً عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواو والأخرى التى للحال أو لغيره... فلكل واحدة موضع تستعمل فيه ومعنى تؤديهن وتركها يريحنا مما قال بعض النحاة الأقدمين من تأويل للنصوص المشتملة عليها، وتكلف لا داعى له.
(ب) لا تقع "إن" الزائدة بعد "ليس" - كما أشرنا فى الصفحة السالفة - فلا يصح أن يقال: ليس إنْ الكذوب محترماً، مع أنه يجوز زيادتها بعد "ما" النافية المهملة التى معناها معنى "ليس"، مثل: ما إنْ الضعف محمود، أما وقوعها بعد "ما" الحجازية فيبطل عملها.
(حـ) قد يقع بعد خبر "ليس" و "ما" معطوف مشتق، له أحكام مختلفة تجئ فى "ب" من ص 554.
زال: تدل بذاتها على النفى، وعدم وجوج الشئ؛ من غير أن تحتاج فى هذه الدلالة للفظ آخر؛ فإذا وجد قبلها نفى أو شبهه (وهو النهى والدعاء) انقلبت معناها للإثبات؛ مثل: ما زال العدو ناقماً. أى: بقى واستمر ناقماً. وفى هذه الحالة تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى الخبر اتصافاً مستمرًّا لا ينقطع، أو مستمرًّا إلى وقت الكلام، ثم ينقطع بعده بوقت طويل أو قصير؛ كل ذلك على حسب المعنى. فمثال المستمر الدائم: ما زال الله رحيماً بعباده - ما زال الفير كبير الأذنين. ومثال الثانى: لا يزال الحارس واقفاً. لا يزال الخطيب متكلماً.
ومثالها مع النهى: لا تزَلْ بعيداً عن الطغيان. ومع الدعاء (وأدواته هنا: "لا"، أو: "لن") لا زال الخير منهمراً عليك فى قابل أيامك - لا يزال التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك من مكايد...، بشرط أن يكون القصد من كل ذلك الدعاء للمخاطب...
ولا تستعمل زال تامة... ويشبهها فى الدلالة على النفى بذاتها، وصيغتها، وفى اشتراط أداة نفى قبلها، أو شبهه للعمل - أخوات لها فى هذا، هى: (فتئ - برح - انفك وسيأتى الكلام على الثلاثة).
شروط إعمالها:
1- يشترط فيها الشروط العامة.
2- أن يسبقها نفى أو نهى أو دعاء؛ كالأمثلة التى سبقت. ولى فرق فى النفى بين أن يكون ظاهراً؛ مثل: لا زال الغِنى ثمرة الجدّ، وأن يكون مقدراً لا يظهر فى الكلام، ولكن المعنى يكشف عنه، والسياق يرشد إليه؛ مثل: تالله يزال الشحيح محروماً متعة الحياة حتى يموت. أى: تالله لا يزال. وحذف النفى قياسى بشرط أن يكون بالحرف: "لا" وأن يكون الفعل مضارعاً فى جواب قسم.
3- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ فلا يصح: ما زال المسافر غاب: لأن زال تفيد مع معموليها استمرار المعنى إلى وقت الكلام ثم ينقطع بعده - كما سبق - أولا ينقطع. والخبر إذا وقع جملة فعلية ماضوية كان منافياً هذا، ومعارضاً له: لدلالته على الماضى وحده دون اتصال بالحال أو المستقبل.
4- ألا يقع خبرها بعد: "إلا"؛ فلا يصح ما زال النجم إلا بعيداً: لأن النفى نقِضَ وزال بسبب: "إلا".
5- أن يكون مضارعها هو: "يزال" التى ليس لها مصدر مستعمل. أما: "زال" التى مضارعها: "يَزيل" ومصدرها "زَيْل" - فليست من الأفعال الناسخة، وإنما هى فعل تام، متعد، إلى مفعول به، ومعناها: مَيزَ وفصَل. تقول "زال" التارج بضاعته زَيلا: أى: ميَّزَها وفصَلها من غيرها. وذلك "زال" التى مضارعها: "يزول" ومصدرها" "الزوال" فإنها ليست من النواسخ؛ وإنما هى فعل لازم، معناه: هلك وفَنِىَ... مثل: زال سلطان الطغاة زوالا؛ بمعنى: هَلَكَ وفَنِىَ هلاكاً، وفناء. وقد يكون معناها: انتقل من مكانه، مثل: زال الحجر؛ أى: انتقل من موضعه...
وسيجئ آخر هذا الباب حكم خاص بخبرها المنفى، وخبر أخواتها عند الكلام على الأخبار المنفية عامة.
فتئ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها. إلا الأخير؛ - لاختلاف المضارع فيهما وإلا وقوع: "فتئ" تامة فى بعض الأساليب - دون زوال - ومنها: فتئ الصانع عن شئ. بمعنى: نسيه.
برح: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها، إلا الأخير؛ لاختلاف المضارع فيهما؛ وإلا وقوع "برح" تامة؛ مثل قوله تعالى: {وإذْ قالَ موسى لفتاه لا أبْرَحُ...}، أى: لا أذهب، ولا أنتقل.
انْفَكَّ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها إلا فى الشرط الأخير؛ لاختلاف المضارع فيها. وإلا استعمال. "انفك" تامة، بمعنى: انفصل؛ مثل: فككتُ حلَقَات السلسلة فانفكت، أى: انفصلت...
دام: تفيد مع معموليها استمرار المعنى الذى قبلها مدة محددة؛ هى مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها؛ نحو: يفيد الأكل ما دام المرء جائعاً: ويضر ما دام المرء ممتلئاً. ففائدة الأكل تدوم بدوام وقت معين، محدد، هو: وقت جوع المرء. والضرر يدوم كذلك بدوام وقت معين، محدود، هو: وقت الامتلاء، ولا بد فى دوام ذلك الوقت المحدد من أن يستمر ويمتد إلى زمن الكلام.
شروط إعمالها:
1- يشترط فيها الشروط العامة.
2- أن تكون بلفظ الماضى - فى الرأى الأرجح - وقبلها ما المصدرية الظرفية. وإذا أسندت لضمير رفع متحرك وجب ضم الدال، وحذف الألف.
3- أن يسبقهما معاً كلام تتصل به اتصالا معنويًّا، بشرط أن يكون جملة فعلية مضارعية.
4- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ لأن دام مع معموليها تفيد استمرار المعنى إلى وقت الكلام، والجملة الماضوية تفيد انقطاعه فيقع التنافى.
5- ألا يتقدم خبرها عليها وعلى "ما"؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية لا يسبقها شئ من صلتها التى تسبك معها بمصدر. أما توسطه بينها وبين "ما" فجائز.
ومما سبق نعلم أن جميع أفعال هذا الباب تستعمل ناقصة وتامة إلا ثلاثة أفعال تلتزم النقص؛ وهى: فتئ - زال - ليس - كما نعلم أن كل فعل ناقص (ناسخ) لا يعمل إلا بشروط مفصَّلة؛ فلا يكفى الاقتصار على ما يذكره كثير من النحاة من تقسيم هذه الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام مجْملة؛ بحسب ما يلزم لها من شروط أولا يلزم، حيث يقولون:
(ا) قسم يعمل بدون شرط وهو ثمانية أفعال:
كان - أصبح - أضحى - أمسى - ظل - بات - صار - ليس.
(ب) قسم يعمل بشرط أن يسبقه نفى، أو شبه نفى، وهو أربعة أفعال: زال - برح - فتئ - انفك.
(حـ) قسم يعمل بشرط أن يسبقه "ما" المصدرية الظرفية وهو فعل واحد: "دام"... لأن هذا التقسيم غير سلم، لاعتباره القسم الأنول غير محتاج إلى شروط، ولأنه ترك فى القسمين الأخيرين شروطاً هامة لا يصح أهمالها. وقد عرفنا تفصيلها.
بقى أن نعود إلى مسألة أشرنا إليها من قبل؛ هى: أن النسخ ليس مقصوراً على الأفعال الماضية وحدها، بل يشمهلا ويشمل ما قد يكون معها من مشتقات إنْ وجدت؛ فتعمل بالشروط التى للماضى.
وتفصيل هذا أن الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام:
(ا) قسم جامد، أى: لا يتصرف مطلقاً، ولا يوجد منه غير الماضى، وهو فعلان: "ليس بالاتفاق، و "دام" فى أشهرها الآراء.
(ب) قسم يتصرف تصرفاً شِبْه كامل؛ فله الماضى، والمضارع، والأمر، والمصدر، واسم الفاعل، دون اسم المفعول وباقى المشتقات؛ فإنها لم ترد فى استعمال الفصحاء؛ وهو سبعة: (كان - أصبح - أضحى - أمسى - بات - ظل - صار) فمن أمثلة "كان" للماضى: كان الوفاء شيمةَ الحر، وللمضارع: يكون الكلامُ عنوانَ صاحبه، وللأمر: كونوا أنصار الله. وللمصدر قول العرب: كوْنك شريفاً مع الفقر خير من كونك دنيئاً مع الغنى. وقول الشاعر:
*ببذلٍ وحلم سادَ فى قوْمهِ الفتى * وكَوْنُكَ إيَّاهُ عليكَ يسيرُ*
ولاسم الفاعل:
*وما كلُّ من يبَدِى البشاشة كائناً * أخاكَ إذَا لم تُلْفِه لكَ مُنْجدَا*
وهكذا. وبقية الأفعال السبعة مثل "كان" فى هذا لتصرف الشبيه بالكامل والذى يسمونه أحياناً: "الكامل نسبيًّا".
(حـ) قسم يتصرف تصرفاً ناقصاً؛ وهو الأربعة المسبوقة بالنفى، أو شبهه (أى: زال - برح - فتئ - انفك) فهذه الأربعة ليس لها إلا الماضى، والمضارع، واسم الفاعل؛ مثل: لا زالت الأمطارُ موردَ الأنهار. ولا تزال الأنهارُ عمادَ الحياة. وليس النيل زائلاً عمادَ الزراعة فى بلادنا.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 43: الترتيب بين الناسخ ومعموليه. )


الترتيب - فى هذا الباب - واجب بين الناسخ واسمه؛ فلا يجوز تقديم الاسم على عامله. أما الخبر فإن كان جملة خالية من ضمير يعود على اسم الناسخ، فالأحسن تأخيره عن الناسخ واسمه؛ ذلك لأن تقدمه - فى هذه الصورة - على الناسخ أو توسطه بين الناسخ واسمْه، غير معروف فى الكلام العربى الفصيح.
ويجب تأخيره عنهما إن كان جملة مشتملة على ضمير يعود على اسم الناسخ؛ كالضمير الذى فى الجملة الفعلية: "تُوسعه" من قول أعرابى ينصح صديقه: "دَعْ ما يسْبق إلى القلوب إنكارُه، وإن كان عندك - اعتذارُه فليس من حكى عنك نُكْراً تُوسِعُهُ فيك عُذرا".
وأما الخبر الذى ليس جملة (وهو المفرد وشبه الجملة) فله ست حالات:
الأولى: وجوب التأخر عن الاسم، وذلك:
1- حين يترتب على التقديم لبْس لا يمكن معه تمييز أحدهما من الآخر نحو: كان شريكى أخى - صار أستاذى رفيقى فى العمل - باتت أختى طبيبتى... فلو تقدم الخبر لأوقع فى لبس لا يظهر معه الاسم من الخبر. والفرق بينهما كبير؛ لأن أحدهما محكوم عليه؛ وهو: الاسم، والآخر محكوم به، وهو: الخبر.
2- حين يكون الخبر واقعاً فيه الحصر؛ كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ نحو: ما كان التاريخ إلا هادياً. أو "بإنما"؛ مثل: إنما كان التاريخ هادياً؛ لأن المحصور فيه: "بإلا" يجب اتصاله بها متأخراً عنها، والمحصور فيه: "بإنما" يجب تأخيره. فلو تقدم المتأخر فى الصورتين تغير المقصود، وفات الغرض الهام من الحصر.
الثانية: وجوب التقدم على الاسم فقط، (فيتوسط الخبر بينه وبين العامل الناسخ) وذلك حين يكون الاسم مضافاً إلى ضمير يعود على شيء متصل بالخبر؛ مع وجود ما يمنع تقدم الاسم على الأداة؛ مثل يعجبنى أن يكون للعملِ أهلُه فلا يصح: (يعبجنى أن يكون أهلُه للعمل)؛ لما فى هذا من عود الضمير على متأخر لفظاص ورتبة، وهو ممنوع فى مثل هذا.
الثالثة: وجوب التقدم على العامل الناسخ وذلك حين يكون الخبر اسماً واجب الصدارة؛ كأسماء الاستفهام و "كم" الخبرية... نحو: أين كان الغائب؟ وقو الشاعر:
*وقد كان ذِكْرى للفِراق يُرُوعبُنى * فكيف أكونُ اليوم؟ وهو يقينُ*
الرابعة: وجوب التوسط بين العامل الناسخ واسمه، أو التأخر عنهما معاً؛ وذلك حين يكون العامل مسبوقاً بأداة لها الصدارة، ولا يجوز أن يفصل بينها وبين العامل الناسخ فاصل. ومن أمثلته: الاستفهام "بهل" فى: هل أصبح المريض صحيحاً؟ فيجب تأخره كهذا المثال، أو توسطه فنقول. هل أصبح صحيحاً المريض.
الخامسة: وجوب التوسط بين الناسخ واسمه، أو التقدم عليهما، وذلك:
1- حين يكون الاسم مضافاً لضمير يعود على شئ متصل بالخبر؛ فمثال التوسط: أمسى (فى البستان) حارسه، وبات (مع الحارس) أخوه. ومثال التقدم عليهما: فى البستان أمسى حارسه، ومع الحارس بات أخوه. فقد توسط الخبر أو تقدم؛ لكيلا يعود الضمير الذى فى الاسم على شئ متأخر لفظاً ورتبة، وهو لا يجوز هنا.
2- حين يكون الاسم واقعاً فيه الحصر كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ فمثال التوسط؛ ما كان حاضراً إلا على، ومثال التقدم على العامل ما حاضراً كان إلا على: لأن تقديم المحصور فيه يفسد الحصر.
السادسة: جواز الأمور الثلاثة (التأخر، والتقدم على العامل، والتوسط بينه وبين الاسم) فى غير ما سبق؛ نحو: كان الخطيب مؤثراً. أو كان مؤثراً الخطيبُ، أو مؤثراً كان الخطيب. ومثله: كان خلقُ المرء سلاحَه، ويجوز: كان سلاحَه خلقُ المرءِ، كما يجوز: سلاحَه كان خلقُ المرء.
فأحوال الخبر الستة تتلخص فيما يأتى إذا كان غير جملة:
1- وجوب تأخيره عن الناسخ واسمه معها.
2- وجوب تقديمه عليهما معا.
3- وجوب توسطه بينهما.
4- وجوب تقديمه على العامل الناسخ أو التوسط بينه وبين الاسم.
5- وجوب توسطه، أو تأخره.
6- جواز تأخره، أو تقدمه، أو توسطه.
وتلك الأحوال والأحكام تنطبق على جميع أخبار النواسخ فى هذا الباب إلا الأفعال التى يشترط لإعمالها أن يسبقها نفى، أو شبهه، وإلا "دام" التى يشترط لإعمالها أن يسبقها "ما" المصدرية الظرفية، وإلا "ليس" كما سبقت الإشارة إليها. فهذه ثلاثة أشياء لكل واحد منها صور ممنوعة، وإليك البيان.
فأما الأفعال التى يشترط أن يسبقها نفى أو شبهه فتنطبق عليها الأحكام السابقة إلا حالة واحدة هى وجود النافى "ما"، فلا يجوز تقديم الخبر عليه؛ لأن "ما" النافية لها الصدارة كما سبق؛ فلا يصح: متكلماً ما زال محمود، ولكن يصح تقدمه على العامل الناسخ وحده دون حرف النفى: "ما" فيصح: ما متكلماً زال محمود. كما يصح تقدمه على حروف النفى الأخرى؛ (مثل: لا، ولم، ولن...) أما بقية الصور الأخرى من التقديم والتأخير فشأن هذه الأفعال التى لا تعمل إلا بسبق نفى أو شبهه، كشأن غيرها.
وأما "دام" فتنطبق عليها الأحوال والأحكام السابقة إلا حالة واحدة لا تجوز؛ وهى تقدم الخبر عليها وعلى "ما" المصدرية الظرفية، ففى مثل: "سأبقى فى البيت ما دام المطر منهمراً" لا يصح أن يقال: (سأبقى فى البيت منهمراً ما دام المطر)؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية لا يصح أن يتقدم عليها شئ من الجملة التى بعدها (وهى الجملة التى تقع صلة لها) لكن يجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها فيتوسط بينها وبين "ما" المذكورة؛ ففى المثال السابق يصح أن نقول: سأبقَى فى البيت ما منهمراً دام المطر. وفى مثل؛ اقرأ فى الكتاب ما دامت النفس راغبة؛ لا يصح أن نقول: اقرأ فى الكتاب راغبةً ما دامت النفس، ويصح أن نقول، اقرأ فى الكتاب ما راغبةً دامت النفس... وهكذا.
وأما "ليس" فتنطبق عليها جميع الأحوال والأحكام السابقة أيضاً إلا حالة واحدة وقع فيها الخلاف بين النحاة وهى الحالة التى يتقدم فيها الخبر عليها؛ ففريق منع، وفريق أجاز والاقتصار على المنع أوْلى.
زيادَة وتفصيل:
(ا) عرفنا مما تقدم حكم الخبر المفرد وشبه الجملة، من حيث تقدمه وحده على عامله الناسخ، أو توسطه بينه وبين اسمه، أو تأخره عنهما، وبقى للموضوع بقية تتصل بتقديم معمول هذا النوع من الأخبار على عامل الخبر؛ وهى أن الخبر يمتنع تقديمه وحده على الناسخ إذا كان الخبر قد رفع اسماً ظاهراً؛ ففى مثل: "كان الرجل نبيلا مقصدُه" و "بات المغنى ساحراً صوته" لا يصح: "نبيلا كان الرجل مقصدُه" - ولا ساحراً بات المغنى صوته؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر وحده دون معموله المرفوع - كما قلنا - فإن تقدم مع معموله المرفوع جاز؛ فيصح: "نبيلا مقصدُه كان الرجل". "ساحراً صوته بات المغنى" فإن كان معمول الخبر منصوباً نحو: "أضحى الرجل راكباً الطيارةَ" جاز تقديم الخبر وحده على العامل الناسخ لكن مع قبح. نحو: الطيارةَ أضحى الرجل راكباً.
وإن كان المعمول ظرفاً أو جارًّا مع مجروره جاز تقديم الخبر وحده بغير قبح، ففي مثل؛ ظل الفتى عاملا يوماً، وأمسى قرير العين فى بيته - يقال: يوماً ظل الفتى عاملا، وفى بيته أمسى قرير العين.
(ب) يتصل بمسألة تقديم معمول الخبر مسألة توسط هذا المعمول بين الناسخ واسمه، ففى مثل: كان القادم راكباً سيارة: وكان المسافر راكباً سفينة... نعرب كلمة: "سيارة" وكلمة: "سفينة" - وأمثالهما - مفعولا به لخبر: "كان" فكل واحدة منهما معمولة لذلك الخبر، وليست معمولة للفعل "كان". فهل يجوز تقديم ذلك المعمول وحده على الاسم بحيث يتوسط بينه وبين كان؛ فنقول: كان سيارةً القادمُ راكباً؟ وكان سفينةً المسافرُ راكباً؟ لا يجوز ذلك، لأنه مخالف للنهج العام الذى تسير عليه الجملة العربية فى نظام تكوينها المأثور، وطريقة ترتيب كلماتها. وذلك النهج يقتضى ألا يقع بعد العامل - مباشرةً معمل لغيره، مثل: أقبل القطار يحمل الركاب، نعرب كلمة: "الركاب" مفعولا به للفعل: "يحمل" وهذا الفعل هو، عاملها؛ فهى وثيقة الصلة به، وليست أجنبية منه، فلا يصح أن نقدمها ونضعها بعد عامل آخر؛ هو: "أقبل" لأنها أجنبية عنه؛ فلو قلنا: أقبل الركابَ الواردفى تركيب الجملة؛ وهو النسق الذى تدل عليه تلك القاعدة العامة التى أشرنا إليها، والتى ملخصها: "أنه لا يجوز أن يلى العامل - مباشرة - معمول لعامل آخر". أو: "لا يصح أن يلى العامل - مباشرة - معمولٌ أجنبي عنه".
ولا فرق فى المعمول التقدم بين أن يكون معمولا الخبر "كان"، أو لغيرها من النواسخ، وغير النواسخ، ولا بين أن يكون المعمول مفعولا أو غير مفعول... إلا الظرف والجار مع مجروره، فإنه يجوز أن يلى عاملا آخر غيرَ عامله. والقاعدة - كما أسلفنا - لا تختص بعامل، ولا تقتصر على معمول، وهى مستمدة من الأساليب الكثيرة الفصيحة وعلى أساسها بنى الحكم السابق.
هذا إذا تقدم المعمول وحده بدون الخبر كالأمثلة السابقة، أو تقدم ومعه الخبر، وكان المعمول هو السابق على الخبر؛ ففى مثل: كان الطالبُ قارئاً الكتاب، لا يصح أن يقال: كان الكتابَ الطالبُ قارئاً. أما لو تقدما معاً وكان الخبر هو السابق فالأحسن الأخذ بالرأى الذى يبيحه؛ لمسايرته الأساليب الفصيحة المأثورة فيصح أن نقول: كان قارئاً الكتابَ الطالبُ.
غير أن هناك حالة واحدة يصح فيها تقديم معمول الخبر وحده، أو مع الخبر، متقدماً عليه، أو متأخراً عنه؛ هى - كما سبق -: أن يكون المعمول شبه جملة (أى: ظرفاً، أو: جارا مع مجروره)، نحو: بات الطير نائماً على الأشجار؛ وأصبح الطَّلُّ متراكما فوق الغصون، فيصح أن يقال: بات على الأشجار الطيرُ نائماً - وأصبح فوق الغصون الطّلّ متراكما... وهكذا. وقد وردت أمثلة قليلة مسموعة تقدم فيها معمول الخبر وحده، مع أنه ليس شبه جملة؛ فتناولها النحاة بالتأويل والتكلف لإدخالها تحت قاعدة عامة تصونها من مخالفة القاعدة السابقة. والأحسن إغفال ما قالوه، - إذ لا يرتاح العقل إليه - والحكم على تلك الأمثلة القليلة بالشذوذ؛ فلا يصح القياس عليها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 44: زيادة "كان" وبعض أخواتها. )


