اندكس ن فح الباري من ن

الرابط

 https://drive.google.com/file/d/1oQ6F4ip_x4FPYXEL9by5sq_at0QyoUMM/view?usp=sharing

اندكس / جاهز للالصاق بأي موفع

الخميس، 24 فبراير 2022

كتاب سيبويه/المقدمة/الجزء الاول والثاني /الجزء الثالث/الجزء الرابع/الجزء الخامس/الجزء السادس/الجزء الثامن/ الجزء التاسع /الجزء العاشر- لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ سيبويه----------



كتاب سيبويه
[[::تصنيف:كتاب سيبويه:مطبوع| ]]

نزل نسخة مطبوعة
 
الكتاب (سيبويه)/المقدمة
الكتــاب
تأليف أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ سيبويه
 
 
  
نبذة: 
 
 
 جاء أبوابًا في أربعة أجزاء، بدأه المؤلف بباب في علم الكلم من العربية، واختتمه بباب في الجر، وقد اشتمل الكتاب على ألف وخمسين بيتًا من الشعر. وفيه قال محمد بن يزيد: "لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره " 
 
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم، 
 
قال أبو عبيد الله محمد بن يحيى: قرأت على ابن ولاّد وهو ينظر في كتاب أبيه. وسمعتُه يُقْرَأ على أبي جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن النحّاس. وأخذه أبو القاسم بن ولاد عن أبيه عن المبرد. وأخذه المبرد عن المازني عن الأخفش عن سيبويه. 
 
الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه وجعله آخر دعاء أهل الجنة فقال جلّ ثناؤه: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ". وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين. 
 
قال لنا أبو جعفر أحمد بن محمد: لم يزل أهل العربية يفضّلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قَنْبَر المعروف بسيبويه حتّى لقد قال محمد بن يزيد: " لم يُعْمَل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَهُ إلى غيره ". 
 
وقال: سمعت أبا بكر بن شُقَير يقول: حدثني أبو جعفر الطبري قال: سمعتُ الجَرْميَّ يقول: أنا مُذ ثلاثون أُفتِي الناس في الفقه من كتاب سيبويه.
قال فحدَّثتُ به محمد يزيدَ على وجه التعجُّب والإِنكار فقال: أنا سمعت الجرميَّ يقول هذا - وأومأ بيديه إلى أذنيه. وذلك أنّ أبا عُمر الجَرْمي كان صاحبَ حديث ، فلما علِم كتاب سيبويه تفقّه في الحديث، إذ كان كتاب سيبويه يُتعلَّم منه النظر والتَّفتيش. انتهى. 
 