"كان" ثلاثة أنواع: تامة، وناقصة، وقد عرفناهما - وزائدة، وقعت فى كثير من الأساليب المأثورة بلفظ الماضى، مع توسطها بين شيئين متلازمين؛ كالمبتدأ والخبر فى مثل: القطار - كان - قادم. أو الفعل والفاعل فى مثل: لم يتكلم - كان - غيرُك، أو الموصول وصلته فى مثل: أقبل الذى - كان - عرفته، أو الصفة والموصوف فى مثل: قصدتُ لزيادة صديقٍ - كان - مريض، أو المعطوف والمعطوف عليه فى مثل: الصديق مخلص فى الشَّدة - كان - والرخاءِ، أو حرف الجر ومجروره فى مثل: القلم على - كان - المكتبِ، أو بين "ما" التعجبية وفعل التعجب فى مثل: ما - كان - أطيبَ كلامَك، وما - كان - أكرمَ فعلكَ... وقول الشاعر:
*ما كان أسعدَ مَن أجابك آخذًا * بهداك، مجتنباً هَوًى وعِنادا*
وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع قليلا مع توطسه بين شيئين متلازمين فى مثل؛ أنت - تكون - رجلٌ نابهُ الشأن... غير أن هذه القلة لم تدخل فى اعتبار النحاة؛ فقد اشترطوا للحكم بزيادة: "كان" شرطين؛ أن تكون يصيغة الماضة، وأن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، على الوجه السالف.
لكن إذا وقت: "كان" زائدة، فما معنى زيادتها؟ وكيف نعربها؟ وأقياسيه تلك الزيادة، أم الأمر مقصور فيها على السماع؟
أما معنى زيادتها فأمران؛ أولهما؛ أنها غير عاملة، فلا تحتاج إلى معمول من فاعل، أو مفعول أو اسم وخبر، أو غيرهما؛ إذ ليس لها عمل؛ ليست معمولة لغيرها. وهذا شأن لك فعل زائد.
وثانيهما: أن الكلام يستغنى عنها، فلا ينقص معناه بحذفها. لا يخفى المراد منه، وكل فائدتها أنها تمنح المعنى الموجود قوة، وتوكيداً؛ فليس من شأنها أن تُحدِث معنى جديداً، ولا أن تزيد فى المعنى الموجود شيئاً إلا التقوية. فحين نقول: الوالد عطوف، فإننا نريد من هذه الجملة نسبة العطف والحنان إلى الوالد، وإلصاقهما بذاته: فلو قلنا؛ والله الوالدُ عطوف. أو، إن الولد عطوف... لم يزد المعنى شيئاً، ولم ينقص؛ ولكنه استفاد قوة وتمكناً؛ بسبب القسَم، أو: "إنّ" وأشباههما. ومثل هذا يحصل من زيادة "كان" حين نقول: الوالد - كانض - عطوفٌ. وفرق كبير بين كلمة تنشئ معنى جديداً، أو تزيد فى المعنى القائم، وكلمة أخرى لا تنشئ معنى جديداً ولا تزيد فى المعنى الموجود، ولكنها تقتصر على تأكيده وتقويته. لهذا تجردت كلمة: "كان" عند زيادتها من الحدث الذى يكون فى الفعل؛ فلا تحتاج إلى فاعل، ولا إلى اسم، وخبر، ولا لشئ آخر مطلقاً؛ لأن الذى يحتاج لذلك إنما هو الفعل الذى له حَدَث، ومنه: "كان" التامة أو الناقصة. أما الزائدة فمخالفة لهما فى ذلك؛ فهي مقصورة على نفسها حين تكون بصيغة الماضى.
والراجح أنها تدل على الزمن الماضى إذا كانت بصيغته. ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ فى مثل: ما - كان - أحسنَ صنيعك، وما - كان - أرَقّ حديثَك؛ فإنها فى هذه الصورة تدل على الزمن الماضى، إذ المراد أن الحسن والرقة كانا فيما مضى ولا تدل على غيره، ولا تحتاج لفاعل، ولا لشئ آخر، كما لا يحتاج عامل ليؤثر فيها.
أما قياسية استعمالها أو الاقتصار فيها على السماع فالأنسب الأخذ بالرأى القائل بقياسيتها فى التعجب وحده، دون غيره من باقى الحالات؛ منعاً للخلط، وفِراراً من سوء الاستعمال، وهذان عيبان يتوقاهما الحريص على لغته، الخبير بأسرارها.
وقد وردت زيادة بعض أخواتها، كأصبح، وأمسى، فى قولهم: الدنيا ما أصبحَ أبْرَدَها، وما أمسى - أدْفأها. يريدون: ما أبردها وما أدفاها... والأمر فى هذا وأشباهه مقصور على السماع لا محالة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 45: حذف "كان". وحذف المعمولين. )


ليس بين "كان" وأخواتها ما يجوز حذفه وحده، أو مع أحد معموليه، أو معموليه معاً - إلا: "ليس" "وكان". فأما "ليس" فيجوز حذف خبرها على الوجه الذى شرحناه عند الكلام عليها.
وأما "كان" فقد اختصت - وحدها - من بين أخواتها بأنها تعمل وهى مذكورة أحياناً، أو محذوفة أحياناً أخرى. والأصل أن تذكر مع معموليها ليقوم كل واحد من الثلاثة بنصيبه فى تكوين الجملة وتأدية المعنى المراد. لكن قد يطرأ على هذا الأصل ما يقتضى العدول عنه، لأسباب بلاغية تدعو إلى حذف واحد أو أكثر.
وصور الحذف أربعة؛ حذف "كان" وحدها، أو حذفها مع اسمها فقط، أو حذفها مع خبرها فقط، أو حذفها مع معموليها. وهذه الصور الأربع شائعة فى الكلام الفصيح شيوعاً متفاوتاً يبيح لنا محاكاته، والقياس عليه. (ومن تلك الصور صورتان تحذف: "كان" فيهما وجوباً، لوجود عِوَض عنها؛ كما سنعلم).
وبقى حذف خبرها وحده أو اسمها وحده، وكلاهما وهذا ممنوع فى الرأى الأصح عند جمهرة النحاة.
1- فأما حذفها وحدها دون معموليها أو أحدهما فبعد "أنْ" المصدرية فى كل موضع أريد فيه تعليل شئ بشئ؛ مثل: "أمَّا أنت غنيًّا فتَصَدَّقْ"؛ فأصل هذه الجملة فيما يتخيلون لتوضيحها، تَصَدَّقْ؛ لأنْ كنتَ غنيًّا. ثم حذفت اللام الجارة، تخفيفاً؛ لأن هذا جائز وقياسى قبل "أنْ"؛ فصارت الجملة: تَصدقْ أنْ كنتَ غنيًّا. ثم تقدمت "أنْ" وما دخلت عليه (أى: تقدمت العلة على المعلول) فصارت الجملة: "أنْ كنتَ غنيًّا تصدَّقْ". ثم حذفت: "كان" وأتينا بكلمة: "ما" عوضاً عنها، وأدغمناها فى "أنْ"؛ فصارت: "أمَّا". والحذف هنا واجب، لوجود العِوَض عن "كان". وبقى اسم "كان" بعد حذفها؛ وهو: تاء المخاطب. ولما كانت التاء ضميراً للرفع متصلا؛ لا يمكن أن يستقل بنفسه - أتينا بدله بضمير منفصل، للرفع، يقوم مقامه، ويؤدى معناه؛ وهو: "أنت" فصارت الجملة: أما أنت غنيًّا فتصَدقْ. ثم زيدت: "الفاء" فى المعلول؛ فصارت الجملة: أما أنت غنيا فتصَدقْ. ومثلها: أما أنت قويًّا فاعملْ بجدّ. وأما أنت شابًّا فحافظ على شبابك بالحكمة...
ويجب عند محاكاة هذا الأسلوب - اتباع طريقته فى تركيب الجملة، وترتيبها، ولا سيما مراعاة الخطاب.
2- وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وكثير بعد "إنْ" و لوْ" الشرطتين، فمثاله بعد "إنْ": المرء محاسَب على عمله؛ إنْ خيراً يكن الجزاءُ خيرًّا، وإن شرًّا؛ فالأصل: المرء محاسب على عمله؛ إن كان العمل خيراً يكنْ الجزاء خيراً، وإن كان العمل شرًّا؛ فقد حذفت "كان" مع اسمها.
ومثال حذفهما "لو" الشرطية: تعود الرياضةَ ولو ساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاقَ ولو برهةً قصيرة. فالأصل: تعود الرياضة ولو كانت الرياضةُ ساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاق، ولو كان الإربهاق برهةً قصيرة... فحذفت "كان" مع اسمها وبقى الخبر.
3- وأما حذفها مع خبرها دون اسمها فجائز - مع قلته، بالنسبة للحالة السالفة - بعد: "إنْ" و "لو" الشرطيتين أيضاً؛ فمثاله بعد "إنْ": المرءُ محاسَبٌ على عمله؛ إنْ خيرٌ فخيرٌ وإن شرٌّ فشرٌّ. الأصل: المرء محاسب على عمله؛ إن كان فى عمله خيرٌ فجزاؤه خير، وإن كان فى عمله شرٌّ فجزاؤه شر... ومثاله بعد "لو": أطعم المسكينَ ولو رغيفٌ. أى: ولو كان فى بيتكم رغيف، أو: ولو يكون عندكم رغيف.
4- وأما حذفها مع معموليها فواجب بعد "إن الشرطية" أيضاً، ولكن فى أسلوب معين، مثل: "اذهب إلى الريف صَيفاً، إمَّا لاَ". والأصل: "اذهب إلى الريف صيفاً إن كنت لا تذهب إلى غيره". حُذِفت "كان" وهى فعل الشرط، مع اسمها، ومع خبرها، دون حرف النفى الذى قبله، وأتينا بكلمة: "ما" عِوَضاً عن "كان" وحدها؛ وبسبب العِوَض كان حذفها واجباً؛ فلا تجتمع مع كلمة: "ما". وأدغمت فيها النون من "إنْ" الشرطية؛ فصار الكلام: "إمَّا لا". وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، وتقديره: "فافعل هذا".
ومثل ما سبق أن تقول لآخر: "ساعد المحتاج ببعض المال"؛ فيجيب: "ليس عندى ما يزيد على حاجتى". فتقول: "ساعده بالمعاملة الكريمة إما لا". فأصل الكلام: ساعده بالمعاملة الكريمة إن كنت لا تملك غيرها... وجرى على الجملة من الحذف والتقدير ما جرى على سابقتها، مما يفترضونه للتيسير والإيضاح كما بيناه...
وحذف "كان" هنا واجب كما سلف؛ لوجود عِوَض عنها؛ فهو الموضع الثانى من موضعَى الحذف الواجب بسبب العوض، ولا يصح الجمع بين العوَض، والمعَوَّض عنه - والموضع الأول بعد "أن" المصدرية السابقة - أما فى غيرهما فالحذف جائز.
ومن الأمثلة الشائعة لحذف كان مع معموليها - بعد "إنْ" من غير تعويض؛ قولك لآخر: أتسافر وإن كان البرد شديداً؟ فيجيب: نعم، وإنْ... أى: أسافر وإن كان البرد شديداً. ومثله: أتعطى السائل وإن كان أجنبيًّا؟ فتجيب: وإنْ... أى: أنا أعطيه، وإن كان أجنبيًّا.
ومما سبق نعلم: أنّ "كان" تحذف جوازاً فى حالتين، ووجوباً فى حالتين أخْرَيَيْنِ، تجئ "ما" عوضاً عنها فى كل منهما، ولا يجوز إرجاع "كان" مع وجود العوَض عنها فى حالتى حذفها وجوباً. أما فى الحالتين الجائزتين فحذفها وإرجاعها سواء.
زيادة وتفصيل:
(ا) ورد فى الكلام القديم حذف كان مع اسمها بعد: "لَدُن": كأن يسألك سائل: متى كان الاجتماع؟ فتجيب: يومَ الخميس من لَدُن عصراً إلى المغرب. أى؛ من زمن كان الوقتُ عصراً إلى المغرب... وهذا حذف لا يقاس عليه. وإنما عرضناه هنا لِيُفْهَم حين يرد فى كلام القدماء.
(ب) قد وردت كان وحدها محذوفة فى كلام قديم مع بقاء اسمها وخبرها ومنه:
*أزمانَ "قومى" والجماعةَ كالذى * لَزم الرَّحالةَ أنْ تميل مَمِيلاً*
أى: أزمان كان قومى مع الجماعة. فكلمة: "قوم" اسم "كان" المحذوفة و "الجماعة" مفعول معه، و "كالذى" خبرها. والسبب فى تقدير "كان" أن المفعول معه لا يقع - فى الأكثر - إلا بعد جملة مشتملة على لفظ الفعل وحروفه، أو على معناه دون حروفه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 46: حذف النون من مضارع: "كان" )


إذا دخل جازم على الفعل المضارع من: "كان" فإنه: يجزمه، وتُحذَف الواو التى قبل النون. نحو: لَمْ أكنْ من أعوان الشر، ولم تكُنْ من أنصاره، وكقول علىّ: لا تكُنْ عبد غيرك، وقد جعلك الله حرًّا. وأصل الفعل بعد الجازم: لَمْ أكونْ - لم تكونْ - لا تكونْ فهو مجزوم بالسكون على النون؛ فالتقى ساكنان؛ الواو والنون؛ فحذفت الواو - وجوباً - للتخلص من التقائهما؛ فصار الفعل؛ لم أكُنْ - لم تكْنْ - لا تَكُنْ... ومثل هذا يقال فى الفعل: "يكنْ" من قول القائل:
*إذا لم يكُنْ فيكُنّ ظلٌّ ولا جنًى * فأبْعدَ كُنًّ اللهُ من شجراتٍ*
ويجوز بعد ذلك حذف النون: تخفيفاً؛ فنقول: لم أكُ - لم تَكُ، وكقول الشاعر:
*فإنْ أكُ مظلوماً فعَبْدٌ ظلمتَهُ * وإنْ تكُ ذا عُتْبَى فمِثْلُكَ يُعتِبُ*
وهذا الحذف جائز كما قلنا؛ سواء أوقع بعدها حرف هجائى ساكن؛ نحو: لم أكُ الذى ينكر المعروف، ولم تكُ الصاحبَ الجاحدَ - أم وقع بعدها حرف هجائى متحرك، نحو: لم أك ذا مَنّ، ولم تكُ مصاباً به. إلاّ إن كان الحرف المتحرك ضميراً متصلا فيمتنع حذف النون؛ نحو: الشبَحُ المقبل علينا يُوحى بأنه صديقى الغائب؛ فإن يَكُنْهُ فسوف نسعد بلقائه، وإن لم يَكنْهُ فسوف نأسف. أى: إن يكن إياه... وإن لم يكن إياه.
وتسرى الأحكام السالفة على المضارع الذى ماضيه "كان" الناقصة، كالأمثلة التى سبقت، والذى ماضيه "كان" التامة؛ نحو: صفا الجو، واعتدل، فلم تكن سحب، ولم يكن برد... بإثبات النون أو حذفها. أى: لم توجد سحب... و...
وبهذه المناسبة نشير إلى أمرين:
أولهما: ما تقتضيه القواعد اللغوية من حذف "الألف" من عين الفعل: "كان"، ومن حذف "الواو" من عين مضارعه وأمره، بشرط أن تكون الأفعال الثلاثة ساكنة الآخر؛ كقوله تعالى: {كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس}. وقوله تعالى: {إنْ يَكنْ منكم عشرون صابرون يَغلبوا مائتين} وقوله تعالى {بَلْ اللهَ فاعبدْ، وكنْ من الشاكرين}. وقول الشاعر: *إِذا كنتَ ذا رأىٍ فكنْ ذا عزيمةٍ * فإِنَّ فسَادَ الرأى أَنْ تَتَرَدَّدَا*
ثانيهما: وجوب ضم الكاف من الماضى عند إسناده لضمير رفع متحرك، كما فى بعض الأمثل السالفة، وتطبيقاً للبيان الذى سبق من قبل.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب النواسخ - "كان" وأخواتها ) ضمن العنوان ( المسألة 47: نفى الأخبار فى هذا الباب. )


إذا دخلت أداة نفى على فعل من أفعال هذا الباب (غير "ليس"، و "زال" وأخواتها الثلاثة) فإن النفى يقع على الخبر؛ فتزول نسبته الراجعة إلى الاسم؛ ففى مثل: ما كان السارق خائفاً - وقع النفى على الخوف، وسُلبتْ نسبته الراجعة إلى السارق؛ فإذا أردنا إثبات هذا الخبر، وجعل نسبته موجبَة مع وجود أداة النفى - أتينا قبله بكلمة: "إلاّ" فنقول: ما كان السارق إلا خائفاً؛ لأنها تنقض معنى النفى، وتزيل أثره عن الخبر متى اقترنت به. وفى مثل قول الشاعر:
*لم يك معروفك برْقاً خُلَّبًا * إن خير البرقِ ما الغيثُ مَعَهْ*
وقع نَفْى خَلاَبة البرق على المعروف. فإذا أريد إثباتها قيل: لم يك معروفك إلا برقاً خُلَّبًا. كل هذا بشرط ألا يكون الخبر من الكلمات التى ينحصر استعمالها فى الكلام المنفى وحده، مثل: يَعِيج؛ فإن كان منها لم يجز اقترانه بكلمة: "إلا"؛ ففى مثل: ما كان المريض يَعِيج بالدواء، لا يقال: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء. وفى: ما كان مثلُك أحدا، لا يقال: ما كان مثلُك إلا أحداً.
فإن كان الفعل الناسخ هو: "ليس" (وهى معدودة من أدوات النفى) فالحكم لا يتغير (من ناحية أن المنفى بها هو الخبر، وأنه إذا قصد إيجابه وبقاء نسبته إلى الاسم وضعنا قبله: "إلا"، وأنه إذا كان من الألفاظ التى لا تستعمل إلا فى كلام منفى لم يجز اقترانه بإلا). ومن الأمثلة: ليس الخطيب عاجزاً؛ فقد انصب النفى على "العجز" وزالت نسبته الراجعة إلى الخطيب. فإذا أردنا إبطال النفى عن الخبر، ومنع أثره فى معناه - أتينا قبله بكلمة: "إلا" فقلنا: ليس الخطيب إلا عاجزاً، لأنها تنقض النفى، وتوقف أثره؛ فيصير المراد معها هو الحكم على الخطيب بالعجز، وهو حكم يناقض السابق. أما فى مثل: ليس المريض يَعيج بالدواء، فلا يصح اقتران الخبر بإلا؛ فلا يقال: ليس المريض إلا يَعيج بالجواء. فشأن "ليس" كشأن "كان" المسبوقة بالنفى؛ حيث لا يصح أن يقال فيها: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء؛ كما سبق.
فإن كان الفعل الناسخ هو: "زال" أو إحدى أخواتها الثلاث، (وكلها لا بد أن يسبقه نفى، أو شبهه) - فخبرها مثبت غير منفى؛ لأن كل واحدة منها تفيد النفي وقبلها نفى، ونفى النفى إثبات؛ فمثل: ما زال المال قوة، فيه إثبات لاستمرار القوة للمال، وحكم موجَب بنسبتها إليه، يمتد من الماضى إلى وقت الكلام؛ فالنفى: فى كلمة: "زال" وأخواتها مسلوب ومنقوض بالنفى الذى قبلها مباشرة. والمعنى فى جملتها موجَب، وخبرها مثبت، كما قلنا - فلا يقترن بكلمة "إلا"؛ فلا يصح ما زال المال إلا قوة؛ فشأنه شأن خبر: "كان" الخالية من نفى قبلها؛ فكلا الخبرين موجَب (مثبت).
وإذا كان خبر الناسخ منفيًّا على الوجه السالف جاز أن يدخل عليه حرف الجر الزائد: "الباء" نحو: ليس الحِلْم ببلادة، وما كان الحليم ببليد يحتمل المهانة، أى: ليس الحِلم بلادة، وما كان الحليم بليداً؛ يحتمل المهانة. فزيدت "باء الجر" فى أول الخبر المنفى فى المثالين - وأشباههما - لغرض معنوى؛ هو: توكيد النفى وتقويته.
وليست زيادتها مقصورة على أخبار بعض النواسخ دون بعض، وإنما هى جائزة فى جميع تلك الأخبار؛ بشرط أن تكون منفية، فلا يصح زيادتها فى خبر: "زال" وأخواتها الثلاث؛ لأن الخبر فيها موجب (أى: مثبت) كما عرفنا.
ومع أن زيادتها مباحة بالشرط السالف فإنها متفاوتة فى الكثرة بين تلك الأخبار فتكثر فى خبر: "ليس"، نحو قوله تعالى: {أليس اللهُ بعزيز ذى انتقام؟} وقول الشاعر:
*ولسْتُ بهَيَّاب لمنْ لا يَهابُنى * لسْتُ أرَى للمرء مالاَ يَرَى لِيَا*
ثم فى خبر: "ما" الحجازية؛ نحو قوله تعالى: {وما ربُّك بظلاّم للعبيد} وقوله: {وما ربك بغافل عَمَّا يَعمل الظالمون} ثم فى خبر "كان".
وإذا تقدم الخبر فتوسط بينَ الناسخ واسمه جاز إدخال؛ "باء" الجر الزائدة على الاسم المتأخر؛ ففى نحو: ليس الشجاع متهوراً - يصح أن يقال: ليس متهوراً بالشجاع. وفى نحو: ما كان الجواد إسرافاً - يصح أن يقال: ما كان إسرافاً بالجود.
ومن المستحسن ألا نلجأ لهذه الزيادة فى اسم الناسخ إلا حيث يتضح أمرها، وتشتد الحاجة إليها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف التى تشبه "ليس" وهى: (ما-لا-لات-إنْ) ) ضمن العنوان ( المسألة 48: "ما" )


من الحروف نوع يشبه الفعل: "ليس" فى معناه، وهو: النفى، وفى عمله؛ وهو: النسخ فيرفع الاسم وينصب الخبر. وبهذه المشابهة يعد من أخوات: "ليس". مع أنها فعل وهو حرف، كما يعد من أخوات: "كان" لمشابهته إياها فى العمل فقط. وأشهر هذه الحروف أربعة: ما - لا - لات - إنْ.
فأما الحرف الأول: "ما" فبعض العرب - كالحجازين - يُعْمله، وبَعْض آخر - كبنى تميم - يهمله. وهو يفيد عند الفريقين نفى المعنى فى الزمن الحالى عند الإطلاق. تقول: ما الشجاع خوافاً، أو ما الشجاع خواف؛ بالإعمال أو الإهمال. ومثل هذا فى قول الشاعر:
*وما الحسْنُ فى وجه الفتى شرفاً له * إذا لم يكنْ فى فعلِه والخلائق*
وقول الآخر:
*لَعَمرك ما الإسرافُ فىَّ طبيعةٌ * ولكنَّ طبعَ البخْل عِندِى كَالموت*
لكن الذى يحسن الأخذ به فى عصرنا هو الإعمال، لأنه اللغة العالية، لغة القرآن، وأكثر العرب، ولا داعى للأخذ باللغة الأخرى؛ منعاً للبلبلة، وتعدد الآراء من غير فائدة....
وتشتهر العاملة باسم: "ما الحجازية". ويشترط لإعمالها خمسة شروط مجتمعة:
(ا) ألا تقع بعدها كلمة: "إنْ" الزائدة؛ فيصح الإعمال فى مثل: ما الحق مغلوباً، ولا يصح فى مثل: ما إنْ الحق مغلوب.
(ب) ألا ينتقض نفيها عن الخبر بسبب وقوع "إلا" بعدها؛ فتعمل فى مثل: ما الجو منحرفاً، ولا تعمل فى مثل: ما الجو إلا منحرف؛ وقول الشاعر: *إذا كانت النعْمَى تُكَدَّرُ بالأذَى * فما هى إلا مِحْنَةٌ وعذابُ*
لأن الخبر مثبت هنا بسبب "إلا" التى أبطلت النفى عنه، ولا يضر نقضه عن المعمول؛ نحو: ما أنت متكلماً إلا بصواب.
(حـ) التزام الترتيب بين اسمها وخبرها الذى ليس شبه جملة، فلا يصح تقديم الخبر الذى ليس شبه جملة عل الاسم؛ ولهذا تَعْمَل فى مثل: ما المعدنُ حجراً، وتُهْمَل فى مثل: ما حجرٌ المعدنُ؛ لتقدم خبرها على اسمها. فإن كان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها عند تقدمه ومخالفته الترتيب؛ مثل: ما للسرور "دواماً". وقول الشاعر:
*وما للمرء خيرٌ فى حياة * إذا ما عُدَّ من سَقَط المتاع*
بالإعمال أو الإهمال فى كل ذلك؛ فعند الإهمال يكون شبه الجملة فى محل نصب؛ خبر "ما"، وعند الإهمال يكون فى محل رفع؛ خبر المبتدأ.
(د) ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم، بشرط أن يكون ذلك المعمول المتقدم غير شبه جملة؛ ففى مثل: ما العاقل مصاحباً الأحمق - لا يصح الإعمال مع تقدم كلمة: "الأحمق" على الاسم؛ لأنها معمول للخبر، وليست شبه جملة، فيجب الإهمال فتقول: ما، الأحمقَ - العاقل مصاحبٌ، فإن كان المعمول المتقدم شبه جملة جاز الإعمال والإهمال، نحو: ما فى الشرِّ أنت راغباً وما عندك فضلٌ ضائعاً، ويجوز... راغبٌ، وضائعٌ.
(هـ) ألا تتكرر "ما"، فلا عمل لها فى مثل: "ما" "ما" الحُرُّ مقيم على الضيم؛ لأن كلمة: "ما" الأولى للنفى، وكلمة "ما" الثانية للنفى أيضاً؛ فهى قد نفت معنى الأولى، ونفى النفى إثبات فتبتعد "ما" الأولى عن النفى، وينقلب معنى الجملة إلى إثبات، وهو غير المراد.
حكم المعطوف على خبرها
(ا) إن كان حرف العطف مما يقتضى أن يكون المعطوف موجَباً (أى: مثبتاً) مثل: "لَكِنْ" و "بل" - وجب رفع المعطوف؛ مثل: ما الفضل مجهولا لكنْ معروف؛ وما الإحسان منكوراً بل مشكور؛ فيجب الرفع فى كلمتى: "معروف" و "مشكور" وأشباههما؛ محاكاة لنظائرهما فى الكلام الفصيح المأثور. وتعرب كلا منهما خبراً لمبتدأ محذوف؛ فكأن أصل الكلام. ما الفضل مجهولا لكن هو معروف. وما الإحسان منكوراً بل هو مشكور. ويتعين فى هذه الحالة إعراب كل واحدة من "لكن" و "بل" حرف ابتداء، ولا يصح إعرابها حرف عطف، لما يترتب على ذلك من أن يكون المعطوف جملة على حسب التقدير السابق، ولا يصح أن يكون المعطوف بهما جملة.
ولو جعلنا المعطوف بهما مفرداً ولم نلاحظ التقدير السابق لوجب أن يكون منصوباً ومنفيًّا، تبعاً للخبر المعطوف عليه؛ لأن المعطوف المفرد يشابه المعطوف عليه فى حركات الإعراب، وفى النفى، والإثبات، والعامل فيهما واحد، وهنا يقع التعارض بين المعطوف عليه والمعطوف؛ فالأول مفى "بما" ومعمول لها. والثانى معمول لها أيضاً وموجَب؛ لوقوعه بعد: "لكن" أو: "بل". المسبوقين بنفى. و "ما" لا تعمل فى الموجَب, ومن هنا يجئ التعارض أيضاً؛ وهو يقضى بمنع العطف ولو كان عطف مفرد على مفرد، ويقضى بالرفع. والأحسن أن يكون رفعه خبراً لمبتدأ محذوف.
ومما تقدم نعلم أن الكلام فى حالة: "ا" لا يشتمل على عطف مطلقاً؛ فلا عاطف، ولا معطوف عليه، ولا حرف عطف.
(ب) أما إن كان العطف لا يقتضى أن يكون المعطوف موجَبًا وإنما يقتضى أن يشابه المعطوف عليه فى حركات إعرابه، ونفيه، وإثباته: كالواو والفاء... فإنه يجوز فى هذه الحالة نصب المعطوف ورفعه، مثل: ما أنت قاسياً وعنيفاً على الضعيف، أو: "عنيف" بنصب كلمة: "عنيفاً"؛ لأنها معطوفة على خبر "ما" المنصوب. وبرفعها لأنها معطوفة على خبر "ما" باعتبار أصله الأول قبل مجئ "ما"؛ فقد كان خبراً مرفوعاً للمبتدأ. ويحسن الاقتصار على الأول؛ ليكون الأسلوب مُتَّسقًا مؤتلفًا...
وتلخيص ما تقدم فى: "ا و ب" هو: أن رفع المعطوف جائز مع كل عاطف وأما نصبه فمقصور على بعض حروف العَطف دون بعض آخر يقتضى إيجاب المعطوف مثل: لكن وبل...
زيادة وتفصيل:
(ا) إنما عرض النحاة للعطف على خبر "ما" دون العطف على أخبار غيرها من النواسخ الأخرى التى لا يشترط فيها عدم نقض النفى، لأن "ما" يشترط فى عملها ألا ينتقض نفى خبرها. فإن انتقض لم تعمل كما سبق. والحرفان ("لكن"، و "بل") من حروف العطف، ينقض كل منهما النفى عن المعطوف بعده، ويجعله موجَباً، مع أن المعطوف عليه منفى. ولما كان المعطوف على خبر "ما" بمنزلة خبرها - وجب أن يكون ذلك المعطوف منفيًّا كالخبر المعطوف عليه؛ لكى تعمل فيه "ما" النصب. غير أن المعطوف هنا موجب لوقوعه بعد "لكن"، أو "بل" فالنفى منقوض عنه، وصار موجباً. ولهذا لم يصح نصبه، لأنه بمنزلة الخبر - كما قلنا - و "ما" لا تعمل فى الموجب.
وقياساً على ما سبق يجرى هذا الحكم على كل ناسخ آخر، (مثل: إنْ - لا، وسيجئ الكلام عليهما) مما يشترط فى إعماله ألا ينتقض النفى عن خبره فعند العطف على خبره ينطبق عليه الحكم السالف.
(ب) أنسب الآراء، أنه لا يجوز حذف "ما" الحجازية وحدها، أو مع أحد معموليها، أو معهما. كما لا يجوز حذف معموليها ولا أحدهما.
(حـ) إذا دخلت همزة الاستفهام على "ما" الحجازية لم تغير شيئاً من أحكامها السابقة.
وأما الحرف الثاني-: "لا" فهو للنفى. وفريق من العرب - كالحجازين - يُعْمِله عمل: "ليس" ويجعل النفى به منصبًّا مثلها على الزمن الحالى عند عدم قرينة تدل على زمن غيره. وفريق آخر - كالتميميين - يهْمِله. تقول: لا معروفٌ ضائعاً، أو: لا معروفٌ "ضائعٌ"، بالإعمال أو الإهمال. والمهم عند إعمالها هو فهم معناها، وإدراك أثرها المعنوى فى الجملة، ليحسن استخدامها على الوجه الصحيح وفيما يلي الإيضاح.
(ا) لا رجلٌ غائباً - تشتمل هذه الجملة على كلمة: "لا" النافية وبعدها اسم مفرد مرفوع، وبعده اسم منصوب. فما الذى تفيده هذه الجملة؟ تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم: "لا" مفرداً - أى: غير مثنى وغير مجموع - احتمال أمرين: نفى الخبر (وهو: الغياب) عن رجل واحد، ونفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ فلا غياب لواحد أو أكثر.
ولو قلنا: لا رجلان غائبيْن، ولا رجالٌ غائبِين - لكان الأمر محتملا نفى الغياب عن اثنين فقط، أو عن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً، أو عن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلو واحد من الحكم عليه بعدم الغياب.
(ب) لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفردًا أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلو واحد من الحكم عليه بعدم الغياب.
(ب) لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفرداً أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ فلا وجود لطائر واحد، ولا أكثر. ولو قلنا: لا طائران موجودَيْن، ولا طيورٌ موجودةً - لكان النفى إمَّا واقعاً على طائرين فقط، وإما واقعاً على جماعة فقط، وإما على الجنس كله واحداً واحداً؛ بحيث لا يخلو طائر من الحكم عليه بعدم الوجود.
مما سبق نعلم أن: "لا" النافية التى تعمل عمل: "كان" لا تدل على نفى الجنس كله فرد فرداً دلالة قاطعة لا تحتمل معها أمراً آخر؛ وإنما تدل - دائماً - على احتمال أمرين، فإن كان اسمها مفرداً دلت على نفى الخبر عن فرد واحد، أو على نفيه عن كل فرد من الأفراد. وإن كان اسمها مثنى أو جمعاً دلت أيضاً على احتمال أمرين؛ إمَّا نفى الخبر عن المثنى فقط، أو عن الجمع فقط، وإمَّا نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس. فدلالتها على نفى الخبر تحتمل هذا، وتحتمل ذاك فى كل حالة. وليست نصًّا فى أمر واحد.
ومن أجل أنها تحتمل نفى الخبر عن الفرد الواحد إذا كان اسمها مفرداً سميت: "لا" التى لنفى الواحد، أو: "لا" التى لنفى الوحْدة، أى: الواحد أيضاً.
والذين يُعملونها يشترطون لذلك شروطاً خمسة.
أولها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين؛ مثل: لا مالٌ باقياً مع التبذير. فإن كان أحدهما معرفة أو كلاهما - لم تعمل.
ثانيهما: عدم الفصل بينها وبين اسمها وهذا يستلزم الترتيب بين معمونيها،فيجب تأخير الخبر، وكذلك تأخير معموله عن الاسم، كى لا يفصل بينها وبين اسمها فاصل؛ نحو: لا حصنٌ واقياًالظالمَ.
ثالثها: ألا ينتقض النفى بإلا؛ تقول؛ لا سعىٌ إلا مثمر، ولا يصح نصب الخبر.
رابعها: عدم تكرارها؛ فلا تعمل فى مثل: لا، لا مسرع سَبَّاق. إذا كانت "لا" الثانية لإفادة نفى جديد.
خامسها: ألا تكون نصًّا فى نفى الجنس - كما شرحنا - وإلا عملت عمل: "إنّ":
تلك هى الشروط الحتمية لعمل "لا" وهى نفسها شروط لعمل "ما" مع زيادة شرطين فى عمل "لا" وهما: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وألا تكون نصًّا فى نفى الجنس.
وحذف خبرها كثير فى جيد الكلام؛ ومنه أن تقول للمريض؛ لا بأسٌ؛ أى: لا بأسٌ عليك. وفلان وديع لا شكٌّ. أى: لا شكٌّ فى ذلك، أو فى وداعته....
"ملاحظة": لا يتغير شئ من الأحكام السالفة إذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" سواء أكان الاستفهام باقياً على حقيقته، أم خرج إلى معنى آخر كالتوبيخ.ز أو الإنكار...، مثل: ألا إحسانٌ للفقير من هذا الرجل الغنى...
* * *
أما الحرف الثالث: "إنْ" فهو لنفى الزمن الحالى عند الإطلاق، وإعمالُه وإهمالُه سِيَّانِ. ولكن الذين يُعملونه يشترطون الشروط الخاصة بإعمال "ما" النافية إلا الشرط الخاص بعدم وقوع "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد "إنْ" النافية أيضاً؛ نحو: إنْ الذهبُ رخيصاً (بمعنى: ما الذهب رخيصاً) أو: إنْ الذهبُ رخيص. ففى المثال الأول تعرب "إنْ" حرف نفى ناسخ بمعنى: ما، وبعدها اسمها وخبرها. وفى المثال الثانى: "إنْ" حرف نفى مهمل، وبعده مبتدأ مرفوع، ثم خبره المرفوع. ومن أمثلة عمالها، قول الشاعر:
*إنْ المرْءُ بانقضاءِ حيَاتِه * ولكنْ بأن يُبْغَى عليه فيُخْذَلاَ*
وهى فى حالتى إعمالها وإهمالها لنفى الزمن الحالى، ما لم تقم قرينةٌ على غيره. - كما تقدم -.
* * *
وأما الحرف الرابع: "لات" فهو لنفى الزمن الحالى عند الإطلاق ويشترط لعملها:
(ا) الشروط الخاصة بعمل "ما" إلا الشرط الخاص بعدم وقوع: "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد: "لات".
(ب) ثلاثة شروط أخرى؛ هى: أن يكون اسمها وخبرها كلمتين دالتين على الزمان، وأن يحذف أحدهما دائماً، والغالب أنه الاسم. وأن يكون المذكور منها نكرة؛ مثل: سهوتَ عن ميعادك، ولاتَ حينَ سهو. أى: ولاتَ الحينُ حينَ سهو. وإعرابها: "لا" نافية؛ تعمل عمل: "ليس". التاء للتأنيث اللفظى واسمها محذوف تقديره: الحينُ، أو: الوقت، أو: الزمن... "حينَ" خبرها، منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف. "السهو" مضاف إليه مجرور. ومثل: تسرعتَ فى الإجابة، ولاتَ حينَ تَسرُّع. أى: وليس الحينُ حينَ تسرُّعٍ، أو ليس الوقت وقتَ تسرع. والإعراب كالسابق.
زيادة وتفصيل
(ا) وردت "لات" فى بعض الكلام العربى القديم مهملة لا عمل بها؛ فهى متجردة للنفى المحض. ومنه قول الشاعر:
*تَرَكَ الناسُ لنا أكنافَهم * وتولَّوا، لاتَ لمْ يُغْنِ الفرارُ*
فهى هنا حرف نفى، مؤكد بحرف نفى آخر من معناه، هو: "لم" وهذا الاستعمال مقصور على السماع لا يجوز اليوم محاكاته. وإنما عرضناه لنفهم نظائره فى الكلام القديم حين تمر بنا، ومنه قول القائل:
*لَهْفى عليك لِلهفةٍ من خائفٍ * يَبغى جوارَك حينَ لاتَ مجيرُ*
فهى حرف نَفى مهمل. "ومجير" فاعل لفعل محذوف أو مبتدأ خبره محذوف.
(ب) حكم العطف على خبر: "لات" نفسه كحكم العطف على خبر "ما". وقد تقدم (فى ص 540 و 543) فيتعين الرفع إن كان حرف العطف يقتضى إيجاب ما بعده، (مثل: لكنْ وبل)، تقول: سئمت ولات حينَ سآمة، بل حينُ صبر، أو لكن حينُ صبر. فإن كان حرف العطف لا يقتضى إيجاب ما بعده (كالواو) جاز النصب والرفع، تقول: رغبت فى الراحة أياماً، ولات حين راحة، وحينَ استجمام، بنصب كلمة "حين" المعطوفة أو رفعها.
(حـ) من أسماء الإشارة: "هَنَّا" وهى فى أصلها ظرف مكان كما عرفنا فى باب أسماء الإشارة. وقد وقعت فى الكلام العربى القديم بعد كلمة: "لات" كقول القائل: (حَنَّتْ نَوَارُ ولات هَنَّا حنَّت)... وخير ما يقال فى إعرابها: إن: "لات" حرف نَفى مهمل (أى: لا عمل له) و "هنا" اسم إشارة للمكان، منصوب على الظرفية، خبر مقدم "حنت" حن: فعل ماض، قبله "أنْ" مقدرة. والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره: هى. والمصدر المؤول من الفعل والفاعل و "أنْ" المقدرة قبل "نت" فى محل رفع مبتدأ مؤخر. وخبره اسم الإشارة الظرف المتقدم: (هنَّا). وهذا أسلوب يحسن الوقوف فيه عند السماع، والبعد عن محاكاته.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف التى تشبه "ليس" وهى: (ما-لا-لات-إنْ) ) ضمن العنوان ( المسألة 49: زيادة "باء الجر" فى خبر هذه الأحرف. )


تقدم أن "باء" الجر تزاد فى مواضع، منها: أخبار الأفعال الناسخة إذا كانت تلك الأخبار منفية؛ (فلا تزاد فى أخبار "ما زال" وأخواتها الثلاثة؛ لأن أخبارها موجبَة) وأن الغرض من تلك الزيادة هو تأكيد النفى وتقويته، كما عرفنا.
ومن تلك المواضع: خبر "ليس"؛ ويكثر فيه زيادة الباء؛ نحو: ليس الحازم بمتواكل. فالباء زائدة، "ومتواكل" مجرورة بها فى محل نصب خبر "ليس". ومنها: "ما" العاملة والمهملة، فيكثر فى خبرها المنفى زيادة الباء؛ نحو: ما العربى ببخيل، وما العربى بهياب الشدائد. وأصل الكلام ما العربى بخيلا. ما العربى هياباً، فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور فى محل نصب خبر: "ما" إن كانت عاملة، أو فى محل رفع خبر المبتدأ، إن كانت: "ما" مهملة. ومن الأمثلة، قوله تعالى: {وما ربك بظَلاَّم للعبيد}، وقول الشاعر:
*أقْصِرْ - فؤادى - فما الذكرَى بنافعَة * ولا بشافعةٍ فى رَدّ ما كانا*
وقد تزاد أحياناً بعد خبر: "لا"، نحو: لا جاهٌ بخالد. ولا سلطانٌ بباق. وأصل الكلام: لا جاهٌ خالداً، ولا سلطانٌ باقياً. (والإعراب كالسابق)...
وقد تقدم أنها تزاد فى خبر المضارع من "كان"، بشرط أن يكون منفيًّا بحرف النفى: "لم"؛ نحو: كلمتنى فلم أكنْ بمشغول عنك، ولم أكنْ بمنصرف عن حديثك. أى: لم أكن مشغولا عنك، ولم أكن منصرفاً عن حديثك. فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها فى محل نصب: خبر "أكن". وأنها قد تزاد أيضاً فى المفعول الثانى من مفعولى: "ظن وأخواتها"، نحو: ما ظننت المؤمن بجبان.
أما زيادتها فى بقية الأفعال والحروف الناسخة، أو فى خبر المبتدأ، أو فى غير ما سبق - فمقصور على السماع.
زيادة وتفصيل:
يتردد فى مواطن مختلفة من كتب النحو ما يسمى؛ "العطف على التوهم"؛ وهو نوع يجب الفرار من محاكاته - قدر الاستطاعة - ولتوضيحه نسوق المثالين التاليين: (ا) "ليس المؤمن متأخراً عن إغاثة الملهوف". فكلمة: "متأخراً" خبر "ليس"، وهو منصوب. ويجوز - كما عرفنا - أن تزاد باء الجر فى أول الخبر؛ فنقول: "ليس المؤمن بمتأخر عن إغاثة الملهوف"؛ فتكون كلمة: "متأخر" فى الظاهر مجرورة بالباء الزائدة، لكنها فى التقدير فى محل نصب، لأنها خبر "ليس".
فإذا عطفنا على الخبر المجرور بالباء الزائدة كلمة أخرى، بأن قلنا: ليس المؤمت بمتأخر وقاعد عن إغاثة الملهوف - فإنه يجوز فى المعطوف - وهو كلمة: "قاعد" مثلا - الجر تبعاً للمعطوف عليه المجرور فى اللفظ، كما يجوز نصبه، تبعاً للمعطوف عليه المنصوب محلا، لأنه خبر "ليس". فالمعطوف فى المثال السابق يجوز نصبه تبعاً لمحل الخبر، كما يجوز جره تبعاً للفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة المذكورة فى الجملة، والتى يجوز زيادتها فى مثل هذا الخبر.
لكن إذا خلا الخبر منها فكيف نضبط المعطوف عليه؟ أيجوز النصب والجر مع عدم وجودها كما كانا جائزين عند وجودها؟ يقول أكثر النحاة: نعم. ففى المثال السابق يصح أن نقول: ليس المؤمن متأخراً وقاعداً عن إغاثة الملهوف. أو: ليس المؤمن متأخراً وقاعدٍ ... بنصب كلمة: "قاعد" أو جرها؛ فالنصب لأنها معطوفة على الخبر المنصوب مباشرة؛ ولا عيب فى هذا. والجر لأنها معطوفة على خبر منصوب فى التقدير؛ على تخيل وتوهم أنه مجرور بالباء الزائدة؛ فكأن المتكلم قد تخيل وجود الباء الزائدة مع أنها غير موجودة بالفعل. وتوهم أنها ظاهرة فى أول الخبر؛ مع أن توهمه غير صحيح. ومن العجب أن يتوهم ويتخيل ما لا وجود له، ويبنى عليه آثاراً. وهذا أمر يجب الفرار منه - كما قلنا -؛ لما فيه من البعد، والعدول عن الطريقة المستقيمة الواضحة إلى أخرى ملتوية، لا خير فيها. فإن قهرتنا بعض الأساليب القديمة على الالتجاء إليه وجب أن نقتصر عليه فى الوارد، ونحصر أمره فى المسموع من تلك الأساليب، دون أن نتوسع فيها بالمحاكاة والقياس، إذ لا ضرورة تلجئنا إلى محاكاته. وهذا الرأى السديد لبعض النحاة الأقدمين تستريح النفس إليه وحده، ولا فرق فيه بين العطف على خبر "ليس" أو "ما" أو غيرهما من الأخبار التى تزاد فى أولها الباء جوازاً...
مثال آخر:
ما المحسن مناناً بإحسانه. كلمة: "مناناً" - خبر "ما" منصوبة، ويجوز أن تزاد "باء" الجر فى خبر: "ما" الحجازية على الوجه المشروح فى زيادتها - فيقال: ما المحسن بمنان بإحسانه. فتكون كلمة: "منان" مجرورة فى الظاهر بالباء الزائدة، ومنصوبة المحل، لأنها خبر "ما"؛ فإذا عطفنا على هذا الخبر المجرور كلمة أخرى، جاز فى المعطوف إما الجر تبعاً للخبر المجرور لفظه، وإما النصب أيضاً تبعاً للخبر المنصوب محله؛ فيقال ما لامحسن بمنان وذاكر إحسانه أو: "ذاكراً" إحسانه؛ بجر كلمة: "ذاكراً"، أو نصبها.
فإذا لم تكن "باء" الجر الزائدة مذكورة فى أول الخبر فكيف نضبط المعطوف؟ يقول أكثر النحاة: إن العسطف عند عدم وجود باء الجر الزائدة فى الخبر كالعطف مع وجودها، فيجوز النصب فى المعطوف تبعاً للنصب اللفظى فى الخبر المعطوف عليه؛ كما يجوز الجر فى المعطوف تبعاً لتوهمهم الجر فى الخبر المعطوف عليه، وافتراضهم أن ذلك الخبر مجرور بالباء الزائدة؛ مع أنها غير موجودة، فى الكلام.
وهو توهم لا يصح الالتفات إليه اليوم، ولا الأخذ بما يرتبونه عليه... لما أوضحناه. ويتساوى فى هذا خبر "ليس" وخبر "ما" وغيرهما من الأخبار التى يجوز فى أولها زيادة باء الجر؛ كما قلنا.
(ب) إذا وقع بعد خبر "ليس" وخبر "ما" - مشتق معطوف، فكيف نضبطه؟ لهذا صور يعنينا منها ما يأتي:
أولا: أن يكون المشتق المعطوف على خبرها وصفاً عاملا وبعده اسم مرفوع، سبىّ له، نحو: "ليس المستعمر أميناً، ولا صادقاً وعدُه" أو: "ما المستعمر أميناً ولا صادقاً وعدُه". فيجوز فى الوصف المعطوف وهو كلمة: "صادق" ما يجوز فيه لو كان غير رافع اسماً بعده؛ وعلى هذا يصح فى كلمة: "صادق" النصب بعطفها على الخبر المنصوب مباشرة وهو كلمة: "أميناً" كما يصح فيها الجر عطفاً على الخبر المجرور على حسب توهم النحاة أن الخبر مجرور بباء زائدة غير ظاهرة فى اللفظ... وهو توهم وتخيل سبق رفضه فى: "ا" أما الاسم السبى المرفوع بعد الوصف المعطوف فيعرب فى الحالة السالفة فاعلا له (وقد يعرب أحياناً نائب فاعل فى جملة أخرى إذا كان الوصف الرافع له اسم مفعول). وفى المثال السابق بصورتيه يلتزم الوصف الإفراد فلا يثنى ولا يجمع - فى رأى أكثر النحاة -.
ويصح أن يكون الوصف مرفوعاً مبتدأ - لا معطوفاً - وأن يكون السبى بعده مرفوعاً به يغنى عن الخبر (سواء أكان المرفوع فاعلا أو نائب فاعل)، وفى هذه الصورة يلتزم الوصف الإفراد أيضاً. ويكون الوصف مع مرفوعه معطوفاً على الجملة قبله.
ويصح أن يكون السبي مبتدأ متأخراً والوصف خبراً مرفوعاً متقدماً - لا معطوفاً وفى هذه الحالة يتطابقان؛ إفراداً وتثنية وجمعاً، وتذكيراً، وتأنيثاً؛ نحو: ليس علىّ مهملا ولا مقصرٌ أخوه - ليس على مهملا ولا مقصران أخواه - ليس على مهملا ولا مقصرون إخوانه ... - وكذلك لو كان الناسخ "ما" بدلا من "ليس".
ثانياً: أن يكون المعطوف وصفاً أيضاً وقبله: "ليس" ومعمولاها ولكن بعده اسم أجنبى. فيعطف الأجنبى على اسمها، ويرفع مثله. ويعطف الوصف على خبرها، وينصب مثله، تقول ليس محمود حاضراً، ولا غائباً حامد، فكلمة: "حامد" معطوفة على الاسم: "محمود" مرفوعة مثله. وكلمة "غائباً" معطوفة على الخبر "حاضر" منصوبة مثله.
فإن كان خبر "ليس" مجروراً بالباء الزائدة جاز أيضاً جر الوصف؛ تقول: ليس محمود بحاضر، ولا غائب حامد؛ بجر كلمة: "غائب" لأنها معطوفة على الخبر المجرور لفظه بالياء الزائدة؛ ويجوز فى الحالتين السالفتين رفع الأجنبي على أنه مبتدأ، خبره الوصف المتقدم؛ فيتطابقان. وتكون الجملة الثانية معطوفة على الأولى.
ثالثاً: أن يكون المعطوف وصفاً قبله "ما" ومعمولاها؛ وبعده اسم أجنبى؛ فيجب رفع الوصف الواقع بعد خبرها؛ سواء أكان خبرها منصوباً، أم مجروراً بالباء الزائدة؛ نحو: ما محمود حاضراً ولا غائبٌ حامدٌ. أو: ما محمود بحاضر ولا غائبٌ حامدٌ.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب أفعال المقاربة ) ضمن العنوان ( المسألة 50: أفعال المقاربة، معناها. )