قال أبو جعفر: وقد حكى بعضُ النحويين أنَّ الكِسائي قرأ على الأخفش كتاب سيبويه ودفع له مائتي دينار.
وحكى أحمد بن جعفر أن كتاب سيبويه وُجِدَ بَعْضُهُ تحت وسادة الفرَّاء التي كان يجلس عليها.
وأَصْلُ ما جاء به سيبويه عن الخليل.
قال أبو جعفر: وسمعت أبا إسحاق يقول: إذا قال سيبويه بعد قول الخليل "وقال غيره" فإنّما يعني نفسه لأنه أَجَلَّ الخليلَ عن أن يذكر نفسه معه وإذا قال "وسألتُه" فإنما يعني الخليل.
وقال أبو إسحاق: إذا تأملتَ الأمثلة من كتاب سيبويه تبيّنتَ أنه أعلم الناس باللغة. قال أبو جعفر: وحدثني علي بن سليمان قال: حدثني محمد بن يزيد أن المفتشين من أهل العربية ومَنْ له المعرفة باللغة تتبّعوا على سيبويه الأمثلة فلم يجدوه تَرَكَ من كلام العرب إلاّ ثلاثة أمثلة: منها الهُنْدَلِع وهي بقلة. والدُرداقِس وهو عَظْم في القفا. وشَمَنْصِير وهو اسم أرض.
وقال أبو إسحاق: حدثني القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: حدثني نَصْر بن علي قال: سمعتُ الأخفش يقول: يُعَدُّ من أصحاب الخليل في النحو أربعة: سيبويه والنَضْر بن شُمَيْل وعلي بن نَصْر - وهو أبو نصر ابن علي - ومؤرِّج السَدوسي.
قال: وسمعت نصراً يحكي عن أبيه قال: قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه: تعال حتى نتعاون على إحياء علم الخليل.
قال أبو جعفر: وقد رأيتُ أبا جعفر بن رُسْتُم يروي كتاب سيبويه عن المازني غير أن الذي اعتمد عليه أبو جعفر في كتاب سيبويه إبراهيم بن السَريّ لمعرفته به وضبطه إياه.
وذكر أن علي بن سليمان حكى أن أبا العباس كان لا يكاد يُقْرِئُ أحداً كتاب سيبويه حتى يقرأه على أبي إسحاق لصحة نسخته ولذِكْر أسماء الشعراء فيها.
قال الجرمي: نظرتُ في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتاً. فأما ألف فعرفتُ أسماء قائليها فأثبتُّ أسماءهم وأمّا خمسون فلم أعرف قائليها.
قال أبو جعفر: وسمعت محمد بن الوليد يقول: نظرت في نسخة كتاب سيبويه التي أمليت بمصر فإذا فيها مائتا حرف خطأ.
قال: ورأيت أبا إسحاق قد أنكر الإسناد الذي في أولها إنكاراً شديداً. وقال: لم يقرأ أبو العباس محمد بن يزيد كتاب سيبويه كله على الجرمي، ولكن قال أبو إسحاق: قرأتُه أنا على أبي العباس محمد بن يزيد وقال لنا أبو العباس: قرأتُ نحو ثُلثه على أبي عمر الجرمي فتوفّي أبو عمر فابتدأتُ قراءتَه على أبي الحسن سعيد بن مَسْعَدة الأخفش وقال الأخفش: كنت أسأل سيبويه عمّا أَشْكَلَ عليّ منه فإن تَصَعَّبَ عليّ الشيءُ منه قرأتُه عليه.
وأما أبو القاسم بن ولاّد فإنه حدّثنا عن أبيه أبي الحسين قال: حدّثني أبو العباس المبرد قال: قرأ المازني كتاب سيبويه على الجرمي وساءل الأخفش عنه وقرأه الجرميّ على الأخفش.
قال: وحدثني المبرد قال: قرأت بعض هذا الكتاب على الجرمي وبعضه على المازنيّ ومنه ما قرأته عليهما جميعاً. قال: وسمعتُ المبرد يقول: قد أدرك أبو عمر مَن أَخَذَ عنه سيبويه واختلف إلى حلقة يونس.
وحدّثنا أبو القاسم بن ولاد عن أبيه قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثني الزيادي أبو إسحاق قال: عَمَدْتُ إلى أبي عمر الجرميّ أقرأ عليه كتاب سيبويه ووافيتُ المازنيّ يقرأ عليه في أثناء " هذا باب ما يرتفع بين الجزأين " فكنّا نعجب من حذقه وجودة ذهنه. وكان قد بلغ من أوّل الكتاب إلى هذا الموضع.
قال أبو الحسين بن ولاّد: يعني أن المازني كان قد بلغ على الأخفش إلى هذا الموضع.
وسمعت أبا القاسم بن ولاّد يقول: كان أبي قد قَدِمَ على أبي العباس المبرّد ليأخذ منه كتاب سيبويه فكان المبرد لا يمكّن أحداً من أصله وكان يضنّ به ضنّة شديدة فكلّم ابنه على أن يجعل له في كل كتاب منها جُعْلاً قد سمّاه فأكمل نسخه. ثم إن أبا العباس ظهر على ذلك بَعْدُ فكان قد سعى بأبي الحسين إلى بعض خَدَمةِ السلطان ليحبسه له ويعاقبه في ذلك فامتنع أبو الحسين منه بصاحب خَراج بغداد يومئذ وكان أبو الحسين يؤدّب ولده فأجاره منه.
ثم إن صاحب الخراج ألظّ بأبي العباس يطلب إليه أن يقرأ عليه الكتاب حتّى فعل. قال أبو عبد الله: فقرأته أنا على أبي القاسم وهو ينظر في ذلك الكتاب بعينه وقال لي: قرأتُه على أبي مراراً.
=====
الكتاب (سيبويه)/الجزء الأول
محتويات
1 هذا باب علم الكلم من العربية
2 هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية
3 هذا باب المسند والمسند إليه
4 هذا باب اللفظ للمعاني
5 هذا باب ما يكون في اللفظ من الأعراض
6 هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة
7 هذا باب ما يحتمل الشعر
8 هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول
9 هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول آخر
10 هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول
11 هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول
12 هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر
13 هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب كالفاعل في الباب الأوَّل الذي قبله في المعنى
14 هذا باب المفعول الذي تعداه فعله إلى مفعول
15 هذا باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر
16 هذا باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب وهو حال
17 هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول
18 هذا باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة
19 هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله
20 هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله
21 هذا باب الإضمار في ليس وكان كالإضمار في إن
22 هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه
23 هذا باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك
24 هذا باب ما يكون فيه الاسم مبنياً على الفعل قدم أو أخر وما يكون فيه الفعل مبنياً على الاسم
25 هذا باب ما يجري مما يكون ظرفاً هذا المجرى
26 باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدأ مبنياً عليه الفعل
27 هذا باب يحمل فيه الاسم على اسم بني عليه الفعل مرةً
28 باب ما يختار فيه النصب وليس قبله منصوب بني على الفعل وهو باب الاستفهام
29 هذا باب ما ينصب في الألف
30 ما جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل كما يجري في غيره مجرى الفعل
31 هذا باب الأفعال التي تستعمل وتلغى
32 باب من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعاً
33 هذا باب الأمر والنهي
34 باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام و حروف الأمر والنهي
35 هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول
36 هذا باب من الفعل يبدل فيه الآخر من الأول ويجرى على الاسم
37 هذا باب من اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى فإذا أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل كان نكرة منوناً
38 باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين في اللفظ لا في المعنى
39 هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى وما يعمل فيه
40 باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع
41 باب الصفة المشبهة بالفاعل فيما عملت فيه
42 باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار
43 باب وقوع الأسماء ظروفاً وتصحيح اللفظ على المعنى
44 هذا باب ما يكون فيه المصدر حيناً لسعة الكلام والاختصار
45 هذا باب ما يكون من المصادر مفعولاً فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره
46 هذا باب ما لا يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره
هذا باب علم الكلم من العربية
فالكلم: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل. فالاسم: رجل وفرس وحائط. وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع. فأما بناء ما مضى فذهب وسمع ومكث وحمد. وأما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً: اذهب واقتل واضرب ومخبراً: يقتل ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب. وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت. فهذه الأمثلة التي أخذت من لفظ أحداث الأسماء ولها أبنية كثيرة ستبين إن شاء الله. والأحداث نحو الضرب والحمد والقتل. وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل فنحو: ثمّ وسوف وواو القسم ولام الإضافة ونحوها.
هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية
وهي تجري على ثمانية مجارٍ: على النصب والجرّ والرفع والجزم والفتح والضمّ والكسر والوقف. وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب: فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد والجرّ والكسر فيه ضرب واحد وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف. وإنما ذكرت لك ثمانية مجار لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل - وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه - وبين ما يبنى عليه الحرف بناءً لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكلّ منها ضرب من اللفظ في الحرف وذلك الحرف حرف الإعراب. فالرفع والجر والنصب والجزم لحروف الإعراب.
وحروف الإعراب للأسماء المتمكّنة وللأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين التي في أوائلها الزوائد الأربع: الهمزة والتاء والياء والنون. وذلك قولك: أفعل أنا وتفعل أنت أو هي ويفعل هو ونفعل نحن. والنصب في الأسماء: رأيت زيداً والجرّ: مررت بزيد والرفع: هذا زيد. وليس في الأسماء جزم لتمكنها وللحاق التنوين فإذا ذهب التنوين لم يجمعوا على الاسم ذهابه وذهاب الحركة.
والنصب في المضارع من الأفعال: لن يفعل والرفع: سيفعل والجزم: لم يفعل. وليس في الأفعال المضارعة جر كما أنه ليس في الأسماء جزم لأن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب للتنوين وليس ذلك في هذه الأفعال.
وإنما ضارعت أسماء الفاعلين أنك تقول: إن عبد الله ليفعل فيوافق قولك: لفاعل حتّى كأنّك قلت: إن زيداً لفاعل فيما تريد من المعنى. وتلحقه هذه اللام كما لحقت الاسم ولا تلحق فعل اللام.
وتقول سيفعل ذلك وسوف يفعل ذلك فتلحقها هذين الحرفين لمعنى كما تلحق الألف واللام الأسماء للمعرفة. ويبّن لك أنها ليست بأسماء أنك لو وضعتها مواضع الأسماء لم يجز ذلك. ألا ترى أنّك لو قلت إنّ يضرب يأتينا وأشباه هذا لم يكن كلاماً! إلا أنها ضارعت الفاعل لاجتماعهما في المعنى.
وسترى ذلك أيضاً في موضعه.
ولدخول اللام قال الله جلّ ثناؤه: " وإن ربّك ليحكم بينهم " أي لحاكم. ولما لحقها من السين وسوف كما لحقت الاسم والألف واللام للمعرفة.
وأما الفتح والكسر والضم والوقف فللأسماء غير المتمكنة المضارعة عندهم ما ليس باسم ولا فعل مما جاء لمعنى ليس غير نحو سوف وقد وللأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة وللحروف التي ليست بأسماء ولا أفعال ولم تجئ إلاّ لمعنى. فالفتح في الأسماء قولهم: حيث وأين وكيف.
والكسر فيها نحو: أولاد وحذار وبداد.
والضم والفتح في الأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة قولهم: ضرب وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه فعل. ولم يسكنو آخر فعل لأن فيها بعض ما في المضارعة تقول: هذا رجل ضربنا فتصف بها النكرة وتكون في موضع ضارب إذا قلت هذا رجل ضارب. وتقول: إن فعل فعلت فيكون في معنى إن يفعل أفعل فهي فعل كما أنّ المضارع فعل وقد وقعت موقعها في إن ووقعت موقع الأسماء في الوصف كما تقع المضارعة في الوصف فلم يسكّنوها كما لم يسكنو من الأسماء ما ضارع المتمكن ولا ما صيّر من المتمكن في موضع بمنزلة غير المتمكن.
فالمضارع: من عل حرّكوه لأنهم قد يقولون من عل فيجرونه. وأما المتمكن الذي جعل بمنزلة غير المتمكن في موضع فقولك ابدأ بهذا أول ويا حكم.
والوقف قولهم: اضرب في الأمر ولم يحركوها لأنها لا يوصف بها ولا تقع موقع المضارعة فبعدت من المضارعة بعدكم وإذ من المتمكنة.
وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه افعل.
والفتح في الحروف التي ليست إلا لمعنى وليست بأسماء ولا أفعال قولهم: سوف وثم. والكسر فيها قولهم في باء الإضافة ولامها: بزيد ولزيد. والضم فيها: منذ فيمن جرّبها لأنها بمنزلة من في الأيام. ولا ضم في الفعل لأنه لم يجيء ثالث سوى المضارع. وعلى هذين المعنيين بناء كل فعل بعد المضارع.
واعلم أنك إذا ثنّيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد والين وهو حرف الإعراب غير متحرّك ولا منوّن يكون في الرفع ألفاً ولم يكن واواً ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون في الجر ياء مفتوحا ما قبلها ولم يكسر ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حدّ التثنية. ويكون في النصب كذلك ولم يجعلوا النصب ألفاً ليكون مثله في الجمع وكان مع ذا أن يكون تابعاً لما الجر منه أولى لأن الجرّ للاسم لا يجاوزه والرفع قد ينتقل إلى الفعل فكان هذا أغلب وأقوى.
وتكون الزيادة الثانية نوناً كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر وذلك قولك: هما الرجلان ورأيت الرجلين ومررت بالرجلين. وإذا جمعت على حدّ التثنية لحقتها زائدتان: الأولى منهما حرف المد والين والثانية نون.
وحال الأولى في السكون وترك التنوين وأنها حرف الإعراب حال الأولى في التثنية إلا أنها واو ومضموم ما قبلها في الرفع وفي الجر والنصب ياء مكسور ما قبلها ونونها مفتوحة فرقوا بينها وبين نون الاثنين كما أنّ حرف اللين الذي هو حرف الإعراب مختلف فيهما.
وذلك قولك: المسلمون ورأيت المسلمين ومررت بالمسلمين. ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها. واعلم أنّ التثنية إذا لحقت الأفعال المضارعة علامة للفاعلين لحقتها ألف ونون ولم تكن الألف حرف الإعراب لأنك لم ترد أن تثنّي يفعل هذا البناء فتضم إليه يفعل آخر ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين ولم تكن منونة ولا يلزمها الحركة لأنه يدركها الجزم والسكون فتكون الأولى حرف الإعراب والثانية كالتنوين فكلما كانت حالها في الواحد غير حال الاسم وفي التثنية لم تكن بمنزلته فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون لتكون له في التثنية علامة للرفع كما كان في الواحد إذ منع حرف الإعراب. وجعلوا النون مكسورة كحالها في الاسم ولم يجعلوها حرف الإعراب إذ كانت متحركة لا تثبت في الجزم ولم يكونوا ليحذفوا الألف لأنها علامة الإضمار والتثنية في قول من قال: أكلوني البراغيث وبمنزلة التاء في قلت وقالت فأثبتوها في الرفع وحذفوها في الجزم كما حذفوا الحركة في الواحد. ووافق النصب الجزم في الحذف كما وافق النصب الجر في الأسماء لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء والأسماء ليس لها في الجزم نصيب كما أنه ليس للفعل في الجر نصيب.
وذلك وكذلك إذا لحقت الأفعال علامة للجمع لحقتها زائدتان إلا أنّ الأولى واو مضموم ما قبلها لئلا يكون الجمع كالتثنية ونونها مفتوحة بمنزلتها في الأسماء كما فعلت ذلك في التثنية لأنهما وقعتا في التثنية والجمع ههنا كما أنهما في الأسماء كذلك وهو قولك: هم يفعلون ولم يفعلوا ولن يفعلوا. وكذلك إذا ألحقت التأنيث في المخاطبة إلاّ أن الأولى ياء وتفتح النون لأن الزيادة التي قبلها بمنزلة الزيادة التي في الجمع وهي تكون في الأسماء في الجر والنصب وذلك قولك: أنت تفعلين ولم تفعلي ولن تفعلي. وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحقت للعلامة نوناً وكانت علامة الإضمار والجمع فيمن قال أكلوني البراغيث وأسكنت ما كان في الواحد حرف الإعراب كما فعلت ذلك في فعل حين قلت فعلت وفعلن فأسكن هذا ههنا وبني على هذه العلامة كما أسكن فعل لأنه فعل كما أنه فعل وهو متحرك كما أنه متحرك فليس هذا بأبعد فيها - إذا كانت هي وفعل شيئاً واحداً - من يفعل إذ جاز لهم فيها الأعراب حين ضارعت الأسماء وليست باسم وذلك قولك: هن يفعلن ولن يفعلن ولم يفعلن.
وتفتحها لأنها نون جمع ولا تحذف لأنها علامة إضمار وجمع في قول من قال أكلوني البراغيث.
فالنون ههنا في يفعلن بمنزلتها في فعلن.
وفعل بلام يفعل ما فعل بلام فعل لما ذكرت لك ولأنها قد تبنى مع ذلك على الفتحة في قولك هل تفعلن. وألزموا لام فعل السكون وبنوها على العلامة وحذفوا الحركة لمّا زادوا لأنها في الواحد ليست في آخرها حرف إعراب لما ذكرت لك. واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض فالأفعال أثقل من الأسماء لأن الأسماء هي الأولى وهي أشد تمكّنا فمن ثم لم يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون وإنما هي من الأسماء. ألا ترى أن الفعل لا بد له من الاسم وإلا لم يكن كلاماً والاسم قد يستغني عن الفعل تقول: الله إلهنا وعبد الله أخونا. واعلم أن ما ضارع الفعل المضارع من الأسماء في الكلام ووافقه في البناء أجرى لفظه مجرى ما يستثقلون ومنعوه ما يكون لما يستخفون وذلك نحو أبيض وأسود وأحمر وأصفر فهذا بناء أذهب وأعلم فيكون في موضع الجرّ مفتوحاً استثقلوه حين قارب في الكلام ووافق في البناء. وأما مضارعته في الصفة فإنك لو قلت: أتأتني اليوم قوي وألا بارداً ومررت بجميل كان ضعيفاً ولم يكن في حسن أتاني رجل قوي وألا ماء بارداً ومررت برجل جميل. أفلا ترى أن هذا يقبح ههنا كما أن الفعل المضارع لا يتكلم به إلا ومعه الاسم لأن الاسم قبل الصفة كما أنه قبل الفعل. ومع هذا أنك ترى الصفة تجري في معنى يفعل يعني هذا رجل ضارب زيداً فإن كان اسماً كان أخفّ عليهم وذلك نحو أفكل وأكلب ينصرفان في النكرة. ومضارعة أفعل الذي يكون صفة للاسم أنه يكون وهو اسم صفة كما يكون الفعل صفة وأما يشكر فإنه لا يكون صفة وهو اسم وإنما يكون صفة وهو فعل. واعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة وهي أشد تمكناً لأن النكرة أول ثم يدخل عليها ما تعرّف به. فمن ثم أكثر الكلام ينصرف في النكرة. واعلم أن الواحد أشد تمكناً من الجميع لأن الواحد الأول ومن ثم لم يصرفوا ما جاء من الجميع ما جاء على مثال ليس يكون للواحد نحو مساجد ومفاتيح. واعلم أن المذكر أخفّ عليهم من المؤنث لأن المذكر أول وهو أشد تمكناً وإنما يخرج التأنيث من التذكير. ألا ترى أن " الشيء " يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى والشيء ذكر فالتنوين علامة للأمكن عندهم والأخف عليهم وتركه علامة لما يستثقلون. وسوف يبيّن ما ينصرف وما لا ينصرف إن شاء الله.
وجميع ما لا ينصرف إذا أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجرّ لأنها أسماء أدخل عليها ما يدخل على المنصرف. ودخل فيها الجر كما يدخل في المنصرف ولا يكون ذلك في الأفعال وأمنوا التنوين. فجميع ما يترك صرفه مضارع به الفعل لأنه إنما فعل ذلك به لأنه ليس له تمكن واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجميع. وذلك قولك لم يرم ولم يغز ولم يخش. وهو في الرفع ساكن الآخر تقول: هو يرمي ويغزو ويخشى.
هذا باب المسند والمسند إليه
وهما ما لا يغنى واحد منهما عن الآخر ولا يجد المتكلم منه بداً. فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبني عليه. وهو قولك عبد الله أخوك وهذا أخوك.
ومثل ذلك يذهب عبد الله فلا بدّ للفعل من الاسم كما لم يكن للاسم الأول بدّ من الآخر في الابتداء.
ومما يكون بمنزلة الابتداء قولك: كان عبد الله منطلقاً وليت زيداً منطلق لأن هذا يحتاج إلى ما بعده كاحتياج المبتدأ إلى ما بعده. واعلم أن الاسم أول أحواله الابتداء وإنما يدخل الناصب والرافع سوى الابتداء والجار على المبتدأ. ألا ترى أن ما كان مبتدأ قد تدخل عليه هذه الأشياء حتى يكون غير مبتدأ ولا تصل إلى الابتداء ما دام مع ما ذكرت لك إلا أن تدعه. وذلك أنك إذا قلت عبد الله منطلق إن شئت أدخلت رأيت عليه فقلت رأيت عبد الله منطلقاً أو قلت كان عبد الله منطلقاً أو مررت بعبد الله منطلقاً فالمبتدأ أول جزء كما كان الواحد أول العدد والنكرة قبل المعرفة.
هذا باب اللفظ للمعاني
اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين واختلاف اللفظين والمعنى واحد واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين. وسترى ذلك إن شاء الله تعالى. فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب. واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق. واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك: وجدت عليه من الموجدة ووجدت إذا أردت وجدان الضّالة. وأشباه هذا كثير.
هذا باب ما يكون في اللفظ من الأعراض
اعلم أنهم مما يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام غير ذلك ويحذفون ويعوّضون ويستغنون بالشيء عن الشيء الذي أصله في كلامهم أن يستعمل حتى يصير ساقطاً. وسترى ذلك إن شاء الله. فما حذف وأصله في الكلام غير ذلك. لم يك ولا أدر وأشباه ذلك. وأما استغناؤهم والعوض قولهم: زنادقة وزناديق وفرازنة وفرازين حذفوا الياء وعوّضوها الهاء. وقولهم أسطاع يسطيع وإنما هي أطاع يطيع زادوا السين عوضاً من ذهاب حركة العين من أفعل. وقولهم اللهم حذفوا " يا " وألحقوا الميم عوضاً.
هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة
فمنه مستقيم حسن ومحال ومستقيم كذب ومستقيم قبيح وما هو محال كذب. فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمس وسآتيك غداً وسآتيك أمس. وأما المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل وشربت ماء البحر " ونحوه. وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك: قد زيداً رأيت وكي زيداً يأتيك وأشباه هذا. وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس.
هذا باب ما يحتمل الشعر
اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبّهونه بما قد حذف واستعمل محذوفاً كما قال العجّاج: يريد الحمام. وقال خفاف بن ندبة السلمىّ: كنواح ريش حمامة نجدية ومسحت بالثتين عصف الإثمد وكما قال: دار لسعدى إذه من هواكا وقال: فطرت بمنصلي في يعملات دوامي الأيد يخبطن السريحا وكما قال النجاشي: فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل وكما قال مالك بن خريم الهمداني: فإن يك غثا أو سميناً فإنني سأجعل عينيه لنفسه مقنعاً وقال الأعشى: وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه ويعدن أعداء بعيد وداد وربما مدوا مثل مساجد ومنابر فيقولون مساجيد ومنابير شبّهوه بما جمع على غير واحده في الكلام كما قال الفرزدق: وقد يبلغون بالمعتلّ الأصل فيقولون رداد في رادّ وضننوا في ضنّوا ومررتم بجواري قبل. قال قعنب بن أم صاحب: مهلاً أعاذل قد جرّبت من خلقي أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا ومن العرب من يثقّل الكلمة إذا وقف عليها ولا يثقلها في الوصل فإذا كان في الشعر فهم يجرونه في الوصل على حاله في الوقف نحو: سبسبّا وكلكلاّ لأنهم قد يثقلونه في الوقف فأثبتوه في الوصل كما أثبتوا الحذف في قوله لنفسه مقنعاً وإنما حذفه في الوقف. قال رؤبة: ضخم يحب الخلق الأضخما يروي بكسر الهمزة وفتحها. وقال بعضهم: " الضّخمّا " بكسر الضاد. وقال أيضاً ي مثله وهو الشماخ: له زجل كأنه صوت حادٍ إذا طلب الوسيقة أو زمير وقال حنظلة بن فاتك: وأيقن أن الخيل إن تلتبس به يكن لفسيل النخل بعده آبر وقال رجل من باهلة: أو معبر الظهر ينبي عن وليته ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمروا وما له من مجدٍ تليدٍ وما له من الريح حظ لا الجنوب ولا الصبا وقال: بيناه في دار صدقٍ قد أقام بها حيناً يعللنا وما نعلله ويحتملون قبح الكلام حتى يضعوه في غير موضعه لأنه مستقيم ليس فيه نقيض فمن ذلك قوله: صددت فأطولت الصدود وقلما وصال على طول الصدود يدوم وإنما الكلام: وقل ما يدوم وصال. وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلا ظرفاً بمنزلة غيره من الأسماء وذلك قول المرار بن سلامة العجلي: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا وقال الأعشى: وما قصدت من أهلها لسوائكا وقال خطام المجاشعي: وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً. وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا لأن هذا موضع جمل وسنبين ذلك فيما نستقبل إن شاء الله.
هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول
والمفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل ولا يتعدى فعله إلى مفعول آخر وما يعمل من أسماء الفاعلين والمفعولين عمل الفعل الذي يتعدى إلى مفعول وما يعمل من المصادر ذلك العمل وما يجري من الصفات التي لم تبلغ أن تكون في القوة كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تجري مجرى الفعل المتعدي إلى مفعول مجراها وما أجري مجرى الفعل وليس بفعل ولم يقو قوته وما جرى من الأسماء التي ليست بأسماء الفاعلين التي ذكرت لك ولا الصفات التي هي من لفظ أحداث الأسماء وتكون لأحداثها أمثلة لما مضى ولما لم يمض وهي التي لم تبلغ أن تكون في القوة كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تريد بها ما تريد بالفعل المتعدي إلى مفعول مجراها وليست لها قوة أسماء الفاعلين التي ذكرت لك ولا هذه الصفات كما أنه لا يقوى قوة الفعل ما جرى مجراها وليس بفعل.
هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول آخر
والفاعل والمفعول في هذا سواء يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل لأنك لم تشغل الفعل بغيره وفرغته كما فعلت ذلك بالفاعل. فأما الفاعل الذي لا يتعداه فعله فقولك: ذهب زيدٌ وجلس عمروٌ. والمفعول الذي لم يتعده فعله ولم يتعد إليه فعل فاعل فقولك: ضرب زيد ويضرب عمرو. فالأسماء المحدث عنها والأمثلة دليلة على ما مضى وما لم يمض من المحدث به عن الأسماء وهو الذهاب والجلوس والضرب وليست الأمثلة بالأحداث ولا ما يكون منه الأحداث وهي الأسماء.
هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول
وذلك قولك: ضرب عبد الله زيداً. فعبد الله ارتفع ههنا كما ارتفع في ذهب وشغلت ضرب به كما شغلت به ذهب وانتصب زيد لأنه مفعول تعدي إليه فعل الفاعل. فإن قدمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول وذلك قولك: ضرب زيداً عبد الله لأنك إنما أردت به مؤخراً ما أردت به مقدماً ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وإن كان مؤخراً في اللفظ. فمن ثم كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدماً وهو عربي جيد كثير كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أغنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم. واعلم أن الفعل الذي لا يتعدى الفاعل يتعدى إلى اسم الحدثان الذي أخذ منه لأنه إنما يذكر ليدل على الحدث. ألا ترى أن قولك قد ذهب بمنزلة قولك قد كان منه ذهاب. وإذا قلت ضرب عبد الله لم يستبن أن المفعول زيد أو عمرو ولا يدل على صنفٍ كما أن ذهب قد دل على صنف وهو الذهاب وذلك قولك ذهب عبد الله الذهاب الشديد وقعد قعدة سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضرباً منه. فمن ذلك: قعد القرفصاء واشتمل الصماء ورجع القهقري لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه. ويتعدى إلى الزمان نحو قولك ذهب لأنه بني لما مضى منه وما لم يمض فإذا قال ذهب فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان وإذا قال سيذهب فإنه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه كما أن فيه استدلالاً على وقوع الحدث. وذلك قولك قعد شهرين وسيقعد شهرين وتقول: ذهبت أمس وسأذهب غداً فإن شئت لم تجعلهما ظرفاً فهو يجوز في كل شيء من أسماء الزمان كما جاز في كل شيء من أسماء الحدث. ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسماً للمكان وإلى المكان لأنه إذا قال ذهب أو قعد فقد علم أن للحدث مكاناً وإن لم يذكره كما علم أنه قد كان ذهاب وذلك قولك ذهبت المذهب البعيد وجلست مجلساً حسناً وقعدت مقعداً كريماً وقعدت المكان الذي رأيت وذهبت وجهاً من الوجوه. وقد قال بعضهم ذهب الشام يشبهه بالمبهم إذ كان مكاناً يقع عليه المكان والمذهب. وهذا شاذ لأنه ليس في ذهب دليل على الشام وفيه دليل على المذهب والمكان. ومثل ذهبت الشام: دخلت البيت. ومثل ذلك قول ساعدة بن جوية: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب ويتعدى إلى ما كان وقتاً في الأمكنة كما يتعدى إلى ما كان وقتاً في الأزمنة لأنه وقت يقع في المكان ولا يختص به مكان واحد كما في الزمن كان مثله لأنك قد تفعل بالأماكن ما تفعل بالأزمنة وإن كان الأزمنة أقوى في ذلك. وكذلك ينبغي أن يكون إذ صار فيما هو أبعد نحو ذهبت الشام وهو قولك ذهبت فرسخين وسرت الميلين كما تقول ذهبت شهرين وسرت اليومين. وإنما جعل في الزمان أقوى لأن الفعل بنى لما مضى منه وما لم يمض ففيه بيان متى وقع كما أن فيه بيان أنه قد وقع المصدر وهو الحدث. والأماكن لم يبن لها فعل وليست بمصادر أخذ منها الأمثلة والأماكن إلى الأناسي ونحوهم أقرب. ألا ترى أنهم يخصونها بأسماء كزيد وعمرو وفي قولهم مكة وعمان ونحوها ويكون منها خلق لا تكون لكل مكان ولا فيه كالجبل والوادي والبحر. والدهر ليس كذلك. والأماكن لها جثة وإنما الدهر مضى الليل والنهار فهو إلى الفعل أقرب.
هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول
وذلك قولك: أعطى عبد الله زيداً درهماً وكسوت بشراً الثياب الجياد. ومن ذلك: اخترت الرجال عبد الله ومثل ذلك قوله عز وجل: " واختار موسى قومه سبعين رجلاً " وسميته زيداً وكسيت زيداً أبا عبد الله ودعوته زيداً إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولاً واحداً. ومنه قول الشاعر: أستغفر الله ذنباً لست محصيه ** رب العباد إليه الوجه والعمل وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدي: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الإضافة فتقول: اخترت فلاناً من الرجال وسميته بفلان كما تقول: عرفته بهذه العلامة وأوضحته بها وأستغفر الله من ذلك فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل. ومثل ذلك قول المتلمس: آليت حب العراق الدهر أطعمه ** والحب يأكله في القرية السوس يريد: على حب العراق. وكما تقول: نبئت زيداً يقول ذاك أي عن زيد. وليست عن وعلى ههنا بمنزلة الباء في قوله: " كفى بالله شهيداً " وليس بزيد لأن عن وعلى لا يفعل بها ذاك ولا بمن في الواجب. وليست أستغفر الله ذنباً وأمرتك الخير أكثر في كلامهم جميعاً وإنما يتكلم بها بعضهم. فأما سميت وكنيت فإنما دخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت تقول عرفته زيداً ثم تقول عرفته بزيد فهو سوى ذلك المعنى فإنما تدخل في سميت وكنيت على حد ما دخلت في عرفته بزيد. فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال أن توصل بحرف الإضافة. وليس كل الفعل يفعل به ذها كما أنه ليس كل فعل يتعدى الفاعل ولا يتعدى إلى مفعولين. ومنه قول الفرزدق: منا الذي اختير الرجال سماحةً وجوداً إذا هب الرياح الزعازع نبئت عبد الله بالجو أصبحت كراماً مواليها لئيماً صميمها .
هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر
وذلك قولك: حسب عبد الله زيداً بكراً وظن عمرو وخالداً أباك وخال عبد الله زيداً أخاك. ومثل ذلك: رأى عبد الله زيداً صاحبنا ووجد عبد الله زيداً ذا الحفاظ. وإنما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين ههنا أنك إنما أردت أن تبين ما استقر عندك من حال المفعول الأول يقيناً كان أو شكاً وذكرت الأول لتعلم الذي تضيف إليه ما استقر له عندك من هو. فإنما ذكرت ظننت ونحوه لتجعل خبر المفعول الأول يقيناً أو شكاً ولم ترد أن تجعل الأول فيه الشك أو تقيم عليه في اليقين. ومثل ذلك: علمت زيداً الظريف وزعم عبد الله زيداً أخاك. وإن قلت رأيت فأردت رؤية العين أو وجدت فأردت وجدان الضالة فهو بمنزلة ضربت ولكنك إنما تريد بوجدت علمت وبرأيت ذلك أيضاً. ألا ترى أنه يجوز للأعمى أن يقول: رأيت وقد يكون علمت بمنزلة عرفت لا تريد إلا علم الأول. فمن ذلك قوله تعالى: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وقال سبحانه: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فهي ههنا بمنزلة عرفت كما كانت رأيت على وجهين. وأما ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه لأنك قد تقول ظننت فتقصر كما تقول ذهبت ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب. فذاك ههنا هو الظن كأنك قلت: ظننت ذاك الظن. وكذلك خلت وحسبت. ويدلك على أنه الظن أنك لو قلت خلت زيداً وأرى زيداً لم يجز. وتقول: ظننت به جعلته موضع ظنك كما قلت نزلت به ونزلت عليه. ولو كانت الباء زائدة بمنزلتها في قوله عز وجل: " كفى بالله " لم يجز السكت عليها فكأنك قلت: ظننت في الدار. ومثله شككت فيه.
هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب كالفاعل في الباب الأوَّل الذي قبله في المعنى
وذلك قولك: أرى الله بشراً زيداً أباك ونبأت زيداً عمراً أبا فلان وأعلم الله زيداً عمراً خيراً منك. واعلم أن هذه الأفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل وذلك قولك: أعطى عبد الله زيداً المال إعطاء حميلاً وسرقت عبد الله الثوب الليلة لا تجعله ظرفاً ولكن كما تقول: يا سارق الليلة زيداً الثوب لم تجعلها ظرفاً. وتقول: أعملت هذا زيداً قائماً العلم اليقين إعلاماً وأدخل الله عمراً المدخل الكريم إدخالاً لأنها لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.
هذا باب المفعول الذي تعداه فعله إلى مفعول
وذلك قولك: كسى عبد الله الثوب وأعطى عبد الله المال. رفعت عبد الله ههنا كما رفعته في ضرب حين قلت ضرب عبد الله وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به ضرب. وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدى إليهما مفعول هو بمنزلة الفاعل. وإن شئت قدمت وأخرت فقلت كسى الثوب زيد وأعطى المال عبد الله كما قلت ضرب زيداً عبد الله. فأمره في هذا كأمر الفاعل. واعلم أن المفعول الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول يتعدى إلى كل شيء تعدى إليه فعل الفاعل الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول وذلك قولك: ضرب زيد الضرب الشديد وضرب عبد الله اليومين اللذين تعلم لا تجعله ظرفاً ولكن كما تقول: يا مضروب الليلة الضرب الشديد وأقعد عبد الله المقعد الكريم. فجميع ما تعدى إليه فعل الفاعل الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول يتعدى إليه فعل المفعول الذي لا يتعداه فعله. واعلم أن المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل في التعدي والاقتصار بمنزلة إذا تعدى إليه فعل الفاعل لأن معناه متعدياً إليه فعل الفاعل وغير متعد إليه فعله سواء. ألا ترى أنك تقول ضربت زيداً فلا تجاوز هذا المفعول وتقول ضرب زيد فلا يتعداه فعله لأن المعنى واحد. وتقول: كسوت زيداً ثوباً فتجاوز إلى مفعول آخر وتقول: كسى زيد ثوباً فلا تجاوز الثوب لأن الأول بمنزلة المنصوب لأن المعنى واحد وإن كان لفظه لفظ الفاعل.
هذا باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر
وذلك قولك: نبئت زيداً أبا فلان. لما كان الفاعل يتعدى إلى ثلاثة تعدى المفعول إلى اثنين. وتقول أرى عبد الله أبا فلان لأنك لو أدخلت في هذا الفعل الفاعل وبنيته له لتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين. واعلم أن الأفعال إذا انتهت ههنا فلم تجاوز تعدت إلى جميع ما تعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى المفعول. وذلك قولك: أعطى عبد الله الثوب إعطاء جميلاً ونبئت زيداً أبا فلان تنبيئاً حسناً وسرق عبد الله الثوب الليلة لا تجعله ظرفاً ولكن على قولك يا مسروق الليلة الثوب صير فعل المفعول والفاعل حيث انتهى فعلهما بمنزلة الفعل الذي لا يتعدى فاعله ولا مفعوله ولم يكونا ليكونا بأضعف من الفعل الذي لا يتعدى.
هذا باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب وهو حال
وقع فيه الفعل وليس بمفعول كالثوب في قولك كسوت الثوب وفي قولك كسوت زيداً الثوب لأن الثوب ليس بحال وقع فيها الفعل ولكنه مفعول كالأول. ألا ترى أنه يكون معرفة ويكون معناه ثانياً كمعناه أولاً إذا قلت كسوت الثوب وكمعناه إذا كان بمنزل الفاعل إذا قلت كسى الثوب. وذلك قولك: ضربت عبد الله قائماً وذهب زيد راكباً. فلو كان بمنزلة المفعول الذي يتعدى إليه فعل الفاعل نحو عبد الله وزيد ما جاز في ذهبت ولجاز أن تقول ضربت زيداً أباك وضربت زيداً القائم لا تريد بالأب ولا بالقائم الصفة " ولا البدل " فالاسم الأول المفعول في ضربت قد حال بينه وبين الفعل أن يكون فيه بمنزلته كما حال الفاعل بينه وبين الفعل في ذهب أن يكون فاعلاً وكما حالت الأسماء المجرورة بين ما بعدها وبين الجار في قولك: لي مثله رجلاً ولي ملؤه عسلاً وكذلك ويحه فارساً وكما منعت النون في عشرين أن يكون ما بعدها جراً إذا قلت: له عشرون درهماً. فعمل الفعل هنا فيما يكون حالاً كعمل مثله فيما بعده ألا ترى أنه لا يكون إلا نكرة كما أن هذا لا يكون إلا نكرة ولو كان هذا بمنزلة الثوب وزيد في كسوت لما جاز ذهبت راكباً لأنه لا يتعدى إلى مفعول كزيد وعمرو. وإنما جاز هذا لأنه حال وليس معناه كمعنى الثوب وزيد فعمل كعمل غير الفعل ولم يكن أضعف منه إذ كان يتعدى إلى ما ذكرت من الأزمنة والمصادر ونحوه. واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد فمن ثم ذكر على حدته ولم يذكر مع الأول ولا يجوز فيه الاقتصار على الفاعل كما لم يجز في ظننت الاقتصار على المفعول الأول لأن حالك في الاحتياج إلى الآخر ههنا كحالك في الاحتياج إليه ثمة.
هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول
وذلك قولك: كان ويكون وصار وما دام وليس وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر. تقول: كان عبد الله أخاك فإنما أردت أن تخبر عن الأخوة وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى. وذكرت الأول كما ذكرت المفعول الأول في ظننت. وإن شئت قلت: كان أخاك عبد الله فقدمت وأخرت كما فعلت ذلك في ضرب لأنه فعل مثله وحال التقديم والتأخير فيه كحاله في ضرب إلا أن اسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد. وتقول: كناهم كما تقول ضربناهم وتقول: إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول إذا لم نضربهم فمن يضربهم. قال أبو الأسود الدؤلي: فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها فهو كائن ومكون كما تقول ضارب ومضروب. وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه تقول: قد كان عبد الله أي قد خلق عبد الله. وقد كان الأمر أي وقع الأمر. وقد دام فلان أي ثبت. كما تقول رأيت زيداً تريد رؤية العين وكما تقول أنا وجدته تريد وجدان الضالة وكما يكون أصبح وأمسى مرة بمنزلة كان ومرة بمنزلة قولك استيقظوا وناموا. فأما ليس فإنه لا يكون فيها ذلك لأنها وضعت موضعاً واحدا ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الآخر. فمما جاء على وقع قوله وهو مقاس العائذي: " أي إذا وقع ". وقال الآخر عمرو بن شأس: بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا إذا كانت الحو الطوال كأنما كساها السلاح الأرجوان المضلعا أضمر لعلم المخاطب بما يعنى وهو اليوم. وسمعت بعض العرب يقول أشنعا ويرفع ما قبله كأنه قال: إذا وقع يوم ذو كواكب أشنعا. واعلم أنه إذا وقع في هذا الباب نكرة ومعرفة فالذي تشغل به كان المعرفة لأنه حد الكلام لأنهما شيء واحد وليس بمنزلة قولك: ضرب رجل زيداً لأنهما شيئان مختلفان وهما في كان بمنزلتهما في الابتداء إذا قلت عبد الله منطلق. تبتدئ بالأعرف ثم تذكر الخبر وذلك قولك: كان زيد حليماً وكان حليماً زيد لا عليك أقدمت أم أخرت إلا أنه على ما وصفت لك في قولك: ضرب زيداً عبد الله. فإذا قلت: كان زيد فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك فإنما ينتظر الخبر. فإذا قلت: حليماً فقد أعلمته مثل ما علمت. فإذا قلت كان حليماً فإنما ينتظر أن تعرفه صاحب الصفة فهو مبدوء به في الفعل وإن كان مؤخراً في اللفظ. فإن قلت: كان حليم أو رجل فقد بدأت بنكرة ولا يستقيم أن تخبر المخاطب عن المنكور وليس هذا بالذي ينزل به المخاطب منزلتك في المعرفة فكرهوا أن يقربوا باب لبس. وقد تقول: كان زيد الطويل منطلقاً إذا خفت التباس الزيدين وتقول: أسفيها كان زيد أم حليماً وأرجلاً كان زيد أم صبياً تجعلها لزيد لأنه إنما ينبغي لك أن تسأله عن خبر من هو معروف عنده كما حدثته عن خبر من هو معروف عندك فالمعروف هو المبدوء به. ولا يبدأ بما يكون فيه اللبس وهو النكرة. ألا ترى أنك لو قلت: كان إنسان حليماً أو كان رجل منطلقاً كنت تلبس لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان هكذا فكرهوا أن يبدءوا بما فيه اللبس ويجعلوا المعرفة خبراً لما يكون فيه هذا اللبس. وقد يجوز في الشعر وفي ضعف من الكلام. حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيداً وجعلته خبراً أنه صاحب الصفة على ضعف من الكلام وذلك قول خداش بن زهير: فإنك لا تبالي بعد حول أظبي كان أمك أم حمار وقال حسان بن ثابت: كأن سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري: ألا من مبلغ حسان عني أسحر كان طبك أم جنون أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميماً بجوف الشام أم متساكر فهذا إنشاء بعضهم. وأكثرهم ينصب السكران ويرفع الآخر على قطع وابتداء. وإذا كان معرفة فأنت بالخيار: أيهما ما جعلته فاعلاً رفعته ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في ضرب وذلك قولك: كان أخوك زيداً وكان زيد صاحبك وكان هذا زيداً وكان المتكلم أخاك. وتقول: من كان أخاك ومن كان أخوك كما تقول: من ضرب أباك إذا جعلت من الفاعل ومن ضرب أبوك إذا جعلت الأب الفاعل. وكذلك أيهم كان أخاك وأيهم كان أخوك. وتقول: ما كان أخاك إلا زيد كقولك ما ضرب أخاك إلا زيد. ومثل ذلك قوله عز وجل: " ما كان حجتهم إلا أن قالوا ": " وما كان جواب قومه إلا أن قالوا ". وقال الشاعر: وقد علم الأقوام ما كان داءها بثهلان إلا الخزي ممن يقودها وإن شئت رفعت الأول كما تقول: ما ضرب أخوك إلا زيداً. و " قد " قرأ بعض القراء ما ذكرنا بالرفع. ومثل قولهم: من كان أخاك قول العرب ما جاءت حاجتك كأنه قال: ما صارت حاجتك ولكنه أدخل التأنيث على ما حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب: من كانت أمك حيث أوقع من على مؤنث. وإنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لأنه كان بمنزلة المثل كما جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم: " عسى الغوير أبؤساً " ولا يقال: عسيت أخانا. وكما جعلوا لدن مع غدوة منونة في قولهم لدن غدوة. ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام وسترى مثل ذلك إن شاء الله. ومن يقول من العرب: ما جاءت حاجتك كثير كما يقول من كانت أمك. ولم يقولوا ما جاء حاجتك كما قالوا من كان أمك لأنه بمنزلة المثل فألزموه التاء كما اتفقوا على لعمر كان في اليمين. وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول: ما جاءت حاجتك فيرفع. ومثل قولهم ما جاءت حاجتك إذ صارت تقع على مؤنث قراءة بعض القراء: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " و " تلتقطه بعض السيارة ". وربما قالوا في بعض الكلام: ذهبت بعض أصابعه وإنما أنث البعض لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه ولو لم يكن منه لم يؤنثه لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن. ومما جاء مثله في الشعر قول الشاعر الأعشى: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبى اليتيم لأن " بعض " ههنا سنون. ومثله قول جرير أيضاً: لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع ومثله قول ذي الرمة: مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم وقال العجاج: طول الليالي أسرعت في نقضى وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق به: اجتمعت أهل اليمامة لأنه يقول في كلامه: اجتمعت اليمامة يعني أهل اليمامة فأنث الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة فترك اللفظ يكون على ما يكون عليه في سعة الكلام. ومثل " في هذا " يا طلحة أقبل لأن أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم فترك الحاء على حالها. ويا تيم تيم عدي أقبل. وقال الشاعر جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم في سوءة عمر وسترى هذا مبيناً في مواضعه إن شاء الله. وترك التاء في جميع هذا " الحد والوجه. وسترى ما " إثبات التاء فيه حسن إن شاء الله " من هذا النحو لكثرته في كلامهم. وسيبين في بابه ". فإن قلت: من ضربت عبد أمك أو هذه عبد زينب لم يجز لأنه ليس منها ولا بها ولا يجوز أن تلفظ بها و " أنت " تريد العبد.
هذا باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة
وذلك قولك: ما كان أحد مثلك وما كان أحد خيراً منك وما كان أحد مجترئاً عليك. وإنما حسن الإخبار ههنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه ولأن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا. وإذا قلت كان رجل ذاهباً فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله. ولو قلت كان رجل من آل فلان فارساً حسن لأنه قد يحتاج إلى أن تعلمه أن ذاك في آل فلان وقد يجهله. ولو قلت كان رجل في قوم عاقلاً لم يحسن لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا عاقل وأن يكون من قوم. فعلى هذا النحو يحسن ويقبح. ولا يجوز لأحد أن تضعه في موضع واجب لو قلت كان أحد من آل فلان لم يجز لأنه إنما وقع في كلامهم نفياً عاماً. يقول الرجل: أتاني رجل يريد واحداً في العدد لا اثنين فيقال: ما أتاك رجل أي أتاك أكثر من ذلك أو يقول أتاني رجل لا امرأة فيقال: ما أتاك رجل أي امرأة أتتك. ويقول: أتاني اليوم رجل أي في قوته ونفاذه فتقول: ما أتاك رجل أي أتاك الضعفاء. فإذا قال: ما أتاك أحد صار نفياً " عاماً " لهذا كله فإنما مجراه في الكلام هذا. ولو قال: ما كان مثلك أحداً أو ما كان زيد أحداً كان ناقضاً لأنه قد علم أنه لا يكون زيد ولا مثله إلا من الناس. ولو قلت ما كان مثلك اليوم أحد فإنه يكون أن لا يكون في اليوم إنسان على حاله إلا أن تقول: ما كان زيد أحداً أي من الأحدين. وما كان مثلك أحد على وجه تصغيره فتصير كأنك قلت: ما ضرب زيد أحداً وما قتل مثلك أحداً. والتقديم والتأخير في هذا بمنزلته في المعرفة وما ذكرت لك من الفعل. وحسنت النكرة " ههنا " في هذا الباب لأنك لم تجعل الأعرف في موضع الأنكر وهما متكافئان كما تكافأت المعرفتان ولأن المخاطب قد يحتاج إلى علم ما ذكرت لك وقد عرف من تعنى بذلك كمعرفتك. وتقول: ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الاسم. فإن جعلته على قولك فيها زيد قائم " نصبت " تقول: ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك فيها إلا أنك إذا أردت الإلغاء فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن. وإذا أردت أن يكون مستقراً تكتفي به فكلما قدمته كان أحسن لأنه إذا كان عاملاً في شيء قدمته كما تقدم أظن وأحسب وإذا ألغيت أخرته كما تؤخرهما لأنهما ليسا يعملان شيئاً. والتقديم ههنا والتأخير " فيما يكون ظرفاً أو يكون اسماً في العناية والاهتمام مثله فيما ذكرت لك في باب الفاعل والمفعول. وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير " والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير فمن ذلك قوله عز وجل: " ولم يكن له كفواً أحد ". وأهل الجفاء من العرب يقولون: ولم يكن كفواً له أحد كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة. وقال الشاعر: لتقربن قرباً جلذياً ما دام فيهن ** فصل حيا فقد دجا الليل فهيا هيا
هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله
وذلك الحرف " ما ". تقول: ما عبد الله أخاك وما زيد منطلقاً. وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل أي لا يعلمونها في شيء وهو القياس لأنه ليس بفعل وليس ما كليس ولا يكون فيها إضمار. وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها كما شبهوا بها لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة لا تكون لات إلا مع الحين تضمر فيها مرفوعاً وتنصب الحين لأنه مفعول به ولم تمكن تمكنها ولم تستعمل إلا مضمراً فيها لأنها ليس كليس في المخاطبة والإخبار عن غائب تقول لست " ولست " وليسوا وعبد الله ليس ذاهباً فتبنى على المبتدأ وتضمر فيه ولا يكون هذا في لات لا تقول: عبد الله لات منطلقاً ولا قومك لاتوا منطلقين. ونظير لات في أنه لا يكون إلا مضمراً فيه: ليس ولا يكون في الاستثنار إذا قلت أتوني ليس زيداً ولا يكون بشراً. وزعموا أن بعضهم قرأ: " ولات حين مناص " وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك القيسي: من فر عن نيرانها فأنا ابن قيس لا براح جعلها بمنزلة ليس فهي بمنزلة لات في هذا الموضع في الرفع. ولا يجاوز بها هذا الحين رفعت أو نصبت ولا تمكن في الكلام كتمكن ليس وإنما هي مع الحين كما أن لدن إنما ينصب بها مع غدوة وكما أن التاء لا تجر في القسم ولا في غيره إلا في الله إذا قلت تالله لأفعلن. ومثل ذلك قوله عز وجل: " ما هذا بشراً " في لغة أهل الحجاز. وبنو تميم يرفعونها إلا من درى كيف هي في المصحف. فإذا قلت: ما منطلق عبد الله أو ما مسئ من أعتب رفعت. ولا يجوز أن يكون مقدماً مثله مؤخراً كما أنه لا يجوز أن تقول: إن أخوك عبد الله على حد قولك: إن عبد الله أخوك لأنها ليست بفعل وإنما جعلت بمنزلته فكما لم تتصرف إن كالفعل كذلك لم يجز فيها كل ما يجوز فيه ولم تقو قوته فكذلك ما. وتقول: ما زيد إلا منطلق تستوي فيه اللغتان. ومثله قوله عز وجل: " ما أنتم إلا بشر مثلنا " لما تقو ما حيث نقضت معنى ليس كما لو تقو حين قدمت الخبر. فمعنى ليس النفي كما أن معنى كان الواجب وكل واحد منهما يعني وكان وليس إذا جردته فهذا معناه. فإن قلت ما كان أدخلت عليها ما ينفى به. فإن قلت ليس زيد إلا ذاهباً أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي. فلم تقو ما في باب قلب المعنى كما لم تقو في تقديم الخبر. وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش وإذا ما مثلهم بشر وهذا لا يكاد يعرف كما أن " لات حين مناص " كذلك. ورب شيء هكذا وهو كقول بعضهم: هذه ملحفة جديدة في القلة. وتقول: ما عبد الله خارجاً ولا معن ذاهب ترفعه على أن لا تشرك الاسم الآخر في ما ولكن تبتدئه كما تقول: ما كان عبد الله منطلقاً ولا زيد ذاهب إذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الآن. وكذلك ليس. وإن شئت جعلتها لا التي يكون فيها الاشتراك فتنصب كما تقوم في كان: ما كان زيد ذاهباً ولا عمرو منطلقاً. وذلك قولك: ليس زيد ذاهباً ولا أخوك منطلقاً وكذلك ما زيد ذاهباً ولا معن خارجاً. وليس قولهم لا يكون في ما إلا الرفع بشيء لأنهم يحتجون بأنك لا تستطيع أن تقول ولا ليس ولا ما فأنت تقول ليس زيد ولا أخوه ذاهبين وما عمرو ولا خالد منطلقين فتشركه مع الأول في ليس وفي ما. فما يجوز في كان إلا أنك إن حملته على الأول أو ابتدأت فالمعنى أنك تنفي شيئاً غير كائن في حال حديثك. وكان " الابتداء " في كان أوضح لأن المعنى يكون على ما مضى وعلى ما هو الآن. وليس يمتنع أن يراد به الأول كما أردت في كان. ومثل ذلك قولك إن زيداً ظريف وعمرو وعمراً فالمعنى في الحديث واحد وما يراد من الإعمال مختلف " في كان وليس وما ". وتقول: ما زيد كريماً ولا عاقلاً أبوه تجعله كأنه للأول بمنزلة كريم لأنه ملتبس به إذا قلت أبوه تجريه عليه كما أجريت عليه الكريم لأنك لو قلت: ما زيد عاقلاً أبوه نصبت وكان كلاماً. وتقول: ما زيد ذاهباً ولا عاقل عمرو لأنك لو قلت ما زيد عاقلاً عمرو لم يكن كلاماً لأنه ليس من سببه فترفعه على الابتداء والقطع من الأول كأنك قلت: وما عاقل عمرو. ولو جعلته من سببه لكان فيه له إضمار كالهاء في الأب ونحوها ولم يجز نصبه على ما لأنك لو ذكرت ما ثم قدمت الخبر لم يكن إلا رفعاً. وإن شئت قلت: ما زيد ذهباً ولا كريم أخوه إن ابتدأته ولم تجعله على ما كما فعلت ذلك حين بدأت بالاسم. ولكن ليس وكان يجوز فيهما النصب وإن قدمت الخبر ولم يكن ملتبساً لأنك لو ذكرتهما كان الخبر فيهما مقدماً مثله مؤخراً وذلك قولك: ما كان زيد ذاهباً ولا قائماً عمرو. وتقول ما زيد ذاهباً ولا محسن زيد الرفع أجود وإن كنت تريد الأول لأنك لو قلت ما زيد منطلقاً زيد لم يكن حد الكلام وكان ههنا ضعيفاً ولم يكن كقولك ما زيد منطلقاً هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره وإنما ينبغي لك أن تضمره. ألا ترى أنك لو قلت ما زيد منطلقاً أبو زيد لم يكن كقولك ما زيد منطلقاً أبوه لأنك قد استغنيت عن الإظهار فلما كان هذا كذلك أجري مجرى الأجنبي واستؤنف على حاله حيث كان هذا ضعيفاً فيه. وقد يجوز أن تنصب. قال الشاعر وهو سواد ابن عدي: لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فأعاد الإظهار. وقال الجعدي: إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها سواقط من حر وقد كان أظهرا لعمرك ما معن بتارك حقه ولا منسئ معن ولا متيسر وإذا قلت: ما زيد منطلقاً أبو عمرو وأبو عمرو أبوه لم يجز لأنك لم تعرفه به ولم تذكر له إضماراً ولا إظهاراً فيه فهذا لا يجوز لأنك لم نجعل له فيه سبباً. وتقول: ما أبو زينب ذاهباً ولا مقيمة أمها ترفع لأنك لو قلت: ما أبو زينب مقيمةً أمها لم يجز لأنها ليست من سببه وإنما عملت ما فيه لا في زينب. ومن ذلك قول الشاعر وهو الأعور الشني: هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي. وقد جره قوم فجعلوه المأمور للمنهي والمنهى هو الأمور لأنه من الأمور وهو بعضها فأجراه وأنثه كما قال جرير: إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي: فليس بمعروف لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكر أن تعقرا كأنه قال: ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ولا مستنكر عقرها والعقر ليس للرد. وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد ويؤنث لأنه من الخيل كما قال ذو الرمة: مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها من الرياح النواسم كأنه قال: تسفهتها الرياح وكأنه قال: ليس بآتيتك منهيها وليس بمعروفةٍ ردها حين كان من الخيل والخيل مؤنثة فأنث. ومثل هذا قوله تعالى جده: " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى. هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث كما جمع ههنا وهو في قوله ليس بآتيتك منهيها كأنه قال: ليس بآتيتك الأمور. وفي ليس بمعرفة ردها كأنه قال: ليس بمعرفة خيلنا صحاحاً. وإن شئت نصبت فقلت: ولا مستنكراً أن تعقرا ولا قاصراً عنك مأمورها على قولك: ليس زيد ذاهباً ولا عمرو ومنطلقاً أو ولا منطلقاً عمرو. وتقول: ما كل سوداء تمرةً ولا بيضاء شحمة وإن شئت نصبت شحمةً. وبيضاء في موضع جر كأنك أظهرت كل فقلت ولا كل بيضاءً. قال الشاعر أبو داود: أكل امرئٍ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب. وجاز كما جاز في قولك: ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه وإن شئت قلت: ولا مثل أخيه. فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه. وتفريقه أن تقول: ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك. ومثل ذلك ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك. فلما جاز في هذا جاز في ذلك.
هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله
وذلك قولك: ليس زيد بجبان ولا بخيلاً وما زيد بأخيك ولا صاحبك. والوجه فيه الجر لأنك تريد أن تشرك بين الخبرين وليس ينقض إجراؤه عليك المعنى. وأن يكون آخره على أوله أولى ليكون حالهما في الباء سواءً كحالهما في غير الباء مع قربه منه. وقد حملهم قرب الجوار على أن جروا: هذا جحر ضبٍ خربٍ ونحوه فكيف ما يصح معناه. ومما جاء من الشعر في الإجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي: لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى ولم يحتج إليها وكان نصباً. ألا ترى أنهم يقولون حسبك هذا وبحسبك هذا فلم تغير الباء معنى. وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء لأن بحسبك في موضع ابتداءٍ. ومثل ذلك قول لبيد: فإن لم تجد من دون عدنان والداً ودون معدٍ فلتزعك العواذل والجر الوجه. ولو قلت: ما زيد على قومنا ولا عندنا كان النصب ليس غير لأنه لا يجوز حمله على على. ألا ترى أنك لو قلت: ولا على عندنا لم يكن لأن عندنا لا تستعمل إلا ظرفاً وإنما أزدت أن تخبر أنه ليس عندكم. وتقول: أخذتنا بالجود وفوقه لأنه ليس من كلامهم وبفوقه. ومثل ودون معدٍ قول الشاعر وهو كعب بن جعيل: ألا حي ندماني عمير بن عامر إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وقال العجاج: كشحا طوى من بلد مختاراً من يأسه اليائس أو حذارا وتقول: ما زيد كعمرو ولا شبيهاً به وما عمرو كخالدٍ ولا مفلحاً النصب في هذا جيد لأنك إنما تريد ما هو مثل فلان ولا مفلحاً. هذا وجه الكلام. فإن أردت أن تقول ولا بمنزلة من يشبهه جررت وذلك قولك ما أنت كزيد ولا شبيهٍ به فإنما أردت ولا كشبيهٍ به. وإذا قلت ما أنت بزيد ولا قريباً منه فإنه ليس ههنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجئ بها وأنت إذا ذكرت الكاف تمثل. وتكون قريباً ههنا إن شئت ظرفاً. فإن لم تجعل قريباً ظرفاً جاز فيه الجر على الباء والنصب على الموضع.
هذا باب الإضمار في ليس وكان كالإضمار في إن
إذا قلت: إنه من يأتينا نأته وإنه أمة الله ذاهبة. فمن ذلك قول بعض العرب: ليس خلق الله مثله. فلولا أن فيه إضماراً لم يجز أن تذكر الفعل ولم تعمله في اسم ولكن فيه الإضمار مثل ما في إنه. وسوف نبين حال هذا في الإضمار وكيف هو إن شاء الله. قال الشاعر وهو حميد الأرقط: فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى تلقى المساكين فلو كان كل على ليس ولا إضمار فيه لم يكن إلا الرفع في كل ولكنه انتصب على تلقى. ولا يجوز أن تحمل المساكين على ليس وقد قدمت فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول وهذا لا يحسن. لو قلت كانت زيداً الحمى تأخذ أو تأخذ الحمى لم يجز وكان قبيحاً. ومثل ذلك في الإضمار قول بعض الشعراء العجير سمعناه ممن يوثق بعربيته: إذا مت كان الناس صنفان: شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع أضمر فيها. وقال بعضهم: كان أنت خير منه كأنه قال إنه أنت خير منه. ومثله: كاد تزيغ قلوب فريق منهم وجاز هذا التفسير لأن معناه كادت قلوب فريق منهم تزيغ كما قلت: ما كان الطيب إلا المسك على إعمال ما كان الأمر الطيب إلا المسك فجاز هذا إذ كان معناه ما الطيب إلا المسك. وقال هشام أخو ذي الرمة: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول ولا يجوز ذا في ما في لغة أهل الحجاز لأنه لا يكون فيه إضمار. ولا يجوز أن تقول: ما زيداً عبد الله إضماراً وما زيداً أنا قاتلاً لأنه لا يستقيم كما لم يستقيم في كان وليس أن تقدم ما يعمل فيه الآخر. فإن رفعت الخبر حسن حمله على اللغة التميمية كما قلت: أما زيداً فأنا ضاربٌ كأنك لم تذكر أما وكأنك لم تذكر ما وكأنك قلت: وقال مزاحم العقيلي: وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافى منى أنا عارف وقال بعضهم: وما كل من وافى منى أنا عارف لزم اللغة الحجازية فرفع كأنه قال: ليس عبد الله أنا عارف فأضمر الهاء في عارف. وكان الوجه عارفه حيث لم يعمل عارف في كل وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير لأنهم قد يدعون هذه الهاء في كلامهم وفي الشعر كثيراً وذلك ليس في شيء من كلامهم ولا يكاد يكون في شعر. وسترى ذلك إن شاء الله.
هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه
وذلك قولك ما أحسن عبد الله. زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله ودخله معنى التعجب. وهذا تمثيل ولم يتكلم به. ولا يجوز أن تقدم عبد الله وتؤخر ما ولا تزيل شيئاً عن موضعه ولا تقول فيه ما يحسن ولا شيئاً مما يكون في الأفعال سوى هذا. وبناؤه أبداً من فعل وفعل وفعل وأفعل هذا لأنهم لم يريدوا أن يتصرف فجعلوا له مثالاً واحداً يجري عليه فشبه هذا بما ليس من الفعل نحو لات وما. وإن كان من حسن وكرم وأعطى كما قالوا أجدل فجعلوه اسماً وإن كان من الجدل وأجري مجرى أفكل. ونظير جعلهم ما وحدها اسماً قول العرب: إني مما أن أصنع أي من الأمر أن أصنع فجعل ما وحدها اسماً. ومثل ذلك غسلته غسلاً نعماً أي نعم الغسل.
هذا باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك
وهو قولك: ضربت وضربني زيد وضربني وضربت زيداً تحمل الاسم على الفعل الذي يليه. فالعامل في اللفظ أحد الفعلين وأما في المعنى فقد يعلم أن الأول قد وقع إلا أنه لا يعمل في اسم واحد نصب ورفع. وإنما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه لا ينقض معنى وأن المخاطب قد عرف أن الأول قد وقع بزيد كما كان خشنت بصدره وصدر زيدٍ وجه الكلام حيث كان الجر في الأول وكانت الباء أقرب إلى الاسم من الفعل ولا تنقض معنىً سووا بينهما في الجر كما يستويان في النصب. ومما يقوى ترك نحو هذا لعلم المخاطب قوله عز وجل: " والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات " فلم يعمل الآخر فيما عمل فيه الأول استغناءً عنه ومثل ذلك: ونخلع ونترك من يفجرك. وجاء في الشعر من الاستغناء أشد من هذا وذلك قول قيس بن الخطيم: وقال ضابيء البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقياراً بها لغريب وقال أبن أحمر: رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد لأنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الآخرين في هذه الصفة. والأول أجود لأنه لم يضع واحداً في موضع جمع ولا جمعاً في موضع واحد. ومثله قول الفرزدق: إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي فكان وكنت غير غدور ترك أن يكون للأول خبر حين استغنى بالآخر لعلم المخاطب أن الأول قد دخل في ذلك. ولو تحمل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك. وإذا قلت ضربني لم يكن سبيل للأول لأنك لا تقول ضربني وأنت تجعل المضمر جميعاً ولو أعملت الأول لقلت مررت ومر بي بزيد. وإنما قبح هذا أنهم قد جعلوا الأقرب أولى إذا لم ينقض معنىً. قال الشاعر وهو الفرزدق: ولكن نصفاً لو سببت وسبني بنو عبد شمس من مناف وهاشم وكمتاً مدماةً كأن متونها جرى فوقها واستشعرت لون مذهب وقال رجل من باهلة: ولقد أرى تغنى به سيفانة تصبي الحليم ومثلها أصباه فالفعل الأول في كل هذا معمل في المعنى وغير معمل في اللفظ والآخر معمل في اللفظ والمعنى. فإن قلت: ضربت وضربوني قومك نصبت إلا في قول من قال: أكلوني البراغيث أو تحمله على البدل فتجعله بدلاً من المضمر كأنك قلت: ضربت وضربني ناس بنو فلان. وعلى هذا الحد تقول: ضربت وضربني عبد الله تضمر في ضربني كما أضمرت في ضربوني. فإن قلت: ضربني وضربتهم قومك رفعت لأنك شغلت الآخر فأضمرت فيه كأنك قلت ضربني قومك وضربتهم على التقديم والتأخير إلا أن تجعل ههنا البدل كما جعلته في الرفع. فإن فعلت ذلك لم يكن بد من ضربوني لأنك تضمر فيه الجمع. قال عمر بن أبي ربيعة: إذا هي لم تستك بعود أراكة تنخل فاستاكت به عود إسحل لأنه أضمر في آخر الكلام. وقال المرار الأسدي: فرد على الفؤاد هوى عميداً وسوئل لو يبين لنا سؤالا وقد نغني بها ونرى عصوراً بها يقتدننا الخرد الخدالا وإذا قلت: ضربوني وضربتهم قومك جعلت القوم بدلاً من هم لأن الفعل لا بد له من فاعل والفاعل ههنا جماعة وضمير الجماعة الواو. وكذلك تقول: ضربوني وضربت قومك إذا أعملت الآخر فلا بد في الأول من ضمير الفاعل لئلا يخلو من فاعل. وإنما قلت: ضربت وضربني قومك فلم تجعل في الأول الهاء والميم لأن الفعل قد يكون بغير مفعول ولا يكون الفعل بغير فاعل. وقال امرؤ القيس: فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال فإنما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوباً وإنما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافياً ولو لم يرد ونصب فسد المعنى. وقد يجوز ضربت وضربني زيداً لأن بعضهم قد يقول: متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً والوجه متى رأيت أو قلت زيد منطلقٌ. ومثل ذلك في الجواز ضربني وضربت قومك والوجه أن تقول: ضربوني وضربت قومك فتحمله على الآخر. فإن قلت: ضربني وضربت قومك فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد كما تقول: هو أحسن الفتيان وأجمله وأكرم بنيه وأنبله. ولا بد من هذا لأنه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الأسماء كأنك قلت إذا مثلته: ضربني من ثم وضربت قومك. وترك ذلك أجود وأحسن للتبيان الذي يجيء بعده فأضمر من لذلك. قال الأخفش: فهذا رديء في القياس يدخل فيه أن تقول: أصحابك جلس تضمر شيئاً يكون في اللفظ واحداً. فقولهم: هو أظرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه ألا ترى أنك لو قلت وأنت تريد الجماعة: هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن.
هذا باب ما يكون فيه الاسم مبنياً على الفعل قدم أو أخر وما يكون فيه الفعل مبنياً على الاسم
فإذا بنيت الاسم عليه قلت: ضربت زيداً وهو الحد لأنك تريد أن تعمله وتحمل عليه الاسم كما كان الحد ضرب زيد عمراً حيث كان زيد أول ما تشغل به الفعل. وكذلك هذا إذا كان يعمل فيه. وإن قدمت الاسم فهو عربيٌ جيد كما كان ذلك عربياً جيداً وذلك قولك: زيداً ضربت والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير سواء مثله في ضرب زيد عمراً وضرب فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيد ضربته فلزمته الهاء. وإنما تريد بقولك مبنى عليه الفعل أنه في موضع منطلق إذا قلت: عبد الله منطلق فهو في موضع هذا الذي بني على الأول وارتفع به فإنما قلت عبد الله فنسبته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء. ومثل ذلك قوله جل ثناؤه: " وأما ثمود فهديناهم " وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملاً في المضمر وشغلته به ولولا ذلك لم يحسن لأنك لم تشغله بشيء. وإن شئت قلت: زيداً ضربته وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت: ضربت زيداً ضربته إلا أنهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره. فالاسم ها هنا مبني على هذا المضمر. ومثل ترك إظهار الفعل ها هنا ترك الإظهار في الموضع الذي تقدم فيه الإضمار وستراه إن شاء الله. وقد قرأ بعضهم: " وأما ثمود فهديناهم ". وأنشدوا هذا البيت على وجهين: على النصب والرفع قال بشر بن أبي خازم: فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم روبى نياما ومنه قول ذي الرمة: فالنصب عربيٌ كثيرٌ والرفع أجود لأنه إذا أراد الإعمال فأقرب إلى ذلك أن يقول: ضربت زيداً وزيداً ضربت ولا يعمل الفعل في مضمر ولا يتناول به هذا المتناول البعيد. وكل هذا من كلامهم. ومثل هذا: زيداً أعطيت وأعطيت زيداً وزيدٌ أعطيته لأن أعطيت بمنزلة ضربت. وقد بين المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل في أول الكتاب. فإن قلت: زيد مررت به فهو من النصب أبعد من ذلك لأن المضمر قد خرج من الفعل وأضيف الفعل إليه بالباء ولم يوصل إليه الفعل في اللفظ فصار كقولك: زيد لقيت أخاه. وإن شئت قلت: زيداً مررت به تريد أن تفسر به مضمراً كأنك قلت إذا مثلت ذلك: جعلت زيداً على طريقي مررت به ولكنك لا تظهر هذا الأول لما ذكرت لك. وإذا قلت: زيد لقيت أخاه فهو كذلك وإن شئت نصبت لأنه إذا وقع على شيء من سببه فكأنه قد وقع به. والدليل على ذلك أن الرجل يقول أهنت زيداً بإهانتك أخاه وأكرمته بإكرامك أخاه. وهذا النحو في الكلام كثير يقول الرجل إنما أعطيت زيداً وإنما يريد لمكان زيد أعطيت فلاناً. وإذا نصبت زيداً لقيت أخاه فكأنه قال: لا بست زيداً لقيت أخاه. وهذا تمثيل ولا يتكلم به فجرى هذا على ما جرى عليه قولك أكرمت زيداً وإنما وصلت الأثرة إلى غيره. والرفع في هذا أحسن وأجود لأن أقرب إلى ذلك أن تقول: مررت بزيد ولقيت أخا عمرو. ومثل هذا في البناء على الفعل وبناء الفعل عليه أيهم وذلك قولهم: أيهم تر يأتك وأيهم تره يأتك. والنصب على ما ذكرت لك لأنه كأنه قال: أيهم تر تره يأتك فهو مثل زيد في هذا الباب. وقد يفارقه في أشياء كثيرةٍ ستبين إن شاء الله.
هذا باب ما يجري مما يكون ظرفاً هذا المجرى
وذلك قولك يوم الجمعة ألقاك فيه وأقل يوم لا ألقاك فيه وأقل يوم لا أصوم فيه وخطيئة يوم لا أصيد فيه ومكانكم قمت فيه. فصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع عبد الله وصار ما بعدها مبنياً عليها كبناء الفعل على الاسم الأول فكأنك قلت: يوم الجمعة مبارك ومكانكم حسن وصار الفعل في موضع هذا. وإنما صار هذا كهذا حين صار في الآخر إضمار اليوم والمكان فخرج من أن يكون ظرفاً كما يخرج إذا قلت: يوم الجمعة مبارك فإذا قلت: يوم الجمعة صمته فصمته في موضع مبارك حيث كان المضمر هو الأول كما كان المبارك هو الأول. ويدخل النصب فيه كما دخل في الاسم الأول ويجوز في ذلك يوم الجمعة آتيك فيه وأصوم فيه كما جاز في قولك: عبد الله مررت به كأنه قال: ألقاك يوم الجمعة فنصبه لأنه ظرف ثم فسر فقال ألقاك فيه. وإن شاء نصبه على الفعل نفسه كما أعمل فيه الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول كل ذلك عربي جيد. أو نصبه لأنه ظرف لفعل أضمره وكأنه قال: يوم الجمعة ألقاك. والنصب في: يوم الجمعة صمته ويوم الجمعة سرته مثله في قولك: عبد الله ضربته إلا أنه إن شاء نصبه بأنه ظرف وإن شاء أعمل فيه الفعل كما أعمله في عبد الله لأنه يكون ظرفاً وغير ظرف. ولا يحسن في الكلام أن يجعل الفعل مبنياً على الاسم ولا يذكر علامة إضمار الأول حتى يخرج من لفظ الإعمال في الأول ومن حال بناء الاسم عليه ويشغله بغير الأول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه ولكنه قد يجوز في الشعر وهو ضعيف في الكلام. قال الشاعر وهو أبو النجم العجلي: قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنباً كله لم أصنع فهذا ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر لأن النصب لا يسكر البيت ولا يخل به ترك إظهار الهاء. وكأنه قال: كله غير مصنوع. وقال امرؤ القيس: فأقبلت زحفاً على الركبتين فثوب لبست وثوب أجر وقال النمر بن تولب: سمعناه من العرب ينشدونه. يريدون: نساء فيه ونسر فيه. وزعموا أن بعض العرب يقول: شهرٌ ثرى وشهرٌ ترى وشهرٌ مرعى. يريد: ترى فيه. وقال: ثلاث كلهن قتلت عمداً فأخزى الله رابعة تعود فهذا ضعيف والوجه الأكثر الأعرف النصب وإنما شبهوه بقولهم: الذي رأيت فلان حيث لم يذكروا الهاء. وهو في هذا أحسن لأن رأيت تمام الاسم به يتم وليس بخبر ولا صفةٍ فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما كرهوا طول اشهيباب فقالوا: اشهباب. وهو في الوصف أمثل منه في الخبر وهو على ذلك ضعيف ليس كحسنه بالهاء لأنه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه وليس بمنقطع منه خبراً مبنياً عليه ولا مبتدأ فضارع ما يكون من تمام الاسم وإن لم يكن تماماً له ولا منه في البناء. وذلك قولك: هذا رجل ضربته والناس رجلان: رجل أكرمته ورجل أهنته كأنه قال: هذا رجل مضروب والناس رجلان: رجل مكرم ورجل مهان. فإن حذفت الهاء جاز وكان أقوى مما يكون خبراً. ومما جاء في الشعر من ذلك قول جرير: أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح يريد الهاء. وقال الشاعر الحرث بن كلدة: يريد: أصابوه ولا سبيل إلى النصب وإن تركت الهاء لأنه وصف كما لم يكن النصب فيما أتممت به الاسم يعني الصلة. فمن ثم كان أقوى مما يكون في موضع المبني على المبتدإ لأنه لا ينصب به. وإنما منعهم أن ينصبوا بالفعل الاسم إذا كان صفةً له أن الصفة تمام الاسم ألا ترى أن قولك مررت بزيد الأحمر كقولك مررت بزيد وذلك أنك لو احتجت إلى أن تنعت فقلت: مررت بزيد وأنت تريد الأحمر وهو لا يعرف حتى تقول الأحمر لم يكن تم الاسم فهو يجري منعوتاً مجرى مررت بزيد إذا كان يعرف وحده فصار الأحمر كأنه من صلته.
باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدأ مبنياً عليه الفعل
وذلك قولك: رأيت زيداً وعمراً كلمته ورأيت عبد الله وزيداً مررت به ولقيت قيساً وبكراً أخذت أباه ولقيت خالداً وزيداً اشتريت له ثوباً. وإنما اختير النصب ههنا لأن الاسم الأول مبني على الفعل فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم إذ كان يبنى على الفعل وليس قبله اسم مبني على الفعل ليجري الآخر على ما جرى عليه الذي يليه قبله إذ كان لا ينقض المعنى لو بنيته على الفعل. وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه إذ كانوا يقولون: ضربوني وضربت قومك لأنه يليه فكان أن يكون الكلام على وجهٍ واحدٍ - إذا كان لا يمتنع الآخر من أن يكون مبنياً على ما بني عليه الأول - أقرب في المأخذ. ومثل ذلك قوله عز وجل: " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً ". وقوله عز وجل: " وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً. وكلا ضربنا له الأمثال ". ومثله: " فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة ". وهذا في القرآن كثير. ومثل ذلك: كنت أخاك وزيداً كنت له أخاً لأن كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك. وتقول: لست أخاك وزيداً أعنتك عليه لأنها فعل وتصرف في معناها كتصرف كان. وقال الشاعر وهو الربيع بن ضبع الفزاري: أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقد يبتد أفيحمل على مثل ما يحمل عليه وليس قبله منصوب وهو عربي جيد. وذلك قولك: لقيت زيداً وعمرو كلمته كأنك قلت: لقيت زيداً وعمرو أفضل منه. فهذا لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لم تذكر فعلاً. فإذا جاز أن يكون في المبتدإ بهذه المنزلة جاز أن يكون بين الكلامين. وأقرب منه إلى الرفع: عبد الله لقيت وعمرو لقيت أخاه وخالداً رأيت وزيد كلمت أباه. هو ها هنا إلى الرفع أقرب كما كان في الابتداء من النصب أبعد. وأما قوله عز وجل: " يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفةً منكم وطائفة في هذه الحال كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال فإنما جعله وقتاً ولم يرد أن يجعلها واو عطف وإنما هي واو الابتداء. ومما يختار فيه النصب لنصب الأول قوله: ما لقيت زيداً ولكن عمراً مررت به وما رأيت زيداً بل خالداً لقيت أباه تجريه على قولك: لقيت زيداً وعمراً لم ألقه يكون الآخر في أنه يدخله في الفعل بمنزلة هذا حيث لم يدخله لأن بل ولكن لا تعملان شيئاً وتشركان الآخر مع الأول لأنهما كالواو وثم والفاء فأجرهما مجراهن فيما كان النصب فيه الوجه وفيما جاز فيه الرفع.
هذا باب يحمل فيه الاسم على اسم بني عليه الفعل مرةً
ويحمل مرةً أخرى على اسم مبني على الفعل أي ذلك فعلت جاز. فإن حملته على الاسم الذي بني عليه الفعل كان بمنزلته إذا بنيت عليه الفعل مبتدأ يجوز فيه ما يجوز فيه إذا قلت: زيد لقيته وإن حملته على الذي بني على الفعل اختير فيه النصب كما اختير فيما قبله وجاز فيه ما جاز في الذي قبله. وذلك قولك: عمرو ولقيته وزيد كلمته إن حملت الكلام على الأول. وإن حملته على الآخر قلت: عمرو لقيته وزيداً كلمته. ومثل ذلك قولك: زيد لقيت أباه وعمراً مررت به إن حملته على الأب. وإن حملته على الأول رفعت. والدليل على أن الرفع والنصب جائز كلاهما أنك تقول: زيد لقيت أباه وعمراً إن أردت أنك لقيت عمراً والأب. وإن زعمت أنك لقيت أبا عمرو ولم تلقه رفعت. ومثل ذلك: زيد لقيته وعمرو إن شئت رفعت وإن شئت قلت: زيد لقيته وعمراً. وتقول أيضاً: زيد ألقاه وعمراً وعمر. فهذا يقوى أنك بالخيار في الوجهين. وتقول: زيد ضربني وعمرو مررت به إن حملته على زيد فهو مرفوع لأنه مبتدأ والفعل مبني عليه وإن حملته على المنصوب قلت زيد ضربني وعمراً مررت به لأن هذا الإضمار بمنزلة الهاء في ضربته. فإن قلت: ضربني زيد وعمراً مررت به فالوجه النصب لأن زيداً ليس مبنياً عليه الفعل مبتدأ وإنما هو ههنا بمنزلة التاء في ضربته وذكرت المفعول الذي يجوز فيه النصب في الابتداء فحملته على مثل ما حملت ما قبله وكان الوجه إذ كان ذلك يكون فيه في الابتداء. وإذا قلت: مررت يزيد وعمراً مررت به نصبت وكان الوجه لأنك بدأت بالفعل ولم تبتدئ اسماً تبنيه عليه ولكنك قلت: فعلت ثم بنيت عليه المفعول وإن كان الفعل لا يصل إليه إلا بحرف الإضافة فكأنك قلت: مررت زيداً. ولولا أنه كذلك ما كان وجه الكلام زيداً مررت به وقمت وعمراً مررت به. ونحو ذلك قولك: خشنت بصدره فالصدر في موضع نصب وقد عملت الباء. و " كفى بالله شهيداً بيني وبينكم " إنما هي كفى الله ولكنك لما أدخلت الباء عملت والموضع موضع نصب وفي معنى النصب. وهذا قول الخليل رحمه الله. وإذا قلت: عبد الله مررت به أجريت الاسم بعده مجراه بعد: زيد لقيته لأن مررت بعبد الله يجري مجرى لقيت عبد الله. وتقول: هذا ضارب عبد الله وزيداً يمر به إن حملته على المنصوب فإن حملته على المبتدإ وهو هذا رفعت. فإن ألقيت النون وأنت تريد معناها فهو بتلك المنزلة وذلك قولك: هذا ضارب زيد غداً وعمراً سيضربه. ولولا أنه كذلك لما قلت: أزيداً أنت ضاربه وما زيداً أنا ضاربه. فهذا نحو مررت بزيد لأن معناه منوناً وغير منون سواء كما أنك إذا قلت: مررت بزيد فكأنك قلت: مررت زيداً. ومما يختار فيه النصب قول الرجل: من رأيت وأيهم رأيت فتقول: زيداً رأيته تنزله منزلة قولك: كلمت عمراً وزيداً لقيته. ألا ترى أن الرجل يقول: من رأيت فتقول: زيداً على كلامه فيصير هذا بمنزلة قولك رأيت زيداً وعمراً يجري على الفعل كما يجري الآخر على الأول بالواو. ومثل ذلك قولك: أرأيت زيداً فتقول لا ولكن عمراً مررت به. ألا ترى أنه لو قال لا ولكن عمراً لجرى على أرأيت. فإن قال: من رأيته وأيهم رأيته فأجبته قلت زيد رأيته إلا في قول من قال زيداً رأيته في الابتداء لأن هذا كقولك: أيهم منطلق ومن رسول فيقول فلان. وإن قال: أعبد الله مررت به أم زيداً قلت: زيداً مررت به كما فعلت ذلك في الأول. فإن قلت لا بل زيداً فانصب أيضاً كما تقول زيداً إذا قال من رأيت لأن مررت به تفسيره لقيته ونحوها. فإنما تحمل الاسم على ما يحمل السائل كأنهم قالوا: أيهم أتيت فقلت زيداً. ولو قلت: مررت بعمرو وزيداً لكان عربياً فكيف هذا لأنه فعل والمجرور في موضع مفعول منصوب ومعناه أتيت ونحوها تحمل الاسم إذا كان العامل الأول فعلاً وكان المجرور في موضع المنصوب على فعل لا ينقض المعنى. كما قال جرير: جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظورة بن سيار ومثله قول العجاج: كأنه قال: ويسلكن غوراً غائراً لأن معنى يذهبن فيه يسلكن. ولا يجوز أن تضمر فعلاً لا يصل إلا بحرف جر لأن حرف الجر لا يضمر وسترى بيان ذلك. ولو جاز ذلك لقلت زيد تريد مر بزيد. ومثل هذا وحوراً عيناً في قراءة أبي بن كعب. فإن قلت: لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به ولقيت زيداً وإذا عبد الله يضربه عمرو فالرفع إلا في قول من قال: زيداً رأيته وزيداً مررت به لأن أما وإذا يقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام إلى الابتداء إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثم والفاء ألا ترى أنهم قرءوا: " وأما ثمود فهديناهم " وقبله نصب وذلك لأنها تصرف الكلام إلى الابتداء إلا أن يوقع بعدها فعل نحو أما زيداً فضربت. ولو قلت: إن زيداً فيها أو أن فيها زيداً وعمرو أدخلته أو دخلت به رفعته إلا في قول من قال: زيداً أدخلته وزيداً دخلت به لأن إن ليس بفعل وإنما هو مشبه به. ألا ترى أنه لا يضمر فيه فاعل ولا يؤخر فيه الاسم وإنما هو بمنزلة الفعل كما أن عشرين درهماً وثلاثين رجلاً بمنزلة ضاربين عبد الله وليس بفعل ولا فاعل. وكذلك ما أحسن عبد الله وزيد قد رأيناه فإنما أجريته - يعني أحسن - في الموضع مجرى الفعل في عمله وليس كالفعل ولم يجيء على أمثلته ولا على إضماره ولا تقديمه ولا تأخيره ولا تصرفه وإنما هو بمنزلة لدن غدوةً وكم رجلاً فقد عملا عمل الفعل وليسا بفعل ولا فاعل. ومما يختار فيه النصب لنصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة الواو والفاء وثم قولك: لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته وضربت القوم حتى زيداً ضربت أباه وأتيت القوم أجمعين حتى زيداً مررت به ومررت بالقوم حتى زيداً مررت به. فحتى تجري مجرى الواو وثم وليست بمنزلة أما لأنها إنما تكون على الكلام الذي قبلها ولا تبتدأ وتقول: رأيت القوم حتى عبد الله وتسكت فإنما معناه أنك قد رأيت عبد الله مع القوم كما كان رأيت القوم وعبد الله على ذلك. وكذلك ضربت القوم حتى زيداً أنا ضاربه. وتقول: هذا ضارب القوم حتى زيداً يضربه إذا أردت معنى التنوين فهي كالواو إلا أنك تجر بها إذا كانت غايةً والمجرور مفعول كما أنك إذا قلت هذا ضارب زيد غداً تجر بكف التنوين. وهو مفعول بمنزلته منصوباً منوناً ما قبله. ولو قلت: هلك القوم حتى زيداً أهلكته اختير النصب ليبنى على الفعل كما بني ما قبله مرفوعاً كان أو منصوباً كما فعل ذلك بعد ما بني على الفعل وهو مجرور. فإن قلت: إنما هو لنصب اللفظ فلا تنصب بعد مررت بزيد وانصب بعد إن فيها زيداً. وإن كان الأول لأنه في معنى الحديث مفعول فلا ترفع بعد عبد الله إذا قلت عبد الله ضربته إذا كان بعده: وزيداً مررت به. وقد يحسن الجر في هذا كله وهو عربي. وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته فإنما جاء بلقيته توكيداً بعد أن جعله غايةً كما تقول مررت بزيد وعبد الله مررت به. قال الشاعر وهو ابن مروان النحوي: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها والرفع جائز كما جاز في الواو وثم وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته كأنك لقيت القوم حتى زيد ملقى وسرحت القوم حتى زيد مسرح وهذا لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لم تذكر فعلاً فإذا كان في الابتداء زيد لقيته بمنزلة زيد منطلق جاز ههنا الرفع.
باب ما يختار فيه النصب وليس قبله منصوب بني على الفعل وهو باب الاستفهام
وذلك أن من الحروف حروفاً لا يذكر بعدها إلا الفعل ولا يكون الذي يليها غيره مظهراً أو مضمراً. فما لا يليه الفعل إلا مظهراً: قد وسوف ولما ونحوهن. فإن اضطر شاعر فقدم الاسم وقد أوقع الفعل على شيء من سببه لم يكن حد الإعراب إلا النصب وذلك نحو لم زيدا أضربه " إذا اضطر شاعر فقدم لم يكن إلا النصب في زيد ليس غير ولو كان في شعر " لأنه يضمر الفعل إذا كان ليس مما يليه الاسم كما فعلوا ذلك في مواضع ستراها إن شاء الله. وأما ما يجوز فيه الفعل مضمراً ومظهراً مقدماً ومؤخراً ولا يستقيم أن يبتدأ بعده الأسماء فهلا ولولا ولوما وألا لو قلت: هلا زيداً ضربت ولولا زيداً ضربت وألا زيداً قتلت جاز. ولو قلت: ألا زيداً وهلا زيداً على إضمار الفعل ولا تذكره جاز. وإنما جاز ذلك لأن فيه معنى التحضيض والأمر فجاز فيه ما يجوز في ذلك. ولو قلت: سوف زيدا أضرب لم يحسن أو قد زيدا لقيت لم يحسن لأنها إنما وضعت للأفعال إلا أنه جاز في تلك الأحرف التأخير والإضمار لما فابتدءوا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك ألا ترى أنهم يقولون: هل زيد منطلق وهل زيد في الدار " وكيف زيد آخذ ". فإن قلت: هل زيداً رأيت وهل زيد ذهب قبح ولم يجز إلا في الشعر لأنه لما اجتمع الاسم والفعل حملوه على الأصل فإن اضطر شاعر فقدم الاسم نصب كما كنت فاعلاً ذلك بقد ونحوها. وهو في هذه أحسن لأنه يبتدأ بعدها الأسماء. وإنما فعلوا ذلك بالاستفهام لأنه كالأمر في أنه غير واجب وأنه يريد " به " من المخاطب أمراً لم يستقر عند السائل. ألا ترى أن جوابه جزم فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم الاسم لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء وجوابها كجوابه وقد يصير معنى حديثها إليه. وهي غير واجبة كالجزاء فقبح تقديم الاسم " لهذا ". ألا ترى أنك إذا قلت: أين عبد الله آته فكأنك قلت: حيثما يكن آته. وأما الألف فتقديم الاسم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هلا " وذلك " لأنها حرف الاستفهام الذي لا يزول " عنه " إلى غيره وليس للاستفهام في الأصل غيره. وإنما تركوا الألف في من ومتى وهل وهنحوهن حيث أمنوا الالتباس ألا ترى أنك تدخلهاعلى من إذا تمت بصلتها كقول الله عز وجل: " أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي أمناً يوم القيامة ". وتقول: أم هل فإنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف استغناء إذ كان هذا " الكلام " لا يقع إلا في الاستفهام. وسوف تراه إن شاء الله متبينا أيضاً. فهي ههنا بمنزلة إن في باب الجزاء فجاز تقديم الاسم فيها كما جاز في قولك: إن شاء الله أمكنني من فلان فعلت " كذا وكذا ". ويختار فيها النصب لأنك تضمر الفعل فيها لأن الفعل أولى إذا اجتمع هو والاسم. وكذلك كنت فاعلاً في إن لأنها إنما هي للفعل. وسترى بيان ذلك إن شاء الله. فالألف إذا كان معها فعل بمنزلة لولا وهلا إلا أنك إن شئت رفعت فيها وهو في الألف أمثل منه في متى ونحوها لأنه ق صار فيها مع أنك تبتدي بعدها الأسماء أنك تقدم الاسم قبل الفعل والرفع فيها على الجواز. ولا يجوز ذلك في هلا ولولا لأنه لا يبتدأ بعدهما الأسماء. وليس جواز الرفع في الألف مثل جواز الرفع في ضربت زيدا وعمراً كلمته لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى وإنما اختير هذا على الجواز وليكون معنى واحداً فهذا أقوى. والذي يشبهه من حروف الاستفهام الألف. " واعلم أ حروف الاستفهام كلها يقبح أن يصير بعدها الاسم إذا كان الفعل بعد الاسم: لو قلت: هل زيد قام وأين زيد ضربته لم يجز إلا في الشعر فإذا جاء في الشعر نصبته إلا الألف فإنه يجوز فيها الرفع والنصب لأن الألف قد يبتدأ بعدها الاسم. فإن جئت في سائر حروف الاستفهام باسم وبعد ذلك الاسم اسم من فعل نحو ضارب جاز في الكلام ولا يجوز فيه النصب إلا في الشعر لو قلت: هل زيد أنا ضاربه لكان جيدا في الكلام لأن ضارباً اسم وإن كان في معنى الفعل. ويجوز النصب في الشعر ".
هذا باب ما ينصب في الألف
تقول: أعبد الله ضربته وأزيداً مررت به وأعمرا قتلت أخاه وأعمراً اشتريت له ثوباً. ففي كل هذا قد أضمرت بين الألف والاسم فعلاً هذا تفسيره كما فعلت ذلك فيما نصبته في هذه الأحرف في غير الاستفهام. قال جرير: أثعلبة الفوارس أم رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا فإذا أوقعت عليه " الفعل " أو على شيء من سببه نصبته وتفسيره ههنا هو التفسير الذي فسر في الابتداء: أنك تضمر فعلاً هذا تفسيره. إلا أن النصب هو الذي يختار ههنا وهو حد الكلام. وأما الانتصاب ثم وها هنا فمن وجه واحد. ومثل ذلك أعبد الله كنت مثله لأن كنت فعل والمثل مضاف إليه وهو منصوب. ومثله أزيداً لست مثله لأنه فعل فصار بمنزلة قولك أزيداً لقيت أخاه. وهو قول الخليل. ومثل ذلك: ما أدرى أزيداً مررت به أم عمراً وما أبالي أعبد الله لقيت أخاه أم عمرا لأنه حرف الاستفهام وهي تلك الألف التي في قولك أزيداً لقيته أم عمراً. وتقول: أعبد الله ضرب أخوه زيداً لا يكون إلا الرفع لأن الذي من سبب عبد الله " مرفوع " فاعل والذي ليس من سببه مفعول فيرتفع إذا ارتفع الذي من سببه كما ينتصب إذا انتصب ويكون المضمر ما يرفع كما أضمرت في الأول ما ينصب فإنما جعل هذا المظهر بينا ما هو مثله. فإن جعلت زيداً الفاعل قلت: أعبد الله ضرب أخاه زيد. وتقول: أعبد الله ضرب أخوه غلامه إذا جعلت الغلام في موضع زيد حين قلت أعبد الله ضرب أخوه زيداً فيصير هذا تفسيراً لشيء رفع عبد الله لأنه يكون موقعاً الفعل بما يكون من سببه كما يوقعه بما ليس من سببه كأنه قال في التمثيل وإن كان لا يتكلم به: أعبد الله أهان غلامه أو عاقب غلامه أو صار في هذه الحال " عند السائل وإن لم يكن " ثم فسر. وإن جعلت الغلام في موضع زيد حين رفعت زيداً نصبت فقلت: أعبد الله ضرب أخاه غلامه كأنه جعله تفسيراً لفعل غلامه أوقعه عليه لأنه قد يوقع الفعل عليه ما هو من سببه كما يوقعه هو على ما هو من سببه وذلك قولك: أعبد الله ضرب أباه وأعبد الله ضربه أبوه فجرى مجرى أعبد الله هو ضرب زيداً وأعبد ضربه زيد كأنه في التمثيل تفسير لقوله: أعبد الله أهان أباه غلامه وأعبد الله ضرب أخاه غلامه. ولا عليك أقدمت الأخ أم أخرته أم قدمت الغلام أم أخرته أيهما ما جعلته كزيد مفعولاً فالأول رفع. وإن جعلته كزيد فاعلاً فالأول نصب. وتقول: آلسوط ضرب به زيد وهو كقولك: آلسوط ضربت به. وكذلك آلخوان أكل اللحم عليه و " كذلك " أزيداً سميت به أو سمي به عمرو لأن هذا في موضع نصب وإنما تعتبره أنك لو قلت: آلسوط ضربت فكان هذا كلاماً أو آلخوان أكلت لم يكن إلا نصباً " كما أنك لو قلت: أزيداً مررت فكان كلاماً لم يكن إلا نصباً ". فمن ثم جعل هذا الفعل الذي لا يظهر تفسيره تفسير ما ينصب. فاعتبر ما أشكل عليك من هذا بذا. فإن قلت: أزيد ذهب به أو أزيد انطلق به لم يكن إلا رفعاً لأنك لو لم تقل " به " فكان كلاماً لم يكن إلا رفعاً كما قلت: أزيد ذهب أخوه لأنك لو قلت: أزيد ذهب لم يكن إلا رفعاً. وتقول: أزيداً ضربت أخاه لأنك لو ألقيت الأخ قلت: أزيداً ضربت. فاعتبر هذا بهذا ثم أجعل كل واحد جئت به تفسير " ما هو " مثله. واليوم والظروف بمنزلة زيد وعبد الله إذا لم يكن ظروفاً وذلك " قولك ": أيوم الجمعة ينطلق فيه عبد الله كقولك: أعمراً تكلم فيه عبد الله وأيوم الجمعة ينطلق فيه كقولك: أزيد يذهب به. وتقول: أأنت عبد الله ضربته تجريه هاهنا مجرى أنا زيد ضربته لأن الذي يلي حرف الاستفهام أنت ثم ابتدأت هذا وليس قبله حرف استفهام ولا شيء هو بالفعل وتقديمه أولى. إلا أنك إن شئت نصبته كما تنصب زيداً ضربته فهو عربي جيد وأمره " ها " هنا على قولك: زيد ضربته. فإن قلت: أكل يوم زيداً تضربه فهو نصب كقولك: أزيداً تضربه كل يوم لأن الظرف لا يفصل في قولك: ما اليوم زيد ذاهباً وإن اليوم عمراً منطلق فلا يحجز هاهنا كما لا يحجز ثمة. وتقول: أعبد الله أخوه تضربه كما تقول: أأنت زيد ضربته لأن الاسم هاهنا بمنزلة مبتدأ ليس قبله شيء. وإن نصبته على قولك: زيدا تضربه قلت: أزيداً أخاه تضربه لأنك نصبت الذي من سببه بفعل هذا تفسيره. ومن " قال: زيدا ضربته " قال: أزيداً أخاه تضربه فإنما نصب زيداً لأن ألف الاستفهام وقعت عليه والذي من سببه منصوب. وقد يجوز الرفع في أعبد الله مررت به على ما ذكرت لك وأعبد الله ضربت أخاه. " وأما قولك: أزيدا مررتبه فبمنزلة قولك: أزيدا ضربته ". والرفع في هذا أقوى منه في أعبد الله ضربته وهو أيضاً قد يجوز إذا جاز هذا كما كان " ذلك فيما " قبله من الابتداء وما جاء بعد ما بني على الفعل. وذلك أنه ابتدأ عبد الله وجعل الفعل في موضع المبني عليه فكأنه قال: أعبد الله أخوك. فمن زعم أنه إذا قال: ازيداً مررت به إنما ينصبه بهذا الفعل فهو ينبغي له أن يجره لأنه لا يصل إلا بحرف إضافة. وإذا أعملت العرب شيئاً مضمراً لم يخرج عن عمله مظهراً في الجر والنصب والرفع تقول: وبلد تريد: ورب بلد. وتقول: زيدا تريد: عليك زيدا. وتقول: الهلال تريد: هذا الهلال فكله يعمل عمله مظهراً. ومما يقبح بعده ابتداء الأسماء ويكون الاسم بعده إذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصباً في القياس: إذا وحيث. تقول: إذا عب الله تلقاه فأكرمه وحيث زيدا تجده فأكرمه لأنهما يكونان في معنى حروف المجازاة. ويقبح إن ابتدأت الاسم بعدهما إذا كان بعده الفعل. لو قلت: اجلس حيث زيد جلس وإذا زيد يجلس كان أقبح من قولك: إذا جلس زيد وإذا يجلس وحيث " يجلس وحيث " جلس. والرفع بعدهما جائز لأنك قد تبتدئ الأسماء بعدهما فتقول: اجلس حيث عبد الله جالس واجلس إذا عبد الله جلس. ولإذا مواضع آخر يحسن ابتداء الاسم بعدها فيه. تقول: نظرت فإذا زيد يضربه عمرو لأنك لو قلت: نظرت فإذا زيد يذهب لحسن. وأما إذ فيحسن ابتداء الاسم بعدها. تقول: جئت إذ عبد الله قائم و " جئت " إذ عبد الله يقوم إلا أنها في فعل قبيحة نحو قولك: جئت إذ عبد الله قام. ولكن " إذ " إنما يقع في الكلام الواجب فاجتمع فيها هذا وأنك تبتدئ الاسم بعدها فحسن الرفع. ومما ينتصب أوله لأن آخره ملتبس بالأول قوله: أزيداً ضربت عمراً وأخاه وأزيدا ضربت رجلا يحبه وأزيدا ضربت جاريتين يحبهما فإنما نصبت الأول لأن الآخر ملتبس به إذ كانت صفته ملتبسة به. وإذا أردت أن تعلم التباسه به فأدخله في الباب الذي تقدم فيه الصفة فما حسن تقديم صفته فهو ملتبس بالأول وما لا يحسن فليس ملتبسا به. ألا ترى أنك تقول: مررت برجل منطلقة جاريتان يحبهما ومررت برجل منطلق زيد وأخوه لأنك لما أشركت بينهما في الفعل صار زيد ملتبسا بالأخ فالتبس برجل ولو قلت: أزيدا ضربت عمرا وضربت أخاه لم يكن كلاما لأن عمرا ليس فيه من سبب الأول شيء ولا ملتبسا به. ألا ترى أنك لو قلت: مررت برجل قائم عمرو وقائم أخوه لم يجز لأن أحدهما ملتبس بالأول والآخر ليس ملتبساً.
ما جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل كما يجري في غيره مجرى الفعل
وذلك قولك: أزيداً أنت ضاربه وأزيدا أنت ضارب له وأعمراً أنت مكرم أخاه وأزيدا أنت نازل عليه. كأنك قلت: أنت ضارب وأنت مكرم وأنت نازل كما كان ذلك في الفعل لأنه يجري مجراه ويعمل في المعرفة كلها والنكرة مقدماً ومؤخراً ومظهراً ومضمراً. وكذلك: آلدار أنت نازل فيها. وتقول: أعمراً أنت واجد عليه وأخالدا أنت عالم به وأزيدا أنت راغب فيه لأنك لو ألقيت عليه وبه وفيه مما ها هنا لتعتبر لم يكن ليكون إلا مما ينتصب كأنه قال: أعبد الله أنت ترغب فيه وأعبد الله أنت تعلم به وأعبد الله أنت تجد عليه فإنما استفهمته عن علمه به ورغبته فيه في حال مسألتك. ولو قال: آلدار أنت نازل فيها فجعل نازلاً اسماً رفع كأنه قال: آلدار أنت رجل فيها. ولو قال: أزيد أنت ضاربه فجعله بمنزلة قولك: " أزيداً " أنت أخوه جاز. ومثل ذلك في النصب: أزيدا أنت محبوس عليه وأزيداً أنت مكابر عليه. وإن لم يرد به الفعل وأراد به وجه الاسم رفع. وكذلك جميع هذا فمفعول مثل يفعل وفاعل مثل يفعل. ومما يجري مجرى فاعل من أسماء الفاعلين فواعل أجروه مجرى فاعله حيث كانوا جمعوه وكسروه عليه كما فعلوا ذلك بفاعلين وفاعلات. فمن ذلك قولهم: هن حواج بيت الله. وقال أبو كبير الهذلي: مما حملن به وهن عواقد حبك النطاق فعاش غير مهبل وقال العجاج: أوالفا مكة من ورق الحمى وقد جعل بعضهم فعالاً بمنزلة فواعل فقالوا: قطان مكة وسكان البلد الحرام لأنه جمع كفواعل. وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل لأنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع الفعل إلا أنه يريد أن يحدث عن المبالغة. فما هو الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى: فعول وفعال ومفعال وفعل. وقد جاء: فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير يجوز فيهن ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير والإضمار والإظهار. لو قلت: هذا ضروب رؤوس الرجال وسوق الإبل على: وضروب سوق الإبل جاز كما تقول: " هذا " ضارب زيد وعمرا تضمر وضارب عمرا. هجوم عليها نفسه غير أنه متى يرم في عينيه بالشبح ينهض وقال أبو ذؤيب الهذلي: قلى دينه واهتاج للشوق إنها على الشوق إخوان العزاء هيوج وقال القلاخ: أخا الحرب لباسا إليها جلالها وليس بولاج الخوالف أعقلا وسمعنا من يقول: " أما العسل فأنا شراب ". وقال: بكيت أخا اللأواء يحمد يومه كريم رؤوس الدارعين ضروب وقال أبو طالب بن عبد المطلب: ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زاداً فإنك عاقر وقد جاء في فعل وليس في كثرة ذلك قال وهو عمرو بن أحمر: أو مسحل شنج عضادة سمحج بسراته ندب لها وكلوم وقل: " إنه لمنحار بوائكها ". وفعل أقل من فعيل بكثير. وأجروه حين بنوه للجمع كما أجرى في الواحد ليكون كفواعل حين أجري مثل فاعل من ذلك ثم زادوا أنهم في قومهم غفر ذنبهم غير فجر ومما جاء على فعل قوله: حذر أمورا لا تخاف وآمن ما ليس منجيه من الأقدار ومن هذا الباب قول رؤبة: برأس دماغ رؤوس العز ومنه قول ساعدة بن جوية: حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طراباً وبات الليل لم ينم وقال الكميت: شم مهاوين أبدان الجزور مخا - ميص العشيات لا خور ولا قزم ومنه قدير وعليم ورحيم لأنه يريد المبالغة " في الفعل ". وليس " هذا " بمنزلة قولك حسن وجه الأخ لأن هذا لا يقلب ولا يضمر وإنما حده أن يتكلم به في الألف واللام أو نكرة ولا تعني به أنك أوقعت فعلاً سلف منك إلى أحد. ولا يحسن أن تفصل بينهما فتقول: هو كريم فيها حسب الأب. ومما أجري مجرى الفعل من المصادر قول الشاعر: على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب كأنه قال: أندل. وقال المرار الأسدي: أعلاقة أم الوليد بعد ما أفنان رأسك كالثغام المخلس وقال: بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل وتقول: أعبد الله أنت رسول له ورسوله لأنك لا تريد بفعول ههنا ما تريد به في ضروب لأنك لا تريد أن توقع منه فعلاً عليه فإنما هو بمنزلة " قولك ": أعبد الله أنت عجوز له. وتقول: أعبد الله أنت له عديل وأعبد الله أنت له جليس لأنك لا تريد به مبالغة في فعل ولم تقل: مجالس فيكون كفاعل فإنما هذا اسم بمنزلة قولك: أزيد أنت وصيف له أو غلام له. وكذلك: آلبصرة أنت عليها أمير. فأما الأصل الأكثر الذي جرى مجرى الفعل في من الأسماء ففاعل. وإنما جاز في التي بنيت للمبالغة لأنها بنيت للفاعل من لفظه والمعنى واحد وليست بالأبنية التي هي في الأصل أن تجرى مجرى الفعل يدلك على ذلك أنها قليلة. فإذا لم يكن فيها مبالغة الفعل فإنما هي بمنزلة غلام وعبد لأن الاسم على فعل يفعل فاعل وعلى فعل يفعل مفعول. فإذا لم يكن واحد منهما ولا وتقول: أكل يوم أنت فيه أمير ترفعه لأنه ليس بفاعل وقد خرج " كل " من أن يكون ظرفاً فصار بمنزلة عبد الله ألا ترى أنك إذا قلت: أكل يوم ينطلق فيه صار كقولك: أزيد يذهب به ولو جاز أن تنصب كل يوم وأنت تريد بالأمير الاسم لقلت: أعبد الله عليه ثوب لأنك تقول: أكل يوم لك ثوب فيكون نصباً. فإن قلت: أكل يوم لك فيه ثوب فنصبت وقد جعلته خارجاً من أن يكون ظرفاً فإنه ينبغي أن تنصب: أعبد الله عليه ثوب. وهذا لا يكون لأن الظرف هنا لم ينصبه فعل إنما عليه ظرف للثوب وكذلك فيه.
هذا باب الأفعال التي تستعمل وتلغى
فهي ظننت وحسبت وخلت وأريت ورأيت وزعمت وما يتصرف من أفعالهن. فإذا جاءت مستعملة فهي بمنزلة رأيت وضربت وأعطيت في الإعمال والبناء على الأول في الخبر والاستفهام وفي كل شيء. وذلك قولك: أظن زيداً منطلقاً وأظن عمراً ذاهباً وزيداً أظن أخاك وعمراً زعمت أباك. وتقول: زيد أظنه ذاهباً. ومن قال: عبد الله ضربته نصب " فقال ": عبد الله أظنه ذاهباً. وتقول: أظن عمراً منطلقاً وبكراً أظنه خارجاً كما قلت: ضربت زيداً وعمراً كلمه وإن فإن ألغيت قلت: عبد الله أظن ذاهب وهذا إخال أخوك وفيها أرى أبوك. وكلما أردت الإلغاء فالتأخير أقوى. وكل عربي " جيد ". وقال اللعين يهجو العجاج: أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور أنشدناه يونس مرفوعاً عنهم. وإنما كان التأخير أقوى لأنه " إنما " يجيء بالشك بعدما يمضي كلامه على اليقين أو بعدما ما بتبدئ وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك كما تقول: عبد الله صاحب ذاك بلغني وكما قال: من يقول ذاك تدري فأخر ما لم يعمل فيأوله كلامه. وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعدما مضى كلامه على اليقين وفيما يدري. فإذا ابتدأ كلامه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل قدم أو أخر كما قال: زيداً رأيت ورأيت زيداً. وكلما طال الكلام ضعف التأخير إذا أعملت وذلك قولك: زيداً أخاك أظن فهذا ضعيف كما يضعف زيداً قائماً ضربت لأن الحد أن يكون الفعل مبتدا إذا عمل. ومما جاء في الشعر معملاً في زعمت زعمت قول أبي ذؤيب: فإن تزعميني كنت أجل فيكم فإني شربت الحلم بعدك بالجهل عددت قشيراً إذ عددت فلم أسأ بذاك ولم أزعمك عن ذاك معزلا وتقول: أين ترى عبد الله قائماً وهل ترى زيداً ذاهباً لأن هل وأين كأنك لم تذكرهما لأن ما بعدهما ابتداء كأنك قلت: أترى زيداً ذاهباً وأتظن عمراً منطلقاً. فإن قلت: أين وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة " فيها " إذا استغنى بها الابتداء قلت: أين ترى زيد وأين ترى زيداً. واعلم أن " قلت " إنما وقعت في كلام العرب على أن يحكى بها وإنما تحكى بعد القول ما كان كلاماً لا قولاً نحو قلت: زيد منطلق لأنه يحسن أن تقول: زيد منطلق ولا تدخل " قلت ". وما لم يكن هكذا أسقط القول عنه. وتقول: قال زيد إن عمراً خير الناس. وتصديق ذلك قوله جل ثناؤه: " وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك " ولولا ذلك لقال: " إن " الله " ". وكذلك " جميع " ما تصرف من فعله إلا " تقول " في الاستفهام شبهوها بتظن ولم يجعلوا كيظن وأظن في الاستفهام لأنه لا يكاد يستفهم المخاطب عن ظن غيره ولا يستفهم هو إلا عن ظنه فإنما جعلت كتظن كما أن ما كليس في لغة أهل الحجاز ما دامت في معناها وإذا تغيرت عن ذلك أو قدم الخبر رجعت إلى القياس وصارت اللغات فيها كلغة تميم. ولم تجعل " قلت " كظننت لأنها إنما أصلها عندهم أن يكون ما بعدها محكياً فلم تدخل في باب ظننت بأكثر من هذا كما أن " ما " لم تقو قوة ليس ولم تقع في كل مواضعها لأن أصلها " عندهم " أن يكون ما بعدها مبتدأ. وسأفسر لك إن شاء الله ما يكون بمنزلة الحرف في شيء ثم لا يكون معه على أكثر أحواله وقد بين بعضه فيما مضى. وذلك قولك: متى تقول زيداً منطلقاً وأتقول عمراً ذاهباً وأكل يوم تقول عمراً منطلقاً لا يفصل بها كما لا يفصل بها في: أكل يوم زيداً تضربه. فإن قلت: أأنت تقول زيد منطلق رفعت لأنه فصل بينه وبين حرف الاستفهام كما فصل في قولك: أأنت زيد مررت به فصارت بمنزلة أخواتها وصارت على الأصل. قال الكميت: أجهالاً تقول بني لؤي لعمر أبيك أم متجاهلينا وقال عمر بن أبي ربيعة: أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول الدار تجمعنا وإن شئت رفعت بما نصبت فجعلته حكاية. وزعم أبو الخطاب - وسألته عنه غير مرة - أنا ناساً من العرب يوقف بعربيتهم وهم بنو سليم وأعلم أن المصدر قد يلغى كما يلغى الفعل وذلك قولك: متى زيد ظنك ذاهب وزيد ظني أخوك وزيد ذاهب ظني. فإن ابتدأ فقلت: ظني زيد ذاهب كان قبيحاً " لا يجوز البتة كما ضعف أظن زيد ذاهب. وهو في متى وأين أحسن إذا قلت: متى ظنك زيد ذاهب " ومتى تظن عمرو منطلق لأن قبله كلاماً. وإنما ضعف هذا في الابتداء كما يضعف: غير شك زيد ذاهب وحقاً عمرو منطلق. وإن شئت قلت: متى ظنك زيداً أميراً كقولك: متى ضربك عمراً. وقد يجوز أن تقول: عبد الله أظنه منطلق تجعل هذه الهاء على ذاك كأنك قلت: زيد منطلق أظن ذاك لا تجعل الهاء لعبد الله ولكنك تجعلها ذاك المصدر كأنه قال: أظن ذاك الظن أو أظن ظني. فإنما يضعف هذا إذا ألغيت لأن الظن يلغى في مواضع أظن حتى يكون بدلاً من اللفظ به فكره إظهار المصدر ههنا كما قبح أ يظهر ما انتصب عليه سقياً. " وسترى ذلك إن شاء الله مبيناً ". ولفظك بذاك أحسن من لفظ بظني. فإذا قلت: أظن ذاك عاقل كان أحسن من قولك: زيد أظن ظني عاقل ذاك أحسن لأنه ليس بمصدر وهو اسم مبهم يقع على كل شيء. ألا ترى أنك لو قلت: زيد ظني منطلق لم يحسن ولم يجز أن تضع ذاك موضع ظني. وترك ذاك في أظن إذا كان لغواً أقوى منه إذا وقع على المصدر " لأن ذاك إذا كان مصدراً فإنك لا تجيء به لأن المصدر يقبح أن تجيء به ههنا فإذا قبح المصدر فمجيئك بذاك أقبح لأنه مصدر ". وإذا ألغيت فقلت: عبد الله أظن منطلق فهذا أجمل من قولك: أظنه. وأظن بغير هاء أحسن لئلا يلتبس بالاسم وليكون أبين في أنه ليس يعمل. فأما ظننت أنه منطلق فاستغنى بخبر أن تقول: أظن أنه فاعل كذا وكذا فتستغنى. وإنما يقتصر على هذا إذا علم أنه مستغن بخبر أنه. وقد يجوز أن تقول: ظننت زيداً إذا قال: من تظن أي من تتهم فتقول: ظننت زيداً كأنه قال: اتهمت زيداً. وعلى هذا قيل: ظنين " أي متهم ". ولم يجعلوا ذاك في حسبت وخلت وأرى لأن من كلامهم أن يدخلوا المعنى في الشيء لا يدخل في مثله. وسألته عن أيهم لم لم يقولوا: أيهم مررت به فقال: لأن أيهم " هو " حرف الاستفهام لا تدخل عليه الألف وإنما تركت الألف استغناء فصارت بمنزلة الابتداء. ألا ترى أن حد الكلام أن تؤخر الفعل فتقول: أيهم رأيت كما تفعل ذلك بالألف فهي نفسها بمنزلة الابتداء. وإن قلت: أيهم زيداً ضرب قبح كما يقبح في متى ونحوها وصار أن يليها الفعل هو الأصل لأنها من حروف الاستفهام ولا يحتاج إلى الألف فصارت كأين. وكذلك من وما لأنهما يجريان معها ولا يفارقانها. تقول: من أمة الله ضربها وما أمة الله أتاها نصب في كل ذا لأنه أن يلي هذه الحروف الفعل أولى كما أنه لو اضطر شاعر في متى وأخواتها نصب. فقال: متى زيداً رأيته.