أفعال المقاربة - معناها:
فى جملة مثل: "الماء يَغلى"، يفهم السامع بسبب وجود الفعل المضارع: أن الماء فى حالة غليان الآن، أوْ: أنه سيكون كذلك فى المستقبل. فإذا قلنا: "كاد الماء يغلى" - اختلف المعنى تماماً؛ إذ نفهم أمرين، أن الماء اقترب من الغليان اقتراباً كبيراً، وأنه لم يَغْلِ بالفعل، أى: أنه فى حالة إنْ استمرت زمناً قليلا فسيغلى. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول هو وجود الفعل: "كا" فى الجملة الثانية، وأنه ماض.
وكذلك الشأن: فى: "القطار يتأخر" إذ نفهم من الجملة أن القطار يباشر التأخر الآن، أو فى المستقبل. فإذا قلنا: "كاد القطار يتأخر..." تغيَّر المعنى، وفهمنا أمرين؛ أنه اقترب من التأخر جدًّا، وأنه - بالرغم من ذلك - لم يتأخر فى الواقع. أى: أنه فى حالة، إنْ طال زمنها قليلا يقع فى التأخر. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول وجود الفعل الماضى: "كاد".
ومثل ما سبق: "الكأس تتدفق ماء" فالمعنى: أن الماء يفيض منها الآن، أو مستقبلا. فإذا قلنا: "كادت الكأس تفيض ماء" تغير المعنى، وانحصر فى أنها اقتربت كثيراً من التدفق، وأنها لم تتدفق بالفعل، وهذا التغير بسبب وجود الفعل الماضى: "كاد".
ومن الأمثلة السابقة - وأشباهها - يتبين أن الفعل: الماضى "كاد" يؤدى فى جملته معنى خاصًّا، هو الدلالة على التقارب بين زمن وقوع الخبر والاسم، تقارباً كبيراً مجرداً؛ (أى: لا ملابسة فيه، ولا اتصال). ومن أجل ذلك سميت "كاد" فعل: "مقاربة". ولها إخوة تشاركها فى تأدية هذا المعنى. ومن أشهر أخواتها - كرَبَ - أوشكَ - مثل: كرَبَ الليلُ ينقضى - أوْشكَ الصبح يقبل، بمعنى: "كاد" فيهما. وكلها بمعنى: "قَرُبَ".
عملها:
أفعال المقاربة أفعال ناقصة (أىْ: ناسخة) ترفع المبتدأ اسماً لها، وتنصب الخبر، فلا ترفع فاعلا، ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة، فهى من أخوات "كان". غير أن الخبر فى أفعال المقاربة لا بد أن يشتمل على:
(1) فعل مضارع، ومرفوعه (من فاعل، أو نائبه ...) ضميرٌ فى الغالب.
(2) وأن يكون هذا المضارع مسبوقاً بأن المصدرية مع الفعل: "أوْشكَ" وغير مسبوق بها مع الفعل: "كاد" أو: "كَرَبَ"، نحو: أوشك المطر أن ينقطع، وكاد الجو يعتدل، وكَرَبَ الهواءُ يطيب. ويجوز - قليلا - العكس، فيتجرد خبر: "أوْشَكَ"، من "أنْ" ويقترن بها خبر "كاد" و "كرب"، ولكن الأول هو الشائع فى الأساليب العالية التي يحسن الاقتصار على محاكاتها. ومن النادر أن يكون الخبر غير جملة مضارعية. ولا يصح محاكاة هذا النادر، بل يجب الوقوف فيه عند المسموع.
وعمل أفعال المقاربة ليس مقصوراً على الماضى منها: بل ينطبق عليه وعلى المشتقات الأخرى، وهى محدودة؛ أشهرها ثلاثة؛ مضارع للفعل: "كاد"، ومضارع للفعل: "أوشك"، واسم فاعل له، نحو: يكاد العلم يكشف أسرار الكواكب - يوشك القمر أن يتكشف للعلماء - أنت موشكٌ أن تنتهى إلى خير.
والأكثر أن تستعمل "كاد" و "كَرَبَ" ناسختين. أما "أوشك" فيجوز أن تقع تامة؛ بشرط أن تُسنَد إلى "أنْ" والفعل المضارع الذى فاعله (أو مرفوعه) ضمير مستتر: نحو: القوىّ أوشك أن يتعب؛ فالمصدر المؤول من "أنْ" والفعل المضارع وفاعله فى محل رفع فاعل "أوشك" التامة. ومثله قول الشاعر:
*إذا المجدُ الرفيع تواكلتْه * بناة السُّوء أوشَك أن يضيعا*
وهي فى حالة تمامها تلزم صورة واحدة لا تتغير، مهما تغير الاسم السابق عليها فلا يتصل بآخرها ضمير رفع مستتر أو بارز: تقول: القويان أوشك أن يتعبا. الأقوياء أوشك أن يتعبوا. القوية أوشك أن تتعب. القويتان أوشك أن تتعبا. القويات أوشك أن يتعبن ... بخلاف ما لو كانت ناقصة؛ فيجب أن يتصل بآخرها ضمير رفيع يطابق الاسم السابق فى التذكير، والتأنيث، وفى الإفراد، وفروعه: فتقول فى الأمثلة السابقة: (أوشَك) - (أوْشكا) - (أوْشكوا) - (أوشكت) - (أوشكَتَا) - (أوشَكْن) فإن وقع المضارع اسم مرفوع ظاهر نحو: أوشك أن يفوز القوىُّ - جاز فى أوشك أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة.
* * *
زيادة وتفصيل:
(ا) "كاد" كغيرها من الأفعال فى أن معناها ومعنى خبرها منفى إذا سبقها نفى، ومثبت إذا لم يسبقها نفى، خلافاً لبعض النحاة؛ فمثل: "كاد الصبى يقع" معناه: قارب الصبى الوقوع. فمقاربة الوقوع ثابتة. ولكن الوقوع نفسه لم يتحقق. وإذا قلنا: ما كاد الصبى يقع. فمعناه: لم يقارب الوقوع فمقاربة الوقوع منتفية. والوقوع نفسه منفى من باب أولى، ومثل هذا يقال فى بيت المعَرّى.
*إذا انصرفت نفسى عن الشئْ لم تكَدْ * إليه بوجه - آخِرَ الدَهرِ - تُقْبِلُ*
(ب) تعد أفعال المقاربة من أخوات "كان" الناسخة كما عرفنا. ولكن أفعال المقاربة تخالفها فيما يأتى:
1- خبرها لا بد أن يكون مصدراً مؤولاً من جملة مضارعية - فى الأصح - مسبوقة بأنْ أو غير مسبوقة، على التفصيل السابق، وفاعل المضارع لا بد أن يكون - فى الأرجح - ضميراً يعود على اسمها: وقد ورد رفعه السبىّ فى حالات قليلة، لا يحسن القياس عليها، مثل: كاد الطلل تكلمنى أحجاره.
2- خبرها لا يجوز أن يتقدم عليها.
3- إذا كان الخبر مقترناً "بأن" لم يجز - فى الأشهر - أن يتوسط بينها وبين اسمها، أما غير المقترن فيجوز كما فى خبر كان.
4- يجوز حذف الخبر إن علم، نحو: "من تأنى أصاب أو كاد؛ ومن عَجل أخطأ أو كاد، وهو كثير فى خبر "كاد" قليل فى خبر "كان" ومع قلته جائز بالتفصيل الذى سبق فى موضعه.
5- لا يقع فعل من أفعال المقاربة زائداً.
(حـ) يرى بعض النحاة أن "أوشك" ليست من أفعال المقاربة، وإنما هى من أفعال الرجاء التى سيجئ الكلام عليها فى هذا الباب. مستشهداً ببعض أمثلة مأثورة تؤيده. ولا داعى للأخذ برأيه اليوم، بعد أن شاع اتباع الرأى الآخر الذى يخالفه، وتؤيده أيضاً شواهد فصيحة قديمة، تسايرها أساليبنا الحديثة. وإنما ذكرنا الرأى الأول ليستعين به المتخصصون على فهم النصوص القديمة.
أفعال الشروع - معناها:
ما معنى كلمة: "شَرَعَ" و "أخذَ" فى مثل: شَرَعَ المُغنَّى يُجَرِّبُ صوته، ويُصْلح عوده، وأخذ يوائم بين رنات هذا، ونغمات ذاك؟
معنى: "شَرَعَ" أنه ابتدأ فعلا فى التجربة ودخل فيها، وباشرها، وكذلك معنى كلمة "أخذ" فهى تفيد أنه ابتدأ فعلا فى المواءمة والتوفيق بين الاثنين. وكذلك فى مثل: أُعِدَّ الطعامُ: فشرَع المدعوون يتوجهون إلى غرفته، وأخذ كل منهم يجلس فى المكان المهيأ له ... أى: ابتدءوا فى الذهاب إلى الغرفة، وباشروا الانتقال إليها فعلا، كما ابتدءوا فى الجلوس ومارسوه. ومرجع هذا الفهم إلى الفعل: "شرع"، "وأخذ"، فكلاهما يدل على ما سبق، ولهذا يسميه النحاة: "فعل شروع" يريدون: أنه الفعل الذى يدل على أول الدخول فى الشئ، وبدء التلبس به، وبمباشرته.
وأشهر أفعال الشروع: شَرَع - أَنشأ - طفِقَ - أَخذَ - عَلِقَ - هَبّ - قام - هَلْهَل - جَعَل.
عملها:
هذه الأفعال جامدة لأنها مقصورة على الماضى، إلا "طفِق" و "جعل" فلهما مضارعان. وعملها الدائم هو رفع المبتدأ ونصب الخبر بشرط أن يكون المبتدأ مما يدخل عليه النواسخ، فلا ترفع فاعلا ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة؛ فهى من أخوات "كان" الناقصة. ولا تكون تامة حين إفادتها معنى: "الشروع" - كما أوضحناه - إلا أنّ خبر أفعال الشروه لا بد أن يكون:
(1) جملة مضارعية فاعلها (أو: مرفوعها) ضمير.
(2) المضارع فيها غير مسبوق "بأنْ" المصدرية، كالأمثلة السابقة.
(3) لا يجوز فى هذه الأفعال تقدم الخبر عليها، كما لا يجوز توسطه بينها وبين الاسم.
(4) ويجوز حذف خبرها إن دل عليه دليل.
أفعال الرجاء - معناها:
يتضح معناها من مثل: اشتد الغلاء؛ فعسى اللهُ أنْ يُخفف حدَّته - زاد شوق الغريب إلى أهله، فعسى الأيامُ أن تُقَربَ بينهم - تَطَلَّع الرحالة إلى كشف المجاهل؛ فعسى الحكومة أن تهيئ له الوسائل...
ففى المثال الأول: رجاء وأمل فى الله أن يخفف شدة الغلاء. وفى الثانى: رجاء وأمل أن تُقربَ الأيام بين الغريب وأهله. وفى الثالث كذلك: أن تُعدّ الحكومة للرحالة الوسائل... ففى كل مثال رجاء وأمل فى تحقيق شئ مطلوب يُفهم من الفعل المضارع مع مرفوعه، والكلمة التى تدل على الرجاء والأمل هى: "عسى"، ولهذا تبعد من أفعال الرجاء التى تدل على الرجاء التى يدل كل فعل منها على: "ترقب الخير، والأمل فى تحققه ووقعه". (والخبر المرتقب هنا هو: ما يتضمنه المضارع مع مرفوعه، كما سبق). ومن أشهرها: عسى - حَرَى - اخْلَولَقَ.
عملها:
هى أفعال ماضية فى لفظها، جامدة، الصيغة والأغلب أنها ترفع الاسم وتنصب الخبر - إن كانا صالحين لدخول النواسخ - فهى من الأفعال الناقصة (أى: الناسخة) أخوات "كان". وخبرها - فى الأفصح - مضارع مسبوق: بأنْ، وفاعله ضمير، لكن يجوز فى خبر "عسى" أن يكون مضارعه غير مسبوق بأنْ، نحو: عسَى الأمن يدومُ. كما يجوز أن يكون فاعل هذا المضارع سببيًّا، أى: اسماً ظاهراً مضافاً لضمير اسمها؛ نحو: عسى الوطن يدوم عزُّه.
المكتوب بالأخر هو:
حكمها:
يجب تقديم هذه الأفعال على معموليها. كما يجب - فى رأى دون آخر - تأخير الخبر المقرون بأن عن الأسم. ويجوز حذف الخبر لدليل وقد تقدم أن والأغلب فى استعمال هذه الأفعال أن تكون ناقصة. لكن يجوز فى "عسى" "واخلولق" أن تكونا تامتين، بشرط إسنادهما إلى "أنْ" والمضاعر الذى مرفوعة ضمير يعود على اسم سابق. دون إسنادهما إلى ضمير مستتر أو بارز؛ فلا بد لتمامهما أن يكون فاعلهما مصدراً مؤولا من "أنْ" وما دخلت عليه من جملة مضارعية، ولا يصح أن يكون ضميراً، نحو: الرجل عسى أن يكون. ونحو: الزرع اخلولق أن يتفتح، فالمصدر المؤول فى المثالين فاعل وفى هذه الحالة لا يكون فى "عسى" و "اخلولق" ضمير مستتر. (وهذا التمام خاص بهما وبأوشك من أفعال المقاربة، كما سبق). وفى حالة التمام تلزم "عسى" وأختها حالة واحدة لا تتغير مهما تغير الاسم السابق - لأن فاعلهما مذكور بعدهما - .... نقول: الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسى أن يقوما - الرجال عسى أن يقوموا .... وهكذا.
أما عند النقص فى: "عسى" و "اخلولق"، فلا بد أن يتصل بآخرهما ضمير مطابق للاسم السابق فتكونا ناقصتين. فإن لم يتصل بهما ضمير، وأسْندتا إلى: "أنْ" والمضارع الذى فاعله ضمير، فهما تامتان، - كما سلف - والمصدر المؤول فاعلهما. ففى حالة النقص نقول: الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسيا أن يقوما - الرجال عَسْوا أن يقوموا. البنت عست أن تقوم. البنتان عَسَتا أن تقوما - النساء عَسيْن أن يقمن ... و ...
فإن كان فاعل المضارع (أو مرفوعه) اسماً ظاهراً جاز فى كل منهما أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة؛ فعند التمام يكون المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الظاهر - فاعلا للناسخ، وعند النقص لا يكون الاسم الظاهر المتأخر مرفوعاً للمضارع، بل يصير هو اسم الناسخ ويكون الخبر هو: المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الفاعل أو ما يغنى عن الفاعل.
وكل هذا يصح فى: "اخلولق" أيضاً.
زيادة وتفصيل:
إذا وقعت "عسى" ومثلها: "اخلولق" و "أوشك" بعد اسم ظاهر مرفوع وليس بعدها فى الجملة اسم ظاهر ولا ضمير بارز؛ مثل: الصديق عسى أن يحضر. جاز أمران:
ا- أن تخلو "عسى" من ضمير مستتر فيها أو بارز، فتكون تامة. فاعلها هو المصدر المؤول بعدها من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" ومرفوعها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها وهو: (الصديق). ونحو: المحمدان عسى أن يتقدما. المحمدون عسى أن يتقدموا. البنات عسى أن يتقدمن.
ب- وجاز أن تكون ناقصة، فتشتمل على ضمير مستتر أو بارز هو اسمها يعود على المبتدأ السابق عليها ويطابقه فى التذكير والتأنيث، وفى الإفراد وفروعه، وخبرها هو المصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر أو البارز. والجملة منها ومن اسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها؛ مثل: محمد عسى أن يحضر - المحمدان عسيا أن يحضُرا - المحمدون عَسوْا أن يحضُروا - النساء عسَين أن يحضُرْن... - كما تقدم -.
أما إذا تأخر ذلك الاسم المرفوع بحيث يقع بعد المضارع المسبوق بأن المصدرية كما فى المثال: عسى أن يحضر الوالد - فيجوز أربعة أوجه.
الأول - أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ (وهو مع تأخره فى اللفظ متقدم فى الرتبة). "عسى" فعل ماض تام، وفاعله هو المصدر المؤول من "أنْ" ومن المضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" وفاعلهما فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر.
الثانى: أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ مع تأخره. "عسى" فعل ماض ناقص، اسمها ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على المبتدأ، المتأخر فى اللفظ، المتقدم فى الرتبة، ويطابقه؛ وخبرها هو المصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر. والجملة من "عسى" واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر.
الثالث: أن تكون "عسى" تامة وفاعلها هو المصدر المؤول بعدها من "أن" والفعل المضارع مع مرفوعه، ومرفوعه هو الاسم الظاهر بعده. (الولد).
الرابع: أن تكون "عسى" ناقصة واسمها هو: الاسم الظاهر المتأخر (الوالد). وخبرها هو المصدر المؤول من أن والفعل المضارع ومرفوعه المستتر.
وتشترك "اخلولق" و "أوشك" مع "عسى" فى كل ما سبق من الحالات...
(ب) سبق أنه لا يجوز فى أفعال الرجاء أن يتقدم خبرها عليها، كما لا يجوز - فى رأى - أن يتوسط بينها وبين اسمها إن كان المضارع مقترناً "بأن". ويجوز حذف خبرها للعمل به.
والأكثر فى "عسى" أن تكون للرجاء. وقد تكون للإشفاق (أى: الخوف من وقوع أمر مكروه) مثل قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} - كما سبق فى رقم 2 من هامش ص 563 وكما يجئ فى رقم1 من هامش ص 575.
(حـ) إذا أسند الفعل: "عسى" لضمير رفع المتكلم أو المخاطب جاز فتح السين وكسرها؛ نحو: عسِيَت أن أسْلَمَ من المرض، وعسيَت أن تفوز بالغنى، وعَسِيتما ... وعَسِيتم ... وعَسين ... والفتح أشهر.
(د) فى مثل: عسانَى أزورك - عساك تزورنى، عساه يزورنا من كل تركيب وقع فيه بعد "عسى" الضمير: "الياء" أو "الكاف" أو "الهاء" وهى ضمائر ليست للرفع - تكون: "عسى" حرفاً للرجاء، بمعنى: "لعل" وتعمل عملها، وهذا أيسر الآراء كما سبق. ويجوز اعتبار "عسى" من أخوات "كان" وهذا الضمير فى محل رفع اسمها. ولا يكون كذلك فى غير هذا الموضع والأفضل الإعراب الأول، والاقتصار عليه أحسن.
(هـ) فى مثل: عسى أن يتلطف الطبيب مع المريض - يوجب النحاة إعراب كلمة: "الطبيب" فاعلا للفعل: "يتلطف". ولا يجيزون أن تكون مبتدأ متأخراً، ولا اسماً لعسى الناقصة، ولا غير ذلك. وحجتهم فى المنع أن إعرابها بغير الفاعلية للفعل: "يتلطف" يؤدى إلى وجود كلمة أجنبية فى وسط صلة "أنْ" فمن الخطأ إعراب أن "مصدرية" "يتلطف" مضارع منصوب بها، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على "الطبيب" المتأخر فى اللفظ؛ دون الرتبة؛ وعلة الخطا أن كلمة: "الطبيب" سواء أكانت مبتدأ متأخراً، أم اسماً لعسى، قد وقعت غريبة بين أجزاء صلة "أنْ" لأنها ليست من تلك الصلة، وفصَلتْ بين تلك الأجزاء. ولا يجوز الفصل بأجنبى فى تلك الصلة. ومثل هذا قالوا: فى إعراب كلمة: "رَبّ"، فى قوله تعالى: {عسى أن يبعثك رَبك مقاماً محمودًا} مع إعراب: "مقاماً" ظرف.
و- من الاستعمالات الصحيحة وقوع اللفظ: "حَرًى" اسماً منوناً مع ملازمته الإفراد والتذكير فى جميع حالاته؛ نحو: الصانع حَرًى أن يُكرَم - الصانعان حرًى أنْ يُكرَما - الصانعون حَرًى أن يكرموا - الصانعة حَرًى أن تكرم - الصانعتان حَرًى أن تكرما - الصانعات حرى أنْ يكرمن ... ولفظ: "حَرًى" فى كل الاستعمالات السابقة مصدر معناه: جدير وحقيق؛ فهو مصدر بمعنى الوصف، والأحسن أن يكون مصدراً لفعل تام متصرف ليس فى "أفعال الرجاء" هو الفعل: حَرِىَ - يَحْرَى - حَرًى. وقد يجئ من هذا الفعل التام المتصرف وصف مشتق على: "حَرِىّ" (وزان: غَنِيّ)، وعلى: حَرٍ (وزان: صَدٍ بمعنى: ظمآن) وهذان الوصفان هما صفتان مشبهتان ولا يلتزمان صيغة واحدة، وإنما تلحقهما علامة التثنية والجمع، والتذكير والتأنيث فيقال: المكافح حَرِىّ أو حَرٍ أن يفوز - المكافحات حريَّان، أو حَريَان أن يفوزا - المكافحون حريُّون أو حريُون أن يفوزوا - المكافحة حريَّة أو حَرِيةٌ ... المكافحتان حرِّيتَان أو حَرِيتَان ... المكافحات حَرِيَّات أو حَرِيَات...