باب من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعاً
لأنك تبتدئه لتنبه المخاطب ثم تستفهم بعد ذلك وذلك قولك: زيد كم مرة رأيته وعبد الله هل لقيته وعمرو هلا لقيته وكذلك سائر حروف الاستفهام فالعامل فيه الابتداء كما أنك لو قلت: أرأيت زيداً هل لقيته كان علمت هو العامل فكذلك هذا. فما بعد المبتدأ من هذا الكلام في موضع خبره. فإن قلت: زيد كم مرة رأيت فهو ضعيف إلا أن تدخل الهاء كما ضعف في قوله: " كله لم أصنع ". ولا يجوز أن تقول: زيداً هل رأيت إلا أن تردي معنى الهاء مع ضعفه فترفع لأنك قد فصلت بين المبتدأ وبين الفعل فصار الاسم مبتدأ والفعل بعد حرف الاستفهام. ولو حسن هذا أو جاز لقلت: " قد علمت زيد كم ضرب ولقلت: أرأيت زيد كم مرة ضرب على الفعل الآخر. فكما لا تجد بداً من إعمال الفعل " الأول " كذلك لا تجد بداً من إعمال الابتداء لأنك إنما تجيء بالاستفهام بعدما تفرغ من الابتداء. ولو أرادوا الإعمال لما ابتدءوا بالاسم ألا ترى أنك تقول: زيد هذا أعمرو ضربه أم بشر ولا تقول: عمراً أضربت. فكما لا يجوز هذا لا يجوز ذلك. فحرف الاستفهام لا يفصل به بين العامل والمعمول ثم يكون على حاله إذا جاءت الألف أولاً وإنما يدخل على الخبر. ومما لا يكون إلا رفعاً قولك: أأخواك اللذان رأيت لأن رأيت صلة للذين وبه يتم اسماً فكأنك قلت: أأخواك صاحبانا. ولو كان شيء من هذا ينصب شيئاً في الاستفهام لقلت في الخبر: زيداً الذي رأيت فنصبت كما تقول: زيداً رأيت. وإذا كان الفعل في موضع الصفة فهو كذلك وذلك قولك: أزيد أنت رجل تضربه وأكل يوم ثوب تلبسه. فإذا كان وصفاً فأحسنه أن يكون فيه الهاء لأنه ليس بموضع إعمال ولكنه يجوز فيه كما جاز في الوصل لأنه في موضع ما يكون من الاسم. ولم تكن لتقول: أزيداً أنت رجل تضربه وأنت إذا جعلته وصفاً للمفعول لم تنصبه لأنه ليس بمبني على الفعل ولكن الفعل في موضع الوصف كما كان في موضع الخبر. فمن ذلك قول الشاعر: وقال زيد الخير: أفي كل عام مأتم تبعثونه على محمر ثوبتموه وما رضا وقال جرير فيما ليس فيه الهاء: أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح وقال آخر: فما أدري أغيرهم تناء وطول العهد أم مال أصابوا ومما لا يكون فيه إلا الرفع قوله: أعبد الله أنت الضاربه لأنك إنما تريد معنى أنت الذي ضربه. وهذا لا يجري مجرى يفعل. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: ما زيداً أنا الضارب ولا زيداً أنت الضارب " وإنما تقول: الضارب زيداً على مثل قولك الحسن وجهاً ". ألا ترى أنك لا تقول: أنت المائة الواهب كما تقول: أنت زيداً ضارب. وتقول: هذا ضارب كما ترى فيجيء على معنى هذا يضرب وهو يعمل في حال حديثك وتقول: هذا ضارب فيجيء على مغنى هذا سيضرب. وإذا قلت: هذا الضارب فإنما تعرفه على معنى الذي ضرب فلا يكون إلا رفعاً كما أنك لو قلت: أزيد أنت ضاربه إذا لم ترد بضاربه الفعل وصار معرفة " رفعت " فكذلك هذا الذي لا يجيء إلا على هذا المعنى فإنما وأصل وقوع الفعل صفة للنكرة كما لا يكون الاسم كالفعل إلا نكرة. ألا ترى أنك لو قلت: أكل يوم زيداً تضربه لم يكن إلا نصباً لأنه ليس بوصف. فإذا كان وصفاً فليس بمبني عليه الأول كما أنه لا يكون الاسم مبنياً عليه في الخبر فلا يكون ضارب بمنزلة يفعل وتفعل إلا نكرة. وتقول: أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى كأنه قال: أذكر نتاجها أحب إليك أم أنثى. فأن تلد اسم وتلد به يتم الاسم كما يتم الذي بالفعل فلا عمل له " هنا " كما ليس يكون لصلة الذي عمل. وتقول: أزيد أني ضربه عمرو أمثل أم بشر كأنه قال: أزيد ضرب عمرو إياه أمثل أم بشر فالمصدر مبتدأ وأمثل مبني عليه ولم ينزل منزلة يفعل فكأنه قال: أزيد ضاربه خير أم بشر. وذلك لأنك ابتدأته وبنيت عليه فجعلته اسماً ولم يلتبس زيد بالفعل إذ كان صلة له كما لم يلتبس به الضاربه حين قلت: زيد أنت الضاربه إلا أن الضاربه في معنى الذي ضربه والفعل تمام هذه الأسماء " فالفعل لا يلتبس بالأول إذا كان هكذا ". وتقول: أأن تلد ناقتك ذكراً أحب إليك أم أنثى لأنك حملته على الفعل الذي هو صلة أن فصار في صلته فصار كقولك: الذي رأيت أخاه زيد. ولا يجوز أن تبتدئ بالأخ قبل الذي وتعمل فيه رأيت " أخاه زيد ". فكذلك لا يجوز النصب في قولك: أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى. وذلك أنك لو قلت: أخاه الذي رأيت زيد لم يجز وأنت تريد: الذي رأيت أخاه زيد. ومما لا يكون في الاستفهام إلا رفعاً " قولك ": أعبد الله أنت أكرم عليه أم زيد وأعبد الله أنت له أصدق أم بشر كأنك قلت: أعبد الله أنت أخوه أم بشر لأن أفعل ليس بفعل ولا اسم يجري مجرى الفعل وإنما هو بمنزلة حسن وشديد ونحو ذلك. ومثله: أعبد الله أنت له خير أم بشر. وتقول: أزيد أنت له أشد ضرباً أم عمرو فإنما انتصاب الضرب كانتصاب زيد في قولك: ما أحسن زيداً وانتصاب وجه في قولك: حسن وجه الأخ. فالمصدر هنا كغيره من الأسماء كقولك: أزيد أنت له أطلق وجهاً أم فلان. وليس له سبيل إلى الإعمال وليس له وجه في ذلك. ومما لا يكون في الاستفهام إلا رفعاً قولك: أعبد الله إن تره تضربه وكذلك إن طرحت الهاء مع قبحه فقلت: أبعد الله إن تر تضرب فليس للآخر سبيل على الاسم لأنه مجزوم وهو جواب الفعل الأول وليس للفعل الأول سبيل لأنه مع إن بمنزلة قولك: أعبد الله حين يأتيني أضرب فليس لعبد الله في يأتيني حظ لأنه بمنزلة قولك: أعبد الله يوم الجمعة أضرب. ومثل ذلك: زيد حين أضرب يأتيني لأن المعتمد على زيد آخر الكلام وهو يأتيني. وكذلك إذا قلت: زيداً إذا أتاني أضرب وإنما هو بمنزلة حين. فإن لم تجزم الآخر نصبت وذلك قولك: أزيداً إن رأيت تضرب. وأحسنه أن تدخل في رأيت الهاء لأنه غير مستعمل فصارت حروف الجزاء في هذا بمنزلة قولك: زيد كم مرة رأيته. فإذا قلت: إن تر زيداً تضرب فليس إلا هذا صار بمنزلة قولك: حين ترى زيداً يأتيك لأنه صار في موضع المضمر حين قلت: زيد حين تضربه يكون كذا وكذا. ولو جاز أن تجعل زيداً مبتدأ على هذا الفعل لقلت: القتال زيداً حين تأتي تريد القتال حين تأتي زيداً. وتقول في الخبر وغيره: إن زيداً تره تضرب تنصب زيداً لأن الفعل أن يلي إن أولي كما كان ذلك في حروف الاستفهام وهي أبعد من الرفع لأنه لا يبنى فيها الاسم على مبتدأ. وإنما أجازوا تقديم الاسم في إن لأنها أم الجزاء ولا تزول عنه فصار ذلك فيها كما صار في ألف الاستفهام ما لم يجز في الحروف الأخر. وقال النمر بن تولب: لا تجزعي إن منفساً أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي وإن اضطر شاعر فأجري إذا مجرى إن فجازى بها قال: أزيد إذا تر تضرب إن جعل تضرب جواباً. وإن رفعها نصب لأنه لم يجعلها جواباً. وترفع الجواب حين يذهب الجزم من الأول في اللفظ. والاسم ههنا مبتدأ إذا جزمت نحو قولهم: أيهم يأتك تضرب إذا جزمت لأنك جئت بتضرب مجزوماً بعد أن عمل الابتداء في أيهم ولا سبيل له عليه. وكذلك هذا حيث جئت به مجزوماً بعد أن عمل فيه الابتداء. وأما الفعل الأول فصار مع ما قبله بمنزلة حين وسائر الظروف. وإن قلت: زيد إذا يأتيني أضرب تريد معنى الهاء ولا تريد زيداً أضرب إذا يأتيني ولكنك تضع أضرب ههنا مثل أضرب إذا جزمت وإن لم يكن مجزوماً لأن المعنى معنى المجازاة في قولك: أزيد إن يأتك أضرب ولا تريد به أضرب زيداً فيكون على أول الكلام كما لم ترد بهذا أول الكلام رفعت. وكذلك حين إذا قلت: أزيد حين يأتيك تضرب. وإنما رفعت الأول في هذا كله لأنك جعلت تضرب وأضرب جواباً فصار كأنه من صلته إذ كان من تمامه ولم يرجع إلى الأول. وإنما ترده إلى الأول فيمن قال: إن تأتني آتيك وهو قبيح وإنما يجوز في الشعر. وإذا قلت: أزيد إن يأتك تضرب فليس تكون الهاء إلا لزيد ويكون الفعل الآخر جواباً للأول. ويدلك على أنها لا تكون إلا لزيد أنك لو قلت: أزيد إن تأتك أمة الله تضربها لم يجز لأنك وإذا قلت: زيداً لم أضرب أو زيداً لن أضرب لم يكن فيه إلا النصب لأنك لم توقع بعد لم ولن شيئاً يجوز لك أن تقدمه قبلهما فيكون على غير حاله بعدهما " كما كان ذلك في الجزاء ". ولن أضرب نفي لقوله: سأضرب كما أن " لا تضرب نفي لقوله: اضرب " ولم أضرب نفي لضربت. وتقول: كل رجل يأتيك فاضرب " نصب " لأن يأتيك ههنا صفة فكأنك قلت: كل رجل صالح اضرب. فإن قلت: أيهم جاءك فاضرب رفعته لأنه جعل جاءك في موضع الخبر وذلك لأن قوله: فاضرب في موضع الجواب وأي من حروف المجازاة وكل رجل ليست من حروف المجازاة. ومثله: زيد إن أتاك فاضرب إلا أن تريد أول الكلام فتنصب ويكون على حد قولك: زيداً إن أتاك تضرب وأيهم يأتك تضرب إذا كان بمنزلة الذي. وتقول: زيداً إذا أتاك فاضرب. فإن وضعته في موضع زيد عن يأتك تضرب رفعت فارفع إذا كانت تضرب جواباً ليأتك وكذلك حين. والنصب في زيد أحسن إذا كانت الهاء يضعف تركها ويقبح. فأعمله في الأول وليس هذا في القياس لأنها تكون بمنزلة حين وإذا وحين لا يكون واحداً منهما وتقول: الحر حين تأتيني فيكون ظرفاً لما فيه من معنى الفعل. وجميع ظروف الزمان لا تكون ظروفاً للجثث. فإن قلت: زيداً يوم الجمعة أضرب لم يكن فيه إلا النصب لأنه ليس ههنا معنى جزاء ولا يجوز الرفع إلا على قوله: كله لم أصنع ألا ترى أنك لو قلت: زيد يوم الجمعة فأنا أضربه لم يكن " ولو قلت: زيد إذا جاءني فأنا أضربه كان جيداً ". فهذا يدلك على أنه يكون على غير قوله زيداً أضرب حين يأتيك.
هذا باب الأمر والنهي
والأمر والنهي يختار فيهما النصب في الاسم الذي يبنى عليه الفعل ويبنى على الفعل كما اختير ذلك في باب الاستفهام لأن الأمر والنهي إنما هما للفعل كما أن حروف الاستفهام بالفعل أولى وكان الأصل فيها أن يبتدأ بالفعل قبل الاسم فهكذا الأمر والنهي لأنهما لا يقعان إلا بالفعل مظهراً أو مضمراً. وهما أقوى في هذا من الاستفهام لأن حروف الاستفهام قد يستفهم بها وليس بعدها إلا الأسماء نحو قولك: أزيد أخوك ومتى زيد منطلق وهل عمرو ظريف. والأمر والنهي لا يكونان إلا بفعل وذلك قولك: زيداً اضربه وعمراً امرر به وخالداً اضرب أباه وزيداً اشتر له ثوباً. ومثل ذلك: أما زيداً فاقتله وأما عمراً فاشتر له ثوباً وأما خالداً فلا تشتم أباه وأما بكراً فلا تمرر به. ومنه: زيداً ليضربه عمرو وبشراً ليقتل أباه بكر لأنه أمر للغائب بمنزلة افعل للمخاطب. وقد يكون في الأمر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم وذلك قولك: عبد الله اضربه ابتدأت عبد الله فرفعته بالابتداء ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر. ومثل ذلك: أما زيد فاقتله. فإذا قلت: زيد فاضربه لم يستقم أن تحمله على الابتداء. ألا ترى أنك لو قلت: زيد فمنطلق لم يستقم فهو دليل على أنه لا يجوز أن يكون مبتدأ. فإن شئت نصبته على شيء هذا تفسيره كما كان ذلك في الاستفهام وإن شئت على عليك كأنك قلت: عليك زيداً فاقتله. وقد يحسن ويستقيم أن تقول: عبد الله فاضربه إذا كان مبيناً على مبتدأ مظهر أو مضمر. فأما في المظهر فقولك: هذا زيد فاضربه وإن شئت لم تظهر " هذا " ويعمل كعمله إذا أظهرته وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه كأنك قلت: هذا الهلال ثم جئت بالأمر. ومما يدلك على حسن الفاء ههنا أنك لو قلت: هذا زيد فحسن جميل كان " كلاماً " جيداً. ومن ذلك قول الشاعر: وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا هكذا سمع من العرب تنشده. وتقول: هذا الرجل فاضربه إذا جعلته وصفاً ولم تجعله خبراً. وكذلك: هذا زيد فاضربه إذا كان معطوفاً على " هذا " أو بدلاً. وتقول: اللذين يأتيانك فاضربهما تنصبه كما تنصب زيداً وإن شئت رفعته على أن يكون مبنياً على مظهر أو مضمر. وإن شئت كان مبتدأ لأنه يستقيم أن تجعل خبره من غير الأفعال بالفاء. ألا ترى أنك لو قلت: الذي يأتيني فله درهم والذي يأتيني فمكرم محموم كان حسناً. ولو قلت: زيد فله درهم لم يجز. وإنما جاز ذلك لأن قوله: الذي يأتيني فله درهم في معنى الجزاء فدخلت الفاء في خبره كما تدخل في خبر الجزاء. ومن ذلك قوله عز وجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". ومن ذلك قولهم: كل رجل يأتيك فهو صالح وكل رجل جاء فله درهمان لأن معنى الحديث وأما قول عدي بن زيد: أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لأي ذاك تصير فإنه على أن يكون في الذي يرفع على حالة المنصوب في النصب. يعني أن الذي من سببه مرفوع فترفعه بفعل هذا يفسره كما كان المنصوب ما هو من سببه ينتصب فيكون ما سقط على سببيه تفسيره في الذي ينصب على أنه شيء هذا تفسيره. يقول: ترفع " أنت " على فعل مضمر لأن الذي من سببه مرفوع وهو الاسم المضمر الذي في انظر. وقد يجوز " أن يكون " أنت على قوله: أنت الهالك كما يقال: إذا ذكر إنسان لشيء قال الناس: زيد. وقال الناس: أنت. ولا يكون على أن تضمر هذا لأنك لا تشير للمخاطب إلى نفسه ولا تحتاج إلى ذلك وإنما تشير له إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت: هذا أنت لم يستقم. ويجوز هذا أيضاً على قولك: شاهداك أي ما ثبت لك شاهداك. قال الله تعالى جده: " طاعة وقول معروف ". فهو مثله. فإما أن يكون أضمر الاسم وجعل هذا خبره كأنه قال: أمرى طاعة " وقول معروف " أو يكون أضمر الخبر فقال: طاعة وقول معروف أمثل. واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي وإنما قيل: " دعاء " لأنه استعظم أن يقال: أمر أو نهي. وذلك قولك: اللهم زيداً فاغفر ذنبه وزيداً فأصلح شأنه وعمراً ليجزه الله خيراً. وتقول: زيداً قطع الله يده وزيداً أمر الله عليه العيش لأن " معناه معنى " زيداً ليقطع الله يده. وقال أبو الأسود الدؤلي: أميران كانا آخياني كلاهما فكلاً جزاه الله عني بما فعل ويجوز فيه من الرفع ما جاز في الأمر والنهي ويقبح فيه ما يقبح في الأمر والنهي. وتقول: أما زيداً فجدعاً له وأما عمراً فسقياً له لأنك لو أظهرت الذي انتصب عليه سقياً وجدعاً لنصبت زيداً وعمراً فإضماره بمنزلة إظهاره كما تقول: أما زيداً فضرباً. وتقول: أما زيد فسلام عليه وأما الكافر فلعنة الله عليه لأن هذا ارتفع بالابتداء. وأما قوله عز وجل: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ". وقوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله تعالى: " مثل الجنة التي وعد المتقون ". ثم قال بعد: " فيها أنهار من ماء " فيها كذا وكذا. فغنما وضع المثل للحديث الذي بعده فذكر أخباراً وأحاديث فكأنه قال: ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليهكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار " ونحوه ". والله تعالى أعلم.
وكذلك " الزانية والزاني " " كأنه " لما قال جل ثناؤه: " سورة أنزلناها فرضناها ". قال: في الفرائض الزانية والزاني " أو الزانية والزاني في الفرائض ". ثم قال: فاجلدوا فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال: وقائلة: خولان فانكح فتاتهم فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر. وكذلك: " والسارق والسارقة " " كأنه قال: و " فيما فرض عليكم " السارق والسارقة أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم ". فإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث. ويحمل على نحو من هذا " ومثل ذلك ": " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ". وقد يجري هذا في زيد وعمرو على هذا الحد إذا كنت تخبر " بأشياء " أو توصي. ثم تقول: زيد فيمن أوصي به فاحسن إليه وأكرمه. وقد قرأ أناس: " والسارق والسارقة " و " الزانية والزاني " وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة. ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع. وإنما كان الوجه في الأمر والنهي النصب لأن حد الكلام تقديم الفعل وهو فيه أوجب إذ كان ذلك يكون في ألف الاستفهام لأنهما لا يكونان إلا بفعل. وقبح تقديم الاسم في سائر الحروف لأنها حروف تحدث قبل الفعل. وقد يصير معنى حديثهن إلى الجزاء والجزاء لا يكون إلا خبراً وقد يكون فيهن الجزاء في الخبر وهي غير واجبة كحروف الجزاء فأجريت مجراها. والأمر ليس يحدث له حرف سوى الفعل فيضارع حروف الجزاء فيقبح حذف الفعل منه كما يقبح حذف الفعل بعد حروف الجزاء. وإنما يقبح حذف الفعل وإضماره بعد حروف الاستفهام لمضارعتها حروف الجزاء. وإنما قلت: زيداً اضربه واضربه مشغولة بالهاء لأن الأمر والنهي لا يكونان إلا بالفعل فلا يستغنى عن الإضمار إن لم يظهر.
باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام و حروف الأمر والنهي
وهي حروف النفي شبهوها بحروف الاستفهام حيث قدم الاسم قبل الفعل لأنهن غير واجبات كما أن الألف وحروف الجزاء غير واجبة وكما أن الأمر والنهي غير واجبين. وسهل تقديم الأسماء فيها لأنها نفي لواجب وليست كحروف الاستفهام والجزاء وإنما هي مضارعة وإنما تجيء لخلاف قوله: قد كان. وذلك قولك: ما زيداً ضربته ولا زيداً قتلته وما عمراً لقيت أباه ولا عمراً مررت به ولا بشراً اشتريت له ثوباً. وكذلك إذا قلت: ما زيداً أنا ضاربه إذا لم تجعله اسماً معروفاً. قال هدبة بن الخشرم العذري: فلا ذا جلال هبنه لجلاله ولا ذاع ضياع هن يتركن للفقر وقال زهير: لا الدار غيرها بعدي الأنيس ولا بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم وقال جرير: فلا حسباً فخرت به لتيم ولا جداً إذا ازدحم الجدود وإن شئت رفعت والرفع فيه أقوى إذ كان يكون في ألف الاستفهام لأنهن نفي واجب يبتدأ بعدهن ويبنى على المبتدأ بعدهن ولم يبلغن أن يكن مثل ما شبهن به. فإن جعلت " ما " بمنزلة ليس في لغة أهل الحجاز لم يكن إلا الرفع لأنك تجيء بالفعل بعد أن يعمل فيه ما هو بمنزلة فعل يرفع كأنك قلت: ليس زيد ضربته. وقد أنشد بعضهم هذا البيت رفعاً " قول مزاحم العقيلي ": وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافي منى أنا عارف فإن شئت حملته على ليس وإن شئت حملته على " كله لم أصنع ". فهذا أبعد الوجهين. وقد زعم بعضهم أن ليس تجعل كما وذلك قليل لا يكاد يعرف فهذا يجوز أن يكون منه: ليس خلق الله أشعر منه وليس قالها زيد. قال حميد الأرقط: فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى يلقي المساكين وقال هشام أخو ذي الرمة: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول هذا كله سمع من العرب. والوجه والحد أن تحمله على أن في ليس إضماراً وهذا مبتدأ كقوله: إنه أمة الله ذاهبة. إلا أنهم زعموا أن بعضهم قال: ليس الطيب إلا المسك وما كان الطيب إلا المسك. فإن قلت: ما أنا زيد لقيته رفعت إلا في قول من نصب زيداً لقيته لأنك قد فصلت كما فصلت في قولك: أنت زيد لقيته. " وإن كانت ما التي هي بمنزلة ليس فكذلك كأنك قلت: لست زيد لقيته " لأنك شغلت الفعل " بأنا " وهذا مبتدأ بعد اسم وهذا الكلام في موضع خبره وهو فيه أقوى لأنه عامل في الاسم الذي بعده. وألف الاستفهام وما في لغة بني تميم يفصلن فلا يعملن. فإذا اجتمع أنك تفصل وتعمل الحرف فهو أقوى. وكذلك: إني زيد لقيته وأنا عمرو ضربته وليتني عبد الله مررت به لأنه إنما هو اسم مبتدأ " ثم ابتدئ بعده " أو اسم فأما قوله عز وجل: " إنا كل شيء خلقناه بقدر " فإنما هو على قوله: زيداً ضربته وهو عربي كثير. وقد قرأ بعضهم: " وأما ثمود فهديناهم " إلا أن القراءة لا تخالف لأن القراءة السنة. وتقول: كنت عبد الله لقيته لأنه ليس من الحروف التي ينصب ما بعدها كحروف الاستفهام وحروف الجزاء ولا ما شبه بها وليس بفعل ذكرته ليعمل في شيء فينصبه أو يرفعه ثم يضم إلى الكلام الأول الاسم بما يشرك " به " كقولك: زيداً ضربت وعمراً مررت به ولكنه شيء عمل في الاسم ثم وضعت هذا في موضع خبره مانعاً له أن ينصب كقولك: كان عبد الله أبوه منطلق. ولو قلت: كنت أخاك وزيداً مررت به نصبت لأنه قد أنفذ إلى مفعول ونصب ثم ضممت إليه اسماً وفعلاً. وإذا قلت: كنت زيد مررت به فقد صار هذا في موضع أخاك ومنع الفعل أن يعمل. وكذلك: حسبتني عبد الله مررت به لأن هذا المضمر المنصوب بمنزلة المرفوع في كنت لأنه يحتاج إلى الخبر كاحتياج الاسم في كنت وكاحتياج المبتدأ فإنما هذا في موضع خبره كما كان في موضع خبر كان فإنما أراد أن يقول: كنت هذه حالي وحسبتني هذه حالي كما قال: لقيت عبد الله وزيد يضربه عمرو فإنما قال: لقيت عبد الله وزيد هذه حاله ولم يعطفه على الحديث الأول ليكون في مثل معناه ولم يرد أن يقول: فعلت وفعل وكذلك لم يرده في الأول. ألا ترى أنه لم ينفذ الفعل في كنت إلى المفعول الذي به يستغنى الكلام كاستغناء كنت بمفعوله. فإنما هذه في موضع الإخبار وبها يستغنى الكلام. وإذا قلت: زيداً ضربت وعمراً مررت به فليس الثاني في موضع خبر ولا تريد أن يستغنى به شيء لا يتم غلا به فإنما حاله كحال الأول " في أنه مفعول " وهذا " الثاني " لا يمنع الأول مفعوله أن ينصبه لأنه ليس في موضع خبره فكيف يختار فيه النصب وقد حال بينه وبين مفعوله وكان في موضعه إلا أن تنصبه على قولك: زيداً ضربته. ومثل ذلك: قد علمت لعبد الله تضربه فدخول اللام يدلك أنه إنما أراد به ما أراد إذا لم يكن قبله شيء لأنها ليست مما يضم به الشيء إلى الشيء كحروف الاشتراك فكذلك ترك الواو في الأول هو كدخول اللام هنا. وإن شاء نصب كما قال الشاعر وهو المرار الأسدي: فلو أنها إياك عضتك مثلها جررت على ما شئت نحراً وكلكلا.
هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول
وذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم ورأيت بني زيد ثلثيهم ورأيت بني عمك ناساً منهم ورأيت عبد الله شخصه وصرفت وجوهها أولها. فهذا يجيء على وجهين: على أنه أراد: رأيت أكثر قومك و " رأيت " ثلثي قومك وصرفت وجوه أولها ولكنه ثنى الاسم توكيداً كما قال جل ثناؤه: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " وأشباه ذلك. فمن ذلك قوله عز وجل: " يسألونك عن الشر الحرام قتال فيه ". وقال الشاعر: وذكر تقتد برد مائها وعتك البول على أنسائها ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلم فيقول: رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول: ثلثيهم أو ناساً منهم. ولا يجوز أن تقول: رأيت زيداً أباه والأب غير زيد لأنك لا تبينه بغيره ولا بشيء ليس منه. وكذلك لا تثني الاسم توكيداً وليس بالأول ولا شيء منه فإنما تثنيه وتؤكده مثنى بما هو منه أو هو هو. وإنما يجوز رأيت زيداً أباه ورأيت عمراً أن يكون أراد أن يقول: رأيت عمراً أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسي ثم استدرك كلامه بعد " وإما أن يكون أضرب عن ذلك فنحاه وجعل عمراً مكانه ". فأما الأول فجيد عربي مثله قوله عز وجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع عليه سبيلا " لأنهم من الناس. ومثله إلا أنهم أعادوا حرف الجر: " قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين اشتضعفوا لمن آمن منهم ". ومن هذا الباب " قولك ": بعت متاعك أسفله قبل أعلاه واشتريت متاعك أسفله أسرع من اشترائي أعلاه واشتريت متاعك بعضه أعجل من بعض وسقيت إبلك صغارها أحسن من سقي كبارها وضربت الناس بعضهم قائماً وبعضهم قاعداً فهذا لا يكون فيه إلا النصب لأن ما ذكرت بعده ليس مبنياً عليه فيكون مبتدأ وإنما هو من نعت الفعل زعمت أن بيعه أسفله كان قبل بيعه أعلاه وأن الشراء كان في بعض أعجل من بعض وسقيه الصغار كان أحسن من سقيه الكبار ولم تجعله خبراً لما قبله. ومن ذلك قولك: مررت بمتاعك بعضه مرفوعاً وبعضه مطروحاًن فهذا لا يكون مرفوعاً لأنك حملت النعت على المرور فجعلته حالاً " للمرور " ولم تجعله مبنياً على المبتدأ. وإن لم تجعله حالاً للمرور جاز الرفع. ومن هذا الباب: ألزمت الناس بعضهم بعضاً وخوفت الناس ضعيفهم قويهم. فهذا معناه في الحديث المعنى " الذي " في قولك: خاف الناس ضعيفهم قويهم ولزم الناس بعضهم بعضاً فلما قلت: أزلمت وخوفت صار مفعولاً وأجريت الثاني على ما جرى عليه الأول وهو فاعل وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض على قولك: دفع الناس بعضهم بعضاً. ودخول الباء ههنا بمنزلة قولك: ألزمت كأنك قلت في التمثيل: أدفعت كما أنك تقول: ذهبت به " من عندنا " وأذهبته من عندنا وأخرجته " معك " وخرجت به معك. وكذلك ميزت متاعك بعضه من بعض وأوصلت القوم بعضهم إلى بعض فجعلته مفعولاً على حد ما جعلت الذي قبله وصار قوله إلى بعض ومن بعض في موضع مفعول منصوب. ومن ذلك: فضلت متاعك أسفله على أعلاه " فإنما جعله مفعولاً من قوله: خرج متاعك أسفله على أعلاه " كأنه قال في التمثيل: فضل متاعك أسفله على أعلاه " فعلى أعلاه في موضع نصب ". ومثل ذلك: صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من اصطك الحجران أحدهما بالآخر. ومثل ذلك " قوله عز وجل ": " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ". وهذا ما يجرى منه مجروراً كما يجرى منصوباً وذلك قولك: عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض إذا جعلت الناس مفعولين كان بمنزلة قولك: عجبت من إذهاب الناس بعضهم بعضاً لأنك إذا قلت: أفعلت استغنيت عن الباء وإذا قلت: فعلت احتجت إليها وجرى في الجر على قولك: دفعت الناس بعضهم ببعض. وإن جعلت الناس فاعلين قلت: عجبت من دفع الناس بعضهم بعضاً جرى في الجر على حد مجراه في الرفع كما جرى في الأول على مجراه في النصب وهو قولك: دفع الناس بعضهم بعضاً. وكذلك جميع ما ذكرنا إذا أعملت فيه المصدر فجرى مجراه في الفعل. و " من " ذلك قولك: عجبت من موافقة الناس أسودهم أحمرهم جرى على قولك: وافق الناس أسودهم أحمرهم. وتقول: سمعت وقع أنيابه بعضها فوق بعض جرى على قولك: أنيابه بعضها فوق بعض. وتقول: عجبت من إيقاع أنيابه فوق بعض على حد قولك: أوقعت أنيابه بعضها فوق بعض. هذا وجه اتفاق الرفع والنصب في هذا الباب واختيار النصب واختيار الرفع. تقول: رأيت متاعك بعضه فوق بعض إذا جعلت فوقاً في موضع الاسم المبني على المبتدأ وجعلت الأول مبتدأ كأنك قلت: رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض ففوق في موضع أحسن. وإن جعلته حالاً بمنزلة قولك: مررت بمتاعك بعضه مطروحاً وبعضه مرفوعاً نصبته لأنه لم تبن عليه شيئاً فتبتدئه. وإن شئت قلت: رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض فيكون بمنزلة قولك: رأيت بعض متاعك الجيد فوصلته إلى مفعولين لأنك أبدلت فصرت كأنك قلت: رأيت بعض متاعك. والرفع في هذا أعرف لأنهم شبهوه بقولك: رأيت زيداً أبوه أفضل منه لأنه اسم هو للأول ومن سببه " كما أن هذا له ومن سببه " والآخر هو المبتدأ الأول كما أن الآخر ههنا هو المبتدأ الأول. وإن نصبت فهو عربي جيد. ومما جاء في الرفع قوله تعالى: " ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ". ومما جاء في النصب أنا سمعنا من يوثق بعربيته يقول: خلق الله الزرافة يديها طول من رجليها. وحدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت وهو لعبدة بن الطبيب: فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وقال رجل من بجيلة أو خثعم: ذريني إن أمرك لن يطاعا وما الفيتني حلمي مضاعا وقال آخر في البدل: إن علي الله أن تبايعا تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعا فهذا عربي حسن والأول أعرف وأكثر. وتقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض فله ثلاثة اوجه في النصب: إن شئت جعلت فوق في موضع الحال كأنه قال: علمت متاعك وهو بعضه على بعض أي في هذه الحال كما جعلت ذلك في رأيت في رؤية العين. وإن شئت نصبته على ما نصبت عليه رأيته زيداً وجهه أحسن من وجه فلان " تريد رؤية القلب ". وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت: جعلت متاعك يدخله معنى ألقيت فيصير كأنك قلت: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض لأن ألقيت كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض وهو مفعول من قولك: سقط متاعك بعضه على بعض فجرى كما جرى صككت الحجرين أحدهما بالآخر. فقولك " بالآخر " ليس في موضع اسم هو الأول ولكنه في موضع الاسم الآخر في قولك: صك الحجران أحدهما الآخر ولكنك أوصلت الفعل بالباء كما أن مررت بزيد الاسم منه في موضع اسم منصوب. ومثل هذا: طرحت المتاع بعضه على بعض لأن معناه أسقطت فأجري مجراه وإن لم يكن من لفظه فاعل. وتصديق ذلك قوله عز وجل: " ويجعل الخبيث بعضه على بعض ". والوجه الثالث: أن تجعله مثل: ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض. والرفع فيه أيضاً عربي كثير. تقول: جعلت متاعك بعضه على بعض فوجه الرفع فيه على ما كان في رأيت. وتقول: أبكيت قومك بعضهم على بعض وحزنت قومك بعضهم على بعض فأجريت هذا على حد الفاعل إذا قلت: بكى قومك بعضهم على بعض " وحزن قومك بعضهم على بعض " فالوجه هنا النصب لأنك إذا قلت: أحزنت قومك بعضهم على بعض وأبكيت قومك بعضهم على بعض لم ترد أن تقول: بعضهم على بعض في عون ولا أن أجسادهم بعضها على بعض فيكون الرفع الوجه ولكنك أجريته على قولك: بكى قومك بعضها بعضاً فإنما أوصلت الفعل إلى الاسم بحرف جر والكلام في موضع اسم منصوب كما تقول: مررت على زيد ومعناه مررت زيداً. فإن قيل: حزنت قومك بعضهم أفضل من بعض " وأبكيت قومك بعضهم أكرم من بعض " كان الرفعة الوجه لأن الآخر هو الأول ولم تجعله في موضع مفعول هو غير الأول. وإن شئت نصبته على قولك: حزنت قومك بعضهم قائماً وبعضهم قاعداً على الحال لأنك قد تقول: رأيت قومك أكثرهم وحزنت قومك بعضهم فإذا جاز هذا أتبعته ما يكون حالاً. وإن كان مما يتعدى إلى مفعولين أنفذته إليه لأنه كأنه لم تذكر قبله شيئاً كأنه رأيت قومك وحزنت قومك. إلا أن أعربه وأكثره إذا كان الآخر هو الأول أن يبتدأ. وإن أجريته على النصب فهو عربي جيد.
هذا باب من الفعل يبدل فيه الآخر من الأول ويجرى على الاسم
فالبدل أن تقول: ضرب عبد الله ظهره وبطنه وضرب زيد الظهر والبطن وقلب عمرو ظهره وبطنه ومطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل. ون شئت كان على الاسم بمنزلة أجمعين توكيدا. وإن شئت نصبت تقول: ضرب زيد الظهر والبطن ومطرنا السهل والجبل وقلب زيد ظهره وبطنه. فالمعنى أنهم مطروا في السهل والجبل وقلب على الظهر والبطن. ولكنهم أجازوا هذا كما أجازوا " قولهم ": دخلت البيت وإنما معناه دخلت في البيت. والعامل فيه الفعل وليس المنتصب ههنا بمنزلة الظرف لأنك لو قلت: " قلب " هو ظهره وبطنه وأنت تعني على ظهره لم يجز. ولم يجيزوه في غير السهل والجبل والظهر والبطن كما لم يجز دخلت عبد الله فجاز هذا في هذا وحده كما لم يجز حذف حرف الجر إلا في الأماكن في مثل: دخلت البيت. واختصت بهذا كما أن لدن مع غدوة لها حال ليست في غيرها من الأسماء وكما أن عسى لها في قولهم: " عسى الغوير أبؤساً " حال لا تكون في سائر الأشياء. ونظير هذا أيضاً في أنهم حذفوا حرف الجر ليس إلا قولهم: نبئت زيداً قال ذاك إنما يريد عن زيد إلا أن معنى الأول معنى الأماكن. وإن شئت رفعت على البدل وعلى أن تصيره بمنزلة أجمعين تأكيداً. فإن قلت: ضرب زيد اليد والرجل جاز " على " أن يكون بدلا وأن يكون توكيدا. وإن نصبته لم يحسن لأن الفعل إنما أنفذ في هذه الأسماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفت منه حرف الجر إلا أن تسمع العرب تقول في غيره وقد سمعناهم يقولون: مطرتهم ظهراً وبطناً. وتقول: مطر قومك الليل والنهار على الظرف وعلى الوجه الآخر. وإن شئت رفعته على سعة الكلام كما قال: صيد عليه الليل والنهار وهو نهاره صائم وليله قائم وكما قال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم فكأنه في كل هذا جعل الليل بعض الاسم. وقال آخر: أما النهار ففي قيد وسلسلة والليل في قعر منحوت من الساج فكأنه جعل النهار في قيد والليل في بطن منحوت أو جعله الاسم أو بعضه. وإن شئت قلت: ضرب عبد الله ظهره ومطر قومك سهلهم على قولك: رأيت القوم أكثرهم ورأيت عمراً شخصه كما قال: فكأنه لهق السراة كأنه ما حاجبيه معين بسواد " يريد: كأن حاجبيه فأبدل حاجبيه من الهاء التي في كأنه وما زائدة ". ملك الخورنق والسدير وداته ما بين حمير أهلها وأوال " يريد: ما بين أهل حمير فأبدل الأهل من حمير ". ومثل ذلك قولهم: صرفت وجوهها أولها. و " مثله ": ما لي بهم علم أمرهم. وأما قول جرير: مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلا كلاً وصدورا فإنما هو على قوله: ذهب قدماً وذهب أخراً. وقال عمرو بن عمار النهدي: طويل متل العنق أشرف كاهلاً أشق رحيب الجوف معتدل الجرم كأنه قال: ذهب صعداً فإنما خبر أن الذهاب كان على هذه الحال. ومثله: " قول رجل من عمان ": إذا أكلت سمكاً وفرضاً ذهبت طولاً وذهبت عرضا فإنما شبه هذا الضرب من المصادر. وليس هذا مثل قول عامر بن الطفيل: فلأبغينكم قناً وعوارضاً ولأقبلن الخيل لابة ضرغد لأن قناً وعوارض مكانان وإنما يريد: بقناً وعوارض ولكن الشاعر شبهه بدخلت البيت وقلب زيد الظهر والبطن.
هذا باب من اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى فإذا أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل كان نكرة منوناً
وذلك قولك: هذا ضارب زيداً غداً. فمعنا وعمله مثل هذا يضرب زيداً " غداً ". فإذا حدثت عن فعل في حين وقوعه غير منقطع كان كذلك. وتقول: هذا ضارب عبد الله الساعة فمعناه وعمله مثل " هذا " يضرب زيداً الساعة. وكان " زيد " ضارباً أباك فإنما تحدث أيضاً عن اتصال فعل في حال وقوعه. وكان موافقاً زيداً فمعناه وعمله كقولك: كان يضرب أباك ويوافق زيداً. فهذا جرى مجرى الفعل المضارع في العمل والمعنى منوناً. ومما جاء في الشعر: منوناً " من هذا الباب قوله ": إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي وقال " عمر " بن أبي ربيعة: وقال زهير: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقاً شيئاً إذا كان جائيا وقال الأخوص الرياحي: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعباً إلا ببين غرابها واعلم أن العرب يستخفون فيحذفون التنوين والنون ولا يتغير من المعنى ولا يجعله معرفة. فمن ذلك " قوله عز وجل ": " كل نفس ذائقة الموت " و " إنا مرسلو الناقة " و " لو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم " و " غير محلى الصيد ". فالمعنى معنى " ولا آمين البيت الحرام ". " و " يزيد هذا عندك بياناً قوله تعالى جده: " هدياً بالغ الكعبة " و " عارض ممطرنا ". فلو لم يكن هذا في معنى النكرة والتنوين لم توصف به النكرة. وستراه مفصلاً أيضاً في بابه مع غير هذا من الحجج إن شاء الله. وقال الخليل: هو كائن أخيك على الاستخفاف والمعنى: هو كائن أخاك. ومما جاء في الشعر غير منون قول الفرزدق: أتاني على القعساء عادل وطبه برجلي لئيم واست عبد تعادله يريد: عادلاً وطبه. وقال الزبرقان بن بدر: وقال السليك بن السلكة: تراها من يبيس الماء شهباً مخالظ درة منها غرار " يريد: عرف الخيل ". ومما يزيد هذا الباب إيضاحاً " أنه " على معنى المنون قول النابغة: احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد " فوصف به النكرة ". وقال المرار الأسدي: سل الهموم بكل معطي رأسه ناج مخالط صهبة متعيس فهو على المعنى لا على الأصل والأصل التنوين لأن هذا الموضع لا يقع فيه معرفة. ولو كان الأصل ههنا ترك التنوين لما دخله التنوين ولا كان ذلك نكرة وذلك أنه لا يجري مجرى المضارع فيما ذكرت لك. وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت " لأبي الأسود الدؤلي ": فألفيته غير مستعب ولا ذاكر الله إلا قليلا لم يحذف التنوين استخفافاً ليعاقب المجرور ولكنه حذفه لالتقاء الساكنين " كما قال: رمى القوم ". وهذا اضطرار وهو مشبه بذلك الذي ذكرت " لك ". وتقول في هذا الباب: هذا ضارب زيد وعمرو إذا أشركت بين الآخر والأول في الجار لأنه ليس في العربية شيء يعمل في حرف فيمتنع أن يشرك بينه وبين مثله. وإن شئت نصبت على المعنى وتضمر له ناصباً فتقول: هذا ضارب زيد وعمراً كأنه قال: ويضرب عمراً أو وضارب عمراً. ومما جاء على المعنى قول جرير: جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار وقال كعب بن جعيل " التغلبي ": أعني بخوار العنان تخاله إذا راح يردى بالمدجج أحردا وأبيض مصقول السطام مهنداً وذا حلق من نسج داود مسردا فحمله على المعنى كأنه قال: وأعطني أبيض مصقول السطام وقال: هات مثل أسرة منظور " بن سيار ". والنصب في الأول أقوى وأحسن لأنك أدخلت الجر على الحرف الناصب ولم تجيء ههنا إلا بما أصله الجر ولم تدخله على ناصب ولا رافع. وهو على ذلك عربي جيد. والجر أجود. وقال " رجل من قيس عيلان ": وزعم عيسى أنهم ينشدون هذا البيت: هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق فإذا أخبر أن الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين البتة لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب فكل واحد منهما داخل على صاحبه فلما أراد سوى ذلك المعنى جرى مجرى الأسماء التي من غير ذلك الفعل لأنه إنما شبه بما ضارعه من الفعل كما شبه به في الإعراب. وذلك قولك: هذا ضارب عبد الله وأخيه. وجه الكلام وحده الجر لأنه ليس موضعاً للتنوين. وكذلك قولك: هذا ضارب زيد فيها وأخيه وهذا قاتل عمرو أمس وعبد الله وهذا ضارب عبد الله ضرباً شديداً وعمرو. ولو قلت: هذا ضارب عبد الله وزيداً جاز على إضمار فعل أي وضرب زيداً. وإنما جاز هذا الإضمار لأن معنى الحديث في قولك هذا ضارب زيد: هذا ضرب زيداً وإن كان لا يعمل عمله فحمل على المعنى كما قال جل ثناؤه: " ولحم طير مما يشتهون. وحور عين " لما كان المعنى في الحديث على قوله: لهم فيها حمله على شيء لا ينقض الأول في المعنى. وقد قرأه الحسن. ومثله قول الشاعر: يهدي الخميس نجاداً في مطالعها إما المصاع وإما ضربة رغب ومثله قول كعب بن زهير: فلم يجد إلا مناخ مطية تجافى بها زور نبيل وكلكل ومفحصها عنها الحصى بجرانها ومثنى نواج لم يخنهن مفصل ومسر ظماء واترتهن بعدما مضت هجعة من آخر الليل ذبل كأنه قال: وثم سمر " ظماء ". وقال: بادت وغير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء ومشجج أما سواء قذاله فبدا وغير ساره المعزاء لأن قوله " إلا رواكد " هي في معنى الحديث: بها رواكد فحمله على شيء لو كان عليه الأول لن ينقض الحديث. والجر في هذا أقوى يعني هذا ضارب زيد وعمرو وعمراً بالنصب. وقد فعل لأنه اسم وإن كان قد جرى مجرى الفعل بعينه. والنصب في الفصل أقوى إذا قلت: هذا ضارب زيد فيها وعمراً وكلما طال الكلام كان أقوى وذلك أنك لا تفصل بين الجار وبين ما يعمل فيه فكذلك صار هذا أقوى. فمن ذلك قوله جل ثناؤه: " وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ". وكذلك إن جئت باسم الفاعل الذي تعدى فعله إلى مفعولين وذلك قولك: هذا معطى زيد درهما وعمرو إذا لم تجره على الدرهم والنصب على ما نصبت عليه ما قبله. وتقول: هذا معطى زيد وعبد الله. والنصب إذا ذكرت الدرهم أقوى لأنك " قد " فصلت بينهما. وإن لم ترد بالاسم الذي يتعدى فعله إلى مفعولين أن يكون الفعل قد وقع أجريته مجرى الفعل الذي يتعدى إلى مفعول في التنوين وترك التنوين وأنت تريد معناه و " في " النصب والجر وجميع أحواله فإذا نونت فقلت: هذا معط زيداً درهماً لا تبالي أيهما قدمت لأنه يعمل عمل الفعل. وإن لم تنون لم يجز هذا معطي درهماً زيد لأنك لا تفصل بين الجار والمجرور لأنه داخل في الاسم فإذا نونت انفصل كانفصاله في الفعل. فلا يجوز إلا " في قوله " هذا معطى زيداً كما قال تعالى جده: " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ".
باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين في اللفظ لا في المعنى
وذلك قولك: يا سارق الليل أهل الدار " و " تقول على هذا الحد: سرقت الليل أهل الدار فتجري الليلة على الفعل في سعة الكلام كما قال: صيد عليه يومان وولد له ستون عاماً. فاللفظ يجري على قوله: هذا معطى زيد درهماً والمعنى إنما هو في الليلة وصيد عليه في اليومين غير أنهم أوقعوا الفعل عليه لسعة الكلام. وكذلك لو قلت: هذا مخرج اليوم الدرهم وصائد اليوم الوحش. ومثل ما أجري مجرى هذا في سعة الكلام والاستخفاف قوله عز وجل: " بل مكر الليل والنهار ". فالليل والنهار لا يمكران ولكن المكر فيهما. فإن نونت فقلت: يا سارقاً الليلة أهل الدار كان حد الكلام أن يكون أهل الدار على سارق منصوباً ويكون الليلة ظرفاً لأن هذا موضع انفصال. وإن شئت أجريته على الفعل على سعة الكلام. ولا يجوز: يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور. فإذا كان منوناً فهو بمنزلة الفعل الناصب تكون الأسماء فيه منفصلة. قال الشاعر وهو الشماخ: رب ابن عم لسليمى مشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل " هذا على: يا سارق الليلة أهل الدار ". وقال الأخطل: وكرار خلف المحجرين وجواده إذا لم يحام دون أنثى حليلها فإن قلت: كرار وطباخ صار بمنزلة طبخت وكررت تجريها مجرى السارق حين نونت على سعة الكلام. وقال " رجل من بني عامر ": ويوم شهدناه سليماً وعامراً قليل سوى الطعن النهال نوافله " وكما قال: ثماني حجج حججتهن بيت الله ". ومما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة. لما رأت ساتسدما استعبرت لله در اليوم من لامها وقال أبو حية النميري: كما خط الكتاب بكف يوماً يهودي يقارب أو يزيل وهذا لا يكون فيه إلا هذا لأنه ليس في معنى فعل ولا اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل. ومما جاء مفصولاً بينه وبين المجرور قول الأعشى: ولا نقاتل بالعص - ي ولا نرامي بالحجاره إلا علالة أو بدا - هة قارح نهد الجزاره وقال ذو الرمة: فهذا قبيح. ويجوز في الشعر على هذا: مررت بخير وأفضل من ثم. وقالت درنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة: هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوماً نبوة فدعاهما وقال الفرزدق: يا من رأى عارضاً أسر به بين ذراعي وجبهة الأسد وأما قوله عز وجل: " فبما نقضهم ميثاقهم " فإنما جاء لأنه ليس ل " ما " معنى سوى ما كان قبل أن تجيء إلا التوكيد فمن ثم جاء ذلك إذ لم ترد به أكثر من هذا وكانا حرفين أحدهما في الآخر عامل. ولو كان اسماً أو ظرفاً أو فعلاً لم يجز. وأما قوله: أدخل فوه الحجر فهذا جرى على سعة الكلام " والجيد أدخل فاه الحجر " وكما قال: أدخلت في رأسي القلنسوة " والجيد أدخلت في القلنسوة رأسي ". وليس مثل اليوم والليلة لأنهما ظرفان فهو مخالف له في هذا موافق " له " في السعة. قال الشاعر: ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع فوجه الكلام فيه هذا كراهية الانفصال.
هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى وما يعمل فيه
وذلك قولك: هذا الضارب زيداً فصار في معنى " هذا " الذي ضرب زيداً وعمل عمله لأن الألف واللام منعتا الإضافة وصارتا بمنزلة التنوين. وكذلك: هذا الضارب الرجل وهو وجه الكلام. وقد قال قوم من العرب ترضى عربيتهم: هذا الضارب الرجل شبهوه بالحسن الوجه وإن كان ليس مثله في المعنى ولا في أحواله إلا أنه اسم وقد يجر كما يجر وينصب أيضاً كما ينصب وسيبين ذلك في بابه " إن شاء الله ". وقد يشبهون الشيء بالشيء وليس مثله في جميع أحواله وسترى ذلك في كلامهم كثيراً. وقال المرار الأسدي: أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعا سمعناه ممن يرويه عن العبر وأجرى بشراً على مجرى المجرور لأنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين. ومثل ذلك في الإجراء على ما قبله: هو الضارب زيداً والرجل لا يكون فيه إلا النصب لأنه عمل فيهما عمل المنون ولا يكون: هو الضارب عمرو كما لا يكون: هو الحسن وجه. ومن قال: هذا الضارب الرجل قال: هو الضارب الرجل وعبد الله. ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول الأعشى: الواهب المائة الهجان وعبدها عوذاً تزجى بينها أطفالها وإذا ثنيت أو جمعت فأثبت النون قلت: هذان الضاربان زيداً وهؤلاء الضاربون الرجل لا يكون فيه غير هذا لأن النون ثابتة. ومثل ذلك قوله عز وجل: " والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ". وقال ابن مقبل: يا عين بكي حنيفاً رأس حيهم الكاسرين القنا في عورة الدبر فإن كففت النون جررت وصار الاسم داخلاً في الجار " و " بدلاً من النون لأن النون لا تعاقب الألف واللام ولم تدخل على الاسم بعد أن ثبتت فيه الألف واللام لأنه لا يكون واحداً معروفاً ثم يثنى فالتنوين قبل الألف واللام لأن المعرفة بعد النكرة فالنون مكفوفة والمعنى معنى ثبات النون كما كان ذلك في الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع وذلك قولك: هما الضارب زيد والضاربو عمرو. أسيد ذو خريطة نهاراً من المتلقطي قرد القمام وقال رجل من بني ضبة: الفراجي باب الأمير المبهم وقال رجل من الأنصار: الحافظو عورة العشيرة لا يأتيهم من ورائنا نطف لم يحذف النون للإضافة ولا ليعاقب الاسم النون ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين حيث طال الكلام وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر. وقال الأخطل: أبني كليب إن عمي اللذا سلبا الملوك وفككا الأغلالا لأن معناه " معنى " الذين فعلوا وهو مع المفعول بمنزلة اسم مفرد لم يعمل في شيء كما أن الذين فعلوا مع صلته بمنزلة اسم. وقال أشهب بن رميلة: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القول كل القوم يا أم خالد وإذا قلت: هم الضاربوك وهما الضارباك فالوجه فيه الجر لأنك إذا كففت النون من هذه الأسماء في المظر كان الوجه الجر إلا في قول من قال: " الحافظو عورة العشيرة ". ولا يكون في قولهم: هم ضاربوك أن تكون الكف في موضع النصب لأنك لو كففت النون في الإظهار لم يكن إلا جراً ولا يجوز في الإظهار: هم ضاربوا زيداً لأنها ليست في معنى الذي " لأنها " ليست فيها الألف واللام كما كانت في الذي. واعلم أن حذف النون والتنوين لازم مع علامة المضمر غير المنفصل لأنه لا يتكلم به مفرداً حتى يكون متصلاً بفعل قبله أو باسم فيه ضمير فصار كأنه النون والتنوين في الاسم لأنهما لا يكونان إلا زوائد ولا يكونان إلا في أواخر الحروف. والمظهر وإن كان يعاقب النون والتنوين فإنه ليس كعلامة المضمر المتصل لأنه اسم ينفصل ويبتدأ وليس كعلامة الإضمار لأنها في اللفظ كالنون والتنوين فهي أقرب إليها من المظهر اجتمع فيها هذا والمعاقبة. وقد جاء في الشعر وزعموا أنه مصنوع: هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما وقال: ولم يرتفق والناس محتضرونه جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه
باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع
وذلك قولك: عجبت من ضرب زيدا " فمعناه أنه يضرب زيداً. وتقول: عجبت من ضرب زيداً " بكر ومن ضرب زيد عمراً إذا كان هو الفاعل كأنه قال: عجبت من أنه يضرب زيد عمراً ويضرب عمراً زيد. وإنما خالف هذا الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع في أن فيه فاعلاً ومفعولاً لأنك إذا قلت: هذا ضارب فقد جئت بالفاعل وذكرته وإذا قلت: عجبت من ضرب فإنك لم تذكر الفاعل فالمصدر ليس بالفاعل وإن كان فيه دليل على الفاعل " فلذلك احتجت فيه إلى فاعل ومفعول ولم تحتج حين قلت: هذا ضارب زيداً إلى فاعل ظاهر لأن المضمر في ضارب هو الفاعل ". فمما جاء من هذا قوله عز وجل: " أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً ذا مقربة ". وقال: فلولا رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد صاروا لنا كالموارد وقال: أخذت بسجلهم فنفحت فيه محافطة لهن إخا الذمام وقال: يضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل وإن شئت حذفت التنوين كما حذفت في الفاعل وكان المعنى على حاله إلا أنك تجر الذي يلي المصدر فاعلاً كان أو مفعولاً لأنه اسم قد كففت عنه التنوين كما فعلت ذلك بفاعل ويصير المجرور بدلاً من التنوين معاقباً له. وذلك قولك: عجبت من ضربه زيداً إن كان فاعلاً ومن ضربه زيد إن كان المضمر مفعولا. وتقول: عجبت من كسوة زيد أبوه وعجبت من كسوة زيد أباه إذا حذفت التنوين. ومما جاء لا ينون قول لبيد: عهدي بها الحي الجميع وفيهم قبل التفرق ميسر وندام ومنه قولهم: " سمع أذني زيداً يقول ذاك ". قال رؤبة: ورأي عيني الفتى أخاكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا وتقول: عجبت من ضرب زيد وعمرو إذا أشركت بينهما كما فعلت ذلك في الفاعل. ومن قال هذا ضارب زيد وعمراً قال: عجبت له من ضرب زيد وعمراً كأنه أضمر: ويضرب عمراً " أو وضرب عمراً ". قال رؤبة: قد كنت داينت بها حساناً مخافة الإفلاس والليانا وتقول: عجبت من الضرب زيداً كما قلت: عجبت من الضارب زيداً يكون الألف واللام بمنزلة التنوين. وقال الشاعر: ضعيف النكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل وقال المرار " الأسدي ": لقد علمت أولى المغيرة أنني لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا ومن قال: هذا الضارب الرجل لم يقل: عجبت له من الضرب الرجل لأن الضارب الرجل مشبه بالحسن الوجه لأنه وصف للاسم كما أن الحسن وصف وليس هو بحد الكلام مع ذلك. وقد ينبغي في قياس من قال: الضارب الرجل أن يقول: الضارب أخي الرجل كما يقول: الحسن الأخ والحسن وجه الأخ وكان الخليل يراه. وإن شئت قلت: هذا ضرب عبد الله كما تقول: هذا ضارب عبد الله فيما انقطع من الأفعال. وتقول: عجبت من ضرب اليوم زيداً كما قال: يا سارق الليل أهل الدار لله در اليوم من لامها لأنهم لم يجعلوه فعلاً أو فعل شيئاً في اليوم إنما هو بمنزلة: لله بلادك. ويجوز: عجبت له من ضرب أخيه يكون المصدر مضافاً فعل أو لم يفعل ويكون منوناً وليس بمنزلة ضارب.
باب الصفة المشبهة بالفاعل فيما عملت فيه
ولم تقوم أن تعمل عمل الفاعل لأنها ليست في معنى الفعل المضارع فإنما شبهت بالفاعل فيما عملت فيه. وما تعمل فيه معلوم إنما تعمل فيما كان من سببها معرفاً بالألف واللام أو نكرة لا تجاوز هذا لأنه ليس بفعل ولا اسم هو في معناه. والإضافة فيه أحسن وأكثر لأنه ليس كما جرى مجرى الفعل ولا في معناه فكان أحسن عندهم أن يتباعد منه في اللفظ كما أنه ليس مثله في المعنى وفي قوته في الأشياء. والتنوين عربي جيد. ومع هذا إنهم لو تركوا التنوين أو النون لم يكن أبداً إلا نكرة على حاله منوناً. فلما كان ترك التنوين فيه والنون لا يجاوز به معنى النون والتنوين كان تركهما أخف عليهم فهذا يقوي " أن " الإضافة " أحسن " مع التفسير الأول. فالمضاف قولك: هذا حسن الوجه وهذه حسنة الوجه. فالصفة تقع على الاسم الأول ثم توصلها إلى الوجه وإلى كل شيء من سببه على ما ذكرت لك كما تقول: هذا ضارب الرجل وهذه ضاربة الرجل إلا أن الحسن في المعنى للوجه والضرب ههنا للأول. ومن ذلك قولهم: هو أحمر بين العينين وهو جيد وجه الدار. ومما جاء منوناً قول زهير: أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم تنصب له الشبك وقال العجاج: محتبك ضخم شئون الرأس وقال أيضاً النابغة: ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام وهو في الشعر كثير. واعلم أن كينونة الألف واللام في الاسم الآخر أكثر وأحسن من أن لا تكون فيه الألف واللام لأن الأول في الألف واللام وفي غيرهما ههنا على حالة واحدة وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن وأكثر كما كان ترك التنوين أكثر وكان الألف واللام أولى لأن معناه حسن وجهه. فكما لا يكون هذا إلا معرفة اختاروا في ذلك المعرفة. والأخرى عربية كما أن التنوين " والنون " عربي مطرد. فمن ذلك قوله: " " هو " حديث عهد بالوجع ". وقال عمرو بن شأس: ألكنى إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلاً ولا سيئي زي إذا ما تلبسوا إلى حاجة يوماً مخيسة بزلا وقال حميد الأرقط: لاحق بطن بقراً سمين ومما جاء منوناً قول أبي زبيد " يصف الأسد ": كأن أثواب نقاد قدرن له يعلو بخملتها كهباء هدابا وقال أيضاً: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة محطوطة جدلت شنباء أنيابا وقال عيد بن زيد: من حبيب أو أخي ثقة أو عدو شاحط دارا وقد جاء في الشعر حسنة وجهها شبهوه بحسنة الوجه وذلك رديء " لأنه بالهاء معرفة كما أمن دمنتين عرس الركب فيهما بحقل الرخامى قد عفا طللاهما أقامت على ربعيهما جارتا صفا كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما واعلم أنه ليس في العربية مضاف يدخل عليه الألف واللام غير المضاف إلى المعرفة في هذا الباب وذلك قولك: هذا الحسن الوجه أدخلوا الألف واللام على حسن الوجه لأنه مضاف إلى معرفة لا يكون بها معرفة أبداً فاحتاج إلى ذلك حيث منع ما يكون في مثله البتة ولا يجاوز به معنى التنوين. فأما النكرة فلا يكون فيها إلا الحسن وجهاً تكون الألف واللام بدلاً من التنوين لأنك لو قلت: حديث عهد أو كريم أب لم تخلل بالأول في شيء فتحتمل له الألف واللام لأنه على ما ينبغي أن يكون عليه. قال رؤبة: الحزن باباً والعقور كلباً وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من العرب ينشدون هذا البيت للحارث ابن ظالم: فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعرى رقاباً فإنما أدخلت الألف واللام في الحسن ثم أعملته كما قال: الضارب زيداً. وعلى هذا الوجه تقول: هو الحسن الوجه وهي عربية جيدة. قال الشاعر: وقد يجوز في هذا أن تقول: هو الحسن الوجه على " قوله ": هو الضارب الرجل. فالجر في هذا الباب من وجهين: " من الباب الذي هو له وهو الإضافة ومن إعمال الفعل ثم يستخف فيضاف ". فإذا ثنيت أو جمعت فأثبت النون فليس إلا النصب وذلك قولهم: هم الطيبون الأخبار وهما الحسنان الوجه. ومن ذلك قوله تعالى: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ". وقالت خرنق " من بني قيس ": لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معترك والطيبون معاقد الأزر فإن كففت النون جررت كان المعمول فيه نكرة أو فيه ألف ولام كما قلت: هؤلاء الضاربو زيد وذلك قولهم: هم الطيبو أخبار. وإن شئت نصبت على قوله: الحافظو عورة العشيرة وتقول فيما لا يقع إلا منوناً عملاً في نكرة " وإنما وقع منوناً " لأنه فصل فيه بين العامل والمعمول فالفصل لازم له أبداً مظهراً أو مضمراً وذلك قولك: هو خير منك أباً و " هو " أحسن منك وجهاً. ولا يكون المعمول فيه إلا من سببه. وإن شئت قلت: هو خير عملاً وأنت تنوي " منك ". وإن شئت أخرت الفصل في اللفظ وأصله التقديم لأنه لا يمنعه تأخيره عمله مقدماً كما قال: ضرب زيد عمرو فعمرو مؤخر في اللفظ مبدوء به في المعنى وهذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين ثم يعمل. ولا يعمل إلا في نكرة كما أنه لا يكون إلا نكرة ولا يقوى قوة الصفة المشبهة فألزم فيه وفيما يعمل فيه وجهاً واحداً. ويعمل في الجمع كقولهم: هو خير منك أعمالاً. فإن أضفت فقلت: " هذا " أول رجل اجتمع فيه لزوم النكرة وأن يلفظ بواحد " وهو يريد الجمع " وذلك لأنه أراد أن يقول: أول الرجال فحذف استخفافاً واختصاراً كما قالوا: كل رجل يريدون كل الرجال. فكما استخفوا بحذف الألف واللام استخفوا بترك بناء الجميع واستغنوا عن الألف واللام وعن قولهم: خير الرجال وأول الرجال. ومثل ذلك في ترك الألف واللام وبناء الجميع قولهم: عشرون درهماً إنما أرادوا عشرين من الدراهم فاختصروا واستخفوا. ولم يكن دخول الألف واللام يغير العشرين عن نكرته فاستخفوا بتركما لم يحتج إليه. ولم تقو هذه الأحرف قوة الصفة المشبهة. ألا ترى أنك تؤنثها وتذكرها وتجمعها كالفاعل تقول: مررت برجل حسن الوجه أبوه " كما تقول: مررت برجل حسن أبوه وهو " مثل قولك: مررت برجل ضارب أبوه. فإن جئت بخير منك أو عشرين رفعت لأنها ملحقة بالأسماء " لا تعمل وتقول: هو خير رجل في الناس وأفره عبد في الناس لأن الفارة هو العبد ولم تلق أفره ولا خيراً على غيره ثم تختص شيئاً فالمعنى مختلف. وليس هنا فصل ولم يلزم إلا ترك التنوين كما أن عشرين وخيراً منك لم يلزم فيه إلا التنوين. ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوه في الأول وتفسيره تفسير الأول. وإنما أرادوا: أفره العبيد وخير الأعمال. وإنما أثبتوا الألف واللام في قولهم: أفضل الناس لأن الأول قد يصير به معرفة فأثبتوا الألف واللام وبناء الجميع ولم ينون وفرقوا بترك النون والتنوين بين معنيين. وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره مما قد تعدى إلى مفعول وذلك قولك: امتلأت ماء وتفقأت شحماً ولا تقول: امتلأته ولا تفقأته. ولا يعمل في غيره من المعارف ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت كما لا يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل. وذلك لأنه فعل لا يتعدى إلى مفعول وإنما هو بمنزلة الانفعال لا يتعدى إلى مفعول نحو كسرته فانكسر ودفعته فاندفع. فهذا النحو إنما يكون في نفسه ولا يقع على شيء فصار امتلأت من هذا الضرب كأنك قلت: ملأني فامتلأت. ومثله: دحرجته فتدحرج. وإنما أصله امتلأت من الماء وتفقأت من الشحم فحذف هذا استخفافاً وكان الفعل أجدر أن يتعدى إن كان هذا ينفذ وهو - في أنهم ضعفوه - مثله. وتقول: هو أشجع الناس رجلاً وهما خير الناس اثنين. فالمجرور هنا بمنزلة التنوين وانتصب الرجل والاثنان كما انتصب الوجه في قولك: هو أحسن منه وجهاً. ولا يكون إلا نكرة. والرجل هو الاسم المبتدأ والاثنان كذلك. إنما معناه هو خير رجل في الناس وهما خير اثنين في الناس. وأن شئت لم تجعله الأول. فتقول: هو أكثر الناس مالاً. ومما أجرى هذا المجرى أسماء العدد: تقول فيما كان لأدنى العدة بالإضافة إلى ما يبنى لجمع أدنى العدد إلى أدنى العقود وتدخل في المضاف إليه الألف واللام لأنه يكون الأول به معرفة. وذلك قولك: ثلاثة أبواب وأربعة أنفس وأربعة أثواب. وكذلك تقول: فيما بينك وبين العشرة وإذا أدخلت الألف واللام قلت: خمسة الأثواب وستة الجمال. فلا يكون هذا أبداً إلا غير منون يلزمه أمر واحد لما ذكرت لك. فإذا زدت على العشرة شيئاً من أسماء أدنى العدد فإنه يجعل مع الأول اسماً واحداً استخفافاً ويكون في موضع " اسم " منون. وذلك قولك: أحد عشر درهماً واثنا عشر درهماً وإحدى عشر جارية. فعلى هذا يجرى من الواحد إلى التسعة. فإذا ضاعفت أدنى العقود كان له اسم من لفظه ولا يثنى العقد. ويجرى ذلك الاسم مجرى الواحد الذي لحقته الزيادة للجمع كما لحقته الزيادة للتثنية ويكون حرف الإعراب الواو والياء وبعدهما النون وذلك قولك: عشرون درهماً. فإن أردت أن تثلث أدنى العقود كان له اسم من لفظ الثلاثة يجرى مجرى الاسم الذي كان للتثنية وذلك قولك: ثلاثون عبداً. وكذلك إلى أن تتسعه وتكون النون لازمة له كما كان ترك التنوين لازماً للثلاثة إلى العشرة. وإنما فعلوا هذا بهذه الأسماء وألزموها وجهاً واحداً لأنها ليست كالصفة في معنى الفعل ولا التي شبهت بها فلم تقوى تلك القوة ولم يجز حين جاوزت أدنى العقود فيما تبين به من أي صنف العدد إلا أن يكون لفظه واحداً ولا تكون فيه الألف واللام لما ذكرت لك. وكذلك هو إلى التسعين فيما يعمل فيه ويبين به من أي صنف العدد. فإذا بلغت العدد " الذي يليه " تركت التنوين والنون وأضفت وجعلت الذي يعمل فيه ويبين به العدد من أي صنف هو واحداً كما فعلت فيما نونت فيه إلا أنك تدخل فيه الألف واللام لأن الأول يكون به معرفة ولا يكون المنون به معرفة. وذلك قولك: مائة درهم ومائة الدرهم. وذلك إن ضاعفته قلت: مائتا درهم ومائتا الدينار. وكذلك العقد الذي بعده واحداً كان أو مثنى وذلك قولك: ألف درهم وألفا درهم. وقد جاء في الشعر بعض هذا منوناً. قال الربيع بن ضبع الفزاري: عاش الفتى مائتين عاماً فقد أودى المسرة والفناء وقال: وأما ثلثمائة إلى تسعمائة فكان ينبغي أن تكون في القياس مئين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحداً لأنه اسم لعدد كما أن عشرين اسم لعدد. وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحداً والمعنى جميع حتى قال بعضهم في الشعر " من ذلك " مالا يستعمل في الكلام. وقال علقمة بن عبدة: بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب وقال: لا تنكروا القتل وقد سبينا في حلقكم عظم وقد شجينا فاختص " التثليث " بهذا الباب إلى تسعمائة. كما أن لدن في غدوة حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في لغة من قال: لد. وذلك قولك: " من " لدن غدوة. وقال بعضهم: لداً غدوة كأنه أسكن الدال ثم فتحها كما قال: اضرب زيداً ففتح الباء لما جاء بالنون الخفيفة. والجر في غدوة هو الوجه والقياس. وتكون النون في نفس الحرف بمنزلة نون من وعن فقد يشذ الشيء من كلامهم عن نظائره ويستخفون الشيء في موضع " و " لا يستخفونه في غيره. وذلك قولهم: ماشعرت به شعرة وليت شعري. ويقولون: العمر والعمر لا يقولون في اليمين إلا بالفتح يقولون كلهم: لعمرك. وسترى أشباه هذا ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع: كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص ومثل ذلك " في الكلام " قوله تبارك وتعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً " وقررنا به عيناً وإن شئت قلت: أعيناً وأنفساً كما قلت: ثلثمائة وثلاث مئين ومئات ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في امتلأت ماءً.
باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار
فمن ذلك أن تقول على قول السائل: كم صيد عليه وكم غير ظرف لما ذكرت لك من الاتساع والإيجاز فتقول: صيد عليه يومان. وإنما المعنى صيد عليه الوحش في يومين ولكنه اتسع واختصر. ولذلك أيضاً وضع السائل كم غير ظرف. ومن ذلك أن تقول: كم ولد له فيقول: ستون عاماً. فالمعنى ولد له الأولاد ولد له الولد ستين عاماً ولكنه اتسع وأوجز. ومن ذلك أن تقول: كم سير عليه وكم غير ظرف فيقول: يوم الجمعة ويومان. فكم هاهنا بمنزلة قوله: ما صيد عليه وما ولد له من الدهر والأيام فليس كم ظرفاً كما أن " ما " ليس بظرف. ومن ذلك أن يقول: كم ضرب به فنقول: ضرب به ضربتان وضرب به ضرب كثير. ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى جده: " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " إنما يريد: أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كم كان عاملاً في الأهل لو كان هاهنا. ومثله: " بل مكر الليل والنهار " وإنما المعنى: بل مكر كم في الليل والنهار. وقال عز وجل: " ولكن البر من آمن بالله " وإنما هو: ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر. ومثله في الاتساع " قوله عز وجل ": " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً " وإنما شبهوا بالمنعوق به. وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى. ومثل ذلك " من كلامهم ": بنو فلان يطؤهم الطريق يريد: يطؤهم أهل الطريق. وقالوا: صدنا قنوين وإنما يريد صدنا بقنوين أو صدنا وحش قنوين وإنما قنوان اسم أرض. ومثله في السعة: أنت أكرم على من أضربك وأنت أنكد من أن تتركه. إنما يريد: أنت أكرم على من صاحب الضرب وأنت أنكد من صاحب تركه لأن قولك: أن أضربك وأن تتركه هو الضرب والترك لأن أن اسم وتتركه " وأضربك " من صلته كما تقول: يسوءني أن أضربك أي يسوءني ضربك وليس يريد: أنت أكرم على من الضرب ولكن أكرم على من صاحب الضرب. وقال الجعدي: كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار العذير: الصوت. ومن ذلك قول عامر بن الطفيل: فلأبغينكم قناً وعوارضاً ولأقبلن الخيل لابة ضرغد إنما يريد: عذير نعام. وقناً وعوارض يريد بقناً وعوارض ولكنه حذف وأوصل الفعل. " ومن ذلك قول ساعدة: لدن بهز الكفيعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب يريد: في الطريق ". ومن ذلك قولهم: أكلت أرض كذا وكذا وأكلت بلدة كذا وكذا إنما أراد أصاب من خيرها وأكل من ذلك وشرب. وهذا الكلام كثير منه ما مضى وهو أكثر من أحصيه. ومنه ما ومنه قولهم: " هذه الظهر أو العصر أو المغرب " إنما يريد صلاة هذا الوقت. و " اجتمع القيظ " يريد: اجتمع الناس في القيظ. وقال الحطيئة: وشر المنايا ميت بين أهله كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره يريد: منية ميت. وقال النابغة الجعدي: وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب يريد: كخلالة أبي مرحب.
باب وقوع الأسماء ظروفاً وتصحيح اللفظ على المعنى
فمن ذلك قولك: متى يسار عليه وهو يجعله ظرفاً. فيقول: اليوم أو غداً أو بعد غد أو يوم الجمعة. وتقول: متى سير عليه فيقول: أمس أو أول من أمس فيكون ظرفاً على أنه كان السير في ساعة دون سائر ساعات اليوم أو حين دون سائر أحيان اليوم. ويكون أيضاً على أنه يكون السير في اليوم كله لأنك قد تقول: سير عليه في اليوم ويسار عليه في يوم الجمعة والسير وقد تقول: سير عليه اليوم فترفع وأنت تعني في بعضه كما تقول في سعة الكلام: الليلة الهلال وإنما الهلال في بعض الليلة وإنما أراد الليلة ليلة الهلال ولكنه اتسع وأوجز. وكذلك أيضاً هذا كله " كأنه قال: سير عليه سير اليوم. والرفع في جميع هذا عربي كثير في جميع لغات العرب على ما ذكرت لك من سعة الكلام والإيجاز يكون على كم غير ظرف وعلى متى غير ظرف ". كأنه قال: أي الأحيان سير عليه أو يسار عليه. ومما لا يكون العمل فيه من الظروف إلا متصلاً في الظرف كله قولك: سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد. وهذا جواب لقوله: كم سير عليه إذا جعله ظرفاً لأنه يريد: في كم سير عليه. فتقول مجيباً له: الليل ولنهار " والدهر " والأبد علة معنى في الليل والنهار وفي الأبد. ويدلك على أنه لا يكون أن يجعل العمل فيه في يوم دون الأيام وفي ساعة دون الساعات أنك لا تقول: لقيته الدهر " والأبد وأنت تريد يوماً منه ولا لقيته الليل وأنت تريد لقاءهفي ساعة دون الساعات وكذلك النهار إلا أن تريد سير عليه الدهر أجمع والليل " كله على التكثير. وإن لم تجعله ظرفاً فهو عربي كثير في كلامهم. وإنما جاء هذا على جواب كم لأنه جعله على عدة الأيام والليالي فجرى على جواب ما هو للعدد كأنه قال: سير عليه عدة الأيام أو عدة الليالي. ومن ذلك " مما يكون متصلاً " قولك: سير عليه يومين " أو ثلاثة أيام لأنه عدد. ألا ترى أنه لا يجوز أن تجعله ظرفاً وتجعل اللقاء في أحدهما دون الآخر. ولو قلت: سير عليه المؤمنين " وأنت تعني أن السير كان في أحدهما ولم يجز. هذا على أن تجعل كم ظرفاً وغير ظرف. وأما متى فإنما تريد " بها " أن يوقت لك وقتاً ولا تريد بها عدداً فإنما الجواب " فيه ": اليوم أو يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا أو الآن أو حينئذ وأشباه هذا. ومما أجرى مجرى " الأبد " والدهر والليل والنهار: المحرم وصفر " وجمادى " وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة لأنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام كأنهم قالوا: سير عليه الثلاثون يوماً. ولو قلت: شهر رمضان أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة والبارحة والليلة ولصار جواب متى. وجميع ما ذكرت لك مما يكون على متى يكون مجرى على كم ظرفاً وغير ظرف. وبعض ما يكون في كم لا يكون في متى نحو الليل " والنهار " والدهر لأن كم " هو " الأول فجعل الآخر تبعاً له. ولا يكون الدهر والليل والنهار إلا على العدة جواباً لكم. وتقول: سير عليه الليل تعني ليل ليلتك وتجري على الأصل. كما تقول في الدهر: سير عليه الدهر وإنما تعني بعض الدهر ولكنه يكثر. كما يقول الرجل: جاءني أهل الدنيا وعسى أن لا وكذلك شهرا ربيع حين ثنيت جاء على العدد عندهم لا يجوز أن تقول: يضرب شهري ربيع وأنت تريد في أحدهما كما لا يجوز لك في اليومين وأشباههما. فليس لك في هذه الأشياء إلا أن تجريها على ما أجروها ولا يجوز لك أن تريد بالحرف إلا ما أرادوا. وتقول: ذهبت الشتاء ويضرب الشتاء. وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: انطلقت الصيف أجروه على جواب متى لأنه أراد أن يقول في ذلك الوقت ولم يرد العدد وجواب كم. وقال ابن الرقاع: فقصرن الشتاء بعد عليه وهو للذود أن يقسمن جار فهذا يكون على متى ويكون على كم ظرفين وغير ظرفين. واعلم أن الظروف من الأماكن مثل الظروف من الليالي والأيام في الاختصار وسعة الكلام. فمن ذلك أن يقول: كم سير عليه من الأرض فتقول: فرسخان أو ميلان أو بريدان كما قالت: يومان. وكذلك لو قال: كم صيد عليه من الأرض يجري " على " هذا المجرى. وإن شئت نصبت وجعلت كم ظرفاً كما فعلت ذلك في اليومين " فلا يكون ظرفاً وغير ظرف إلا على كم لأنه عدد كما كان ذلك في اليومين ". ونظير متى من الأماكن: " أين ". ولا يكون أين إلا للأماكن كما لا يكون متى إلا للأيام والليالي. فإن قلت: أين سير عليه قال: سير عليه مكان كذا وكذا وسير عليه المكان الذي تعلم فهو بمنزلة قوله: يوم كذا وكذا واليوم الذي تعلم. فأجر " كم " في الأماكن مجراها في الأيام والليالي وأجر أين في الأماكن مجرى متى في الأيام. ويقال: أين سير عليه فتقول: خلف دارك وفوق دارك. فإن لم تجعله ظرفاً وجعلته على سعة الكلام رفعته على " أن " كم غير ظرف وعلى " أن " أين غير ظرف كما فعلت ذلك في متى. وتقول سير عليه ليل طويل وسير عليه نهار طويل وإن لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إلا أن الصفة تبين بها معنى الرفع وتوضحه وإن شئت نصبت على نصب الليل والنهار ورمضان. وتقول: سير عليه يوم فترفعه على حد قولك: يومان " وتنصبه عليه ". وإن شئت قلت: سير عليه يوم أتانا فيه فلان كأنه قال: متى سير عليه فيقول: يوماً كنت فيه عندنا. فهذا يحسن فيه على متى ويصير بمنزلة يوم كذا وكذا لأنك قد وقته وعرفته بشيء. وتقول: سير عليه غدوة يا فتى وبكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا. والنصب فيه على ذلك لأنك قد تجريه وإن لم يتصرف مجرى يوم الجمعة تقول: موعدك غدوة أو بكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا والنصب فيه على ذلك. وتقول: ما لقيته مذ غدوة أو بكرة وكذلك: غداة أمس وصباح يوم الجمعة والعشية وعشية يوم الجمعة ومساء ليلة الجمعة. وتقول: سير عليه حينئذ ويومئذ والنصب على ما ذكرت لك. وكذلك: نصف النهار لأنك قد تقول في هذا: بعد نصف النهار وموعدك نصف النهار. وكذلك سواء النهار لأنك تقول: هذا سواء النهار إذا أردت وسطه كما تقول: هذا نصف النهار. وأما سراة اليوم فبمنزلة أول اليوم. وتقول: سير عليه ضحوة من الضحوات إذا لم تعن ضحوة يومك لأنها بمنزلة قولك: ساعة من الساعات. وكذلك قولك: سير عليه عتمة من الليل لأنك تقول: أتانا بعد ما ذهبت عتمة من الليل. وتقول: قد مضى لذلك ضحوة وضحوةً والنصب فيه وجهه على ما مضى. وتقول في الأماكن: سير عليه ذات اليمين وذات الشمال لأنك تقول: داره ذات اليمين وذات الشمال. والنصب على ما ذكرت لك. وتقول: سير عليه أيمن وأشمل وسير عليه اليمين والشمال لأنه يتمكن. تقول: على اليمين وعلى الشمال ودارك اليمين ودارك الشمال. وقال أبو النجم: وإن شئت جعلته ظرفاً كما قال عمرو بن كلثوم: وكان الكأس مجراها اليمينا ومثل ذات اليمين وذات الشمال: شرقي الدار وغربي الدار تجعله ظرفاً وغير ظرف. قال جرير: هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقال بعضهم: داره شرقي المسجد. ومثل: مجراها اليمينا. قوله: البقول يمينها وشمالها
هذا باب ما يكون فيه المصدر حيناً لسعة الكلام والاختصار
وذلك قولك: متى سير عليه فيقول الحاج وخفوق النجم وخلافة فلانس وصلاة العصر. فإنما هو: زمن مقدم الحاج وحين خفوق النجم ولكنه على سعة الكلام والاختصار. وإن قال: كم سير عليه فكذلك. وإن رفعته أجمع كان عربياً كثيراص. وينتصب على أن تجعل كم ظرفاً. وليس هذا في سعة الكلام والاختصار بأبعد من: صيد عليه يومان وولد له ستون عاماً. وتقول: سير عليه فرسخان يومين لأنك شغلت الفعل بالفرسخين فصار كقولك: سير عليه بعيرك يومين. وإن شئت قلت: سير عليه فرسخين يومان أيهما رفعته صار الآخر ظرفاً. وإن شئت نصبته على الفعل في سعة الكلام لا على الظرف كما جاز: يا ضارب اليوم زيداً أو يا سائر اليوم فرسخين. وتقول: صيد عليه يوم الجمعة غدوة يا فتى وإن شئت جعلته ظرفاً لأنك كأنك قلت: السير في يوم الجمعة في هذه الساعة. وإن شئت قلت: سير عليه الجمعة غدوة كما تقول: سير عليه يوم الجمعة صباحاً أي سير عليه يوم الجمعة في هذه الساعة. وإنما المعنى كان ابتداء السير في هذه الساعة. ومثل ذلك: ما لقيته مذ يوم الجمعة صباحاً أي في هذه الساعة وإنما معناه أنه في هذه الساعة وقع اللقاء كما كان ذلك في: سير عليه يوم الجمعة غدوة. وتقول: سير عليه يوم الجمعة غدوة تجعل غدوة بدلاً من اليوم كما تقول: ضرب القوم بعضهم. وتقول: إذا كان غد فأتى وإذا كان يوم الجمعة فالقني فالفعل لغد واليوم كقولك: إذا غد فأتى. وإن شئت قلت: إذا كان غداً فأتى وهي لغة بني تميم والمعنى أنه لقي رجلاً فقال له: إذا كان ما نحن عليه من السلامة أو كان ما نحن عليه من البلاء في غد فأتى ولكنهم أضمروا استخفافاً لكثرة كان في كلامهم لأنه الأصل لما مضى وما سيقع. وحذفوا كما قالوا: حينئذ الآن وإنما يريد: حينئذ واسمع إلى الآن فحذف واسمع كما قال: تالله ما رأيت كاليوم زجلاً أي كرجل أراه اليوم رجلاً. وإنما أضمروا ما كان يقع مظهراً استخفافاً ولأن المخاطب يعلم ما يعني فجرى بمنزلة المثل كما تقول: لا عليك وقد عرف المخاطب ما تعني أنه لا بأس عليك ولا ضر عليك ولكنه حذف لكثرة هذا في كلامهم. ولا يكون هذا في غير عليك. وقد تقول: إذا كان غداً فأتني كأنه ذكر أمراً إما خصومةً وإما صلحاً فقال: إذا كان غداً فأتني. فهذا جائزٌ في كل فعل لأنك إنما أضمرت بعد ما ذكرت مظهراً والأول محذوفٌ منه لفظ المظهر وأضمروا استخفافاً. فإن قلت: إذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك لأن الليل لا يكون ظرفاً إلا أن تعني الليل كله على ما ذكرت لك من التكثير فإن وجهته على إضمار شيء قد ذكرت على ذلك الحد جاز ومما لا يسن فيه إلا النصب قولهم: سير عليه سحر لا يكون فيه إلا أن يكون ظرفاً لأنهم إنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر بالألف واللام يقولون: هذا السحر وبأعلى السحر وإن السحر خير لك من أول الليل. إلا أن تجعله نكرةً فتقول: سير عليه سحر من الأسحار لأنه يتمكن في الموضع. وكذاتحقيره إذا عنيت سحر ليلتك تقول: سير عليه سحيراً. ومثله: سير عليه ضحىً إذا عنيت ضحى يومك لأنهما لا يتمكنان من الجر في هذا المعنى لا تقول: موعدك ضحىً ولا عند ضحىً ولا موعدك سحير إلا أن تنصب. ومثل ذلك: صيد عليه صباحاً ومساءً وعشيةً وعشاءً إذا أردت عشاء يومك ومساء ليلتك لأنهم لم يستعملوه على هذا المعنى إلا ظرفاً. ولو قلت: موعدك مساءٌ أو أتانا عند عشاءٍ لم يحسن. ومثل ذلك: سير عليه ذات مرةٍ نصبٌ لا يجوز إلا هذا. ألا ترى أنك لا تقول: إن ذات مرة كان موعدهم ولا تقول: إنما لك ذات مرة كما تقول: إنما لك يوم. وكذلك: إنما يسار عليه بعيدات بين لأنه بمنزلة ذات مرة. ومثل ذلك: سير عليه بكراً. ألا ترى أنه لايجوز: موعدك بكراً ولا مذ بكر. فالبكر لا يتمكن في يومك كما لم يتمكن مرة وبعيدات بين. وكذلك: ضحوة في يومك الذي أنت فيه يجري مجرى عشية يومك الذي أنت فيه. وكذلك: سير " عليه " عتمة إذاأردت عتمة ليلتك كما تقول: صباحاً ومساءً وبكراً. وكذلك: سير عليه ذات يومٍ وسير عليه ذات ليلةٍ بمنزلة ذات مرةٍ. وكذلك: سير عليه ليلاً ونهاراً إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك لأنه إنما يجرى على قولك: سير عليه بصراً وسير عليه ظلاماً إلا أن تريد " معنى " سير عليه ليلُ طويلُ ونهارُ طويلُ فهو على ذلك الحد غير متمكن وفي هذا الحال متمكنُ كما أن السحر بالألف واللام متصرفُ في المواصع التي ذكرت وبغير الألف واللام غير متمكن فيها. وذو صباحٍ بمنزلة ذات مرةٍ. تقول: سير عليه ذا صباحٍ أخبرنا بذلك يونس عن العرب إلا أنه قد جاء في لغةٍ لخثعم مفارقاً لذات مرةٍ وذات ليلةٍ. وأما الجيدة العربية فأن تكون بمنزلتها. وقال رجل من خثعم: عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسود من يسود فهو على هذه اللغة يجوز فيه الرفع. وجميع ما ذكرنا من غير المتمكن إذا ابتدأت اسماً لم يجز أن تبنيه عليه وترفع إلا أن تجعله ظرفاً وذلك قولك: موعدك سحيراً وموعدك صباحاً. ومثل ذلك: إنه ليسار عليه صباح مساء إنما معناه صباحاً ومساءً وليس يريد بقوله صباحاً ومساءً صباحاً واحداً ومساءً واحداً ولكنه يريد صباح أيامه ومساءها. فليس يجوز هذه الأسماء التي لم تتمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من الأسماء أن تجري مجرى يوم الجمعة وخفوق النجم ونحوهما. ومما يختار فيه أن يكون ظرفاً ويقبح أن يكون غير ظرف صفة الأحيان تقول: سير عليه طويلاً وسير عليه حديثاً وسير عليه كثيراً وسير عليه قليلاً وسير عليه قديماً. وإنما نصب صفة الأحيان على الظرف ولم يجز الرفع لأن الصفة لا تقع مواقع الاسم كما أنه لا يكون إلا حالا قوله: ألا ماء ولو بارداً لأنه لو قال: ولو أتاني باردٌ كان قبيحاً. ولو قلت: آتيك بجيدٍ كان قبيحاً حتى تقول: بدرهم جيد وتقول: أتيك به جيداً. فكما لا تقوى الصفة في هذا إلا حالاً أو تجري على اسم كذلك هذه الصفة لا تجوز إلا ظرفاً أو تجري على اسم. فإن قلت: دهر طويل أي شيء كثير أو قليل حسن. وقد يحسن أن تقول: سير عليه قريب لأنك تقول: لقيته مذ قريب. والنصب عربي جيد كثير. وربما جرت الصفة في كلامهم مجرى الاسم فإذا كان كذلك حسن. فمن ذلك: الأبرق والأبطح وأشباههما ومن ذلك ملىٌ من النهار والليل تقول: سير عليه ملىٌ والنصب فيه كالنصب في قريبٍ. ومما يبين لك أن الصفة لا يقوى فيها إلا هذا أن سائلاً لو سألك فقال: هل سير عليه لقلت: نعم سير عليه شديداً وسير عليه حسناً. فالنصب في هذا على أنه حال. وهو وجه الكلام لأنه وصف السير. ولا يكون فيه الرفع لأنه لا يقع موقع ما كان اسماً. ولم يكن ظرفاً لأنه ليس بحين يقع فيه الأمر. إلا أن تقول: سير عليه سير حسنٌ أو سير عليه سير شديد. فإن قلت: سير عليه طويل من الدهر وشديدٌ من السير فأطلت الكلام ووصفت كان أحسن وأقوى وجاز ولا يبلغ في الحسن الأسماء. وإنما جاز حين وصفت وأطلت لأنه ضارع الأسماء لأن الموصوفة في الأصل هي الأسماء.
هذا باب ما يكون من المصادر مفعولاً فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره
وإنما يجيء ذلك على أن تبين أي فعل فعلت أو توكيداً. فمن ذلك قولك على قول السائل: أي سير سير عليه فتقول: سير عليه سير شديد وضرب فإن قلت: ضرب به ضرباً ضعيفاً فقد شغلت الفعل بغيره عنه. ومثله: سير عليه سيراً شديداً. وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة تقول: سير عليه سيرٌ وضرب به ضربٌ كأنك قلت: سير عليه ضربٌ من السير أو سير عليه شيء من السير. وكذلك جميع المصادر ترتفع على أفعالها إذا لم تشغل الفعل بغيرها. وتقول: سير عليه أيما سير سيراً شديداً كأنك قلت: سير عليه بعيرك سيراً شديداً. وتقول: سير عليه سيرتان أيما سير كأنك قلت: سير عليه بعيرك أيما سير فجرى مجرى ضرب زيد أيما ضرب وضرب عمرو ضرباً شديداً. وتقول على قول السائل: كم ضربةً ضرب به وليس في هذا إضمار شيء سوى كم والمفعول كم فتقول: ضرب به ضربتان وسير عليه سيرتان لأنه أراد أن يبين له العدة فجرى على سعة الكلام والاختصار وإن كانت الضربتان لا تضربان وإنما المعنى: كم ضرب الذي وقع به الضرب من ضربةٍ فأجابه على هذا المعنى ولكنه اتسع واختصر. وكذلك هذه المصادر التي عملت فيها أفعالها إنما يسأل عن هذا المعنى وكلنه يتسع ويخزل الذي يقع به الفعل اختصاراً واتساعاً. وقد علم أن الضرب لا يضرب. ومن ذلك: سير عليه خرجتان وصيد عليه مرتان. وليس ذلك بأبعد من قولك: ولد له ستون وسمعت من أثق به من العرب يقول: بسط عليه مرتان وإنما يريد: بسط عليه العذاب مرتين. وتقول: سير عليه طوران: طور كذا وطور كذا والنصب ضعيف جداً إذا ثنيت كقولك: طورٌ كذا وطورٌ كذا. وقد يكون في هذا النصب إذا أضمرت. وقد تقول: سير عليه مرتين تجعله على الدهر أي ظرفاً. وتقول: سير عليه طورين وتقول: ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول: سير عليه ترويحتين. فهذا على الأحيان. ومثل ذلك: انتظر به نحر جزورين إنما جعله على الساعات كما قال: مقدم الحاج وخفوق النجم فكذلك جعله ظرفاً. وقد يجوز فيه الرفع إذا شغلت به الفعل. وإن جعلت المرتين وما أشبههما مثل السير رفعت ونصبت إذا أضمرت. ومما يجيء توكيداً وينصب قوله: سير عليه سيراً وانطلق به انطلاقاً وضرب به ضرباً فينصب على وجهين: أحدهما على أنه حال على حد قولك: ذهب به مشياً وقتل به صبراً. وإن وصفته على هذا الحد كان نصباً تقول: سير به سيراً عنيفاً كما تقول: ذهب به مشياً عنيفاً. وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر ويكون بدلاً من اللفظ بالفعل فتقول: سير عليه سيراً وضرب به ضرباً كأنك قلت بعد ما قلت: سير عليه وضرب به: يسيرون سيراً ويضربون ضرباً وينطلقون انطلاقاً ولكنه صار المصدر بدلاً من اللفظ بالفعل نحو يضربون وينطلقون وجرى على قوله: إنما أنت سيراً سيراً وعلى قوله: الحذر الحذر. وإن أنت قلت على هذا المعنى: سير عليه وضرب به الضرب جاز على قوله: الحذر الحذر وعلى ما جاء فيه الألف واللام نحو العراك وكان بدلاً من اللفظ بالفعل وهو عربي جيد حسن. ومثله: سير عليه سير البريد وإن وصفت على هذه الحال لم يغيره الوصف كما لم يغير الوصف ما كان حالاً. ولا يجوز أن تدخل الألف واللام في السير إذا كان حالاً كما لم يجز أن تقول: ذهب به المشي العنيف وأنت تريد أن تجعله حالاً. قال الراعي: نظارةً حين تعلو الشمس راكبها طرحاً بعيني لياحٍ فيه تحديد فأكد بقوله طرحاً وشدد لأنه يعلم المخاطب حين قال: نظارةً أنها تطرح. وإن شئت قلت: سير عليه السير كما قلت: سير عليه سير شديد. وإن وصفته كان أقوى وأبين كما كان ذلك في قوله: سير عليه ليل طويل ونهار طويل. وجميع ما يكون بدلاً من اللفظ بالفعل لا يكون إلا على فعل قد عمل في الاسم لأنك لا تلفظ بالفعل فارغاً فمن ثم لم يكن فيه الرفع في كلامهم لأنه إنما يعمل فيه ما هو بمنزلة اللفظ به إلا أنه صار كأنه فعل قد لفظ به فأولى ما عمل فيه ما هو بمنزلة اللفظ به. ومما يسبق فيه الرفع لأنه يراد به أن يكون في موضع غير المصدر قوله: قد خيف منه خوفٌ وقد قيل في ذلك قول. إنما يريد: قد خيف منه أمر أو شيء وقد قيل في ذلك خيرٌ أو شرٌ. ومثل هذا في المعنى كان منه كونٌ أي كان من ذلك أمرٌ. وإن حملته عليه السير والضرب في التوكيد حالاً وقع فيه الفعل أو بدلاً من اللفظ بالفعل نصبت. وإن كان المفعل مصدراً أجري مجرى ما ذكرنا من الضرب والسير وسائر المصادر التي ذكرنا وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضرباً أي إن فيها لضرباً فإذا قلت: ضرب به ضرباً قلت: ضرب به مضرباً وإن رفعت رفعت. ومثل ذلك: سرح به مسرحاً أي تسريحاً. فالمسرح والتسريح بمنزلة الضرب والمضرب. قال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عيا بهن ولا اجتلابا أي تسريحي القوافي. وكذلك تجري المعصية مجرى العصيان والموجدة بمنزلة المصدر لو كان الوجد يتكلم به. تداركن حيا من نمير بن عامرٍ أسارى تسام الذل قتلاً ومحربا فإن قلت: ذهب به مذهبٌ أو سلك به مسلك رفعت لأن المفعل ههنا ليس بمنزلة الذهاب والسلوك وإنما هو الوجه الذي يسلك فيه والمكان الذي يذهب إليه وإنما هو بمنزلة قولك: ذهب به السوق وسلك به الطريق. وكذلك المفعل إذا كان حيناً نحو قولهم: أتت الناقة على مضربها أي على زمان ضرابها. وكذلك مبعث الجيوش تقول: سير عليه مبعث الجيوش ومضرب الشول. قال حميد بن ثور: وما هي إلا في إزار وعلقةٍ مغار ابن همام على حي خثعما فصير مغاراً وقتاً وهو ظرفٌ.
هذا باب ما لا يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره
لأنه كلام قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلا مبتدأً لا يعمل فيه شيء قبله لأن ألف الاستفهام تمنعه من ذلك. وهو قولك: قد علمت أعبد الله ثم أم زيد وقد عرفت أبو من زيد وقد عرفت أيهم أبوه وأما ترى أي برقٍ ها هنا. فهذا في موضع مفعول كما أنك إذا قلت: عبد الله هلرأيته فهذا الكلام في موضع المبنى على المبتدأ الذي يعمل فيه فيرفعه. ومثل ذلك: ليت شعري أعبد الله ثم أم زيد وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت. فإنما أدخلت هذه الأشياء على قولك: أزيد ثم أم عمرو وأيهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني. وسنذكر ذلك في باب التسوية. ومثل ذلك قوله عز وجل: " لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً " وقوله تعالى: " فلينظر أيها أزكى طعاماً ". ومن ذلك: قد علمت لعبد الله خير منك. فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع ألف الاستفهام لأنها إنما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد علمته ولا تحيل على علم غيرك. كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم وأردت أن تسوي علم المخاطب فيهما كما استوى علمك في المسألة حين قلت: أزيد ثم أم عمرو. ومثل ذلك قوله عز وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ". ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت عملت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك: قد عملت زيداً خيراً منك كما قال تعالى جده: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وكما قال جل ثناؤه: " لا تعلمونهم الله يعلمهم " كقولك: لا تعرفونهم الله يعرفهم. وقال سبحانه: " والله يعلم المفسد من الصالح ". وتقول: قد عرفت زيداً أبو من هو وعلمت عمراً أأبوك هو أم أبو غيرك فأعملت الفعل في الاسم الأول لأنه ليس بالمدخل عليه حرف الاستفهام كما أنك إذا قلت: عبد الله أأبوك هو أم أبو غيرك أو زيد أبو من هو فالعامل في هذا الابتداء ثم استفهمت بعده. ومما يقوي النصب قولك: قد علمته أبو من هو وقد عرفتك أي رجل أنت. وتقول: قد دريت عبد الله أبو من هو كما قلت ذلك في علمت. ولم يؤخذ ذلك إلا من العرب. ومن ذلك: قد ظننت زيداً أبو من هو. وإن شئت قلت: قد علمت زيد أبو من هو كما تقول ذاك فيما لا يتعدى إلى مفعولٍ وذلك قولك: اذهب فانظر زيد أبو من هو ولا تقول: نظرت زيداً. واذهب فسل زيد أبو من هو وإنما المعنى: اذهب فسل عن زيد ولو قلت: اسأل زيداً على هذا الحد لم يجز. ومثل ذلك: دريت في أكثر كلامهم لأن أكثرهم يقول: ما دريت به مثل: ما شعرت به. ومثل ذلك: ليت شعري زيد أعندك هو أم عند عمرو. ولا بد من هو لأن حرف الاستفهام لا يستغنى بما قبله إنما يستغنى بما بعده فإنما جئت بالفعل قبل مبتدإٍ قد وضع الاستفهام في موضع المبنى عليه الذي يرفعه فأدخلته عليه كما أدخلته على قولك: قد عرفت لزيد خير منك. وإنما جاز هذا فيه مع الاستفهام لأنه في المعنى مستفهم عنه كما جاز لك أن تقول: إن زيداً فيها وعمرو. ومثله: " أن الله بريء من المشركين ورسوله ". فابتدأ لأن معنى الحديث حين قال: إن زيداً منطلق: زيد منطلق ولكنه أكد بإن كما أكد فأظهر زيداً وأضمره والرفع قول يونس. فإن قلت: قد عرفت أبو من زيد لم يجز إلا الرفع لأنك بدأت بما لا يكون إلا استفهاماً وابتدأته ثم بنيت عليه فهو بمنزلة قولك: قد علمت أأبوك زيد أم أبو عمرو. فإن قلت: قد عرفت أبا من زيد مكني انتصب على مكنى كأنك قلت: أبا من زيدٌ مكنى ثم أدخلت عرفت عليها. ومثله قولك: قد علمت أأبا زيد تكنى أم أبا عمرو ثم أدخلت عليه علمت كما أدخلته حين لم يكن ما بعده إلا مبتدأ فلا ينتصب إلا بهذا الفعل الآخر كما لم يكن في الأول إلا مبتدأ. وإذا قلت: قد عرفت زيداً أبو من هو قلت: قد عرفت زيداً أبا من هو مكنى. ومن رفع زيد ثمة رفع زيداً ها هنا. ونصب الآخر كما نصبه حين قال: قد عرفت أبا من أنت مكنى وكأنه قال: زيد أبا من هو مكنى. ثم أدخل الفعل عليه وكأنه قال: زيد أأبا بشرٍ يكنى أم أبا عمرو ثم أدخل الفعل عليه وعمل الفعل الآخر حين كان بعد ألف الاستفهام. وتقول: قد عرفت زيداً أبو أيهم يكنى به وعلمت بشراً أيهم يكنى به ترفعه كما ترفع أيهم ضربته. وتقول: أرأيتك زيداً أبو من هو وأرأيتك عمراً أعندك هو أم عند فلان لا يحسن فيه إلا النصب في زيد. ألا ترى أنك لو قلت: أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيدٌ ثم أم فلانٌ لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء فعلى هذا أجرى وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني. وتقول: قد عرفت أي يوم الجمعة فتنصب على أنه ظرف لا على عرفت. وإن لم تجعله ظرفاً رفعت. وبعض العرب يقول: لقد علمت أي حين عقبتي وبعضهم يقول: لقد عملت أي حين عقبتي. وأما قوله: حتى كأن لم يكن إلا تذكره والدهر أيتما حالٍ دهارير فإنما هو بمنزلة قولك: والدهر دهارير كل حال وكل مرة أي في كل حال وفي كل مرة فانتصب لأنه ظرف كما تقول: القتال كل مرة وكل أحوال الدهر.
==========================
الكتاب (سيبويه)/الجزء الثاني
محتويات
1 باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث
2 باب متصرف رويد
3 هذا باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء مضافة ليست من أمثلة الفعل الحادث
4 هذا باب ما جرى من الأمر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره إذا علمت أن الرجل مستغن عن لفظك بالفعل
5 ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره في غير الأمر والنهي
6 هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرفٍ
7 هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه
7.1 هذا باب ما جرى منه على الأمر والتحذير
8 هذا باب ما يكون معطوفاً في هذا الباب على الفاعل المضمر في النية ويكون معطوفاً على المفعول وما يكون صفة المرفوع المضمر في النية ويكون على المفعول
9 هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل
10 هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي
11 باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب فيه الاسم لأنه مفعول معه ومفعول به كما انتصب نفسه في قولك: امرأ ونفسه
12 باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول إلا أنها تعطف الاسم هنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعاً على كل حال
13 باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام
14 باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل وإظهاره
15 هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها
16 وهذا باب من الصفات
17 باب ما جرى من المصادر المضافة مجرى المصادر المفردة المدعو بها
18 هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء
19 هذا باب أيضاً من المصادر ينتصب ولكنها مصادر وضعت موضعاً واحداً لا تتصرف في الكلام تصرف ما ذكرنا من المصادر، وتصرفها أنها تقع في موضع الجر والرفع وتدخلها الألف واللام
20 باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها ما بعدها وما أشبه المصادر من الأسماء والصفات
21 هذا باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء
22 هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه يصير في الإخبار
23 هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل استفهمت أو لم تستفهم
24 هذا باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل
25 باب ما يجيء من المصادر مثنى منتصباً على إضمار الفعل المتروك إظهاره
26 باب ذكر معنى لبيك وسعديك
27 باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره
28 هذا باب يختار فيه الرفع
29 هذا باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت المصدر الذي يكون علاجاً
30 هذا باب ما الرفع فيه الوجه
31 هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع
32 هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع
33 باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله لم كان وليس بصفة لما قبله ولا منه فانتصب كما انتصب درهم في قولك: عشرون درهماً
34 باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنه موقوع فيه الأمر
35 هذا باب ما جعل من الأسماء مصدراً كالمضاف في الباب الذي يليه
36 هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدراً كالمصدر الذي فيه الألف واللام
37 باب ما ينتصب أنه حال يقع فيه الأمر وهو اسم
38 هذا باب ما ينتصب من المصادر توكيداً لما قبله
39 هذا باب ما يكون المصدر فيه توكيداً لنفسه نصباً
40 باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار فيه المذكور
باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث
وموضعها من الكلام الأمر والنهي فمنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما لا يتعدى المأمور ومنها ما يتعدى المنهي إلى منهي عنه ومنها ما لا يتعدى المنهي. أما ما يتعدى فقولك: رويد زيداً فإنما هو اسم لقولك: أرود زيداً. ومنها هلم زيداً إنما تريد هات زيداً. ومنها قول العرب: حيهل الثريد. وزعم أبو الخطاب أن بعض العرب يقول: حيهل الصلاة فهذا اسم ائت الصلاة أي ائتوا الثريد وأتوا الصلاة. ومنه قوله: تراكها من إبل تراكها فهذا اسم لقوله له: اتركها. وقال: مناعها من إبل مناعها وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي إلى مأمور به ولا إلى منهى عنه فنحو قولك: مه مه وصه صه وآه وإيه وما أشبه ذلك. واعلم أن هذه الحروف التي هي أسماء للفعل لا تظهر فيها علامة المضمر وذلك أنها أسماء وليست على الأمثلة التي أخذت من الفعل الحادث فيما مضى وفيما يستقبل وفي يومك ولكن المأمور والمنهي مضمران في النية. وإنما كان من أصل هذا في الأمر والنهي وكانا أولى به لأنهما لا يكونان إلا بفعل فكان الموضع الذي لا يكون إلا فعلاً أغلب عليه. وهي أسماء الفعل وأجريت مجرى ما فيه الألف واللام نحو: النجاء لئلا يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهي. ولم تصرف تصرف المصادر لأنها ليست بمصادر وإنما سمي بها الأمر والنهي فعملت عملهما ولم تجاوز فهي تقوم مقام فعلهما.
باب متصرف رويد
تقول: رويد زيداً وإنما تريد أرود زيداً. قال الهذلي: رويد عليا جد ما ثدى أمهم إلينا ولكن بغضهم متماين وسمعنا من العرب من يقول: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر. يريد: أرود الشعر كقول القائل: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشعر. فقد تبين لك أن رويد في موضع الفعل. ويكون رويد أيضاً صفةً كقولك: ساروا سيراً رويداً. ويقولون أيضاً: ساروا رويداً فيحذفون السير ويجعلونه حالاً به وصف كلامه واجتزأ بما في صدر حديثه من قول ساروا عن ذكر السير. ومن ذلك قول العرب: ضعه رويداً أي وضعاً رويداً. ومن ذلك قولك للرجل تراه يعالج شيئاً: رويداً إنما تريد: علاجاً رويداً. فهذا على وجه الحال إلا أن يظهر الموصوف فيكون على الحال وعلى غير الحال. واعلم أن رويداً تلحقها الكاف وهي في موضع افعل وذلك كقولك: رويدك زيداً ورويد كم زيداً. وهذه الكاف التي لحقت رويداً إنما لحقت لتبين المخاطب المخصوص لأن رويد تقع للواحد والجميع والذكر والأنثى فإنما أدخل الكاف حين خاف التباس من يعني بمن لا يعنى وإنما حذفها في الأول استغناء بعلم المخاطب أنه لا يعني غيره. فلحاق الكاف كقولك: يا فلان للرجل حتى يقبل عليك. وتركها كقولك للرجل: أنت تفعل إذا كان مقبلاً عليك بوجهه منصتاً لك. فتركت يا فلان حين قلت: أنت تفعل استغناء بإقباله عليك. وقد تقول أيضاً: رويدك لمن لا يخاف أن يلتبس بسواه توكيداً كما تقول للمقبل عليك المنصت لك: أنت تفعل ذاك يا فلان توكيداً. وذا بمنزلة قول العرب: هاء وهاءك وها وهاك وبمنزلة قولك: حيهل وحيهلك وكقولهم: النجاءك. فهذه الكاف لم تجيء علماً للمأمورين والمنبهين المضمرين ولو كانت علماً للمضمرين لكانت خطأ لأن المضمرين ها هنا فاعلون وعلامة المضمرين الفاعلين الواو كقولك: افعلوا. وإنما جاءت هذه الكاف توكيداً وتخصيصاً ولو كانت اسماً لكان النجاءك محالاً لأنه لا يضاف الاسم الذي فيه الألف واللام. وينبغي لمن زعم أنهن أسماء أن يزعم أن كاف ذاك اسم فإذا قال ذلك لم يكن له بد من أن يزعم أنها مجرورة أو منصوبة فإن كانت منصوبةً انبغى له أن يقول: ذاك نفسك زيدٌ إذا أراد الكاف وينبغي له أن يقول: إن كانت مجرورة ذاك نفسك زيدٌ وينبغي له أن يقول: إن تاء أنت اسم وإنما تاء أنت بمنزلة الكاف. ومما يدلك على أنه ليس باسم قول العرب: أرأيتك فلاناً ما حاله فالتاء علامة المضمر المخاطب المرفوع ولو لم تلحق الكاف كنت مستغنياً كاستغنائك حين كان المخاطب مقبلاً عليك عن قولك: يا زيد ولحاق الكاف كقولك: يا زيد لمن لو لم تقل له يا زيد استغنيت. فإنما جاءت الكاف في أرأيت والنداء في هذا الموضع توكيداً. وما يجيء في الكلام توكيداً لو طرح كان مستغنىً عنه كثير. وحدثنا من لا نتهم أنه سمع من العرب من يقول: رويد نفسه جعله مصدراً كقوله: " فضرب الرقاب ". وكقوله: عذير الحي ونظير الكاف في رويد في المعنى لا في اللفظ لك التي تجيء بعد هلم في قولك: هلم لك فالكاف ههنا اسم مجرور باللام والمعنى في التوكيد والاختصاص بمنزلة الكاف التي في رويد وأشباهها كأنه قال: هلم ثم قال: إرادتي بهذا لك فهو بمنزلة سقيا لك. وإن شئت قلت: هلم لي بمنزلة هات لي وهلم ذاك لك بمنزلة أدن ذاك منك. وتقول فيما يكون معطوفاً على الاسم المضمر في النية وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر. أما المعطوف فكقولك: رويدكم أنتم وعبد الله كأنك قلت: افعلوا أنتم وعبد الله لأن المضمر في النية مرفوع فهو يجري مجرى المضمر الذي يبين علامته في الفعل. فإن قلت: رويدكم وعبد الله فهو أيضاً رفع وفيه قبح لأنك لو قلت: اذهب وعبد الله كان فيه قبح فإذا قلت: اذهب أنت وعبدالله حسن. ومثل ذلك في القرآن: " فاذهب أنت وربك فقاتلا " و " اسكن أنت وزوجك الجنة ". وتقول: رويدكم أنتم أنفسكم فيحسن الكلام كأنك قلت: افعلوا أنتم أنفسكم. فإن قلت: رويدكم أنفسكم رفعت وفيها قبح لأن قولك: افعلوا أنفسكم فيها قبح فإذا قلت: أنتم أنفسكم حسن الكلام. وتقول: رويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن لأنه يحسن في المضمر الذي له علامة في الفعل. ألا ترى أنك تقول: قوموا أجمعون وقوموا أنتم أجمعون. وكذلك: رويد إذا لم تلحق فيها الكاف تجري هذا المجرى. وكذلك الحروف التي هي أسماء للفعل جميعاً تجري هذا المجرى لحقتها الكاف أو لم تلحقها إلا أن هلم إذا لحقتها لك فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فتقول: هلم لكم أجمعين وهلم لكم أنفسكم. ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم لأنك لا تعطف المظهر على المضمر المجرور. ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول: هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز أن تقول: هذا لك وأخيك. وإن شئت حملت المعطوف والصفة على المضمر المرفوع في النية فتقول: هلم لك أنت وأخوك وهلم لكم أجمعون. كأنك قلت: تعالوا أنتم أجمعون وتعال أنت وأخوك. فإن لم تلحق لك جرت مجرى رويد.
هذا باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء مضافة ليست من أمثلة الفعل الحادث
ولكنها بمنزلة الأسماء المفردة التي كانت للفعل نحو رويد وحيهل ومجراهن واحد وموضعهن من الكلام الأمر والنهي إذا كانت للمخاطب المأمور والمنهي. وإنما استوت هي ورويد وما أشبه رويد كما استوى المفرد والمضاف إذا كانا اسمين نحو عبد الله وزيد مجراهما في العربية سواء. ومنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما يتعدى المنهي إلى المنهي عنه ومنها ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي. فأما ما يتعدى المأمور إلى مأمور به فهو قولك: عليك زيداً ودونك زيداً وعندك زيداً تأمره به. حدثنا بذلك أبو الخطاب. وأما ما تعدى المنهي إلى منهي عنه فقولك: حذرك زيداً وحذارك زيداً سمعناهما من العرب. وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي فقولك: مكانك وبعدك إذا قلت: تأخر أو حذرته شيئاً خلفه. كذلك عندك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم. وكذلك فرطك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم. ومثلها أمامك إذا كنت تحذره أو تبصره شيئاً. وإليك إذا قلت: تنح. ووراءك إذا قلت: افطن لما خلفك. وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقال له: إليك فيقول: إلى. كأنه قيل له: تنح. فقال: أتنحى. ولا يقال إذا قيل لأحدهم: دونك: دوني ولا علي. هذا النحو إنما سمعناه في هذا الحرف وحده وليس لها قوة الفعل فتقاس. واعلم أن هذه الأسماء المضافة بمنزلة الأسماء المفردة في العطف والصفات وفيما قبح فيها وحسن لأن الفاعل المأمور والفاعل المنهي في هذا الباب مضمران في النية. ولا يجوز أن تقول: رويده زيداً ودونه عمراً وأنت تريد غير المخاطب لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرفه. وحدثني من سمعه أن يعضهم قال: عليه رجلاً ليسني. وهذا قليل شبهوه بالفعل. وقد يجوز أن تقول: عليكم أنفسكم وأجمعين فتحمله على المضمر المجرور الذي ذكرته للمخاطب كما حملته على لك حين ذكرتها بعد هلم ولم تحمل على المضمر الفاعل في النية ويدلك على أنك إذا قلت: عليك فقد أضمرت فاعلاً في النية وإنما الكاف للمخاطبة قولك: على زيدا وإنما أدخلت الياء على مثل قولك للمأمور: أولني زيداً. فلو قلت: أنت نفسك لم يكن إلا رفعاً ولو قال: أنا نفسي لم يكن إلا جراً. ألا ترى أن الياء والكاف إنما جاءتا لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة. وإذا قال: عليك زيداً فكأنه قال له: ائت زيداً. ألا ترى أن للمأمور اسمين: اسماً للمخاطبة مجروراً واسمه الفاعل المضمر في النية كما كان له اسم مضمر في النية حين قلت: على. فإذا قلت: عليك فله اسمان: مجرور ومرفوع. ولا يحسن أن تقول: عليك وأحيك كما لا يحسن أن تقول: هلم لك وأخيك. وكذلك: حذرك يدلك على أن حذرك بمنزلة عليك قولك: تحذيري زيداً إذا أردت حذرني زيداً. فالمصدر وغيره في هذا الباب سواء. ومن جعل رويداً مصدراً قال: رويدك نفسك إذا أراد أن يحمل نفسك على الكاف كما قال: عليك نفسك حين حمل الكلام على الكاف. وهي مثل: حذرك سواء إذا جعلته مصدراً لأن الحذر مصدر وهو مضاف إلى الكاف. فإن حملت نفسك على الكاف جررت وإن حملته على المضمر في النية رفعت. وكذلك: رويدكم إذا أردت الكاف تقول: رويدكم أجمعين. وأما قول العرب: رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرت به كأنك قلت: رويدك عبد الله إذا أردت: أرود عبد الله. وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فليس فيها إلا ما ذكرنا لأنهن لم يجعلن مصادر. واعلم أن ناساً من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل يقولون: هلم وهلمى وهلماً وهلموا. واعلم أنك لا تقول: دوني كما قلت: على لأنه ليس كل فعل يجيء بمنزلة أولني قد تعدى إلى مفعولين فإنما على بمنزلة أولني ودونك بمنزلة خذ. لا تقول: آخذني درهماً ولا خذني درهماً. واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عليه زيداً تريد به الأمر كما أردت ذلك في الفعل حين قلت: ليضرب زيداً لأن عليه ليس من الفعل وكذلك حذره زيداً قبيحةٌ لأنها ليست من أمثلة الفعل. فإنما جاء تحذيري زيداً لأن المصدر يتصرف مع الفعل فيصير حذرك في موضع احذر وتحذيري في موضع حذرني فالمصدر أبداً في موضع فعله. ودونك لم يؤخذ من فعل ولا عندك ينتهي فيها حيث انتهت العرب. واعلم أنه يقبح: زيداً عليك وزيداً حذرك لأنه ليس من أمثلة الفعل فقبح أن يجري ما ليس من الأمثلة مجراها إلا أن تقول: زيداً فتنصب بإضمارك الفعل ثم تذكر عليك بعد ذلك فليس يقوى هذا قوة الفعل لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرف الفاعل الذي في معنى يفعل.