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف الناسخة: ("إنّ" وأخواتها.) ) ضمن العنوان ( المسألة 51: أوجه الاختلاف بينها وبين "كان" وأخواتها )


يراد بالحروف الناسخة هنا - سبعة أحرف لا شك فى حرفيتها، وهي:

( 1 )

 

 

المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه
النظافةُ وِقايةٌ من المرض

- إنّ المرءَ مخبوءٌ تحت لسانه
- إن النظافةَ وِقايةٌ من المرض

1- إنّ، بكسر الهمزة مع تشديد النون

( 2 )

 

 

الغضبُ بلاءٌ على صاحبه
العملُ وسيلةُ الرزق

- ثبت أنَّ الغضبَ بلاءٌ على صاحبه
- عرفتُ أنَّ العمل وسيلةُ الرِزق

2- أنّ، بفتح الهمزة مع تشديد النون

( 3 )

 

 

الصمتُ حسنٌ
الرياضةُ مفيدةٌ

- الصمتُ حسنٌ، لكنَّ الكلامَ أحسنُ منه أحياناً
- الرياضةُ مفيدةٌ، لكنَّ الإسرافَ فيها ضارّ

3- لكنّ: بتشديد النون

( 4 )

 

 

وجهُ القط كوجه الأسد
البَرَدُ كالملح فى الشكل

- كأنَّ وجهَ القط وجهُ أسد
- كأنّ البردَ مِلْحٌ

4- كأنّ: بتشديد النون

( 5 )

 

 

الاستعمار زائلٌ
الاستبدادُ صريعٌ

- ليتَ الاستعمارَ زائلٌ
- ليتَ الاستبدادَ صريعٌ

5- ليتَ

( 6 )

 

 

الغائبُ قادمٌ
الصديقُ وفىٌّ

- لعلّ الغائبَ قادِمٌ
- لعلّ الصديقَ وفىٌّ

6- لعل

( 7 )

 

 

مُهملُ عمله خاسرٌ
خائنُ وطنهِ معذبٌ

- لا مهملاً فى عمله كاسبٌ
- لا خائنَ وطنه مطمئنٌّ

7- لا - (وسيجئ لها باب مستقل)

وكل واحد من هذه السبعة يدخل على المبتدأ والخبر بأنواعهما وأحوالهما؛ فيتناولهما بالتغيير فى اسمهما، وفى شئ من ضبط آخرهما؛ إذ يصير المبتدأ منصوباً، ويسمى: اسم الناسخ، ويبقى الخبر مرفوعاً، ويسمى؛ خبر الناسخ، كالأمثلة المذكورة.
ولكل واحد من تلك الحروف معنى خاص يغلب فيه؛ فالغالب فى: "إنّ" و أنّ": التوكيد، وفى "لكنّ" الاستدراك ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها. وفى: "كأن": التشبيه؛ وفى: "ليت" التمنى. وفى: "لعل" الترجى والتوقع. وقد تكون للإشفاق.
شروط إعمالها:
ا- يشترط لعملها ألا تتصل بها: "ما" الزائدة. فإن اتصلت بها "ما" الزائدة - وتسمَّة: "ما" الكافَّة - منعتها من العمل، وأباحت دخولها على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالاسمية. إلا: "ليت" فيجوز إهمالها وإعمالها عند اتصالها بكلمة "ما" السالفة؛ فيجب الإهمال فى مثل: إنما الأمين صديقٌ، ولكنما الخائن عدوّ، وفى مثل قول الشاعر يصف حصاناً ببياض وجهه، وسواد ظهره:
*وكأنما انفَجر الصباح بوجهه * حسْنًا، أو احْتَبَسَ الظلامُ بِمَتْنِهِ*
ويجوز الأمران مع: "ليت" مثل: ليتما علىّ حاضرٌ، أو: لَيّما عَليَا حاضرٌ، وهى فى الحالتين مختصة بالجمل الاسمية.
ب- يشترط فى اسمها شروط، أهمها:
ألا يكون من الكلمات التى تلازم استعمالاً واحداً، وضبطا واحداً لا يتغير؛ كالكلمات التى تلازم الرفع على الابتداء، فلا تخرج عنه إلى غيره؛ ككلمة: "طُوبَى" وأشباهها - فى مثل: طوبى للمجاهد فى سبيل الله. - فإنها لا تكون إلا مبتدأ.
وألا يكون من الكلمات الملازمة للصدارة في جملتها، إما بنفسها مباشرة؛ كأسماء الشرط، و: "كم"....، وإما بسبب غيرها؛ كالمضاف إلى ما يجب تصديره؛ مثل: صاحِبُ مَنْ أنت؟ فكلاهما لا يصلح أسماً.
والسبب: هو أن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فى جملتها (ما عدا "أنّ" فإذا كان اسم واحد منها ملازماً للصدارة وقع بينهما التعارض. ولهذا كان من شروط إعمالها - أيضاً - أن يتأخر اسمها وخبرها عنها.
وألا يكون اسمها فى الأصل مبتدأ واجب الحذف؛ كالمبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت، ثم انقطع عن النعت إلى الخبر؛ نحو: عرفت محموداً العالمُ.
حـ- ويشترط فى خبرها ألا يكون إنشائيًّا، (إلا الإنشاء المشتمل على: "نِعْم" و "بِئْس" وأخواتهما من أفعال المدح والذم) فلا يصح: إن المريض ساعدْهُ. وليت البائسَ لا تُهنْه ... ويصح: إن الأمين نِعْم الرجل، وإن الخائن بئس الإنسان.
وكذلك يشترط فى خبرها إذا كان مفرداً أو جملة - أن يتأخر عن اسمها، فيجب مراعاة الترتيب بينهما؛ بتقديم الاسم وتأخير الخبر، نحو: إن الحقَّ غَلاّب - إن العظائم كفؤُها العظماءُ - إن كبارَ النفوسِ ينفرون من صغائر الأمور، وقول الشاعر:
*إن الأمينَ - إذا استعان بخائن - * كان الأمينُ شريكَه فى المأثِم*
فلو تقدم هذا الخبر لم تعمل، بل لم يكن الأسلوب صحيحاً. وهذا الشرط يقتضى عدم تقدمه على الناسخ من باب أوْلى.
أما إذا كان الخبر غير مفرد وغير جملة، بأن كان شبه جملة: (ظرفاً أو جاراً مع مجروره). فيجوز أن يتقدم على الاسم فقط، فيتوسطه بينه وبين الناسخ عند عدم وجود مانع، نحو؛ إن فى السماء عبرةً، وإن فى دراستها عجائبَ. وقول الشاعر:
*إنّ من الحلْم دلاًّ أنت عارِفُهُ * والحِلْمُ عن قُدرَةٍ فضلٌ من الكرم*
ومثل: إن هنا رفاقاً كراماً، وإن معنا إخواناً أبراراً. وقولهم فى وصف رجل: كانَ والله سمْحاً سهْلا، كأنّ بيْنه وبين القلوب نَسَبا، أو: بينه وبين الحياة سبباً. فإن وُجِد مانع لم يجز تقدمه؛ كوجود لام الابتداء فى نحو: إن الشجاعة لفى قول الحق: حيثَ لا يجوز تقديمه وفيه لام الابتداء...
وهناك حالة يجب فيها تقديمه؛ هى: أن يكون فى الاسم ضمير يعود على شئ فى الخبر الجار والمجرور؛ مثل: إن فى الحقل رجالَه، وإن فى المصنع عمالَه. فاسم الناسخ (رجال وعمال) مشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر؛ (أى: على الحقل، والمصنع)؛ ولو تأخر الخبر لعاد ذلك الضمير على متأخر فى اللفظ وفى الرتبة معاً؛ وهو ممنوع هنا.
ومما تقدم نعلم أن للخبر - فى هذا الباب - ثلاثة أحوال من ناحية تقديمه، أو تأخيره على الاسم.
الأولى: وجوب تأخيره إذا لم يكن شبه جملة، وكذلك إن كان شبه جملة جارا مع مجروره، ولا يعود على المجرور ضمير من الاسم.
الثانية: وجوب تقديمه إذا كان شبه جملة، جارا مع مجروره، وكان الاسم مشتملا على ضمير يعود على المجرور (أى: علىَ بعض الخبر الجار مع مجروره).
الثالثة: جواز الأمرين إذا كان شبه جملة، - غير ما سلف - ولم يمنع من التقدم مانع.
أما معمول الخبر (مثل: إن المتعلم قارئ كتابك، وإنه منتفع بعلمك،) فلا يجوز تقديمه على الحرف الناسخ، لكن يجوز تقديمه على الخبر مطلقاً (أى: سواء أكان المعمول شبه جملة، أم غير شبهها، فتقول: إن المتعلم - كتابَك - "قارئُ، وإنه - بعلمك - منتفع. ففى الجملة الأولى تقدم المعمول: "كتابَك" وليس بشبه جملة؛ وفى الثانية تقدم المعمول شبه الجملة، وهو الجار والمجرور: "بعلم.
كما يصح تقديم معمول الخبر على الاسم والتوسط بينه وبين الناسخ فى حالة واحدة، هى: أن يكون المعمول شبه جملة؛ نحو: إن فى المهد الطفلَ نائم - إن بيننا الودَّ راسخ.
ويؤخذ من كل ما سبق: أنه لا يجوز أن يفصل بين الحرف الناسخ واسمه فاصل إلا الخبر شبه الجملة الذى يصح تقديمه، أو معمول الخبر إذا كان المعمول شبه جملة أيضا الجملة كذلك، كما لا يجوز أن يتقدم على الحرف الناسخ اسمه، أو خبره، أو معمول أحدهما.
زيادة وتفصيل:
ا- قد يحذف الحرف الناسخ مع معموليه أو أحدهما، ويظل ملحوظاً تتجه إليه النية؛ كأنه موجود. وأكثر ما يكون الحذف فى إنّ (المكسورة الهمزة المشدّدة النون)، ومنه قوله تعالى: {أي شركائي الذين كنتم تزعمون} بناء على أن التقدير: تزعمون أنهم شركائى. وقد تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وقد تحذف وحدها ويبقى اسمها وخبرها، وقد يحذف أحدهما فقط، وكل ذلك مع ملاحظة المحذوف ولا يصح شئ مما سبق إذا إذا قامت قرينة تدل على المحذوف مع عدم تأثر المعنى بالحذف، وهذه قاعدة لغوية عامة أشرنا إليها من قبل)؛ هى جواز حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه. بشرط أن تقوم قرينة تدل عليه).
وقد يجب حذف خبر "إن" إذا سَدّ مسده واو المعية، نحو: إنك وخيراً، أى: إنك مع خير، أو سد مسده الحال، نحو: قول الشاعر:
*إنَّ اختيارك ما تبغيه ذائقةٍ * بالله مستظهراً بالحزم والجدّ*
أو مصدراً مكرراً؛ نحو: إن الفائدة سيراً سيراً.
وتختص: "ليت" بالاستغناء عن معموليها، وبأحكام أخرى سبقت شروطها وتفصيلاتها فى رقم 1 من هامش ص 574.
ب- الأنسب الأخذ بالرأى القائل بجواز تعدد الخبر فى هذا الباب على الوجه الذى سبق إيضاحه فى تعدد خبر المبتدأ ص 480، لأن التعدد هنا وهناك أمر تشتد إليه حاجة المعنى أحياناً.
حـ- من العرب من ينصب بهذه الحروف المعمولين؛ كما تنطق الشواهد الواردة به. لكن لا يصح القياس عليها فى عصرنا؛ منعاً لفوضى التعبير والإبانة، وإنما نذكر رأيهم - كعادتنا فى نظائره - ليعرفه المتخصصون فيكشفوا به، فى غير حيرة ولا اضطراب - ما يصادفهم من شواهد قديمة وردت مطابقة له مع ابتعادهم عن محاكاتها.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف الناسخة: ("إنّ" وأخواتها.) ) ضمن العنوان ( المسألة 52: فتح همزة: "إن"، وكسرها )


لهمزة "إنّ" ثلاثة أحوال، وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الأمرين.
الحالة الأولى:
يجب فتحها فى موضع واحد، هو: أن تقع مع معموليها جزءا من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ففى مثل: شاع أن المعادنَ كثيرةٌ فى بلادنا. سرنى أنك بارٌّ بأهلك - لا نجد فاعلا للفعل: "شاع" ولا للفعل: "سَرَّ" مع حاجة كل فعل للفاعل، ولا وسيلة للوصول إليه إلا بسبك مصدر مؤول من: "أنّ" مع معموليها؛ فيكون التقدير: شاع كثرةُ المعادِن فى بلادنا - سرنى برُّك بأهلك وكذلك الفعل: "زاد" فى قول القائل:
*لقد زادنى حُبًّا لنفْسِىَ أننى * بغيضٌ إلىّ كل امرئٍ غير طائلِ*
وفى مثل: عرفت أن المدن مزدحمة - سمعت أن البحار ممتلئةً بالأحياء ... نجد الفعل: "عرف" محتاجاً لمفعول به، وكذلك الفعل: "سمع". فأين المفعولان؟ لا نتوصل إليهما إلا بسبك مصدر مؤول من: "أن" مع معموليها؛ فيكون التقدير: عرفت ازدحامَ المدنِ - سمعت امتلاءَ البحارِ بالأحياء.
وفى مثل: تألمت من أن الصديقَ مريضٌ - فرحت بأن العربىَّ مخلصٌ للعروبة...، نجد حرف الجر: "مِنْ" ليس له مجرور، وكذلك حرف الجر: "الباء" وهذا غيرُ جائز فى العربية. فلا مفر من أن يكون المصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها فى الجملة الأولى هو المجرور بالحرف: "منْ" وفى الجملة الثانية هو المجرور "بالباء". والتقدير: تألمت من مرضِ الصديقِ - وفرِحتُ بإخلاص العربىِّ للعروبة ... وهكذا كل جملة تتطلب اسماً لها، ولا سبيل لإيجاده إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها.
ومن الأمثلة غير ما سبق: "حَقا، أنك متعلمٌ رَفْعٌ لقدرك" - "المعروف أن التعلم نافع". فالمصدر المؤول فى الجملة الأولى مبتدأ، والتقدير: تَعَلمُك رفعٌ لقدرك، أما فى الجملة الثانية فهو خبر، والتقدير: المعروف نَفْعُ التعلم.
ومثله المصدر المؤول بعد: "لولا" حيث يحب فتح همزة "أنّ" نحو: لولا أنك مخلص لقاطعتك. والتقدير: لولا إخلاصك حاصل لقاطعتك.
ومما سبق نعلم أن المصدر المؤول يجئ لإكمال النقص، فيكون فاعلا، أو نائبه، أو مفعولا به، أو مبتدأ، أو خبراً. وقد يكون غير ذلك. كما نفهم المراد من قول النحاة: يجب فتح همزة: "أن" إذا تحتم تقديرها مع معموليها بمصدر يقع فى محل رفع، أو نصب، أو جر.
زيادة وتفصيل:
ا- "أنّ" - مفتوحة الهمزة، مشددة النون - معناها التوكيد - كما شرحنا - وهى مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له، فمن الواجب أن يكون الفعل - وغيره مما هى معمولة له - مطابقاً لها فى المعنى؛ بأن يكون من الألفاظ الدالة على العلم واليقين؛ لكيلا قع التعارض والتناقض بينهما (أى: بين ما يدل عليه العامل، وما يدل عليه المعمول) وهذا هو ما جرت عليه الأساليب الفصيحة حيث يتقدمها ما يدل على اليقين والقطع: مثل: اعتقدت، علمت، ووثِقْت، تيقتنت، اعتقادى... ولا يقع قبلها شئ من ألفاظ الطمع، والإشفاق، والرجاء ... مثل: أردت، اشتهيت، وددْتُ... وغيرها من الألفاظ التى يجوز أن يوجد ما بعدها أوْ لا يوجد؛ والتى لا يقع بعدها إلا "أنْ" الناصبة للمضارع. وهذه لا تأكيد فيها ولا شبه تأكيد؛ فتقول أرجو أن تحسن إلى الضعيف، وأرغب أن تعاون المحتاج. وكالتى فى الآية الكريمة: {والذي أطمعُ أنْ يغْفِرَ لي خطيئتي يوم الدين}. وما ذكرناه فى "أنّ" المشدّدة يسرى على: "أنّ" المفتوحة الهمزة المخففة من الثقيلة؛ فكلاهما فى الحكم سواء، نحو قوله تعالى {علمَ أنْ سيكونُ منكم مرضى}.
ومن الألفاظ ما لا يدل على اليقين ولا على الطمع والإشفاق ولكن يقع بعده "أنْ" المشددة والمخففة الناسختان كما يقع بعده "أنْ" التى تنصب الفعل المضارع. وذلك النوع من الألفاظ هو ما يدل على الظن؛ مثل: ظننت، وحسبت، وخلْت. ومعنى الظن: أن يتعارض الدليلان، ويرجح أحدهما الآخر. وقد يقوى الترجيحُ فيستعمل اللفظ بمعنى اليقين؛ نحو قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم مُلاقو ربهم}، وقد يضعف حتى يصير مشكوكاً فى وجوده: كأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخرى...
ب- لا تكون "أنّ" (المفتوحة الهمزة. المشدة النون) مستقلة بنفسها مع معموليها: فلا بد أن تطون معهما جزءاً من جملة أخرى... غير أنه لا يجوز أن يقع المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" اسماً لأختها المكسورة الهمزة. فإذا أريد ذلك وجب الفصل بينهما بالخبر، فيتقدم بشرط أن يكون شبه جملة نحو: إن عندى أن التجربة خيرُ مرشد. إن فى الكتب السماوية أن الرسل هداةٌ للناس ... وقد سبق أنه يجوز وقوع "أنّ" مع معموليها اسماً للأحرف الناسخة - ومنها: أن - (أى: أن يكون المصدر المؤول اسماً للحرف الناسخ) بشرط أن يتقدم عليه الخبر شبه الجملة.
حـ - أشرنا - فى ص 181 - إلى بعض مواضع المصدر المؤول من "أنّ ومعموليها". وقد يقع فاعلا لفعل ظاهر كما رأينا أو مقدر؛ نحو: اسمع ما أنَّ الخطيب يخطب. أى: ما ثبت أن الخطيب يخطب، (مدة ثبوت خطبته) وذلك لأن "ما" المصدرية الظرفية لا تدخل - فى أشهر الآراء - على الجملة الاسمية المبدوءة بحرف مصدرى. ومثلها العبارة المأثورة: "لا أكلم الظالم ما أنّ فى السماء نجماً. أى: ما ثبت أن فى السماء نجماً...".
ومن الفعل المقدر أيضاً أن يقع ذلك المصدر المؤول بع: "لو" الشرطية؛ نحو: لو أنك حضرت لأكرمتك: فالمصدر المؤول فاعل محذوف، والتقدير: لو ثبت حضورك... لأن "لو" شرطية لا تدخل إلا على الفعل فى الرأى المشهور. والأخذ به أولى من الرأى القائل: إن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف وجوباً، أو مبتدأ لا يحتاج إلى خبر. لأن فيهما تكلفاً وبعداً.
وقد يقع ذلك المصدر نائب فاعل، نحو قوله تعالى: {قُلْ أوحِيَ إليّ أنَّهُ اسْتَمَع نَفرٌ منَ الجنّ...}،وقد يقع خبراً عن مبتدأ الآن، كالأمثلة السالفة، أو بحسب الأصل: نحو: كان عندى أنك مقيم. لكن يشترط فى المبتدأ الذى يقع خبره هذا المصدر المؤول، ثلاثة شروط:
1- أن يكون اسم معنى؛ نحو: الإنصاف أنك تُسَوّى بين أصحاب الحقوق؛ فلا يصح: الأسد أنه ملك الوحوش، بفتح الهمزة. بل يجب كسرها - كما سيجئ-.
2- وأن يكون غير قول؛ فلا يجب الفتح فى مثل: قولى: أن البطالة مهلكة.
3- وأن يكون محتاجاً للخبر المؤول من "أنّ" ومعموليها ليكمل معه المعنى الأساسى للجملة، من غير أن يكون المبتدأ داخلا فى معنى الخبر؛ (أى: من غير أن يكون معنى الخبر صادقاً عليه)، نحو: اعتقادى أنك نزيه. فكلمة: اعتقادى. مبتدأ يحتاج إلى خبر يتمم المعنى الأساسي. فجاء المصدر المؤول ليتممه. والتقدير: "اعتقادى نزاهتك"، فالخبر هنا يختلف فى معناه عن المبتدأ اختلافاً واضحاً. فإن كان المصدر المؤول من: "أن مع معموليها" ليس هو محط الفائدة الأصلية، (أى: ليس المقصود بتكملة المعنى الأساسى؛ كأن يكون معناه منطبقاً على المبتدأ وصادقاً عليه) فإنه لا يعرب خبراً، بل الخبر غيره. كما فى المثال السابق وهو: "اعتقادى أنك نزيه" إذا لم يكن القصد الإخبار بنزاهته والحكم عليها بها، وإنما القصد الإخبار بأن ذلك الاعتقاد حاصل واقع؛ فيكون المصدر المؤول مفعولا به للمبتدأ، والخبر محذوف؛ والتقدير - مثلا - اعتقادى نزاهتَك حاصل أو ثابت....، والمصدر المؤول فى هذا المثال ينطبق على المبتدأ، ويصدق عليه؛ لأن النزاهة هنا هى: الاعتقاد، والاعتقاد هو النزاهة... و ...
وقد يقع المصدر المؤول مفعولا لأجله؛ زرتك أنى أحبك، أو مفعولا معه، نحو: يسنرى قعودك هنا، وأنك تحدثنا. أو مستثنى؛ نحو: ترضينى أحوالك، إلا أنك تخلفَ الميعادَ. ويقع مضافاً إليه بشرط أن يكون المضاف مما يضاف إلى المفرد، لا إلى الجملة؛ مثل: سرنى عملك غير أن خطك ردئ. أى: غير رداءة خطك. فإن كان المضاف مما يضاف إلى الجملة وحدها وجب كسر الهمزة؛ مثل: حضرت حيث إنك دعوتنى، بكسر همزة: "إن" مراعاة للرأى الذى يحتم إضافة "حيث" للجمل، دون الرأى الآخر الذى يبيح إضافتها لغير الجملة.
ومثل المواضع السابقة ما عطف عليها؛ نحو قوله تعالى: {... اذكروا نعمتيَ التي أنعمتُ عليكم، وأني فضَّلتُكم...} فالمصدر المؤول وهو "تفضيلى" معطوف على المفعول به: "نعمة"، وكذلك ما أبدل منها؛ نحو قوله تعالى: {وإذ يَعِدُكُم اللهُ إحدى الطائفتين، أنها لكم...}، فالمصدر المؤول، وهو: استقرارها وكونها ... بدل من إحدى. وهكذا...
ولا يكون هذا المصدر المؤول مفعولا مطلقاً، ولا ظرفاً، ولا حالا، ولا تمييزاً ولا يسدد مسد "مفعول به" أصله خبر عن ذات، نحو: ظننت القادم إنه عالم. فلو فتحت الهمزة لكان المصدر المؤول من: "أنه عالم"؛ مفعولا ثانياً للفعل: "ظننت" مع أن أصل هذا المفعول خبر عن كلمة: "القادم" فيكون التقدير "القادم علِمْ" فيقع المعنى خبراً عن الجنة، وهذا مرفوض هنا إلا بتأويل لا يستساغ مع أنّ.
د- من الأساليب الفصحية: "أحقًّا أنَّ جيرتَنا استَقَلُّوا.... يريدون، أفى حق أن جيرتنا استقلوا. فكلمة: "حقًّا" ظرف زمان - فى الشائع -، والمصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها مبتدأ مؤخر. ولهذا وجب فتح همزة "أن". أى: أفى حق استقلال جيرتنا.
ويصح أن تكون كلمة؛ "حقًّا"، مفعولا مطلقاً محذوف تقديره: حَقَّ (بمعنى: ثَبَت) والمصدر المنسبك فاعله، أى: أحق حقًّا استقلال جيرتنا؟ وأحياناً يقولون: "أمَا أنّ جيرتنا استقلوا". فكلمة: "أمَا" (بتخفيف الميم) بمعنى: حقًّا، ويجب فتح همزة "أن" بعدها.
وخير ما ارتضوه فى إعرابها: أنها مركبة من كلمتين؛ فالهمزة للاستفهام. "ما" ظرف، بمعنى: شئ. ويراد بذلك الشئ: "حق" فالمعنى: "أحقًّا" وكلمة: "إما" مبنية على السكون فى محل نصب، وهى خبر مقدم، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخر.
هـ- قد يَسُدّ المصدر المؤول من أنّ ومعموليها مسد المفعولين إن لم يوجد سواه، نحو: ظننت أن بعض الكواكب صالح للسكنى. وكذلك فى كل موضع تحتاج فيه الجملة إلى ما يكمل نقصها فلا جد غيره، مع عدم مانع يمنع منه...
و- أشرنا من قبل إلى وقوع: "أنَّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجى، فتشارك "لعل" فى تأدية هذا المعنى وتحتاج إلى جملة اسمية بعدها؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أ، يكون لها الصدارة فى جملتها. ولا يصح أن تسبك مع ما بها بمصدر مؤول؛ فهي تخالف "أنَّ" المفتوحة الهمزة، المشددة النون التى معناها التوكيد فى أمور: فى المعنى، وفى وجوب الصدارة، وفى منع السبك بمصدر مؤول.
الحالة الثانية:
يجب كسر همزة: "إن" فى كل موضع لا يصح أن تسبك فيه مع معموليها بمصدر؛ يجب الكسر فيما يأتى:
(1) أن تكون فى أول جملتها حقيقة، نحو: {إنَّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً}، وقول الشاعر يمدح محسناً:
*يُخفِى صنائعَه، واللهُ يُظهرها * إن الجميل إذا أخفيته ظهرَا*
وتعتبر فى أول جملتها حكماً إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح؛ مثل: ألاَ، وأَمَا، نحو: ألاَ إن إنكار المعروف لؤم - أمَا إن الرشوة جريمة من الراشى والمُرتشى. ومثلهما الواو التى للاستئناف، كقول الشاعر:
*وإنى شِقِىٌّ باللئام ولا ترى * شَقِيًّا بهم إلا كريمَ الشمائِل*
وكذلك كل واو أخرى تقع بعدها جملة تامة.
فإن سبقها شىء من جملتها وجب الفتح، نحو: عندى أن الدّين وقاية من الشرور.
(2) أن تقع فى جملة الصلة، بحيث لا يسبقها شئ منها؛ نحو: أحترم الذى (إنه عزيز النفس عندى.)، وكذلك فى أول جملة الصفة التى موصوفها اسم ذات؛ نحو: أحِبُّ رجلا (إنه مفيد). وفى: أول جملة الحال أيضاً؛ نحو: أجِلُّ الرجلَ (إنه يعتمد على نفسه) وأُكْبِرُهُ (وإنه بعيد من الدنايا).
(3) أن تقع فى صدر جملة جواب القسم وفى خبرها اللام؛ سواء أكانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب، أم كانت فعلية فعلُها مذكور؛ نحو: أحلف بالله إن العدلَ لمحبوب. أو غير مذكور، نحو: والله إن الظلم لوخيم العاقبة.
فإن لم تقع فى خبرها اللام لم يجب كسر الهمزة إلا إذا كانت جملة القسم جملة فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن السياحة مفيدة.
يتضح مما سلف أن الكسر واجب فى كل الحالات التى تظهر فيها اللام فى خبر "إنّ". وكذلك فى الحالة التى تحذف فيها تلك اللام من الخبر بشرط أن تكون جملة القسم فعلية، قد حذف فعلها.
(4) أن تقع فى صدر جملة محكيَّة بالقول (لأن المحكىّ بالقول لا يكون إلا جملة، - فى الأغلب - بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن). فتكسر وجوباً فى مثل: قال عليه السلام: (إن الدّين يُسْرٌ). ويقول الحكماء: "إن المبالغة فى التشدد مَدْعاةٌ للنفور"، (فقل للمتشددين: "إن الاعتدال خير")، وكذلك فى الشطر الثانى من بيت الشاعر:
*تُعَيّرنا أنَّا قليلٌ عَدِيدنا * فقلتُ لها: إنّ الكرام قليلُ*
فإن وجد القول ولم تكن محكية به بل كانت معمولة لغيره لم تكسر، نحو: أيها العالمُ، أخُصّك القول؛ إنك فاضل؛ أى: لأنك فاضل؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك لا تكسر إن كان القول بمعنى: الظن، بقرينة تدل على هذا المعنى فيعمل عمله فى نصب مفعولين. - نحو: أتقول المراصدُ أن الجو بارد فى الأسبوع المقبل؟ أى: أتظن (فتفتح مع أنها مع معموليها معمولة للقول؛ لأن القول هنا بمعنى "الظن" ينصب مفعولين فيكون المصدر المؤول منها ومن معموليها فى محل نصب يسدُّ مسدَّ المفعولين...).
(5) أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علِّق عن العمل، بسبب وجود لام الابتداء فى خبرها؛ نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. فإن لم يكن فى خبرها اللام فتحت أو كسرت. نحو: علمت إن الرياءَ بلاءٌ - بفتح الهمزة، أو كسرها.
(6) أن تقع خبراً عن مبتدأ اسم ذات؛ نحو: الشجرة إنها مثمرة وقد يدخل على هذا المبتدأ ناسخ؛ ومنه قوله تعالى: {إنَّ الذين آمنوا، والذين هادُوا، والصابئن، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا - إن الله يَفْصِلْ بينْهم...}. زيادة وتفصيل:
ا- يَعْدّ بعض النحاة مواضع أخرى للكسر، منها: أن تقع "إنَّ" بعد كلمة "كلاّ" التى تفيد الاستفتاح؛ نحو: قوله تعالى: "كلاَّ، إن الإنسان لَيَطْغَى، أنْ رآه اسْتغنى...".
أو يقع فى خبرها اللام من غير وجود فعل للتعليق؛ نحو: إن ربك لسريع العقاب.
أو تقع بعد "حتى" التى تفيد الابتداء نحو: يتحرك الهواء، حتى إن الغصون تتراقص - تفيض الصحراء بالخير، حتى إنها تجود بالمعادن الكثيرة.
والتوابع لشئ من ذلك؛ نحو: إن النشاط محمود وإن الخمول داء...
والحق أن هذه المواضع ينطبق عليها الحكم الأول، وهو أنها واقعة فى مصدر جملتها؛ فلا يمنع من الحكم لها بالصدارة أن يكون لجملتها نوع اتصال معنوى - لا إعرابىّ - بجملة قبلها؛ كمثال: "حتى" السابق ... "وكلاَّ"، فى بعض الأحيان. أما اتصالها الإعرابىّ فيمنع كسرها إن كان ما قبلها محتاجاً إلى المصدر المؤول منها مع معموليها احتياجاً لا مناص منه، كما سبق.
الحالة الثالثة:
جواز الأمرين (أىْ: فتح همزة "إنّ" وكسرها.) وذلك فى مواضع، أشهرها:
(1) أن تقع بعد كلمة: "إذا" الدالة على المفاجأة، نحو: استيقظت فإذا إن الشمس طالعة، وفتحت النافذة، فإذا إن المطر نازل. فالكسر على اعتبار: "إذا" حرف - تبعاً للرأى الأسهل - مع وقوع "إن" فى صدر جملتها الاسمية المصَرّح بطرفيها؛ بأن يُذْكر بعدها اسمها وخبرها. والفتح على اعتبار "إذا" حرف أيضاً والمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها فى محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير: استيقظت فإذا طلوع الشمس حاضر، وفتحت النافذة فإذا نزول المطر حاضر ... ويجوز اعتبار "إذا" الفجائية ظرف زمان أو مكان أيضاً، خبراً مقدماً. والمصدر المنسبك من "أنّ" ومعموليها مبتدأ مؤخر، والتقدير ففى المكان أو فى الوقت طلوع الشمس، أو نزول المطر...
(2)أن تقع فى صدر جملة القسم، وليس فى خبرها اللام؛ بشرط أن تكون جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمْرك إن الرياء فاضحٌ أهلَه، أو فعلية فعلها مذكور؛ نحو: أقسم بالله أن الباغىَ هالكٌ ببغيه. بفتح الهمزة وكسرها فيهما، (فإن كان فعل القسم محذوفاً فالكسر واجب - كما سبق -؛ نحو: بالله إن الزكاة طهارة للنفس). فالكسر بعد جملة القسم الاسمية فى المثال الأول هو على اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة؛ لأنها مع معموليها جملة الجواب لا محل لها من الإعراب. والفتح هو على اعتبار المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض، وشبه الجملة سَد مَسَد جواب القسم، لا محل له. والتقدير: لعمرك قسمى على فضيحة الرياء أهلَه. وكذلك فى المثال الثانى بعد فعل القسم المذكور، فالكسر على اعتبار "إن" مع معموليها جملة الجواب لا محل لها، والفتح على اعتبار المصدر المؤول مجروراً بحرف جرّ محذوف؛ والتقدير: أقسم بالله على هلاك الباغي ببغيه. ويكون الجار مع المجرور قد سد مسد جملة الجواب؛ وأغْنَى عنه - كما سبق -.
(3) أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب، وليس فى خبرها اللام، - طبقاً لما تقدم بيانه -؛ نحو: علمت أن الدِّين عاصمٌ من الزلل.
(4) أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو: مَن يرضَ عن الجريمة فإنه شريك فى الإساءة. فكسر الهمزة على اعتبار "إنّ" مع معموليها جملة فى محل جزم جواب أداة الشرط: "منْ". وفتح الهمزة على اعتبار المصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، أو خبر مبتدؤه محذوف. والتقدير: من يرض على الجريمة فشركته فى الإساءة حاصلة، أو: فالثابت شركته فى الإساءة...
(5) أن تقع بعد مبتدأ هو قول، أو فى معنى القول، وخبرها قول، أو فى معناه أيضاً، والقائل واحد، نحو: قولى: "إنى معترف بالفضل لأصحابه، وكلامى: إنى شاكر صنيع الأصدقاء". فقولى - وهو المبتدأ - مساو فى مدلوله لخبر "إن" وهو: معترف بالفضل، وخبر "إن" مساوية فى المداول كذلك؛ فهما فى المراد متساويات، وقائلهما واحد، وهو: المتكلم.
كذلك: "كلامى"، مبتدأ؛ معناه معنى خبر "إن": (شاكر صنيع الأصدقاء) وخبر "إن" معناه معنى المبتدأ؛ فالمراد منهما واحد، وقائلهما واحد. وهمزة "إنّ" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" مع معموليها جملة. وقعت خبراً. ومع أنها محكية بالقول نصا تعرب فى محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز فتح الهمزة ذا لم تُقصَد "الحكاية"؛ وأنما يكون المقصود هو التعبير عن المعنى المصْدرىّ من غير تقيد مطلقاً بنَصّ العبارة الأولى المعينة، ولا بترديد الجملة السابقة بألفاظها الخاصة فيكون المصدر المؤول من أن مع معموليها فى محل رفع خبر المبتدأ، والتقدير: قولى، اعترافى بالفضل لأصحابه، وكلامى، شكرى صنيع الأصدقاء.
فإن لم يكن المبتدأ قولا أو ما فى معناه وجب الفتح، نحو: عملى أنى أزرع الحقل. والمصدر المنسبك خبر المبتدأ. ويجب الكسر إن لم يكن خبر "إن" قولا أو ما فى معناه، مثل كلمة: "مستريح" فى نحو: قولى إنى مستريح. أو لم يكن قائل المبتدأ وخبر "إن" واحداً؛ فلا يتساوى مدلول المبتدا والخبر، ولا يتوافقان؛ نحو: كلامى إن المريض يصرخ. ففى هاتين الحالتين يجب كسر الهمزة، وتكون "إنّ" مع معموليها جملة فى محل رفع خبر المبتدأ.
زيادة وتفصيل:
ا- سرد بعض النحاة مواضع أخرى يجوز فيها الأمران، ومن الممكن الاستغناء عن أكثرها؛ لفهمها مما سبق. فمما سردوه.
(1) أن تقع "أنّ" مع معموليها معطوفة على مفرد لا يفسدُ المعنى بالعطف عليه. نحو: سرّنى نبوغك، وإنك عالى المنزلة. فيجوز فتح همزة: "أنّ" فيكون المصدر المؤول معطوفاً على نبوغ، والتقدير: سرنى نبوغك وعلو منزلتك. والمعنى هنا لا يفسد بالعطف. ويجوز كسر الهمزة فتكون "إن" فى صدر جملة مستقلة. ومثال ما يفسد فيه المعنى بالعطف فلا يصح فتح الهمزة: لى بيت، وإن أخى كثير الزروع. فلو فتحت الهمزة لكان المصدر المؤول معطوفاً على "بيت" والتقدير: لى بيت وكثرة زروع أخى، وهو معنى فاسد، لأنه غير المراد إذا كان المتكلم لا يملك شيئاً من تلك الزروع. ومثله ما نقله النحاة: "إن لى مالا. وإن عمْراً ناضل" إذ يترتب عليه أن يكون المعنى: إن لى مالا وفضل عمْرو. وهو معنى غير المقصود.
(2) أن تقع بعد "حتى"، فتكسر بعد "حتى" الابتدائية - كما سبق - فى مثل: تتحرك الريح حتى إن الغصون تتراقص ... لوقوعها فى صدر جملة. وتفتح إذا وقعت بعد "حتى" العاطفة، أو الجارة، نحو: عرفت أمورك حتى أنك مسابق، أى: حتى مسابقتَك، بالنصب على العطف، أو بالجر والأداة فيهما: "حتى".
(3) أن تقع بعد "أمّا" (المخففة الميم)، نحو: أمّا إنك فصيح، فتكسر إن كانت "أمَا" حرف استفتاح وتفتح إن كانت بمعنى: "حقًّا" - كما سبق -.
(4) أن تقع بعد. لا جرم، نحو: لا جرم أن الله ينتقمُ للمظلوم.
(5) أن تقع فى موضع التعليل، نحو قوله: (إنَّا كنَّا ندعوه منْ قبلُ، إنه هو البر الرحيم) قرئ بفتح الهمزة، على تقدير لام التعليل؛ أى: لأنه هو البر الرحيم. وقرئ بكسر الهمزة على اعتبار: "إن" فى صدر جملة جديدة. ومثله قوله تعالى: {وصَلِّ عليهم. إن صلاتكَ سكن لهم}. فالفتح على تقدير لام التعليل، أى: لأن صلاتك سكن لهم، والكسر على اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة جديدة...
(6) وقوعها بعد "أىْ" المفسرة؛ نحو: سرنى ابتداعك المفيد، أى: أنك تبتكر شيئا جديداً نافعاً.
(7) أن تقع بعد حيث الظرفية، نحو: أزورك حيث إنك مقيم فى بلدك بفتح الهمزة وبكسرها، فالفتح على اعتبار الظرف: "حيث" داخله على الفرد المضاف إليه وهو المصدر الأول. والكسر على اعتبارها داخلة على المضاف إليه الجملة، وهذا هو الأفصح؛ إذ الأغلب فى "حيث" أن تضاف للجملة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف الناسخة: ("إنّ" وأخواتها.) ) ضمن العنوان ( المسألة 53: لام الابتداء، فائدتها، مواضعها. )


حين نقول: أصل الماس فحم، أو: بعض الحيوانات بَرِّىٌّ بحْرِىٌّ - قد يشك السامع فى صدق الكلام، أو ينكره؛ فنلجأ إلى الوسائل التى ترشد إليها اللغة لتقوية معنى الجملة، وتأكيد مضمونها، وإزالة الشك عنها أو الإنكار. ومن هذه الوسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل أخرى لها مزية التكرار فى تأكيد معنى الجملة، كالقسم، أو: "إنّ" فنقول: والله أصل الماس فحم. إن بعض الحيوانات برّى بحْرىّ. أو: لام الابتداء وتدخل على المبتدأ كثيراً (ولهذا سميت: لام الابتداء)، نحو: لرجلٌ فقير يعمل، أنفعُ لبلاده من غنى لا يعمل. ليدٌ كاسبةٌ خيرٌ من يد عاطلة. وتدخل على غيره، كخبر "إنّ"، نحو: إنّ أبطال السلام لخير من أبطال الحرب. وهكذا باقى الوسائل التى تؤكد مضمون الجملة، وتقوى معناها.
وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها المثبت؛ بالتفصيل الذى أوضحناه فيما سبق، وأوضحنا معه آثارها النحوية، والمعنوية.
ولها مواضع تدخلها جوازاً، وأشهرها ما يأتى:
(1) المبتدأ، كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر:
*ولَلْبينُ خيرٌ من مُقام على أذًى * ولَلمتُ خيرٌ من حياة على ذلِّ*
(2) الخبر المتقدم على المبتدأ؛ نحو: لصادقٌ أنت.
(3) خبر إنَّ (المكسورة الهمزة، المشددة النون) - دون أخبار أخواتها فى فى الرأى الأصح؛ نحو: إن الشتاء لفصل النشاط، وإنه لموسم السياحة فى بلادنا وقول الشاعر:
*إِنَّا - على البِعادِ والتَّفرُّقِ- * لَنلْتَقِى بالفكر إن لم نَلْتقِ*
ولكن يشترط فى خبر "إنّ" الذى تتصدره لام الابتداء ما يأتى:
أن يكون متأخراً عن الاسم، فلا يجوز دخولها فى مثل: إن فيك إنصافاً، وإن عندك ميلاً للحق؛ وذلك لتقدم الخبر.
وأن يكون مثبتاً؛ فلا يصح: إن العمل لَمَا طال بالأمس. أو: إن العمل لَمَا نفعُهُ قليل. بل يجب حذفها قبل "ما" النافية وغيرها من أدوات النفى الداخلة على خبر "إن".
ألا يكون جملة فعلية فعلها ماض، متصرف. غير مقرون بكلمة: "قَدْ"؛ فلا يصح: "إن الطيارة لأسرعتْ..." بل يجب حذف لام الابتداء. فإن كان الخبر جملة فعلية فعلها ماض غير متصرف جاز - فى غير ليس - دخول اللام وعدم دخولها؛ نحو: إن القطار لنعم وسيلةُ السفر، أو نعم وسيلةُ السفر... وإن إسراع السائق لبِئْس العملُ، أو بئس العملُ. بإدخال اللام على "نعم"، و "بئس" أو عدم إدخالها...
وكذلك يجوز إن كان الفعل ماضياً متصرفاً، ولكنه مقرون بكلمة: "قد" فتصحبها اللام أوْ لا تصحبها؛ نحو: إن العلم لقد رَفع صاحبه، أو: رفع...
أما إن كان الخبر جملة فعلية فعلها مضارع مثبت فيجوز دخول اللام على المضارع المثبت سواء أكان متصرفاً أم غير متصرف تصرفاً كاملا، إلا فى حالة واحدة وقع فيها الخلاف؛ هى التى يكون فيها مبدوءاً بالسين، أو سوف. فلا يصح - فى الرأى الأحق - أن تقول: "إن الطائرة لستحضر، أو: لسوف تحضر" بل يجب حذف اللام من هذا المضارع المبدوء بالسين، أو سوف ومن أمثلة دخولها قوله تعالى فى أهل الديانات المختلفة: {وإنَّ رَبَّك لَيَحْكمُ بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}، وقوله عليه السلام: "إن الُجْبَ ليَأكل الحسنات كما تَأكلُ النارُ الحطب".
وإن كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على مبتدئها - وهو الأنسب - أو على خبره؛ نحو: إنّ الكهرَبا لأثرُها عميق فى حياتنا... أو: إنّ الكهرَبا أثرُها لعميقٌ فى حياتنا.
(4) معمول خبر "إنّ" بشرطين: أن يكون هذا المعمول متوسطاً بين اسمها وخبرها أو غيرهما من الكلمات الأخرى التى دخلت عليها "إنّ"، وأن يكون الخبر خالياً من لام الابتداء، ولكنه صالح لقبولها. ففى مثل: إن الشدائد مُظهرةٌ أبطالا، وإن المحن صاقلةٌ نفوساً، يصح تقديم معمول الخبر مقروناً بلام الابتداء؛ فنقول: إن الشدائدَ - لأبطالا- مظهرةٌ، وإن المحن - لنفوساً - صاقلةٌ. فإن تأخر المعمول لم يجز إدخال اللام عليه؛ كما فى المثالين السابقين قبل تقديمه.
وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر مشتملا عليها، ففى مثل: إن العزيزَ ليرْفُضُ هواناً - لا يصح: إنّ العزيزّ لهواناً ليرفضُ.
وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر الحالى منها غير صالح لها؛ كأن يكون جملة فعلية، فعلها ماض، متصرف، غير مقورن بكلمة "قد"؛ ففى مثل: إنّ الحرَّ رَضِىَ كفاحاً - لا يصح أن نقول: إن الحُرَّ لَكِفَاحاً رَضِىَ.
(5) ضمير الفصل؛ نحو: إن العظمة لهى الترفع عن الدنايا، وإن العظيم لهو البعيد عن الأدناس. وإذا دخلت على ضمير الفصل لم تدخل على الخبر.
(6) اسم "إن" بشرط أن يتأخر ويتقدم عليه الخبر شبه الجملة؛ مثل: إن أمامك لمستقبلا سعيدا، وإن فى العمل الحرّ لمجالا واسعاً، وقول الشاعر يخاطب زوجته:
*إن من شيمتى لَبذلَ تِلادِى * دون عِرضى. فإن رضيتِ فكونى*
وإذا دخلت على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف الناسخة: ("إنّ" وأخواتها.) ) ضمن العنوان ( المسألة 54: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وقبله. )

 

إن الأقمارَ دائراتٌ فى الفضاء، والشموسَ ُ.
إنّ الشعر محمودٌ فى مواطنَ - والنثرَ ُ.
إنّ الإهمال مفسدٌ للأعمال - والجهلَ ُ
إنّ الحديد دِعامة الصناعة - والنِّفْطَ ُ

 

 

كيف نضبط الأسماء التى تحتها خط، وهى: (الشموس - النثر - الجهل - النِّفْط....) وأشباهها من كل اسم تأخر عن "إن" ومعموليها، وكان معطوفاً على اسمها.....

يجوز أمران، النصب والرفع. ويكفى معرفةُ هذا الحكم من غير تعليل. وبالرغم من جواز الأمرين فالنصب هو الأوضح والأنسب؛ لموافقته الظاهرية لاسم "إنّ"، أى: للمعطوف عليه؛ فلا عناء معه ولا شبهة.
فإن تأخر خبر "إنّ" وتوسط ذلك المعطوف بينه وبين اسمها - فالأحسن اتباع الرأى القائل بجواز الأمرين أيضاً، وبعدم وجوب النصب. ومع عدم وجوبه فهو الأوضح والأنسب؛ كما سبق.

إن القاهرةَ ودِمَشقَ ُ حاضرتان عظيمتان
إن مكة والمدينةَ ُ مكرَّمان
إنّ العدالة والنصَفَةَ ُ كفيلتان بالأمن والرخاء
إن الظلمَ والاستبدادَ ُ مؤذنان بخراب العُمران

 

 

من التيسير الحسن إجازة النصب والرفع فى كل كلمة من: (دمشق - المدينة - النصفة - الاستبداد...) وأشباهها، مع الانتصار، على معرفة هذا الحكم دون تعليله

فيكون الحكم فى الحالتين واحداً والقاعدة مطردة، سواء أكان المعطوف متقدماً على الخبر متوسطا بينه وبين الاسم، كهذه الأمثلة، أم متأخراً عنهما معا، كالأمثلة الأولى.
هذا، وكل ما قيل فى حكم المعطوف بعد استكمال "إن" خبرها، وقبل استكمالها - يقال أيضاً بعد حرفين من أخواتها، هما: أنّ (المفتوحة الهمزة، المشددة النون) و "لكنّ" المشددة النون، سواء أكان العطف قبل استكمالهما الخبر أم بعده، فالحروف الثلاثة الناسخة: (إنّ - أنّ - لكنّ) مشتركة فى الحكم السالف. تقول: علمت أنّ طائرة مسافرةٌ وسيارةً ٌ، أو علمت أن طائرةً وسيارةً ٌمسافرتان، ينصب كلمة: "سيارة" ورفعها، مع تقدمها على الخبر وحده، أو تأخرها عنه. كما تقول الفواكه كثيرة فى بلادنا، لكنّ التفاحَ قليل. والبُرقوقَ ُ. أو لكنّ التفاح والبُرقوقَ ُ قليلان، بنصب كلمة: "البرقوق" أو رفعهما مع التقدم على الخبر وحده أو التأخر عنه.
أما "ليت" و "لعل" و "كأن" فلا يجوز معها فى المعطوف إلا النصب؛ سواء أوقع بعد استكمالها الخبر أم قبل استكمالها. مثل: ليت الأخ حاضر والصديقَ، أو ليت الأخَ والصديقَ حاضرِان؛ بنصب كلمة: "الصديق" فى الحالتين. ومثل: لعل العلاجَ مفيدٌ والدواءَ، أو: لعل العلاجَ والدواءَ مفيدان. بنصب كلمة: "الدواء" فيهما. ومثل: ليت الصحة دائمة والثروةَ، أو: ليت الصحة "والثروةَ" دائمتان. بنصب كلمة: الثروة فيهما.
ونستخلص مما تقدم:
ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقاً، (أىْ: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته؛ وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه) إلا "لا" الجنسية فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجئ فى بابها.
ب- امتياز: إنّ، وأنّ، ولكنّ - دون أخواتها - بجواز شىء آخر هو صحة رفع المعطوف على اسمها؛ سواء أكان المعطوف متوسطاً بين الاسم والخبر أم متأخراً عن الخبر.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب الحروف الناسخة: ("إنّ" وأخواتها.) ) ضمن العنوان ( المسألة 55: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة. )