هذا باب ما جرى من الأمر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره إذا علمت أن الرجل مستغن عن لفظك بالفعل
وذلك قولك: زيداً وعمراً ورأسه. وذلك أنك رأيت رجلاً يضرب أو يشتم أو يقتل فاكتفيت بما هو فيه من عمله أن تلفظ له بعمله فقلت: زيداً أي أوقع عملك بزيدٍ. أو رأيت رجلاً يقول: أضرب شر الناس فقلت: زيداً. أو رأيت رجلاً يحدث حديثاً فقطعه فقلت: حديثك. أو قدم رجل من سفر فقلت: حديثك. استغنيت عن الفعل بعلمه أنه مستخبرٌ فعلى هذا يجوز هذا وما أشبهه. وأما النهي فإنه التحذير كقولك: الأسد الأسد والجدار الجدار والصبي الصبي وإنما نهيته أن يقرب الجدار المخوف المائل أو يقرب الأسد أو يوطئ الصبي. وإن شاء أظهر في هذه الأشياء ما أضمر من الفعل فقال: اضرب زيداً وأشتم عمراً ولا توطئ الصبي وأحذر الجدار ولا تقرب الأسد. ومنه أيضاً قوله: الطريق الطريق إن شاء قال: خل الطريق أو تنح عن الطريق. قال جرير: خل الطريق لمن يبني المنار به وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر ولا يجوز أن تضمر تنح عن الطريق لأن الجار لا يضمر وذلك أن المجرور داخل في الجار غير منفصل فصار كأنه شيء من الاسم لأنه معاقب للتنوين ولكنك إن أضمرت أضمرت ما هو في معناه مما يصل بغير حرف إضافةٍ كما فعلت فيما مضى. واعلم أنه لا يجوز أن تقول: زيد وأنت تريد أن تقول: ليضرب زيد أو ليضرب زيد إذا كان فاعلاً ولا زيداً وأنت تريد ليضرب عمرو زيداً. ولا يجوز: زيد عمراً إذا كنت لا تخاطب زيداً إذا أردت ليضرب زيدٌ عمراً وأنت تخاطبني فإنما تريد أن أبلغه أنا عنك أنك قد أمرته أن يضرب عمراً وزيد وعمرو غائبان فلا يكون أن تضمر فعل الغائب. وكذلك لا يجوز زيداً وأنت تريد أن أبلغه أنا عنك أن يضرب زيداً لأنك إذا أضمرت فعل الغائب ظن السامع الشاهد إذا قلت: زيداً أنك تأمره هو بزيد فكرهوا الالتباس هنا ككراهيتهم فيما لم يؤخذ من الفعل نحو قولك: عليك أن يقولوا عليه زيداً لئلا يشبه ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل بالفعل. وكرهوا هذا في الالتباس وضعف حيث لم يخاطب المأمور كما كره وضعف أن يشبه عليك وهذه حجج سمعت من العرب وممن يوثق به يزعم أنه سمعها من العرب. من ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم: " اللهم ضبعاً وذئباً " إذا كان يدعو بذلك على غم رجل. وإذا سألتهم ما يعنون قالوا: اللهم أجمع أو اجعل فيها ضبعاً وذئباً. وكلهم يفسر ما ينوي. وإنما سهل تفسيره عندهم لأن المضمر قد استعمل في هذا الموضع عندهم بإظهار. حدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له: لم أفسدتم مكانكم هذا فقال: الصبيان بأبي. كأنه حذر أن يلام فقال: لم الصبيان. وحدثنا من يوثق به أن بعض العرب قيل له: أما بمكان كذا وكذا وجد وهو موضع يمسك الماء. فقال: بلى وجاذاً. أي فأعرف بها وجاذاً. ومن ذلك قول الشاعر وهو المسكين: أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح كأنه يريد: الزم أخاك. ومن ذلك قولك: زيداً وعمراً كأنك تريد: اضرب زيداً وعمراً كما قلت: زيداً وعمراً رأيت. ومنه قول العرب: " أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك " و " الظباء على البقر ". يقول: عليك أمر مبكياتك وخل الظباء على البقر.
ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره في غير الأمر والنهي
وذلك قولك إذا رأيت رجلاً متوجهاً وجهة الحاج قاصداً في هيئة الحاج فقلت: مكة ورب الكعبة. حيث زكنت أنه يريد مكة كأنك قلت: يريد مكة والله. ويجوز أن تقول: مكة والله على قولك: أراد مكة والله كأنك أخبرت بهذه الصفة عنه أنه كان فيها أمس فقلت: مكة والله أي أراد مكة إذ ذاك. ومن ذلك قوله عز وجل: " بل ملة إبراهيم حنيفاً " أي بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً كأنه قيل لهم: اتبعوا حين قيل لهم: " كونوا هوداً أو نصارى ". أو رأيت رجلاً يسدد سهماً قبل القرطاس فقلت: القرطاس والله أي يصيب القرطاس. وإذا سمعت وقع السهم في القرطاس قلت: القرطاس والله أي أصاب القرطاس. ولو رأيت ناساً ينظرون الهلال وأنت منهم بعيد فكبروا لقلت: الهلال ورب الكعبة أي أبصروا الهلال. أو رأيت ضرباً فقلت على وجه التفاؤل: عبد الله أي يقع بعبد الله أو بعبد الله يكون. ومثل ذلك أن ترىرجلاً يريد أن يوقع فعلاً أو رأيته في حال رجل قد أوقع فعلاً أو أخبرت ومنه أن ترى الرجل أن تخبر عنه أنه قد أتى أمراً قد فعله فتقول: أكل هذا بخلاً أي أتفعل كل هذا بخلاً. وإن شئت رفعته فلم تحمله على الفعل ولكنك تجعله مبتدأ. وإنما أضمرت الفعل ها هنا وأنت مخاطب لأن المخاطب المخبر لست تجعل له فعلاً آخر يعمل في المخبر عنه. وأنت في الأمر للغائب قد جعلت له فعلاً آخر يعمل كأنك قلت: قل له ليضرب زيداً أو قل له: اضرب زيداً أو مره أن يضرب زيداً فضعف عندهم مع ما يدخل من اللبس في أمر واحدٍ أن يضمر فيه فعلان لشيئين.
هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرفٍ
وذلك قولك: " الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌ " و " المرء مقتول بما قتل به إن خنجراً فخنجرٌ وإن سيفاً فسيفٌ ". وإن شئت أظهرت الفعل فقلت: إن كان خنجراً فخنجر وإن كان شراً فشرٌ. ومن العرب من يقول: إن خنجراً فخنجراً وإن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً كأنه قال: إن كان الذي عمل خيراً جزى خيراً وإن كان شراً جزي شراً. وإن كان الذي قتل به خنجراً كان الذي يقتل به خنجراً. والرفع أكثر وأحسن في الآخر لأنك إذا أدخلت الفاء في جواب الجزاء استأنفت ما بعدها وحسن أن تقع بعدها الأسماء. وإنما أجازوا النصب حيث كان النصب فيما هو جوابه لأنه يجزم كما يجزم ولأنه لا يستقيم واحد منهما إلا بالآخر فشبهوا الجواب بخبر الابتداء وإن لم يكن مثله في كل حالةٍ كما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله ولا قريباً منه. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وسنذكره أيضاً إن شاء الله. وإذا أضمرت فأن تضمر الناصب أحسن لأنك إذا أضمرت الرافع أضمرت له أيضاً خبراً او شيئاً يكون في موضع خبره. فكلما كثر الإضمار كان أضعف. وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن وذلك قولك: إن خير فخير وإن خنجر فخنجر كأنه قال: إن كان معه خنجر حيث قتل فالذي يقتل به خنجر وإن كان في أعمالهم خير فالذي يجزون به خير. ويجوز أن تجعل إن كان خير على: إن وقع خير كأنه قال: إن كان خير فالذي يجزون به خير. وزعم يونس أن العرب تنشد هذا البيت لهدبة بن خشرم: فإن تك في أموالنا لا نضق بها ذراعاً وإن صبر فنصبر لصبر والنصب فيه جيد بالغ على التفسير الأول والرفع على قوله: وإن وقع صبر أو إن كان فينا صبر فإنا نصبر. وأما قول الشاعر لنعمان بن المنذر: قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً فما اعتذارك من شيءٍ إذا قبلا فالنصب فيه على التفسير الأول والرفع يجوز على قوله إن كان فيه حق وإن كان فيه باطل كما جاز ذلك في: إن كان في أعمالهم خير. ويجوز أيضاً على قوله: إن وقع حق وإن وقع كذب. ومن ذلك قوله عز وجل: " وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ". ومثل ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم: " إن لا حظية فلا ألية " أي إن لا تكن له في الناس حظية فإني غير أليةٍ كأنها قالت في المعنى: إن كنت ممن لا يحظى عنده فإني غير ألية. ولو عنت بالحظية نفسها لم يكن إلا نصباً إذا جعلت الحظية على التفسير الأول. ومثل ذلك: قد مررت برجل إن طويلاً وإن قصيراً وامرر بأيهم أفضل إن زيداً وإن عمراً وقد مررت برجل قبل إن زيداً وإن عمراً لا يكون في هذا إلا النصب لأنه لا يجوز أن تحمل الطويل والقصير على غير الأول ولا زيداً ولا عمراً. وأما إن حق وإن كذب فقد تستطيع أن لا تحمله على الأول فتقول: إن كان فيه حق أو كان فيه كذب أو إن وقع حق أو باطل. ولا يستقيم في ذا أن تريد غير الأول إذا ذكرته ولا تستطيع أن تقول: إن كان فيه طويل أو كان فيه زيد ولا يجوز على إن وقع. وقال ليلى الأخيلية: لا تقربن الدهر آل مطرفٍ إن ظالماً أبداً وإن مظلوما وقال ابن همام السلولي: وأحضرت عذري عليه السهو - د إن عاذرا لي وإن تاركا فنصبه لأنه عني الأمير المخاطب. ولو قال: إن عاذر لي وإن تارك يريد: إن كان لي في الناس عاذر أو غير عاذر جاز. وقال النابغة الذبياني: حدبت على بطون ضنة كلها إن ظالماً فيهم وإن مظلوما ومن ذلك أيضاً قولك: مررت برجل صالحٍ وإن لا صالحاً فطالحٌ. ومن العرب من يقول: إن لا صالحاً فطالحاً كأنه يقول: إن لا يكن صالحاً فقد مررت به أو لقيته طالحاً. وزعم يونس أن من العرب من يقول: إن لا صالحٍ فطالحٍ على: إن لا أكن مررت بصالحٍ فبطالحٍ وهذا قبيح ضعيف لأنك تضمر بعد إن لا فعلاً آخر فيه حذف غير الذي تضمر بعد إن لا في قولك: إن لا يكن صالحاً فطالحٌ. ولا يجوز أن يضمر الجار ولكنهم لما ذكروه في أول كلامهم شبهوه بغيره من الفعل. وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمرت رب ونحوها في قولهم: وبلدةٍ ليس بها أنيس ومن ثم قال يونس: امرر على أيهم أفضل إن زيداً وإن عمرو. يعني: إن مررت بزيد أو مررت بعمرو. واعلم أنه لا ينتصب شيء بعد إن ولا يرتفع إلا بفعل لأن إن من الحروف التي يبنى عليها الفعل وهي إن المجازاة وليست من الحروف التي يبتدأ بعدها الأسماء ليبنى عليها الأسماء. فإنما أراد بقوله: إن زيد وإن عمرو إن مررت بزيد أو مررت بعمرو فجرى الكلام على فعل آخر وانجر الاسم بالباء لأنه لا يصل إليه الفعل إلا بالباء كما أنه حين نصبه كان محمولاً على كان أخر لا على الفعل الأول. ومن رأى الجر في هذا قال: مررت برجل إن زيد وإن عمرو يريد: إن كنت مررت بزيدٍ أو كنت مررت بعمرو. ولو قلت: عندنا أيهم أفضل أو عندنا رجل ثم قلت: إن زيداً وإن عمراً كان نصبه على كان وإن رفعته رفعته على كان كأنك قلت: إن كان عندنا زيدٌ أو كان عندنا عمروٌ. ولا يكون رفعه على عندنا من قبل أن عندنا ليس بفعل ولا يجوز بعد إن عندنا أن تبنى الأسماء على الأسماء ولا الأسماء تبنى على عندنا كما لم يجز لك أن تبني بعد إن الأسماء على الأسماء. واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عبد الله المقتول وأنت تريد: كن عبد الله المقتول لأنه ليس فعلاً يصل من شيء إلى شيء ولأنك لست تشير له إلى أحد. ومن ذلك قول العرب: من بد شولاً فإلى إتلائها نصب لأنه أراد زماناً. والشول لا يكون زماناً ولا مكاناً فيجوز فيها وكقولك: من لد صلاة العصر إلى وقت كذا وكقولك: من لد حائط إلى مكان كذا فلما أراد الزمان حمل الشول على شيء يحسن أن يكون زماناً إذا عمل في الشول ولم يحسن إلا ذا كما لم يحسن ابتداء الأسماء بعد إن حتى أضمرت ما يحسن أن يكون بعدها عاملاً في الأسماء. فكذلك هذا كأنك قلت: من لد أن كانت شولاً فإلى إتلائها. وقد جره قوم على سعة الكلام وجعلوه بمنزلة المصدر حين جعلوه على الحين وإنما يريد حين كذا وكذا وإن لم يكن في قوة المصادر لأنه لا يتصرف تصرفها. واعلم أنه ليس كل حرف يظهر بعده الفعل يحذف فيه الفعل ولكنك تضمر بعد ما أضمرت فيه العرب من الحروف والمواضع وتظهر ما أظهروا وتجري هذه الأشياء التي هي على ما يستخفون بمنزلة ما يحذفون من نفس الكلام ومما هو في الكلام على ما أجروا فليس كل حرف يحذف منه شيء ويثبت فيه نحو: يك ويكن ولم أبل وأبال لم يحملهم ذاك على أن يفعلوه بمثله ولا يحملهم إذا كانوا يثبتون فيقولون: في مر أومر أن يقولوا: في خذ أوخذ وفي كل أوكل. فقف على هذه الأشياء حيث وقفوا ثم فسر. وأما قول الشاعر: لقد كذبتك نفسك فاكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر فهذا على إما وليس على إن الجزاء كقولك: إن حقاً وإن كذباً. فهذا على إما محمولٌ. ألا ترى أنك تدخل الفاء ولو كانت على إن الجزاء وقد استقبلت الكلام لاحتجت إلى الجواب. فليس قوله: فإن جزعاً كقوله: إن حقاً وإن كذباً ولكنه على قوله تعالى: " فإما منا بعد وإما فداءً ". ولو قلت: فإن جزعٌ وإن إجمال صبر كان جائزاً كأنك قلت: فإما أمرى جزعٌ وإما إجمال صبرٍ لأنك لو صححتها فقلت: إما جاز ذلك فيها. ولا يجوز طرح ما من إما إلا في الشعر. قال النمر بن تولب: وإنما يريد: وإما من خريف. ومن أجز ذلك في الكلام دخل عليه أن يقول: مررت برجل إن صالحٍ أن طالحٍ يريد إما. وإن أراد إن الجزاء فهو جائزٌ لأنه يضمر فيها الفعل وإما يجري ما بعدها ههنا على الابتداء وعلى الكلام الأول ألا ترى أنك تقول: قد كان ذلك صلاحاً أو فساداً. ولو قلت: قد كان ذلك إن صلاحاً وإن فساداً كان النصب على كان أخرى ويجوز الرفع على ما ذكرنا. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك: هلا خيراً من ذلك وألا خيراً من ذلك أو غير ذلك. كأنك قلت: ألا تفعل خيراً من ذلك أو ألا تفعل غير ذلك وهلا تأتي خيراً من ذلك. وربما عرضت هذا على نفسك فكنت فيه كالمخاطب كقولك: هلا أفعل وألا أفعل. وإن شئت رفعته فقد سمعنا رفع بعضه من العرب وممن سمعه من العرب. فجاز إضمار ما يرفع كما جاز إضمار ما ينصب. ومن ذلك قولك: أو فرقاً خيراً من حبٍ أي أو أفرقك فرقاً خيراً من حبٍ. وإنما حمله على الفعل لأنه سئل عن فعله فأجابه على الفعل الذي هو عليه. ولو رفع جاز كأنه قال: أو أمري فرق خير من حب. وإنما انتصب هذا النحو على أنه يكون الرجل في فعل فيريد أن ينقله أو ينتقل هو إلى فعل آخر. فمن ثم نصب أو فرقاً لأنه أجاب على أفرقك وترك الحب. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك: ألا طعام ولو تمراً كأنك قلت: ولو كان تمراً وأتني بدابة ولو حماراً. وإن شئت قلت: ألا طعام ولو تمر كأنك قلت: ولو يكون عندنا تمرٌ ولو سقط إلينا تمرٌ. وأحسن ما يضمر منه أحسنه في الإظهار. ولو قلت: ولو حمارٍ فجررت كان بمنزلة في إن. ومثله قول بعضهم إذا قلت: جئتك بدرهمٍ: فهلا دينارٍ. وهو بمنزلة إن في هذا الموضع يبنى عليها الأفعال والرفع قبيح في: فهلا دينار وفي: ولو حمار لأنك لو لم تحمله على إضمار يكون ففعل المخاطب أولى به. والرفع في هذا وفي: ولو حمارٌ بعيد كأنه يقول: ولو يكون مما يأتيني به حمارٌ. ولو بمنزلة إن لا يكون بعدها إلا الأفعال فإن سقط بعدها اسم ففيه فعل مضمر في هذا الموضع تبنى عليه الأسماء. فلو قلت: ألا ماء ولو بارداً لم يحسنإلا النصب لأن بارداً صفة. ولو قلت: ائتني بباردٍ كان قبيحاً ولو قلت: ائتني بتمرٍ كان حسناً ألا ترى كيف قبح أن يضع الصفة موضع الاسم. ومن ذلك قول العرب: ادفع الشر ولو إصبعاً كأنه قال: ولو دفعته إصبعاً ولو كان إصبعاً. ولا يحسن أن تحمله على ما يرفع لأنك إن لم تحمله على إضمار يكون ففعل المخاطب المذكور أولى وأقرب فالرفع في هذا وفي ائتني بدابة ولو حمار بعيد كأنه يقول: ولو يكون مما تأتيني به حمارٌ ولو يكون مما تدفع به إصبعٌ. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره أن ترى الرجل قد قدم من سفر فتقول: خير مقدم. أو يقول الرجل: رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول: خيراً وما شر وخيراً لنا وشراً لعدونا. وإن شئت قلت: خير مقدم وخير لنا وشر لعدونا. أما النصب فكأنه بناه على قوله قدمت فقال: قدمت خير مقدم وإن لم يسمع منه هذا اللفظ فإن قدومه ورؤيته إياه بمنزلة قوله: قدمت. وكذلك إن قيل: قدم فلان وكذلك إذا قال: رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول: خيراً لنا وشراً لعدونا. فإذا نصب فعلى الفعل. وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ أو مبنيٌ على مبتدأ ولم يرد أن يحمله على الفعل ولكنه قال: هذا خير مقدم وهذا خير لنا وشر لعدونا وهذا خير وما سر. ومن ثم قالوا: مصاحب معان ومبرور مأجور كأنه قال: أنت مصاحب وأنت مبرور. فإذا رفعت هذه الأشياء فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما وأما قولهم: راشداً مهدياً فإنهم أضمروا اذهب راشداً مهدياً. وإن شئت رفعت كما رفعت مصاحب معان ولكنه كثر النصب في كلامهم لأن راشداً مهدياً بمنزلة ما صار بدلاً من اللفظ بالفعل كأنه لفظ برشدت وهديت. وسترى بيان ذلك إن شاء الله. ومثله: هنيئاً مريئاً. وإن شئت نصبت فقلت: مبروراً مأجوراً ومصاحباً معاناً. حدثنا بذلك عن العرب عيسى ويونس وغيرهما كأنه قال: رجعت مبروراً واذهب مصاحباً. ومما ينتصب أيضاً على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قول العرب: حدث فلان بكذا وكذا فتقول: صادقاً والله. أو أنشدك شعراً فتقول: صادقاً والله أي قاله صادقاً. لأنك إذا أنشدك فكأنه قد قال كذا. ومن ذلك أيضاً أن ترى رجلاً قد أوقع أمراً أو تعرض له فتقول: متعرضاً لعنن لم تعنه أي دنا من هذا الأمر متعرضاً لعنن لم يعنه. وترك ذكر الفعل لما يرى من الحال. ومثله: بيع الملطى لا عهد ولا عقد وذلك إن كنت في حال مساومةٍ وحال بيعٍ فتدع أبايعك استغناءً لما فيه من الحال. ومثله: مواعيد عرقوبٍ أخاه بيثرب كأنه قال: واعدتني مواعيد عرقوب أخاه ولكنه ترك واعدتني استغناءً بما هو فيه من ذكر الخلف واكتفاءً بعلم من يعنى بما كان بينهما قبل ذلك. ومن العرب من يقول: متعرض ومنهم من يقول: صادق والله. وكل عربي. ومثله: غضب الخيل على اللجم كأنه قال: غضبت أو رآه غضبان فقال: غضب الخيل فكأنه بمنزلة قوله: غضبت غضب الخيل على اللجم. ومن العرب من يرفع فيقول: غضب الخيل على اللجم فرفعه كما رفع بعضهم: الظباء على البقر. ومثله أن تسمع الرجل ذكر رجلاً فتقول: أهل ذاك وأهله أي ذكرت أهله لأنك في ذكره تحمله على المعنى. وإن شاء رفع على هو. ونصبه وتفسيره تفسير خير مقدم.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه
وسأمثله لك مظهراً لتعلم ما أرادوا إن شاء الله تعالى.
هذا باب ما جرى منه على الأمر والتحذير
وذلك قولك إذا كنت تحذر: إياك. كأنك قلت: إياك بح وإياك باعد وإياك اتق وما أشبه ذا. ومن ذلك أن تقول: نفسك يا فلان أي اتق نفسك إلا أن هذا لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت ولكن ذكرته لأمثل لك ما لا يظهر إضماره. ومن ذلك أيضاً قولك: إياك والأسد وإياي والشر كأنه قال: إياك فاتقين والأسد وكأنه قال: إياي لأتقين والشر. فإياك متقى والأسد والشر متقيان فكلاهما مفعول ومفعول منه. ومثله: إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب. ومثله: إياك وإياه وإياي وإياه كأنه قال: إياك باعد وإياه أو نح. وزعم أن بعضهم يقال له: إياك فيقول: إياي كأنه قال: إياي أحفظ وأحذر. وحذفوا الفعل من إياك لكثرة استعمالهم إياه في الكلام فصار بدلاً من الفعل وحذفوا كحذفهم: حينئذٍ الآن فكأنه قال: احذر الأسد ولكن لا بد من الواو لأنه اسم مضموم إلى آخر. ومن ذلك: رأسه والحائط كأنه قال: خل أو دع رأسه والحائط فالرأس مفعول والحائط مفهول معه فانتصبا جميعاً. ومن ذلك قولهم: شأنك والحج كأنه قال: عليك شأنك مع الحج. ومن ذلك: امرأ ونفسه كأنه قال: دع امرأ مع نفسه فصارت الواو في معنى مع كما صارت في معنى مع في قولهم: ما صنعت وأخاك. وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعنى فهو عربي جيد كأنه قال: عليك رأسك وعليك الحائط وكأنه قال: دع امرأ ودع نفسه فليس ينقض هذا ما أردت في معنى مع من الحديث. ومثل ذلك: أهلك والليل كأنه قال: بادر أهلك قبل الليل وإنما المعنى أن يحذره أن يدركه الليل. والليل محذر منه كما كان الأسد محتفظاً منه. ومن ذلك قولهم: ماز رأسك والسيف كما تقول: رأسك والحائط وهو يحذره كأنه قال: اتق رأسك والحائط. وإنما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنوا لكثرتها في كلامهم واستغناءً بما يرون من الحال ولما جرى من الذكر وصار المفعول الأول بدلاً من اللفظ بالفعل حين صار عندهم مثل: إياك ولم يكن مثل: إياك لو أفردته لأنه لم يكثر في كلامهم كثرة إياك فشبهت بإياك حيث طال الكلام وكان كثيراً في الكلام. فلو قلت: نفسك أو رأسك أو الجدار كان إظهار الفعل جائزاً نحو قولك: اتق رأسك واحفظ نفسك واتق الجدار. فلما ثنيت صار بمنزلة إياك وإياك بدل من اللفظ بالفعل كما ومما جعل بدلاً من اللفظ بالفعل قولهم: الحذر الحذر والنجاء النجاء وضرباً ضرباً. فإنما انتصب هذا على الزم الحذر وعليك النجاء ولكنهم حذفوا لأنه صار بمنزلة افعل. ودخول الزم وعليك على افعل محال. ومن ثم قالوا وهو لعمرو بن معد يكرب: أريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد وقال الكميت: نعاء جذاماً غير موت ولا قتل ولكن فراقاً للدعائم والأصل وقال ذو الإصبع العدواني: عذير الحي من عدوا - ن كانوا حية الأرض فلم يجز إظهار الفعل وقبح كما كان ذلك محالاً.
هذا باب ما يكون معطوفاً في هذا الباب على الفاعل المضمر في النية ويكون معطوفاً على المفعول وما يكون صفة المرفوع المضمر في النية ويكون على المفعول
وذلك قولك: إياك أنت نفسك أن تفعل وإياك نفسك أن تفعل. فإن عنيت الفاعل المضمر في النية قلت: إياك أنت نفسك كأنك قلت: إياك نح أنت نفسك وحملته على الاسم المضمر في نح. فإن قلت: إياك نفسك تريد الاسم المضمر الفاعل فهو قبيح وهو على قبحه رفع ويدلك على قبحه أنك لو قلت: اذهب نفسك كان قبيحاً حتى تقول: أنت نفسك. فمن ثم كان نصباً لأنك إذا وصفت بنفسك المضمر المنصوب بغير أنت جاز تقول: رأيتك نفسك ولا تقول: انطلقت نفسك. وإذا عطفت قلت: إياك وزيداً والأسد وكذلك: رأسك ورجليك والضرب. وإنما أمرته أن يتقيهما جميعاً والضرب. وإن حملت الثاني على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح لأنك لو قلت: اذهب وزيد كان قبيحاً حتى تقول: اذهب أنت وزيد. فإن قلت إياك أنت وزيدٌ فأنت بالخيار إن شئت قلت ذاك أنت وزيد جاز فإن قلت: رأيتك قلت ذاك وزيداً فالنصب أحسن لأن المنصوب يعطف على المنصوب المضمر ولا يعطف على المرفوع المضمر إلا في الشعر وذلك قبيح. أنشدنا يونس لجرير: أنشدناه منصوباً وزعم أن العرب كذا تنشده. واعلم أنه لا يجوز أن تقول: إياك زيداً كما أنه لا يجوز أن تقول: رأسك الجدار حتى تقول: من الجدار أو والجدار. وكذلك أن تفعل إذا أردت إياك والفعل. فإذا قلت: إياك أن تفعل تريد إياك أعظ مخافة أن تفعل أومن أجل أن تفعل جاز لأنك لا تريد أن تضمه إلى الاسم الأول كأنك قلت: إياك نح لمكان كذا وكذا. ولو قلت: إياك الأسد تريد من الأسد لم يجز كما جاز في أن إلا أنهم زعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعر: إياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاءٌ وللشر جالب كأنه قال: إياك ثم أضمر بعد إياك فعلاً آخر فقال: اتق المراء. وقال الخليل: لو أن رجلاً قال: إياك نفسك لم أعنفه لأن هذه الكاف مجرورة. وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابياً يقول: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب.
هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل
وذلك قولك: " هذا ولا زعماتك ". أي: ولا أتوهم زعماتك. ومن ذلك قول الشاعر وهو ذو الرمة وذكر الديار والمنازل: ديار مية إذا مي مساعفة ولا يرى مثلها عجم ولا عرب كأنه قال: أذكر ديار مية. ولكنه لا يذكر أذكر لكثرة ذلك في كلامهم واستعمالهم إياه ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك ولم يذكر: ولا أتوهم زعماتك لكثرة استعمالهم إياه ولاستدلاله مما يرى من حاله أنه ينهاه عن زعمه. ومن ذلك قول العرب: " كليهما وتمراً " فذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال: أعطني كليهما وتمراً. ومن ذلك قولهم: " كل شيء ولا هذا " و " كل شيء ولا شتيمة حر " أي ائت كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف لكثرة استعمالهم إياه فأجري مجرى: ولا زعماتك. ومن العرب من يقول: " كلاهما وتمراً " كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمراً. و " كل شيء ولا شتيمة حر ". كأنه قال: كل شيء أمم ولا شتيمة حر وترك ذكر الفعل بعد لا لما ذكرت لك ولأنه يستدل بقوله: كل شيء أنه ينهاه. ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول: تلك ديار فلانة. اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكنونة الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به وكل حيران سار ماؤه خضل كأنه قال: وذاك ربع أو هو ربع " رفعه على ذا وما أشبهه سمعناه ممن يرويه عن العرب ". ومثله " لعمر بن أبي ربيعة ": هل تعرف اليوم رسم الدار والطللا كما عرفت بجفن الصيقل الخللا دار لمروة إذ أهلي وأهلهم بالكانسية نرعى اللهو والغزلا فإذا رفعت فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما أظهرت. ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروك إظهاره: " انتهوا خيراً لكم " و " وراءك أوسع لك " وحسبك خيراً لك إذا كنت تأمر. ومن ذلك قول " الشاعر وهو " ابن أبي ربيعة: فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما أسهلا وإنما نصبت خيراً لك وأوسع لك لأنك حين قلت: " انته " فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر. وقال الخليل: كأنك تحمله على ذلك المعنى كأنك قلت: انته وادخل فيما هو خير لك فنصبته لأنك قد عرفت أنك إذا قلت له: انته أنك تحمله على أمر آخر فلذلك انتصب وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال له: انته فصار بدلاً من قوله: ائت خيراً " لك " وادخل فيما هو خير لك. ونظير ذلك من الكلام قوله: انته يا فلان أمراً قاصداً. فإنما قلت: انته وائت أمراً قاصداً إلا أن هذا يجوز لك فيه إظهار الفعل فإنما ذكرت لك ذا لأمثل لك الأول به لأنه قد كثر في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل فحذف كحذفهم: ما أريت كاليوم رجلاً. ومثل ذلك قول القطامي: فكرت تبتغيه فوافقته على دمه ومصرعه السباعا ومثله قوله " وهو ابن الرقيات ": لن تراها ولو تأملت إلا ولها في مفارق الرأس طيبا وإنما نصب هذا لأنه حين قال وافقته " و " قال: لن تراها فقد علم أن الطيب والسباع قد دخلا في الرؤية والموافقة وإنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى. ومثل ذلك قول ابن قميئة: تذكر أرضاً بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها لأن الأخوال والأعمام قد دخلوا في التذكر. إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تغربت عنها أم عمار قال الخليل رحمه الله: لما قال هيجني عرف أنه قد كان ثم تذكر لتذكرة الحمام وتهييجه فألقى ذلك الذي قد عرف منه على أم عمار كأنه قال: هيجني فذكرني أم عمار. ومثل ذلك أيضاً قول الخليل رحمه الله وهو قول أبي عمرو: ألا رجل إما زيداً وإما عمراً لأنه حين قال: ألا رجل فهو متمن شيئاً يسأله ويريده فكأنه قال: اللهم اجعله زيداً أو عمراً أو وفق لي زيداً أو عمراً. وإن شاء أظهر فيه وفي جميع هذا الذي مثل به وإن شاء اكتفي فلم يذكر الفعل لأنه قد عرف أنه متمن سائل شيئاً وطالبه. ومثل ذلك قول الشاعر " وهو عبد بني عبس ": قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما وذات قرنين ضموزاً ضرزما فإنما نصب الأفعوان والشجاع لأنه قد علم أن القدم ههنا مسالمة كما أنها مسالمة فحمل الكلام على أنها مسالمة. ومثل هذا البيت إنشاد بعضهم لأوس بن حجر: وإنشاد بعضهم للحارق بن نهيك: ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح لما قال: ليبك يزيد كان فيه معنى ليبك يزيد كما كان في القدم أنها مسالمة كأنه قال: ليبكه ضارع. ومن ذلك قول عبد العزيز " الكلابي ": وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعيناً سلسيلا لأن الوجدان مشتمل في المعنى على الجزاء فحمل الآخر على المعنى. ولو نصب الجزاء كما نصب السباع لجاز. وقال: أسقى الإله عدوات الوادي وجوفه كل ملث غادي كل أجش حالك السواد كأنه قال: سقاها كل أجش كما حمل ضارع لخصومة على ليبك يزيد لأنه فيه معنى سقاها كل أجش. ولا يجوز أن تقول: ينتهي خيراً له ولا أأنتهي خيراً لي لأنك إذا نهيت فأنت تزيجه إلا أمر وإذا أخبرت أو استفهمت فأنت لست تريد شيئاً من ذلك إنما تعلم خبراً أو تسترشد مخبراً وليس بمنزلة وافقته على دمه ومصرعه السباعا لأن السباع داخل في معنى وافقته كأنه قال: وافقت السباع على مصرعه " والخير والشر لا يكون محمولاً على ينتهي وشبهه لا تستطيع أن تقول: انتهيت خيراً كما تقول: قد أصبت خيراً ". وقد يجوز أن تقول: ألا رجل إما زيد وإما عمرو كأنه قيل له: من هذا المتمني فقال: زيد أو عمرو. ومثل: ليبك يزيد قراءة بعضهم: " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " رفع الشركاء على " مثل " ما رفع عليه ضارع.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي
وذلك قولك: أخذته بدرهم فصاعدا وأخذته بدرهم فزائداً. حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه ولأنهم أمنوا أن يكون على الباء لو قلت: أخذته بصاعد كان قبيحاً لأنه صفة ولا تكون في موضع الاسم كأنه قال: أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعداً أو فذهب صاعداً. ولا يجوز أن تقول: وصاعد لأنك لا تريد أن تخبر أن الدرهم مع صاعد ثمن لشيء كقولك: بدرهم وزيادة ولكنك أخبرت بأدنى الثمن فجلته أولاً ثم قروت شيئاً بعد شيء لأثمان شتى. فالواو لم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو لم يكن في هذا دليل أنك مررت بعمرو بعد زيد. وصاعد بدل من زاد ويزيد. وثم بمنزلة الفاء تقول: ثم صاعداً إلا أن الفاء أكثر في كلامهم. ومما ينتصب في غير الأمر والنهي على الفعل المتروك إظهاره قولك: يا عبد الله والنداء كله. وأما يا زيد فله علة ستراها في باب النداء إن شاء الله تعالى حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلام وصار يا بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: يا أريد عبد الله فحذف أريد وصارت يا بدلاً منها لأنك إذا قلت: يا فلان علم أنك تريده. ومما يدلك على أنه ينتصب على الفعل وأن يا صارت بدلاً من اللفظ بالفعل قول العرب: يا إياك إنما قلت: يا إياك أعنى ولكنهم حذفوا الفعل وصار يا وأيا وأي بدلاً من اللفظ بالفعل. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع بعض العرب يقول: يا أنت. فزعم أنهم جعلوه موضع المفرد. وإن شئت قلت: يا فكان بمنزلة يا زيد ثم تقول: إياك. أي إياك أعني. هذا قول الخليل رحمه الله في الوجهين. ومن ذلك قول العرب: من أنت زيداً فزعم يونس أنه على قوله: من أنت تذكر زيداً ولكنه كثر في كلامهم واستعمل واستغنوا عن إظهاره فإنه قد علم أن زيداً ليس خبراً " ولا مبتدأ " ولا مبنياً على مبتدأ فلا بد من أن يكون على الفعل كأنه قال: من أنت معرفاً ذا الاسم ولم يحمل زيداً على من ولا أنت. ولا يكون من أنت زيداً إلا جواباً كأنه لما قال: أنا زيد قال: فمن أنت ذاكراً زيداً. وبعضهم يرفع وذلك قليل كأنه قال: من أنت كلامك أو ذكرك زيد. وإنما قل الرفع لأن إعمالهم الفعل أحسن من أن يكون خبراً لمصدر ليس له ولكنه يجوز على سعة الكلام وصار كالمثل الجاري حتى إنهم ليسألون الرجل عن غيره فيقولون للمسؤول: من أنت زيداً كأنه يكلم الذي قال: أنا زيد أي أنت عندي بمنزلة الذي قال: أنا زيد فقيل له: من أنت زيداً كما تقول للرجل: " أطري إنك ناعلة واجمعي ". أي أنت عندي بمنزلة التي يقال لها هذا. سمعنا رجلاً منهم يذكر رجلاً فقال لرجل ساكت لم يذكر ذلك الرجل: من أنت فلاناً. ومن ذلك قول العرب: أما أنت منطلقاً انطلقت معك وأما زيد ذاهباً ذهبت معه. وقال الشاعر وهو عباس بن مرداس: أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع فإنما هي " أن " ضمت إليها " ما " وهي ما التوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضاً من ذهاب الفعل كما كانت الهاء والألف عوضاً في الزنادقة واليماني من الياء. ومثل أن في لزوم " ما " قولهم إما لا فألزموها ما عوضاً. وهذا أحرى أن يلزموا فيه إذ كانوا يقولون: آثراً ما فيلزمون ما شبهوها بما يلزم من النونات في لأفعلن واللام في إن كان ليفعل وإن كان ليس مثله وإنما هو شاذ كنحو ما شبه بما ليس مثله فلما كان قبيحاً عندهم أن يذكروا الاسم بعد أن ويبتدئوه بعدها كقبح كي عبد الله يقول ذاك حملوه على الفعل حتى صار كأنهم قالوا: إذ صرت منطلقاً فأنا أنطلق " معك " لأنها في معنى إذ في هذا الموضع وإذ في معناها أيضاً في هذا الموضع إلا أن إذ لا يحذف معها الفعل. و " أما " لا يذكر بعدها الفعل المضمر لأنه من المضمر المتروك إظهاره حتى صار ساقطاً بمنزلة تركهم ذلك في النداء وفي من أنت زيداً. فإن أظهرت الفعل قلت: إما كنت منطلقاً انطلقت إنما تريد: إن كنت منطلقاً انطلقت فحذف الفعل لا يجوز ههنا كما لم يجز ثم إظهاره لأن أما كثرت في كلامهم واستعملت حتى صارت كالمثل المستعمل. وليس كل حرف هكذا كما أنه ليس كل حرف بمنزلة لم أبل ولم يك ولكنهم حذفوا هذا لكثرته وللاستخفاف فكذلك حذفوا الفعل من أما. ومثل ذلك قولهم: إما لا فكأنه يقول: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره ولكنهم حذفوا " ذا " لكثرة استعمالهم إياه وتصرفهم حتى استغنوا عنه بهذا. ومن ذلك قولهم: مرحباً وأهلاً وإن تأتني فأهل الليل والنهار. وزعم الخليل رحمه الله حين مثله أنه بمنزلة رجل رأيته قد سدد سهمه فقلت: القرطاس أي أصبت القرطاس أي أنت عندي ممن سيصيبه. وإن أثبت سهمه قلت: القرطاس أي قد استحق وقوعه بالقرطاس. فإنما رأيت رجلاً قاصداً إلى مكان أو طالباً أمراً فقلت: مرحباً وأهلاً أي أدركت ذلك وأصبت فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه وكأنه صار بدلاً من رحبت بلادك وأهلت كما كان الحذر بدلاً من احذر. ويقول الراد: وبك وأهلاً وسهلاً وبك أهلاً. فإذا قال: وبك وأهلاً فكأنه قد لفظ بمرحباً بك وأهلاً. وإذا قال: وبك أهلاً فهو يقول: ولك الأهل إذا كان عندك الرحب والسعة. فإذا رددت فإنما تقول: أنت عندي ممن يقال له هذا لو جئتني. وإنما جئت ببك لنبين من تعني بعد ما قلت: مرحباً كما قلت: لك بعد سقيا. ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمره هو ما أظهر. وقال طفيل الغنوي: وبالسهب ميمون القبة قوله لملتمس المعروف: أهل ومرحب أي هذا أهل ومرحب. وقال أبو الأسود: فاعرف فيما ذكرت لك أن الفعل يجري في الأسماء على ثلاثة مجار: فعل مظهر لا يحسن إضماره وفعل مضمر مستعمل إظهاره وفعل مضمر متروك إظهاره. فأما الفعل الذي لا يحسن إضماره فإنه أن تنتهي إلى رجل لم يكن في ذكر ضرب ولم يخطر بباله فتقول: زيداً. فلا بد له من أن تقول له: اضرب زيداً وتقول له: قد ضربت زيداً. أو يكون موضعاً يقبح أن يعرى من الفعل نحو أن وقد وما أشبه ذلك. وأما الموضع الذي يضمر فيه وإظهاره مستعمل فنحو قولك: زيداً لرجل في ذكر ضرب تريد: اضرب زيداً. وأما الموضع الذي لا يستعمل فيه الفعل المتروك إظهاره فمن الباب الذي ذكر فيه إياك إلى الباب الذي آخره ذكر مرحباً وأهلاً. وسترى ذلك فيما يستقبل إن شاء الله.
باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب فيه الاسم لأنه مفعول معه ومفعول به كما انتصب نفسه في قولك: امرأ ونفسه
وذلك قولك: ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها إنما أردت: ما صنعت مع أبيك ولو تركت الناقة مع فصيلها. فالفصيل مفعول معه والأب كذلك والواو لم تغير المعنى ولكنها تعمل في الاسم ما ومثل ذلك: ما زلت وزيداً " حتى فعل " أي ما زلت بزيد حتى فعل فهو مفعول به. وما زلت أسير والنيل أي مع النيل واستوى الماء والخشبة أي بالخشبة. وجاء البرد والطيالسة أي مع الطيالسة. وقال: فكونوا أنتم وبني أبيكم مكان الكليتين من الطحال وقال: وكان وإياها كحران لم يفق عن الماء إذا لاقاه حتى تقددا ويدلك على أن الاسم ليس على الفعل في صنعت أنك لو قلت: اقعد وأخوك كان قبيحاً حتى تقول: أنت لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر. فإذا قلت: ما صنعت أنت ولو تركت هي فأنت بالخيار إن شئت حملت الآخر على ما حملت عليه الأول وإن شئت حملته على المعنى الأول.
باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول إلا أنها تعطف الاسم هنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعاً على كل حال
وذلك قولك: أنت وشأنك وكل رجل وضيعته وما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من يا زبرقان أخا بني خلف ما أنت ويب أبيك والفخر وقال جميل: وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا تهام فما النجدي والمتغور وقال: وكنت هناك أنت كريم قيس فما القيسي بعدك والفخار وإنما فرق بين هذا وبين الباب الأول لأنه اسم والأول فعل فأعمل كأنك قلت في الأول: ما صنعت أخاك وهذا محال ولكن أردت أن أمثل لك. ولو قلت: ما صنعت مع أخيك وما زلت بعبد الله لكان مع أخيك وبعبد الله في موضع نصب. ولو قلت: أنت وشأنك كنت كأنك قلت: أنت وشأنك مقرونان وكل امرئ وضيعته مقرونان لأن الواو في معنى مع عنا يعمل فيما بعدها ما عمل فيما قبلها من الابتداء والمبتدأ. ومثله: أنت أعلم ومالك فإنما أردت: أنت أعلم مع مالك. وأنت أعلم وعبد الله أي أنت علم مع عبد الله. وإن شئت كان على الوجه الآخر كأنك قلت: أنت وعبد الله أعلم من غيركما. فإن قلت: أنت أعلم وعبد الله في الوجه الآخر فإنها أيضاً تعمل فيما بعدها الابتداء كما أعملت في ما صنعت وأخاك " صنعت ". فعلى أي الوجهين وجهته صار على المبتدأ لأن الواو وكذلك: ما أنت وعبد الله وكيف أنت وعبد الله كأنك قلت: ما أنت وما عبد الله وأنت تريد أن تحقر أمره أو ترفع أمره. و " كذلك ": كيف أنت وعبد الله وأنت تريد أن تسأل عن شأنهما لأنك إنما تعطف بالواو إذا أردت معنى مع على كيف وكيف بمنزلة الابتداء كأنك قلت: وكيف عبد الله فعملت كما عمل الابتداء لأنها ليست بفعل ولأن ما بعدها لا يكون إلا رفعاً. يدلك على ذلك قول الشاعر " وهو زياد الأعجم ويقال غيره ": تكلفني سويق الكرم جرم وما جرم وما ذاك السويق ألا ترى أنه يريد معنى مع والاسم يعمل فيه ما. ومثل ذلك قول العرب: إنك ما وخيراً تريد: إنك مع خير. وقال وهو لأبي عنترة العبسي: فمن يك سائلاً عني فإني وجروة لا ترود ولا تعار فهذا كله ينتصب انتصاب إني وزيداً منطلقان ومعناهن مع لأن إني ها هنا بمنزلة الابتداء ليست بفعل ولا اسم بمنزلة الفعل. وكيف أنت وزيد وأنت وشأنك مثالهما واحد لأن الابتداء وكيف وما وأنت يعملن فيما كان معناه مع بالرفع فيحسن ويحمل على " المبتدأ كما يحمل على " الابتداء. ألا ترى أنك تقول: ما أنت وما زيد فيحسن ولو قلت: ما صنعت وما زيد لم يحسن ولم يستقم إذا أردت معنى ما صنعت وزيداً ولم يكن لتعمل ما أنت وكيف أنت عمل صنعت وليستا بفعل ولم نرهم أعملوا شيئاً من هذا كذا. فإذا نصبت فكأنك قلت: ما صنعت زيداً مثل ضربت زيداً ورأيت. ولم نر شيئاً من هذا ليس بفعل فعل به هذا فتجريه مجرى الفعل. وزعموا أن ناساً يقولون: كيف أنت وزيداً وما أنت وزيداً. وهو قليل في كلام العرب ولم يحملوا الكلام على ما ولا كيف ولكنهم حملوه على الفعل على شيء لو ظهر حتى يلفظوا به لم ينقض ما أرادوا من المعنى حين حملوا الكلام على ما وكيف كأنه قال: كيف تكون وقصعة من ثريد وما كنت وزيداً لأن كنت وتكون يقعان ها هنا كثيراً ولا ينقضان ما تريد من معنى الحديث. فمضى صدر الكلام وكأنه قد تكلم بها " وإن كان لم يلفظ بها لوقوعها ههنا كثيراً ". ومن ثم أنشد بعضهم: فما أنا والسير في متلف يبرح بالذكر الضابط لأنهم يقولون: " ما كنت " هنا كثيراً ولا ينقض هذا المعنى. وفي " كيف " معنى يكون فجرى " ما أنت " مجرى " ما كنت " كما أن كيف على معنى يكون. وإذا قال: أنت وشأنك فإنما أجرى كلامه على ما هو فيه الآن لا يريد كان ولا يكون. وإن كان حمله على هذا ودعاه إليه شيء قد كان بلغه فإنما ابتدأ وحمله على ما هو فيه الآن وجرى على ما يبنى على المبتدأ. ولذلك لم يستعملوا ههنا الفعل من كان ويكون لما أرادوا من الإجراء على ما ذكرت لك. وزعم أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب الموثوق بهم ينشد " هذا البيت نصباً ": أتوعدني بقومك يا ابن حجل أشابات يخالون العبادا بما جمت من حضن وعمرو وما حضن وعمرو والجيادا وزعموا أنالراعي كان ينشد هذا البيت نصباً: أزمان قومي والجماعة كالذي منع الرحالة أن تميل مميلا كأنه قال: أزمان كان قومي والجماعة فحملوه على كان. أنها تقع في هذا الموضع كثيراً ولا تنقض ما أرادوا من المعنى حين يحملون الكلام على ما يرفع فكأنه إذا قال: أزمان قومي كان معناه: أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي وما كان حضن وعمرو والجيادا. ولو لم يقل: أزمان كن قومي لكان معناه إذا قال: أزمان قومي أزمان كان قومي لأنه أمر قد مضى. وأما أنت وشأنك وكل امرئ وضيعته وأنت أعلم وربك وأشبه ذلك فكله رفع لا يكون فيه النصب لأنك إنما تريد أن تخبر بالحال التي فيها المحدث عنه في حال حديثك فقلت: أنت الآن وأما الاستفهام فإنهم أجازوا فيه النصب لأنهم يستعملون الفعل في ذلك الموضع كثيراً يقولون: ما كنت وكيف تكون إذا أرادوا معنى مع ومن ثم قالوا: أزمان قومي والجماعة لأنه موضع يدخل فيه الفعل كثيراً يقولون: أزمان كان وحين كان. وهذا مشبه بقول صرمة الأنصاري: بداء لي أنى لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فجعلوا الكلام على شيء يقع هنا كثيراً. ومثله " قول الأخوص ": مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها فحملوه على ليسوا بمصلحين ولست بمدرك. ومثله لعامر بن جوين الطائي: فلم أر مثلها خباسة واحد ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله فحملوه على أن لأن الشعراء قد يستعملون أن ههنا مضطرين كثيراً.
باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام
وذلك قولك: مالك وزيداً وما شأنك وعمراً. فإنما حد الكلام ههنا: ما شأنك وشأن عمرو. فإن حملت الكلام على الكاف المضمرة فهو قبيح وإن حملته على الشأن لم يجز لأن الشأن ليس يلتبس بعبد الله إنما يلتبس به الرجل المضمر في الشأن. فلما كان ذلك قبيحاً حملوه على الفعل فقالوا: ما شأنك وزيداً أي ما شأنك وتناولك زيداً. قال المسكين الدارمي: فما لك والتلدد حول نجد وقد غصت تهامة بالرجال وقال: وما لكم والفرط لا تقربوه وقد خلته أدنى مرد لعاقل ويدلك أيضاً على قبحه إذا حمل على الشأن أنك إذا قلت: ما شأنك وما عبد الله لم يكن كحسن ما جرم وما ذاك السويق لأنك توهم أن الشأن هو الذي يلتبس بزيد " وإنما يلتبس شأن الرجل بشأن زيد ". ومن أراد ذلك فهو ملغز تارك لكلام الناس الذي يسبق إلى أفئدتهم. فإذا أظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر لأنه قد حسن أن تحمل الكلام على عبد الله لأن المظهر المجرور يحمل عليه المجرور. وسمعنا بعد العرب يقول: ما شأن عبد الله والعبر يشتمها. وسمعنا أيضاً من العرب الموثوق بهم من يقول: ما شأن قيس والبر تسرقه. لما أظهروا الاسم حسن عندهم أن يحملوا عليه فإذا أضمرت فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيداً أو وملابستك زيداً فكان أن يكون زيد على فعل وتكون الملابسة على الشأن لأن الشأن معه ملابسة له أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر. فإن أظهرت " الاسم في الجر " عمل عمل كيف في الرفع. ومن قال: ما أنت وزيداً قال: ما شأن عبد الله وزيداً. كأنه قال: ما كان شأن عبد الله وزيداً وحمله على كان لأن كان تقع ههنا. والرفع أجود وأكثر " في: ما أنت وزيد " والجر في قولك: ما شأن عبد الله وزيد أحسن وأجود كأنه قال: ما شأن عبد الله وشأن زيد ومن نصب في: ما أنت وزيداً أيضاً قال: ما لزيد وأخاه كأنه قال: ما لزيد وأخاه كأنه قال: ما كان شأن زيد وأخاه لأنه يقع في هذا المعنى ههنا فكأنه قد كان تكلم به. ومن ثم قالوا: حسبك وزيداً لما كان فيه معنى كفاك وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال: حسبك ويحسب أخاك درهم. وكذلك: كفيك " وقدك وقطك ". وأما ويلاً له وأخاه وويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه كأنك قلت: ألزمه الله ويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه فلما كان كذلك - وإن كان لا يظهر - حمله على المعنى. وإن قلت: ويل له وأباه نصبت لأن فيه ذلك المعنى كما أن حسبك يرتفع بالابتداء وفيه معنى كفاك. وهو نحو مررت به وأباه وإن كان أقوى لأنك ذكرت الفعل كأنك قلت: ولقيت أباه. وأما هذا لك وأباك فقبيح " أن تنصبالأب " لأنه لم يذكر فعلاً ولا حرفاً في معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل.
باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل وإظهاره
وذلك قولك: سقياً ورعياً ونحو قولك: خيبة ودفراً وجدعاً وعقراً وبؤساً وأفة وتفة وبعداً وسحقاً. ومن ذلك قولك: تعساً وتباً وجوعاً " وجوساً ". ونحو قول ابن ميادة: تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجارية بهراً لهم بعدها بهرا أي تباً. " وقال: كأنه قال: جهداً أي جهدي ذلك ". وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل كأنك قلت: سقاك الله سقياً ورعاك " الله " رعياً وخيبك الله خيبة. فكل هذا وأشباهه على هذا ينتصب. وإنما اختزل الفعل ها هنا لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ بالفعل كما جعل الحذر بدلاً من احذر. وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله ورعاك " الله " ومن خيبك الله. وما جاء منه لا يظهر له فعل فهو على هذا المثال نصب كأنك جعلت بهراً بدلاً من بهرك الله فهذا تمثيل ولا يتكلم به. ومما يدلك أيضاً على أنه على الفعل نصب أنك لم تذكر شيئاً من هذه المصادر لتبني عليه كلاماً كما يبنى على عبد الله إذا ابتدأته وأنك لم تجعله مبنياً على اسم مضمر في نيتك ولكنه على دعائك له أو عليه. وأما ذكرهم " لك " بعد سقياً فإنما هو ليبينوا المعنى بالدعاء. وربما تركوه استغناء إذا عرف الداعي أنه قد علم من يعني. وربما جاء به على العلم توكيداً فهذا بمنزلة قولك: " بك " بعد قولك: مرحباً يجريان مجرى واحداً فيما وصفت لك. قال أبو زبيد: أقام وأقوى ذات يوم وخيبة لأول من يلقى وشر ميسر وهذا شبيه رفعه ببيت سمعناه ممن يوثق بعربيته يرويه لقومه قال: عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم يقول الخنا أو تعتريك زنابره فلم يحمل الكلام على اذعرين ولكنه قال: إنما عذرك إياي من مولى هذا أمره. ومثله قول الشاعر: أهاجيتم حسان عند ذكائه فغي لأولاد الحماس طويل وفيه المعنى الذي يكون في المنصوب كما أن قولك: رحمة الله عليه فيه معنى الدعاء كأنه قال: رحمه الله.
هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها
وذلك قولك: ترباً وجندلاً وما أشبه هذا. فإن أدخلت " لك " فقلت: ترباً لك. فإن تفسيراً ههنا كتفسيرها في الباب الأول كأنه قال: ألزمك الله وأطعمك الله ترباً وجندلاً وما أشبه " من الفعل " واختزل الفعل ها هنا لأنهم جعلوه بدلاً من قولك: تربت يداك " وجندلت ". وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنياً عليه ما بعده قال الشاعر: لقد ألب الواشون ألباً لبينهم فترب لأفواه الوشاة وجندل وفيه ذلك المعنى الذي في المنصوب كما كان ذلك في الأول. ومن ذلك قول العرب: فاها لفيك وإنما تريد: فا الداهية كأنه قال: ترباً لفيك فصار بدلاً من اللفظ بالفعل وأضمر له كما أضمر للترب والجندل فصار بدلاً من اللفظ بقوله: دهاك الله. وقال أبو سدرة " الهجمي ": تحسب هواس وأقبل أنني بها مفتد من واحد لا أغامره فقلت له: فاها لفيك فإنها قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره ويدلك على أنه يريد به الداهية قوله وهو عامر ابن الأحوص: وداهية من دواهي المنو - ن ترهبها الناس لا فالها فجعل للداهية فما حدثنا بذلك من يوثق به.
وهذا باب من الصفات
وذلك قولك: هنيئاً مرياً " كأنك قلت: ثبت لك هنيئاً مريئاً وهنأه ذلك هنيئاً ". وإنما نصبته لأنه ذكر " لك " خيرا أصابه رجل فقلت: هنيئاً مريئاً كأنك قلت: ثبت ذلك له هنيئاً مريئاً أو هنأه ذلك هنيئاً فاختزل الفعل لأنه صار بدلاً من اللفظ بقولك: هنأك. ويدلك على أنه على إضمار هنأك ذلك هنيئاً قول الشاعر وهو الأخطل: إلى إمام تغادينا فواضله أظفره الله فليهنئ له الظفر كأنه إذا قال: هنيئاً له الظفر فقد قال: ليهنئ له الظفر وإذا قال: ليهنئ له الظفر فقد قال: هنيئاً له الظفر فكل واحد منهما بدل من صاحبه فلذلك اختزلوا الفعل هنا كما اختزلوه في قولهم: الحذر. فالظفر والهنئ عمل فيهما الفعل والظفر بمنزلة الاسم في قوله: هنأه ذلك حين مثل. وكذلك قول الشاعر: هنيئاً لأرباب البيوت بيوتهم وللعزب المسكين ما يتلمس
باب ما جرى من المصادر المضافة مجرى المصادر المفردة المدعو بها
وذلك: ويلك وويحك وويسك وويبك. ولا يجوز: سقيك إنما تجرىي ذا كما أجرت العرب. ومثل ذلك: عددتك وكلتك " ووزنتك " ولا تقول: وهبتك لأنهم لم يعدوه. ولكن: وهبت لك. وهذا حرف لا يتكلم به مفرداً إلا أن يكون على ويلك وهو قولك: ويلك وعولك ولا يجوز: عولك.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء
من ذلك قولك: حمداً وشكراً لا كفراً وعجباً وأفعل ذلك وكرامة ومسرة ونعمة عين وحباً ونعام عين ولا أفعل ذاك ولا كيداً ولا هماً ولأفعلن ذاك ورغماً وهواناً. فإنما ينتصب هذا على إضمار الفعل كأنك قلت: أحمد الله حمداً وأشك الله شكراً وكأنك قلت: أعجب عجباً وأكرمك كرامة وأسرك مسرة ولا أكاد كيداً ولا أهم هماً وأرغمك وإنما اختزل الفعل ههنا لأنهم جعلوا هذا بدلاً من اللفظ بالفعل كما فعلوا ذلك في باب الدعاء. كأن قولك: حمداً في موضع أحمد الله وقولك: عجباً منه في موضع أعجب منه وقوله: ولا كيداً في موضع ولا أكاد ولا أهم. وقد جاء بعض هذا رفعاً يبتدأ ثم يبنى عليه. وزعم يونس أن رؤبة ابن العجاج كان ينشد هذا البيت رفعاً وهو لبعض مذحج " وهو هني ابن أحمر الكناني ": عجب لتلك قضية وإقامتي فيكم على تلك القضية أعجب وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له: كيف أصبحت فيقول: حمد الله وثناء عليه كأنه يحمله على مضمر في نيته هو المظهر كأنه يقول: أمري " وشأني " حمد الله وثناء عليه. ولو نصب لكان الذي في نفسه الفعل ولم يكن مبتدأ لبيني عليه ولا ليكون مبنياً على شيء هو ما أظهر. وهذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه: فقالت حنان ما أتى بك ههنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف لم ترد حن ولكنها قالت: أمرنا حنان أو ما يصيبنا حنان. وفي هذا المعنى كله معنى النصب. ومثله في أنه على الابتداء وليس على فعل قوله عز وجل: " قالوا معذرة إلى ربكم ". لم يريدوا أن يعتذروا اعتذاراً مستأنفاً من أمر ليموا عليه ولكنهم قيل لهم: " لم تعظون " قوماً " قالوا: موعظتنا معذرة إلى ربكم. ولو قال رجل لرجل: معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا يريد اعتذاراً لنصب. ومثل ذلك قول الشاعر: يشكو إلى جملى طول السرى صبر جميل فكلانا مبتلى والنصب أكثر وأجود لأنه يأمره. ومثل الرفع " فصبر جميل والله المستعان " كأنه يقول: الأمر صبر جميل. والذي يرفع عليه حنان وصبر وما أشبه ذلك لا يستعمل إظهاره وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب فيه. ومثله قول بعض العرب: من أنت زيد أي من أنت كلامك زيد فتركوا إظهار الرافع كترك إظهار الناصب ولأن فيه ذلك المعنى وكان بدلاً من اللفظ بالفعل وسترى مثله إن شاء الله.
هذا باب أيضاً من المصادر ينتصب ولكنها مصادر وضعت موضعاً واحداً لا تتصرف في الكلام تصرف ما ذكرنا من المصادر، وتصرفها أنها تقع في موضع الجر والرفع وتدخلها الألف واللام
وذلك قولك: سبحان الله ومعاذ الله وريحانه وعمرك الله إلا فعلت " وقعدك الله إلا فعلت " كأنه حيث قال: سبحان الله قال: تسبيحاً وحيث قال: وريحانه قال: واسترزاقاً لأن معنى الريحان الرزق. فنصب هذا على أسبح الله تسبيحاً واسترزق الله استرزاقاً فهذا بمنزلة سبحان الله وريحانه وخزل الفعل ههنا لأنه بدل من اللفظ بقوله: سبحك واسترزقك. وكأنه حيث قال: معاذ الله قال: عياذاً بالله. وعياذاً انتصب على أعوذ بالله عياذاً ولكنهم لم يظهروا الفعل ههنا كما لم يظهر في الذي قبله. وكأنه حيث قال: عمرك الله وقعدك الله. قال: عمرتك الله بمنزلة نشدتك الله فصارت عمرك الله منصوبة بعمرتك الله كأنك قلت: عمرتك عمراً ونشدتك نشداً ولكنهم خزلوا الفعل لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ به. قال الشاعر: عمرتك الله إذا ما ذكرت لنا هل كنت جارتنا أيام ذي سلم فقعدك الله يجري هذا المجرى وإن لم يكن له فعل. وكأن قوله: عمرك الله وقعدك الله بمنزلة نشدك الله وإن لم يتكلم بنشدك الله ولكن زعم الخليل رحمه الله أن هذا تمثيل يمثل به. قال الشاعر ابن أحمر: عمرتك الله الجليل فإنني ألوي عليك لو أن لبك يهتدي والمصدر النشدان والنشدة. وهذا ذكر معنى " سبحان " وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه وما أشبهه. زعم أبو الخطاب أن سبحان الله كقولك: براءة الله من السوء كأنه يقول: " أبرئ " براءة الله من السوء. وزعم أن مثله قول الشاعر وهو الأعشى: أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر أي براءة منه. وأما ترك التنوين في سبحان فإنما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفة وانتصابه كانتصاب الحمد لله. وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل: سلاماً تريد تسلماً منك كما قلت: براءة منك تريد: لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلاناً فقل " له " سلاماً. فزعم أنه سأله ففسره له بمعنى براءة منك. وزعم أن هذه الآية: " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " بمنزلة ذلك لأن الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قولك: " براءة منكم " وتسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر. وزعم أن قول الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت: سلامك ربنا في كل فجر بريئاً ما تغنثك الذموم على قوله: براءتك ربنا من كل سوء. فكل هذا ينتصب انتصاب حمداً وشكراً إلا أن هذا يتصرف وذاك لا يتصرف. ونظير سبحان الله في البناء من المصادر والمجرى لا في المعنى " غفران " لأن بعض العرب يقول: غفرانك لا كفرانك يريد استغفاراً لا كفراً. ومثل هذا قوله جل ثناؤه: " ويقولون حجراً محجوراً أي حراماً محرماً يريدبه البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً فكأنه قال: أحرم ذلك حراماً محرماً. ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: أتفعل كذا وكذا فيقول: حجراً أي ستراً وبراءة من هذا. فهذا ينتصب على إضمار الفعل ولم يرد أن يجعله مبتدأ خبره بعده ولا مبنياً على اسم مضمر. واعلم أن من العرب من يرفع سلاماً إذا أراد معنى المبارأة كما رفعوا حنان. سمعنا بعض العرب يقول " لرجل ": لا تكونن مني " في شيء " إلا سلام بسلام أي أمري وأمرك المبارأة والمتاركة. وتركوا لفظ ما يرفع كما تركوا فيه لفظ ما ينصب لأن فيه ذلك المعنى ولأنه بمنزلة لفظك بالفعل. وقد جاء سبحان منوناً مفرداً في الشعر قال الشاعر وهو أمية ابن أبي الصلت: سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد شبهه بقولهم: حجراً وسلاماً. وأما سبوحاً قدوساً رب الملائكة والروح فليس بمنزلة سبحان الله لأن السبوح والقدوس اسم ولكنه على قوله: أذكر سبوحاً قدوساً. وذاك أنه خطر على باله أو ذكره ذاكر فقال: سبوحاً أي ذكرت سبوحاً كما تقول: أهل ذاك إذا سمعت الرجل ذكر الرجل بثناء أو يذم كأنه قال: ذكرت أهل ذاك لأنه حيث جرى ذكر الرجل " في منطقه " صار عنده بمنزلة قوله: أذكر فلاناً أو ذكرت فلاناً. كما أنه حيث أنشد ثم قال: صادقاً صار الإنشاد عنده بمنزلة قال ثم قال: صادقاً وأهل ذاك فحمله على الفعل متابعاً للقائل والذاكر. فكذلك: سبوحاً قدوساً كأن نفسه " صارت " بمنزلة الرجل الذاكر والمنشد حيث خطر على باله الذكر ثم قال: سبوحاً قدوساً أي ذكرت سبوحاً متابعاً لها فيما ذكرت وخطر على بالها. وخزلوا الفعل لأن هذا الكلام صار عندهم بدلاً من سبحت كما كان مرحباً بدلاً من رحبت بلادك وأهلت. ومن العرب من يرفع فيقول: سبوح قدوس " رب الملائكة والروح " كما قال: أهل ذاك وصادق والله. وكل هذا على ما سمعنا العرب تتكلم به رفعاً ونصباً. ومثل ذلك: خير ما رد في أهل ومال " وخير ما رد في أهل ومال " أجري مجرى خير مقدم وخير مقدم. ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره ولكنه في معنى التعجب قولك: كرماً وصلفاً كأنه قال: ألزمك الله وأدام لك كرماً وألزمت صلفاً ولكنهم خزلوا الفعل ههنا كما خزلوه في الأول لأنه صار بدلاً من قولك: أكرم به وأصلف به كما انتصب مرحباً. وقلت " لك " كما قلت " بك " بعد مرحباً لتبين من تعني فصار بدلاً في اللفظ من رحبت " بلادك. وسمعت أعرابياً وهو أبو مرهب يقول: كرماً وطول أنف أي أكرم بك وأطول بأنفك ".
باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها ما بعدها وما أشبه المصادر من الأسماء والصفات
وإنما استحبوا الرفع فيه لأنه صار معرفة وهو خبر فقوي في الابتداء بمنزلة عبد الله والرجل الذي تعلم لأن الابتداء إنما هو خبر وأحسنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة أن يبتدئ بالأعرف وهو أصل الكلام. ولو قلت: رجل ذاهب لم يحسن حتى تعرفه بشيء فتقول: راكب من بني فلان سائر. وتبيع الدار فتقول: حد منها كذا وحد منها كذا فأصل الابتداء للمعرفة. فلما أدخلت فيه الألف واللام وكان خبراً حسن الابتداء وضعف الابتداء بالنكرة إلا أن يكون فيه معنى المنصوب. وليس كل حرف يصنع به ذاك كما أنه ليس كل حرف يدخل فيه الألف واللام من هذا الباب. لو قلت: السقي لك والرعي لك لم يجز. واعلم أن الحمد لله وإن ابتدأته ففيه معنى المنصوب وهو بدل من اللفظ بقولك: أحمد الله. وأما قوله: شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر لأن فيه معنى ما جاء بك إلا شيء. ومثله مثل للعرب: " شر أهر ذا ناب ". وقد ابتدئ في الكلام على غير ذا المعنى وعلى غير ما فيه معنى المنصوب وليس بالأصل قالوا في مثل: " أمت في الحجر لا فيك ". ومن العرب من ينصب بالألف واللام من ذلك قولك: الحمد لله فينصبها عامة بني تميم وناس وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون: التراب لك والعجب لك. فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة كأنك قلت: حمداً وعجباً ثم جئت بلك لتبين من تعني ولم تجعله مبنياً عليه فتبتدئه.
هذا باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء
وذلك قولك: سلام عليك ولبيك وخير بين يديك وويل لك وويح لك وويس لك وويلة لك وعولة لك وخير له وشر له و " لعنة الله على الظالمين ". فهذه الحروف كلها مبتدأ مبني عليها ما بعدها والمعنى فيهن أنك ابتدأ شيئاً قد ثبت عندك ولست في حال حديثك تعمل في إثباتها وتزجيتها وفيها ذلك المعنى كما أن حسبك فيها معنى النهي وكما أن رحمه الله عليه فيه معنى رحمة الله. فهذا المعنى فيها ولم تجعل بمنزلة الحروف التي إذا ذكرته كنت في حال ذكرك إياها تعمل في إثباتها وتزجيتها كما أنهم لم يجعلوا سقياً ورعياً بمنزلة هذه الحروف فإنما تجريها كما أجرت العرب وتضعها في المواضع التي وضعن فيها ولا تدخلن فيها ما لم يدخلوا من الحروف. ألا أترى أنك لو قلت: طعاماً لك وشراباً لك ومالاً لك تريد معنى سقياً أو معنى المرفوع الذي فيه معنى الدعاء لم يجز لأنه لم يستعمل هذا الكلام كما استعمل ما قبله. فهذا يدلك ويبصرك أنه ينبغي لك أن تجري هذا الحروف كما أجرت العرب وأن تعني ما عنوا " بها ". فكما لم يجز أن يكون كل حرف بمنزلة المنصوب الذي أنت في حال ذكرك إياه تعمل في إثباته وتزجيته ولم يجز لك أن تجعل المنصوب بمنزلة المرفوع. إلا أن العرب ربما أجرت الحروف على الوجهين. ومثل الرفع: " طوبى لهم وحسن مآب " يدلك على رفعها رفع حسن مآب. وأما قوله تعالى جده: " ويل يومئذ للمكذبين " و " ويل للمطففين " فإنه لا ينبغي أن تقول إنه دعاء ههنا لأن الكلام بذلك قبيح واللفظ " به " قبيح ولكن العباد إنما كلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه والله أعلم قيل لهم: ويل للمطففين وويل " يومئذ " للمكذبين أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشر والهلكلة فقيل: هؤلاء ممن دخل في الشر والهلكة ووجب لهم هذا. ومثل ذلك " قوله تعالى ": " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ". فالعلم قد أتى من وراء ما يكون ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلما. وتقول: ويل له ويل طويل فإن شئت جعلته بدلاً من المبتدأ الأول وإن شئت جعلته صفة له وإن شئت قلت: ويل لك ويلاً طويلاً تجعل الويل الآخر غير مبدول ولا موصوف به ولكنك تجعله دائماً أي ثبت لك الويل دائماً. ومن هذا الباب: فداء لك أبي وأمي وحمي لك أبي ووقاء لك أمي. ولا تقول: عولة لك إلا أن يكون قبلها ويلة لك ولا تقول: عول لك حتى تقول: ويل لك لأن ذا يتبع ذا كما أن ينوءك يتبع يسوءك ولا يكون ينوءك مبتدأ. واعلم أن بعض العرب يقول: ويلاً له وويلة له وعولة لك ويجريها مجرى خيبة. من ذلك قول الشاعر وهو جرير: كسا اللؤم تيماً خضرة في جولدها فويلاً لتيم من سرابيلها الخضر ويقول الرجل: يا ويلاه! فيقول الآخر: ويلاً كيلاً! كأنه يقول: لك ما دعوت به ويلاً كيلاً. يدلك على ذلك قولهم إذا قال يا ويلاه: نعم ويلاً كيلاً أي كذلك أمرك أو لك الويل ويلاً كيلاً. وهذا مشبه بقوله: ويل له ويلاً كيلاً. وربما قالوا: يا ويلاً كيلاً وإن شاء جعله على قوله: جدعاً وعقراً. فوضعوا الكلام فيه على غير ما وضعت العرب وذلك قولك: ويح له وتب وتباً لك وويحاً. فجعلوا التب بمنزلة الويح وجعلوا ويح بمنزلة التب فوضعوا كل واحد منهما على غير الموضع الذي وضعته العرب. ولا بد لويح مع قبحها من أن تحمل على تب لأنها إذا ابتدأت لم يجز حتى يبنى عليها كلام وإذا حملتها على النصب كنت تبنيها على شيء مع قبحها. فإذا قلت: ويح له ثم ألحقتها التب فإن النصب فيه أحسن لأن تباً إذا نصبتها فهي مستغنية عن لك فإنما قطعتها من أول الكلام كأنك قلت: وتباً لك فأجريتها على ما أجرتها العرب. فأما النحويون فيجعلونها بمنزلة ويح. ولا تشبهها لأن تباً تستغنى عن لك ولا تستغنى ويح عنها فإذا قلت: تباً له وويح له فالرفع ليس فيه كلام ولا يختلف النحويون في نصب التب إذا قلت: ويح له وتباً له. فهذا يدلك على أن النصب في تب فيما ذكرنا أحسن لأن " له " لم يعمل في التب.
هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه يصير في الإخبار
وذلك قولك: ما أنت إلا سيراً وإلا سيراً سيراً وما أنت إلا الضرب الضرب وما أنت إلا قتلا قتلا وما أنت إلا سير البريد " سير البريد ". فكأنه قال في هذا كله: ما أنت إلا تفعل فعلاً وما أنت إلا تفعل الفعل ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك. وصار في الاستفهام والخبر بمنزلته في الأمر والنهي لأن الفعل يقع ههنا كما يقع فيهما وإن كان الأمر والنهي أقوى لأنهما لا يكونان بغير فعل فلم يمتنع المصدر ههنا " أن ينتصب " لأن العمل يقع ههنا مع المصدر في الاستفهام " والخبر كما يقع في الأمر والنهي والآخر غير الأول كما كان ذلك في الأمر والنهي إذا قلت: ضرباً فالضرب غير المأمور ". وتقول: زيد سيراً سيراً وإن زيداً سيراً سيراً وكذلك في ليت ولعل ولكن وكأن وما أشبه ذلك " وكذلك إن قلت: أنت الدهر سيراً سيراً " وكان عبد الله الدهر سيراً سيراً وأنت مذ اليوم سيراً سيراً. واعلم أن السير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعض ببعض في أي الأحوال كان. وأما قولك: إنما أنت سير فإنما جعلته خبراً لأنت ولم تضمر فعلاً. وسنبين لك وجهه إن شاء الله. ومن ذلك قولك: ما أنت إلا شرب الإبل وما أنت إلا ضرب الناس وما أنت إلا ضرباً الناس. وأما شرب الإبل فلا ينون لأنك لم تشبهه بشرب الإبل وأن الشرب ليس بفعل يقع منك على الإبل. ونظير ما انتصب قول الله عز وجل في كتابه: " فإما منا بعد وإما فداء " إنما انتصب على: فإما تمنون مناً وإما تفادون فداء ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك. ومثله قول " الشاعر وهو " جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عياً بهن ولا اجتلابا كأنه نفى قوله: فعياً بهن واجتلابا أي فأنا أعيا بهن وأجتلبهن اجتلاباً ولكنه نفى هذا حين قال: " فلا ". ومثله قولك: ألم تعلم يا فلان مسيري فإتعاباً وطرداً. فإنما ذكر مسرحه وذكر مسيره وهما عملان فجعل المسير إتعاباً وجعل المسرح لا عي فيه وجعله فعلاً متصلاً إذا سار وإذا سرح. وإن شئت رفعت هذا كله فجعلت الآخر هو الأول فجاز على سعة الكلام. من ذلك قول الخنساء: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار فجعلها الإقبال والإدبار فجاز على سعة الكلام كقولك: نهارك صائم وليلك قائم. لعمري وما دهري بتأبين هالك ولا جزع مما أصاب فأوجعا جعل دهره الجزع. والنصب جائز على قوله: فلا عياً بهن ولا اجتلابا. وإنما أراد: وما دهري دهر جزع ولكنه جاز على سعة الكلام واستخفوا واختصوا كما فعل ذلك فيما مضى. وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك: أقياماً يا فلان والناس قعود وأجلوساً والناس يعدون لا يريد أن يخبر أنه يجلس ولا أنه قد جلس وانقضى جلوسه ولكنه يخبر أنه في تلك الحال في جلوس وفي قيام. وقال الراجز وهو العجاج: أطرباً وأنت قنسري وإنما أراد: أتطرب أي أنت في حال طرب ولم يرد أن يخبر عما مضى ولا عما يستقبل. ومن ذلك قول بعض العرب: " أغدة كغدة البعير وموتاً في بيت سلولية " كأنه إنما أراد: أأغد غدة كغدة البعير وأموت موتاً في بيت سلولية. وهو بمنزلة أطرباً وتفسيره كتفسيره. وقال جرير: أعبداً حل في شعبي غريباً ألؤماً لا أبا لك واغتراباً يقول: أتلؤم لؤماً وأتغترب اغترابا وحذف الفعلين في هذا الباب لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ " وأما عبداً فيكون على ضربين: إن شئت على النداء وإن شئت على قوله: أتفتخر عبداً ثم حذف الفعل ". وكذلك إن أخبرت ولم تستفهم تقول: سيراً سيراً عنيت نفسك أو غيرك وذلك أنك رأيت رجلاً في حال سير أو كنت في حال سير أو ذكر رجل يسير أو ذكرت أنت بسير وجرى كلام يحسن بناء هذا عليه كما حسن في الاستفهام. لأنك إنما تقول: أطرباً وأسيراً إذا رأيت ذلك من الحال أو ظننته فيه. وعلى هذا يجري هذا الباب إذا كان خبراً أو استفهاماً إذا رأيت رجلاً في حال سير أو ظننته فيه فأثبت ذلك له. وكذلك " أنت " في الاستفهام إذا قلت: أأنت سيراً. ومعنى هذا الباب أنه فعل متصل في حال ذكرك إياه استفهمت أو أخبرت وأنك في حال ذكرك شيئاً من هذا الباب تعمل في تثبيته لك أو لغيرك. ومثل ما تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر: سماع الله والعلماء أني أعوذ بحقو خالك يا ابن عمرو وذلك أنه جعل نفسه في حال من يسمع فصار بمنزلة من رآه في حال سير فقال: إسماعا الله
هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل استفهمت أو لم تستفهم
وذلك قولك: أقائماً وقد قعد الناس وأقاعداً وقد سار الركب. وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تستفهم تقول: قاعداً علم الله وقد سار الركب وقائماً قد علم الله وقد قعد الناس. وذلك أنه رأى رجلاً في حال قيام أو حال قعود فأراد أن ينبهه فكأنه لفظ بقوله: أتقوم قائماً وأتقعد قاعداً ولكنه حذف استغناء بما يرى من الحال وصار الاسم بدلاً من اللفظ بالفعل فجرى مجرى المصدر في هذا الموضع. ومثل ذلك: عائذاً بالله من شرهاً كأنه رأى شيئاً يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار بمنزلة الذي رآه في حال قيام وقعود لأنه يرى نفسه في تلك الحال فقال: عائذاً " بالله " كأنه قال: أعوذ بالله عائذاً بالله ولكنه حذف الفعل لأنه بدل من قوله: أعوذ بالله فصار هذا يجري ها هنا مجرى عياذاً بالله. ومنهم من يقول: عائذ بالله من شر فلان. وإذا ذكرت شيئاً من هذا الباب فالفعل متصل في حال ذكرك وأنت تعمل في تثبيته لك أو لغيرك في حال ذكرك إياه كما كنت في باب حمداً وسقياً وما أشبهه إذا ذكرت شيئاً منه في حال تزجيه وإثبات وأجريت عائذاً " بالله " في الإضمار والبدل مجرى المصدر كما كان هنيئاً بمنزلة المصدر فيما ذكرت لك. وقال الشاعر وهو عبد الله بن الحارث السهمي من أصحاب رسول الله ﷺ: ألحق عذابك بالقوم الذي طغوا وعائذاً بك أن يعلوا فيطغوني فكأنه قال: وعياذاً بك. ومثله قوله: أراك جمعت مسألة وحرصاً وعند الحق زحاراً أنانا كأنه قال: " تزحر " زحيراً و " تئن " أنيناً " ثم وضعه مكان هذا أي أنت عند الحق هكذا ".
هذا باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل
وذلك قولك: أتميمياً مرة وقيسياً أخرى. وإنما هذا أنك رأيت رجلاً في حال تلون وتنقل فقلت: أتميماً مرة وقيسياً أخرى كأنك قلت: أتحول تميمياً مرة وقيسياً أخرى. فأنت في هذه الحال تعمل في تثبين هذا له وهو عندك في تلك الحال في تلوم وتنقل وليس يسأله مسترشداً عن أمر هو جاهل به ليفهمه إياه ويخبره عنه ولكنه وبخه بذلك. وحدثنا بعض العرب أن رجلاً من بني أسد قال يوم جبلة واستقبله بعير أعور فتطير " منه " فقال: يا بني أسد أعور وذا ناب! فلم يرد أن يسترشدهم ليخبروه عن عوره وصحته ولكنه نبههم كأنه قال: أتستقبلون أعور وذا ناب! فالاستقبال في حال تنبيهه إياهم كان واقعاً كما كان التلون والتنقل عندك ثابتين في الحال الأول وأراد أن يثبت لهم الأعور ليحذوره. ومثل ذلك قول الشاعر: أفي السلم أعياراً جفاء وغلظة وفي الحرب أشباه الإماء العوارك أي تنقلون وتلونون مرة كذا ومرة كذا. وقال: أفي الولائم أولاداً لواحدة وفي العيادة أولاداً لعلات وأما قول الشاعر: أعبداً حل في شعبي غريباً فيكون على وجهين: على النداء على أنه رآه في حال افتخار واجتراء فقال: أعبداً أي أتفخر عبداً كما قال: أتميمياً " مرة ". وإن أخبرت في هذا الباب على هذا الحد نصبت أيضاً كما نصب في حال الخبر الاسم الذي أخذ من الفعل وذلك قولك: تميمياً قد علم الله مرة وقيسياً أخرى. فلم ترد أن تخبر القوم بأمر قد جهلوه ولكنك أردت أن تشتمه بذلك فصار بدلاً من اللفظ بقولك: أتتم مرة وتتقيس أخرى وأتمضون وقد استقبلكم هذا وتنقلون وتلونون فصار هذا كهذا كما كان ترباً وجندلاً بدلاً من اللفظ بتربت وجندلت لو تكلم بهما. ولو مثلت ما نصبت عليه الأعيار والأعور في البدل من اللفظ لقلت: أتعيرون مرة وأتعورون إذا أوضحت معناه لأنك إنما تجريه مجرى ما له فعل من لفظه وقد يجرى مجرى الفعل ويعمل عمله ولكنه كان أحسن أن توضحه بما يتكلم به إذا كان لا يغير معنى الحديث. وكذلك هذا النحو ولكنه يترك استغناء بما يحسن من الفعل الذي لا ينقض المعنى. وأما قوله جل وعز: " بلى قادرين " فهو على الفعل الذي أظهر كأنه قال: بلى نجمعها قادرين. حدثنا بذلك يونس. وأما قوله وهو الفرزدق: فإنما أراد: ولا يخرج فيما أستقبل كأنه قال: ولا يخرج خروجاً. ألا تراه ذكر " عاهدت " في البيت الذي قبله فقال: ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رتاج قائماً ومقام ولو حمله على أنه نفى شيئاً هو فيه ولم يرد أن يحمله على عاهدت جاز. وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى فيما نرى لأنه لم يكن يحمله على عاهدت. فإذا قلت: ما أنت إلا قائم وقاعد وأنت تميمي مرة وقيسي أخرى وإني عائذ بالله ارتفع. ولو قال: هو أعور وذو ناب لرفع. هذا كله ليس فيه إلا الرفع لأنه مبني على الاسم الأول والآخر هو الأول فجرى عليه. وزعم يونس أن من العرب من يقول: عائذ بالله يريد: أنا عائذ بالله كأنه أمر قد وقع بمنزلة الحمد لله وما أشبهه. وزعم الخليل رحمه الله أن رجلاً لو قال: أتميمي يريد: " أنت " ويضمرها لأصاب. وإنما كان النصب ها هنا الوجه لأنه موضع يكون الاسم فيه عاقباً للفظ بالفعل فاختير فيه كما يختار فيما مضى من المصادر التي في غير الأسماء. والرفع جيد لأنه المحدث عنه والمستفهم. ولو قال: أعور وذو ناب كان مصيباً. وزعم يونس أنهم يقولون: عائذ بالله. فإن أظهر هذا المضمر لم يكن إلا الرفع إذ جاز الرفع وأنت تضمر وجاز لك أن تحمل عليه المصدر وهو غيره في قوله: أنت سر سير فلم يجز حيث أظهر الاسم عندهم إلا الرفع كما أنه لو أظهر الفعل الذي هو بدل منه لم يكن إلا نصباً. فكما لم يجز في الإضمار أن تضمر بعد الرفع ناصباً كذلك لم تضمر بعد الإظهار وصار المبتدأ والفعل يعمل كل واحد منهما على " حدة في هذا الباب لا يدخل واحد على " صاحبه.
باب ما يجيء من المصادر مثنى منتصباً على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك: حنانيك كأنه قال: تحننا بعد تحنن " كأنه يسترحمه ليرحمه " ولكنهم حذفوا الفعل لأنه صار بدلاً منه. ولا يكون هذا مثنى إلا في حال إضافة كما لم يكن سبحان الله ومعاذ الله إلا مضافاً. فحنانيك لا يتصرف كما لا يتصرف سبحان الله وما أشبه ذلك. قال الشاعر وهو طرفة بن العبد: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وزعم الخليل رحمه الله أن معنى التثنية أنه أراد تحننا بعد تحنن كأنه قال: كلما كنت في رحمة وخير منك فلا ينقطعن وليكن موصولاً بآخر من رحمتك. ومثل ذلك: لبيك وسعديك وسمعنا من العرب من يقول: سبحان الله وحنانيه كأنه قال: سبحان الله واسترحاماً كما قال: سبحان الله وريحانه يريد: واسترزاقه. وأما قولك: لبيك وسعديك فانتصب " هذا " كما انتصب سبحان الله وهو أيضاً بمنزلة قولك إذا أخبرت: سمعاً وطاعة. إلا أن لبيك لا يتصرف كما أن سبحان الله وعمرك الله وقعدك الله لا يتصرف. ومن العرب من يقول: سمع وطاعة أي أمرى سمع وطاعة بمنزلة: فقالت حنان ما أتى بك هاهنا وكما قال: سلام. والذي يرتفع عليه حنان وسمع وطاعة غير مستعمل كما أن الذي ينتصب عليه لبيك وسبحان الله غير مستعمل. وإذا قال: سمعاً وطاعة فهو في تزجية السمع والطاعة كما قال: حمداً وشكراً على هذا التفسير. ومثل ذلك: حذاريك كأنه قال: ليكن منك حذر بعد حذر كما أنه أراد بقوله لبيك وسعديك: إجابة بعد إجابة كأنه قال: كلما أجبتك في أمر فأنا في " الأمر " الآخر مجيب وكأن هذه التثنية أشد توكيداً. ومثله إذا أنه قد يكون حالاً وقع عليه الفعل قول الشاعر وهو عبد بني الحسحاس: إذا شق برد شق بالبرد مثله دواليك حتى ليس للبرد لابس أي مداولتك ومداولة " لك ". وإن شاء كان حالاً. ومثله أيضاً: ضرباً هذاذيك وطعناً وخضاً ومعنى " تثنية " دواليك أنه فعل من اثنين لأني إذا داولت فمن كل واحد منا فعل. وكذلك هذاذيك كأنه يقلو: هذا بعد هذ من كل وجه. وإن شاء حمله على أن الفعل وقع هذاً بعد هذا " فنصبه " على الحال. وزعم يونس أن لبيك اسم واحد ولكنه جاء على " هذا " اللفظ في الإضافة كقولك: عليك. وزعم الخليل أنها تثنية بمنزلة حواليك لأنا سمعناهم يقولون: حنان. وبعض العرب يقول: " لب " فيجريه مجرى أمس وغاق ولكن موضعه نصب. وحواليك بمنزلة حنانيك. ولست تحتاج في هذا الباب إلى أن تفرد لأنك إذا أظهرت الاسم تبين أنه ليس بمنزلة عليك وقد قالوا: حوالك " فأفردوا " كما قالوا: حنان. قال الراجز: أهدموا بيتك لا أبا لكا وحسبوا أنك لا أخا لكا وأنا أمشي الدألى حوالكا وقال: دعوت لما نابني مسوراً فلبي فلبي يدي مسور فلو كان بمنزلة على لقال: فلبي يدي مسور لأنك تقول: على زيد وإذا أظهرت الاسم.
باب ذكر معنى لبيك وسعديك
وما اشتقا منه وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه كما ذكر معنى سبحان الله. حدثنا أبو الخطاب أنه يقال للرجل المداوم على الشيء لا يفارقه ولا يقلع عنه: قد ألب فلان على كذا وكذا. ويقال: قد أسعد فلان فلاناً على أمره وساعده فالإلباب والمساعدة دنو ومتابعة: إذا ألب على الشيء فهو لا يفارقه وإذا أسعده فقد تابعه. فكأنه إذا قال الرجل للرجل: يا فلان فقال: لبيك وسعديك فقد قال له: قرباً منك ومتابعة لك. فهذا تمثيل وإن كان لا يستعمل في الكلام كما كان براءة الله تمثيلاً لسبحان الله ولم يستعمل. وكذلك إذا قال: لبيك وسعديك يعني بذلك الله عز وجل فكأنه قال: أي رب لا أنأى عنك في شيء تأمرني به. فإذا فعل ذلك فقد تقرب إلى الله بهواه. وأما قوله: وسعديك فكأنه يقول: أنا متابع أمرك وأولياءك غير مخالف. فإذا فعل ذلك فقد تابع وطاوع وأطاع. وإنما حملنا على تفسير لبيك وسعديك لنوضح به وجه نصبهما لأنهما ليسا بمنزلة سقياً وحمداً وما أشبه هذا. ألا ترى أنك تقول للسائل عن تفسير سقياً وحمداً: إنما هو سقاك الله سقياً وأحمد الله حمداً وتقول: حمداً بدل من أحمد الله وسقياً بدل من سقاك الله. ولا تقدر أن تقول: ألبك لباً وأسعدك سعداً ولا تقول: سعداً بدل من أسعد ولا لباً بدل من ألب. فلما لم يكن ذاك فيه التمس له شيء من غير لفظه معناه كبراءة الله حين ذكرناها لنبين معنى سبحان الله. فالتمست " ذلك " للبيك وسعديك واللفظ الذي اشتقا منه إذ لم يكونا فيه بمنزلة الحمد والسقي في فعلهما ولا يتصرفان تصرفهما. فمعناهما القرب والمتابعة فمثلت بهما النصب في لبيك وسعديك كما مثلت ببراءة النصب في سبحان الله. ومثل ذلك تمثيلك: أفة وتفة إذا سئلت عنهما بقولك: أنتنا لأن معناهما وحدهما واحد مثل تمثيلك بهراً بتباً ودفراً بنتناً. وأما قولهم: سبح ولبى وأفف فإنهما أراد أن يخبرك أنه قد لفظ بسبحان الله وبلبيك وبأف فصار هذا بمنزلة قوله: قد دعدع وقد بأبأ إذا سمعته يلفظ بدع وبقوله: بأبي. ويدلك على ذلك قولهم: هلل إذا قال: لا إله إلا الله. وإنما ذكرت هلل وما أشبهها لتقول قد لفظ بهذا. ولو كان هذا بمنزلة كلمته من الكلام لكان سبحان " الله " ولب وسعد مصادر مستعملة متصرفة في الجر والرفع والنصب والألف واللام ولكن سبحت ولبيت بمنزلة هللت ودعدعت إذا قال: دع ولا إله إلا الله.
باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك: مررت به فإذا له صوت صوت حمار ومررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى. " و " قال الشاعر وهو النابغة الذبياني: مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد وقال: لها بعد إسناد الكليم وهدئه ورنة من يبكى إذا كان باكيا فإنما انتصب هذا لأنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلاً منه. ولكنك لما قلت: له صوت علم أنه قد كان ثم عمل فصار قولك: له صوت بمنزلة قولك: فإذا هو يصوت فحملت الثاني على المعنى. وهذا شبيه في النصب لا في المعنى بقوله تبارك وتعالى: " وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسبانا " لأنه حين قال: " جاعل الليل " فقد علم القارئ أنه على معنى جعل " فصار كأنه قال: وجعل الليل سكناً " وحمل الثاني على المعنى. فكذلك " له " صوت فكأنه قال: فإذا هو يصوت " فحمله على المعنى فنصبه كأنه توهم بعد قوله له صوت: يصوت " صوت الحمار أو يبديه أو يخرجه صوت حمار ولكنه حذف هذا لأنه صار " له صوت " بدلاً منه. فإذا قلت: مررت به " فإذا هو " يصوت صوت الحمار فعلى الفعل غير حال. فإن قلت: صوت حمار " فألقيت الألف واللام " فعلى إضمارك فعلاً بعد الفعل المظهر سوى الفعل المظهر وتجعل صوت حمار مثالاً عليه يخرج الصوت أو حالاً كما أردت ذلك حين قلت: فإذا له صوت. وإن شئت أوصلت إليه يصوت فجعلته العامل فيه كقولك: يذهب ذهاباً. ومثل ذلك: مررت به فإذا له دفع دفعك الضعيف. ومثل ذلك أيضاً: مررت به فإذا له دق دقك بالمنحاز حب الفلفل. ويدلك " على أنك " إذا قلت: " فإذا " له صوت صوت حمار فقد أضمرت فعلاً بعد " له صوت " وصوت حمار انتصب على أنه مثال أو حال يخرج عليه الفعل أنك إذا أظهرت الفعل الذي لا يكون المصدر بدلاً منه احتجت إلى فعل آخر تضمره. فمن ذلك قول الشاعر: إذا رأتني سقط أبصارها دأب بكار شايحت بكارها ويكون على غير الحال " وإن شئت بفعل مضمر كأنك قلت: تدأب فيكون أيضاً مفعولاً وحالاً كما يكون غير حال ". فما لا يكون حالاً ويكون على الفعل قول الشاعر وهو رؤبة: لوحها من بعد بدن وسنق تضميرك السابق يطوى للسبق " وإن شئت كان على: أضمرها وإن شئت كان على: لوحها لأن تلويحه تضمير ". ومثله قوله وهو العجاج: ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفاً فزلفا سماوة الهلال حتى احقوقفا وقد يجوز أن تضمر فعلاً آخر كما أضمرت بعد " له صوت " يدلك على ذلك أنك لو أظهرت فعلاً لا يجوز أن يكون المصدر مفعولاً عليه صار بمنزلة: له صوت وذلك قوله وهو أبو كبير ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل صار " ما إن يمس الأرض " بمنزلة له طي لأنه إذا ذكر ذا عرف أنه طيان. وقد يدخل في صوت حمار: إنما أنت شرب الإبل " إذا " مثل " بقوله ": إنما أنت شرباً. فما كان معرفة كان مفعولاً ولم يكن حالاً وشركته النكرة. وإن شئت جعلته حالاً عليه وقع الأمر وهو تشبيهه للأول يدلك على ذلك أنك لو أدخلت " مثل " ههنا كان حسناً وكان نصباً فإذا أخرجت " مثل " قام المصدر النكرة مقام مثل لأنه مثله نكرة فدخول مثل يدلك على أنه تشبيه. فإذا قلت: فإذا هو يصوت صوت حمار فإن شئت نصبت على أنه مثال وقع عليه الصوت وإن شئت نصبت على ما فسرنا وكان غير حال وكأن هذا جواب لقوله: على أي حال وكيف ومثله. وكأنه قيل له: كيف وقع الأمر أو جعل المخاطب بمنزلة من قال ذلك فأراد أن يبين كيف وقع الأمر وعلى أي مثال فانتصب وهو موقوع فيه وعليه وعمل فيه ما قبله وهو الفعل. وإذا كان معرفة لم يكن حالاً وكان على فعل مظهر إن جاز أن يعمل فيه أو على مضمر إن لم يجز المظهر كما ينتصب " طي المحمل " على غير " يمس ". وإن شئت قلت: له صوت صوت حمار وله صوت خوار ثور وذلك إذا جعلته صفة وإن كان معرفة لم يجز أن يكون صفة لنكرة كما لا يكون حالاً. وسترى هذا مبيناً في بابه إن شاء الله. وزعم الخليل أنه يجز له صوت صوت الحمار على الصفة لأنه تشبيه فمن ثم جاز أن توصف النكرة به. وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن يقول الرجل: هذا رجل أخو زيد إذا أردت أن تشبهه بأخي زيد. وهذا قبيح ضعيف لا يجوز إلا في موضع الاضطرار ولو جاز هذا لقلت: هذا قصير الطويل تريد: مثل الطويل. فلم يجز هذا كما قبح أن تكون " المعرفة " حالاً للنكرة إلا في الشعر. وهو في الصفة أقبح لأنك تنقض ما تكلمت به فلم يجامعه في الحال كما فارقه في الصفة. وسيبين لك في بابه إن شاء الله تعالى.
هذا باب يختار فيه الرفع
وذلك قولك: له علم علم الفقهاء وله رأي رأي الأصلاء. وإنما كان الرفع في هذا الوجه لأن هذه خصال تذكرها في الرجل كالحلم والعلم والفضل ولم ترد أن تخبر بأنك مررت برجل في حال تعلم ولا تفهم ولكنك أردت أن تذكر الرجل بفضل فيه وأن تجعل ذلك خصلة قد استكملها كقولك: له حسب حسب الصالحين لأن هذه الأشياء وما يشبهها صارت تحلية عند الناس وعلامات. وعلى هذا الوجه رفع الصوت. وإن شئت نصبت فقلت: له علم علم الفقهاء كأنك مررت به في حال تعلم وتفقه وكأنه لم يستكمل أن يقال: له عالم. وإنما فرق بين هذا وبين الصوت لأن الصوت علاج وأن العلم صار عندهم بمنزلة اليد والرجل. ويدلك على ذلك قولهم: له شرف وله دين وله فهم. ولو أرادوا أنه يدخل نفسه في الدين ولم يستكمل أن يقال: له دين لقالوا: يتدين وليس بذلك ويتشرف وليس له شرف ويتفهم وليس له فهم. فلما كان هذا اللفظ للذين لم يستكملوا ما كان غير علاج بعد النصب في قولهم: له علم علم الفقهاء. وإذا قال: له علم علم الفقهاء فهو يخبر عما قد استقر فيه قبل رؤيته وقبل سمعه منه أو رآه يتعلم فاستدل بحسن تعلمه على ما عنده من العلم ولم يرد أن يخبر أنه إنما بدأ في علاج العلم في حال ليقه إياه لأن هذا ليس مما يثنى به وإنما الثناء في هذا الموضع أن يخبر بما استقر فيه ولا يخبر أن أمثل شيء كان منه التعلم في حال لقائه.
هذا باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت المصدر الذي يكون علاجاً
وذلك إذا كان الآخر هو الأول. وذلك نحو قولك: له صوت صوت حسن لأنك إنما أردت الوصف كأنك قلت: له صوت حسن وإنما ذكرت الصوت توكيداً ولم ترد أن تحمله على الفعل لما كان صفة وكان الآخر هو الأول كما قلت: ما أنت إلا قائم وقاعد حملت الآخر على أنت لما كان الآخر هو الأول. ومثل ذلك: له صوت أيما صوت وله صوت مثل صوت الحمار لأن أيا والمثل صفة أبدا. وإذا قلت: أيما صوت فكأنك قلت: له صوت حسن جداً وهذا صوت شبيه بذلك. فأي ومثل هما الأول. فالرفع في هذا أحسن لأنك ذكرت اسماً يحسن أن يكون هذا الكلام منه يحمل عليه كقولك: هذا رجل مثلك وهذا رجل حسن وهذا رجل أيما رجل. وأما: له صوت صوت حمار فقد علمت أن صوت حمار ليس بالصوت الأول وإنما " جاز " رفعه على سعة الكلام كما جاز لك أن تقول: ما أنت إلا سير. فكأن الذين يقولون: صوت حمار اختاروا هذا كما اختاروا: ما أنت إلا سيراً إذ لم يكن الآخر هو الأول فحملوه على فعله كراهة أن يجعلوه من الاسم الذي ليس به كما كرهوا أن يقولوا: ما أنت إلا سير إذا لم يكن الآخر هو الأول. فحملوه على فعله فصار له صوت صوت حمار ينتصب على فعل مضمر كانتصاب " تضميرك السابق " على الفعل المضمر. وإن قلت: له صوت أيما صوت أو مثل صوت الحمار أو له صوت صوتاً حسناً جاز. زعم ذلك الخليل رحمه الله. ويقوي ذلك أن يونس وعيسى جميعاً زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصباً: فيها ازدهاف أيما ازدهاف يحمله على الفعل الذي ينصب صوت حمار لأن ذلك الفعل لو ظهر نصب ما كان صفة وما كان غير صفة لأنه ليس باسم تحمل عليه الصفات. ألا ترى أنه لو قال: مثل تضميرك أو مثل دأب بكار نصب. فلما أضمروه فيما يكون غير الأول أضمروه أيضاً فيما يكون هو الأول كأنه قال: تزدهف أيما ازدهاف ولكنه حذفه لأن له ازدهاف قد صار بدلاً من الفعل.
هذا باب ما الرفع فيه الوجه
وذلك قولك: هذا صوت صوت حمار لأنك لم تذكر فاعلاً ولأن الآخر هو الأول حيث قلت: " هذا ". فالصوت هذا ثم قلت: هو صوت حمار لأنك سمعت نهاقاً. فلا شك في رفعه. وإن شبهت أيضاً فهو رفع لأنك لم تذكر فاعلاً يفعله وإنما ابتدأته كما تبتدئ الأسماء فقلت: هذا ثم بنيت عليه شيئاً هو هو فصار كقوله: هذا رجل رجل حرب. وإذا قلت: له صوت فالذي في اللام هو الفاعل وليس الآخر به فلما بنيت أول الكلام كبناء الأسماء كان آخره أن يجعل كالأسماء أحسن وأجود فصار كقولك: هذا رأس رأس حمار وهذا رجل أخو حرب إذا أردت الشبه. ومن ذلك: عليه نوح نوح الحمام على غير صفة لأن الهاء التي في عليه ليست بفاعل كما أنك إذا قلت: فيها رجل فالهاء ليست بفاعل فعل بالرجل شيئاً فلما جاء على مثال الأسماء كان الرفع الوجه. وإن قلت: لهن نوح نوح الحمام فالنصب لأن الهاء هي الفاعلة. يدلك على " ذلك " أن الرفع في هذا وفي عليه أحسن لأنك إذا قلت: هذا أو عليه فأنت لا تريد أن تقول مررت بهذه الأسماء تفعل فعلاً ولكنك جعلت " عليه " موضعاً للنوح و " هذا " مبنى عليه نفسه. ولو نصبت كان وجهاً لأنه إذا قال: هذا صوت أو هذا نوح أو عليه نوح فقد علم أن مع النوح والصوت فاعلين فحمله على المعنى كما قال: ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع
وذلك قولك: له يد الثور وله رأس رأس الحمار لأن هذا اسم ولا يتوهم على الرجل أنه يصنع يداً ولا رجلاً وليس بفعل.
هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع
وذلك قولك: صوته صوت حمار وتلويحه تضميرك السابق ووجدي بها وجد الثكلى لأن هذا ابتداء فالذي يبنى على الابتداء بمنزلة الابتداء. ألا ترى أنك تقول: زيد أخوك فارتفاعه كارتفاع زيد أبدا فلما ابتدأه وكان محتاجاً إلى ما بعده لم يجعل بدلاً من اللفظ بيصوت وصار كالأسماء. قال الشاعر " وهو مزاحم العقيلي ": وجدي بها وجد المضل بعيره بنخلة لم تعطف عليه العواطف وكذلك لو قلت: مررت به فصوته صوت حمار. فإن قال: فإذا صوته يريد الوجه الذي يسكت عليه دخله نصب لأنه يضمر بعد ما يستغنى عنه.
باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله لم كان وليس بصفة لما قبله ولا منه فانتصب كما انتصب درهم في قولك: عشرون درهماً
وذلك قولك: فعلت ذاك حذار الشر وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان. قال الشاعر هو " حاتم " بن عبد الله " الطائي: واغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وقال الآخر وهو النابغة الذبياني: وحلت بيوتي في يفاع ممنع يخال به راعي الحمولة طائرا حذاراً على أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا وقال آخر وهو الحارث بن هشام: فصفحت عنهم والأحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد وقال الراجز وهو العجاج: والهول من تهول القبور وفعلت ذاك أجل كذا " وكذا ". فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل له: لم فعلت كذا " وكذا " فقال: لكذا " وكذا " ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله كما عمل في " دأب بكار " ما قبله حين طرح مثل وكان حالاً. وحسن فيه الألف واللام لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالاً. ولا يشبه بما مضى من المصادر في الأمر والنهي ونحوهما لأنه ليس في موضع ابتداء ولا موضعاً يبنى على مبتدأ. فمن خالف باب رحمة الله عليه وسقيا لك وحمدا لك.
باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنه موقوع فيه الأمر
وذلك قولك: قتلته صبراً ولقيته فجاءة ومفاجأةً وكفاحاً ومكافحةً ولقيته عياناً وكلمته مشافهةً وأتيته ركضاً وعدواً ومشياً وأخذت ذلك عنه سمعاً وسماعاً. وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأن المصدر ههنا في موضع فاعل إذا كان حالاً. ألا ترى أنه لا يحسن أتانا سرعةً ولا أتانا رجلةً كما أنه ليس كل واطرد في هذا الباب الذي قبله لأن المصدر هناك ليس في موضع فاعل. ومثل ذلك قول الشاعر وهو زهير بن أبي سلمى: فلأياً بلأي ما حملنا وليدنا على ظهر محبوك ظماء مفاصله كأنه يقول: حملنا " وليدنا " لأياً بلأي كأنه يقول: " حملناه " جهداً بعد جهد. هذا لا يتكلم به ولكنه تمثيل. ومثله قول الراجز: ومنهل وردته التقاطاً " أي فجاءةً ". واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كما أتى الباب الأول ولكن هذا جواب لقوله: كيف لقيته كما كان الأول جواباً لقوله: لمه وهذا ما جاء منه في الألف واللام وذلك قولك: أرسلها العراك. قال لبيد بن ربيعة: فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال وليس كل المصادر في هذا الباب يدخله الألف واللام كما أنه ليس كل مصدر في باب الحمد لله والعجب لك تدخله الألف واللام وإنما شبه بهذا حيث كان مصدراً وكان غير الاسم الأول. وهذا ما جاء منه مضافاً معرفةً وذلك قولك: طلبته جهدك كأنه قال: اجتهاداً. وكذلك طلبته طاقتك. وليس كل مصدر يضاف كما أنه ليس كل مصدر تدخله الألف واللام في هذا الباب. وأما فعلته طاقتي فلا تجعل نكرة كما أن معاذ الله لا تجعل نكرة. ومثل ذلك: فعله رأى عيني وسمع أذني قال ذاك. وإن قلت: سمعاً جاز إذا لم تختص نفسك ولكنه كقولك: أخذته عنه سماعاً.
هذا باب ما جعل من الأسماء مصدراً كالمضاف في الباب الذي يليه
وذلك قولك: مررت به وحده ومررت بهم وحدهم ومررت برجل وحده. ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز: مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم وكذلك إلى العشرة. وزعم الخليل رحمه الله أنه إذا نصب ثلاثتهم فكأنه يقول: مررت بهؤلاء فقط لم أجاوز هؤلاء. كما أنه إذا قال: وحده فإنما يريد: مررت به فقط لم أجاوزه. وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول: إن كان جراً فجراً وإن كان نصباً فنصباً وإن كان رفعاً فرفعاً. وزعم الخليل أن الذين يجرونه فكأنهم يريدون أن يعموا كقولك: مررت بهم كلهم أي لم أدع منهم أحداً. وزعم الخليل رحمه الله حيث مثل نصب وحده وخمستهم أنه كقولك: أفردتهم إفراداً. فهذا تمثيل ولكنه لم يستعمل في الكلام. ومثل خمستهم قول الشماخ: أتتني سليم قضها بقضيضها تمسح حولي بالبقيع سبالها كأنه قال: انقضاضهم " أي " انقضاضاً. ومررت بهم قضهم بقضيضهم كأنه يقول: مررت بهم انقضاضاً. فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به كما كان إفراداً تمثيلاً. وإنما ذكرنا الإفراد في وحده والانقضاض في قضهم لأنه إذا قال: قضهم فهو مشتق من في معنى الانقضاض لأنه كأنه يقول: انقض آخرهم على أولهم. وكذلك وحده إنما هو من معنى التفرد فكذلك أيضاً يكون خمستهم نصباً إذا أردت معنى الانفراد فإن أردت أنك لم تدع منهم أحداً جررت كما كان ذلك في قضهم. وبعض العرب يجعل قضهم بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه.
هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدراً كالمصدر الذي فيه الألف واللام
نحو العراك وهو قولك: مررت بهم الجماء الغفير والناس فيها الجماء الغفير. فهذا ينتصب كانتصاب العراك. وزعم الخليل رحمه الله أنهم أدخلوا الألف واللام في هذا الحرف وتكلموا به على نية مالا تدخله الألف واللام وهذا جعل كقولك: مررت بهم قاطبة ومررت بهم طراً " أي جميعاً إلا أن هذا نكرة لا يدخله الألف واللام كما أنه ليس كل المصادر بمنزلة العراك كأنه قال: مررت بهم جميعاً. فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به. فصار طراً " وقاطبة بمنزلة سبحان " الله " في بابه لأنه لا يتصرف كما أن طراً وقاطبة لا يتصرفان وهما في موضع المصدر ولا يكونان معرفةً ولو كانا صفةً لجريا على الاسم أو بنيا على الابتداء فلم يوجد ذا في الصفة. وقد رأينا المصادر قد صنع ذا بها لأنها لا تصرَّفُ، فشبِّه هذا بها.
باب ما ينتصب أنه حال يقع فيه الأمر وهو اسم
وذلك قولك: مررت بهم جميعاً وعمةً وجماعةً كأنك قلت: مررت بهم قياماً. وإنما فرقنا بين هذا الباب والباب الأول لأن الجميع وعامةً اسمان متصرفان تقول: كيف عامتكم وهؤلاء قوم جميع. فإذا كان الاسم حالاً يكون فيه الأمر لم تدخله الألف واللام ولم يضف. لو قلت: ضربته القائم تريد: قائماً كان قبيحاً ولو قلت: ضربتهم قائميهم تريد: قائمين كان قبيحاً. فلما كان كذلك جعلوا ما أضيف ونصب نحو خمستهم بمنزلة طاقته وجهده " ووحده " وجعلوا الجماء الغفير بمنزلة العراك وجعلوا قاطبة وطرا إذا لم يكونا اسمين بمنزلة الجميع وعامة كقولك: كفاحاً ومكافحة وفجاءة. فجعلت هذه كالمصادر المعروفة البينة كما جعلوا عليك ورويدك كالفعل المتمكن وكما جعلوا سبحان الله ولبيك بمنزلة حمداً وسقياً. فهذا تفسير الخليل رحمه الله وقوله. وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم والجماء الغفير وقضهم كقولك: جميعاً وليس مثله لأن الآخر هو الأول عند يونس في المسألة الأولى وفاه إلى في ههنا غير الأول وأما طرا وقاطبة فأشبه بذلك لأنه جيد أن يكون حالاً غير المصدر نكرة والذي نأخذ به الأول. وأما كلهم وجميعهم وأجمعون وعامتهم وأنفسهم فلا يكن أبداً إلا صفة. وتقول: هو نسيج وحده لأنه اسم مضاف إليه بمنزلة نفسه إذا قلت: هذا جحيش وحدة وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت: مررت برجل على حياله فطرحت " على " فمن ثم قال: هو مثل عنده. وهو عند الخليل كقولك: مررت به خصوصاً. ومررت بهم خمستهم مثله ومثل قولك: مررت بهم عما. ولا يكون مثل جميعاً لما ذكرت لك وصار وحده بمنزلة خمستهم لأنه مكان قولك: مررت به واحده " فقام وحده مقام واحده ". فإذا قلت: وحده فكأنك قلت هذا.
هذا باب ما ينتصب من المصادر توكيداً لما قبله
وذلك قولك: هذا عبد الله حقا وهذا زيد الحق لا الباطل وهذا زيد غير ما تقول. وزعم الخليل رحمه الله أن قوله: هذا القول لا قولك إنما نصبه كنصب غير ما تقول لأن " لا قولك " في ذلك المعنى. ألا ترى أنك تقول: هذا القول لا ما تقول فهذا في موضع نصب. فإذا قلت: لا قولك فهو في موضع لا ما تقول. ومثل ذلك في الاستفهام: أجدك لا تفعل كذا وكذا كأنه قال: أحقا لا تفعل كذا وكذا وأصله من الجد كأنه قال: أجدا ولكنه لا يتصلاف ولا يفارقه الإضافة كما كان ذلك في لبيك ومعاذ الله. وأما " غير ما تقول " فلا تعرى من أن تكون في هذا الموضع مضافة إلى اسم معروف نحو قولك لأنه لو قال غير قول أولا قولاً لم يكن في هذا بيان لأنه ليس كل قول باطلا وإنما يريد أن يحقق الأول بأمر معروف. ولو قال: هذا الأمر غير قيل باطل كان حسنا لأنه قد وكد أول كلامه بأمر معروف وقد اختصه فصار بمنزلة قولك: لا قولك حين جعله مضافاً لأنك قد اختصصته من جميع القول بإضافتك وأنه يسوغ أن يكون قوله باطلا ولا يسوغ أن يكون جميع الأقوال باطلا. ومن ذلك قولك: قد قعد البتة ولا يستعمل إلا معرفة بالألف واللام كما أن جهدك وأجدك لا يستعملان إلا معرفة بالإضافة. وأما الحق والباطل فيكونان معرفة بالألف واللام ونكرة لأنهما لم ينزلا منزلة ما لم يتمكن من المصادر كسبحان وسعديك ولكنهم أنزلوهما منزلة الظن وكذلك اليقين لأنك تحقق به كما تفعل ذلك بالحق. فأنزل ما ذكرنا غير هذا بمنزلة عمرك الله وقعدك الله.
هذا باب ما يكون المصدر فيه توكيداً لنفسه نصباً
وذلك قولك: له على ألف درهم عرفاً. ومثل ذلك قول الأحوص: إنى لأمنحك الصدود وإننى قسماً إليك مع الصدود لأميل وإنما صار توكيداً لنفسه لأنه حين قال: له على فقد أقر واعترف وحين قال: لأميل علم أنه بعد حلف ولكنه قال: عرفاً وقسماً وتوكيداً كما " أنه إذا " قال: سير عليه فقد علم أنه كان سير ثم قال: سيراً توكيداً. واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل: كدخولها في الأمر والنهي والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك. وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام. فأما المضاف فقول الله تبارك وتعالى: " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله " وقال الله تبارك وتعالى: " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وعد الله لا يخلف الله وعده ". وقال جل وعز: " الذى أحسن كل شيء خلقه ". وقال جل ثناؤه: " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ". ومن ذلك: الله أكبر دعوة الحق. لأنه لما قال جل وعز: " مر السحاب " وقال: " أحسن كل شيء " علم أنه خلق وصنع ولكنه وكد وثبت للعباد. ولما قال: " حرمت عليكم أمهاتكم " حتى انقضى الكلام علم الخاطبون أن هذا مكتوب عليهم مثبت عليهم وقال: كتاب الله توكيدا كما قال: صنع الله وكذلك: وعد الله لأن الكلام الذي قبله وعد وصنع فكأنه قال جل وعز: وعداً وصنعاً وخلقاً وكتاباً. وكذلك: دعوة الحق لآنه قد علم أن قولك: الله أكبر دعاء الحق ولكنه توكيد كأنه قال: دعاء حقا. قال رؤبة: إن نزارا أصبحت نزارا دعوة أبرار دعوا أبرارا لأن قولك: أصبحت نزاراً بمنزلة: هم على دعوة بارة. وقد زعم بعضهم أن كتاب الله " نصب " على قوله: عليكم كتاب الله. وقال: قوم صبغة الله منصوبة على الأمر وقال بعضهم: لا بل توكيدا والصبغة: الدين. وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنك قلت: ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحق على هذا ونحوه رفعه. ومن ذلك قوله جل وعز: " كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " كأنه قال: ذاك بلاغ. واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كمنصوب بما قبله من المصادر في أنه ليس بصفة ولا من اسم قبله وإنما ذكرته لتؤكد به ولم تحمله على مضمر يكون ما بعده رفعاً وهو مفعول به. ومثل نصب هذا الباب قول الشاعر وهو الراعى: دأبت إلى أن ينبت الظل بعد ما تقاصر حتى كاد في الآل يمصح وجيف المطايا ثم قلت لصحبتى ولم ينزلوا أبردتم فتروحوا لأنه قد عرف أن قوله " دأبت ": سرت لما ذكر في صدر قصيدته فصار دأبت بمنزلة أوجفت عنده فجعل وجيف المطايا توكيداً لأوجفت الذي هو في ضميره. واعلم أن نصب هذا " الباب " المؤكد به العام منه وما وكد به نفسه ينصب على إضمار فعل غير كلامك الأول لإنه ليس في معنى كيف ولا لم كأنه قال: أحق حقاً فجعله بدلاً كظنا من أظن ولا أقول قولك وأقول غير ما تقول وأتجد جدك وكتب الله تبارك وتعالى كتابه وادعوا دعاء حقا وصبغ الله صبغة ولكن لا يظهر الفعل لأنه صار بدلاً منه بمنزلة سقيا.
باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار فيه المذكور
وذلك قولك: أما سمنا فسمين وأما علماً فعالم. وزعم الخليل رحمه الله أنه بمنزلة قولك: أنت الرجل علماً وديناً وأنت الرجل فهماً وأدباً أي أنت الرجل في هذه الحال. وعمل فيه ما قبله وما بعده ولم يحسن في هذا الوجه الألف واللام كما لم يحسن فيما كان حالاً وكان في موضع فاعل حالا. وكذلك هذا فانتصب المصدر لأنه حال مصير فيه. ومن ذلك قولك: أما علماً فلا علم له وأما علماً فلا علم عنده وأما علماً فلا علم وتضمر له لأنك إنما تعني رجلاً. وقد يرفع هذا في لغة بني تميم والنصب في لغتها أحسن " لأنهم يتوهمون الحال ". فإن أدخلت الألف واللام رفعوا لأنه يمتنع من أن يكون حالاً. وتقول: أما العلم فعالم بالعلم وأما العلم فعالم بالعلم. فالنصب على أنك لم تجعل العلم الثاني العلم الأول الذي لفظت به قبله كأنك قلت: أما العلم فعالم بالأشياء. وأما الرفع فعلى أنه جعل العلم الآخر هو العلم الأول فصار كقولك: أما العلم فأنا عالم به وأما العلم فما أعلمني به. فإن جعلت الهاء غير العلم الأول نصبت كأنك قلت: أما علماً فما أعلمني بعبد الله. وإذا قلت: أما الضرب فضارب فهذا ينتصب على وجهين: على أن يكون الضرب مفعولا كقولك: أما عبد الله فأنا ضارب ويكون نصباً على قولك: أما علماً فعالم كأنك قلت: أما ضرباً فضارب فيصير كقولك: أما ضربا فذو ضرب. وقد ينصب أهل الحجاز في هذا الباب بالألف واللام لأنهم قد يتوهمون في هذا الباب غير الحال وبنو تميم كأنهم لا يتوهمون غيره فمن ثم لم ينصبوا في الألف واللام وتركوا القبح. فكأن الذي توهم أهل الحجاز الباب الذي ينتصب لأنه موقوع له نحو قولك فعلته مخافة ذلك. وذلك قولهم: أما النبل فنبيل وأما العقل فهو الرجل الكامل كأنه قال: هو الرجل الكامل العقل والرأي أي للعقل والرأي وكأنه أجاب من قال: لمه وعلى هذا الباب فأجر جميع ما أجريته نكرة حالا إذا أدخلت فيه الألف واللام. قال الشاعر: ألا ليت شعرى هل إلى أم معمر ** سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا وأما بنو تميم فيرفعون لما ذكرت لك فيقولون: أما العلم فعالم كأنه قال: فأنا أو فهو عالم به. وكان إضمار هذا أحسن عندهم من أن يدخلوا فيه مالا يجوز كما قال سبحانه: " يوماً لا تجزى نفس " أضمر " فيه " وقال الشاعر " عبد الرحمن بن حسان ": أي فليس لنا منك جود. ومما ينتصب من الصفات حالاً كما انتصب المصدر الذي يوضع موضعه ولا يكون إلا حالاً قوله: أما صديقاً مصافياً فليس بصديق مصاف وأما طاهراً فليس بطاهر وأما عالماً فعالم. فهذا نصب لأنه جعله كائناً في حال علم وخارجا من حال طهور ومصادقة. والرفع لا يجوز هنا لأنك قد أضمرت صاحب الصفة وحيث قلت أما العلم فعالم فلم تضمر مذكورا قبل كلامك وهو العلم فمن ثم حسن في هذا الرفع ولم يجز الرفع في الصفة. ولا يكون في الصفة الألف واللام لأنه ليس بمصدر فيكون جواباً لقوله لمه وإنما المصدر تابع له ووضع في موضعه حالا. واعلم أن ما ينتصب في هذا الباب فالذي بعده أو قبله من الكلام قد عمل فيه كما عمل في الحذر ما قبله إذا قلت: أكرمته حذر أن أعاب وكما عمل في قوله: أتاه مشياً وماشياً. 
===========