فأما "إنَّ" (المكسورة الهمزة، المشددة النون) فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة. وعندئذ تصلح "إنْ" للدخول على الجمل الاسمية والفعلية، بعد أن كانت مع التشديد مختصة بالنوع الأول.
(ا) فإن خففت ودخلت على جملة اسمية جاز إبقاء معناها وعملها وسائر أحكامها التى كانت لها قبل التخفيف، وجاز إبقاء معناها دون عملها فتصير مهملة ملغاة. مثل: إنْ جريراً لشاعرٌ أمَوِىٌّ كبير، أو: إنْ جريرٌ لشاعر أموى كبير. مثل: إنْ أبا حنيفة لإمام عظيم، أو: إنْ أبو حنيفة لإمام عظيم. بنصب كلمتى. جريراً و "أبا" على الإعمال، وبرفعهما على الإهمال... وإهمالها أكثر فى كلام العرب، ويحسن - اليوم - الاقتصار عليه.
وإذا أهملت - مع دخولها على جملة اسمية - وجب مراعاة ما يأتى: (ا) أن يكون اسمها قبل أهمالها - اسماً ظاهراً لا ضميراً؛ مثل: إنْ بَغدادُ لبلد تاريخى مشهور.
(2) أن تشتمل الجملة التى بعدها على لام الابتداء؛ لتكون رمزاً للتخفيف، ودالة على أنها ليست النافية، ولذا قد تسمى: اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية؛ مثل: إنْ تونُسُ لَرِجالُها عرب. ويجوز تركها والاستغناء عنها متى وجدت قرينة واضحة تقوم مقامها فى تبيين نوع "إنْ"، وأنها المخففة، وليست النافية، لكن عدم تركها أفضل. ولا فرق فى القرينة بين أن تكون لفظية فى أو معنوية، والمعنوية أقوى. ومن القرائن الفظية أن يكون الخبر فيها منفيًّا مثل: إنْ المجاملةُ لن تضرَّ صاحبها. فكلمة "إنْ" مخففة، وليست نافية؛ لأن إدخال النفى على النفى لإبطال الأول قليل فى الكلام الفصيح: إذ يمكن مجئ الكلام مثبتاً من أول الأمر، من غير حاجة إلى نفى النفى المؤدى للإثبات بعد تطويل. ومثال القرينة المعنوية: إنْ العاقلُ يتبع سبيل الرشاد. إنْ المحسنُ يكون محبوباً. إنّ الاستقامةُ تجلب الغِنى؛ إذ المعنى يفسد على اعتبار "إنْ" للنفى فى هذه الأمثلة... ومن هذا النوع قول الشاعر:
*أنا بانُ أبَاةِ الضَّيْمِ من آلِ مالكٍ * وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ*
فلو كانت "إنْ" للنفى لكان عجز البيت ذمًّا فى قبيلة مالك، مع أن صدرهُ لمدحها.
(3) أن يكون الخبر من النوع الذى يصلح لدخول اللام عليه وقد سبق بيانه.
(ب) وإن خُفِّفت ودخلت على جملة فعلية وجب الإهمال، وأن يكون الفعل بعدها ناسخا؛ مثل: الحريةُ عزةٌ، وإنْ كانت لأمنيةَ النفوس الكبيرة، وقول أعرابيّ لأحد الفتيان: رَحِم الله أباك، وإنْ كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا، ومثل: إن يكادُ الذليلُ ليألفُ الهوان. ومثل: إنْ وجدْنا المنافق لأبْعَدَ من إكبار الناس وتقديرهم.
زيادة وتفصيل:
ا- من الأمثلة العربية المسموعة: إنْ يَزينُك لَنَفسُك، وإنْ يَشينُك لَهِيَهْ. وقد سبق، ومنها إنْ قَنَّعتَ كاتبك لسَوْطاً. وقول الشاعر:
*شَلَّتْ يمينُكَ إنْ قتلت لمُسلماً * حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمد*
وهى أمثلة يستشهد بها النحاة على وقوع الأفعال غير الناسخة بعد "إنَّ" إذا خففت. ولا داعى لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة. وحسبنا أن نتبين معناها، والغرض الذى نستعملها فيه، دون القياس عليها من هذه الناحية.
ب- بمناسبة تخفيف "إنّ" يعرض النحاة للقراءات التى فى قوله تعالى: {وإنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِينَّهم رَبُّك أعمالَهم}، وتوجيه كل قراءة. وإليك بعض ذلك.
(1) (وإنَّ كلاً لَمَا ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم) بتشديد النون، وتخفيف "ما"، فيكون الإعراب: "كلاًّ" اسم إن. "لما"؛ اللام لام ابتداء، "ما" زائدة؛ لتفصل بين اللامين. "ليوفينهم" اللام للابتداء؛ لتوكيد الأولى، والجملة بعدها خبر "إنّ".
ويصح إعراب آخر: "كُلاًّ" اسم إن المشددة. "لَمَا" اللام لام الابتداء، "ما": اسم موصول خبر "إنّ" مبنى على السكون فى محل رفع. "لَيُوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب جواب قسم محذوف؛ وجملة القسم وجوابه صلة "ما"، والتقدير: "لَمَا والله لَنوفَّينَّهم". وجملة القسم وإن كانت إنشائية - هى لمجرد التأكيد. والصلة فى الحقيقة جوابه. أى: (وإنّ كلا لَلّذين والله ليوفينهم) لهذا لا يقال إن جملة القسم هنا إنشائية مع أن جملة الصلة لا تكون إلا خبرية).
(2) (وإنْ كُلاًّ لَمَا ليوفنيهمْ ربك أعمالهم) بتخفيف "إنْ" و "ما" مع إعمال "إنْ" كأصلها. والإعراب لا يختلف عما سبق؛ فيصح هنا ما صح هناك.
(3) (وإنْ كُلٌّ لَمَا لَيُوَفِّينَّهم....) بتخفيف "إنْ" و "ما". فكلمة "إنْ" مهملة. كل: مبتدأ. وما بعد ذلك يصح فيه الأوجه السالفة فى الصورة الأولى مع ملاحظة أن الأخبار هنا تكون للمبتدأ.
(4) (وإنْ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم) بتخفيف "إنْ" وتشديد "لمَّا" والإعراب يجرى على اعتبار "إنْ" حرف نفى، و "لما" أداة استثناء بمعنى: "إلا" و "كلاًّ" مفعول به لفعل تقديره: أرى - مثلاً - محذوف، و "ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة، بعدها جوابه؛ أى: ما أرى كلاًّ إلى والله ليوفينهم.
(5) (وإنَّ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم) بتشديد "إنّ" و "لمَّا" والأحسن اعتبار "لما" حرف جزم، والمجزوم محذوف، والتقدير: (وإنّ كلاًّ لمَّا يُوَفَّوْا أعمالهم)... "ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها جوابه، والقسم وجوابه كلام مستأنف.
وعلى ضوء ما تقدم نعرب قوله تعالى: (وإنْ كلٌّ لمَّا جميعٌ لديْنا مُحْضَرون) فعند تشديد "لما" تكون بمعنى "إلا"، و "إنْ" المخففة حرف نفى. "كل" مبتدأ، جميع: خبره، "محضرون" نعت للخبر، مرفوع بالواو، "لدى" ظرف متعلق به، مضاف، "نا" مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر.
وعند تخفيف "ما" يكون الإعراب، كما يأتى:
"إنْ" مهملة "كُلّ" مبتدأ. "لمَا" اللام لام الابتداء، "ما" زائدة، "جميع" مبتدأ ثان "محضرون" خبر الثانى، والثانى وخبره خبر الأول. "لدينا" "لدى" ظرف متعلق بكلمة "محضرون". "نا" مضاف إلى الظرف. ويجوز فى هذه الآية وسابقتها إعرابات وتوجيهات أخرى.
* * *
وأما "أنّ" (مفتوحة الهمزة، مشددة النون) فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وترك الأولى ساكنة؛ نحو: أيقنت أنْ" (علىٌّ شجاعٌ).
ويتحتم اعتبار "أنْ" مخفَّفة من الثقيلة متى وجدت علامة مما يأتى:
1- أن تقع بعد ما يدل على اليقين والقطع، مثل: أيقَن، تيقَّن، جزَم، عَلِم، اعتَرف التى بمعنى: عَلِمَ، أو: أقَرَّ، اعتقادى، لا شَكَّ. وغيرها من الأفعال أو الألفاظ التى تفيد اليقين؛ نحو: أيقنت أنْ عدلٌ من الله كلُّ جزائه. وقول الشاعر:
*أأنت أخى ما لم تكنْ لى حاجةٌ؟ * فإن عرَضتْ أيقنت أنْ لا أخا ليا*
2- أن تدْخل على فعل جامد، أو رُبّ، أو حرف تنفيس؛ نحو: اعتقادى أنْ ليس لشفقة الوالدين مثيل؛ وقول الشاعر:
*وإنى رأيت الشمسَ زادت محبةً * إلى الناس أن ليْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ*
ومثل:
*أجِدَّكِ ما تَدرينَ أنْ رُبَّ ليلةٍ * كأن دُجَاها من قُرونِكِ يُنْشَرُ*
وقول الناصح لسامعيه:
*فإنْ عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا * أنْ سوف تَلْقَوْن خِزْيًا ظاهر العار*
3- أن يقع بعدها فعل دعاء، نحو أطال الله عمرك، وأن هيَّأ لك المستقبل السعيد.
4- أن تكون داخلة على جملة اسمية مسبوقة بجزء أساسى من جملة - لا بجملة كاملة - بحيث يكون المصدر المؤول من: "أنْ" المخففة والجملة الاسمية التى دخلت عليها - مكملاً أساسياً للجزء السابق. كقوله تعالى: {وآخِرُ دعوهم أنِ الحمد للهِ ربّ العالمين}. فالمصدر المؤول خبر المبتدأ. "أخِر". وقول الشاعر:
*كفى حزَنًا أنْ لا حياةَ هنيئةٌ * ولا عملٌ يرضَى به اللهُ - صالحُ*
فالمصدر المؤول فاعل: "كفى".
ويترتب على التخفيف أربعة أحكام، يوجب أكثر النحاة مراعاتها:
أولها: إبقاء معنى: "أنّ" وعملها على حالهما الذى كان قبل التخفيف.
ثانيهما: أن يكون اسمها ضميراً محذوفاً، ويغلب أن يكون ضمير شأن محذوف كالمثال السابق؛ وهو: أيقنت أنْ (علىٌّ شجاعٌ).
ثالثها: أن يكون خبرها جملة؛ سواء أكانت اسمية أم فعلية؛ نحو: علمتُ أنْ حاتمٌ أشهرُ كرام العرب، وأيقنت أن قد أشْبَههُ كثيرون.
رابعها: وجود فاصل - فى الأغلب - بينها وبين خبرها إذا كان جملة فعلية، فعلها متصرف، لا يقصد به الدعاء. والفاصل أنواع.
(ا) إما "قد" نحو: ثبت أنْ قد ازدهرت الصناعة فى بلادنا، ونحو قول الشاعر:
شَهِدْتُ بأنْ قدْ خُطَّ ما هو كائنٌ * وأنَّكَ تَمْحُو ما تَشَاءُ وتُثْبِتُ*
(ب) وإما أحد حرفي التنفيس مثل: أنت تعلم أن سأكونُ نصير الحق، قول الشاعر:
*وإذا رأيتَ من الهلال نُمُوّهُ * أيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملا*
وقول الآخر:
*واعلمْ - فَعلُم المرءِ يَنْفَعُهُ - *أنْ سَوْفَ يأتِى كُل ما قُدِرَا*
(حـ) وإما حرف نفى من الحروف الثالثة التى استعملها العرب فى هذا الموضع؛ وهى: (لا - لن - لم). نحو: أيقنت أنْ لا يَغْدِرُ الشريفُ، وأنْ لن يحيد عن الحق. ووثقت أنْ لم ينصر الله المبطلين. ومن الأمثلة قوله تعالى: {وحسبوا أنْ لا تكونُ فتنةُ} فى قراءة من رفع "تكونُ". وقوله: {أيحسبُ أنْ لنْ يَقْدرَ عليه أحد}، وقوله تعالى: {أيحسب أنْ لم يرهُ أحد}.
(د) وإما "لو" والنص عليها فى كتب النحاة قليل مع أنها كثيرة فى المسموع؛ نحو: أوقن أنْ لو أخلصنا لبلادنا لم يطمع الأعداء فينا.
(ا) أن يكون الخبر جملة اسمية نحو قوله تعالى: {وآخرُ دعواهم أنْ الحمدُ لله ربِّ العالمين}، ونحو: الثابت أنْ انتقامٌ من الله يحلّ بالباغى. إلا عند إرادة النفى نحوَ: عقيدتى أنْ لا كاذبَ محترم؛ ومنه: أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ.
(ب) أن يكون الخبر جملة فعلية جامد؛ نحو قوله تعالى: {وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى}. وثقت أنْ ليس للكرامة مكان فى نفوس الأدنياء.
(حـ) أن يكون الخبر جملة فعلية؛ فعلها متصرف، ولكن قصد به الدعاء كالذى رواه أعرابى عن أخيه الواقف يدعو: أسأل ربى التوفيق لما يرضيه، ودوام العافية علىّ - ونظر إلىّ وصاح -: وأنْ كتب الله لك الأمن والسلامة ما حييت، وأن أسبْغَ عليك نِعَمه ظاهرة وباطنة فى قابل أيامك، وأنْ أهْلَك كلَّ باغٍ يَتَصَدّى لإيذائكَ.
وفى الرسم التالى بيان للصور السالفة:

الجملة الواقعة خبر (( أنْ )) المخففة

جملة لا تحتاج لفاصل

جملة تحتاج لفاصل

 

 

 

 

 

 

 

الجملة الفعلية التي فعلها متصرف غير دعائي --

 

الجملة الإسمية

الجملة الفعلية التي فعلها جامد

الجملة الفعلية التي فعلها متصرف ولكنه للدعاء

 

والفاصل : هو قد ، أو : التنفيس ، أو : النفي ، أو : لو












زيادة وتفصيل:
ورد فى بعض النصوص القديمة - اسم "أنْ" المخففة من الثقيلة ضميراً بارزاً، لا ضميراً محذوفاً. ومعه الخبر جملة فعلية أو مفرد. من ذلك قول الشاعر يخاطب زوجته:
*فلوْ أنْكِ فى يوم الرَّخاءِ سألتِْنى * طلاقَكِ، لم أبخَلْ وأنتِ صَديقُ*
فقد وقعت "الكاف" اسم: "أنْ" وخبرها جملة: سألتنى. ومثل قول الآخر:
*لقد علمَ الضيفُ والمرْمِلون * إذا اغبرَّ هُناكَ تكون الشِّمالا*
ففى البيت الثانى تكررت "أنْ" المخففة مرتين، واسمها ضمير "بارز" فيهما، وخبر الأولى مفرد، وهو كلمة: "ربيع"، وخبر الثانية جملة فعلية هى: "تكون الثمال". وقد وصفت هذه الأمثلة الشعرية بأنها شاذة، أو بأنها لضرورة الشعر، كما وُصفت نظائرها النثرية بأنها شاذة. فالواجب أن نقتصر على الكثير الشائع الذى سردنا قواعده وضوابطه، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، ليعرفها المتخصصون فيستعينوا بها على فهم ما قد يكون لها من نظائرها قديمة. دون أن يحاكوها.
* * *
وأما "كأنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة (بحذف الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة) ويترتب على التخفيف أمور؛ منها:
(ا) أن معناها لا يتغير، وإعمالها واجب.
(ب) أن اسمها - فى الأغلب - يكون ضميراً للشأن. أو لغير الشأن؛ فمثال الأول. كأنْ عصفورٌ سهمٌ فى السرعة، أى: كأنه (الحال والشأن) عصفورٌ سهمٌ. ومثال الثانى: يَدُقُّ البَرَدُ النافذةَ، وكأنْ حجرٌ، أى: كأنه حجر. ولو قلنا: يَدُق البرَدُ النافذة وكأنْ "حجر" صغير يَدُق - لجاز الاعتباران وقد اجتمعت المشددة والمخففة فى قوله تعالى يصف المُضَلِّل عن سبيله: {وإذا تُتْلَى عَليْه آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كأنْ لمْ يسمعْها؛ كأنَّ فى أذنيهِ وَقْراً}.
(حـ) أن خبرها لا بد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن. فإن كانت اسمية فلا حاجة لفاصل بينها وبين "كأن" مثل: كأنْ سبَّاحٌ فى سباحته سمكة فى انسيابها. وإن كانت فعلية، فالأحسن الفصل بالحرف: "قد" قبل الماضى المثبت، وبالحرف: "لم" قبل المضارع المنفى، نحو: كأنْ قد هَوَى الغريقُ فى البحر؛ كصخرة هَوَتْ فى الماء، وكأنْ لم يكن بين الغرق والنجاة وسيلة للإنقاذ.
وأما "لكنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة (فتحذف الثانية المفتوحة، وتبقى الأولى ساكنة).
ويترتب على التخفيف وجوب إهمالها، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمية؛ فتدخل على الاسمية، وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ويبقى لها معناها بعد التخفيف وهو: الاستدراك. ومن الأمثلة قول الشاعر:
*ولستُ أجازِى المعتدِى باعتدائه * ولكنْ بصفح القادر المتَحِلِم*
وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها المشددة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب "لا" النافية للجنس ) ضمن العنوان ( المسألة 56: معناها، معنى التى لنفى الوحدة اتفاق معناهما فى غير المفرد. صدارتها. )


نسوق بعض الأمثلة لإيضاح معناها:
حين نقول: لا كتابٌ فى الحقيبة؛ بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها -، ورفع كلمة: "كتاب" - التى للمفرد) يكون معنى التركيب مُحتَمِلا أمرين:
أحدهما: نفى وجود كتاب واحد فى الحقيبة، مع جواز وجود كتابين أو أكثر فيها.
والآخر: نفى وجود كتاب واحد، وما زاد على الواحد؛ فليس بها شئ من الكتب مطلقاً. فالتركيب مُحتمِل للأمرين، ولا دليل فيه يعين أحدهما، ويمنع الاحتمال.
وكذلك حين نقول: لا مصباحٌ مكسوراً، (بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها - ورفع كلمة: "مصباح" التى للمفرد) فإن التركيب يحتمل أمرين:
أحدهما: نفى وجود مصباح واحد مكسور، ولا مانع من وجود مصباحين مكسورين؛ أو أكثر.
والآخر: نفى وجود مصباح واحد مكسور وما زاد على الواحد أيضاً. فلا وجود لشئ من جنس المصابيح المكسورة. فالتركيب يحتمل نفى الواحد المكسور فقط، كما يحتمل نفى الواحد وما زاد عليه.
ومثل هذا يقال فى: لا سيارةٌ موجودةً، بإدخال "لا" على جملة اسمية الأصل، ورفع كلمة: "سيارة" - التى للمفردة) حيث يحتمل التركيب الأمرين: نفى وجود سيارة واحدة، دون نفى سيارتين وأكثر، ونفى وجود شىء من جنس السيارات مطلقاًن فلا وجود لواحدة منها؛ ولا لأكثر.
مما سبق نعلم: أن، "لا" فى تلك الأمثلة - وأشباهها - تدل على نفى يُحتَمل وقوعُه على فرد واحد فقط، أو على فرد واحد وما زاد عليه. ولمّا كان النفى بها صالحاً لوقوعه على الفرد الواحد سماها النحاة: "لا" - التى لنفى الوَحْدة (أى: الواحد) وهى إحدى الحروف الناسخة التى تعمل عمل "كان" الناقصة.
فإذا أردنا أن تدل الأمثلة السابقة وأشباهها على النفى الصريح العام ودب أن نضبط تلك الألفاظ ضبطاً آخر؛ يؤدى إلى هذا الغرض؛ فنقول: لا كتابَ فى الحقيبة؛ - لا مصباحَ مكسورٌ - لا سيارةَ موجودةٌ، فضبط تلك الكلمات المفردة بهذا الضبط الجديد - وهو بناء الاسم على الفتح، ورفع الخبر، كما سيجئ - يجعل النفى فى كل جملة صريحاً فى غرض واحد؛ لا احتمال معه لغيره، كما يجعله عامًّا؛ ينصبُّ على كل فرد؛ فيقع على الواحد، وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة، وما فوقها، ولا يسمح لفرد أو أكثر بالخروج من دائرته.
ومثل هذا يقال فى نحو: لا مهملاً عملَه فائزٌ - لا راغباً فى المجد مُقصّرٌ... ونحوهما مما يقع فيه الاسم منصوباً بعد: "لا" وليس مرفوعاً، والخبر هو المرفوع - على الوجه الذى سنشرحه - فهى تنفى الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشئ الذى دخلت عليه نفيًا صريحًّا وعاماً؛ كما قلنا: وهذا مراد النحاة بقولهم فى معناها:
"إنها تدل على نفى الحكم عن جنس اسمها نصًّا". أو "إنها لاستغراق حكم النفى لجنس اسمها كله نصًّا." ويسمونها لذلك؛ "لا" - النافية للجنس". أى: التى قصد بها التنصيص على استغراق النفى لأفراد الجنس كله. تمييزاً لها من: "لا" التى لنفى الوَحْدَة؛ فليست نصًّا فى نفى الحكم عن أفراد الجنس كله؛ وإنما تحتملِ نفيه عن الواحد فقط، وعن الجنس كله؛ على ما عرفنا.
عملها وشروطه:
"لا" النافية للجنس حرف ناسخ من أخوات: "إنًَّ" ينصب الاسم: ويرفع الخبر. ولكنها لا تعمل هذا العمل إلا باجتماع شروط ستة:
أولهما: أن تكون نافية. فإن لم تكن نافية لم تعمل مطلقاً.
ثانيهما: أن يكون الحكم المنفى بها شاملا جنس اسمها كله، (أى: منصبًّا على كل فرد من أفراد ذلك الجنس). فإن لم يكن كذلك لم تعمل عمل "إنّ"،: نحو: لا كتابٌ واحدٌ كافياً....، إذ أن كلمة: "واحد" قد دلت دلالة قاطعة على أن النفى ليس شاملا أفراد الجنس كله، وإنما هو مقصور على فرد واحد.
ثالثهما: أن يكون المقصود بها نفى الحكم عن الجنس نصًّا - لا احتمالا - فإن لم يكن على سبيل التنصيص لم تعمل عمل "إنّ" كالأمثلة السالفة أول البحث.
رابعها: ألا تتوسط بين عامل ومعموله (بأن تكون مسبوقة بعامل قبلها يحتاج لمعمول بعدها) كحرف الجر فى مثل: حضرت بلا تأخير وقول الشاعر:
*مُتارَكةُ السَّفيه بلا جوابٍ * أشَدُّ على السَّفيه من الجواب*
خامسها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين فإن لم يكونا كذلك لم تعمل: مطلقاً ولا تعد من أخوات "إنّ" ولا "ليس"؛ كالتى فى قول الشاعر:
*لا القومُ قومى، ولا الأعْوان أعْوانى * إذا وَنا يوم تحصيل العُلا وانِى*
سادسها: عدم وجود فاصل بينها وبين اسمها. فإن وجد فاصل اهْملَتْ (أى: لم تعمل شيئاً) وتكررت؛ نحو: لا فى النبوغ حَظ لكسلان، ولا نصيبٌ. وهذا الشرط يستلزم الترتيب بين معموليها فلا يجوز أن يتقدم الخبر - ولو كان شبه جملة - على الاسم. فإن تقدم مثل: لا لهازلِ هيبةٌ ولا توقير - لم تعمل مطلقاً.
وكذلك لا يجوز تقدم معمول الخبر على الاسم؛ ففى مثل: لا جندىَّ تاركٌ ميدانَه... لا تعمل حين نقول، لا ميدانَه جندىٌّ تاركٌ.
فإذا استوفت شروطها وجب إعمالها: (إن اقتضى المعنى ذلك؛ سواء أكانت واحدة، أم متكررة - على التفصيل الذى سنعرفه).
* * *
حكم اسم "لا" المفردة؛ (أى: المنفردة التى لم تتكرر). لهذا الاسم حالتان:
الأولى: أن يكون مضافاً أو شبيهاً بالمضاف. وحكمه وجوب إعرابه، مع نصبه بالفتحة، أو بما ينوب عنها. فمن أمثلة المضاف:

لا قولَ زُورٍ نافعٌ..................................

كلمة: (قول) اسم "لا"، منصوبة بالفتحة، لأنها اسم مفرد: ومضاف.

لا أنصارَ خيرٍ متنافورن..........................

كلمة: (أنصار) اسم "لا"، منصوبة بالفتحة لأنها جمع تكسير، ومضاف.

لا ذا أدبٍ نمامٌ.......................................

كلمة: (ذا) اسم "لا"، منصوبة بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنها من الأسماء الستة، مضافة.

لا نصيحتىْ إخلاصٍ أنفعُ من نُصح الوالدين

كلمة: (نصيحتى...) اسم "لا"، منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها، مثنى مضاف؟

لا خائِنى وطنٍ سالمون............................

كلمة: (خائنى...) اسم "لا" منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها جمع مذكر؛ مضاف.

لا مهملاتِ عملٍ مُكرماتٌ.........................

كلمة: (مهملات) اسم "لا"، منصوبة بالكسرة نيابة عن الفتحة: لأنها جمع مؤنث سالم مضاف.

ومن أمثلة الشبيه بالمضاف:

لا مرتفعاً قدرهُ مغمورٌ...
لا بائعاً دينَه بدنياه رابحٌ...
لا خمسةً وعشرين غائبون...
لا ساعياً وراء الرزق محرومٌ...
لا قاعداً عن الجهاد معذور...
لا سائقَيْنٍ طيارةً غافلان...
لا حارسِينَ بالليل نائمون...
لا راغباتٍ فى الشهرة مُسْتَريحاتٌ

كلمة (مرتفعاً) اسم "لا" منصوبة بالفتحة
"     (بائعاً)           "      "        "
"     (خمسة)         "      "        "
"     (ساعياً)         "      "        "
"     (قاعداً)          "      "        "
"     (سائقين)        "      "  بالياء لأنها مثنى
"     (حارسين)      "      "     "  لأنها جمع مذكر
"     (راغبات)       "      " بالكسرة؛ لأنها جمع مؤنث سالم

ومن الأمثلة السالفة يتضح الإعراب مع النصب بالفتحة مباشرة فى المفرد وفى جمع التكسير، (ومثله: اسم الجمع، كقوم، ورَهْط. إذا كانا من الحالة الأولى المذكورة)، وبما ينوب عن الفتحة وهو: الألف، فى الأسماء الستة، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم، والكسرة فى جمع المؤنث السالم.
الثانية: أن يكون مفرداً (ويراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، ولو كان مثنى، أو مجموعاً) وحكمه: وجوب بنائه على الفتح أو ما ينوب عنه فيبنى على الفتح مباشرة إن كان مفرداً أو جمع تكسير أو اسم جمع؛ مثل: لا عالمَ متكبرٌ - لا علماءَ متكبرون - لا قومَ للسفيه.
ويبنى على الياء نيابة عن الفتة إن كان مثنى أو جمع مذكر سالماً؛ نحو: لا صديقَيْن متنافران - لا حاسدِينَ متعاونون.
ويبنى على الكسرة نيابة على الفتحة إن كان جمع مؤنث سالماً، نحو: لا والداتٍ قاسياتٌ.
ومع أنه مبنى فى الحالات السالفة، هو فى محل نصب دائماً. أى: مبنى لفظاً منصوب محلا.
زيادة وتفصيل:
(ا) سبق (فى ص 626) أن من شروط إعمالها: تنكير معموليها. وقد وردت أمثلة فصيحة وقعت فيها عاملة مع أن اسمها معرفة. من ذلك قوله عليه السلام، إذا هلك كِسْرِى فلا كسرَى بعده، وإذا هَلَك قَيْصَرُ فلا قيصرَ بعده. ومن ذلك قولهم: لا هيثمَ الليلة للمطىّ. وقولهم: يُبْكَى على زيد ولا زيدَ مثلُه... وغير هذا من الأمثلة المسموعة. وقد تناولها النحاة بالتأويل كي يخضعوها لشرط التنكير. وهو تأويل لا داعى لتكلفه مع ورود تلك الأمثلة الصريحة، الدالة على أن فريقاً من العرب لا يلتزم التنكير. فعلينا أن نتقبل تلك النصوص بحالها الظاهر دون محاكاتها، ونقتصر فى استعمالنا على اللغة الشائعة المشهورة التى تشترط الشروط التى عرفناها؛ توحيداً لأداة التفاهم، ومنعًا للتشعيب بين المتخاطبين بلغة واحدة. ب- قلنا إن حكم اسم "لا" المفرد هو البناء على الفتحة، أو ما ينوب عن الفتحة. وقد يصح بناؤه على الضمة العارضة فى حالة واحدة، هى أن يكون الاسم كلمة: "غير" - ونظيراتها - فتكون كلمة: "غير" مبنية على الضمة الطارئة فى محل نصب، بشرط أن تكون مضافة مسبوقة بكلمة: "لا - أو: ليس" - وبشرط أن يكون المضاف إليه محذوفاً قد نُوى معناه على الوجه المفصَّل فى مكانه من باب الإضافة نحو: قطعت ثلاثة أميال لا غيرُ - أو ليس غيرُ - أى: لا غيرُها، أو ليس غيرُها مقطوعاً.
والنحاة يقولون فى إعراب هذا: إنه مبنى على فتح مقدر، منع من ظهوره الضم العارض للبناء أيضاً - فى محل نصب. وفى هذا تكلف وتطويل يدعوهم إليه رغبتهم فى إخضاع هذا النوع الحكم المفرد بحيث يكون الحكم (وهو البناء على الفتح فى محل نصب) عاماً مطردًا. لكن لا داعى لهذا التكلف، إذ لا مانع من أن يقال: إنه مبنى على الضمّ - مباشرة - فى محل نصب، كما فى الصبان والخضرى، عند كلامها على أحكام: "غير" فى باب الإضافة وستجئ فى الموضع الذى أشرنا إليه.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب "لا" النافية للجنس ) ضمن العنوان ( المسألة 57: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف )

 

(1)

 

 

لا خيرَ مرجوٌّ من الشِّرير، ولا نفعَ
لا خيرَ مَرجوٌّ من الشرير، ولا نفعاً
لا خيرَ مرجوٌّ من الشرير، ولا نفعٌ

إذا تكرّرت: "لا" وكانت كل واحدة مستوفية شروط العمل، فكيف نضبط الاسم الواقع بعد: "لا" المكررة، وهى التى ليست الأولى؟

(2)

 

 

لا تقدمَ ولا رقيَّ مع الجهالة
لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة
لا تقدمَ ولا رُفيٌّ مع الجهالة

لهذا الاسم صور متعددة بتعدد الأساليب التى يوضع فيها. ونبدأ بصورة من أكثر تلك الصور استعمالا؛ هى التي يكون فيها اسم لا الأولى مفرداً، واسم المتكررة مفرداً معطوفاً على اسم على الأولى. كما فى الأمثلة المعروضة

(3)

 

 

لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ
ولا بحراً - ولا بحرٌ

يجوز فى هذا الاسم المفرد المعطوف أحد ثلاثة أشياء:
أولها: البناء على الفتح، أو ما ينوب عن الفتحة؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجوٌّ ولا نفعَ. على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس. "نفعَ" اسمها، مبنى على الفتح فى محل نصب - وخبرها محذوف تقديره: مرجُوّ - مثلا - والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى، فعندنا جملتان.
ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقىَّ مع الجهالة؛ فتكون كلمة: "رقىّ" اسم، "لا" الثانية على الاعتبار السابق، ولكن خبرها وخبر الأولى هو الظرف: "مع" فإنه يصلح خبراً لهما.
ونقول فى الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ. فيجرى على هذا المثال ما جرى على الثانى.
ثانيهما: الإعراب مع نصبه بالفتحة أو ما ينوب عنها. فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجُوٌّ من الشرير، ولا نفعاً، بإعرابه منصوباً. وهذا على اعتبار: "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. وكلمة. "نفعاً" معطوفة بحرف العطف على محل اسم "لا" الأولى؛ لأن محله النصب. (فهو مبنى فى اللفظ، لكنه منصوب المحل، كما سبق).
ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة. على الاعتبار السابق أيضاً؛ فتكون "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، "رقياً" معطوفة على محل اسم "لا" الأولى. وخبر "الأولى" هو الظرف: "مع".
ونقول فى المثال الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحراً؛ كما قلنا فى الأول تماماً.
ثالثها: الإعراب مع رفعه بالضمة، أو بما ينوب عنها؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجوٌّ من الشرير، ولا نفعٌ. برفع كلمة: "نفع" على اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. و "نفع" مبتدأ مرفوع، خبره محذوف، والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى.
ويصح اعتبار "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" وكلمة: "نفع" اسمها مرفوع، والخبر محذوف، والجملة من "لا" الثانية ومعموليها معطوفة على الجملة الأولى.
ويصح اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى، وكلمة: "نفع" معطوفة على "لا" الأولى مع اسمها، لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع: فالمعطوف عليهما معاً يكون مرفوعاً أيضاً.
ويجرى على المثالين الأخيرين ما جرى على المثال الأول؛ حيث يصح فى كلمتى رقىّ، و "بحر" الرفع على أحد الاعتبارات الثلاثة السابقة.
"ملاحظة": إذا تكررت "لا" وكل واحدة مستوفية الشروط، مفردة الاسم؛ وكانت الأولى لنفى الوَحدة (أى: عاملة عمل ليس) جاز فى اسم المكررة بعد عاطف، أمران: أن يكون معرباً مرفوعاً بالضمة أو بما ينوب عنها، وأن يكون مبنيًّا على الفتح أو ما ينوب عن الفتحة؛ مثل: لا قوىٌّ ولا ضعيفٌ أمام القانون. أو: لا قوىٌّ ولا ضعيفَ أمام القانون.
(ا) فالرفع - فى هذا المثال - إما على اعتبار "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، والاسم بعدها معطوف على اسم الأولى؛ فالمعطوف مرفوع كالمعطوف عليه، والخبر عنهما هو الظرف: (أمام). وإما على اعتبار "لا" المكررة زائدة للنفى أيضاً، والاسم بعدها مبتدأ. وإما على اعتبار "لا" المكررة عاملة عمل "ليس" والمرفوع بعدها اسمها.
وإنما جاز الرفع على هذين الاعتبارين، ولم يجز النصب لأن النصب إنما يجرى على اعتبار أن "لا" المكررة زائدة، والاسم الذى بعدها معطوف على محل اسم الأولى، المبنى لفظاً المنصوب محلاً، ولما كان اسم الأولى هنا مرفوعاً، وليس مبنيًّا على الفتح لفظاً. كان غير منصوب محلا؛ فلا يجوز العطف على محله.
ب- والبناء على على الفتح على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس، إلى هنا انتهى الكلام على أحكام اسم "لا" المكررة حين يكون مفرداً بعد كل واحدة. وهى أحكام تسرى على اسم "لا" المكررة مرة أو أكثر، بشرط استيقفاء كل واحدة شروط العمل، وإفراد اسمها؛ كما عرفنا.
حكم المعطوف على اسم "لا" بغير تكرارها.
إذا لم تتكرر: "لا" الجنسية وعطف على اسمها جاز فى المعوف النكرة الرفع أو النصب فى جميع الحالات (أى: سواء أكان مفرداً أم غير مفرد، وسواء أكان اسمها - وهو المعطوف عليه -، مفرداً أم غير مفرد، ومن أمثلة ذلك:
(ا) لا كتابَ وقلمٌ فى الحقيبة. أو: لا كتابَ وقلماً فى الحقيبة. فيجوز فى المعطوف أمرانْ.
الرفع على اعتبار أن كلمة: "قلم"، معطوفة على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع، فالمعطوف عليهما مرفوع أيضاً. أو: على الاسم وحده باعتباره مبتدأ فى الأصل - وهذا أحسن -.
والنصب على اعتبار أن كلمة: "قلم" معطوفة على محل اسم "لا" المبنى، لأنه مبنى فى اللفظ لكنه منْصوب المحل، فيجوز العطف عليه بمراعاة محله، لا لفظه (لأن البناء لا يراعى فى التوابع، كما سبق).
(ب) لا كتابَ هندسة وقلمُ رصاص فى الحقيبة، يجوز فى المعطوف الأمران، الرفع على الاعتبار السالف، والنصب على العطف على لفظ اسم "لا" المنصوب.
(حـ) لا كتابَ حساب وقلمٌ أو قلماً فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أو النصب على الاعتبارين السالفين فى: "ب".
(د) لا كتابَ وقلمَ ُ رصاص، فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أو النصب على الاعتبارين السالفين فى: "ا".
فإن كان المعطوف معرفة لم يجز فيه إلا الرفع على اعتباره مبتدأ...
وعلى ضوء الصور والأساليب السالفة - إفراداً وتركيباً - تُضبط الصور الأخر التى لم نعرضها هنا. ويجب مراعاة الخبر بدقة، ليظهر المعنى، وليمكن تمييز نوع العطف إن وجد.
* * *
حكم المعطوف على اسم "لا" المكررة.
يتَبَع المعطوف عليه، (أى: يتبع اسمها) فى إعرابه رفعاً ونصباً دون أن يتبعه فى البناء كما عرفنا.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب "لا" النافية للجنس ) ضمن العنوان ( المسألة 58: حكم نعت اسم "لا". )

 

لا تاجرَ خداع ناجحٌ
لا سيارةً مسرعة مأمونةٌ
لا كتابةَ، رديئة ممدوحةٌ

 

 

كيف نضبط الكلمات التى تحتها خط وهى: (خدّاع - مسرعة - رديئة) وأشباعها من كل كلمة وقعت نعتاً، مفرداً، لاسم: "لا" النافية للجنس، المفرد ولم يفصل بين النعت والمنعوت فاصل؟

يجوز فى ضبط هذا النعت أحد أمور ثلاثة:
(ا) بناؤه على الفتح أو بما ينوب عن الفتحة؛ كالشأن فى اسم: لا، فنقول: لا تاجرَ خداعَ ناجحٌ - لا سيارةَ مسرعةَ مأمونةٌ - لا كتابةَ رديئةَ ممدوحةٌ.
(حـ) إعرابه مرفوعاً بالضمة أو بما ينوب عنها. على اعتباره نعتاً لكلمة: "لا" مع اسسها؛ وهما معاً بمنزلة المبتدأ المرفوع؛ فنعتهما مرفوع كذلك. أو لاسمها وحده تقول:
لا تاجرَ خداعٌ ناجحٌ - لا سيارةَ مسرعةٌ مأمونةٌ - لا كتابةَ رديئةٌ ممدوحةٌ. فإن اختل شرط من الشروط السالفة لم يصح بناء النعت على الفتح، وصحّ أن يكون مرفوعاً أو منصوباً. فإذا كان النعت غير مفرد، مثل: لا تاجر خَدّاعَ الناس ناجحٌ، لا يجوز أن يكون النعت (وهو: خداع) مبنيًّا على الفتح ويجوز أن يكون مرفوعاً أو منصوباً على الاعتبار الذى أوضحناه سالفاً (فى: "ب و جـ") وإن كان المنعوت غير مفرد، مثل: لا تاجرَ خشبٍ خداعٌ ناجحٌ، لم يجز البناء على الفتح أيضاً، وجاز الرفع أو النصب كسابقه.
وكذلك الحكم إن وجد فاصل بين النعت والمنعوت؛ مثل لا تاجرَ وصانعٌ خَدَّاعان ناجحان. فلا يجوز بناء كلمة، "خداعان" بل يجب رفعها أو نصبها.
ومما يلاحظ أن المنعوت إذا كان غير مفرد بأن كان مضافاً أو شبيهاً بالمضاف) فإنه سيجئ بعده ما يفصل بينه وبين النعت حتماً.
*زيادة وتفصيل: البدل النكرة (وهو الصالح لدخول: "لا") كالنعت المفصول، نحو؛ لا أحدَ، رجلا، وامرأةً فيها. بالنصب أو الرفع، ولا يجوز بناؤه على توهم تركبه مع المبدل منه، لأن البدل على نية تكرار العامل: "لا"، فيقع بين البدل والمبدل منه فاصل مقدر يمنع من ذلك التركيب الوهمى. وأجازه بعضهم لأن هذا الفاصل - وهو "لا" - يقتضى الفتح.
فإن كان البدل معرفة وجب رفعه، نحو لا أحد محمدٌ وعلىٌّ فيها. وكذا يقال فى عطف البيان.
وأما التوكيد فالأفضل فى اللفظىّ منه أن يكون جارياً على لفظ المؤكَّد من ناحية خلوه من التنوين. ويجوز رفعه أو نصبه. وأما المعنوى فيمتنع هنا تبعاً للرأى الشائع القائل: إنه لا يَتْبَع نكرة؛ لأن ألفاظه معارف. أما على الرأى القائل إنه يتبعها فيتعين رفعه، لعدم دخول "لا" على المعرفة.

النصوص الواردة في ( كتاب النحو الوافي / عباس حسن ) ضمن الموضوع ( باب "لا" النافية للجنس ) ضمن العنوان ( المسألة 59: بعض أحكام أخرى. )


(ا) دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس.
إذا دخلت همزة الاستفهام على: "لا" النافية للجنس صار الأسلوب إنشائيًّا، ولم يتغير شىء من الأحكام السالفة كلها - وهذا أوضح الآراء وأيسرها - يتساوى معه أن تكون "لا" مفردة، ومكررة، وأن يكون الاسم مفرداً وغير مفرد، منعوتاً وغير منعوت، معطوفاً وغير معطوف.... إلى غير ذلك من سائر الأحكام التى أوضحناها.
ولا فرق فيما سبق بين أن تكون الهمزة للاستفهام الصريح عن النفى المحض (أىْ: دون قصد توبيخ أو غيره ...)؛ نحو: ألا رجلَ حاضراً؟ أو للاستفهام المقصود به التوبيخ؛ نحو: ألا إحسانَ منك وأنت غنى؟. أو للاستفهام المقصود به التمنى؛ نحو ألامالَ فأساعدَ المحتاج؟
زيادة وتفصيل:
(ا) ومن الأساليب الصحيحة فى التمنى: "ألا ماءَ ماءَ بارداً". فكلمة "ماء" الثانية نعت للأولى: فهو مبنى على الفتح، لأنه بمنزلة المركب المزجىّ مع اسم "لا" ويجوز نصبه، ولكن يمتنع رفعه عند سيبويه ومن معه - على مراعاة محل (لا) مع اسمها، وأنهما بمنزلة المبتدأ، ويجوز عند المازنى ومن وافقه.
وعلى هذا، تكون "ألا" التى: للتمنى محتفظة عند بعض النحاة - بجميع الأحكام الخاصة التى كانت لكلمة: "لا" قبل دخول الهمزة. وقبل أن يصبرا كلمة واحدة للتمنى. وإذا لم يكن خبرها مذكوراً فهو محذوف. ويخالف فى هذا فريق آخر كسيبويه فيرى أنها حين تكون للتمنى - لا تعمل إلا فى الاسم؛ فلا خبر لها؛ لأنها صارت بمنزلة: أتمنى. فقولك: "ألا ماء"، كلام تام عنده؛ حملا على معناه، وهو: أتمنى ماء. فلا خبر لها لفظاً ولا تقديراً، واسمها هنا يكون بمنزلة المفعول به. ولا يجوز إلغاء عملها فى الاسم، كما لا يجوز الوصف ولا العطف بالرفع مراعاة للابتداء؛ كما أشرنا. ولا يقع هذا الخلاف فى النعوت الأخرى. التى سبق حكمها - فى ص 639 والرأى الأول - مع عيبه - أفضل؛ لأنه مطرد يساير القواعد العامة؛ فلا داعى للأخذ بالرأى الثانى.
ويتعين تنوين كلمة: "بارداً"، لأن العرب لم تركب أربعة أشياء تركيباً مزجياً، ولا يصح إعراب كلمة: "ماء" الثانية توكيداً ولا بدلا؛ إذ يكون مقيداً بالنعت الآتى بعده، والأول مطلق؛ فليس مرادفًا له حتى يؤكده، ولا مساوياً له حتى يبدل منه بدل مطابقة.
لكن جوز بعضهم التوكيد فى قوله تعالى: {لنسفعنْ بالناصية ناصية كاذبة} فكذا هنا. وجوز بعضهم أن يكون عطف بيان؛ لأنه يجيز أنّ يكون أوضح من متبوعه.
(ب) قد ترد كلمة: "ألا" للاستفتاح والتنبيه (بقصد توجيه الذهن إلى كلام هام مؤكد عند المتكلم؛ يجئ بعدها). وهى كلمة واحدة. لا عمل لها، فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية؛ نحو: {ألا إنّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} وقوله: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم} فقد دخلت على "ليس" كما تجئ وهى كلمة واحدة للعَرْض، والتحضيض؛ فتَخْتَص بالجملة الفعلية؛ فمثال العَرْض: ألا تشاركنى فى الرحلة الجميلة. ومثال التحضيض ألاَ تقاوم أعداء الوطن.
جـ - يجرى على خبر "لا" ما يجرى على سائر الأخبار، من جواز الحذف - وكثرته - إنْ دلَّ دليل. وليس من اللازم لجواز الحذف أن يكون الخبر هنا شبه جملة فقد يكون شبه جملة كقول الشاعر:
*إذا كان إصلاحى لجسمىَ - واجباً * فإصلاح نفسى لا محالة أوجب*
اى: لا محالة فى ذلك. وقول الآخر:
*لا يصلح الناس فِوْضَى لا سَرَاة الهم * ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سادوا*
أى: ولا سَرَاة لهم إذا جُهَّالهم سادوا. وقد يكون جملة؛ كان يقال: هل من جاهل يصلح للسيادة؟ فيجاب: لا جاهلَ. أى: لا جاهل يصلح للسيادة .... وقد يكون مفرَداً كالأمثلة الآتية بعد:
والدليل على الحذف قد يكون مقاليًا؛ كأن يقال: من المسافر؟ فيجاب: لا أحد. أى: لا أحدَ مسافر. وقد يكون الدّليل مفهوماً من المقام والحالة الملابسة؛ كأنْ يقَال للمريض: لا بأسَ، أى: لا بأس عليك. وللسارق: لا نجاة، أى: لا نجاة لك. وبغير الدليل لا يصحّ الحذف.
ومن الأساليب التى حذف فيها الخبر: "لا سيما" وقد سبق الكلام عليها. فى ص 363-.
ومنها: لا إله إلا الله؛ ومنها: لا ضَيْرَ. ومنها: لا ضرر ولا ضِرَار. ومنها: لا فوْت..
وقد يحذف الاسم لدليل، نحو: لا عليك. أى: لا بأس عليك.
د- بمناسبة الكلام على: "لا" يتعرض بعض النحاة لتفصيل الكلام على الأسلوب الذى يشتمل على: "لا جرمَ" واعتبار "لا" زائدة. أو غير زائدة. وقد سبق تفصيل هذا فى رقم 4 من ص 595.
هـ- إن جاء بعد "لا" جملة اسمية صدرها معرفة، أو صدرها نكرة لم تعمل فيها - بسبب وجود فاصل، مثلا - أو جاء بعدها فعل ماض لفظاً ومعنى لغير الدعاء - وجب تكرارها فى أشهرا الاستعمالات. فمثال الاسمية التى صدرها معرفة قوله تعالى: {لا الشمسُ ينبغى لها أن تُدركَ القمرَ، ولا الليلُ سابقُ النهار} ومثال النكرة التى لم تعمل فيها قوله تعالى: {لا فيها غَوْلٌ ولا هم عنها يُنْزَفُون...}.
ولم تعمل هنا لوجود فاصل. ومثل الماضى قوله تعالى: {فلا صَدَّق ولا صلى...} وفى الحديث: إن المنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
(و) إذا وقعت كلمة "إلاّ" بعد "لا" جاز فى الاسم المذكور بعد "إلا" الرفع والنصب. نحو: لا إلهَ إلا اللهَ، - بالرفع أو النصب، ولا سيفَ إلا ذو الفَقَار. أو ذَا الفقار فالنصب على الاستثناء، والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ وإما على البدل من الضمير المستتر فى الخبر المحذوف، وإما من محل اسم "لا" بحسب أصله الأول؛ فقد كان مبتدأ، وقد أوضحنا هذا قريباً.
(ز) إذا لم تعمل: "لا" بسبب دخولها على معرفة، أو لوجود فاصل بينها وبين اسمها - فالواجب عند الجمهور تكرارها - كما تقدم -.
ويلزم تكرارها مع اقترانها بالواو العاطفة إذا وليها مفرد منفى بها وقع خبراً أو نعتًا، أو حالا؛ نحو: علىٌّ لا قائمٌ ولا قاعدٌ، ومررت برجلٍ لا قائمٍ ولا قاعدٍ، ونظرت إليه لا قائماً ولا قاعداً.
وتتكرر أيضاً إذا دخلت على الماضى لفظاً ومعنًى، وكان لغير الدعاء - كما سلف -‘ نحو: محمود لا قام ولا قعد. وقد يغنى عن تكرارها حرف نفى آخر؛ وهذا قليل؛ مثل لا أنت أبديت رأيك ولم تظهر غرضك. ومنه وقول الشاعر: (... فلا هو أبداها ولم يتجمجم) ولم تتكرر فى نحو: لا نَوْلُك أن تفعل كذا ... لأنه بمعنى: لا ينبغى....
فلم يبق شيء لا تتكرر فيه وجوباً سوى المضارع؛ نحو: حامد لا يقوم...

 

تم الكتاب ولله الحمد والمنة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس بريد مكة

 الرابط