الكتاب (سيبويه)/الجزء الثالث












محتويات
1 باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات
2 هذا باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه حال
3 باب يختار فيه الرفع والنصب لقبحه أن يكون صفة
4 باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول
5 باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال
6 هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور
7 باب ما ينتصب من الأماكن والوقت وذلك لأنها ظروف تقع فيها الأشياء وتكون فيها
8 هذا باب الجر
9 باب ما أشرك بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه
10 هذا باب المبدل من المبدل منه
11 هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها
12 باب بدل المعرفة من النكرة والمعرفة من المعرفة وقطع المعرفة من المعرفة
13 هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول إذا كان لشيء من سببه
14 هذا باب ما يكون من الأسماء صفة منفرداً وليس بفاعل
15 هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها مجرى الفعل
16 باب إجراء الصفة فيه على الاسم
17 هذا باب ما يُنصب فيه الاسمُ لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفةً
18 هذا باب ما ينتصب لأنه حالٌ صار فيها المسئول والمسئول عنه
19 باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم
20 باب ما ينتصب لأنه خبر للمعروف المبني على ما هو قبله من الأسماء المبهمة
21 هذا باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة
22 هذا باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة
23 هذا باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدأ
24 باب ما ينتصب فيه الخبر
25 هذا باب من المعرفة
26 باب ما يكون فيه الشيء غالباً عليه اسم
27 باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة إذا بُني على ما قبله
28 باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة
باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات

وزعم يونس أنه قول أبي عمرو. وذلك قولك: أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد وأما عبدان فذو عبدين. وإنما اختير الرفع لأن ما ذكرت في هذا الباب أسماء والأسماء لا تجري مجرى المصادر. ألا ترى أنك تقول: هو الرجل علماً وفقهاً ولا تقول: هو الرجل خيلاً وإبلاً. فلما قبح ذلك جعلوا ما بعده خبراً له كأنهم قالوا: أما العبيد فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عبيد أي لك من العبيد نصيب كأنك أردت أن تقول: أما من العبيد أو أما في العبيد فأنت ذو عبيد. إلا أنك أخرت في ومن وأضمرت فيهما أسماءهم. وأما قوله: أما العبد فأنت ذو عبد فكأنه قال: أما في العبد فأنت ذو عبد ولكنه أخر في وأضمر فيه اسمه كما فعل ذلك في العبيد فلما قبح عندهم أيكون بمنزلة المصدر ولم يكن مما يجوز فيه عندهم ذلك حملوه على هذا فراراً من أن يدخلوا في المصدر ما ليس منه كما فعلت تميم ذلك في العلم حين رفعوه. وكأنك قلت: أما العبيد فهم لك وأما العبد فهو لك وسمعنا من العرب من يقول: أما ابن مزنية فأنا ابن مزنية كأنه قال: أما ابن مزنية فأنا ذاك جعل الآخر هو الأول كماكان قائلاً ذلك في الألف واللام: أما ابن المزنية فأنا ابن المزنية. وإن شئت نصبته على الحال كما قلت: أما صديقاً فأنت صديق وأما صاحبا فأنت صاحب.وزعم يونس أن قوماً من العرب يقولون: أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد يجرونه مجرى المصدر سواء. وهو قليل خبيث. وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماء الغفير بالمصدر وشبهوا خمستهم بالمصدر. كأن هؤلاء أجازوا: هو الرجل العبيد والدراهم أي للعبيد وللدراهم وهذا لا يتكلم به وإنما وجهه وصوابه الرفع وهو قول العرب وأبي عمرو ويونس ولا أعلم الخليل خالفهما. وقد حملوه على المصدر فقال النحويون: أما العلم والعبيد فذو علم وذو عبيد. وهذا قبيح لأنك لو أفردته كان الرفع الصواب فخبث إذ أجرى غير المصدر كالمصدر وشبهوه بما هو في الرداءة مثله وهو قولهم: ويل لهم وتب. وأما قوله: أما البصرة فلا بصرة لك وأما الحارث فلا حارث لك وأما أبوك فلا أبا لك فهذا لا يكون فيه أبداً إلا الرفع لأنه اسم " معروف " ومعلوم قد عرف المخاطب منه مثل ما قد عرفت كأنك قلت: أما الحارث فلا حارث لك بعده أو فلا حارث لك سواه وكأنه قال: أما البصرة فليست لك وأما الحارث فليس لك لأن ذلك المعنى تريد. ولو قال: أما العبيد فأنت ذو عبيد يريد عبيداً بأعيانهم قد عرفهم المخاطب كمعرفتك كأنك قلت: أما العبيد الذين تعرف لم يكن إلا رفعا. وقوله ذو عبيد كأنه قال: أنت فيهم أو منهم ذو عبيد. ولو قال: أما أبوك فلك أب لكان على قوله: فلك به أب أو فيه أب وإنما يريد بقوله: فيه أب مجرى الأب على سعة الكلام وليس إلى النصب ههنا سبيل. وإنما جاز النصب في العبيد حين لم يجعلهم شيئاً معروفاً بعينه لأنه يشبهه بالمصدر والمصدر قد تدخله الألف واللام وينتصب على ما ذكرت لك. فإذا أردت شيئاً بعينه وكان هو الذي تلزمه الإشارة جرى مجرى زيد وعمرو وأبيك. وأما قول الناس للرجل: أما أن يكون عالما فهو عالم وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم فقد يجوز أن تقول: أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد " أن " يكون كما جاءت: " لئلا يعلم أهل الكتاب " في معنى لأن يعلم أهل الكتاب. فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر لأن أن مع الفعل الذي يكون صلة بمنزلة المصدر كأنك قلت: أما علما وأماكينونة علم فأنت عالم. ألا ترى أنك تقول: أنت الرجل أن تنازل أو " أن " تخاصم كأنك قلت نزالاً وخصومة وأنت تريد المصدر الذي في قوله فعل ذاك مخافة ذاك. ألا ترى أنك تقول: سكت عنه أن أجتر مودته كما تقول: اجترار مودته. ولا تقع أن وصلتها حالاً يكون الأول في حال وقوعه لأنها إنما تذكر لما لم يقع باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول به وبعض العرب يقول: كلمته فوه إلى في كأنه يقول: كلمته وفوه إلى في أي كلمته وهذه حالة. فالرفع على قوله كلمته وهذه حاله والنصب على قوله: كلمته في هذه الحال فانتصب لأنه حال وقع فيه الفعل. وأما بايعته يداً بيد فليس فيه إلا النصب لأنه لا يحسن أن تقول: بايعته ويد بيد ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده في يده ولكنه أراد أن يقول: بايعته بالتعجيل ولا يبالي أقريباً كان أم بعيداً. وإذا قال: كلمته فوه إلى في فإنما يريد أن يخبر عن قربه منه وأنه شافهه ولم يكن بينهما أحد. ومثله من المصادر في أن تلزمه الإضافة وما بعدها مما يجوز فيه الابتداء ويكون حالاً قوله: رجع فلان عوده على بدئه وانثنى فلان عوده على بدئه كأنه قال: انثنى عوداً على بدء. ولا يستعمل في الكلام رجع عوداً على بدء ولكنه مثل به. ومن رفع فوه إلى في أجاز الرفع في قوله: رجع فلان عوده على بدئه. ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل قولك: بعت الشاء شاة ودرهماً وقامرته درهماً في درهم وبعته دارى ذراعاً بدرهم وبعت البرقفيز بن بدرهم وأخذت زكاة ماله درهماً لكل أربعين درهماً وبينت له حسابه باباً باباً وتصدقت بمالي درهماً درهماً. واعلم أن هذه الأشياء لا ينفرد منها شيء دون ما بعده وذلك أنه لا يجوز أن تقول: كلمته فاه حتى تقول إلى في لأنك إنما تريد مشافهة والمشافهة لا تكون إلا من اثنين فإنما يصح المعنى إذا قلت إلى في ولا يجوز أن تقول بايعته يداً لأنك إنما تريد أن تقول: أخذ مني وأعطاني فإنما يصح المعنى إذا قلت: بيد لأنهما عملان. ولا يجوز أن تقول: انثنى عوده لأنك إنما تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوع وإنما أردت أنه رجع في حافرته أي نقض مجيئه برجوع وقد يكون أن ينقطع مجيئه ثم يرجع فيقول: رجعت عودي على بدئي أي رجعت كما جئت. فالمجئ موصول به الرجوع وهو بدء والرجوع عود. ولا يجوز أن تقول: بعت داري ذراعا وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أن الدار كلها ذراع. ولا يجوز أن تقول: بعت شائي شاة شاة وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أنك بعتها الأول فالأول على الولاء. ولا يجوز أن تقول: بينت له حسابه باباً فيرى المخاطب أنك إنما جعلت له حسابه باباً واحداً غير مفسر. ولا يجوز تصدقت بمالي درهماً فيرى المخاطب وأما قول الناس: كان البر قفيزين وكان السمن منوين فإنما استغنوا هاهنا عن ذكر الدرهم لما في صدورهم من علمه ولأن الدرهم هو الذي يسعر عليه فكأنهم إنما يسألون عن ثمن الدرهم في هذا الموضع كما يقولون: البربستين وتركوا ذكر الكر استغناء بما في صدورهم من علمه وبعلم المخاطب لأن المخاطب قد علم ما يعني فكأنه إنما يسأل هنا عن ثمن الكر كما سأل الأول عن ثمن الدرهم. وكذلك هذا وما أشبهه فأجره كما أجرته العرب. وزعم الخليل أنه يجوز: بعت الشاء شاة ودرهم إنما يريد شاة بدرهم ويجعل بدرهم خبراً للشاة وصارت الواو بمنزلة الباء في المعنى كما كانت في قولك: كل رجل وضيعته في معنى مع. وإذا قلت شاة بدرهم فإن بدرهم ليس مبنياً على اسم قبله ولكنه إنما جاء ليبين به السعر كما جاءت " لك " في سقياً لتبين من تعني. فالباء هاهنا بمنزلة إلى في قولك: فاه إلى في ولم تبن على ما قبلها. وكذلك ما انتصب في هذا الباب وكان ما بعده مما يجوز أن يبنى على ما قبله في هذا الباب. وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن تقول: بعت الدار ذراع بدرهم كما جاز لك في الشاء. وزعم أنه يقول: بعت دارى الذراعان بدرهم وبعت البر القفيزان بدرهم. ولم يشبه هذا بقوله: فاه إلى في لأن هذا في بابه بمنزلة المصار التي تكون حالاً يقع فيها الأمر نحو قولك: لقيته كفاحاً ونحو قوله: أرسلها العراك وفعلت ذاك طاقتي. وليس كل مصدر في هذا الباب تدخله الألف واللام ويكون معرفة بالإضافة وليس كل المصادر في هذا الباب يكون فيها هذا فالأسماء أبعد. فلذلك كان الذراع رفعاً لأنه لا يجوز أن " تجعله معرفة وتجعله حالاً يكون فيه الأمر كما أنه لا يجوز لك أن " تدخل الألف واللام في قولك لقيته قائماً وقاعداً أن تقولك لقيته القائم والقاعد ولا " تقول ": ضربته القائم فلما قبح ذلك في الذراع جعل بمنزلة قولك: لقيته يده فوق رأسه. ومثل ذلك: بعته ربح الدرهم درهم لا يكون فيه النصب على حال. وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم: ربحت الدرهم درهماً محال حتى تقول: في الدرهم وللدرهم. وكذلك وجدنا العرب تقول. فإن قال قائل: فاحذف حرف الجر وأنوه. قيل له: لا يجوز ذلك كما لا تقول مررت أخاك وأنت تريد بأخيك. فإن قال: لا يجوز حذف الباء من هذا قيل له: فهذا لا يقال أيضاً. وقال الخليل رحمه الله: كلمني يده في يدي الرفع لا يكون غيره لأن هذا لايكون من صفة الكلام. وقال الخليل رحمه الله: إن شئت جعلت: رجعت عودك في بدئك مفعولاً بمنزلة قولك: رجعت المال على أي رددت المال علي كأنه قال: ثنيت عودى على بدئى.
هذا باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه حال

يقع فيه السعر وإن كنت لم تلفظ بفعل ولكنه حال يقع فيه السعر فينتصب كما انتصب لو كان حالاً وقع فيه الفعل لأنه في أنه حال وقع فيه أمر في الموضعين سواء. وذلك قولك: لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم. وإن شئت ألغيت لك فقلت: لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم كما قلت: فيها زيد قائم رفعت. وإذا قلت: الشاء لك فإن شئت رفعت وإن شئت نصبت وصار لك الشاء إذا نصبت بمنزلة وجب الشاء كما كان فيها زيد قائماً بمنزلة: استقر زيد قائماً.
باب يختار فيه الرفع والنصب لقبحه أن يكون صفة

وذلك قولك: مررت ببر قبل قفيز بدرهم قفيز بدرهم. وسمعنا العرب الموثوق بهم ينصبونه سمعناهم يقولون: العجب من بر مررنا به قبل قفيزاً بدرهم " قفيزا بدرهم " فحملوه على المعرفة وتركوا النكرة لقبح النكرة أن تكون موصوفة بما ليس صفة وإنما هو اسم كالدرهم والحديد. ألا ترى أنك تقول: هذا مالك درهماً وهذا خاتمك حديداً ولا يحسن أن تجعله صفة فقد يكون الشيء حسناً إذا كان خبرا وقبيحاً إذا كان صفة. وأما الذين رفعوه فقالوا: مررت ببر قبل قفيز بدرهم فجعلوا القفيز مبتدأ. وقولك بدرهم مبنياً عليه.
باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول

وذلك قولك: أبيعكه الساعة ناجزا بناجز وسادوك كابراً عن كابر. فهذا كقولك: بعته رأساً برأس.
باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال

وقع فيه الألف واللام شبهوه بما يشبه من الأسماء بالمصادر نحو قولك: فاه إلى في وليس بالفاعل ولا المفعول. فكما شبهوا هذا بقولك عوده على بدئه وليس بمصدر كذلك شبهوا الصفة بالمصدر وشذ هذا كما شذت المصادر في بابها حيث كانت حالاً وهي معرفة وكما شذت الأسماء التي وضعت موضع المصدر. وما يشبه بالشيء في كلامهم وليس مثله في جميع أحواله كثير وقد بين فيما مضى وستراه أيضاً إن شاء الله. وهو قولك: دخلوا الأول فالأول وجرى على قولك واحداً فواحداً ودخلوا رجلا رجلاً. وإن شئت رفعت فقلت: دخلوا الأول فالأول جعله بدلا وحمله على الفعل كأنه قال: دخل وإن شئت قلت: دخلوا رجل فرجل تجعله بدلاً كما قال عز وجل: " بالناصية. ناصية كاذبة ". فإن قلت: ادخلوا فأمرت فالنصب الوجه ولا يكون بدلاً لأنك لو قلت: ادخل الأول فالأول أو رجل رجل لم يجز ولا يكون صفة لأنه ليس معنى الأول فالأول أنك تريد أن تعرفه بشيء تحليه به. لو قلت: قومك الأول فالأول أتونا لم يستقم وليس معناه معنى كلهم فأجرى مجرى خمستهم ووحده. ولا يجوز في غير الأول هذا كما لا يجوز أن تقول: مررت به واحده ولا بهما اثنيهما. وكان عيسى يقول: ادخلوا الأول فالأول لأن معناه ليدخل فحمله على المعنى وليس بأبعد من: " ليبك يزيد ضارع لخصومة " فإذا قلت: ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير فالرفع لأن معناه معنى كلهم كأنه قالك ليدخلوا كلهم. وإذا أردت بالكلام أن تجريه على الاسم كما تجري النعت لم يجز أن تدخل الفاء لأنك لو قلت: مررت بزيد أخيك وصاحبك كان حسنا ولو قلت: مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز. وكذلك لو قلت: زيد أخزك فصاحبك ذاهب لم يجز. ولو قلتها بالواو حسنت كما أنشد كثير من العرب والبيت لأمية بن أبي عائذ: ويأوي إلى نسوة عطل وشعث مراضيع مثل السعالي ولو قلت " فشعث " قبح. " وقال الخليل: ادخلوا الأول فالأول والوسط والآخر. لا يكون فيه غيره وقال: يكون على جواز كلكم حمله على البدل ".
هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور

وذلك قولك: هذا بسراً أطيب منه رطباً. فإن شئت جعلته حيناً قد مضى وإن شئت جعلته حيناً مستقبلاً. وإنما قال الناس هذا منصوب على إضمار إذا كان فيما يستقبل وإذ كان فيما مضى لأن هذا لما كان ذا معناه أشبه عندهم أن ينتصب على إذا كان. " ولو كان على إضمار كان لقلت: هذا التمر أطيب منه البسر لأن كان قد ينصب المعرفة كما ينصب النكرة فليس هو على كان ولكنه حال ". ومنه: مررت برجل أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون وبرجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون وهو أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون. فهذا كله محمول على مثل ما حملت عليه ما قبله. وإن شئت قلت: مررت برجل خير ما يكون خير منك كأنه يريد برجل خير أحواله خير منك أي خير من أحوالك. وجاز له أن يقول: خير منك وهو يريد: " خير " من أحوالك كما جاز أن تقول: نهارك صائم وليلك قائم. وتقول: البر أرخص ما يكون قفيزان أي البر أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان كأنك قلت: البر أرخصه قفيزان. ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه بعضهم يقول وهو قول عمرو بن معد يكرب: الحرب أول ما تكون فتية تسعى ببزتها لكل جهول أي أعرب أولها فتية ولكنه أنث الأول كما تقول: ذهبت بعض أصابعه. وبعضهم يقول: " الحرب أول ما تكون فتية " أي إذا كانت في ذلك الحين. وبعضهم يقول: " الحرب أول ما تكون فتية " كأنه قال: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية كما تقول: عبد الله أحسن ما يكون قائماً. ومن رفع الفتية ونصب الأول على الحال قال: البر أرخص ما يكون قفيزان. ومن نصب الفتية ورفع الأول قال: البر أرخص ما يكون قفيزين. وأما عبد الله أحسن ما يكون قائماً فلا يكون فيه إلا النصب لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائماً على وجه من الوجوه. وتقول: عبد الله أخطب ما يكون يوم الجمعة والبداوة أطيب ما تكون شهري ربيع كأنك قلت: أخطب ما يكون عبد الله في يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة في شهري ربيع. ومن العرب من يقول: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة شهرا ربيع كأنه قال: أخطب أيام الأمير يوم الجمعة وأطيب أزمنة البداوة شهرا ربيع. وجاز أخطب أيامه يوم الجمعة على سعة الكلام وكأنه قال: أطيب الازمنة التي تكون فيها البداوة شهرا ربيع وأخطب الأيام التي يكون فيها الأمير خطيباً يوم الجمعة. وتقول: آتيك يوم الجمعة أبطوه على معنى ذاك أبطؤه. كأنه قيل له أي غاية هذه عندك وأي إتيان ذا عندك أسريع أم بطيء فقال: أبطوه على معنى: ذاك أبطؤه. وتقول: آتيك يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه أو يوم السبت أبطؤه واعطيته درهما أو درهمين أكثر ما أعيته " وأعطيته درهما أو درهمان أكثر ما أعطيته ". وإن شاء نصب الدرهمين وقال: أكثر ما أعطيته. وإن شاء نصب أكثر أيضاً على أنه حال وقعت فيه العطية. وإن شاء قال: آتيك يوم الجمعة أبطأه أي أبطأ الإتيان يوم الجمعة.
باب ما ينتصب من الأماكن والوقت وذلك لأنها ظروف تقع فيها الأشياء وتكون فيها

فانتصب لأنه موقوع فيها ومكون فيها وعمل فيها ما قبلها كما أن العلم إذا قلت أنت الرجل علماً عمل فيه ما قبله وكما عمل في الدرهم عشرون إذا قلت: عشرون درهماً. وكذلك يعمل فيها ما بعدها وما قبلها. فالمكان قولك هو خلفك وهو قدامك وأمامك وهو تحتك وقبالتك وما أشبه ذلك. ومن ذلك قولك أيضاً: هو ناحية من الدار " وهو ناحية الدار وهو ناحيتك وهو نحوك " وهو مكاناً صالحاً وداره ذات اليمين وشرقى كذا قال الشاعر وهو جرير: هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقالوا: منازلهم يميناً " ويساراً " وشمالاً. قال الشاعر وهو عمرو ابن كلثوم: صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا أي على ذات اليمين حدثنا بذلك يونس عن أبي عمرو وهو رأيه. وتقول: هو قصدك كما قال الشاعر وسمعنا بعض العرب ينشده كذا: سرى بعدما غار الثريا وبعدما كأن الثريا حلة الغور منخل أي قصده يقال هو حلة الغور أي قصده سمعنا ذلك ممن يوثق به من العرب. ويقال: هما خطان جنابتى أنفها يعني الخطين اللذين اكتنفا جنبي أنف الظبية. وقال الشاعر وهو الأعشى: نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل فهذا كله انتصب على ما هو فيه وهو غيره وصار بمنزلة المنون الذي يعمل فيما بعده نحو العشرين ونحو قوله: " هو " خير منك عملاً فصار " هو " خلفك وزيد خلفك بمنزلة ذلك. والعامل في خلف الذي هو موضع له والذي هو في موضع خبره كما أنك إذا قلت: عبد الله أخوك فالآخر قد رفعه الأول وعمل فيه وبه استغنى الكلام وهو منفصل منه. ومن ذلك قول العرب: هو موضعه وهو مكانه وهذا مكان هذا وهذا رجل مكانك إذا أردت البدل. كأنك قلت: هذا في مكان ذا وهذا رجل في مكانك. ويقال للرجل: اذهب معك بفلان فيقول: معي رجل مكان فلان أي معي رجل يكون بدلاً منه ويغني غناءه ويكون واعلم أن هذه الأشياء كلها انتصابها من وجه واحد. ومثل ذلك: هو صددك وهو سقبك وهو قربك. واعلم أن هذه الأشياء كلها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو. سمعنا من العرب من يقول: دارك ذات اليمين. وقال الشاعر وهو لبيد: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها ومن ذلك أيضاً: هذا سواءك وهذا رجل سواءك فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بذلك. ولا يكون اسماً إلا في الشعر. قال بعض العرب لما اضطر في الشعر جعله منزلة غير قال الشاعر وهو رجل من الأنصار: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا قعدوا منا ولا من سوائنا وقال الآخر وهو الأعشى: تجانف عن جو اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا ومثل ذلك: أنت كعبد الله كأنه يقول: أنت كعبد الله أي أنت في حال كعبد الله فأجرى مجرى بعبد الله. إلا أن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة مثل. قال الراجز " وهو حميد الأرقط ": وقال خطام المجاشعى: وصاليات ككما يؤثفين ويدلك على أن سواءك وكزيد يمنزلة الظروف أنك تقول: مررت بمن سواءك وعلى من سواءك والذي كزيد فحسن هذا كحسن من فيها والذي فيها ولا تحسن الأسماء ههنا ولا تكثر في الكلام. لو قلت: مررت بمن فاضل أو الذي صالح كان قبيحاً. فهكذا مجرى كزيد وسواءك. وتقول: كيف أنت إذا أقبل قبلك ونحى نحوك كأنه قال: كيف أنت إذا أريدت ناحيتك وإذا أريد ما عندك حين قال: إذا نحى نحوك وأما حين قال: أقبل قبلك فكأنه قال: كيف أنت إذا أقبل النقب الركاب جعلهما اسمين. وزعم الخليل رحمه الله أن النصب جيد إذا جعله ظرفاً وهو بمنزلة قول العرب: هو قريب منك وهو قريباً منك أي مكاناً قريباً منك. حدثنا يونس أن العرب تقول في كلامها: هل قريباً منك أحد كقولهم: هل قربك أحد. وأما دونك فإنه لا يرفع أبداً وإن قلت: هو دونك في الشرف لأن هذا إنما هو مثل كما كان هذا مكان ذا في البدل مثلاً ولكنه على السعة. وإنما الأصل في الظروف الموضع والمستقر من الأرض ولكنه جاز هذا كما تقول: إنه لصلب القناة وإنه لمن شجرة صالحة ولكنه على السعة. وأما قصد قصدك فمثل نحى نحوك وأقبل قبلك يرتفع كما يرتفعان وينتصب كما ينتصبان. وإن شئت قلت: هو دونك إذا جعلت الأول الآخر ولم تجعله رجلاً. وقد يقولون: هو دون في غير الإضافة أي هو دون من القوم وهذا ثوب دون إذا كان رديئاً. واعلم أنه ليس كل موضع و " لا " كل مكان يحسن أن يكون ظرفاً فمما لا يحسن أن يكون ظرفاً أن العرب لاتقول هو جوف المسجد ولا هو داخل الدار ولا هو خارج الدار حتى تقول: هو في جوفها وفي داخل الدار ومن خارجها. وإنما فرق بين خلف وما أشبهها وبين هذه الحروف لأن خلف وما أشبهها للأماكن التي تلي الأسماء من أقطارها. على هذا جرت عندهم والجوف والخارج عندهم بمنزلة الظهر والبطن والرأٍس واليد وصارت خلف وما أشبهها تدخل على كل اسم فتصير أمكنة تلي الاسم من نواحيه وأقطاره ومن أعلاه وأسفله وتكون ظروفا كما وصفت لك وتكون أسماء كقولك: هو ناحية الدار إذا أردت الناحية بعينها وهو في ناحية الدار فتصير بمنزلة قولك: هو في بيتك وفي دارك. ويدلك على أن المجرور بمنزلة الاسم غير الظرف أنك تقول: زيد وسط الدار وضربت وسطه وتقول: في وسط الدار فيصير بمنزلة قولك: ضربت وسطه مفتوحاً مثله. واعلم أن الظروف بعضها أشد تمكنا من بعض في الأسماء نحو القبل والقصد والناحية. وأما الخلف والأمام والتحت فهن أقل استعمالاً في الكلام أن تجعل أسماء. وقد جاءت على ذلك في الكلام والأشعار. وهذه حروف تجري مجرى خلفك وأمامك ولكنا عزلناها لنفسر معانيها لأنها غرائب. فمن ذلك حرفان ذكرناهما في الباب الأول ثم لم نفسر معناهما وهما صددك ومعناه القصد وسقبك ومعناه القرب ومنه قول العرب: هو وزن الجبل أي ناحية منه وهم زنة الجبل أي حذاءه. ومن ذلك قول العرب: هم قرابتك أي قربك يعني المكان. وهم قرابتك في العلم أي قريباً منك في العلم. وكان هذا بمنزلة قول العرب: هو حذاءه وإزاءه وحواليه بنو فلان وقومك أقطار البلاد. ومن ذلك قول الشاعر وهو أبو حية النميري: إذا ما نعشناه على الرحل ينثني مساليه عنه من وراء ومقدم ومسالاه: عطفاه فصار بمنزلة " جنبي فطيمة ": بالمكان غير المختص شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن وذلك قول العرب سمعناه منهم: هو منى منزلة الشغاف وهو مني منزلة الولد. ويدلك على أنه ظرف قولك: هو مني بمنزلة الولد فإنما أردت أن تجعله في ذلك الموضع فصار كقولك: منزلي مكان كذا وكذا وهو مني مزجر الكلب وأنت مني مقعد القابلة وذلك إذا دنا فلزق بك من بين يديك. قال الشاعر وهو أبو ذؤيب: فوردن والعيوق مقعد رابئ ال ضرباء خلف النجم لا يتتلع وهو منك مناط الثريا. وقال الأحوص: وإن بني حرب كما قد علمتم مناط الثريا قد تعلت نجومها وقال: هو مني معقد الإزار فأجرى هذا مجرى قولك: هو مني مكان السارية وذلك لأنها أماكن ومعناها هو مني في المكان الذي يقعد فيه الضرباء وفي المكان الذي نيط به الثريا وبالمكان الذي ينزل به الولد وأنت مني في المكان الذي تقعد فيه القابلة وبالمكان الذي يعقد عليه الإزار فإنما أراد هذا المعنى ولكنه حذف الكلام. وجاز ذلك كما جاز دخلت البيت وذهبت الشأم لأنها أماكن وإن لم تكن كالمكان. وليس يجوز هذا في كل شيء لو قلت: هو مني مجلسك أو متكأ زيد أو مربط الفرس لم يجز. فاستعمل من هذا ما استعملت العرب وأجز منه ما أجازوا. ومن ذلك قول العرب: هو مني درج السيل أي مكان درج السيل من السيل. قال الشاعر وهو ابن هرمة: أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول ويقال رجع أدراجه أي رجع في الطريق الذي جاء فيه. هذا معناه فأجرى مجرى ما قبله كما أجروا ذلك المجرى درج السيول. وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان وهو مني عدوة الفرس ودعوة الرجل " وغلوة السهم " وهو مني يومان وهو مني فوت اليد. فإنما فارق هذا الباب الأول لأن معنى هذا أنه يخبر أن بينه وبينه فرسخين ويومين ودعوة الرجل وفوتاً. ومعنى فوت اليد أنه يريد أن يقرب ما بينه وبينه. فهذا على هذا المعنى وجرى على الكلام الأول كأنه هو لسعة الكلام كما قالوا: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة. وأما قول العرب: أنت مني مرأى ومسمع فإنما رفعوه لأنهم جعلوه هو الأول حتى صار بمنزلة قولهم: أنت مني قريب. أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول فجعلهم هم الدرج كما تقول: زيد قصدك إذا جعلت القصد زيداً وكما يجوز لك أن تقول: عبد الله خلفك إذا جعلته هو الخلف. واعلم أن هذه الحروف بعضها أشد تمكناً في أن يكون اسماً من بعض كالقصد والنجو والقبل والناحية وأما الخلف والأمام والتحت والدون فتكون أسماء وكينونة " تلك " أسماء أكثر وأجرى في كلامهم. وكذلك مرأى ومسمع كينونتهما أسماء أكثر ومع ذلك إنهم جعلوه اسماً خاصاً بمنزلة المجلس والمتكأ وما أشبه ذلك فكرهوا أن يجعلوه ظرفاً. وقد زعموا أن بعض الناس ينصبه يجعله بمنزلة درج السيول فينصبه وهو قليل كأنهم لما قالوا: بمرأى ومسمع فصار غير الاسم الأول في المعنى واللفظ شبهوه بقوله: هو مني يمنزلة الولد. وقد زعم يونس أن ناساً يقولون: هو مني مزجر الكلب يجعلونه بمنزلة مرأى ومسمع. وكذلك مقعد ومناط يجعلونه هو الأول فيجري كقول الشاعر: وأنت مكانك من وائل مكان القراد من است الجمل وإنما حسن الرفع ههنا لأنه جعل الآخر هو الأول كقولك: له رأس رأس الحمار. ولو جعل الآخر ظرفاً جاز ولكن الشاعر أراد أن يشبه مكانه بذلك المكان. وأما قولهم: دارى خلف دارك فرسخاً فانتصب لأن خلف خبر للدار وهو كلام قد عمل بعضه في بعض واستغنى فلما قال: دارى خلف دارك أبهم فلم يدر ما قدر ذاك فقال: فرسخاً وذراعاً وميلاً أراد أن يبين. فيعمل هذا الكلام في هذه الغايات بالنصب كما عمل: له عشرون درهماً في الدرهم كأن هذا الكلام شيء منون يعمل فيما ليس من اسمه ولا هو هو كما كان: أفضلهم رجلاً بتلك المنزلة. وإن شئت قلت: دارى خلف دارك فرسخان تلغي خلف كما تلغي فيها إذا قلت: فيها زيد قائم. وزعم يونس أن أبا عمرو كان يقول: داري من خلف دارك فرسخان فشبهه بقولك: دارك مني فرسخان لأن خلف ههنا اسم وجعل من فيها بمزلتها في الاسم. وهذا مذهب قوي. وأما العرب فتجعله بمنزلة قولك: خلف فتنصب وترفع لأنك تقول: أنت من خلفي ومعناه أنت خلفي ولكن الكلام حذف. ألا ترى أنك تقول: دارك من خلف داري فيستغنى الكلام. وتقول: أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين فيكون ظرفاً كما كان ما قبله مما شبه بالمكان. وأما الوقت والساعات والأيام والشهور والسنون وما أشبه ذلك من الأزمنة والأحيان التي تكون في الدهر فهو قولك: " القتال يوم الجمعة " إذا جعلت يوم الجمعة ظرفاً و " الهلال الليلة ". وإنما انتصبا لأنك جعلتهما ظرفاً وجعلت القتال في يوم الجمعة والهلال في الليلة. وإن قلت: الليلة الهلال واليوم القتال نصبت التقديم والتأخير في ذلك سواء. وإن شئت رفعت فجعلت الآخر الأول. وكذلك: اليوم الجمعة واليوم السبت وإن شئت رفعت. فأما اليوم الأحد واليوم الاثنان فإنه لا يكون إلا رفعاً وكذلك إلى الخميس لأنه ليس يعمل فيه كأنك أردت أن تقول: اليوم الخامس والرابع. وكذلك: اليوم خمسة عشر من الشهر إنما أردت هذا اليوم تمام خمسة عشر من الشهر ويومان من الشهر رفع كله فصار بمنزلة قولك: العام عامها. ومن العرب من يقول: اليوم يومك فيجعل اليوم الأول بمنزلة الآن لأن الرجل قد يقول: أنا اليوم أفعل ذاك ولا يريد يوماً بعينه. وتقول: عهدي به قريباً وحديثاً إذا لم تجعل الآخر هو الأول. فإن جعلت الآخر هو الأول رفعت. وإذا نصبت جعلت الحديث والقريب من الدهر. وتقول: عهدي به قائماً وعلمي به ذا مال فتنصب على أنه حال وليس بالعهد ولا العلم وليسا هنا ظرفين. وتقول: ضربي عبد الله قائماً على هذا الذي ذكرت لك. واعلم أن ظروف الدهر أشد تمكنا في الأسماء لأنها تكون فاعلة ومفعولة. تقول: أهلكك الليل والنهار واستوفيت أيامك فأجرى الدهر هذا المجرى. فأجر الأشياء كما أجروها.
هذا باب الجر

والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه واعلم أن المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف وبشيء يكون ظرفاً وباسم لا يكون ظرفاً." فأما الذي ليس باسم ولا ظرف فقولك: مررت بعبد الله وهذا لعبد الله وما أنت كزيد ويالبكر وتالله لا أفعل ذاك ومن وفي ومذ وعن ورب وما أشبه ذلك وكذلك أخذته عن زيد وإلى زيد. وأما الحروف التي تكون ظرفاً فنحو خلف وأمام وقدام ووراء وفوق وتحت وعند وقبل ومع وعلى لأنك تقول: من عليك كما تقول: من فوقك وذهب من معه. وعن أيضاً ظرف بمنزلة ذات اليمين والناحية. ألا ترى أنك تقول: من عن يمينك كما تقول: من ناحية كذا وكذا. وقبالة ومكانك ودون وقبل وبعد وإزاء وحذاء وما أشبه هذا من الأمكنة والأزمنة. وذلك قولك: أنت خلف عبد الله وأمام زيد وقدام أخيك وكذلك سائر هذه الحروف. وهذه الظروف أسماء ولكنها صارت مواضع للأشياء. وأما الأسماء فنحو: مثل وغير وكل وبعض. ومثل ذلك أيضاً الأسماء المختصة نحو: حمار وجدار ومال وأفعل نحو قولك: هذا أعمل الناس وما أشبه هذا من الأسماء كلها وذلك قولك: هذا مثل عبد الله وهذا كل مالك وبعض وهذا حمار زيد وجدار أخيك ومال عمرو. وهذا أشد الناس. وأما الباء وما أشبهها فليست بظروف ولا أسماء ولكنها يضاف بها إلى الاسم ما قبله أو ما بعده. فإذا قلت: يا لبكر فإنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى من الفعل المضمر مضافاً إلى بكر باللام. وإذا قلت: مررت بزيد فإنما أضفت المرور إلى زيد بالباء وكذلك هذا لعبد الله. وإذا قلت: أنت كعبد الله فقد أضفت إلى عبد الله الشبه بالكاف. وإذا قلت: أخذته من عبد الله فقد أضفت الأخذ إلى عبد الله بمن. وإذا قلت: مذ زمان فقد أضفت الأمر إلى وقت من الزمان " بمذ ". وإذا قلت: أنت في الدار فقد أضفت كينونتك في الدار إلى الدار بفي. وإذا قلت: فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة بفي. وإذا قلت: رب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل برب. وإذا قلت: بالله والله وتالله فإنما أضفت الحلف إلى الله سبحانه. كما أضفت النداء باللام إلى بكر حين قلت: يالبكر. وكذلك رويته عن زيد باب مجرى النعت على المنعوت. والشريك على الشريك والبدل على المبدل منه وما أشبه ذلك فأما النعت الذي جرى على المنعوت فقولك: مررت برجل ظريف قبل فصار النعت مجروراً مثل المنعوت لأنهما كالاسم الواحد. " وإنما صارا كالاسم الواحد " من قبل أنك لم ترد الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل ولكنك أردت الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل ظريف فهو نكرة وإنما كان نكرة لأنه من أمة كلها له مثل اسمه. وذلك أن الرجال كل واحد منهم رجل والرجال الظرفاء كل واحد منهم رجل ظريف فاسمه يخلطه بأمته حتى لا يعرف منها. فإن أطلت النعت فقلت: مررت برجل عاقل كريم مسلم فأجره على أوله. ومن النعت أيضاً: مررت برجل أيما رجل فإيما نعت للرجل في كماله وبذة غيره كأنه قال: مررت برجل كامل. ومنه: مررت برجل حسبك من رجل. فهذا نعت للرجل بإحسابه إياك من كل رجل. وكذلك: كافيك من رجل وهمك من رجل " وناهيك من رجل " ومررت برجل ما شئت من رجل ومررت برجل شرعك من رجل ومررت برجل هدك من رجل " وبامرأة هدك من امرأة ". فهذا كله على معنى واحد وما كان منه يجري فيه الإعراب فصار نعتاً لأوله جرى على أوله. وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: مررت برجل هدك من رجل ومررت بامرأة هدتك من امرأة فجعله فعلاً " مفتوحاً كأنه قال: فعل وفعلت " بمنزلة كفاك وكفتك. ومن النعت أيضاً: مررت برجل مثلك. فمثلك نعت على أنك قلت هو رجل كما أنك رجل ويكون نعتاً أيضاً على أنه لم يزد عليك ولم ينقص عنك في شيء من الأمور. ومثله: مررت برجل مثلك أي صورته شبيهة بصورتك وكذلك: مررت برجل ضربك وشبهك. وكذلك نحوك يجرين في المعنى والإعراب مجرى واحداً وهن مضافات إلى معرفة صفات لنكرة. " ويونس يقول: هذا مثلك مقبلاً وهذا زيد مثلك إذا قدمه جعله معرفة وإذا أخره جعله نكرة. ومن العرب من يوافقه على ذلك ". ومنه: مررت برجل شر منك فهو نعت على أنه نقص أن يكون مثله. ومنه: مررت برجل خير منك فهو نعت له بأنه قد زاد على أن يكون مثله. ومنه: مررت برجل غيرك فغيرك نعت يفصل به بين من نعته بغير وبين من أضفتها إليه حتى لا ومنه: مررت برجل آخر " فآخر " نعت على نحو غير. ومنه: مررت برجل حسن الوجه نعت الرجل بحسن وجهه ولم تجعل فيه الهاء هي إضمار الرجل كما تقول: حسن وجهه لأنه إذا قيل حسن الوجه علم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه. ومثل ذلك: مررت بامرأة حسنة الوجه إنما أدخلت الهاء في الحسنة لأن الحسنة إنما وقعت نعتاً لها ثم بلغت به بعد ما صار نعتاً لها حيث أردت فمن ثم صارت فيها الهاء. وليست بمنزلة حسن وجهه في اللفظ وإن كان المعنى واحداً لأن الحسن ههنا للأول ثم تضيفه إلى من تريد وحسن الوجه مضاف إلى معرفة صفة للنكرة فلما كانت صفة للنكرة أجريت مجراها كما جرت مجراها أخواتها مثل وما أشبهها. ومما يكون نعتاً للنكرة وهو مضاف إلى معرفة قول الشاعر امرؤ القيس: بمنجرد قيد الأوابد لاحه طراد الهوادي كل شأ ومغرب ومنه أيضاً: مررت على ناقة عبر الهواجر. ومما يكون مضافاً إلى المعرفة ويكون نعتاً للنكرة الأسماء التي أخذت من الفعل فأريد بها معنى التنوين. من ذلك: مررت برجل ضاربك فهو نعت على أنه سيضربه كأنك قلت: مررت برجل ضارب زيداً ولكن حذف التنوين استخفافاً. وإن أظهرت الاسم وأردت التخفيف والمعنى معنى التنوين جرى مجراه حين كان الاسم مضمراً وذلك قولك: مررت برجل ضاربه رجل فإن شئت حملته على أنه سيفعل وإن شئت على أنك مررت به وهو في حال عمل وذلك قوله عز وجل: " هذا عارض ممطرنا ". فالرفع ههنا كالجر في باب الجر. واعلم أن كل مضاف إلى معرفة وكان للنكرة صفة فإنه إذا كان موصوفاً أو وصفاً أو خبراً أو مبتدأً بمنزلة النكرة المفردة. ويدلك على ذلك قول " الشاعر وهو " جرير: ظللنا بمستن الحرور كأننا لدى فرس مستقبل الريح صائم كأنه قال: لدى مستقبل صائم. وقال المرار الأسدي: سل الهموم بكل معطى رأسه ناج مخالط صهبة متعيس مغتال أحبله مبين عنقه في منكب زبن المطى عرندس سمعناه ممن يرويه من العرب ينشده هكذا. ومنه أيضاً قول ذي الرمة: سرت تخبط الظلماء من جانبي قساً وحب بها من خابط الليل زائر فكأنهم قالوا: بكل معط " رأسه " ومن خابط " الليل ". ومثله قول جرير: يارب غابطنا لو كان يعرفكم لاقى مباعدة منكم وحرمانا وقال أبو محجن الثقفي: فرب لا يقع بعدها إلا نكرة فذلك يدلك على أن " غابطنا " " ومثلك " نكرة. ومن ذلك قول العرب: لي عشرون مثله ومائة مثله فأجروا ذلك بمنزلة عشرين درهماً ومائة درهم. فالمثل وأخواته كأنه كالذي حذف منه التنوين في قوله مثل زيداً وقيد الأوابد. وهذا تمثيل ولكنها كمائة وعشرين فلزمها شيء واحد وهو الإضافة. يريد أنك أردت معنى التنوين. فمثل ذلك قولهم: مائة درهم. وزعم يونس أنه يقول: عشرون غيرك على قوله عشرون مثلك. وزعم يونس والخليل رحمهما الله أن الدرهم ليست نكرة لأنهم يقولون: مائة الدرهم التي تعلم فهي بمنزلة عبد الله. وزعم يونس والخليل أن هذه الصفات المضافة إلى المعرفة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكون معرفة وذلك معروف في كلام العرب. يدلك على ذلك أنه يجوز لك أن تقول: مررت بعبد الله ضاربك فجعلت ضاربك بمنزلة صاحبك. وزعم يونس أنه يقول: مررت بزيد مثلك إذا أرادوا مررت بزيد المعروف بشبهك فتجعل مثلك معرفة. ويدلك على ذلك قوله: هذا مثلك قائما كأنه قال هذا أخوك قائماً. إلا حسن الوجه فإنه بمنزلة رجل لا يكون معرفة. وذاك أنه يجوز لك أن تقول: هذا الحسن الوجه فيصير ومن النعت أيضاً: مررت برجل إما قائم وإما قاعد فقد أعلمهم أنه ليس بمضطجع " ولكنه " شك في القيام والقعود وأعلمهم أنه على أحدهما. ومن النعت أيضاً: مررت برجل لا قائم ولا قاعد جر لأنه نعت كأنك قلت: مررت برجل قائم وكأنك تحدث من في قلبه أن ذاك الرجل قائم أو قاعد فقلت: لا قائم ولا قاعد لتخرج ذلك من قلبه. ومنه: مررت برجل راكب وذاهب واستحقهما لا لأن الركوب قبل الذهاب. ومنه: مررت برجل راكب فذاهب استحقهما إلا أنه بين أن الذهاب بعد الركوب وأنه لا مهلة بينهما وجعله متصلاً به. ومنه: مررت برجل راكب ثم ذاهب فبين أن الذهاب بعده وأن بينهما مهلة وجعله غير متصل به فصيره على حدة. ومنه: مررت برجل راكع أو ساجد فإنما هي بمنزلة إما وإما إلا أن إما يجاء بها ليعلم أنه يريد أحد الأمرين وإذا قال " أو " ساجد فقد يجوز أن يقتصر عليه. ومنه: مررت برجل راكع لا ساجد لإخراج الشك أو لتأكيد العلم فيهما. ومنه: مررت: برجل راكع بل ساجد إما غلط فاستدرك وإما نسي فذكر. ومنه: مررت برجل حسن الوجه جميلة جر لأنه حسن الخاصة جميلها والوجه ونحوه خاص ولو كان حسن العامة لقال حسن جميل. ومنه: مررت برجل ذي مال أي صاحب مال. ومنه: مررت برجل رجل صدق منسوب إلى الصلاح. كأنك قلت: مررت برجل صالح. وكذلك: مررت برجل رجل سوء كأنك قلت: مررت برجل فاسد لأن الصدق صلاح والسوء فساد. وليس الصدق ههنا بصدق اللسان لو كان كذلك لم يجز لك أن تقول هذا ثوب صدق وحمار صدق وكذلك السوء ليس في معنى سؤته. ومن النعت أيضاً: مررت برجلين مثلين فتفسير المثلين أن كل واحد منهما مثل صاحبه. ومثل ذلك سيان وسواء. ومنه: مررت برجلين مثلك أي كل واحد منهما مثلك ووجه آخر على انهما جميعاً مثلك. وكل ذلك جر. ومنه: مررت برجلين غيرك فإن شئت حملته على أنهما غيره في الخصال وفي الأمور وإن شئت على قوله: مررت برجلين آخرين إذا أردت أنه قد ضم معك في المرور سواك فيصير كقولك: برجل آخر إذا ثني به. ومنه: مررت برجلين سواء على أنهما لي يزيدا على رجلين ولي ينقصا من رجلين. وكذلك مررت بدرهم سواء. ومنه أيضاً: مررت برجلين مسلم وكافر جمعت الاسم وفرقت النعت. وإن شئت كان المسلم والكافر بدلاً كأنه أجاب من قال: بأي ضرب مررت وإن شاء رفع كأنه أجاب من قال: فما هما فالكلام على هذا وإن لم يلفظ به المخاطب لأنه إنما يجري كلامه على قدر مسألتك عنده لو سألته. وكذلك: مررت برجلين رجل صالح ورجل طالح إن شئت صيرته تفسيراً لنعت وصار إعادتك الرجل توكيداً. وإن شئت جعلته بدلاً كأنه جواب لمن قال: بأي رجل مررت. فتركت الأول واستقبلت الرجل بالصفة. وإن شئت رفعت على قوله فما هما ومما جاء في الشعر قد جمع فيه الاسم وفرق النعت وصار مجروراً قوله " وهو رجل من باهلة ": بكيت وما بكا رجل حليم على ربعين مسلوب وبال كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة. ومنه أيضاً: مررت بثلاثة نفر: رجلين مسلمين ورجل كافر جمعت الاسم وفصلت العدة ثم نعته وفسرته. وإن شئت أجريته مجرى الأول في الابتداء فترفعه وفي البدل فتجره. قال " الرجز وهو " العجاج: خوى على مستويات خمس كركرة وثفنات ملس وهذا يكون على وجهين: على البدل وعلى الصفة. ومثال ما يجيء في هذا الباب على الابتداء وعلى الصفة والبدل قوله عز وجل: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ". ومن الناس من يجر والجر على وجهين: على الصفة وعلى البدل. ومنه قول كثير عزة: وكنت كذى رجلين: رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت فأما مررت برجل راكع وساجد ومررت برجل رجل صالح فليس الوجه فيه إلا الصفة وليس هذا بمنزلة مررت برجلين مسلم وكافر ولا ما أشبهه من قبل أنك ثم تبعض كأنك قلت: أحدهما كذا والآخر كذا ومنهم كذا " ومنهم كذا ". وإذا قلت: مررت برجل قائم ومررت برجل قاعد فهذا اسم واحد. ولو قلت: مررت برجل مسلم وثلاثة رجال مسلمين لم يحسن فيه إلا الجر لأنك جعلت الكلام اسماً واحداً حتى صار كأنك قلت: مررت بقائم ومررت برجال مسلمين. وهذا قول يونس: ولو جاز الرفع لقلت: كان عبد الله راكع لأنك إن شبهته بالتبعيض فالتبعيض ههنا رفع إذا قلت: كان أخواك راكع وساجد. ومثل ذلك: مرت برجل وامرأة وحمار قيام فرقت الأسماء وجمعت النعت فصارجمع النعت ههنا بمنزلة قولك: مررت برجلين مسلمين لأن النعت ههنا ليس مبعضاً ولو جاز في هذا الرفع لجاز مررت بأخيك وعبد الله وزيد قيام فصار النعت ههنا مع الأسماء بمنزلة اسم واحد. وتقول: مررت بأربعة صريع وجريح لأن الصريع والجريح غير الأربعة فصار على قولك: منهم صريع ومنهم جريح. ومن النعت أيضاً: مررت برجل مثل رجلين وذلك في الغناء " والجزء ". وهذا مثل قولك: مررت ببر ملء قدحين فالذي يضاف إليه الملء مقياس ومكيال ومثقال ونحوه والأول موزون ومقيس ومكيل. وكذلك: مررت برجلين مثل رجل في الغناء كقولك: ببرين ملء قدح. وتقول: مررت برجل مثل رجل وتقول: مررت برجل أسد شدة وجرأة إنما تريد مثل الأسد. وهذا ضعيف قبيح لأنه اسم لم يجعل صفة وإنما قاله النحويون شبه بقولهم: مررت بزيد أسداً شدة. وقد يكون خبراً ما لا يكون صفة. " ومثله: مررت برجل نار حمرة ". ومنه أيضاً: مررت برجل صالح بل طالح وما مررت برجل كريم بل لئيم أبدلت الصفة الآخرة من الصفة الأولى وأشركت بينهما بل في الإجراء على المنعوت. وكذلك: مررت برجل صالح بل طالح ولكنه يجيء على النسيان أو الغلط فيتدارك كلامه لأنه ابتدأ بواجب. ومثله: ما مررت برجل صالح لكن طالح أبدلت الآخر من الأول فجرى مجراه في بل. فإن قلت: مررت برجل صالح ولكن طالح فهو محال لأن لكن لا يتدارك بها بعد إيجاب ولكنها يثبت بها بعد النفي. وإن شئت رفعت فابتدأت على هو فقلت: ما مررت برجل صالح ولكن طالح وما مررت برجل صالح بل طالح ومررت برجل صالح بل طالح لأنها من الحروف التي يبتدأ بها. ومن ذلك قوله عز وجل: " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون ". فالرفع ههنا بعد النصب كالرفع بعد الجر. وإن شئت كان الجر على أن يكون بدلاً على الباء. واعلم أن بل ولا بل ولكن يشركن بين النعتين فيجريان على المنعوت كما أشركت بينهما الواو والفاء وثم وأو ولا وإما وما أشبه ذلك. وتقول: ما مررت برجل مسلم فكيف رجل راغب في الصدقة بمنزلة: فأين راغب في الصدقة. وزعم يونس أن الجر خطأ لأن أين ونحوها يبتدأ بهن ولا يضمر بعدهن شيء " كقولك: فهلا دينارا إلا أنهما مما يكون بعدهما الفعل ". ألا ترى أنك لو قلت: رأيت زيداً فأين عمراً أو فهل بشراً لم يجز. وقد بين ترك إضمار الفعل فيما مضى. ولكن وبل لا يبتدآن ولا يكونان إلا على كلام فشبهن بإما وأو ونحوهما. ومما جرى نعتاً على غير وجه الكلام: " هذا جحر ضب خرب " فالوجه الرفع وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم. وهو القياس لأن الخرب نعت الجحر والجحر رفع ولكن بعض العرب يجره. وليس بنعت للضب ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب فجروه لأنه نكرة كالضب ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضب ولأنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد. ألا ترى أنك تقول: هذا حب رمان. فإذا كان لك قلت: هذا حب رماني فأضفت الرمان إليك وليس لك الرمان إنما لك الحب. ومثل ذلك: هذه ثلاثة أثوابك. فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رمان تقول: هذا جحر ضبي وليس لك الضب إنما لك جحر ضب فلم يمنعك ذلك من أن قلت جحر ضبي والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب. ومع هذا أنهم أتبعوا الجر كما أتبعوا الكسر الكسر نحو قولهم: بهم وبدارهم وقال الخليل رحمه الله: لا يقولون إلا هذان جحرا ضب خربان من قبل أن الضب واحد والجحر جحران وإنما بغلطون إذا كان الآخر بعدة الأول وكان مذكراً مثله أو مؤنثاً وقالوا: هذه جحرة ضباب خربة لأن الضباب مؤنثة ولأن الجحرة مؤنثهة والعدة واحدة فغلطوا. وهذا قول الخليل رحمه الله ولا نرى هذا والأول إلا سواء لأنه إذا قال: هذا جحر ضب متهدم ففيه من البيان أنه ليس بالضب مثل ما في التثنية من البيان أنه ليس بالضب. وقال العجاج: كأن نسج العنكبوت المرمل فالنسج مذكر والعنكبوت أنثى.
باب ما أشرك بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه

كما أشرك بينهما في النعت فجريا على المنعوتوذلك قولك: مررت برجل وحمار قبل. قالوا وأشركت بينهما في الباء فجريا عليه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون بها أولى من الحمار كأنك قلت مررت بهما. فالنفي في هذا أن تقول: ما مررت برجل وحمار أي ما مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء ولا بشيء مع شيء لأن يجوز أن تقول: مررت بزيد وعمرو والمبدوء به في المرور عمرو " ويجوز أن يكون زيداً " ويجوز أن يكون المرور وقع عليهما في حالة واحدة. فالواو تجمع هذه الأشياء على هذه المعاني. فإذا سمعت المتكلم يتكلم بهذا أجبته على أيها شئت لأنها قد جمعت هذه الأشياء. وقد تقول: مررت بزيد وعمرو على أنك مررت بهما مرورين وليس في ذلك " دليل " على المرور المبدوء به كأنه يقول: ومررت أيضاً بعمرو. فنفي هذا: ما مررت بزيد وما مررت بعمرو. وسنبين النفي بحروفه في موضعه إن شاء الله. ومن ذلك " قولك ": مررت بزيد فعمرو ومررت برجل فامرأة. فالفاء أشركت بينهما في المرور وجعلت الأول مبدوءاً به. ومن ذلك: مررت برجل ثم امرأة فالمرور ههنا مروران وجعلت ثم الأول مبدوءاً به وأشركت بينهما في الجر. ومن ذلك " قولك ": مررت برجل أو امرأة فأو أشركت بينهما في الجر وأثبتت المرور لأحدهما دون الآخر وسوت بينهما في الدعوى. فجواب الفاء: ما مررت بزيد فعمرو. وجواب ثم: ما مررت بزيد ثم عمرو. وجواب أو إن نفيت الاسمين: ما مررت بواحد منهما وإن أثبت أحدهما قلت: ما مررت بفلان. ومن ذلك: مررت برجل لا امرأة أشركت بينهما لا في الباء وأحقت المرور للأول وفصلت بينهما عند من التبسا عليه فلم يدر بأيهما مررت.
هذا باب المبدل من المبدل منه

والمبدل يشرك المبدل منه في الجر وذلك قولك: مررت برجل حمار. فهو على وجه محال وعلى وجه حسن. فأما المحال فأن تعني أن الرجل حمار. وأما الذي يحسن فهو أن تقول: مررت برجل ثم تبدل الحمار مكان الرجل فتقول: حمار إما أن تكون غلطت أو نسيت فاستدركت وإما أن يبدو لك أن تضرب عن مرورك بالرجل وتجعل مكانه مرورك بالحمار بعد ما كنت أردت غير ذلك. ومثل ذلك قولك: لا بل حمار. ومن ذلك قولك مررت برجل بل حمار وهو على تفسير: مررت برجل حمار. ومن ذلك: ما مررت برجل بل حمار وما مررت برجل ولكن حمار أبدلت الآخر من لأول وجعلته مكانه. وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل فيقال: من أمره ومن أمره فتقول أنت: قد مررت به فما مررت برجل بل حمار ولكن حمار أي بل هو حمار ولكن هو حمار. ولو ابتدأت كلاماً فقلت: ما مررت برجل ولكن حمار تريد: ولكن هو حمار كان عربياً أو بل حمار أو لا بل حمار كان كذلك كأنه قال: ولكن الذي مررت به حمار. وإذا كان قبل ذلك منعوت فأضمرته أو اسم فأضمرته أو أظهرته فهو أقوى لأنك تضمر ما ذكرت وأنت هنا تضمر ما لم تذكر. وهو جائز عربي لأن معناه ما مررت بشيء هو رجل فجاز هذا كما جاز المنعوت المذكور نحو قولك: " ما " مررت برجل صالح بل طالح. ومثل ذلك قوله عز وجل: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ". فهذا على أنهم قد كانوا ذكروا الملائكة قبل ذلك بهذا وعلى الوجه الآخر. والمعرفة والنكرة في لكن وبل ولا بل سواء. ومن المبدل أيضاً قولك: قد مررت برجل أو امرأة إنما ابتدأ بيقين ثم جعل مكانه شكا أبدله منه فصار الأول والآخر الادعاء فيهما سواء فهذا شبيه بقوله: ما مررت بزيد ولكن عمرو ابتدأ بنفي ثم أبدل مكانه يقيناً. وأما قولهم: أمررت برجل أم امرأة إذا أردت معنى أيهما مررت به فإن أم تشرك بينهما كما أشركت بينهما أو. وأما: ما مررت برجل فكيف امرأة فزعم يونس أن الجر خطأ وقال: هو بمنزلة أين. ومن جر هذا فهو ينبغي له أن يقول: ما مررت بعبد الله فلم أخيه وما لقيت زيداً واعلم أن المعرفة والنكرة في باب الشريك والبدل سواء. واعلم أن المنصوب والمرفوع في الشركة والبدل كالمجرور.
هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها

فالمعرفةُ خمسة أشياء: الأسماء التي هي أعلامٌ خاصةً والمضاف إلى المعرفة إذا لم ترد معنى التنوين والألف واللامُ والأسماء المبهمة والإضمارُ. فأما العلامة المختصة فنحو زَيدٍ وعَمرٍو وعبدِ الله وما أشبه ذلك. وإنما صار معرفةً لأنه اسمٌ وقع عليه يُعرف به بعينه دون سائر أمته. وأما المضاف إلى معرفة فنحو قولك: هذا أخوك ومررتُ بأبيك وما أشبه ذلك. وإنما صار معرفةً بالكاف التي أضيف إليها لأن الكاف يراد بها الشيء بعينه دون سائر أمّته. وأما الألف واللام فنحو الرجل والفرس والبعير وما أشبه ذلك. وإنما صار معرفة لأنك أردت بالألف واللام الشيء بعينه دون سائر أمته لأنك قلت: مررتُ برجلٍ فإنك إنما زعمت أنك إنما مررت بواحدٍ ممن يقع عليه هذا الاسمُ لا تريد رجلاً بعينه يعرفه المخاطَب. وإذا أدخلتَ الألف واللام فإنما تُذكّره رجلاً قد عرَفه فتقول: الرجل الذي من أمره كذا وكذا ليتوهّم الذي كان عهدَه ما تذكّر من أمره. وأما الأسماء المبهمة فنحو هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء وذلك وتلك وذانك وتانك وأولئك وما أشبه ذلك. وإنما صارت معرفةً لأنها صارت أسماء إشارة إلى الشيء دون سائر أمّته. وأما الإضمار فنحو: هو وإياه وأنتَ وأنا ونحن وأنتم وأنتنّ وهنّ وهم وهي والتاء التي في فعَلتُ وفعلَتْ وفعلْتِ وما زِيدَ على التاء نحو قولك: فعلتما وفعلتم وفعلتنّ والواو التي في فعلُوا والنون والألف اللتان في فعلْنا في الاثنين والجميع والنون في فعلْنَ والإضمار الذي ليست له علامة ظاهرة نحو: قد فعل ذلك والألف التي في فعَلا والكاف والهاء في رأيتُكَ ورأيته وما زيدَ عليهما نحو: رأيتكما ورأيتكم ورأيتهما ورأيتهم ورأيتكنّ ورأيتهنّ والياء في رأيتُني والألف والنون اللتان في رأيتَنا وغُلامُنا والكاف والهاء اللتان في بكَ وبه وبها وما زيد عليهنّ نحو قولك: بكما وبكم وبكنّ وبهما وبهم وبهنّ والياء في غلامي وبي. وإنما صار الإضمار معرفة لأنك إنما تضمِر اسماً بعد ما تعلم أن مَنْ يحدَّث قد عرف مَن تعني وما تعني وأنك تريد شيئاً يعلمه. واعلم أن العَلَم الخاص من الأسماء يوصَف بثلاثة أشياء: بالمضاف إلى مثله وبالألف واللام وبالأسماء المبهمة. فأما المضاف فنحو: مررتُ بزيدٍ أخيك. والألف واللام نحو قولك: مررت بزيد الطويل وما أشبه هذا من الإضافة والألف واللام. وأما المبهمة فنحو: مررتُ بزيد هذا وبعمرو ذاك. والمضاف إلى المعرفة يوصف بثلاثة أشياء: بما أضيف كإضافته وبالألف واللام والأسماء المبهمة وذلك: مررتُ بصاحبك أخي زيد ومررتُ بصاحبك الطويل ومررت بصاحبك هذا. فأما الألف واللام فتوصف بالألف واللام وبما أضيف إلى الألف واللام لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام فصار نعتاً كما صار المضاف إلى غير الألف واللام صفةً لما ليس فيه الألف واللام نحو مررتُ بزيد أخيك وذلك قولك: مررتُ بالجميل النبيل ومررتُ بالرجل ذي المال. وإنما منع أخاك أن يكون صفةً للطويل أن الأخ إذا أضيف كان أخصَّ لأنه مضاف إلى الخاص والى إضماره فإنما ينبغي لك أن تبدأ به وإن لم تكتفِ بذلك زدتَ من المعرفة ما تزداد به معرفة. وإنما منع هذا أن يكون صفةً للطويل والرجل أن المخبِر أراد أن يقرّب به شيئاً ويشير إليه لتعرفه بقلبك وبعينك دون سائر الأشياء. وإذا قال الطويل فإنما يريد أن يعرّفك شيئاً بقلبك ولا يريد أن يعرّفكه بعينك فلذلك صار هذا يُنعت بالطويل ولا يُنعت الطويل بهذا لأنه صار أخصَّ من الطويل حين أراد أن يعرّفه شيئاً بمعرفة العين ومعرفة القلب. وإذا قال الطويل فإنما عرّفه شيئاً بقلبه دون عينه فصار ما اجتمع فيه شيئان أخصّ. واعلم أن المبهمة توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام والصفات التي فيها الألف واللام جميعاً. وإنما وُصفتْ بالأسماء التي فيها الألف واللام لأنها والمبهمة كشيء واحد والصفات التي فيها الألف واللام هي في هذا الموضع بمنزلة الأسماء وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو إذا قلتَ مررتُ بزيد الطويل لأني لا أريد أن أجعل هذا اسماً خاصاً ولا صفةً له يُعرف بها وكأنك أردت أن تقول مررت بالرجل ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرّب به الشيء وتشير إليه. ويدلّك على ذلك أنك لا تقول: مررتُ بهذين الطويل والقصير وأنت تريد أن تجعله من الاسم الأول بمنزلة هذا الرجل ولا تقول: مررتُ بهذا ذي المال كما قلت: مررتُ بزيد ذي المال. واعلم أن صفات المعرفة تجري من المعرفة مجرى صفات النكرة من النكرة وذلك قولك: مررتُ بأخوَيْك الطويلَيْن فليس في هذا إلا الجرّ كما ليس في قولك: مررت برجل طويل إلا الجرّ. وتقول: مررت بأخوَيْك الطويل والقصير ومررتُ بأخوَيك الراكع والساجد ففي هذا البدل وفي هذا الصفة وفيه الابتداء كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح. وإذا قلت: مررت بزيد الراكع ثم الساجد أو الراكع فالساجد أو الراكع لا الساجد أو الراكع أو الساجد أو إما الراكع وإما الساجد وما أشبه هذا لم يكن وجه كلامه إلا الجرّ كما كان ذلك في النكرة. فإن أدخلتَ بل ولكنْ جاز فيهما ما جاز في النكرة. فعلى هذا فقِس المعرفة. وقد مضى الكلام في النكرة فأغنى عن إعادته في المعرفة لأن الحكم واحد. واعلم أن كل شيء كان للنكرة صفةً فهو للمعرفة خبر وذلك قولك: مررت بأخويك قائمَيْن فالقائمان هنا نصب على حدّ الصفة في النكرة. وتقول: مررت بأخويك مسلماً وكافراً هذا على مَن جرّ وجعلهما صفةً للنكرة ومن جعلهما بدلاً من النكرة جعلهما بدلاً من المعرفة كما قال الله عز وجل: " لَنَسْفَعاً بالناصيةِ. ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئة ". وأنشدنا لبعض العرب الموثوق بهم: فإلى ابنِ أمّ أناسٍ ارحلُ ناقتي ** عمرٍو فتُبلغُ حاجتي أو تُزحِفُ ملِكٍ إذا نزل الوفودُ ببابه ** عرَفوا مواردَ مُزبِدٍ لا يُنزَفُ ومَن رفع في النكرة رفع في المعرفة. قال الفرزدق: فأصبح في حيثُ التقينا شريدُهمْ ** طليقٌ ومكتوفُ اليدينِ ومُزعِفُ فلا تجعلي ضيفَيّ ضيفٌ مُقرَّبٌ ** وآخرُ معزولٌ عن البيت جانبُ والنصب جيّد كما قال النابغة الجعدي: وكانت قُشَيرٌ شامتاً بصديقها وآخرَ مَرزيّا وآخرَ رازِيا وقال الآخر وهو ذو الرمّة: تَرى خلقَها نِصفٌ قناة قويمة ** ونصفٌ نقاً يرتجّ أو يتمرْمرُ وبعضهم ينصب على البدل. وإن شئت كان بمنزلة رأيتُه قائماً كأنه صار خبراً على حدّ من جعله صفة للنكرة على الأوجه الثلاثة. واعلم أن المضمر لا يكون موصوفاً من قِبل أنك إنما تضمِر حين ترى أن المحدَّث قد عرف مَن تعني ولكن لها أسماء تُعطَف عليها تعمّ وتؤكد وليست صفةً لأن الصفة تحلية نحو الطويل أو قرابة نحو أخيك وصاحبك وما أشبه ذلك أو نحو الأسماء المبهمة ولكنها معطوفة على الاسم تجري مجراه فلذلك قال النحويون صفة. وذلك قولك: مررت بهم كلهم أي لم أدعْ منهم أحداً ويجيء توكيداً كقولك: لم يبق منهم مُخبّر وقال بقي منهم. ومثله أيضاً: مررتُ بهم أجمعين أكتعين ومررتُ بهم جُمَعَ كُتَع ومررتُ بهم أجمعَ أكتعَ ومررتُ بهم جميعهم. فهكذا هذا وما أشبه. ومنه مررتُ به نفسِه ومعناه مررتُ به بعينه. واعلم أن الخاص من الأسماء لا يكون صفةً لأنه ليس بحليةٍ ولا قرابة ولا مبهم ولكنه يكون معطوفاً على الاسم كعطف أجمعين. وهذا قول الخليل رحمه الله وزعم أنه من أجل ذلك قال: يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ. قال: لو لم يكن على الرجل كان غيرَ منوَّن. وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لأن المبهم تقرِّب به شيئاً أو تُباعده وتُشير إليه. ومن الصفة: أنت الرجل كلُّ الرجل ومررت بالرجل كلِّ الرجل. فإن قلت: هذا عبد الله كلُّ الرجل أو هذا أخوك كلُّ الرجل فليس في الحُسن كالألف واللام لأنك إنما أردت بهذا الكلام هذا الرجل المبالغ في الكمال ولم ترد أن تجعل كل الرجل شيئاً تعرّف به ما قبله وتبيّنه للمخاطب كقولك: هذا زيد. فإذا خفت أن يكون لم يُعرَف قلت: الطويل ولكنك بنيت هذا الكلام على شيء قد أثبتّ معرفته ثم أخبرت أنه مستكمِلٌ للخِصال. ومثل ذلك قولك: هذا العالِم حقُّ العالِم وهذا العالم كلُّ العالم إنما أراد أنه مستحقٌ للمبالغة في العلم. فإذا قال هذا العالم جِدُّ العالم فإنما يريد معنى هذا عالِم جداً أي هذا قد بلغ الغاية في العلم. فجرى هذا الباب في الألف واللام مجراه في النكرة إذا قلت: هذا رجلٌ كلُّ رجل وهذا عالمٌ حقُّ عالم وهذا عالمٌ جدُّ عالم. ويدلّك على أنه لا يريد أن يثبّت بقوله كلُّ الرجل الأول أنه لو قال: هذا كلُّ الرجل كان مستغنياً به ولكنه ذكر الرجل توكيداً كقولك: هذا رجلٌ صالحٌ ولم يرد أن يبيّن بقوله كلُّ الرجل ما قبله كما يبين زيداً إذا خاف أن يلتبس فلم يرد ذلك بالألف واللام وإنما هذا ثناء يحضُرك عند ذكرك إياه. ومن الصفة قولك: ما يَحسن بالرجل مثلِك أن يفعل ذاك وما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يفعل ذاك. وزعم الخليل رحمه الله أنه إنما جرّ هذا على نية الألف واللام ولكنه موضعٌ لا تدخله الألف واللام كما كان الجَمّاء الغفيرَ منصوباً على نيّة إلقاء الألف واللام نحو طُرّاً وقاطبةً والمصادر التي تشبهها. وزعم رحمه الله أنه لا يجوز في: ما يحسن بالرجل شبيهٍ بك الجرّ لأنك تقدّر فيه على الألف واللام. وقال: وأما قولهم: مررتُ بغيرك مثلك وبغيرك خيرٍ منك فهو بمنزلة مررتُ برجل غيرك خيرٍ منك لأن غيرك ومثلك وأخواتها يكنّ نكرة ومَن جعلها معرفة قال: مررتُ بمثلك خيراً منك وإن شاء خيرٍ منك على البدل. وهذا قول يونس والخليل رحمهما الله. واعلم أنه لا يَحسن ما يحسن بعبد الله مثلِك على هذا الحد. ألا ترى أنه لا يجوز: ما يَحسن بزيد خيرٍ منك لأنه بمنزلة كل الرجل في هذا. فإن قلت: مثلِك وأنت تريد أن تجعله المعروف بشبهه جاز وصار بمنزلة أخيك. ولا يجوز في خيرٍ منك لأنه نكرة فلا تُثبِت به المعرفة. ولم يُرد في قوله: ما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يُثبِت له شيئاً بعينه ثم يعرّفه به إذا خاف التباساً. واعلم أن المنصوب والمرفوع يجري معرفتُهما ونكرتُهما في جميع الأشياء كالمجرور.
باب بدل المعرفة من النكرة والمعرفة من المعرفة وقطع المعرفة من المعرفة

مبتدأة أما بدل المعرفة من النكرة فقولك: مررتُ برجلٍ عبدِ الله. كأنه قيل له: بمَن مررت أو ظنّ أنه يقال له ذاك فأبدل مكانه ما هو أعرفُ منه. ومثل ذلك قوله عزّ وجل ذكره: " وإنك لَتَهدي إلى صِراطٍ مستقيمٍ صِراطِ الله ". وإن شئت قلت: مررتُ برجلٍ عبدُ الله كأنه قيل لك: مَن هو أو ظننت ذلك. ومن البدل أيضاً: مررتُ بقوم عبدِ الله وزيد وخالد والرفعُ جيد. وقال الشاعر وهو بعض الهُذليين وهو مالك بن خُويلد الخُناعي: يا مَيّ إن تَفقِدي قوماً وَلدتِهمِ أو تُخلَسيهم فإن الدهر خلاسُ والرفع جائز قوي لأنه لم ينقض معنىً كما فعل ذلك في النكرة. وأما المعرفة التي تكون بدلاً من المعرفة فهو كقولك: مررتُ بعبد الله زيد إما غلطتَ فتداركتَ وإما بدا لك أن تُضرِب عن مرورك بالأول وتجعله للآخر. وأما الذي يجيء مبتدأ فقول الشاعر وهو مُهلهلٌ: ولقد خبَطنَ بيوتَ يَشكُرَ خَبطةً أخوالُنا وهُمُ بنو الأعمامِ كأنه حين قال: خبطنَ بيوت يشكرَ قيل له: وما هم فقال: أخوالُنا وهم بنو الأعمام. وقد يكون مررتُ بعبد الله أخوك كأنه قيل له: مَن هو أو مَن عبدُ الله فقال: أخوك. وقال الفرزدق: ورثتُ أبي أخلاقَه عاجِلَ القِرى وعَبطَ المَهاري كُومُها وشَبوبُها كأنه قيل له: أيُّ المهاري فقال: كومُها وشَبوبُها. وتقول: مررتُ برجلٍ الأسدِ شدةً كأنك قلت: مررتُ برجلٍ كامل لأنك أردت أن ترفع شأنَه. وإن شئت استأنفتَ كأنه قيل له: ما هو. ولا يكون صفةً كقولك: مررتُ برجلٍ أسدٍ شدةً لأن المعرفة لا توصَف بها النكرة ولا يجوز أن توصَف بنكرة أيضاً لما ذكرتُ لك. والابتداء في التبعيض أقوى. وهذا عربي جيد: قوله وساقيَيْن مثلِ زيدٍ وجُعَل سَقْيانٍ مَمشوقان مَكنوزاً العَضَلْ باب ما يجري عليه صفةُ ما كان من سببه وصفتُ ما التبس به أو بشيء من سببه كمجرى صفته التي خَلصتْ له هذا ما كان من ذلك عملاً. وذلك قولك: مررتُ برجلٍ ضاربٍ أبوه رجلاً ومررتُ برجلٍ ملازمٍ أبوه رجلاً. ومن ذلك أيضاً: مررت برجل ملازم أباه رجلٌ ومررت برجل مخالط أبه داءٌ. فالمعنى فيه على وجهين: إن شئت جعلته يلازمه ويخالطه فيما يُستقبل وإن شئت جعلته عملاً كائناً في حال مرورك. وإن ألقيتَ التنوينَ وأنت تريد معناه جرى مثله إذا كان منوّناً. ويدلّك على ذلك أنك تقول: مررتُ برجلٍ ملازمك. فيَحسُن ويكون صفة للنكرة بمنزلته إذا كان منوّناً. وحين قلت: مررتُ برجل ملازم أباه رجلٌ وحين قلت: مررتُ برجل ملازم أبيه رجلٌ فكأنك قلت في جميع هذا: مررتُ برجل ملازم أباه ومررتُ برجلٍ ملازم أبيه لأن هذا يجري مجرى الصفة التي تكون خالصةً للأول. وتقول: مررتُ برجلٍ مخالِطِ بَدنه أو جسدِه داءٌ فإن ألقيتَ التنوينَ جرى مجرى الأول إذا فإن قلت: مررتُ برجلٍ مخالطِه داء وأردتَ معنى التنوين جرى على الأول كأنك قلت: مررتُ برجل مخالطٍ إياه داء. فهذا تمثيل وإن كان يقبحُ في الكلام. فإذا كان يجري عليه إذا التبس بغيره فهو إذا التبس به أحرى أن يجري عليه. وإن زعم زاعمٌ أنه يقول مررتُ برجل مخالطِ بدنه داء ففرق بينه وبين المنوَّن. قيل له: ألستَ تعلم أن الصفة إذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء إذا أردت بإسقاط التنوين معنى التنوين نحو قولك: مررتُ برجل ملازمٍ أباك ومررت برجلٍ ملازمِ أبيك أو ملازمِك فإنه لا يجد بُدّاً من أن يقول نعم وإلا خالف جميعَ العرب والنحويين. فإذا قال ذلك قلتَ: أفلستَ تجعل هذا العمل إذا كان منوّناً وكان لشيء من سبب الأول أو التبس به بمنزلته إذا كان للأول فإنه قائل: نعم وكأنك قلت مررتُ برجل ملازم. فإذا قال ذلك قلتَ له: ما بالُ التنوين وغير التنوين استويا حيث كانا للأول واختلفا حيث كانا للآخِر وقد زعمتَ أنه يجري عليه إذا كان للآخِر كمجراه إذا كان للأول. ولو كان كما يزعمون لقلتَ: مررتُ بعبد الله الملازمِه أبوه لأن الصفة المعرفة تجري على المعرفة كمجرى الصفة النكرة على النكرة. ولو أن هذا القياس لم تكن العرب الموثوق بعربيتها تقوله لم يُلتفت إليه ولكنّا سمعناها تنشد هذا البيت جرّا وهو قول ابن ميّادة المُرّيّ من غَطَفان: ونظرْنَ من خَلَل الخدور بأعيُنٍ مَرضى مُخالطها السّقامُ صِحاحِ وسمعنا من العرب من يرويه ويروي القصيدة التي فيها هذا البيت لم يلقّنه أحدٌ هكذا. وأنشد غيره من العرب بيتاً آخر فأجروه هذا المجرى وهو قوله: حَمينَ العَراقيبَ العصا وتركنَه ** به نَفَسٌ عالٍ مُخالطُه بُهْرُ فالعمل الذي لم يقع والعمل الواقع الثابت في هذا الباب سواء وهو القياس وقولُ العرب. فإن زعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا فهم ينصبون: به داء مخالطَه وهو صفة للأول. وتقول: هذا غلامٌ لك ذاهباً. ولو قال: مررتُ برجل قائماً جاز فالنصب على هذا. وإنما ذكرنا هذا لأن ناساً من النحويين يفرقون بين التنوين وغير التنوين ويفرقون إذا لم ينوّنوا بين العمل الثابت الذي ليس فيه علاجٌ يرونه نحو الآخذ واللازم والمخالط وما أشبهه وبين ما كان علاجاً يرونه نحو الضارب والكاسر فيجعلون هذا رفعاً على كل حال ويجعلون اللازم وما أشبهه نصباً إذا كان واقعاً ويُجرونه على الأقل إذا كان غير واقع. وبعضهم يجعله نصباً إذا كان واقعاً ويجعله على كل حال رفعاً إذا كان غير واقع. وهذا قول يونس والأول قول عيسى. فإذا جعله اسماً لم يكن فيه إلا الرّفعُ على كل حال. تقول: مررتُ برجلٍ ملازمُه رجل أي مررت برجلٍ صاحبُ ملازَمتِه رجلٌ فصار هذا كقولك: مررتُ برجل أخوه رجل. وتقول على هذا الحد: مررت برجلٍ ملازمُوه بنو فلان. فقولك ملازموه يدلّك على أنه اسم ولو كان عملاً لقلت: مررت برجلٍ ملازمه قومُه كأنك قلت: مررتُ برجلٍ ملازمٍ إياه قومُه أي قد لزم إياه قومُه.
هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول إذا كان لشيء من سببه

وذلك قولك: مررت برجلٍ حسَنٍ أبوه ومررتُ برجلٍ كريمٍ أخوه وما أشبه هذا نحو المسلم والصالح والشيخ والشاب. وإنما أُجريت هذه الصفات على الأول حتى صارت كأنها له لأنك قد تضعها في موضع اسمِه فيكون منصوباً ومجروراً ومرفوعاً والنعتُ لغيره. وذلك قولك: مررت بالكريم أبوه ولقيتُ موسَّعاً عليه الدنيا وأتاني الحسنةُ أخلاقُه فالذي أتاك والذي أتيتَ غيرُ صاحب الصفة وقد وقع موقعَ اسمه وعمل فيه ما كان عاملاً فيه وكأنك قلت: مررتُ بالكريم ولقيتُ موسَّعاً عليه وأتاني الحسنُ فكما جرى مجرى اسمه كذلك جرى مجرى صفته. وهو قول العامة وذلك قولك: مررتُ بسرجٍ خَزٌّ صُفَّتُه ومررت بصحيفةٍ طينٌ خاتَمُها ومررت برجلٍ فضّةٌ حِليةٌ سيفه. وإنما كان الرفع في هذا أحسن من قبل أنه ليس بصفة. لو قلت: له خاتمٌ حديدٌ أو هذا خاتمٌ طينٌ كان قبيحاً إنما الكلام أن تقول: هذا خاتم حديد وصُفّةُ خزّ وخاتمٌ من حديد وصفةٌ من خزّ. فكذلك هذا وما أشبهه. ويدلّك أيضاً على أنه ليس بمنزلة حسنٍ وكريمٍ أنك تقول: مررت بحسَنٍ أبوه وقد مررت بالحسن أبوه فصار هذا بمنزلة اسمٍ واحد كأنك قلت: مررتُ بحسَنٍ إذا جعلتَ الحسن للمرور به. فمن ثمّ أيضاً قالوا: مررتُ برجل حسنٍ أبوه ومررتُ برجل ملازمِه أبوه كأنهم قالوا: مررت برجل حسنٍ وبرجل ملازمٍ. ولا تقول: مررت بخزّ صُفَّتُه ولا بطينٍ خاتَمُه لأن هذا اسم. وقد يكون في الشعر: هذا خاتَم طينٌ وصُفَّةٌ خَزٌّ مستكرَهاً. فالجرّ يكون في: مررت بصحيفة طينٍ خاتمُها على هذا الوجه. ومن العرب من يقول: مررت بقاعٍ عرفَجٍ كلُه يجعلونه كأنه وصفٌ. مجرى الأسماء التي لا تكون صفة وذلك أفعلُ منه ومثلُك وأخواتُهما وحسبُك من رجلٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ وأيُّما رجلٍ وأبو عَشَرةٍ وأبٌ لك وأخٌ لك وصاحبٌ لك وكلُ رجل وأفعلُ شيء نحو خيرُ شيء وأفضلُ شيء وأفعلُ ما يكون وأفعلُ منك. وإنما صار هذا بمنزلة الأسماء التي لا تكون صفةً من قبَل أنها ليست بفاعلة وأنها ليست كالصفات غير الفاعلة نحو حَسَنٍ وطويل وكريم من قبل أن هذه تُفرَد وتؤنّث بالهاء كما يُؤنّث فاعلٌ ويدخلها الألف واللام وتضاف إلى ما فيه الألف واللام وتكون نكرةً بمنزلة الاسم الذي يكون فاعلاً حين تقول هذا رجلٌ ملازمُ الرجل. وذلك قولك: هذا حسنُ الوجه. ومع ذلك أنك تدخِل على حسَن الوجه الألف واللام فتقول: الحسنُ الوجه كما تقول الملازم الرجل. فحسنٌ وما أشبهه يتصرّف هذا التصرّف. ولا تستطيع أن تُفرد شيئاً من هذه الأسماء الأُخَر لو قلت: هذا رجلٌ خيرٌ وهذا رجلٌ أفضلُ وهذا رجلٌ أبٌ لم يستقم ولم يكن حسناً. وكذلك أيٌّ. لا تقول: هذا رجلٌ أيٌّ. فلما أضفتَهنّ وأوصلتَ إليهنّ شيئاً حَسُنّ وتممنَ به فصارت الإضافة وهذه اللواحقُ تحسّنه. ولا تستطيع أن تدخِل الألف واللام على شيء منها كما أدخلتَ ذلك على الحسن الوجه ولا تنوّن ما تنوّن منه على حد تنوين الفاعل فتكون بالخيار في حذفه وتركه ولا تؤنّث كما تؤنّث الفاعل فلم يَقوَ قوّة الحَسَن إذا لم يُفرد إفرادَه. فلما جاءت مضارعةً للاسم الذي لا يكون صفة البتّة إلا مستكرَهاً كان الوجهُ عندهم فيه الرفعَ إذا كان النعتُ للآخِر وذلك قولك: مررتُ برجلٍ حسنٌ أبوه. ومع ذلك أيضاً أن الابتداء يحسُن فيهنّ تقول: خيرٌ منك زيدٌ وأبو عشرةٍ زيدٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ. ولا يحسن الابتداء في قولك: حسنٌ زيد. فلما جاءت مضارعةً للأسماء التي لا تكون صفةً وقَويت في الابتداء كان الوجه فيها عندهم الرفعَ إذا كان النعت للآخِر. وذلك قولك: مررت برجلٍ خيرٌ منه أبوه ومررتُ برجل سواءٌ عليه الخيرُ والشرّ ومررت برجل أبٌ لك صاحبُه ومررت برجل حَسبُك من رجلٍ هو ومررتُ برجل أيُّما رجل هو. وإن قلت: مررتُ برجلٍ حسبُك به من رجلٍ رفعلتَ أيضاً. وزعم الخليل رحمه الله أن به ههنا منزلة هو ولكن هذه الباء دخلت ههنا توكيداً كما قال: وكفى بالشيب والإسلام. فإن قلت: مررتُ برجل شديدٍ عليه الحرّ والبردُ جررتَ من قبل أن شديداً قد يكون صفةً وحدَه مستغنياً عن عليه وعن ذكر الحرّ والبرد ويدخل في جميع ما دخل الحَسنُ. وإن قلت: مررت برجلٍ سواءٍ في الخير والشرّ جررت لأن هذا من صفة الأول فصار كقولك: مررتُ برجلٍ خيرٍ منك. وإن قلت: مررتُ برجل مُستوٍ عليه الخيرُ والشرّ جررتَ أيضاً لأنه صار عملاً بمنزلة قولك: مررتُ برجلٍ مفضّضٍ سيفُه ومررتُ برجل مسمومٍ شرابُه ويدخله جميعُ ما يدخل الحَسنَ. فإذا قلت سمٌّ وفضّةٌ رفعت. وتقول: مررت برجل سواءٌ أبوه وأمه إذا كنت تريد أنه عدلٌ وتقول: مررت برجل سواءٌ درهمُه كأنك قلت: مررت برجل تامٍ درهمُه. وزعم يونس أن ناساً من العرب يجرّون هذا كما يجرّون مررتُ برجلٍ خَزٍّ صُفَّتُه. ومما يقوّيك في رفع هذا أنك لا تقول مررتُ بخيرٍ منه أبوه ولا بسواء عليه الخير والشرّ كما تقول بحسَنٍ أبوه. وتقول: مررتُ برجل كلُّ ماله درهمان لا يكون فيه إلا الرفع لأن كل مبتدأ والدرهمان مبنيان عليه. فإن أردت بقولك: مررت برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه جاز لأنه قد يوصف به تقول هذا مال كلُّ مالٍ. وليس استعماله وصفاً بقوة أبي عشرةٍ ولا كثرته وليس بأبعد من مررت برجل خز صُفته ولا قاعٍ عرْفجٍ كلُّ. ومن جواز الرفع في هذا الباب أني سمعت رجلين من العرب عربيين يقولان: كان عبد الله حسبُك به رجلاً. وهذا أقرب إلى أن يكون فيه الإجراء على الأول إذا كان في الخزّ والفضة لأن هذا يوصَف به ولا يوصَف بالخزّ ونحوه.
هذا باب ما يكون من الأسماء صفة منفرداً وليس بفاعل

ولا صفةٍ تشبَّه بالفاعل كالحَسن وأشباهه وذلك قولك: مررت بحيةٍ ذراعٌ طولُها ومررت بثوب سبعٌ طوله ومررت برجلٍ مائةٌ إبله فهذه تكون صفاتٍ كما كانت خيرٌ منك صفةً. يدلّك على ذلك قول العرب: أخذ بنو فلان من بني فلان إبلاً مائةً فجعلوا مائةً وصفاً. وقال الشاعر وهو الأعشى: لئن كنتَ في جُبّ ثمانين قامةً ** ورُقّيتَ أسبابَ السماء بسلّمِ فاختير الرفعُ فيه لأنك لا تقول: ذراعٌ الطول منوَّناً ولا غير منوّن. ولا تقول مررت بذراعٍ طوله. وبعض العرب يجرّه كما يجرّ الخزّ حين يقول: مررت برجل خزّ صُفّته ومنهم من يجرّه وهم قليل كما تقول: مررت برجلٍ أسد أبوه إذا كنت تريد أن تجعله شديداً ومررت برجل مثل الأسد أبوه إذا كنتَ تشبّهه. فإن قلت: مررت بدابّة أسدٌ أبوها فهو رفعٌ لأنك إنما تخبر أن أباها هذا السّبع. فإن قلت: مررتُ برجل أسدٌ أبوه على هذا المعنى رفعتَ إلا أنك لا تجعل أباه خَلقُه كخِلقة الأسد ولا صورته. هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل. ومن قال: مررت برجلٍ أسد أبوه قال: مررت برجل مائةٍ إبله. وزعم يونس أنه لم يسمعه من ثقة ولكنهم يقولون: هو نارٌ حُمرةً لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدأ ولا يصفون بها فالرفعُ فيه الوجه والرفع فيه أحسنُ وإن كنتَ تريد معنى أنه مبالغٌ في الشدة لأنه ليس بوصف. ومثل ذلك: مررت برجلٍ رجل أبوه إذا أردتَ معنى أنه كامل. وجرّه كجرّ الأسد. وقد تقوله على غير هذا المعنى تقول: مررت برجل رجلٌ أبوه تريد رجلاً واحداً لا أكثر من ذلك. وقد يجوز على هذا الحد أن تقول: مررت برجل حسنٌ أبوه. وهو فيه أبعد لأنه صفة مشبهة بالفاعل. وإن وصفته فقلت: مررت برجل حسنٌ ظريفٌ أبوه فالرفع فيه الوجه والحد والجرّ فيه قبيح لأنه يفصل بوصف بينه وبين العامل. ألا ترى أنك لو قلت مررتُ بضاربٍ ظريفٍ زيداً وهذا ضاربٌ عاقلٌ أباه كان قبيحاً لأنه وصفه فجعل حاله كحال الأسماء لأنك إنما تبتدئ بالاسم ثم تصفه. فإن قلت: مررت برجل شديدٌ رجلٌ أبوه فهو رفع لأن هذا وإن كان صفةً فقد جعلته في هذا الموضع اسماً بمنزلة أبي عشرة أبوه يقبح فيه ما يقبح في أبي عشرة. ومن قال: مررت برجلٍ أبي عشرة أبوه قال: مررت برجل شديد رجلٍ أبوه. وإذا قال: مررت برجل حسنٍ الوجه أبوه فليس بمنزلة أبي عشرةٍ أبوه لأن قولك: حسن الوجه أبوه بمنزلة قولك مررت برجل حسنٍ الوجه فصار هذا بدخول التنوين يشبه ضارباً إذا قلت: مررتُ برجل ضاربٍ أباه. وأبو عشرة لا يدخله التنوين ولا يجري مجرى الفعل ولكنك ألقيتَ التنوين استخفافاً فصار بمنزلة قولك: مررت برجلٍ ملازم أباه رجلٌ ومررتُ برجل ملازم أبيه رجلٌ إذا أردتَ معنى التنوين فكأنك قلت: مررتُ برجلٍ حسن أبوه. وتقول: مررتُ برجل حسن الوجه أبوه كما تقول: مررت بالرجل الحسن الوجه أبوه وكما تقول: مررتُ بالرجل الملازمِه أبوه. فصار حسنُ الوجه بمنزلة حسن ومُلازمٌ أباه بمنزلة ملازمٍ. وليس هذا بمنزلة أبي عشرة وخير منك. ألا ترى أنك لا تقول: مررتُ بخير منه أبوه ولا بأبي عشرة وأما قوله: مررت برجلٍ سواءٍ والعدمُ فهو قبيح حتى تقول: هو والعدمُ لأن في سواء اسماً مضمَراً مرفوعاً كما تقول مررتُ بقوم عربٍ أجمعون فارتفع أجمعون على مضمر في عربٍ بالنية. فهي هنا معطوفة على المضمر وليست بمنزلة أبي عشرة. فإن تكلّمتَ به على قبحه رفعتَ العدمَ وإن جعلته مبتدأ رفعتَ سواءً. وتقول: ما رأيت رجلاً أبغضَ إليه الشرّ منه إليه وما رأيت أحداً أحسنَ في عينه الكُحل منه في عينه. وليس هذا بمنزلة خيرٌ منه أبوه لأنه مفضّل للأب على الاسم في مِن وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحلُ منه في عينه لا تريد أن تفضّل الكحل على الاسم الذي في من ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله ولكنك زعمت أن للكحل ههنا عملاً وهيئةً ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت: ما رأيت رجلاً عاملاً في عينه الكحل كعمله في عين زيد وما رأيت رجلاً مبغضاً إليه الشرُّ كما بُغِّض إلى زيد. ويدلّك على أنه ليس بمنزلة خيرٌ منه أبوه أن الهاء التي تكون في مِن هي الكحلُ والشرّ كما أن الإضمار الذي في عمله وبُغّض هو الكحل والشرّ. ومما يدلّك على أنه على أوّله ينبغي أن يكون أن الابتداء فيه مُحال: أنك لو قلت: أبغضُ إليه منه الشرُّ لم يجز ولو قلت: خيرٌ منه أبوه جاز. وإن شئت قلت: ما رأيت أحداً أحسن في عينه الكحل منه وما رأيت رجلاً أبغضَ إليه الشرّ منه وما من أيامٍ أحبَّ إلى الله فيها الصومُ من عشر ذي الحجة فإنما المعنى الأول إلا أن الهاء هنا الاسم الأول ولا تخبر أنك فضّلت الكحلَ عليه ولا أنك فضّلت الصوم على الأيام ولكنك فضّلت بعضَ الأيام على بعضٍ. والهاء في الأول هو الكحل وإنما فضلته في هذا الموضع على نفسه في غير هذا الموضع ولم ترد أن تجعله خيراً من نفسه البتّة. قال الشاعر وهو سُحيمُ بن وَثيل: مررتُ على وادي السّباع ولا أرى كوادي السباع حين يُظلمُ واديا أقلَّ به ركْبٌ أتَوْه تَئيّةً وأخوفَ إلا ما وَقى الله ساريا وإنما أراد: أقلَّ به الرّكبُ تَئيّةً منهم به ولكنه حذف ذلك استخفافاً كما تقول: أنت أفضل ولا تقول من أحد. وكما تقول: الله أكبر ومعناه الله أكبر من كل شيء. وكما تقول: لا مالَ ولا تقول لك وما يشبهه. ومثل هذا كثيرٌ. واعلم أن الرفع والنصبَ تجري الأسماء ونعتُ ما كان من سببها ونعتُ ما التبس بها وما التبس بشيء من سببها فيهما مجراهنّ في الجرّ. واعلم أن ما جرى نعتاً على النكرة فإنه منصوب في المعرفة لأن ما يكون نعتاً من اسم النكرة يصير خبراً للمعرفة لأنه ليس من اسمه. وذلك قولك: مررتُ بزيد حسناً أبوه ومررتُ بعبد الله ملازمك. واعلم أن ما كان في النكرة رفعاً غير صفة فإنه رفعٌ في المعرفة. من ذلك قوله جلّ وعزّ: " أم حَسِبَ الذين اجتَرحوا السّيّئاتِ أن تجعلَهُم كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات سَواءٌ مَحياهُم ومَماتُهُم ". وتقول: مررت بعبد الله خيرٌ منه أبوه. فكذلك هذا وما أشبهه. ومن أجرى هذا على الأول فإنه ينبغي له أن ينصبه في المعرفة فيقول: مررتُ بعبد الله خيراً منه أبوه. وهي لغةٌ رديئة. وليست بمنزلة العمل نحو ضارب وملازم وما ضارعه نحو حَسن الوجه. ألا ترى أن هذا عملٌ يجوز فيه يَضربُ ويلازم وضربَ ولازَمَ. ولو قلت: مررت بخيرٍ منه أبوه كان قبيحاً وكذلك بأبي عشرة أبوه. ولكنه حين خلَص للأول جرى عليه كأنك قلت: مررتُ برجلٍ خيرٍ منك. ومن قال: مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه فشبّه بقوله: مررتُ برجل حسنٍ أبوه. فهو ينبغي له أن يقول: مررتُ بعبد الله أبي العشرة أبوه كما قال: مررتُ بزيدٍ الحسنِ أبوه. ومن قال: مررتُ بزيدٍ أخوه عمرٌو لم يكن فيه إلا الرفع لأن هذا اسمٌ معروف بعينه فصار بمنزلة قولك: مررتُ بزيدٍ عمرٌو أبوه ولو أن العشرة كانوا قوماً بأعيانهم قد عرفهم المخاطَب لم يكن فيه إلا الرفع لأنك لو قلت: مررتُ بأخيه أبوك كان مُحالاً أن ترفع الأبَ بالأخ وهي في مررتُ بأبي عشرة أبوه وبأبي العشرة أبوه إذا لم يكن شيئاً بعينه تجوز على استكراهٍ. فإن جعلتَ الأخَ صفةً للأول جرى عليه كأنك قلت: مررتُ بأخيك فصار الشيء بعينه نحو زيد وعمرو وضارع أبو عشرة حَسنٌ حين ولم يكن شيئاً بعينه قد عرفه كمعرفتك على ضعفه واستكراهه. واعلم أن كل شيء من العمل وما أشبهه نحو حسن وكريم إذا أدخلتَ فيه الألفَ واللام جرى على المعرفة كمجراه على النكرة حين كان نكرةً كقولك: مررت بزيد الحَسن أبوه ومررتُ بأخيك الضاربِهِ عمرو. واعلم أن العرب يقولون: قومٌ مَعْلُوجاء وقومٌ مَشيخةٌ وقوم مَشيوخاء يجعلونه صفةً بمنزلة شيوخ وعُلوج.
هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها مجرى الفعل

إذا أظهرتَ بعده الأسماء أو أضمرتَها وذلك قولك: مررتُ برجلٍ حسنٍ أبواه وأحسنٌ أبَواه وأخارجٌ قومُك. فصار هذا منزلة قال أبواك وقال قومُك على حدّ من قال: قومك حسنون إذا أخّروا فيصير هذا بمنزلة أذاهبٌ أبواك وأمنطلِقٌ قومُك. فإن بدأتَ بالاسم قبل الصفة قلت: قومُك منطلقون وقومك حسنون كما تقول أبواك قالا ذاك وقومك قالوا ذاك. فإن بدأتَ بنعتٍ مؤنّث فهو يجري مجرى المذكّر إلا أنك تُدخِل الهاء وذلك قولك: أذاهبةٌ جاريتاك وأكريمةٌ نساؤكم. فصارت الهاء في الأسماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلت: قالت نساؤكم وذهبتْ جاريتاك. وإنما قلت: أكريمةٌ نساؤكم على قول من قال: أنساؤكم كريمات إذا أخّر الصفة. والألفُ والتاء والواو والياء والنون في الجميع والألفُ والنون في التثنية بمنزلة الواو والألف في قالا وقالوا وبمنزلة الواو والنون في يقولون. وكذلك: أقُرَشيٌّ قومُك وأقرشيّ أبواك إذا أردت الصفة جرى مجرى حسن وكريم. وإنما قالت العرب: قال قومُك وقال أبواك لأنهم اكتفوا بما أظهروا عن أن يقولوا قالا أبواك وقالوا قال الشاعر: أليسَ أكرمَ خلقِ الله قد علِموا عند الحفاظ بَنو عمرو بنِ حُنجودِ صار ليس ههنا بمنزلة ضرب قومَك بنو فلان لأن ليس فعلٌ فإذا بدأتَ بالاسم قلت: قومُك قالوا ذاك وأبواك قد ذهبا لأنه قد وقع ههنا إضمارٌ في الفعل وهو أسماؤهم فلابد للمضمَر أن يجيء بمنزلة المظهر. وحين قلت: ذهب قومُك لم يكن في ذهب إضمار. وكذلك قالت جاريتاك وجاءت نساؤك. إلا أنهم أدخلوا التاء ليفصلوا بين التأنيث والتذكير وحذفوا الألف والنون لمّا بدءوا بالفعل في تثنية المؤنث وجمعه كما حذفوا ذلك في التذكير. فإن بدأتَ بالاسم قلت: نساؤك قُلنَ ذاك كما قلت: قومُك قالوا ذاك. وتقول: جاريتاك قالتا كما تقول: أبواك قالا لأن في قُلن وقالتا إضماراً كما كان في قالا وقالوا. وإذا قلت: ذهبتْ جاريتاك أو جاءتْ نساؤك فليس في الفعل إضمارٌ ففصلوا بينهما في التأنيث والتذكير ولم يفصلوا بينهما في التثنية والجمع. وإنما جاءوا بالتاء للتأنيث لأنها ليست علامةَ إصمار كالواو والألف وإنما هي كهاء التأنيث في طَلْحة وليست باسم. وقال بعض العرب: قال فُلانةُ. وكلما طال الكلام فهو أحسنُ نحو قولك: حضر القاضي امرأةٌ لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل وكأنه شيءٌ يصير بدلاً من شيء كالمعاقبة نحو قولك: زنادقة وزناديق فتحذف الياء لمكان الهاء وكما قالوا في مُغتَلِم: مُغَيلِم ومُغَيليم وكأن الياء صارت بدلاً مما حذفوا. وإنما حذفوا التاء لأنهم صار عندهم إظهار المؤنث يكفيهم عن ذكرهم التاء كما كفاهم الجميعُ والإثنان حين أظهروهم عن الواو والألف. وهذا في الواحد من الحيوان قليل وهو في المَوات كثير فرقوا بين المَوات والحيوان كما فرقوا بين الآدميين وغيرهم. تقول: هم ذاهبون وهم في الدار ولا تقول: جمالُك ذاهبون ولا تقول: هم في الدار وأنت تعني الجِمال ولكنك تقول: هي وهنّ ذاهبة وذاهبات. ومما جاء في القرآن من المَوات قد حُذفت فيه التاء قوله عزّ وجلّ: " فمنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه فانتهى " وقوله: " مِن بعدِ ما جاءهُم البَيّناتُ ". وهذا النحو كثيرٌ في القرآن وهو في الواحدة إذا كانت من الآدميين أقل منه في سائر الحيوان. ألا ترى أن لهم في الجميع حالاً ليست لغيرهم لأنهم الأوّلون وأنهم قد فُضِّلوا بما لم يفضَّل به غيرهم من العقل والعلم. وأما الجميع من الحيوان الذي يكسّر عليه الواحد فبمنزلة الجميع من غيره الذي يكسَّر عليه الواحد في أنه مؤنّث. ألا ترى أنك تقول: هو رجلٌ وتقول: هي الرجال فيجوز لك. وتقول: هم جملٌ وهي الجِمال وهو عَيْرٌ وهي الأعيار فجرت هذه كلها مجرى هي الجُذوع. وما أشبه ذلك يُجرى هذا المجرى لأن الجميع يؤنّث وإن كان كلُّ واحد منه مذكّراً من الحيوان. فلما كان كذلك صيّروه بمنزلة المَوات لأنه قد خرج من الأول الأمكن حيث أردت الجميع. فلما كان ذلك احتملوا أن يُجروه مُجرى الجميع المَوات قالوا: جاء جواريك وجاء نساؤك وجاء بناتُك. وقالوا فيما لم يكسَّر عليه الواحد لأنه في معنى الجمع كما قالوا في هذا كما قال الله تعالى جده: " ومنهم مَن يستمعون إليكَ " إذ كان في معنى الجميع وذلك قوله تعالى: " وقال نسوةٌ في المدينة ". واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومُك وضرباني أخواك فشبّهوا هذا بالتاء التي يُظهرونها في قالت فُلانة وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامةً كما جعلوا للمؤنّث وهي قليلة. قال الشاعر: وهو الفرزدق: ولكنْ دِيافيٌّ أبوه وأمُّه بحَورانَ يعصِرنَ السّليطَ أقاربُهْ وأما قوله جلّ ثناؤه: " وأسَرّوا النّجوى الذين ظلموا " فإنما يجيء على البدل وكأنه قال: انطلقوا فقيل له: مَن فقال: بنو فلان. فقوله جلّ وعزّ: " وأسَرّوا النجوى الذين ظلموا " على هذا فيما زعم يونس. وقال الخليل رحمه الله تعالى: فعلى هذا المثال تجري هذه الصفات. وكذلك شابٌّ وشيخٌ وكهلٌ إذا أردتَ شابّينَ وشيخينَ وكهلينَ. تقول: مررتُ برجلٍ كهلٍ أصحابه ومررتُ برجلٍ شابٍّ أبواه. قال الخليل رحمه الله: فإن ثنّيتَ أو جمعتَ فإن الأحسن أن تقول: مررتُ برجلٍ قُرَشيان أبواه ومررتُ برجلٍ كهلون أصحابه تجعله اسماً بمنزلة قولك: مررت برجلٍ خزٌّ صُفّته. وقال الخليل رحمه الله: من قال أكلوني البراغيث أجرى هذا على أوله فقال: مررت برجل حَسنيْن أبواه ومررتُ بقومٍ قُرَشيّينَ آباؤهم. وكذلك أفعل نحو أعورَ وأحمر تقول: مررت برجل أعورَ أبواه وأحمرَ أبواه. فإن ثنّيت قلت: مررتُ برجلٍ أحمران أبواه تجعله اسماً. ومن قال أكلوني البراغيث قلت على حدّ قوله: مررتُ برجلٍ أعورَيْن أبواه. وتقول: مررت برجل أعورَ آباؤه كأنك تكلّمت به على حدّ أعورِينَ وإن لم يُتكلّم به كما توهّموا في هَلكى وموتى ومرضى أنه فُعل بهم فجاءوا به على مثال جَرحى وقتلى ولا يقال هُلِك ولا مُرض ولا مُوِت. قال الشاعر وهو النابغة الجعدي: ولا يشعر الرّمحُ الأصمُّ كُعوبُه بثروةِ رهطِ الأعيَطِ المتظلِّمِ وأحسنُ من هذا أعورٌ قومُك ومررتُ برجلٍ صُمٍّ قومُه. وتقول: مررت برجلٍ حسانٍ قومُه وليس يجري هذا مجرى الفعل إنما يجري مجرى الفعل ما دخله الألفُ والنون والواو والنون في التثنية والجمع ولم يغيّره نحو قولك: حسنٌ وحسنان فالتثنية لم تغيّر بناءَه. وتقول: حسنون فالواو والنون لم تغيّر الواحدَ فصار هذا بمنزلة قالا وقالوا لأن الألف والواو لم تغيّر فعلَ. وأما حِسانٌ وعُورٌ فإنه اسمٌ كُسّر عليه الواحد فجاء مبنياً على مثالٍ كبناء الواحد وخرج من بناء الواحد إلى بناء آخر لا تلحقه في آخره زيادة كالزيادة التي لحقت في قُرشيّ في الاثنين والجميع. فهذا الجميع له بناءٌ بُني عليه كما بُني الواحد على مثاله فأُجرى مجرى الواحد. ومما يدلّك على أن هذا الجميع ليس كالفعل أنه ليس شيءٌ من الفعل إذا كان للجميع يجيء مبنياً على غير بنائه إذا كان للواحد فمن ثم صار حِسانٌ وما أشبهه بمنزلة الاسم الواحد نحو مررتُ برجلٍ جُنُبٍ أصحابُه ومررت برجل صَرورةٍ قومُه. فاللفظُ واحدٌ والمعنى جميعٌ. واعلم أن ما كان يُجمع بغير الواو والنون نحو حَسَنٍ وحِسان فإن الأجود فيه أن تقول: مررتُ برجلٍ حِسان قومُه. وما كان يُجمع بالواو والنون نحو منطلِق ومنطلقين فإن الأجود فيه أن يُجعل بمنزلة الفعل المتقدّم فتقول: مررتُ برجلٍ منطلِق قومُه. واعلم أنه من قال ذهبَ نساؤك قال: أذاهبٌ نساؤك. ومن قال: " فمَنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه " وكان أبو عمرو يقرأ: " خاشعاً أباصرُهُم ". قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهُذَليّ: بعيدُ الغَزاة فما إن يَزا لُ مُضطَمراً طُرّتاه طَليحا وقال الفرزدق: وكُنا وَرثناه على عهدِ تُبّعٍ طويلاً سَواريه شديداً دعائمُهْ وقال الفرزدق أيضاً: قَرَنْبى يَحكّ قفا مُقرِفٍ لئيمٍ مآثرُه قُعدُدِ وقال آخر وهو أبو زبيد الطائي: مُستَحِنٌّ بها الرياحُ فما يَجْ تابُها في الظلام كلُّ هَجودِ وقال آخر من بني أسد: فلاقى ابنَ أنثى يبتغي مثلَ ما ابتغى من القوم مَسقيَّ السِّمام حدائدُهْ وقال آخر الكُميت بن معروف: ومازِلت مَحمولاً عليَّ ضغينةٌ ومُضطَلِعَ الأضغان مُذ أنا يافعُ وهذا في الشعر أكثر من أن أحصيه لك. ومن قال ذهب فلانةُ قال: أذاهبٌ فلانةُ وأحاضرٌ القاضيَ امرأةٌ. وقد يجوز في الشعر موعظةٌ جاءنا كأنه اكتفى بذكر الموعظة عن التاء. وقال فإما ترَيْ لِمّتي بُدِّلَتْ فإنّ الحوادث أودى بها وقال الآخر وهو عامرُ بن جُوَين الطائي: فلا مُزنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ولا أرضَ أبقَلَ إبقالَها وقال الآخر وهو طُفَيلٌ الغَنَويّ: إذ هي أحْوى من الرِّبعيّ حاجبُهُ والعينُ بالإثمِدِ الحاريّ مَكحولُ وزعم الخليل رحمه الله أن " السماء منفطِرٌ به " كقولك: معضِّلٌ للقَطاة. وكقولك: مُرضِعٌ للتي بها الرِّضاعُ. وأما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك منشقّةٌ وكقولك مرضعة للتي ترضع. وأما " كُلٌّ في فَلَك يسبحون " و " رأيتُهُم لي ساجدين " و " يا أيها النّملُ ادخُلوا مساكنكم " فزعم أنه بمنزلة ما يعقل ويسمع لما ذكرهم بالسّجود وصار النمل بتلك المنزلة حين حدّثتَ عنه كما تحدّث عن الأناسيّ. وكذلك " في فلك يسبحون " لأنها جُعلت - في طاعتها وفي أنه لا ينبغي لأحد أن يقول: مُطرنا بنَوْء كذا ولا ينبغي لأحد أن يعبد شيئاً منها - بمنزلة من يَعقل من المخلوقين ويُبصر الأمور. قال النابغة الجعديّ: شَربتُ بها والدّيكُ يدعو صَباحهُ إذا ما بنو نعشٍ دَنوْا فتصوّبوا فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تُؤمَر وتُطيع وتفهم الكلام وتعبد بمنزلة الآدميين. وسألتُ الخليل رحمه الله عن: ما أحسنَ وجوهَهما فقال: لأن الإثنين جميعٌ وهذا بمنزلة قول الإثنين: نحن فعلنا ذاك ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفرداً وبين ما يكون شيئاً من شيء. وقد جعلوا المفردين أيضاً جميعاً قال الله جلّ ثناؤه: " وهل أتاكَ نبأ الخصمِ إذ تسوّروا المِحرابَ. إذ دخلوا على داودَ ففزِعَ منهم قالوا لا تخَفْ خَصمانِ بَغى بعضُنا على بعض ". وقد يثنّون ما يكون بعضاً لشيء. زعم يونس أن رؤية كان يقول: ما أحسنَ رأسيهما. قال الراجز وهو خِطام: ظهراهما مثلُ ظهورِ التُّرسَين وقالوا: وضعا رِحالَهما يريد: رحلَيْ راحلتين. وحدُّ الكلام أن يقول: وضعتُ رحلي الراحلتين فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين.
باب إجراء الصفة فيه على الاسم

في بعض المواضع أحسن وقد يستوي فيه إجراء الصفة على الاسم وأن تجعله خبراً فتنصبه فأما ما استويا فيه فقوله: مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدٍ به إن جعلته وصفاً. وإن لم تحمله على الرجل وحملتَه على الاسم المضمَر المعروف نصبتَه فقلت: مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به كأنه قال: معه بازٌ صائداً به حين لم يرد أن يحمله على الأول. وكما تقول: أتيتُ على رجلٍ ومررتُ به قائم إن حملتَه على الرجل وإن حملته على مررت به نصبته كأنك قلت: مررتُ به قائماً. ومثله: نحن قومٌ ننطلق عامدون إلى بلد كذا إن جعلتَه وصفاً. وإن لم تجعله وصفاً نصبتَ كأنه قال: نحن ننطلق عامدين. ومنه: مررتُ برجلٍ معه بازٌ قابضٍ على آخَر ومررت برجلٍ معه جُبّةٌ لابسٍ غيرَها. وإن حملتَه على الإضمار الذي معه نصبتَ. وكذلك مررت برجلٍ عنده صقرٌ صائدٍ ببازٍ. إن حملتَه على الوصف فهو هكذا. وإن حملتَه على ما في عنده من الإضمار نصبت كأنك قلت: عنده صقر صائداً ببازٍ. وكذلك: مررت برجلٍ معه الفرسُ راكب بِرذَوْناً إن لم ترد الصفة نصبتَ كأنك قلت: معه الفرسُ راكباً برذوناً. فهذا لا يكون فيه وصفٌ ولا يكون إلا خبراً. ولو كان هذا على القلب كما يقول النحويون لفَسَدَ كلامٌ كثير ولكان الوجه: مررتُ برجل جميلِه حسنِ الوجه. ولقال مررتُ بعبد الله معه بازك الصائدَ به فتنصب. فهذا لا يكون فيه إلا الوصف لأنه لا يجوز أن تجعل المعرفة حالاً يقع فيه شيء. ولم تقل جميلَه لأنك لم ترد أن تقول إنه حسنُ الوجه في هذه الحال ولا أنه حسنٌ وجهه جميلاً أي في هذه الحال حسنَ وجهه. فلم يرد هذا المعنى ولكنه أراد أن يقول: هذا رجلٌ جميلُ الوجه كما يقال. هذا رجلٌ حسنُ الوجه. فهذا الغالب في كلام الناس. وإن أردتَ الوجه الآخرَ فنصبت فهو جائزٌ لا بأس به وإن كان ليس له قوّة الوصف في هذا. فهذا الذي الوصفُ فيه أحسنُ وأقوى. ومثله في أن الوصف أحسن: هذا رجلٌ عاقلٌ لبيب لم يجعل الآخرَ حالاً وقع فيه الأول ولكنه أثنى عليه وجعلهما شرعاً سواء وسوّى بينهما في الإجراء على الاسم. والنصبُ فيه جائز على ما ذكرت لك. وإنما ضَعُفَ لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحدٌ منهما قبل صاحبه كما تقول: هذا رجلٌ سائرٌ راكباً دابةً. وقد يجوز في سعة الكلام على هذا ولا ينقُض المعنى في أنهما شَرْعٌ سواء فيه. وسترى هذا النحو في كلامهم. فأما القلب فباطلٌ. لو كان ذلك لكان الحدُّ والوجه في قوله: مررتُ بامرأة آخذةٍ عبدَها فضاربته النصبَ لأن القلب لا يصلح ولقلت: مررت برجلٍ عاقلةٍ أمُّه لبيبةً لأنه لا يصلح أن تقدّم لبيبةً فتضمر فيها الأمَّ ثم تقول عاقلةٍ أمُّه. وسمعناهم يقولون: هذه شاةٌ ذات حَملٍ مُثقلةٌ. وقال الشاعر وهو حسان بن ثابت: ظننتم بأن يَخفى الذي قد صنعتُمُ وفينا نبيٌّ عنده الوحي واضِعُهْ ومما يُبطِل القلبَ قوله: زيدٌ أخو عبد الله مجنون به إذا جعلتَ الأخ صفةً والجنون من زيدٍ بأخيه لأنه لا يستقيم زيدٌ مجنون به أخو عبد الله. وتقول: مررت برجل معه كيسٌ مختوم عليه الرفع الوجهُ لأنه صفة الكيس. والنصب جائز على قوله: فيها رجلٌ قائماً وهذا رجلٌ ذاهباً. واعلم أنك إذا نصبتَ في هذا الباب فقلت: مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غداً فالنصبُ على حاله لأن هذا ليس بابتداء ولا يُشبه: فيها عبدُ الله قائمٌ غداً لأن الظروف تُلغى حتى يكون المتكلم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع فإذا صار الاسم مجروراً أو عاملاً فيه فعلٌ أو مبتدأ لم تُلغِه لأنه ليس يرفعه الابتداء وفي الظروف إذا قلت: فيها أخواك قائمان يرفعه الابتداء. وتقول: مررتُ برجلٍ معه امرأةٌ ضاربتُه فهذا بمنزلة قوله: معه كيسٌ مختومٌ عليه. فإن قلت: مررت برجل معه امرأةٌ ضاربِها جررتَ ونصبت على ما فسّرتُ لك. وإن شئت قلت ضاربَها هو فنصبت وإن شئت جررتَ ويكون هو وصفَ المضمَر في ضاربها حتى يكون كأنك لم تذكرها. وإن شئت جعلتَ هو منفصلاً فيصير بمنزلة اسمٍ ليس من علامات المضمَر. وتقول: مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربُها هو فكأنك قلت: معه امرأةٌ ضاربُها زيدٌ. ومثل قولك ضاربُها هو قوله: مررتُ برجل معه امرأة ضاربُها أبوه إذا جعلتَ الأب مثل زيد فإن لم تُنزل هو والأبَ منزلة زيد وما ليس من سببه ولم يلتبس به قلت: مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربِها أبوه أو هو. وإن شئت نصبت تُجرى الصفة على الرجل ولا تُجريها على المرأة كأنك قلت: ضاربِها وضاربَها وخصَصتَه بالفعل فيجري مجرى مررتُ برجلٍ ضاربِها أبوه ومررت بزيد ضاربَها أخوه. ولا يجوز هذا في زيد كما أنه لا يجوز مررتُ برجلٍ ضاربِها زيدٌ ولا مررتُ بعبد الله ضاربَها خالدٌ وكما كان لم يجز يا ذا الجاريةِ الواطئَها زيدٌ فتحملَه على النّداء. ولكن الجرّ جيد ألا ترى أنك لو قلت: مررتُ بالذي وطئها أبوه جاز ولو قلت بالذي وطئها زيد لم يكن. فإن قلت: يا ذا الجارية الواطئِها أبوه جررتَ كما تجرّ في زيد حين قلت: يا ذا الجارية الواطئِها زيد. وتقول: يا ذا الجارية الواطئَها أبوه تجعل الواطئَها من صفة المنادى ولا يجوز أن تقول: يا ذا الجارية الواطئَها زيد من قبل أن الواطئَها من صفة المنادى فلا يجوز كما لا يجوز أن تقول: مررتُ بالرجل الحَسن زيدٌ وقد يجوز أن تقول بالحَسن أبوه. وكذلك إن قلت: يا ذا الجارية الواطئِها هو وجعلت هو منفصلاً. وإن شئت نصبتَه كما تقول: يا ذا الجارية الواطئَها فتُجريه على المنادى ولا تُجريه على الجارية. وإن قلت: يا ذا الجارية الواطئِها وأن تريد الواطئِها هو لم يجز كما لا يجوز مررتُ بالجارية الواطئِها تريد هو أو أنت كما لا يجوز هذا وأنت تريد الأبَ أو زيداً. وليس هذا كقولك: مررتُ بالجارية التي وطئَها زيد أو التي وطئَها لأن الفعل يضمَر فيه وتقع فيه علامة الإضمار والاسم لا تقع فيه علامةُ الإضمار فلو جاز ذلك لجاز أن يوصَف ذلك المضمَر بهو فإنما يقع في هذا إضمار الاسم رفعاً إذا لم يوصف به شيء غيرُ الأول وذلك قولك يا ذا الجارية الواطئَها ففي هذا إضمار هو وهو اسمُ المنادى والصفة إنما هي للأول المنادى. ولو جاز هذا لجاز مررتُ بالرجل الآخِذِ به تريد أنت ولجاز مررتُ بجاريتك راضياً عنها تريد أنت. ولو قلت مررت بجاريةٍ رضيت عنها ومررت بجاريتك راضياً عنها أو مررتُ بجاريتك قد رضيتَ عنها كان جيداً لأنك تضمِر في الفعل وتكون فيه علامة الإضمار ولا يكون ذلك في الاسم إلا أن تضمِر اسمَ الذي هو وصفه ولا يوصف به شيء غيره مما يكون من سببه ويلتبس به. وأما رُبَّ رجلٍ وأخيه منطلقَين ففيها قبحٌ حتى تقول: وأخٍ له. والمنطلقان عندنا مجروران من قبل أن قوله وأخيه في موضع نكرة لأن المعنى إنما هو وأخٍ له. فإن قيل: أمضافة إلى معرفة أو نكرة فإنك قائلا إلى معرفة ولكنها أجريت مُجرى النكرة كما أن مثلك مضافة إلى معرفة وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعَها. ألا ترى أنك تقول ربّ مثلِك. ويدلّك على أنها نكرة أنه لا يجوز لك أن تقول: ربّ رجلٍ وزيدٍ ولا يجوز لك أن تقول: ربّ أخيه حتى تكون قد ذكرت قبل ذلك نكرة. ومثل ذلك قول بعض العرب: " كل شاةٍ وسَخلتِها " أي وسخلةٍ لها ولا يجوز حتى تذكر قبله نكرة فيُعلَم أنك لا تريد شيئاً بعينه وأنك تريد شيئاً من أمة كلُّ واحد منهم رجل وضممتَ إليه شيئاً من أمة كلهم يقال له أخٌ. ولو قلت: وأخيه وأنت تريد به شيئاً بعينه كان مُحالاً. وقال: أي فتى هيجاء أنت وجارِها إذا ما رجالٌ بالرجال استقلّتِ فالجارّ لا يكون فيه أبداً ههنا إلا الجرّ لأنه لا يريد أن يجعله جار شيء آخر فتى هيجاء ولكنه جعله فتى هيجاء جار هيجاء ولم يردْ أن يعني إنساناً بعينه لأنه لو قال: أيُّ فتى هيجاءَ أنت وزيدٌ لجعل زيداً شريكه في المدح. ولو رفعه على أنت لو قال: أيُّ فتى هيجاء وقال الأعشى: وكم دون بيتكَ من صفصَفٍ ودَكداكِ رَملٍ وأعقادِها ووضْعِ سِقاءٍ وإحقابِه وحَلِّ حُلوسٍ وإغمادِها هذا حجةٌ لقوله: رُبّ رجلٍ وأخيه. فهذا الاسم الذي لم يكن ليكون نكرةً وحدَه ولا يوصف به نكرة ولم يحتمل عندهم أن يكون نكرة ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أول ما يَشغلُ به العاملَ نكرة ثم يُعطف عليه ما أضيف إلى النكرة ويصيّر بمنزلة مثلك ونحوه. ولم يُبتدأ به كما يُبتدأ بمثلك لأنه لا يجري مجراه وحدَه. ولم يَصر هذا نكرة إلا على هذا الوجه كما أن أجمعين لا يجوز في الكلام إلا وصفاً وكما أن أيُّ تكون في النداء كقولك: يا هذا ولا يجوز إلا موصوفاً. وليس هذا حالَ الوصف والموصوف في الكلام كما أنه ليس حالُ النكرة كحال هذا الذي ذكرتُ لك. وفيه على جوازه وكلامِ العرب به ضَعفٌ.
هذا باب ما يُنصب فيه الاسمُ لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفةً

وذلك قولك: هذا رجلٌ معه رجلٌ قائمين. فهذا ينتصب لأن الهاء التي في معه معرفة فأشركَ ومثله: مررت برجلٍ مع امرأة ملتزمين فله إضمارٌ في مع كما كان له إضمار في معه إلا أن للمضمَر في معه علَما وليس له في مع امرأة علَم إلا بالنية. ويدلّك على أنه مضمَرٌ في النية قولُك: مررت بقومٍ مع فلان أجمعون. ومما لا يجوز فيه الصفة: فوق الدار رجلٌ وقد جئتك برجل آخَر عاقلَين مسلمين. وتقول: اصنعْ ما سَرّ أخاك وأحبَّ أبوك الرجلان الصالحان على الابتداء وتنصبه على المدح والتعظيم كقول الخِرْنق من قيس بن ثعلبة: لا يَبعَدنْ قومي الذين هُمُ سَمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكل معترَكٍ والطيبون معاقدَ الأزْرِ ولا يكون نصبُ هذا كنصب الحال وإن كان ليس فيه الألف واللام لأنك لم تجعل في الدار رجل وقد جئتك بآخر في حال تنبيهٍ يكونان فيه لإشارة ولا في حال عمَلٍ يكونان فيه لأنه إذا قال: هذا رجلٌ مع امرأة أو مررت برجلٍ مع امرأة فقد دخل الآخرُ مع الأول في التنبيه والإشارة وجعلتَ الآخِرَ في مرورك فكأنك قلت: هذا رجلٌ وامرأة ومررت برجلٍ وامرأةٍ. وأما الألف واللام فلا يكونان حالاً البتة لو قلت: مررت بزيدٍ القائمَ كان قبيحاً إذا أردت قائماً. وإن شئت نصبتَ على الشّتم وذلك قولك: اصنعْ ما ساء أباك وكرِه أخوك الفاسقين الخبيثين. وإن شاء ابتدأ. ولا سبيل إلى الصفة في هذا ولا في قولك: عندي غُلام وقد أتيتُ بجارية فارهين لأنك لا تستطيع أن تجعل فارهين صفةً للأول والآخِر ولا سبيل إلى أن يكون بعض الاسم جرّاً وبعضه رفعاً فلما كان كذلك صار بمنزلة ما كان معه معرفة من النكرات لأنه لا سبيل إلى وصف هذا كما أنه لا سبيل إلى وصف ذلك فجُعل نصباً كأنه قال: عندي عبد الله وقد أتيت بأخيه فارهين جعل الفارهين ينتصبان على: النازلينَ بكلِّ معترَكٍ وفرّوا من الإحالة في عندي غلامٌ وأُتيتُ بجارية إلى الصب كما فرّوا إليه في قولهم: فيها قائماً رجلٌ. واعلم أنه لا يجوز أن تصف النكرة والمعرفة كما لا يجوز وصفُ المختلفين وذلك قولك: هذه ناقة وفصيلها الراتعان. فهذا محال لأن الراتعان لا يكونان صفةً للفصيل ولا للناقة ولا تستطيع أن تجعل بعضَها نكرةً وبعضَها معرفةً. وهذا قول الخليل رحمه الله. وزعم الخليل أن الجرّين أو الرفعين إذا اختلفا فهما بمنزلة الجرّ والرفع وذلك قولك: هذا رجلٌ وفي الدار آخَرُ كريمين. وقد أتاني رجلٌ وهذا آخَرُ كريمين لأنهما لم يرتفعا من وجهٍ واحد. وقبّحه بقوله: هذا لابن إنسانَين عندنا كِراماً فقال: الجرّ ههنا مختلفٌ ولم يُشرَك الآخِرُ فيما جرّ ومثل ذلك: هذه جارية أخَوَي ابنين لفلان كِراماً لأن أخَوَي ابنين اسمٌ واحدٌ والمضاف إليه الآخِرُ منتهاه ولم يُشركِ الآخِرَ بشيء من حروف الإشراك فيما جرّ الاسم الأول. ومثل ذلك: هذا فرسُ أخَوَي ابنَيْك العُقلاء الحُلَماء لأن هذا في المعرفة مثل ذاك في النكرة فلا يكون الكرام والعقلاء صفة للأخوين والابنين ولا يجوز أن يُجرى وصفاً لما انجرّ من وجهين كما لم يجز فيما اختلف إعرابُه. ومما لا تجري الصفةُ عليه نحوُ هذان أخواك وقد تولّى أبواك الرجالُ الصالحون إلا أن ترفعه على الابتداء أو تنصبه على المَدْح والتعظيم. وسألتُ الخليل رحمه الله عن: مررت بزيدٍ وأتاني أخوه أنفسهما فقال: الرفع على هما صاحباي أنفسهما والنصب على أعنيهما ولا مدح فيه لأنه ليس مما يُمدح به. وتقول: هذا رجلٌ وامرأتُه منطلقان وهذا عبد الله وذاك أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا من وجهٍ واحد وهما اسمان بُنيا على مبتدأين وانطلق عبد الله ومضى أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا بفعلين وذهب أخوك وقَدِم عمرو الرجلان الحليمان. واعلم أنه لا يجوز: مَن عبد الله وهذا زيدٌ الرجلين الصالحين رفعتَ أو نصبتَ لأنك لا تُثني إلا على من أثبتّه وعلمتَه ولا يجوز أن تَخلِط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة وإنما
هذا باب ما ينتصب لأنه حالٌ صار فيها المسئول والمسئول عنه

وذلك قولك: ما شأنُك قائماً وما شأن زيدٍ قائماً وما لأخيك قائماً. فهذا حالٌ قد صار فيه وانتصب بقولك: ما شأنُك كما ينتصب قائماً في قولك: هذا عبد الله قائماً بما قبله. وسنبين هذا في موضعه إن شاء الله تعالى. وفيه معنى لِمَ قمتَ في ما شأنُك وما لكَ. قال الله تعالى: " فما لَهُم عن التّذكِرَة مُعرضين ". ومثل ذلك مَن ذا قائماً بالباب على الحال أي مَن ذا الذي هو قائمٌ بالباب. هذا المعنى تريد. وأما العامل فيه فبمنزلة هذا عبدُ الله لأن مَن مبتدأ قد بُني عليه اسم. وكذلك: لمن الدارُ مفتوحاً بابُها. أما قولهم: مَن ذا خيرٌ منك فهو على قوله: من الذي هو خيرٌ منك لأنك لم ترد أن تشير أو تومِئ إلى إنسان قد استبان لك فضلُه على المسئول فيُعلِمَكه ولكنك أردت مَن ذا الذي هو أفضل منك. فإن أومأتَ إلى إنسان قد استبان لك فضلُه عليه فأردتَ أن يُعلِمَكَه نصبتَ خيراً منك كما قلت: مَن ذا قائماً كأنك قلت: إنما أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حالٍ باب ما ينتصب على التعظيم والمدح وإن شئت جعلته صفةً فجرى على الأول وإن شئت قطعتَه فابتدأتَه. وذلك قولك: الحمد لله الحميد هو والحمد لله أهلَ الحمد والمُلك لله أهلَ المُلك. ولو ابتدأته فرفعتَه كان حسناً كما قال الأخطل: نفسي فداء أمير المؤمنين إذا أبدى النواجذَ يومٌ باسلٌ ذكَرُ الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائره خليفةُ الله يُستسقى به المطرُ وأما الصفة فإن كثيراً من العرب يجعلونه صفةً فيُتبعونه الأولَ فيقولون: أهلِ الحمد والحميد هو وكذلك الحمد لله أهلِه: إن شئت جررت وإن شئت نصبت. وإن شئت ابتدأت كما قال مُهلهِل: ولقد خبطن بيوتَ يشكُرَ خبطةً أخوالنا وهمُ بنو الأعمامِ وسمعنا بعض العرب يقول: " الحمد لله ربَّ العالمين " فسألت عنها يونس فزعم أنها عربية. ومثل ذلك قول الله عز وجلّ: " لكِنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلكَ والمقيمينَ الصلاةَ والمؤتون الزكاة ". فلو كان كله رفعاً كان جيداً. فأما المؤمنون وقال جلّ ثناؤه: " ولكنّ البرَّ مَن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين وآتى المالَ على حُبه ذوي القُربى واليتامى والمساكين وابنَ السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاةَ والموفونَ بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساءِ والضراء وحين البأسِ ". ولو رفع الصابرين على أول الكلام كان جيداً. ولو ابتدأتَه فرفعته على الابتداء كان جيداً كما ابتدأتَ في قوله: " والمؤتون الزكاةَ ". ونظير هذا النصب من الشعر قول الخِرنِق: لا يبعَدَنْ قومي الذي همُ سمُّ العُداة وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكل مُعترَكٍ والطيبون معاقدَ الأزر فرفعُ الطيبين كرفع المؤتين. ومثل هذا في هذا الابتداء قول ابن خياط العُكلي: وكل قوم أطاعوا أمرَ مُرشدهم إلا نُمَيراً أمرَ غاويها الظاعنين ولما يُظعنوا أحداً والقائلون لمنْ دارٌ نُخلّيها وزعم يونس أن من العرب من يقول: " النازلون بكل معترك والطيبين " فهذا مثل " والصابرين ". ومن العرب من يقول: الظاعنون والقائلين فنصبُه كنصب الطيبين إلا أن هذا شتمٌ لهم وذمٌّ كما أن الطيبين مدحٌ لهم وتعظيم. وإن شئت أجريتَ هذا كلّه على الاسم الأول وإن شئت ابتدأتَه جميعاً فكان مرفوعاً على الابتداء. كل هذا جائز في ذين البيتين وما أشبههما كلُّ ذلك واسع. وزعم عيسى أنه سمع ذا الرمة يُنشد هذا البيت نصباً: لقد حملتْ قيسُ بن عَيلانَ حربَها على مستقلّ للنوائب والحربِ أخاها إذا كانت عِضاضاً سما لها على كل حالٍ من ذَلول ومن صعبِ زعم الخليل أن نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدّث الناس ولا مَن تخاطب بأمرٍ جهلوه ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمتَ فجعله ثناء وتعظيماً ونصبه على الفعل كأنه قال: أذكرُ أهلَ ذاك وأذكر المقيمين ولكنه فعلٌ لا يستعمل إظهارُه. وهذا شبيهٌ بقوله: إنا بني فلانٍ نفعل كذا لأنه لا يريد أن يخبر مَن لا يدري أنه من بني فلان ولكنه ذكر ذلك افتخاراً وابتهاءً. إلا أن هذا يجري على حرف النداء وستراه إن شاء الله عزّ وجلّ في بابه في باب النداء مبيّناً. وتُرك إظهار الفعل فيه حيث ضارع هذا وأشباهه لأن إنّا بني فلان ونحوه بمنزلة النداء. وقد ضارعه هذا الباب. ومن هذا الباب في النكرة قول أميةَ بن أبي عائذ: ويأوي إلى نِسوة عُطّلٍ وشُعثاً مراضيعَ مثل السّعالي كأنه حيث قال: إلى نسوة عُطّل صِرنَ عنده ممن عُلم أنهن شُعثٌ ولكنه ذكر ذلك تشنيعاً لهن وتشويهاً. قال الخليل: كأنه قال: وأذكرهنّ شُعثاً إلا أن هذا فعلٌ لا يُستعمل إظهارُه. وإن شئت جررت على الصفة. وزعم يونس أنك تقول: مررت بزيد أخيك وصاحبك كقول الراجز: بأعيُن منها مليحات النُّقَبْ شكلِ التِّجارِ وحلالِ المكتسَبْ كذلك سمعناه من العرب. وكذلك قال مالك بن خويلد الخُناعي: يا ميَّ لا يُعجز الأيامَ ذو حِيَدٍ في حَومةِ الموت رزّامٌ وفرّاسُ يحمي الصريمةَ أُحدانُ الرجال له صيدٌ ومجترئٌ بالليل همّاسُ وإن شئت حملته على الابتداء كما قال: فَتي الناس لا يخفى عليهم مكانُه وضِرغامةٌ إن همّ بالحرب أوقعا وقال آخر: إذا لقى الأعداء كان خلاتَهم وكلبٌ على الأدنين والجارِ نابحُ كذلك سمعناهما من الشاعرين اللذين قالاهما. واعلم أنه ليس كل موضع يجوز فيه التعظيم ولا كل صفة يحسن أن يعظَّم بها. لو قلت: مررت بعبد الله أخيك صاحبَ الثياب أو البزّاز لم يكن هذا مما يعظَّم به الرجل عند الناس ولا يفخَّم به. وأما الموضع الذي لا يجوز فيه التعظيم فأن تذكر رجلاً بنبيهٍ عند الناس ولا معروفٍ بالتعظيم ثم تعظّمه كما تعظّم النبيه. وذلك قولك: مررت بعبد الله الصالح. فإن قلت مررت بقومك الكرام الصالحين ثم قلت المُطعِمين في المَحل جاز لأنه إذا وصفهم صاروا بمنزلة من قد عُرف منهم ذلك وجاز له أن يجعلهم كأنه قد عُلموا. فاستحسن من هذا ما استحسن العربُ وأجِزْه كما أجازته. وليس كل شيء من الكلام يكون تعظيماً لله عزّ وجلّ يكون تعظيماً لغيره من المخلوقين: لو قلت: الحمدُ لزيد تريد العظمةَ لم يجز وكان عظيماً. وقد يجوز أن تقول: مررت بقومك الكرام إذا جعلت المخاطَب كأنه قد عرفهم كما قال مررت برجلٍ زيدٌ فتُنزله منزلةَ من قال لك من هو وإن لم يتكلم به. فكذلك هذا تُنزله هذه المنزلة وإن كان لم يعرفهم.
باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم

ما أشبهه تقول: أتاني زيدٌ الفاسقَ الخبيث: لم يرد أن يكرره ولا يعرّفك شيئاً تُنكره ولكنه شتمه وبلغنا أن بعضهم قرأ هذا الحرف نصباً: " وامرأتُه حمّالةَ الحطب " لم يجعل الحمالة خبراً للمرأة ولكنه كأنه قال: أذكرُ حمّالةَ الحطب شتماً لها وإن كان فعلاً لا يُستعمل إظهاره. وقال عروة الصعاليك العبسي: سقَوْني الخمرَ ثم تكنّفوني ** عُداةَ الله من كذب وزورِ إنما شتمهم بشيء قد استقر عند المخاطَبين. وقال النابغة: لَعمري وما عَمري عليّ بهيّنٍ ** لقد نطقتْ بُطلاً عليّ الأقارعُ أقارعُ عَوفٍ لا أحاول غيرَها ** وجوهَ قرودٍ تبتغي من تُجاذع وزعم يونس أنك إن شئت رفعتَ البيتين جميعاً على الابتداء تُضمر في نفسك شيئاً لو أظهرته لم يكن ما بعده إلا رفعاً. ومثل ذلك: متى ترَعينيْ مالكٍ وجِرانَه ** وجَنبَيْه تعلمْ أنه غيرُ ثائرِ حِضْجَرٌ كأمّ التوأمَين توكّأَتْ ** على مِرفقيها مستهلةَ عاشرِ وزعموا أن أبا عمرو كان ينشد هذا البيت نصباً وهذا الشعرُ لرجل معروف من أزْدِ السّراة: قُبّح من يزني بعو ** فٍ من ذوات الخُمُرْ الآكلَ الأشداء لا ** يحفِلُ ضوء القمر وزعم يونس أنه سمع الفرزدق يُنشد: كم عمةٍ لك يا جريرُ وخالةٍ ** فَدْعاءَ قد حلبتْ عليّ عِشاري شغّارةً تَقِذُ الفصيلَ برِجْلها ** فطّارةً لقوادمِ الأبكار جعله شتماً وكأنه حين ذكر الحلب صار من يخاطَب عنده عالماً بذلك. ولو ابتدأه وأجراه على الأول كان ذلك جائزاً عربياً. وقال: طليقُ الله لم يمنُنْ عليه ** أبو داودَ وابنُ أبي كثيرِ ولا الحجاجُ عينيْ بنتِ ماءٍ ** تقلّبُ طَرفها حَذَرَ الصّقور فهذا بمنزلة وجوه قرودٍ. وأما قول حسان بن ثابت: حارِ بنَ كعب ألا أحلامَ تزجُركم ** عني وأنتم من الجُوف الجماخيرِ لا بأس بالقوم من طُولٍ ومن عِظمٍ ** جسمُ البِغال وأحلامُ العصافير فلم يردْ أن يجعله شتماً ولكنه أراد أن يعدّد صفاتهم ويفسّرها فكأنه قال: أما أجسامهم فكذا وأما أحلامهم فكذا. وقال الخليل رحمه الله: لو جعله شتماً فنصبه على الفعل كان جائزاً. وقد يجوز أن ينصب ما كان صفة على معنى الفعل ولا يريد مدحاً ولا ذمّاً ولا شيئاً مما ذكرت لك. وقال: وما غرّني حوزُ الرِّزاميّ مِحصَناً ** عواشيها بالجوّ وهو خصيبُ ومِحصن: اسم الرزامي فنصبه على أعني وهو فعل يظهر لأنه لم يرد أكثر من أن يعرّفه بعينه ولم يرد افتخاراً ولا مدحاً ولا ذماً. وكذلك سُمع هذا البيت من أفواه العرب وزعموا أن اسمه مِحصَنٌ. ومن هذا الترحم والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه ولا يكون بكل صفة ولا كل اسم ولكن ترحّم بما ترحّم به العرب. وزعم الخليل أنه يقول: مررت به المسكين على البدل وفيه معنى الترحّم وبدله كبدل مررت به أخيك. وقال: فأصبحتْ بقَرْقَرى كَوانِساً ** فلا تلُمه أن ينام البائسا وكان الخليل يقول: إن شئت رفعته من وجهين فقلت: مررت به البائس كأنه لما قال مررت به قال المسكين هو كما يقول مبتدئاً: المسكين هو والبائس أنت. وإن شاء قال: مررت به المسكين هو والبائس أنت. وإن شاء قال: مررت به المسكين كما قال: وفيه معنى الترحّم كما كان في قوله رحمةُ الله عليه معنى رحمه الله. فما يُترحّم به يجوز فيه هذان الوجهان وهو قول الخليل رحمه الله. وقال أيضاً: يكون مررت به المسكين على: المسكين مررت به وهذا بمنزلة لقيته عبد الله إذا أراد عبد الله لقيتُه. وهذا في الشعر كثير. وأما يونس فيقول: مررت به المسكينَ على قوله: مررت به مسكيناً. وهذا لا يجوز لأنه لا ينبغي أن يجعله حالاً ويدخل فيه الألف واللام ولو جاز هذا لجاز مررت بعبد الله الظريف تريد ظريفاً. ولكنك إن شئت حملته على أحسنَ من هذا كأنه قال: لقيت المسكينَ لأنه إذا قال مررت بعبد الله فهو عملٌ كأنه أضمر عملاً. وكأن الذين حملوه على هذا إنما حملوه عليه فِراراً من أن يصفوا المضمَر فكان حملهم إياه على الفعل أحسن. وزعم الخليل رحمه الله أنه يقول إنه المسكين أحمق على الإضمار الذي جاز في مررت كأنه قال: إنه هو المسكين أحمق. وهو ضعيف. وجاز هذا أن يكون فصلاً بين الاسم والخبر لأن فيه معنى المنصوب الذي أجريته مجرى: إنا تميماً ذاهبون. فإذا قلت: بي المسكينَ كان الأمر أو بك المسكينَ مررت فلا يحسن فيه البدل لأنك إذا عنيت المخاطَب أو نفسَك فلا يجوز أن يكون لا يدري من تعني لأنك لست تحدّث عن غائب ولكنك تنصبه على قولك: بنا تميماً وإن شئت رفعته على ما رفعت عليه ما قبله. فهذا المعنى يجري على هذين الوجهين والمعنى وأما يونس فزعم أنه ليس يرفع شيئاً من الترحم على إضمار شيء يرفع ولكنه إن قال ضربته لم يقل أبداً إلا المسكين يحمله على الفعل. وإن قال ضرباني قال المسكينان حمله أيضاً على الفعل. وكذلك مررت به المسكين يحمل الرفعَ على الرفع والجرَّ على الجرّ والنصب على النصب. ويزعم أن الرفع الذي فسّرنا خطأ. وهو قول الخليل رحمه الله وابن أبي إسحاق.
باب ما ينتصب لأنه خبر للمعروف المبني على ما هو قبله من الأسماء المبهمة

والأسماء المبهَمة: هذا وهذان وهذه وهاتان وهؤلاء وذلك وذانك وتلك وتانك وتيك وأولئك وهو وهي وهما وهم وهنّ وما أشبه هذه الأسماء وما ينتصب لأنه خبر للمعروف المبني على الأسماء غير المبهمة. فأما المبني على الأسماء المبهمة فقولك: هذا عبد الله منطلقاً وهؤلاء قومك منطلقين وذاك عبد الله ذاهباً وهذا عبد الله معروفاً. فهذا اسمٌ مبتدأ يبنى عليه ما بعده وهو عبد الله. ولم يكن ليكون هذا كلاماً حتى يُبنى عليه أو يبنى على ما قبله. فالمبتدأ مُسند والمبني عليه مسند إليه فقد عمل هذا فيما بعده كما يعمل الجارّ والفعل فيما بعده. والمعنى أنك تريد أن تنبهه له منطلقاً لا تريد أن تعرّفه عبد الله لأنك ظننت أنه يجهله فكأنك قلت: انظر إليه منطلقاً فمنطلقٌ حالٌ قد صار فيها عبد الله وحالَ بين منطلق وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت: جاء عبد الله راكباً صار لعبد الله وصار الراكب حالاً. فكذلك هذا. وذاك بمنزلة هذا. إلا أنك إذا قلت ذاك فأنت تنبهه لشيء مُتراخ. وهؤلاء بمنزلة هذا وأولئك بمنزلة ذاك وتلك بمنزلة ذاك. فكذلك هذه الأسماء المبهمة التي توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام. وأما هو فعلامة مضمَر وهو مبتدأ وحال ما بعده كحاله بعد هذا. وذلك قولك: هو زيد معروفاً فصار المعروف حالاً. وذلك أنك ذكرت للمخاطَب إنساناً كان يجهله أو ظننت أنه يجهله فكأنك قلت: أثبتْه أو الزَمْه معروفاً فصار المعروف حالاً كما كان المنطلق حالاً حين قلت: هذا زيد منطلقاً. والمعنى أنك أردت أن توضّح أن المذكور زيد حين قلت معروفاً ولا يجوز أن تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف لأنه يعرّف ويؤكّد فلو ذكر هنا الانطلاق كان غير جائز لأن الانطلاق لا يوضّح أنه زيد ولا يؤكده. ومعنى قوله معروفاً: لا شك وليس ذا في منطلق. وكذلك هو الحق بيّناً ومعلوماً لأن ذا مما يوضَّح ويؤكَّد به الحقّ. وكذلك هي وهما وهم وهنّ وأنا وأنت وإنه. قال ابن دارة: وقد يكون هذا وصواحبه بمنزلة هو يعرَّف به تقول: هذا عبد الله فاعرفْه إلا أن هذا علامةً للمضمَر ولكنك أردت أن تعرّف شيئاً بحضرتك. وقد تقول: هو عبد الله وأنا عبد الله فاخراً أو مُوعداً. أي اعرِفْني بما كنتَ تعرف وبما كان بلغك عني يم يفسّر الحال التي كان يعلمه عليها أو تبلغه فيقول: أنا عبد الله كريماً جواداً وهو عبد الله شجاعاً بطلاً. وتقول: إني عبد الله مصغِّراً نفسه لربّه ثم تفسّر حال العبيد فتقول: آكِلاً كما تأكل العبيد. وإذا ذكرت شيئاً من هذه الأسماء التي هي علامة للمضمَر فإنه مُحال أن يظهر بعدها الاسم إذا كنت تُخبر عن عمل أو صفة غير عمل ولا تريد أن تعرّفه بأنه زيدٌ أو عمرو. وكذلك إذا لم توعد ولم تفخر أو تصغّر نفسك لأنك في هذه الأحوال تعرّف ما تُرى أنه قد جُهل أو تُنزل المخاطَب منزلة من يجهل فخراً أو تهدُّداً أو وعيداً فصار هذا كتعريفك إياه باسمه. وإنما ذكر الخليل رحمه الله هذا لنعرف ما يُحال منه وما يَحسن فإن النحويين مما يتهاونون بالخلفْ إذا عرفوا الإعراب. وذلك أن رجلاً من إخوانك ومعرفتك لو أراد أن يخبرك عن نفسه أو عن غيره بأمر فقال: أنا عبد الله منطلقاً وهو زيد منطلقاً كان مُحالاً لأنه إنما أراد أن يخبرك بالانطلاق ولم يقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية لأن هو وأنا علامتان للمضمَر وإنما يضمِر إذا علم أنك عرفت من يعني. إلا أن رجلاً لو كان خلفَ حائط أو في موضع تجهله فيه فقلت من أنت فقال: أنا عبد الله منطلقاً في حاجتك كان حسناً. وأما ما ينتصب لأنه خبر مبنيّ على اسم غير مبهم فقولك: أخوك عبد الله معروفاً. هذا يجوز فيه جميع ما جاز في الاسم الذي بعد هو وأخواتها.
هذا باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة

وذلك قولك: هذان رجلان وعبد الله منطلقين. وإنما نصبت للمنطلقين لأنه لا سبيل إلى أن يكون صفةً لعبد الله ولا أن يكون صفة للإثنين فلما كان ذلك مُحالاً جعلته حالاً صاروا فيها كأنك قلت: هذا عبد الله منطلقاً. وهذا شبيه بقولك: هذا رجل مع امرأةٍ قائمَيْن. وإن شئت قلت: هذان رجلان وعبد الله منطلقان لأن المنطلقين في هذا الموضع من اسم الرجلين فجريا عليه. وتقول: هؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقين إذا خلطتَهم. ومن قال: هذان رجلان وعبد الله منطلقان قال: هؤلاء ناس وعبد الله منطلقون لأنه لم يُشرك بين عبد الله وبين ناسٍ في الانطلاق. وتقول: هذه ناقة وفصيلها راتعين. وقد يقول بعضهم: هذه ناقة وفصيلها راتعان. وهذا شبيه بقول من قال: كل شاةٍ وسخلتها بدرهم إنما يريد كل شاةٍ وسخلة لها بدرهم. ومن قال كل شاةٍ وسخلتها فجعله يمنزلة كل رجل وعبد الله منطلقاً لم يقل في الراتعين إلا النصب لأنه إنما يريد حينئذ المعرفة ولا يريد أن يُدخل السخلة في الكل لأن كل لا يدخل في هذا الموضع إلا على النكرة. والوجه كل شاةٍ وسخلتها بدرهم وهذه ناقة وفصيلها راتعين لأن هذا أكثر في كلامهم وهو القياس. والوجه الآخر قد قاله بعض العرب.
هذا باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة

وذلك قولك: هذا عبد الله منطلقٌ حدّثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب. وزعم الخليل رحمه الله أن رفعه يكون على وجهين: فوجهٌ أنك حين قلت: هذا عبد الله أضمرت هذا أو هو كأنك قلت هذا منطلق أو هو منطلق. والوجه الآخر: أن تجعلهما جميعاً خبراً لهذا كقولك: هذا حلوٌ حامضٌ لا تريد أن تنقض الحلاوة ولكنك تزعم أنه جمع الطعمين. وقال الله عز واجلّ: " كلا إنها لظى. نزّاعة قال: سمعنا ممن يروي هذا الشعر من العرب يرفعه: من يكُ ذا بتّ فهذا بتّي مقيّظٌ مصيّفٌ مشتي وأما قول الأخطل: ولقد أبيتُ من الفتاة بمنزل فأبيتُ لا حرجٌ ولا محرومُ فزعم الخليل رحمه الله أن هذا ليس على إضمار أنا. ولو جاز هذا على إضمار أنا لجاز: كان عبد الله لا مسلمٌ ولا صالح على إضمار هو. ولكنه فيما زعم الخليل رحمه الله: فأبيت بمنزلة الذي يقال لا حرجٌ ولا محروم. ويقوّيه في ذلك قوله وهو الربيع الأسدي: على حين أن كانت عُقَيلٌ وشائظا وكانت كلابٌ خامري أمَّ عامرِ فإنما أراد: كانت كلاب التي يقال لها خامري أم عامر. وقد زعم بعضهم أن رفعه على النفي كأنه قال: فأبيتُ لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا به. وقال الخليل رحمه الله: كأنه حكاية لما كان يُتكلّم به قبل ذلك فكأنه حكى ذلك اللفظ كما قال: كذَبْتُم وبيتِ الله لا تنكحونَها بني شابَ قرناها تصُرُّ وتحلُبُ أي بني من يقال له ذلك. وقد يكون رفعه على أن تجعل عبد الله معطوفاً على هذا كالوصف فيصير كأنه قال: عبد الله منطلقٌ. وتقول: هذا زيدٌ رجلٌ منطلقٌ على البدل كما قال تعالى جدُّه: " بالناصية. ناصيةٍ كاذبةٍ ". فهذه أربعة أوجه في الرفع.
هذا باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدأ

أو ينتصب فيه الخبر لأنه حال لمعروفٍ مبني على مبتدأ فأما الرفع فقولك: هذا الرجل منطلقٌ فالرجل صفة لهذا وهما بمنزلة اسم واحد كأنك قلت: هذا منطلقٌ. قال النابغة: توهّمتُ آياتٍ لها فعرفتُها لستة أعوام وذا العام سابعُ كأنه قال: وهذا سابعٌ. وأما النصب فقولك: هذا الرجل منطلقاً جعلتَ الرجل مبنياً على هذا وجعلت الخبر حالاً له قد صار فيها فصار كقولك: هذا عبد الله منطلقاً. وإنما يريد في هذا الموضع أن يُذكَر المخاطَب برجلٍ قد عرفه قبل ذلك وهو في الرفع لا يريد أن يُذكره بأحد وإنما أشار فقال هذا منطلقٌ فكأن ما ينتصب من أخبار المعرفة ينتصب على أنه حالٌ مفعول فيها لأن المبتدأ يعمل فيما بعده كعمل الفعل فيما يكون بعده ويكن فيه معنى التنبيه والتعريف ويحولُ بين الخبر والاسم المبتدأ كما يحول الفاعل بين الفعل والخبر فيصير الخبر حالاً قد ثبت فيها وصار فيها كما كان الظرف موضعاً قد صِيرَ فيه بالنية وإن لم يذكر فعلاً. وذلك أنك إذا قلت فيها زيدٌ فكأنك قلت استقرّ فيها زيد وإن لم تذكر فعلاً والنصب بالذي هو فيه كانتصاب الدرهم بالعشرين لأنه ليس من صفته ولا محمولاً على ما حُمل عليه فأشبه عندهم ضاربٌ زيداً. وكذلك هذا عمل فيما بعده عمل الفعل وصار منطلقٌ حالاً فانتصب بهذا الكلام انتصابَ راكب بقول: مرّ زيد راكباً. وأما قوله عز وجلّ " هو الحقُّ مصدّقاً " فإن الحق لا يكون صفةً لهو من قبل أن هو اسم مضمَر والمضمر لا يوصَف بالمظهر أبداً لأنه قد استغنى عن الصفة. وإنما تُضمِر الاسم حين يستغنى بالمعرفة فمن ثمّ لم يكن في هذا الرفع كما كان في هذا الرجلُ. ألا ترى أنك لو قلت: مررت بهو الرجل لم يجز ولم يَحسن ولو قلت: مررت بهذا الرجل كان حسناً جميلاً.
باب ما ينتصب فيه الخبر

لأنه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء قدّمته أو أخرته وذلك قولك: فيها عبد الله قائماً وعبد الله فيها قائماً. فعبد الله ارتفع بالابتداء لأن الذي ذكرت قبله وبعده ليس به وإنما هو موضعٌ له ولكنه يجري مجرى الاسم المبني على ما قبله. ألا ترى أنك لو قلت: فيها عبد الله حسُن السكوت وكان كلاماً مستقيماً كما حسن واستُغنى في قولك: هذا عبد الله. وتقول: عبد الله فيها فيصير كقولك عبد الله أخوك. إلا أن عبد الله يرتفع مقدَّماً كان أو مؤخراً بالابتداء. ويدلّك على ذلك أنك تقول: إن فيها زيداً فيصير بمنزلة قولك: إن زيداً فيها لأن فيها لما صارت مستقَراً لزيد يستغني به السكوت وقعَ موقع الأسماء كما أن قولك: عبد الله لقيتُه يصير لقيتُه فيه بمنزلة الاسم كأنك قلت: عبد الله منطلق فصار قولك فيها كقولك: استقرّ عبد الله ثم أردت أن تُخبِر على أية حالٍ استقرّ فقلت قائماً فقائم حال مستقَرٌّ فيها. وإن شئت ألغيت فيها فقلت: فيها عبد الله قائمٌ. قال النابغة: فبتُّ كأني ساورتْني ضئيلةٌ من الرُقشِ في أنيابها السمُ ناقعُ وقال الهذلي: لا درَّ درّيَ إن أطعمتُ نازلَكم قِرفَ الحتيّ وعندي البُرُّ مكنوزُ كأنك قلت: البرُّ مكنوزٌ عندي وعبد الله قائمٌ فيها. فإذا نصبت القائم ففيها قد حالت بين المبتدأ والقائم واستُغني بها فعمل المبتدأ حين لم يكن القائم مبنياً عليه عمل هذا زيدٌ قائماً وإنما تجعل فيها إذا رفعت القائم مستقرَّاً للقيام وموضعاً له وكأنك لو قلت: فيها عبد الله لم يجز عليه السكوت. وهذا يدلّك على أن فيها لا يُحدث الرفع أيضاً في عبد الله لأنها لو كانت بمنزلة هذا لم تكن لتُلغى ولو كان عبد الله يرتفع بفيها لارتفع بقولك عبد الله مأخوذٌ لأن الذي يرفع وينصب ما يستغني عليه السكوت وما لا يستغني بمنزلة واحدة. ألا ترى أن كان تعمل عمل ضرب ولو قلت كان عبد الله لم يكن كلاماً ولو قلت ضرب عبد الله كان كلاماً. ومما جاء في الشعر أيضاً مرفوعاً قوله لابن مقبل: لا سافِرُ النّيّ مدخولٌ ولا هَبِجٌ عاري العظام عليه الودْع منظومُ فجميع ما يكون ظرفاً تلغيه إن شئت لأنه لا يكون آخِراً إلا على ما كان عليه أولاً قبل الظرف ويكون موضع الخبر دون الاسم فجرى في أحد الوجهين مجرى ما لا يستغني عليه السكوت كقولك: فيك زيدٌ راغبٌ فرغبتُه فيه. ومثل قولك فيها عبد الله قائماً: هو لك خالصاً وهو لك خالصٌ كأن قولك هو لك بمنزلة أهبُه لك ثم قلت خالصاً. ومن قال فيها عبد الله قائم قال هو لك خالص فيصير خالص مبنياً على هو كما كان قائم مبنياً على عبد الله وفيها لَغوٌ إلا أنك ذكرت فيها لتبيّن أين القيام وكذلك لك إنما أردت أن تبيّن لمن الخالصُ. وقد قُرئ هذا الحرف على وجهين: " قُل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةٌ يوم القيامة " بالرفع والنصب. وبعض العرب يقول: هو لك الجمّاء الغفيرُ يرفع كما يرفع الخالص. والنصبُ أكثر لأن لجمّاء الغفير بمنزلة المصدر فكأنه قال هو لك خُلوصاً. فهذا تمثيلٌ ولا يُتكلم به. ومما جاء في الشعر قد انتصب خبرُه وهو مقدَّم قبل الظرف قوله: إن لكمْ أصلَ البلاد وفرعَها فالخير فيكم ثابتاً مبذولا وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: أتكلم بهذا وأنت ههنا قاعداً. ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه أمر قول العرب: هو رجلُ صدقٍ معلوماً ذاك وهو رجل صدق معروفاً ذاك وهو رجل صدق بينّا ذاك كأنه قال: هذا رجل صدق معروفاً صلاحُه فصار حالاً وقع فيه أمر لأنك إذا قلت: هو رجل صدقٍ فقد أخبرتَ بأمر واقع ثم جعلتَ ذلك الوقوع على هذه الحال. ولو رفعتَ كان جائزاً على أن تجعله صفةً كأنك قلت: هو رجل معروفُ صلاحُه. ومثل ذلك: مررت برجل حسنةٍ أمه كريماً أبوها زعم الخليل أنه أخبر عن الحُسن أنه وجبَ لها في هذه الحال. وهو كقولك: مررت برجلٍ ذاهبةٍ فرسُه مكسوراً سرجُها والأول كقولك: هو رجل صدق معروفاً صدقه وإن شئت قلت معروفٌ ذلك ومعلوم ذلك على قولك: ذاك معروفٌ وذاك معلوم. سمعتُه من الخليل.
هذا باب من المعرفة

يكون فيه الاسم الخاص شائعاً في الأمة ليس واحدٌ منها أولى به من الآخر ولا يُتوهّم به واحدٌ دون آخر له اسمٌ غيره نحو قولك للأسد: أبو الحارث وأسامة وللثعلب: ثُعالة وأبو الحُصَين وسَمسَم وللذئب: دأَلان وأبو جَعدة وللضّبُع: أمّ عامر وحَضاجر وجَعار وجيْأل وأمّ عنثل وقَثام ويقال للضِّبعان قُثَم. ومن ذلك قولهم للغراب: ابن بَريح. فكل هذا يجري خبره مجرى خبر عبد الله. ومعناه إذا قلت هذا أبو الحارث أو هذا ثُعالة أنك تريد هذا الأسد وهذا الثعلب وليس معناه كمعنى زيد وإن كانا معرفةً. وكان خبرهما نصباً من قبل أنك إذا قلت هذا زيدٌ فزيد اسم لمعنى قولك هذا الرجل إذا أردتَ شيئاً بعينه قد عرفه المخاطَب بحلْيته أو بأمر قد بلغه عنه قد اختُص به دون من يعرف. فكأنك إذا قلت هذا زيد قلت: هذا الرجل الذي من حِليته ومن أمره كذا وكذا بعينه فاختُصّ هذا المعنى باسم عَلَم يلزم هذا المعنى ليُحذف الكلام وليُخرَج من الاسم الذي قد يكون نكرة ويكون لغير شيء بعينه. لأنك إذا قلت هذا الرجل فقد يكون أن تعني كماله ويكون أن تقول هذا الرجل وأن تريد كل ذكَر تكلم ومشى على رجلين فهو رجل. فإذا أراد أن يُخلِص ذلك المعنى ويختصه ليُعرَف من يُعنى بعينه وأمره قال زيد ونحوه. وإذا قلت: هذا أبو الحارث فأنت تريد هنا الأسد أي هذا الذي سمعتَ باسمه أو هذا الذي قد عرفتَ أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيداً ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم فاختُصّ هذا المعنى باسم كما اختُص الذي ذكرنا بزيد لأن الأسد يتصرف تصرّف الرجل ويكون نكرة فأرادوا أسماءً لا تكون إلا معرفة وتلزم ذلك المعنى. وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسمٌ معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس فيحتاجوا إلى أسماء يعرفون بها بعضاً من بعض ولا تحفَظ حُلاها كحفظ ما يَثبت مع الناس ويقتنونه ويتخذونه. ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإبل والغنم والكلاب وما تثبت معهم واتخذوه بأسماء كزيد وعمرو. ومنه أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجندُب غير أنه أعظم منه وهو ضربٌ من الجنادب كما ومن ذلك ابنُ قِتْرة وهو ضربٌ من الحيات فكأنهم إذا قالوا هذا ابن قتْرة فقد قالوا هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا. وإذا قالوا بنات أوبَر فكأنهم قالوا هذا الضرب الذي من أمره كذا وكذا من الكمأة وإذا قالوا أبو جُخادب فكأنهم قالوا هذا الضرب الذي سمعتَ به من الجنادب أو رأيته. ومثل ذلك ابنُ آوى كأنه قال هذا الضرب الذي سمعته أو رأيته من السباع فهو ضرب من السباع كما أن بنات أوبر ضربٌ من الكمأة. ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف وليس بصفة. ومثل ذلك ابنُ عِرس وأم حُبَين وسامّ أبرص. وبعض العرب يقول أبو بُريص وحمار قبّان كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب الذي يعرَف من أحناش الأرض بصورة كذا. وكأنه قال في المؤنث نحو أم حُبين هذه التي تعرَف من أحناش الأرض بصورة كذا. واختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسماً على معنى الذي تعرفها به لا تدخله النكرة كما أن الذي تعرف لا تدخله النكرة كما فعلوا ذلك بزيد والأسد. إلا أن هذه الضروب ليس لكل واحد منها اسم يقع على كل واحد من أمته يدخله المعرفة والنكرة بمنزلة الأسد يكون معرفة ونكرة ثم اختُص باسم معروف كما اختُص الرجل بزيد وعمرو وهو أبو الحارث ولكنها لزمت اسماً معروفاً وتركوا الاسم الذي تدخله المعاني المعرفة والنكرة ويدخله والتعجب كقولك: هذا الرجل وأنت تريد أن ترفع شأنه. ووصفُ الأسماء المبهمة نحو قولك: هذا الرجل قائم. فكأن هذا اسمٌ جامع لمعان. وابن عِرس يراد به معنى واحد كما أريد بأبي الحارث وبزيد معنى واحد واستُغني به. ومثَل هذا في بابه مثَل رجل كانت كُنيته هي الاسم وهي الكنية. ومثَل الأسد وأبي الحارث كرجل كانت له كنية واسمٌ. ويدلّك على أن ابن عرس وأم حُبين وسامَّ أبرص وابن مَطَر معرفة أنك لا تدخل في الذي أُضِفن إليه الألف واللام فصار بمنزلة زيد وعمرو. ألا ترى أنك لا تقول أبو الجُخادب. وهو قول أبي عمرو حدّثنا به يونس عن أبي عمرو. وأما ابن قترة وحمار قبّان وما أشبههما فيدلك على معرفتهن ترك صرف ما أُضفن إليه. وقد زعموا أن بعض العرب يقول: هذا ابنُ عرس مُقبلٌ فرفعه على وجهين: فوجهٌ مثل: هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل ما بعده نكرة فصار مضافاً إلى نكرة بمنزلة قولك هذا رجلٌ منطلق. ونظير ذلك هذا قيسُ قُفّةٍ آخر منطلق. وقيسُ قُفة لقب والألقاب والكُنى بمنزلة الأسماء نحو زيد وعمرو ولكنه أراد في قيس قُفة ما أراد في قوله هذا عُثمان آخر فلم يكن له بدّ من أن وعلى هذا الحد تقول: هذا زيد منطلق كأنك قلت هذا رجل منطلق فإنما دخلت النكرة على هذا العلَم الذي إنما وُضع للمعرفة ولهذا جيء به فالمعرفة هنا الأوْلى. وأما ابن لَبون وابن مَخاض فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام. وكذلك ابن ماء. قال جرير فيما دخل فيه الألف واللام: وابن اللَبون إذا ما لُزّ في قَرَن لم يستطع صولةَ البُزْلِ القناعيسِ وقال أبو عطاء السِّندي: مفدَّمةً قزّاً كأن رِقابها رِقاب بنات الماء أفزَعها الرّعدُ وقال الفرزدق: وجدنا نهشَلاً فضلَتْ فقيْماً كفضل ابن المَخاض على الفصيلِ فإذا أخرجتَ الألف واللام صار الاسم نكرةً. قال ذو الرّمة: ورَدتُ اعتِسافاً والثريّا كأنها على قمة الرأس ابنُ ماءٍ مُحلّقُ وكذلك ابن أفعلَ إذا كان أفعل ليس باسمٍ لشيء. وقال ناسٌ: كلُ ابن أفعلَ معرفة لأنه لا ينصرف. وهذا خطأ لأن أفعل لا ينصرف وهو نكرة ألا ترى أنك تقول هذا أحمرُ قُمُذٌ فترفعه إذا جعلته صفة للأحمر ولو كان معرفةً كان نصباً كأنّا على أولاد أحقَبَ لاحَها ** ورمْيُ السّفا أنفاسَها بِسَهامِ جَنوبٌ ذَوَتْ عنها التناهي وأنزلتْ ** بها يومَ ذبّابِ السّبيب صيامِ كأنه قال: على أولاد أحقبَ صيامٍ.
باب ما يكون فيه الشيء غالباً عليه اسم

يكون لكل من كان من أمته أو كان في صفته من الأسماء التي يدخلها الألف واللام M0 تكون نكرتُه الجامعة لما ذكرتُ لك من المعاني. وذلك قولك فلان بنُ الصَّعِق. والصعقُ في الأصل صفة تقع على كل من أصابه الصّعق ولكنه غلب عليه حتى صار عَلَماً بمنزلة زيد وعمرو. وقولهم النجمُ صار علَماً للثّريا. وكابن الصّعِق قولُهم: ابن رألان وابنُ كُراع صار علماً لإنسان واحد وليس كل من كان ابناً لرألان وابناً لكُراع غلب عليه هذا الاسم. فإن أخرجت الألف واللام من النجم والصّعق لم يكن معرفة من قبل أنك صيّرته معرفةً بالألف واللام كما صار ابنُ رألان معرفةً برألان فلو ألقيتَ رألان لم يكن معرفةً. وزعم الخليل رحمه الله أنه إنما منعهم أن يُدخلوا في هذه الأسماء الألف واللام أنهم لم يجعلوا الرجل الذي سُمّي بزيد من أمةٍ كلُّ واحد منها يلزمه هذا الاسم ولكنهم جعلوه سُمّي به خاصاً. وزعم الخليل رحمه الله أن الذين قالوا الحارث والحَسَن والعبّاس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ولم يجعلوه سُمّي به ولكنهم جعلوه كأنه وصفٌ له غلَب عليه. ومن قال حارثٌ وعبّاس فهو يُجريه مُجرى زيد. وأما ما لزمته الألف واللام فلم يسقُطا منه فإنما جُعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كلّ واحد من أمته. وأما الدّبَران والسِّماك والعيّوق وهذا النحو فإنما يُلزَم الألفَ واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه. فإن قال قائل: أيقال لكل شيء صار خلف شيء دَبَران ولكل شيء عاق عن شيء عيّوق ولكل شيء سمك وارتفع سِماك فإنك قائل له: لا ولكن هذا بمنزلة العِدل والعَديل. والعديل: ما عادَلك من الناس والعِدل لا يكون إلا للمتاع ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره. ومثل ذلك بناء حصين وامرأة حصان فرقوا بين البناء والمرأة فإنما أرادوا أن يُخبروا أن البناء مُحرز لمن لجأ إليه وأن المرأة محرزة لفرجها. ومثل ذلك الرزين من الحجارة والحديد والمرأة رزان فرقوا بين ما يُحمَل وبين ما ثقُل في مجلسه فلم يخفّ. وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب فقد يكون الاسمان مشتقّين من شيء والمعنى فيهما واحد وبناؤهما مختلف فيكون أحد البناءين مختصاً به شيء دون شيء ليفرق بينهما. فكذلك هذه النجوم اختُصّت بهذه الأبنية. وكل شيء جاء قد لزم الألف واللام فهو بهذه المنزلة. فإن كان عربياً نعرفه ولا نعرف الذي اشتُق منه فإنما ذاك لأنّا جهلنا ما علم غيرُنا أو يكون الآخِر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمّي. وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء إنما يرايد الرابع والثالث. وكلها أخبارها كأخبار زيد وعمرو. فإن قلت: هذان زيدان منطلقان وهذان عَمران منطلقان لم يكن هذا الكلام إلا نكرة من قبل أنك جعلته من أمة كل رجل منها زيد وعمرو وليس واحد منها أولى به من الآخَر. وعلى هذا الحدّ تقول: هذا زيد منطلق. ألا ترى أنك تقول: هذا زيد من الزيدين أي هذا واحد من الزيدين فصار كقولك: هذا رجل من الرجال. وتقول: هؤلاء عَرَفات حسنةً وهذان أبانان بيّنين. وإنما فرقوا بين أبانين وعرفات وبين زيدَين وزيدِين من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علماً لرجلين ولا لرجال بأعيانهم وجعلوا الاسم الواحد علماً لشيء بعينه كأنهم قالوا إذا قلت ائتِ بزيد إنما تريد: هاتِ هذا الشخص الذي نشير لك إليه. ولم يقولوا إذا قلنا جاء زيدانِ فإنما نعني شخصين بأعيانهما قد عُرفا قبل ذلك وأُثبتا ولكنهم قالوا إذا قلنا قد جاء زيد فلان وزيدُ بن فلان فإنما نعني شيئين بأعيانهما فهكذا تقول إذا أردت أن تُخبر عن معروفين. وإذا قالوا هذان أبانان وهؤلاء عرفات فإنما أرادوا شيئاً أو شيئين بأعيانهما اللذين نشير إليهما. وكأنهم قالوا إذا قلت ائت أبانين فإنما نعني هذين الجيلين بأعيانهما اللذين نشير لك إليهما. ألا ترى أنهم لم يقولوا: امرر بأبان كذا وأبن كذا لم يفرقوا بينهما لأنهما جعلوا أبانين اسماً لهما يُعرفان به بأعيانهما. وليس هذا في الأناسيّ ولا في الدواب إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن والجبال أشياء لا تزول فيصير كل واحد من الجبلين داخلاً عندهم في مثل ما دخل فيه صاحبُه من الحال في الثّبات والخِصب والقحط ولا يشار إلى واحد منهما بتعريف دون الآخر فصارا كالواحد الذي لا يزايله منه شيء حيث كان في الأناسي وفي الدواب. والإنسانان والدابتان لا يثبتان أبداً بأنهما يزولان ويتصرفان ويشار إلى أحدهما والآخر عنه غائب. وأما قولهم: أعطِكم سُنّة العُمَرين فإنما أُدخلت الألف واللام على عُمَرين وهما نكرة فصارا معرفة بالألف واللام كما صار الصّعِق معرفة بهما واختُصا به كما اختُص النجم بهذا الاسم فكأنهما جُعلا من آمة كل واحد منهم عُمر ثم عُرّفا بالألف واللام فصارا بمنزلة الغرِيَّيْن المشهورين بالكوفة وبمنزلة النَّسرين إذا كنتَ تعني النجمين.
باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة إذا بُني على ما قبله

وبمنزلته في الاحتياج إلى الحشو ويكون نكرة بمنزلة رجل. وذلك قولك: هذا مَن أعرف منطلقاً وهذا مَن لا أعرف منطلقاً أي هذا الذي علمتُ أني لا أعرفه منطلقاً. وهذا ما عندي مَهيناً وأعرف ولا أعرف وعندي حشوٌ لهما يتمّان به فيصيران اسماً كما كان وقال الخليل رحمه الله: إن شئت جعلتَ مَن بمنزلة إنسان وجعلت ما بمنزلة شيء نكرتين ويصير منطلقٌ صفةً لمن ومَهينٌ صفة لمَا. وزعم أن هذا البيت عنده مثل ذلك وهو قول الأنصاري: فكفى بنا فضلاً على مَن غيرِنا حبُّ النبي محمد إيّانا. ومثل ذلك قول الفرزدق: إني وإياك إذ حلّت بأرحُلنا كمن بواديه بعد المحل ممطورِ وأما هذا ما لديّ عنيد فرفعُه على وجهين: على شيء لديّ عنيد وعلى هذا بعلي شيخٌ. وقد أدخلوا في قول من قال إنها نكرة فقالوا: هل رأيتم شيئاً يكون موصوفاً لا يُسكَت عليه فقيل لهم: نعم يا أيها الرجل. الرجل وصفٌ لقوله يا أيها ولا يجوز أن يُسكَت على يا أيها. فرُب اسم لا يحسن عليه عندهم السكوت حتى يصفوه وحتى يصير وصفُه عندهم كأنه به يتم الاسم لأنهم إنما جاءوا بيا أيها ليصلوا إلى نداء الذي فيه الألف واللام فلذلك جيء به. وكذلك مَن وما إنما يُذكران لحشوهما ولوصفهما ولم يُرَد بهما خِلوَين شيء فلزمه الوصف كما لزمه الحشو وليس لهما بغير حشو ولا وصف معنى فمن ثم كان الوصف والحشو واحداً. فالوصف كقولك: مررت بمَن صالحٍ فصالحٍ وصف. وإن أردتَ الحشو قلت مررت ممن صالحٌ. والحشو لا يكون أبداً لمن وما إلا وهما معرفة. وذلك من قبل أن الحشو إذا صار فيهما أشبهتا الذي فكما أن الذي لا يكون إلا معرفةً لا يكون ما ومَن إذا كان الذي بعدهما حشواً وهو الصلة إلا معرفة. وتقول: هذا مَن أعرف منطلقٌ فتجعل أعرف صفةً. وتقول: هذا مَن أعرف منطلقاً تجعل أعرف صلة. وقد يجوز منطلقٌ على قولك: هذا عبد الله منطلق. ومثل ذلك الجمّاء الغفير فالغفير وصفٌ لازم وهو توكيد لأن الجمّاء الغفير مَثَل فلزم الغفيرُ كما لزم ما في قولك إنك ما وخَيراً. واعلم أن كفى بنا فضلاً على مَن غيرُنا أجود وفيه ضعفٌ إلا أن يكون فيه هو لأن هو من بعض الصلة وهو نحو مررت بأيُّهم أفضلُ وكما قرأ بعض الناس هذه الآية: " تماماً على الذي أحسَنُ ". واعلم أنه يقبح أن تقول هذا مَن منطلق إذا جعلتَ المنطلق حشواً أو وصفاً فإن أطلتَ الكلام فقلت مَن خيرٌ منك حسُن في الوصف والحشو. زعم الخليل رحمه الله أنه سمع من العرب رجلاً يقول: ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً وما أنا بالذي قائل لك قبيحاً. فالوصف بمنزلة الحشو المَحشو لأنه يَحسن بما بعده كما أن الحشو المحشوَّ ويقوّي أيضاً أن مَن نكرة قول عمرو بن قَميئة: يا رُبَّ مَن يُبغض أذوادَنا رُحنَ على بغْضائه واغتدَيْنْ ورُبّ لا يكون ما بعدها إلا نكرة. وقال أمية بن أبي الصلت: رُبّ ما تكره النفوس من الأمر له فَرْجةٌ كحَلّ العِقالِ وقال آخر: ألا رُبّ مَن تغتَشَّهُ لك ناصحٍ ومؤتَمن بالغَيب غيرِ أمينِ وقال آخر: ألا رُبّ مَن قلبي له اللهَ ناصحٌ ومَن هو عندي في الظباء السوانحِ.
باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة

وذلك قولك هذا أول فارسٍ مُقبلٌ وهذا كلُّ متاعٍ عندك موضوعٌ وهذا خيرٌ منك مقبلٌ. ومما يدلّك على أنهن نكرة أنهن مضافات إلى نكرة وتوصَف بهن النكرة. وذلك أنك تقول فيما كان وصفاً: هذا رجل خيرٌ منك وهذا فارسٌ أول فارسٍ وهذا مالٌ كلُّ مالٍ عندك. ويُستدلُّ على أنهن مضافات إلى نكرة أنك تصف ما بعدهن بما توصَف به النكرة ولا تصفه بما وحدّثنا الخليل أنه سمع من العرب من يوثق بعربيته يُنشد هذا البيت وهو قول الشمّاخ: وكلُّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسِه لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو معازِرُ فجعله صفةً لكل. وحدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت: كأنّا يومَ قُرّى إ نّما نقتلُ إيّانا قبَلنا منهمُ كلَّ فتىً أبيضَ حُسّانا فجعله وصفاً لكل. ومثل ذلك: هذا أيّما رجل منطلقٌ وهذا حسبُك من رجل منطلقٌ. ويدلك على أنه نكرة أنك تصف به النكرة فتقول: هذا رجل حسبُك من رجل فهو بمنزلة مثلك وضاربك إذا أردت النكرة. ومما يوصَف به كلٌّ قول ابن أحمر: وَلِهَت عليه كلُّ معصِفة هوجاء ليس للُبّها زَبرُ سمعناه ممن يرويه من العرب. ومن قال هذا أول فارسٍ مقبلاً من قبل أنه لا يستطيع أن يقول هذا أولُ الفارس فيُدخل عليه الألف واللام فصار عنده بمنزلة المعرفة فلا ينبغي له أن يصفه بالنكرة وينبغي له أن يزعم أن درهماً في قولك عشرون درهماً معرفة فليس هذا بشيء وإنما أرادوا من الفرسان فحذفوا الكلام استخفافاً وجعلوا هذا يُجزِئُهم من ذلك. وقد يجوز نصبُه على نصب: هذا رجلٌ منطلقاً وهو قول عيسى. وزعم الخليل أن هذا جائز ونصبُه كنصبه في المعرفة جعله حالاً ولم يجعله وصفاً. ومثل ذلك: مررتُ برجل قائماً إذا جعلتَ الممرورَ به في حال قيامٍ. وقد يجوز على هذا: فيها رجلٌ قائماً وهو قول الخليل رحمه الله. ومثل ذلك: عليه مائةٌ بيضاً والرفعُ الوجهُ. وعليه مائةٌ عيناً والرفعُ الوجه. وزعم يونس أن ناساً من العرب يقولون: مررتُ بماءٍ قِعدةَ رجلٍ والجرّ الوجهُ. وإنما كان النصب هنا بعيداً من قبل أن هذا يكون من صفة الأول فكرهوا أن يجعلوه حالاً كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالاً حين قالوا: هذا زيد الطويل وهذا عمرو أخوك وألزموا صفة النكرة كما ألزموا صفة المعرفة المعرفةَ وأرادوا أن يجعلوا حالَ النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها. وزعم مَن نثق به أنه سمع رؤبةَ يقول: هذا غلامٌ لك مُقبلاً جعله حالاً ولم يجعله من اسم واعلم أن ما كان صفةً للمعرفة لا يكون حالاً ينتصب انتصابَ النكرة وذلك أنه لا يَحسُن لك أن تقول: هذا زيدٌ الطويلَ ولا هذا زيدٌ أخاك من قبل أنه من قال هذا فينبغي له أن يجعله صفةً للنكرة فيقول: هذا رجلٌ أخوك. ومثل ذلك في القبح: هذا زيدٌ أسودَ الناس وهذا زيدٌ سيدَ الناس حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو. ولو حسُن أن يكون هذا خبراً للمعرفة لجاز أن يكون خبراً للنكرة فتقول هذا رجلٌ سيدَ الناس من قبل أن نصب هذا رجلٌ منطلقاً كنصب هذا زيد منطلقاً فينبغي لما كان حالاً للمعرفة أن يكون حالاً للنكرة. فليس هكذا ولكن ما كان صفةً للنكرة جاز أن يكون حالاً للنكرة كما جاز حالاً للمعرفة. ولا يجوز للمعرفة أن تكون حالاً كما تكون النكرة فتلتبس بالنكرة. ولو جاز ذلك لقلت: هذا أخوك عبد الله إذا كان عبد الله اسمه الذي يُعرف به. وهذا كلامٌ خبيث يوضع في غير موضعه. إنما تكون المعرفة مبنياً عليها أو مبنية على اسم أو غير اسم وتكون صفةً لمعروف لتبيّنه وتؤكده أن تقطعه من غيره. فإذا أردت الخبر الذي يكون حالاً وقع فيه الأمر فلا تضع في موضعه الاسم الذي جُعل ليوضّح المعرفة أو تبيّن به. فالنكرة تكون حالاً وليست تكون شيئاً بعينه قد عرفه المخاطَب قبل ذلك. ====


الكتاب (سيبويه)/الجزء الرابع















محتويات
1 باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة
2 باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يكون صفة
3 باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو
4 هذا باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف بما بعده ويبنى على ما قبله
5 باب ما يثنّى فيه المستقر توكيداً
6 هذا باب الابتداء
7 باب ما يقع موقع الاسم المبتدإ ويسد مسده
8 باب من الابتداء يُضمَر فيه ما يُبنى على الابتداء
9 بابٌ يكون المبتدأ فيه مُضمَراً ويكون المبني عليه مظهَراً
10 هذا باب الحروف الخمسة
11 باب ما يكون محمولاً على إن
12 باب ما تستوي فيه الحروفُ الخمسة
13 بابٌ ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة
14 هذا باب كَمْ
15 هذا باب ما جرى مجرى كم في الاستفهام
16 هذا باب النداء
17 باب لا يكون الوصف المفرد فيه إلا رفعاً
18 هذا باب ما ينتصب على المدح والتعظيم أو الشتم
19 هذا باب ما يكون الاسمُ والصفة فيه بمنزلة اسم واحد
20 باب يكرر فيه الاسم في حال الإضافة ويكون الأول بمنزلة الآخر
21 باب إضافة المنادى إلى نفسك
22 باب ما تضيف إليه ويكون مضافاً إليك قبل المضاف إليه وتثبت فيه الياء لأنه غير منادى وإنما هو بمنزلة المجرور في غير النداء
23 باب ما يكون النداء فيه مضافاً إلى المنادى بحرف الإضافة
24 باب ما تكون اللام فيه مكسورة
25 هذا باب الندبة
26 باب تكون ألفُ الندبة فيه تابعة لما قبلها
27 هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب
28 هذا باب ما لا يجوز أن يُندب
29 باب يكون الاسمان فيه بمنزلة اسم واحد
30 باب الحروف التي ينبه بها المدعو
31 ما جرى على حرف النداء وصفاً له وليس بمنادى ينبّهه غيره
32 هذا باب الترخيم
33 باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء
34 باب يكون فيه الاسم بعدما يُحذف منه الهاء
35 هذا باب إذا حذفتَ منه الهاء
36 هذا باب ما يُحذف من آخره حرفان
37 هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم
38 باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف
39 باب تكون الزوائد فيه أيضاً بمنزلة
40 باب ما إذا طُرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفاً
41 باب يحرَّك فيه الحرف الذي يليه المحذوف
42 باب الترخيم
43 باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً
44 هذا باب النفي بلا
45 هذا باب وصف المنفي
46 باب لا يكون الوصف فيه إلا منوناً
47 باب لا تسقط فيه النون وإن وَلِيَتْ لك
48 باب ما جرى على موضع المنفي
49 باب ما لا تُغيّر فيه لا الأسماء عن حالها التي كانت عليها
50 باب لا تجوز فيه المعرفة إلا أن تُحمَل على الموضع
51 باب ما إذا لحقته لا لم تغيره عن حاله التي كان عليها
52 هذا باب الاستثناء
53 باب ما يكون استثناء بإلا
54 باب ما يكون المستثنى فيه بدلاً مما نفى عنه ما أُدخل فيه
55 باب ما حُمل على موضع العامل في الاسم
56 باب النصب فيما يكون مستثنى مبدَلاً
57 هذا باب يختار فيه النصب
58 باب ما لا يكون إلا على معنى
59 باب ما تكون فيه أنّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء
60 باب لا يكون المستثنى فيه إلا نصباً
61 باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة مثلٍ وغيرٍ
62 هذا باب ما يقدَّم فيه المستثنى
63 هذا باب تثنية المستثنى
64 هذا باب ما يكون مبتدأ بعد إلا
65 هذا باب غير
66 باب ما أُجري على موضع غير لا على ما بعد غير.
67 باب يُحذف المستثنى فيه استخفافاً
68 باب مجرى علاماتِ المضمرين
68.1 باب علامات المضمرين المرفوعين
68.2 باب استعمالهم علامة الإضمار
68.3 باب علامة المضمرين المنصوبين
68.4 باب استعمالهم إيّا إذا لم تقع مواقع الحروف التي ذكرنا
68.5 باب الإضمار فيما جرى مجرى الفعل
68.6 باب ما يجوز في الشعر من إيّا
68.7 باب إضمار المفعولَين اللذين تعدّى إليهما فعلُ الفاعل
68.8 باب لا تجوز فيه علامة المضمَر المخاطَب
68.9 هذا باب ما يكون مضمَراً
68.10 باب ما تردّه علامةُ الإضمار إلى أصله
68.11 باب ما يحسن أن يشرك المظهر المضمَر فيما عمل
68.12 هذا باب ما لا يجوز فيه الإضمارُ من حروف الجر
69 باب ما تكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن وأنتنّ وهما وأنتما وأنتم وصفاً
70 هذا باب من البدل أيضاً
71 باب لا تكون هو وأخواتها فيه فصلا ولكن يكنّ بمنزلة اسم مبتدأ
72 هذا باب أيّ
73 باب أي مضافاً إلى ما لا يكمل اسماً إلا بصلة
74 باب أي إذا كنتَ مستفهماً بها عن نكرة
75 باب مَن إذا كنت مستفهماً عن نكرة
76 باب ما لا تحسن فيه مَن كما تحسُن فيما قبله
77 باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب إذا استفهمت عنه بمَن
78 باب مَن إذا أردت أن يضاف لك مَن تسأل عنه
79 باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي
80 باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام
باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة

وهي معرفة لا توصَف ولا تكون وصفاً وذلك قولك: مررت بكلٍّ قائماً ومررتُ ببعضٍ قائماً وببعضٍ جالساً. وإنما خروجهما من أن يكونا وصفين أو موصوفين لأنه لا يحسن لك أن تقول: مررت بكلٍّ الصالحين ولا ببعضٍ الصالحين. قبُح الوصف حين حذفوا ما أضافوا إليه لأنه مخالف لما يضاف شاذّ منه فلم يجرِ في الوصف مجراه. كما أنهم حين قالوا يا أللهُ فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفَه وأثبتوها. وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلت: مررت بكلهم وببعضهم ولكنك حذفت ذلك المضاف إليه فجاز ذلك كما جاز: لاهِ أبوك تريد: لله أبوك حذفوا الألف واللامين. وليس هذا طريقةَ الكلام ولا سبيله لأنه ليس من كلامهم أن يُضمروا الجار. ومثله في الحذف: لا عليك فحذفوا الاسم. وقال: ما فيهم يفضلك في شيء يريد ما فيهم أحد يفضلك كما أراد لا بأس عليك أو نحوه. والشواذّ في كلامهم كثيرةٌ. ولا يكونان وصفاً كما لم يكونا موصوفين وإنما ينضعان في الابتداء أو يُبنَيان على اسم أو غير فالابتداء نحو قوله عز وجلّ: " وكلٌّ آتوه داخرين ". فأما جميعٌ فيجري مجرى رجلٍ ونحوه في هذا الموضع. قال الله عز وجل: " وإنْ كلٌّ لما جميعٌ لدينا مُحضَرون " وقال: أتيته والقومُ جميعٌ وسمعته من العرب أي مجتمعون. وزعم الخليل رحمه الله أنه يستضعف أن يكون كلهم مبنياً على اسم أو على غير اسم ولكنه يكون مبتدأ أو يكون كلهم صفة. فقلت: ولمَ استضعفت أن يكون مبنياً فقال: لأن موضعه في الكلام أن يُعمّ به غيره من الأسماء بعدما يُذكر فيكون كلهم صفةً أو مبادأ. فالمبتدأ قولك إن قومك كلهم ذاهبٌ أو ذكر قوم فقلت: كلهم ذاهبٌ. فالمبتدأ بمنزلة الوصف لأنك إنما ابتدأت بعدما ذكرت ولم تبنه على شيء فعممت به. وقال: أكلتُ شاةً كلَّ شاةٍ حسن وأكلت كلَّ شاةٍ ضعيف لأنهم لا يعمّون هكذا فيما زعم الخليل رحمه الله. وذلك أن كلهم إذا وقع موقعاً يكون الاسم فيه مبنياً على غيره شُبّه بأجمعين وأنفسهم ونفسه فألحق بهذه الحروف لأنها إنما توصَف بها الأسماء ولا تُبنى على شيء. وذاك أن موضعها من الكلام أن يُعمّ ببعضها ويؤكد ببعضها بعد ما يُذكر الاسم إلا أن كلهم قد يجوز فيها أن تُبنى على ما قبلها وإن كان فيها بعض الضعف لأنه قد يُبتدأ به فهو يشبه الأسماء التي تُبنى على غيرها. وكلاهما وكلتاهما وكلهنّ يجرين مجرى كلهم وأما جميعهم فقد يكون على وجهين: يوصَف به المضمَر والمظهر كما يوصَف بكلهم ويُجرى في الوصف مجراه ويكون في سائر ذلك بمنزلة عامتهم وجماعتهم يُبتدأ ويُبنى على غيره لأنه يكون نكرة تدخله الألف واللام وأما كل شيء وكل رجل فإنما يبنيان على غيرهما لأنه لا يوصَف بهما. والذي ذكرتُ لك قول الخليل ورأينا العرب توافقه بعد ما يمعناه.
باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يكون صفة

وذلك قولك: هذا راقودٌ خَلاّ وعليه نِحيٌ سَمناً. وإن شئت قلت راقودُ خلّ وراقودٌ من خلّ. وإنما فررتَ إلى النصب في هذا الباب كما فررت إلى الرفع في قولك: بصحيفةٍ طينٌ خاتَمها لأن الطين اسم وليس مما يوصَف به ولكنه جوهرٌ يضاف إليه ما كان منه. فهكذا مجرى هذا وما أشبهه. ومن قال: مررتُ بصحيفة طينٍ خاتَمها قال: هذا راقودٌ خلٌّ وهذه صفّةٌ خزّ. وهذا قبيح أجري على غير وجهه ولكنه حسن أن يُبنى على المبتدأ ويكون حالاً. فالحال قولك: هذه جُبّتك خَزاً. والمبني على المبتدأ قولك: جُبتك خزّ. ولا يكون صفةًفيشبه الأسماء التي أخذت من الفعل ولكنهم جعلوه يلي ما ينصب ويرفع وما يجرّ. فأجره كما أجروه فإنما فعلوا به ما يُفعل بالأسماء والحال مفعولٌ فيها. والمبنيّ على المبتدأ بمنزلة ما ارتفع بالفعل والجارّ بتلك المنزلة يجري في الاسم مجرى الرافع والناصب.
باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو

وذلك قولك هو ابنُ عمي دِنْياً وهو جاري بيتَ بيتَ. فهذه أحوال قد وقع في كل واحد منها شيء. وانتصب لأن هذا الكلام قد عمل فيها كما عمل الرجل في العلم حين قلت: أنت الرجل عِلْماً. فالعلمُ منتصبٌ على ما فسّرت لك وعمل فيه ما قبله كما عمل عشرون في الدرهم حين قلت عشرون درهماً لأن الدرهم ليس من اسم العشرين ولا هو هي. ومثل ذلك: هذا درهم وزناً. ومثل ذلك: هذا حسيب جداً. ومثل ذلك هذا عربيّ حسبَه. حدثنا بذلك أبو الخطاب عمن نثق به من العرب. جعله بمنزلة الدِّنْي والوزن كأنه قال هو عربي اكتفاءً. فهذا تمثيل ولا يتكلّ به ولزمته الإضافة كما لزمت جَهده وطاقته. وما لم يُضَف من هذا ولم تدخله الألف واللام فهو بمنزلة ما لم يُضَف فيما ذكرنا من ومثل ذلك هذه عشرون مِراراً وهذه عشرون أضعافاً. وزعم يونس أن قوماً يقولون: هذه عشرون أضعافُها وهذه عشرون أضعافٌ أي مضاعفةٌ. والنصب أكثر. ومثل ذلك: هذا درهمٌ سواء. كأنه قال هذا درهم استواء. فهذا تمثيل وإن لم يتكلّم به. قال عز وجلّ: " في أربعة أيامٍ سَواءً للسائلين ". وقد قرأ ناسٌ: " في أربعةِ أيامٍ سواءٍ ". قال الخليل: جعله بمنزلة مستويات. وتقول: هذا درهمٌ سواءٌ كأنك قلت: هذا درهمٌ تامّ. وهذا شيء ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو وذلك قولك: هذا عربي محضاً وهذا عربي قلباً فصار بمنزلة دِنياً وما أشبهه من المصادر وغيرها. والرفع فيه وجه الكلام وزعم يونس ذلك. وذلك قولك: هذا عربيّ محضٌ وهذا عربيّ قلبٌ كما قلت هذا عربيٌّ قُحٌّ ولا يكون القحُّ إلا صفةً. ومما ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو قولك: هذه مائلةٌ وزنَ سبعةٍ ونقدَ الناس وهذه مائة ضربَ الأمير وهذا ثوبٌ نسجَ اليمن كأنه قال: نسجاً وضرباً ووزناً. وإن شئت قلت وزنُ سبعة. قال الخليل رحمه الله: إذا جعلتَ وزنَ مصدراً نصبت وإن جعلته اسماً وصفتَ به وشبّه ذلك بالخَلق قال: قد يكون الخلق المصدر ويكون الخلقُ المخلوق وقد يكون الحلَب الفعل والحلَب المحلوب فكأن الوزن ههنا اسمٌ وكأن الضرب اسم كما تقول رجلٌ رِضاً وامرأة عدلٌ ويومٌ غمٌّ فيصيرُ هذا الكلام صفةً. وقال: أستقبح أن أقول هذه مائة ضربُ الأمير فأجعلَ الضرب صفةً فيكون نكرةً وُصفت بمعرفة ولكن أرفعه على الابتداء كأنه قيل له ما هي فقال: ضربُ الأمير. فإن قال: ضربُ أمير حَسنت الصفة لأن النكرة توصف بالنكرة. واعلم أن جميع ما ينتصب في هذا الباب ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو. والدليل على ذلك أنك لو ابتدأت اسماً لم تستطع أن تبني عليه شيئاً مما انتصب في هذا الباب لأنه جرى في كلام العرب أنه ليس منه ولا هو هو. لو قلتَ ابنُ عمي دنْيٌ وعربيٌ جِدٌ لم يجز ذلك فإذا لم يجز أن يُبنى على المبتدأ فهو من الصفة أبعد لأن هذه الأجناس التي يضاف إليها ما هو منها ومن جوهرها ولا تكون صفة وقد تُبنى على المبتدأ كقولك: خاتمك فضّة ولا فما انتصب في هذا الباب فهو مصدر أو غير مصدر قد جُعل بمنزلة المصدر وانتصب من وجهٍ واحد. واعلم أن الشيء يوصَف بالشيء الذي هو هو وهو من اسمه وذلك قولك: هذا زيدٌ الطويل. ويكون هو هو وليس من اسمه كقولك: هذا زيدٌ ذاهباً. ويوصَف بالشيء الذي ليس به ولا من اسمه كقولك: هذا درهم وزناً لا يكون إلا نصباً.
هذا باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف بما بعده ويبنى على ما قبله

وذلك قولك هذا قائماً رجل وفيها قائماً رجلٌ. لما لم يجز أن توصف الصفة بالاسم وقُبح أن تقول: فيها قائمٌ فتضع الصفة موضع الاسم كما قبح مررت بقائم وأتاني قائم جعلت القائم حالاً وكان المبني على الكلام الأول ما بعده. ولو حسُن أن تقول: فيها قائم لجاز فيها قائم رجلٌ لا على الصفة ولكنه كأنه لما قال فيها قائم قيل له مَن هو وما هو فقال: رجل أو عبد الله. وقد يجوز على ضعفه. وحُمل هذا النصب على جواز فيها رجلٌ قائماً وصار حين أخّر وجه الكلام فراراً من القبح. قال ذون الرمة: وتحت العوالي في القنا مستظلةً ** ظِباءٌ أعارتُها العيونَ الجآذرُ وقال الآخر: وبالجسم مني بيّناً لو علمْتِه ** شُحوبٌ وإن تستشهدي العينَ تشهدِ وقال كُثيّر: لميّة موحشاً طللُ وهذا كلامٌ أكثر ما يكون في الشعر وأقل ما يكون في الكلام. واعلم أنه لا يقال قائماً فيها رجلٌ. فإن قال قائل: أجعله بمنزلة راكباً مرّ زيدٌ وراكباً مرّ الرجلُ قيل له: فإنه مثله في القياس لأن فيها بمنزلة مرّ ولكنهم كرهوا ذلك فيما لم يكن من الفعل لأن فيها وأخواتها لا يتصرّفن تصرّف الفعل وليس بفعل ولكنهن أنزلن منزلة ما يستغني به الاسم من الفعل. فأجرِه كما أجرته العرب واستحسنتْ. ومن ثمّ صار مررت قائماً برجل لا يجوز لأنه صار قبل العامل في الاسم وليس بفعل والعامل الباء. ولو حسن هذا لحسن قائماً هذا رجل. فإن قال: أقول مررت بقائماً رجل فهذا أخبث من قبل أنه لا يُفصل بين الجار والمجرور ومن ثم أُسقط رُبّ قائماً رجلٍ. فهذا كلام قبيح ضعيف فاعرفْ قبحه فإن إعرابه يسير. ولو استحسنّاه لقلنا هو بمنزلة فيها قائماً رجل ولكن معرفة قبحه أمثل من إعرابه. وأما بك مأخوذٌ زيد فإنه لا يكون إلا رفعاً من قبل أن بك لا تكون مستقراً لرجل. ويدلك على ذلك أنه لا يستغني عليه السكوت. ولو نصبت هذا لنصبت اليوم منطلقٌ زيدٌ واليومَ قائمٌ زيد. وإنما ارتفع هذا لأنه بمنزلة مأخوذ زيد. وتأخير الخبر على الابتداء أقوى لأنه عاملٌ فيه. ومثل ذلك: عليك نازلٌ زيد لأنك لو قلت: عليك زيد وأنت تريد النزول لم يكن كلاماً. وتقول: عليك أميراً زيد لأنه لو قال عليك زيد وهو يريد الإمرةَ كان حسناً. وهذا قليل في الكلام كثير في الشعر لأنه ليس بفعل. وكلما تقدّم كان أضعف له وأبعد فمن ثمّ لم يقولوا قائماً فيها رجل ولم يحسن حُسن: فيها قائماً رجلٌ.
باب ما يثنّى فيه المستقر توكيداً

وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية ولا النصب ما كان عليه قبل أن يثنّى. وذلك قولك: فيها زيد قائماً فيها. فإنما انتصب قائم باستغناء زيد بفيها. وإن زعمتَ أنه انتصب بالآخِر فكأنك قلت: زيد قائماً فيها. فإنما هذا كقولك قد ثبت زيد أميراً قد ثبت فأعدتَ قد ثبت توكيداً وقد عمل الأول في زيد وفي الأمير. ومثله في التوكيد والتثنية: لقيتُ عمراً عمرا. فإن أردتَ أن تُلغي فيها قلت فيها زيدٌ قائم فيها كأنه قال زيد قائم فيها فيها فيصير بمنزلة قولك فيك زيدٌ راغبٌ فيك. وتقول في النكرة: في دارك رجلٌ قائم فيها فتجري قائم على الصفة. وإن شئت قلت: فيها رجل قائماً فيها على الجواز كما يجوز فيها رجلٌ قائماً. وإن شئت قلت أخوك في الدار ساكنٌ فيها فتجعل فيها صفةً للساكن. ولو كانت التثنية تنصب لنصبتْ في قولك: عليك زيدٌ حريص عليك ونحو هذا مما لا يُستغنى به. فإن قلت: قد جاء: " وأما الذين سَعِدوا ففي الجثّة خالدين فيها " فهو مثل " إن المتّقين في جنات وعُيون. آخذين " وفي آية أخر: " فاكهين ".
هذا باب الابتداء

فالمبتدأ كل اسم ابتُدى ليُبنى عليه كلامٌ. والمبتدأ والمبنيّ عليه رفعٌ. فالابتداء لا يكون إلا بمبني عليه. فالمبتدأ الأول والمبني ما بعده عليه فهو مسنَد ومسنَد إليه. واعلم أن المبتدأ لابد له من أن يكون المبنيّ عليه شيئاً هو هو أو يكون في مكان أو زمان. وهذه الثلاثة يُذكر كل واحدٍ منها بعد ما يُبتدأ. فأما الذي يُبنى عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء وذلك قولك: عبد الله منطلق ارتفع عبد الله لأنه ذُكر ليُبنى عليه المنطلق وارتفع المنطلق لأن المبنيّ على المبتدأ بمنزلته. وزعم الخليل رحمه الله أنه يستقبح أن يقول قائم زيد وذاك إذا لم تجعل قائماً مقدَّماً مبنياً على المبتدأ كما تؤخّر وتقدّم فتقول: ضرب زيداً عمرٌو وعمرٌو على ضرب مرتفع. وكان الحدّ أن يكون مقدَّماً ويكون زيد مؤخّراً. وكذلك هذا الحدّ فيه أن يكون الابتداء فيه مقدَّماً. وهذا عربي جيد. وذلك قولك تميميٌّ أنا ومَشنوءٌ مَن يشنَؤك ورجلٌ عبدُ الله وخزٌّ صُفّتك. فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلاً كقوله يقوم زيدٌ وقام زيد قبح لأنه اسم. وإنما حسن عندهم أن يجري مجرى الفعل إذا كان صفةً جرى على موصوف أو جرى على اسم قد عمل فيه كما أنه لا يكون مفعولاً في ضارب حتى يكون محمولاً على غيره فتقول: هذا ضاربٌ زيداً وأنا ضارب زيداً ولا يكون ضاربٌ زيداً على ضربتُ زيداً وضربت عمراً. فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجري مجرى الفعل المبتدإ وليكون بين الفعل والاسم فصيل وإن كان موافقاً له في مواضع كثيرة فقد يوافق الشيء الشيءَ ثم يخالفه لأنه ليس مثله. وقد كتبنا ذلك فيما مضى وسنراه فيما يُستقبل إن شاء الله.
باب ما يقع موقع الاسم المبتدإ ويسد مسده

لأنه مستقَرٌّ لما بعد وموضع والذي عمل فيما بعده حتى رفعه هو الذي عمل فيه حين كان قبله ولكن كلُّ واحد منهما لا يُستغنى به عن صاحبه فلما جُمعا استغنى عليهما السكوت حتى صارا في الاستغناء كقولك: هذا عبد الله. وذلك قولك: فيها عبد الله. ومثله: ثمَّ زيدٌ وههنا عمرٌو وأين زيدٌ وكيف عبد الله وما أشبه ذلك. فمعنى أين في: أي مكان وكيف: على أية حال. وهذا لا يكون إلا مبدوءاً به قبل الاسم لأنها من حروف الاستفهام فشُبّهت بهل وألف الاستفهام لأنهن يستغنين عن الألف ولا يكنَّ كذا إلا استفهاماً.
باب من الابتداء يُضمَر فيه ما يُبنى على الابتداء

وذلك قولك: لولا عبد الله لكان كذا وكذا. أما لكان كذا وكذا فحديثٌ معلّقٌ بحديث لولا. وأما عبد الله فإنه منحديث لولا وارتفع بالابتداء كما يرتفع بالابتداء بعد ألف الاستفهام كقولك: أزيدٌ أخوك إنما رفعتَه على ما رفعتَ عليه زيدٌ أخوك. غير أن ذلك استخبارٌ وهذا خبرٌ. وكأن المبني عليه الذي في الإضمار كان في مكان كذا وكذا فكأنه قال: لولا عبد الله كان بذلك المكان ولوا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن هذا حُذف حين كثُر استعمالُهم إياه في الكلام كما حُذف الكلام من إمّالا زعم الخليل رحمه الله أنهم أرادوا إن كنت لا تفعل غيره فافعلْ كذا وكذا إمالا ولكنهم حذفوه لكثرته في الكلام. ومثل ذلك حينئذ الآن إنما تريد: واسمع الآن. وما أغفلَه عنك شيئاً أي دعِ الشكّ عنه فحُذف هذا لكثرة استعمالهم. وما حُذف في الكلام لكثرة استعمالهم كثير. ومن ذلك: هل من طعام أي هل من طعام في زمان أو مكان وإنما يريد: هل طعامٌ فمِن طعامٍ في موضع طعامٌ كما كان ما أتاني من رجل في موضع ما أتاني رجلٌ. ومثله جوابه: ما من طعام.
بابٌ يكون المبتدأ فيه مُضمَراً ويكون المبني عليه مظهَراً

وذلك أنك رأيت صورة شخص فصار آية لك على معرفة الشخص فقلت: عبد الله وربي كأنك قلت: ذاك عبد الله أو هذا عبد الله. أو سمعتَ صوتاً فعرفتَ صاحبَ الصوت فصار آيةً لك على معرفته فقلت: زيد وربي. أو مسِسْتَ جسداً أو شممت ريحاً فقلت: زيد أو المِسك. أو ذقتَ طعاما فقلت: العسل. ولو حُدِّثتَ عن شمائل رجلٍ فصار آيةً لك على معرفته لقلت: عبد الله. كأن رجلاً قال: مررتُ برجل راحم للمساكين بارٍّ بوالديه فقلت: فلان واللهِ.
هذا باب الحروف الخمسة

التي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده وهي من الفعل يمنزلة عشرين من الأسماء التي بمنزلة الفعل لا تصَرَّف تصرُّف الأفعال كما أن عشرين لا تصرّف تصرّف الأسماء التي أخذت من الفعل وكانت بمنزلته ولكن يقال بمنزلة الأسماء التي أُخذت من الأفعال وشُبهت بها في هذا الموضع فنصبت درهماً لأنه ليس من نعتها ولا هي مضافة إليه ولم ترد أن تحمل الدرهم على ما حُمل العشرون عليه ولكنه واحد بيّن به العدد فعملت فيه كعمل الضارب في زيد إذا قلت: هذا ضاربٌ زيداً لأن زيداً ليس من صفة الضارب ولا محمولاً على ما حُمل عليه الضارب. وكذلك هذه الحروف منزلتها من الأفعال. وهي أنّ ولكنّ وليت ولعلّ وكأنّ. وذلك قولك: إن زيداً منطلقٌ وإن عمراً مسافرٌ وإن زيداً أخوك. وكذلك أخواتها. وزعم الخليل أنها عملت عملين: الرفعَ والنصب كما عملت كان الرفع والنصب حين قلت: كان أخاك زيدٌ. إلا أنه ليس لك أن تقول كأن أخوك عبدَ الله تريد كأن عبدَ الله أخوك لأنها لا تصرّف تصرّف الأفعال ولا يضمَر فيها المرفوع كما يضمَر في كان. فمن ثمّ فرقوا بينهما كما فرقوا بين ليس وما فلم يجروها مجراها ولكن قيل هي بمنزلة الأفعال فيما بعدها وليست بأفعال. وتقول: إن زيداً الظريف منطلق فإن لم يُذكر المنطلق صار الظريف في موضع الخبر كما قلت: كان زيد الظريف ذاهباً فلما لم تجئ بالذاهب قلت: كان زيدٌ الظريفَ فنصب هذا في كان بمنزلة رفع الأول في إن وأخواتها. وتقول: إن فيها زيداً قائماً وإن شئت رفعت على إلغاء فيها وإن شئت قلت: إن زيداً فيها قائماً وقائمٌ. وتفسير نصب القائم ههنا ورفعه كتفسيره في الابتداء وعبد الله ينتصب بأن كما ارتفع ثمّ بالابتداء إلا أن فيها ههنا بمنزلة هذا في أنه يستغني على ما بعدها السكوت وتقع موقعه. وليست فيها بنفس عبد الله كما كان هذا نفسَ عبد الله وإنما هي ظرفٌ لا تعمل فيها إن بمنزلة خلفَك وإنما انتصب خلفك بالذي فيه. وقد يقع الشيء موقع الشيء وليس إعرابه كإعرابه وذلك قولك: مررت برجل يقول ذاك فيقول في موضع قائل وليس إعرابه كإعرابه. وتقول: إن بك زيداً مأخوذ وإن لك زيداً واقفٌ من قبل أنك إذا أردت الوقوف والأخذ لم يكن بك ولا لك مستقرّين لعبد الله ولا موضعين. ألا ترى أن السكوت لا يستغني على عبد الله ومثل ذلك: إن فيك زيداً لراغب. قال الشاعر: فلا تلْحِني فيها فإن بحبّها ** أخاكَ مُصابُ الثلب جمٌّ بلابِلُهْ كأنك أردت: إن زيداً راغبٌ وإن زيداً مأخوذٌ ولم تذكر فيك ولا بكَ فألغيتا ههنا كما أُلغيتا في الابتداء. ولو نصبت هذا لقلت إن اليوم زيداً منطلقاً ولكن تقول إن اليوم زيداً منطلق وتُلغي اليومَ كما ألغيتَه في الابتداء. وتقول: إن اليوم فيه زيدٌ ذاهبٌ من قبل أن إنّ عملت في اليوم فصار كقولك: إن عمراً فيه زيدٌ متكلم. ويدلّك على أن اليوم قد عملت فيه إن أنك تقول اليوم فيه زيدٌ ذاهبٌ فترفع بالابتداء فكذلك تنصب بأن. وتقول: إن زيداً لفيها قائماً وإن شئت ألغيتَ لفيها كأنك قلت: إن زيداً لقائم فيها. ويدلك على أن لفيها يُلغى أنك تقول إن زيداً لَبك مأخوذ. قال الشاعر وهو أبو زُبيد الطائي: إن امرأً خصّني عمداً مودّتَه على التنائي لَعندي غيرُ مكفورِ فلما دخلت اللام فيما لا يكون إلا لغواً عرفنا أنه يجوز في فيها ويكون لغواً لأن فيها قد تكون لغواً. وإذا قلت: إن زيداً فيها لقائمٌ فليس إلا الرفع لأن الكلام محمول على إنّ واللام تدل على وروى الخليل رحمه الله أن ناساً يقولون: إن بك زيدٌ مأخوذ فقال: هذا على قوله إنه بك زيدٌ مأخوذ وشبّه بما يجوز في الشعر نحو قوله وهو ابن صريم اليشكري: ويوماً تُوافينا بوجهٍ مقسَّمٍ كأنْ ظبيةٌ تعطو إلى وارق السَّلَمْ وقال الآخر: ووجهٌ مشرقُ النحرِ كأنْ ثدياهُ حُقّانِ لأنه لا يحسن ههنا إلا الإضمار. وزعم الخليل أن هذا يشبه قول من قال: وهو الفرزدق: فلو كنت ضبِّياً عرفتَ قرابتي ولكنّ زَنجيّ عظيم المشافرِ والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال: ولكن زنجياً عظيمَ المشافر لا يعرف قرابتي. ولكنه أضمر هذا كما يُضمر ما بني على الابتداء نحو قوله عزّ وجلّ: " طاعةٌ وقولٌ معروفٌ " أي طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أمثل. وقال الشاعر: فما كنتُ ضفّاطاً ولكن طالباً أناخ قليلاً فوق ظهر سبيلِ أي ولكن طالباً منيخاً أنا. فالنصب أجود لأنه لو أراد إضماراً لخفّف ولجعل المضمَر مبتدأ كقولك: ما أنت صالحاً ورفعه على قوله ولكنّ زنجيّ. وأما قول الأعشى: في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا أنْ هالكٌ كلُّ مَن يحفى وينتعلُ فإن هذا على إضمار الهاء لم يحذفوا لأنْ يكون الحذف يُدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار وجعلوا الحذف علَماً لحذف الإضمار في إن كما فعلوا ذلك في كأن. وأما ليتما زيداً منطلقٌ فإن الإلغاء فيه حسن وقد كان رؤبة ابن العجّاج ينشد هذا البيت رفعاً وهو قول النابغة الذبياني: قالت ألا ليتما هذا الحمامُ لنا إلى حمامتنا ونصفُ فقدِ فرفعه على وجهين: على أن يكون بمنزلة قول من قال: مثلاً ما بَعوضةٌ أو يكون بمنزلة قوله: إنما زيدٌ منطلقٌ. وأما لعلّما فهو بمنزلة كأنما. وقال الشاعر وهو ابن كُراع: تحلّلْ وعالجْ ذاتَ نفسك وانظُرَنْ أيا جُعَلٍ لعلّما أنت حالِمُ وقال الخليل: إنما لا تعمل فيما بعدها كما أن أرى إذا كانت لغواً لم تعمل فجعلوا هذا نظيرها ونظيرُ إنما قول الشاعر وهو المرّار الفَقْعَسي: أعَلاقةً أمَّ الوليد بعدما أفنانُ رأسكَ كالثّغام المُخْلِسِ جعل بعد مع ما بمنزلة حرفٍ واحد وابتدأ ما بعده. واعلم أنهم يقولون: إن زيدٌ لذاهبٌ وإنْ عمرٌو لخيرٌ منك لما خفّفها جعلها بمنزلة لكنْ حين خفّفها وألزمها اللام لئلا تلتبس بإن التي هي بمنزلة ما التي تنفي بها. ومثل ذلك: " إن كلُّ نفسٍ لما عليها حافظٌ " إنما هي لعليها حافظٌ. وقال تعالى: " وإنْ كلُّ لَما جميعٌ لدينا مُحضَرون " إنما هي: لجميعٌ وما لغوٌ. وقال تعالى: " وإنْ وجدنا أكثرَهم لَفاسقين " " وإنْ نظنّك لمِن الكاذبين ". وحدّثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمراً لَمنطلقٌ. وأهل المدينة يقرءون: " وإنْ كُلاً لَما لَيوفينّهم ربُّك أعمالَهم " يخففون وينصبون كما قالوا: كأن ثدييه حُقّانِ وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل فلما حُذف من نفسه شيء لم يغيَّر عملُه كما لم يغيَّر عملُ لم يكُ ولم أُبَل حين حُذف. وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء حين حذفوا كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضمّوا إليها ما. ما يَحسن عليه السكوتُ في هذه الأحرف الخمسة لإضمارك ما يكون مستقَرّاً لها وموضعاً لو أظهرته وليس هذا المضمَر بنفس المظهر. وذلك: إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً أي إن لهم مالاً. فالذي أضمرت لهم. ويقول الرجل للرجل: هل لكم أحدٌ إن الناس ألْبٌ عليكم فيقول: إن زيداً وإن عمراً أي إن لنا. وقال الأعشى: إن محلاً وإنّ مُرتحَلاً وإن في السّفْر ما مضى مَهَلا وتقول: إن غيرها إبلاً وشاءً كأنه قال: إن لنا غيرَها إبلاً وشاءً أو عندنا غيرَها إبلاً وشاء. فالذي تضمِر هذا النحو وما أشبهه. وانتصب الإبلُ والشاء كانتصاب فارسٍ إذا قلت: ما في الناس مثلُه فارساً. ومثل ذلك قول الشاعر: يا ليتَ أيامَ الصّبا رواجعا فهذا كقوله: ألا ماء بارداً كأنه قال: ألا ماء لنا مارداً وكأنه قال: يا ليت لنا أيام الصبا وكأنه وتقول: إن قريباً منك زيداً إذا جعلت قريباً منك موضعه. وإذا قلت جعلت الأول هو الآخِر قلت: إن قريباً منك زيدٌ. وتقول: إن قريباً منك زيدٌ والوجهُ إذا أردتَ هذا أن تقول: إن زيداً قريبٌ منك أو بعيد منك لأنه اجتمع معرفةٌ ونكرة. وقال امرؤ القيس: وإن شفاءً عَبرَةٌ مُهراقةٌ فهل عند رَسمٍ دارس من مُعَوَّلِ فهذا أحسن لأنهما نكرة. وإن شئت قلت: إن بعيداً منك زيداً. وقلما يكون بعيداً منك ظرفاً وإنما قلّ هذا لأنك لا تقول إن بُعدَك زيداً وتقول إن قربَك زيد. فالدّنوّ أشدُّ تمكيناً في الظرف من البُعد. وزعم يونُس أن العرب تقول: إن بدلَك زيداً أي إن مكانك زيداً. والدليل على هذا قول العرب: هذا لك بدلَ هذا أي هذا لك مكان هذا. وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت إن بدلَك زيدٌ أي إن بديلَك زيدٌ. وتقول: إن ألفاً في دراهمك بيضٌ وإن في دراهمك ألفاً بيضٌ. فهذا يجري مجرى النكرة في كان وليس لأن المخاطَب يحتاج إلى أن تُعلمه ههنا كما يحتاج إلى أن تعلمه في قولك ما كان أحدٌ فيها خيراً منك. وإن شئت جعلت فيها مستقرّاً وجعلت البيض صفةً. واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والاهتمام هنا مثلُه في باب كان ومثل ذلك قولك: إن أسداً في الطريق رابضاً وإن بالطريق أسداً رابضٌ. وإن شئت جعلت بالطريق مستقراً ثم وصفتَه بالرابض فهذا يجري هنا مجرى ما ذكرتُ من النكرة في باب كان.
باب ما يكون محمولاً على إن

فيشاركه فيه الاسم الذي ولِيها ويكون محمولاً على الابتداء فأما ما حُمل على الابتداء فقولك: إن زيداً ظريفٌ وعمرٌو وإن زيداً منطلقٌ وسعيدٌ فعمرو وسعيد يرتفعان على وجهين فأحدُ الوجهين حسنٌ والآخر ضعيف. فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولاً على الابتداء لأن معنى إن زيداً منطلقٌ زيدٌ منطلق وإن دخلتْ توكيداً كأنه قال: زيدٌ منطلق وعمرو. وفي القرآن مثله: " إن الله بَرَئٌ من المشركين ورسولُه ". وأما الوجه الآخر الضعيف فأن يكون محمولاً على الاسم المضمَر في المنطلق والظريف فإن أردتَ ذلك فأحسنه أن تقول: منطلقٌ هو وعمرٌو وإن زيداً ظريفٌ هو وعمرو. وإن شئت جعلت الكلام على الأول فقلت: إن زيداً منطلقٌ وعمراً ظريفٌ فحملته على قوله عزّ وجلّ: " ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحرَ يمدُّه من بعده سبعةُ أبحُرٍ ". وقد رفعه قومٌ على قولك: لو ضربتَ عبدَ الله وزيدٌ قائم ما ضرّك أي لو ضربت عبد الله وزيدٌ في هذه الحال كأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلامٌ والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله. وقال الراجز وهو رؤبة بن العجّاج: إن الربيع الجوْدَ والخريفا ** يَدا أبي العباس والصّيوفا ولكن المثقّلة في جميع الكلام بمنزلة إن. وإذا قلت إن زيداً فيها وعمرٌو جرى عمرٌو بعد فيها مجراه بعد الظريف لأن فيها في موضع الظريف وفي فيها إضمار. ألا ترى أنك تقول: إن قومك فيها أجمعون وإن قومك فيها كلّهم كما تقول: إن قومك عرب أجمعون وفي فيها اسمٌ مضمَر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت: إن قومك ينطلقون أجمعون. وقال جرير: إن الخلافة والنبوّة فيهمُ والمَكرُمات وسادةٌ أطهارُ وإذا قلت: إن زيداً فيها وإن زيداً يقول ذاك ثم قلت نفسه فالنصب أحسن. وإن أردت أن تحمله على المضمَر فعلى: هو نفسه. وإذا قلت إن زيداً منطلقٌ لا عمرٌو فتفسيره كتفسيره مع الواو. وإذا نصبتَ فتفسيره كنصبه واعلم أن لعلّ وكأنّ وليت ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إنّ إلا أنه لا يُرفع بعدهن شيء على الابتداء ومن ثمّ اختار الناس ليتَ زيداً منطلقٌ وعمراً وقَبُح عندهم أن يحملوا عمراً على المضمر حتى يقولوا هو ولم تكن ليت واجبةً ولا لعلّ ولا كأن فقبح عندهم أن يُدخلوا الواجب في موضع التّمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس على معناه بمنزلة إن. ولكن بمنزلة إن. وتقول: إن زيداً فيها لا بل عمرٌو. وإن شئت نصبت. ولا بلْ تجري مجرى الواو ولا.
باب ما تستوي فيه الحروفُ الخمسة

وذلك قولك: إن زيداً منطلق العاقلُ اللبيبُ. فالعاقل اللبيب يرتفع على وجهين: على الاسم المضمَر في منطلق كأنه بدلٌ منه فيصير كقولك: مررت به زيدٌ إذا أردت جوابَ بمن مررتَ. فكأنه قيل له: من ينطلق فقال: زيدٌ العاقلُ اللبيب. وإن شاء رفعه على: مررتُ به زيدٌ إذا كان جوابَ مَن هو فنقول: زيد كأنه قيل له: مَن هو فقال: العاقل اللبيب. وإن شاء نصَبَه على الاسم الأول المنصوب. وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين: " قُل إن ربي يقذف بالحقّ علاّمُ الغُيوب " و " علامَ.
بابٌ ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة

انتصابَه إذا صار ما قبله مبنياً على الابتداء لأن المعنى واحدٌ في أنه حالٌ وأن ما قبله قد عمِل فيه ومنعه الاسمُ الذي قبله أن يكون محمولاً على إن. وذلك قولك: إن هذا عبدُ الله منطلقاً وقال تعالى: " إن هذه أمتُكم أمةً واحدة ". وقد قرأ بعضهم: " أمتَكم أمةٌ واحدة " حمل أمتكم على هذه كأنه قال إن أمتكم كلها أمةٌ واحدة. وتقول: إن هذا الرجل منطلقٌ فيجوز في المنطلق هنا ما جاز فيه حين قلت: هذا الرجل منطلقٌ إلا أن الرجل هنا يكون خبراً للمنصوب وصفةً له وهو في تلك الحال يكون صفة لمبتدأ أو خبراً له. وكذلك إذا قلت: ليتَ هذا زيدٌ قائماً ولعل هذا زيدٌ ذاهباً وكأن هذا بِشرٌ منطلقاً. إلا أن معنى إن ولكن لأنهما واجبتان كمعنى هذا عبدُ الله منطلقاً وأنت في ليت تمنّاه في الحال وفي كأن تشبّه إنساناً في حال ذهابه كما تمنيته إنساناً في حال قيام. وإذا قلت لعل فأنت ترجوه أو تخافه في حال ذهاب. فلعل وأخواتها قد عملنَ فيما بعدهنّ عملين: الرفع والنصب كما أنك حين قلت: ليس هذا عمراً وكان هذا بشراً عملنا عملين رفعتا ونصبتا كما قلت ضربَ هذا زيداً فزيداً ينتصب بضرب وهذا ارتفع بضرب ثم قلت: أليس هذا زيداً منطلقاً فانتصب المنطلق لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب كما انتصب في إن وصار بمنزلة المفعول الذي تعدّى إليه فعل الفاعل بعدما تعدّى إلى مفعول قبله وصار كقولك: ضرب عبد الله زيداً قائماً فهو مثله في التقدير وليس مثله في المعنى. وتقول: إن الذي في الدار أخوك قائماً كأنه قال: من الذي في الدار فقال: إن الذي في الدار أخوك قائماً فهو يجري في أن ولكنّ في الحُسن والقُبح مجراه في الابتداء: إنْ قبُح في الابتداء أن تذكر المنطلق قبُح ههنا وإن حسُن أن تذكر المنطلق حسُن ههنا وإن قبُح أن تذكر الأخ في الابتداء قبُح ههنا لأن المعنى واحد وهو من كلامٍ واجب. وأما في ليت وكأن ولعلّ فيجري مجرى الأول. ومن قال: إن هذا أخاك منطلقٌ قال: إن الذي رأيتُ أخاك ذاهبٌ. ولا يكون الأخ صفةً للذي لأن أخاك أخصُّ من الذي ولا يكون له صفة من قبل أن زيداً لا يكون صفةً لشيء. وسألت الخليل عن قوله وهو لرجل من بني أسد: إن بها أكتلَ أو رِزاما خُوَيْرِبَين ينقُفان الهاما فزعم أن خويربين انتصبا على الشتم ولو كان على إن لقال خُويرباً ولكنه انتصب على الشتم كما انتصب " حمالةَ الحطب " - " والنازلينَ بكلّ معترك " على المدح والتعظيم. وقال: أمن عمل الجرّاف أمسِ وظلمه وعدوانه أعتَبْتُمونا براسمِ أميرَيْ عداءٍ إن حبسنا عليهما بهائمَ مالٍ أوديا بالبهائم نصبهما على الشتم لأنك إن حملت الأميرين على الإعتاب كان محالاً وذلك لأنه لا تحمل صفة الاثنين على الواحد ولا تحمل الذي جرّ الأعتابُ على الذي جرّ الظلم فلما اختلف الجرّان واختلطت الصفتان صار بمنزلة قولك: فيها رجلٌ وقد أتاني آخرُ كريمين ولو ابتدأ فرفع كان جيداً. ومما ينتصب على المدح والتعظيم قول الفرزدق: ولكنني استبقيت أعراضَ مازنٍ وأيامَها من مستنيرٍ ومظلمِ أناساً بثغرٍ لاتزالُ رماحهم شوارعَ من غير العشيرة في الدمِ ومما ينتصب على أنه عظّم الأمر قول عمرو بن شأس الأسدي: ولم أرَ ليلى بعد يومٍ تعرّضتْ لنا بين أثواب الطِّراف من الأدَمْ كِلابيّةً وبرِيّةً حَبْتريّةً نأتْكَ وخانتْ بالمواعيد والذممْ وقال الآخر: ضننْتُ بنفسي حقبةً ثم أصبحتْ لبنتِ عطاء بينُها وجميعها ضِبابيةً مُرّيّةً حابيّةً مُنيفاً بنعفِ الصّيدلَين وضيعُها فكل هذا سمعناه ممن يرويه من العرب نصباً. ومما يدلك على أن هذا ينتصب على التعظيم والمدح أنك لو حملت الكلام على أن تجعل حالاً لما بنيته على الاسم الأول كان ضعيفاً. وليس هنا تعريفٌ ولا تنبيهٌ ولا أراد أن يوقع شيئاً في حال لقبحه ولضعف المعنى. وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول: أنا ابنُ سعدٍ أكرمَ السّعدينا. نصبه على الفخر. وقال الخليل: إن من أفضلهم كان زيداً على إلغاء كان وشبّهه بقول الشاعر وهو الفرزدق: فكيف إذا رأيت ديارَ قوم وجيران لنا كانوا كرامِ وقال: إن من أفضلهم كان رجلاً يقبح لأنك لو قلت إن من خيارهم رجلاً ثم سكتّ كان قبيحاً حتى تعرّفه بشيء أو تقول: رجلاً من أمره كذا وكذا. وقال: إن فيها كان زيد على قولك: إنه فيها كان زيدٌ وإلا فإنه لا يجوز أن تحمل الكلام على إنّ. وقال: إن أفضلهم كان زيدٌ وإن زيداً ضربتُ على قوله: إنه زيداً ضربت وإنه كان أفضلهم زيدٌ. وهذا فيه قبحٌ وهو ضعيف وهو في الشعر جائز. ويجوز أيضاً على: إن زيداً ضربتُه وإن أفضلَهم كانه زيد فتنصبه على إن وفيه قبحٌ كما كان في إن. وسألت الخليل رحمه الله تعالى عن قوله: " ويْكأنّه لا يُفلح " وعن قوله تعالى جدّه: " ويْكأن الله " فزعم أنه ويْ مفصولةٌ من كأن والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نُبّهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا. والله تعالى أعلم. وأما المفسرون فقالوا: ألم تر أن الله. وقال القرشي وهو زيد بن عمرو بن نُفَيل: سالتاني الطلاقَ أن رأتاني قلّ مالي وقد جئتماني بنُكرِ وَيْ كأنْ مَن يكن له نشبٌ يُح بَبْ ومَن يفتقر يعِشْ عيش ضُرِّ واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان وذاك أن معناه معنى الابتداء فيُرى أنه قال: هم كما قال: على ما ذكرتُ لك. وأما قوله عزّ وجلّ: " والصابئون " فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ على قوله " والصابئون " بعدما مضى الخبر. وقال الشاعر بشر بن أبي خازم: وإلا فاعلَموا أنّا وأنتم بُغاةٌ ما بقينا في شِقاقِ كأنه قال: بُغاةٌ ما بقينا وأنتم.
هذا باب كَمْ

اعلم أن لكَم موضعين: فأحدهما الاستفهام وهو الحرف المستفهَم به بمنزلة كيف وأين. والموضع الآخر: الخبر ومعناها معنى رُبّ. وهي تكون في الموضعين اسماً فاعلاً ومفعولاً وظرفاً ويُبنى عليها إلا أنها لا تصرّف تصرّف يوم وليل كما أن حيث وأين لا يتصرفان تصرّف تحتك وخلفك وهما موضعان بمنزلتهما غير أنهما حروفٌ لم تتمكن في الكلام إنما لها مواضع تلزمها في الكلام. ومثل ذلك في الكلام كثير وقد ذكر فيما مضى وستراه فيما يُستقبَل إن شاء الله. أما كم في الاستفهام إذا أُعملت فيما بعدها فهي بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام منوّن قد عمل فيما بعده لأنه ليس من صفته ولا محمولاً على ما حُمل عليه. وذلك الاسم عشرون وما أشبهها نحو ثلاثين وأربعين. وإذا قال لك رجل: كم لك فقد سألك عن عدد لأن كمْ إنما هي مسألة عن عدد ههنا فعلى المجيب أن يقول: عشرون أو ما شاء مما هو أسماء لعدة. فإذا قال لك: كم لك درهماً أو كم درهماً لك ففسّر ما يسأل عنه قلت عشرون درهماً فعملت كم في الدرهم عمل واعلم أن كمْ تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه فإذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في كم لأن العشرين عددٌ منوّن وكذلك كمْ هو منوّن عندهم كما أن خمسةَ عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه لولا ذلك لم يقولوا خمسةَ عشر درهماً ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما لا ينصرف وموضعه موضع اسم منوّن. وكذلك كمْ موضعها موضع اسم منوّن وذهبتْ منها الحركة كما ذهبت من إذ لأنهما غيرُ متمكّنين في الكلام. وذلك أنك لو قلت: كم لك الدرهمَ لم يجز كما لم يجز في قولك عشرون الدرهم لأنهم إنما أرادوا عشرين من الدراهم. وهذا معنى الكلام ولكنهم حذفوا الألفَ واللام وصيّروه إلى الواحد وحذفوا من استخفافاً كما قالوا: هذا أول فارس في الناس وإنما يريدون هذا أول من الفرسان. فحُذف الكلام. وكذلك كمْ إنما أرادوا كم لك من الدراهم أو كم من الدراهم لك. وزعم أن كم درهماً لك أقوى من كم لك درهماً وإن كانت عربية جيدة. وذلك أن قولك العشرون لك درهماً فيها قبح ولكنها جازت في كم جوازاً حسناً لأنه كأنه صار عوضاً من التمكن في الكلام لأنها لا تكون إلا مبتدأة ولا تؤخَّر فاعلةً ولا مفعولة. لا تقول: رأيتَ كم رجلاً وإنما تقول: كم رأيت رجلاً. وتقول: كم رجلٍ أتاني ولا تقول أتاني كم رجل. ولو قال: أتاكَ ثلاثون اليوم درهماً كان قبيحاً في الكلام لأنه لا يقوى قوةَ الفاعل وليس مثل كم لما ذكرت لك. وقد قال الشاعر: على أنني بعدَ ما قد مضى ثلاثون للهجر حَولاً كميلا يذكّرنيك حنينُ العَجول ونوحُ الحمامة تدعو هَديلا وكم رجلاً أتاك أقوى من كم أتاك رجلاً وكم ههنا فاعلة. وكم رجلاً ضربت أقوى من كم ضربت رجلاً وكم ههنا مفعولة. وتقول: كم مثله لك وكم خيراً منه لك وكم غيره لك كل هذا جائز حسن لأنه يجوز بعد عشرين فيما زعم يونس. تقول: كم غيره مثله لك انتصب غير بكم وانتصب المثل لأنه صفة له. ولم يُجز يونس والخليل رحمهما الله كم غِلماناً لك لأنك لا تقول عشرونَ ثياباً لك إلا على وجه لك مائةٌ بيضاً وعليك راقودٌ خَلا. فإن أردت هذا المعنى قلت: كم لك غِلماناً ويقبح أن تقول كم غلماناً لك لأنه قبيح أن تقول: عبد الله قائماً فيها كما قبح أن تقول قائماً فيها زيدٌ. وقد فسرنا ذلك في بابه. وإذا قلت: كم عبد الله ماكثٌ فكم أيامٌ وعبد الله فاعلٌ. وإذا قلت: كم عبد الله عندك فكم ظرفٌ من الأيام وليس يكون عبد الله تفسيراً للأيام لأنه ليس منها. والتفسير: كم يوماً عبد الله ماكثٌ أو كم شهراً عبد الله عندك فعبد الله يرتفع بالابتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت: كم رجلاً ضرب عبد الله. فإذا قلت: كم جريباً أرضُك فأرضك مرتفعةٌ بكَم لأنها مبتدأةٌ والأرض مبنية عليها وانتصب الجريب لأنه ليس بمبني على مبتدإ ولا مبتدإ ولا وصف فكأنك قلت: عشرون درهماً خيرٌ من عشرة. وإن شئت قلت: كم غلمانٌ لك فتجعل غلمان في موضع خبر كمْ وتجعل لك صفةً لهم. وسألته عن قوله: على كم جذعٍ بيتُك مبني فقال: القياس النصب وهو قول عامة الناس. فأما الذين جرّوا فإنهم أرادوا معنى مِن ولكنهم حذفوها ههنا تخفيفاً على اللسان وصارت على عوضاً منها. ومثل ذلك: اللهِ لا أفعل وإذا قلت لاها الله لا أفعلِ لم يكن إلا الجرّ وذلك أنه يريد لا والله ولكنه صار ها عوضاً من اللفظ بالحرف الذي يجر وعاقبه. ومثل ذلك: اللهِ لتفعلنّ إذا استفهمت أضمروا الحرف الذي يجرّ وحذفوا تخفيفاً على اللسان وصارت ألف الاستفهام بدلاً منه في اللفظ معاقباً. واعلم أن كم في الخبر بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام غير منوّن يجرّ ما بعده إذا أُسقط التنوين وذلك الاسم نحو مائتي درهم فانجرّ الدرهم لأن التنوين ذهب ودخل فيما قبله. والمعنى معنى رُبّ وذلك قولك: كم غلامٍ لك قد ذهب. فإن قال قائل: ما شأنُها في الخبر صارت بمنزلة اسمٍ غير منوّن فالجواب فيه أن تقول: جعلوها في المسألة مثل عشرين وما أشبهها وجُعلت في الخبر بمنزلة ثلاثة إلى العشرة تجرّ ما بعدها كما جرّت هذه الحروف ما بعدها. فجاز ذا في كم حين اختلف الموضعان كما جاز في الأسماء المتصرّفة التي هي للعدد. واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه رُبّ لأن المعنى واحدٌ إلا أن كم اسمٌ ورُبّ غير اسم بمنزلة مِنْ. والدليل عليه أن العرب تقول: كم رجلٍ أفضلُ منك تجعله خبرَ كم. أخبرناه يونس عن أبي عمرو. واعلم أن ناساً من العرب يُعملونها فيما بعدها في الخبر كما يُعملونها في الاستفهام فينصبون بها كأنها اسمٌ منوّن. ويجوز لها أن تعمل في هذا الموضع في جميع ما عملت فيه رُبّ إلا أنها تنصب لأنها منونة ومعناها منوّنة وغير منونة سواءٌ لأنه لو جاز في الكلام أو اضطُرّ شاعرٌ فقال ثلاثةٌ أثواباً كان معناه ثلاثة أثواب. وقال يزيد بن ضَبّة: وقال الآخر: أنعتُ عَيراً من حميرِ خَنزرَهْ في كلِّ عَيرٍ مائتان كَمَرَهْ وبعض العرب ينشد قول الفرزدق: كم عمّةً لك يا جريرُ وخالةً فَدْعاءَ قد حلبتْ عليّ عِشاري وهم كثيرٌ فمنهم الفرزدق والبيت له. وقد قال بعضهم: كم على كل حال منونة ولكن الذين جروا في الخبر أضمروا مِن كما جاز لهم أن يضمروا رُبّ. وزعم الخليل أن قولهم: لاهِ أبوك ولقيتُه أمس إنما هو على: لله أبوك ولقيته أمس ولكنهم حذفوا الجارّ والألف واللام تخفيفاً على اللسان وليس كل جارّ يضمَر لأن المجرور داخلٌ في الجارّ فصارا عندهم بمنزلة حرفٍ واحد فمن ثمّ قبُح ولكنهم قد يُضمِرونه ويحذفونه فيما كثر من كلامهم لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعمالَه أحوج. وقال الشاعر العَنبري: وجدّاءَ ما يُرجى بها ذو قرابةٍ لعطفٍ وما يَخشى السُّماةَ رَبيبُها وقال امرؤ القيس: ومثلِك بِكراً قد طرقتُ وثَيّباً فألهيتُها عن ذي تمائم مُغيَلِ وقال الشاعر: ومثلَك رهبي قد تركتُ رذيّةً تقلّب عينيها إذا مرّ طائرُ سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب. والتفسير الأول في كمْ أقوى لأنه لا يحمل على الاضطرار والشاذّ إذا كان له وجهٌ جيد. ولا يقوى قول الخليل في أمس لأنك تقول ذهب أمس بما فيه. وقال: إذا فصلت بين كم وبين الاسم بشيء استغنى عليه السكوت أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم منوّن لأنه قبيحٌ أن تفصل بين الجار والمجرور لأن المجرور داخل في الجارّ فصارا كأنهما كلمة واحدة. والاسم المنوّن يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه تقول: هذا ضاربٌ بك زيداً ولا تقول: هذا ضاربُ بك زيدٍ. وقال زهير: تؤمُّ سناناً وكم دونَه من الأرض مُدودباً غارُها وقال القطاميّ: كم نالني منهمُ فضلاً على عدمٍ إذ لا أكاد من الإقتار أحتملُ وإن شاء رفع فجعل كمِ المرار التي ناله فيها الفضل فارتفع الفضل بنالَني فصار كقولك: كم قد أتاني زيدٌ فزيد فاعلٌ وكم مفعول فيها وهي المرار التي أتاه فيها وليس زيدٌ من المرار. كم عمّةٌ لك يا جرير وخالةٌ فدعاء قد حلَبتْ عليّ عشاري فجعل كم مراراً كأنه قال: كم مرة قد حلبت عشاري عليّ عمّاتك. وقال ذو الرمة ففصل بين الجارّ والمجرور: كأن أصوات مِن إيغالهن بنا أواخر الميسِ أصواتُ الفراريجِ وقال الآخر: فكم قد فاتني بطلٌ كميٌّ وياسرُ فتيةٍ سمحٌ هَضومُ وقد يجوز في الشعر أن تجرّ وبينها وبين الاسم حاجزٌ فتقول: كم فيها رجلٍ كما قال الأعشى: إلا عُلالةَ أو بُدا هةَ قارحٍ نهدِ الجُزارَهْ فإن قال قائلٌ: أضمر مِن بعد فيها. قيل له: ليس في كل موضع يضمر الجارّ ومع ذلك إن وقوعها بعد كم أكثر. وقد يجوز في الشعر أن تجرّ وبينها وبين الاسم حاجز على قول الشاعر: كم بجودٍ مقرفٌ نال العُلى وكريمٌ بخلُه قد وضَعهْ الجرّ والرفع والنصب على ما فسّرناه كما قال: كم فهيم ملكٍ أغرَّ وسوقةٍ حكمٍ بأرديةِ المكارم مُحتبى وقال: وتقول: كم قد أتاني لا رجلٌ ولا رجلان وكم عبد لك لا عبدٌ ولا عبدان. فهذا محمول على ما حُمل عليه كم لا على ما تعمل فيه كم كأنك قلت: لا رجلٌ أتاني ولا رجلان ولا عبدٌ لك ولا عبدان. وذاك لأن كم تفسّر ما وقعتْ عليه من العدد بالواحد المنكور كما قلت عشرون درهماً أو بجميع منكور نحو ثلاثة أثواب. وهذا جائزٌ في التي تقع في الخبر. فأما التي تقع في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في العشرين. ولو قلت: كم لا رجلاً ولا رجلين في الخبر أو الاستفهام كان غير جائز لأنه ليس هكذا تفسيرُ العدد ولو جاز ذا لقلت: له عشرون لا عبداً ولا عبدين فلا رجلٌ ولا رجلان توكيدٌ لكم لا للذي عمل فيه لأنه لو كان عليه كان محالاً وكان نقضاً. ومثل ذلك قولك للرجل: كم لك عبداً فيقول: عبدان أو ثلاثة أعبُدٍ حمل الكلام على ما حمل عليه كم ولم يُرد السائل من المسئول أن يفسّر له العدد الذي يسأل عنه إنما على السائل أن يفسر العدد حتى يجيبه المسئول عن العدد ثم يفسره بعد إن شاء فيعمل في الذي يفسر به العدد كما أعمل السائل كم في العبد ولو أراد المسئول عن ذلك أن ينصب عبداً أو عبدين على كم كان قد أحال كأنه يريد أن يجيب السائل بقوله: كم عبداً فيصير سائلاً. ومع ذلك أنه لا يجوز لك أن تُعمل كم وهي مضمرة في واحدٍ من الموضعين لأنه ليس بفعل ولا اسم أُخذ من الفعل ألا ترى أنه إذا قال المسئول عبدين أو ثلاثة أعبدٍ فنصب على كم أنه قد أضمر كم. وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن تقول: كم غلاماً لك ذاهبٌ تجعل لك صفةً للغلام وذاهباً خبراً لكم. ومن ذلك أن تقول: كم منكم شاهدٌ على فلان إذا جعلت شاهداً خبراً لكم وكذلك هو في الخبر أيضاً تقول: كم مأخوذٌ بك إذا أردت أن تجعل مأخوذاً بك في موضع لك إذا قلت: كم لك لأن لك لا تعمل فيه كم ولكنه مبنيٌّ عليها كأنك قلت كم رجلٍ لك وإن كان المعنيان مختلفين لأن معنى كم مأخوذٌ بك غير معنى كم رجلٍ لك ولا يجوز في رُبّ ذلك لأن كم اسمٌ وربّ غير اسم فلا يجوز أن تقول رُبّ رجلٌ لك.
هذا باب ما جرى مجرى كم في الاستفهام

وذلك قولك: له كذا وكذا درهماً وهو مبهمُ في الأشياء بمنزلة كم وهو كنايةٌ للعدد بمنزلة فلان إذا كنيتَ به في الأسماء وكقولك: كان من الأمر ذَيّةَ وذيةَ وذيتَ وذيتَ وكيتَ وكيتَ. وكذلك كأيّنْ رجلاً قد رأيتُ زعم ذلك يونس وكأيّن قد أتاني رجلاً. إلا أن أكثر العرب إنما يتكلمون بها مع مع مِن قال عزّ وجل: " وكأيّنْ مِن قريةٍ ". وقال عمرو بن شأس: وكائنْ رددنا عنكمُ مِن مُدجِجٍ يجيء أمام الألفِ يَردي مُقنّعا فإنما ألزموها مِن لأنها توكيد فجُعلت كأنها شيء يتم به الكلام وصار كالمثل. ومثل ذلك: ولاسيما زيدٍ فربّ توكيدٍ لازمٌ حتى يصير كأنه من الكلمة. وكأيّنْ معناها معنى رُبّ. وإن حذفتَ مِن وما فعربي. وقال: إن جرّها أحدٌ من العرب فعسى أن يجرّها بإضمار مِن كما جاز ذلك فيما ذكرنا في كم. وقال: كذا وكأيّن عملتا فيما بعدهما كعمل أفضلهم في رجل حين قلت: أفضلُهم رجلاً فصار أيٌّ وذا بمنزلة التنوين كما كان هُم بمنزلة التنوين. وقال الخليل رحمه الله كأنهم قالوا: له كالعدد درهماً وكالعدد من قرية. فهذا تمثيلٌ وإن لم يُتكلّم به. وإنما تجيء الكاف للتشبيه فتصير وما بعدها بمنزلة شيء واحد. من ذلك قولُك: كأن أدخلتَ الكاف على أنّ للتشبيه. إذا كانت منوّنة في الخبر والاستفهام وذلك ما كان من المقادير وذلك قولك: ما في السماء موضع كفّ سحاباً ولي مثلُه عبداً وما في الناس مثلُه فارساً وعليها مثلُها زُبداً. وذلك أنك أردت أن تقول: لي مثلُه من العبيد ولي ملؤه من العسل وما في السماء موضع كفّ من السحاب فحذف ذلك تخفيفاً كما حذفه من عشرين حين قال: عشرون درهماً وصارت الأسماء المضافُ إليها المجرورةُ بمنزلة التنوين ولم يكن ما بعدها من صفتها ولا محمولاً على ما حُملت عليه فانتصب بملءِ كفّ ومثلِه كما انتصب الدرهم بالعشرين لأن مثل بمنزلة عشرين والمجرور بمنزلة التنوين لأنه قد منع الإضافة كما منع التنوين. وزعم الخليل رحمه الله أن المجرور بدلٌ من التنوين ومع ذلك أنك إذا قلت لي مثلُه فقد أبهمتَ كما أنك إذا قلت لي عشرون فقد أبهمت الأنواع فإذا قلت درهماً فقد اختصصتَ نوعاً وبه يُعرَفُ من أي نوع ذلك العدد. فكذلك مثلُه هو مبهَم يقع على أنواع: على الشجاعة والفروسة والعبيد. فإذا قال عبداً فقد بيّن من أي أنواع المِثلُ. والعبدُ ضرب من الضروب التي تكون على مقدار المثل فاستخرج على المقدار نوعاً والنوع هو المِثل ولكنه ليس من اسمه والدرهم ليس من العشرين ولا من اسمه ولكنه ينصب كما تنصب العشرون ويُحذف من النوع كما يُحذف من نوع العشرين والمعنى مختلف. ومثل ذلك: عليه شعر كلبين دَيناً الشَّعر مقدارٌ. وكذلك: لي ملء الدار خيراً منك ولي خيرٌ منك عبداً ولي ملء الدار أمثالَك لأن خيراً منك نكرةٌ وأمثالك نكرةٌ. وإن شئت قلت: لي ملء الدار رجلاً وأنت تريد جميعاً فيجوز ذلك ويكون كمزلته في كم وعشرين. وإن شئت قلت: رجالاً فجاز عنده كما جاز عنده في كم حين دخل فيها معنى رُبّ لأن المقدار معناه مخالفٌ لمعنى كم في الاستفهام فجاز في تفسيره الواحد والجميع كما جاز في كم إذ دخلها معنى رُبّ كما تقول ثلاثةٌ أثواباً أي من ذا الجنس تجعله بمنزلة التنوين. ومثل ذلك: لا كزيدٍ فارساً إذا كان الفارسُ هو الذي سميته كأنك قلت: لا فارسَ كزيد فارساً. وقال كعب بن جعيل: لنا مِرفَدٌ سبعون ألف مُدجّج فهل في مَعدّ فوق ذلك مِرفدا كأنه قال: فهل في معدّ مرفدٌ فوق ذلك مرفداً. ومثل ذلك: تالله رجلاً كأنه أضمر تالله ما رأيتُ كاليوم رجلاً وما رأيت مثلَه رجلاً. وذلك قولك: ويحَه رجلاً ولله درُّه رجلاً وحسبُك به رجلاً وما أشبه ذلك. وإن شئت قلت: ويحَه من رجلٍ وحسبُك به من رجل ولله درُّه من رجل فتدخل من ههنا كدخولها في كم توكيداً. وانتصب الرجل لأنه ليس من الكلام الأول وعمل فيه الكلام الأول فصارت الهاء بمنزلة التنوين. ومع هذا أيضاً أنك إذا قلت وحيه فقد تعجّبت وأبهمتَ من أي أمور الرجل تعجّبت وأي الأنواع تعجبّت منه. فإذا قلت فارساً وحافظاً فقد اختصصت ولم تُبهم وبيّنت في أي نوع هو. ومثل ذلك قول عباس بن مرداس: ومُرةُ يحميهمْ إذا ما تبدّدوا ويطعنُهم شَزراً فأبرحْتَ فارسا فكأنه قال: فكفى بك فارساً وإنما يريد كفيتَ فارساً. ودخلتْه هذه الباء توكيداً. ومن ذلك قول الأعشى: تقول ابنتي حين جدّ الرحيلُ فأبْرحتَ رباً وأبرحتَ جارا ومثله: أكرمْ به رجلاً. وذلك لأنهم بدءوا بالإضمار لأنهم شرطوا التفسير وذلك نووا فجرى ذلك في كلامهم هكذا كما جرتْ إن بمنزلة الفعل الذي تقدّم مفعولُه قبل الفاعل فلزم هذا هذه الطريقة في كلامهم كما لزمتْ إن هذه الطريقة في كلامهم. وما انتصب في هذا الباب فإنه ينتصب كانتصاب ما انتصب في باب حسبُك به وويحه وذلك قولهم: نِعمَ رجلاً عبدُ الله كأنك قلت: حسبُك به رجلاً عبدُ الله لأن المعنى واحد. ومثل ذلك: رُبّه رجلاً كأنك قلت: ويحه رجلاً في أنه عمل فيما بعده كما عمل ويحه فيما بعده لا في المعنى. وحسبُك به رجلاً مثل نِعم رجلاً في العمل وفي المعنى وذلك لأنهما ثناء في استيجابهما المنزلة الرفيعة. ولا يجوز لك أن تقول نعمَ ولا رُبّه وتسكت لأنهم إنما بدؤوا بالإضمار على شريطة التفسير وإنما هو إضمار مقدّم قبل الاسم والإضمار الذي يجوز عليه السكوت نحو زيدٌ ضربتُه إنما أضمر بعد ما ذكر الاسم مظهراً فالذي تقدم من الإضمار لازمٌ له التفسير حتى يبيّنه ولا يكون في موضع الإضمار في هذا الباب مظهر. ومما يضمر لأنه يفسّره ما بعده ولا يكون في موضعه مظهرٌ قول العرب: إنه كِرامٌ قومُك وإنه ذاهبةٌ أمتُك. فالهاء إضمارُ الحديث الذي ذكرتَ بعد الهاء كأنه في التقدير - وإن كان لا يُتكلم به - قال: إن الأمر ذاهبةٌ أمتُك وفاعلةٌ فلانة فصار هذا الكلام كله خبراً للأمر فكذلك ما بعد هذا في موضع خبره. وأما قولهم: نعم الرجل عبد الله فهو بمنزلة: ذهب أخوه عبد الله عمل نِعم في الرجل ولم يعمل في عبدُ الله. وإذا قال: عبد الله نعمَ الرجلُ فهو بمنزلة: عبد الله ذهب أخوه كأنه قال نِعمَ الرجلُ فقيل له مَن هو فقال: عبد الله. وإذا قال عبدُ الله فكأنه فقيل له: ما شأنه فقال: نِعم الرجل. فنعمَ تكون مرة عاملةً في مضمر يفسّره ما بعده فتكون هي وهو بمنزلة ويحه ومثلَه ثم يعملان في الذي فسّر المضمر عمل مثله وويحه إذا قلت لي مثله عبداً. وتكون مرةً أخرى تعمل في مظهر لا تجاوزه. فهي مرة بمنزلة رُبّه رجلاً ومرة بمنزلة ذهب أخوه فتجري مجرى المضمر الذي قُدّم لما بعده من التفسير وسدّ مكانه لأنه قد بيّنه وهو نحو قولك: أزيداً ضربتَه. واعلم أنه محال أن تقول: عبد الله نعمَ الرجل والرجلُ غيرُ عبد الله كما أنه محال أن تقول عبد الله هو فيها وهو غيره. واعلم أنه لا يجوز أن تقول: قومُك نِعمَ صغارُهم وكبارهم إلا أن تقول: قومك نعمَ الصغار ونعم الكبار وقومُك نعمَ القومُ وذلك لأنك أردت أن تجعلهم من جماعات ومن أمم كلهم صالحٌ كما أنك إذا قلت عبدُ الله نعمَ الرجل فإنما تريد أن تجعله من أمةٍ كلهم صالح ولم ترد أن تعرّف شيئاً بعينه بالصلاح بعد نعمَ. ومثل ذلك قولك: عبدُ الله فارِهُ العبدِ فاره الدابة فالدابة لعبد الله ومن سببه كما أن الرجل هو عبد الله حين قلت عبدُ الله نعمَ الرجل ولست تريد أن تُخبر عن عبد بعينه ولا عن دابة بعينها وإنما تريد أن تقول إن في مِلكِ زيد العبدَ الفارِه والدابة الفارهة إذ لم ترد عبداً بعينه ولا دابةً بعينها. فالاسمُ الذي يظهر بعد نعمَ إذا كانت نِعمَ عاملةَ فيه الاسمُ الذي فيه الألف واللام نحو الرجل وما أضيف إليه وما أشبهه نحو غلام الرجل إذا لم ترد شيئاً بعينه. كما أن الاسم الذي يظهر في رُبّ قد يُبدأ بإضمار الرجل قبله حين قلت: رُبّه رجلاً لما ذكرتُ لك وتبدأ بإضمار الرجل في نعمَ لما ذكرتُ لك. فإنما منعك أن تقول نعمَ الرجلَ إذا أضمرتَ أنه لا يجوز أن تقول حسبُك به الرجل إذا أردت معنى حسبُك به رجلاً. ومن زعم أن الإضمار الذي في نعمَ هو عبد الله فقد ينبغي له أن يقول نعمَ عبد الله رجلاً وقد ينبغي له أن يقول: نعمَ أنت رجلاً فتجعل أنت صفةً للمضمَر. وإنما قبُح هذا المضمر أن يوصَف لأنه مبدوء به قبل الذي يفسّره والمضمَر المقدَّم قبل ما يفسّره لا يوصَف لأنه إنما ينبغي لهم أن يبيّنوا ما هو. فإن قال قائل: هو مضمر مقدّم وتفسيره عبد الله بدلاً منه محمولاً على نعمَ فأنت قد تقول عبد الله نعمَ رجلاً فتبدأ به ولو كان نعمَ يصير لعبد الله لما قلت عبدُ الله نعمَ الرجلُ فترفعه فعبد الله ليس من نعمَ في شيء والرجل هو عبدُ الله ولكنه منفصلٌ منه كانفصال الأخ منه إذا قلت: عبد الله ذهب أخوه. فهذا تقديره وليس معناه كمعناه. ويدلّك على أن عبد الله ليس تفسيراً للمضمَر أنه لا يعمل فيه نعمَ بنصبٍ ولا رفع ولا يكون عليها أبداً في شيء. واعلم أن نعمَ تؤنّث وتذكّر وذلك قولك: نعمتِ المرأةُ وإن شئت قلت: نعمَ المرأةُ كما قالوا ذهبَ المرأة. والحذفُ في نعمت أكثر. واعلم أنك لا تُظهر علامةَ المضمرين في نعمَ لا تقول: نِعْموا رجالاً يكتفون بالذي يفسّره كما قالوا مررتُ بكلٍّ. وقال الله عزّ وجلّ: " وكلٌّ آترهُ داخرين " فحذفوا علامة الإضمار وألزموا الحذف كما ألزموا نِعمَ وبئسَ الإسكان وكما ألزموا خُذ الحذف ففعلوا هذا بهذه الأشياء لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم. وأصلُ نعمَ وبئسَ: نعم وبئسَ وهما الأصلان اللذان وُضعا في الرّداءة والصلاح ولا يكونُ منهما فعلٌ لغير هذا المعنى. وأما قولهم: هذه الدار نعمتِ البلدُ فإنه لما كان البلد الدارَ أقحموا التاء فصار كقولك: مَن كانت أمَّك وما جاءت حاجتَك. ومن قال نعمَ المرأةُ قال نعمَ البلدُ وكذلك هذا البلد نعمَ الدارُ لما كانت البلد ذُكّرتْ. فلزم هذا في كلامهم لكثرته ولأنه صار كالمثَل كما لزمت التاء في ما جاءت حاجتَ. ومثل ذلك قول الشاعر وهو لبعض السّعديين: هل تعرفُ الدار يعفّيها المُورْ والدّجْنُ يوماً والعجاجُ المهمورْ لكلّ ريحٍ فيه ذيلٌ مسفورْ فقال فيه لأن الدارَ مكانٌ فحمله على ذلك. وزعم الخليل رحمه الله أن حبّذا بمنزلة حبّ الشيء ولكن ذا وحبّ بمنزلة كلمة واحدة نحو لولا وهو اسم مرفوع كما تقول: يا ابنَ عمَّ فالعمُّ مجرورٌ ألا ترى أنك تقول للمؤنّث حبّذا ولا تقول حبّذهِ لأنه صار مع حبّ على ما ذكرتُ لك وصار المذكّر هو اللازم لأنه كالمثَل. وسألتُه عن قوله: وهو الراعي: فأومأْتُ إيما خفيّاً لحبترٍ ولله عينا حبترٍ أيُّما فتى فقال: أيّما تكون صفةً للنكرة وحالاً للمعرفة وتكون استفهاماً مبنياً عليها ومبنية على غيرها ولا تكون لتبيين العدد ولا في الاستثناء نحو قولك أتَوْني إلا زيداً. ألا ترى أنك لا تقول: له عشرون أيّما رجلٍ ولا أتَوْني إلا أيّما رجلٍ فالنصبُ في: لي مثلُه رجلاً كالنصب في عشرين رجلاً. فأيّما لا تكون في الاستثناء ولا يختصّ بها نوع من الأنواع ولا يُفسَّر بها عدد. وأيّما فتى استفهامٌ. ألا ترى أنك تقول سُبحان الله مَن هو وما هو فهذا استفهام فيه معنى التعجب. ولو كان خبراً لم يجز ذلك لأنه لا يجوز في الخبر أن تقول مَن هو وتسكت. وأما أحدٌ وكَرّابٌ وأرمٌ وكَتيعٌ وعريبٌ وما أشبه ذلك فلا يقعن واجباتٍ ولا حالاً ولا استثناء ولا يُستخرج به نوعٌ من الأنواع فيعمل ما قبله فيه عمل عشرين في الدرهم إذا قلت عشرون درهماً ولكنهن يقعن في النفي مبنياً عليهن ومبنية على غيرهن. فمن ثم تقول: ما في الناس مثلُه أحدٌ حملتَ أحداً على مثل ما حملت عليه مثلاً. وكذلك ما مررت بمثلِك أحدٍ وقد فسّرنا لمَ ذلك. فهذه حالُها كما كانت تلك حال أيّما. فإذا قلت: له عسلٌ ملءُ جرّة وعليه دَينٌ شَعَرُ كلبين فالوجهُ الرفع لأنه وصفٌ. والنصب يجوز كنصب عليه مائةٌ بيضاً بعد التمام. وإن شئت قلت: لي مثلُه عبدٌ فرفعتَ. وهي كثيرة في كلام العرب. وإن شئت رفعتَه على فإذا قلت: عليها مثلُها زُبدٌ فإن شئت رفعت على البدل وإن شئت رفعت على قوله ما هو فتقول: زبدٌ أي هو زُبدٌ. ولا يكون الزبد صفةً لأنه اسم. والعبد يكون صفةً وتقول: هذا رجلٌ عبدٌ. وهو قبيح لأنه اسم.
هذا باب النداء

اعلم أن النداء كل اسم مضاف فيه فهو نصبٌ على إضمار الفعل المتروك إظهارُه. والمفرد رفعٌ وهو في موضع اسمٍ منصوب. وزعم الخليل رحمه الله أنهم نصبوا المضافَ نحو يا عبدَ الله ويا أخانا والنكرة حين قالوا: يا رجلاً صالحاً حين طال الكلام كما نصبوا: هو قبلَك وهو بعدَك. ورفعوا المفردَ كما رفعوا قبلُ وبعدُ وموضعهما واحد وذلك قولك: يا زيدُ ويا عمرو. وتركوا التنوين في المفرد كما تركوه في قبلُ. قلت: أرأيتَ قولهم يا زيدُ الطويلَ علامَ نصبوا الطويل قال: نُصب لأنه صفةٌ لمنصوب. وقال: وإن شئت كان نصباً على أعني. فقلت: أرأيتَ الرفعَ على أي شيء هو إذا قال يا زيدُ الطويلُ قال: هو صفةٌ لمرفوع. قلت: ألستَ قد زعمت أن هذا المرفوع في موضع نصبٍ فلمَ لا يكون كقوله لقيتُه أمس الأحدثَ قال: من قبل أن كل اسم مفرد في النداء مرفوع أبداً وليس كل اسم في موضع أمس يكون مجروراً فلما اطّرد الرفعُ في كل مفرد في النداء صار عندهم بمنزلة ما يرتفع بالابتداء أو بالفعل فجعلوا وصفَه إذا كان مفرداً بمنزلته. قلت: أفرأيت قول العرب كلهم: أزيدُ أخا ورقاءَ إن كنتَ ثائراً فقد عرضَتْ أحناءُ حقٍ فخاصمِ لأي شيء لم يجز فيه الرفعُ كما جاز في الطويل قال: لأن المنادى إذا وُصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان في موضعه ولو جاز هذا لقلت يا أخونا تريد أن تجعله في موضع المفرد وهذا لحنٌ. فالمضاف إذا وُصف به المنادى فهو بمنزلته إذا ناديته لأنه هنا وصفٌ لمنادى في موضع نصبٍ كما انتصب حيث كان منادى لأنه في موضع نصب ولم يكن فيه ما كان في الطويل لطوله. وقال الخليل رحمه الله: كأنهم لما أضافوا ردّوه إلى الأصل. كقولك: إن أمسَك قد مضى. وقال الخليل رحمه الله وسألته عن يا زيد نفسَه ويا تميمُ كلَّكم ويا قيسُ كلَّهم فقال: هذا كلّه نصبٌ كقولك: يا زيدُ ذا الجُمّة. وأما يا تميمُ أجمعون فأنته فيه بالخيار إن شئت قلت أجمعون وإن شئت قلت أجميعن ولا ينتصب على أعني من قبل أنه مُحال أن تقول أعني أجمعين. ويدلّك على أن أجمعين ينتصب لأنه وصفٌ لمنصوب قول يونس: المعنى في الرفع والنصب واحدٌ. وأما المضاف في الصفة فهو ينبغي له أن لا يكون إلا نصباً إذا كان المفردُ ينتصب في الصفة. قلت: أرأيت قول العرب: يا أخانا زيداً أقبل قال: عطفوه على هذا المنصوب فصار نصباً مثله وهو الأصل لأنه منصوب في موضع نصبٍ. وقال قوم: يا أخانا زيدُ. وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله: وهو قول أهل المدينة قال: هذا بمنزلة قولنا يا زيد كما كان قولُه يا زيدُ أخانا بمنزلة يا أخانا فيُحملُ وصفُ المضاف إذا كان مفرَداً بمنزلته إذا كان منادى. ويا أخانا زيداً أكثرُ في كلام العرب لأنهم يردّونه إلى الأصل حيث أزالوه عن الموضع الذي يكون فيه منادى كما ردوا ما زيدٌ إلا منطلقٌ إلى أصله وكما ردوا أتقولُ حين جعلوه خبراً إلى أصله. فأما المفرد إذا كان منادى فكلُ العرب ترفعه بغير تنوين وذلك لأنه كثُر في كلامهم فحذفوه وجعلوه بمنزلة الأصوات نحو حَوب وما أشبهه. وتقول: يا زيدُ زيدُ الطويل وهو قول أبي عمرو. وزعم يونس أن رؤبة كان يقول يا زيدُ زيداً الطويلَ. فأما قول أبي عمرو فعلى قولك: يا زيدُ الطويلٌ وتفسيره كتفسيره. وقال رؤبة: إني وأسطارٍ سُطِرنَ سطرا لَقائلٌ يا نصرُ نصراً نصرا وأما قول رؤبة فعلى أنه جعل نصراً عطفَ البيان ونصبَه كأنه على قوله يا زيدُ زيداً. وأما قول أبي عمرو فكأنه استأنف النداء. وتفسير يا زيدُ زيدُ الطويلُ كتفسير يا زيدُ الطويلُ فصار وصفُ المفرد إذا كان مفرداً بمنزلته لو كان منادى. وخالف وصف أمسِ لأن الرفع قد اطّرد في كل مفردٍ في النداء. وبعضُهم ينشد: ين نصرُ نصرُ نصرا وتقول: يا زيدُ وعمرو ليس إلا لأنهما قد اشتركا في النداء في قوله يا. وكذلك يا زيدُ وعبد الله ويا زيدُ لا عمرو ويا زيدُ أو عمرو لأن هذه الحروف تُدخل الرفعَ في الآخِر كما تدخل في الأول وليس ما بعدها بصفة ولكنه على يا. وقال الخليل رحمه الله من قال يا زيدُ والنّضْرَ فنصب فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التي يُردّ فيها الشيء إلى أصله. فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون: يا زيدُ والنضرُ. وقرأ الأعرج: " يا جِبالُ أوّبي معه والطيرُ ". فرفع. ويقولون: يا عمرو والحارثُ وقال الخليل رحمه الله: هو القياس كأنه قال: ويا حارثُ. ولو حمل الحارثُ على يا كان غيرَ جائز البتة نصب أو رفع من قبل أنك لا تنادي اسماً فيه الألفُ واللام بيا ولكنك أشركت بين النضر والأول في يا ولم تجعلها خاصة للنضر كقولك ما مررت وقال الخليل رحمه الله: ينبغي لمن قال النّضرَ فنصب لأنه لا يجوز يا النضرُ أن يقول: كلُّ نعجةٍ وسخلتها بدرهمٍ فينصب إذا أراد لغة من يجرّ لأنه محال أن يقول كل سخلتها وإنما جرّ لأنه أراد وكلُّ سخلةٍ لها. ورفع ذلك لأن قوله والنضرُ بمنزلة قوله ونضرُ وينبغي أن يقول: أيُّ فتى هيجاء أنتَ وجارَها لأنه محالٌ أن يقول وأيُّ جارِها. وينبغي أن يقول: رُبّ رجلٍ وأخاه. فليس ذا من قبل ذا ولكنها حروفٌ تُشرك الآخِر فيما دخل فيه الأول. ولو جاءت تلي ما وليه الاسم الأول كان غير جائز لو قلت: هذا فصيلها لم يكن نكرة كما كان هذه ناقة وفصيلها. وإذا كان مؤخَّراً دخل فيما دخل فيه الأول. وتقول: يا أيها الرجل وزيدُ ويا أيّها الرجلُ وعبدَ الله لأن هذا محمول على يا كما قال رؤبة: يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخدَنِ وتقول يا هذا ذا الجمة كقولك: يا زيدُ ذا الجمّة ليس بين أحدٍ فيه اختلاف.
باب لا يكون الوصف المفرد فيه إلا رفعاً

ولا يقع في موقعه غيرُ المفرد فأي ههنا فيما زعم الخليل رحمه الله كقولك يا هذا والرجل وصفٌ له كما يكون وصفاً لهذا. وإنما صار وصفه لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لا تستطيع أن تقول يا أيُّ ولا يا أيها وتسكت لأنه مبهَم يلزمه التفسيرُ فصار هو والرجل بمنزلة اسمٍ واحد كأنك قلت يا رجل. واعلم أن الأسماء المبهَمة التي توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام تُنزَل بمنزلة أي وهي هذا وهؤلاء وأولئك وما أشبهها وتوصَف بالأسماء. وذلك قولك يا هذا الرجلُ ويا هذان الرجلان. صار المبهَم وما بعده بمنزلة اسمٍ واحد. وليس ذا بمنزلة قولك يا زيدُ الطويل من قبل أنك قلت يا زيدُ وأنت تريد أن تقف عليه ثم خِفْتَ أن لا يُعرف فنعتّه بالطويل. وإذا قلت يا هذا الرجل فأنت لم ترد أن تقف على هذا ثم تصفه بعد ما تظن أنه لم يُعرف فمن ثم وُصفت بالأسماء التي فيها الألف واللام لأنها والوصف بمنزلة اسم واحد كأنك قلت: يا رجل. فهذه الأسماء المبهمة إذا فسرتها تصير بمنزلة أي كأنك إذا أردت أن تفسّرها لم يجزْ لك أن تقف عليها. وإنما قلت: يا هذا ذا الجمة لأن ذا الجمة لا توصف به الأسماء المبهمة إنما يكون بدلاً أو عطفاً على الاسم إذا أردت أن تؤكد كقولك: يا هؤلاء أجمعون وإنما أكدت حين وقفتَ على الاسم. والألف واللام والمبهَم يصيران بمنزلة اسم واحد يدلك على ذلك أن أي لا يجوز لك فيها أن تقول يا أيها ذا الجُمّة. فالأسماء المبهمة توصَف بالألف واللام ليس إلا ويفسَّر بها ولا توصَف بما يوصف به غير المبهمة ولا تفسَّر بما يفسّر به غيرها إلا عطفاً. ومثل ذلك قول الشاعر وهو ابن لَوذان السدوسي: يا صاح يا ذا الضامر العنْس والرّحْلِ ذي الأنساع والحِلسِ ومثله قول ابن الأبرص: يا ذا المخوّفُنا بمقتل شيخِه حُجرٍ تمني صاحبِ الأحلامِ ومثله يا ذا الحسن الوجه. وليس ذا بمنزلة يا ذا ذا الجمة من قبل أن الضامر العنسِ والحسن الوجه كقولك: يا ذا الضامر ويا ذا الحسن وهذا المجرور ها هنا بمنزلة المنصوب إذا قلت يا ذا الحسن الوجه ويا ذا الحسنُ وجهاً. ويدلك على أنه ليس بمنزلة ذي الجمة أن ذا معرفة بالجمة والضامرُ والحسن ليس واحدٌ منهما معرفةً بما بعده ولكن ما بعده تفسيرٌ لموضع الضمور والحُسن إذا أردت أن لا تُبهمهما. فكلّ واحد من المواضع من سبب الأول لا يكونان إلا كذلك. فإذا قلت الحسن فقد عمّمتَ. فإذا قلت الوجهِ فقد اختصصت شيئاً منه. وإذا قلت الضامرُ فقد عمّمت وإذا قلت العنس فقد اختصصتَ شيئاً من سببه كما اختصصت ما كان منه وكأن العنسَ شيءٌ منه فصار هذا تبييناً لموضع ما ذكرتَ كما صار الدرهمُ يبيَّن به ممّ ولو قلت: يا هذا الحسن الوجه لقلت يا هؤلاء العشرين رجلاً وهذا بعيد فإنما هو بمنزلة الفعل إذا قلت يا هذا الضارب زيداً ويا هذا الضارب الرجلَ كأنك قلت يا هذا الضارب وذكرت ما بعده لتبيّن موضع الضرب ولا تبهمه ولم يُجعَل معرفةً بما بعده. ومن ثم كان الخليل يقول: يا زيد الحسنُ الوجه قال: هو بمنزلة قولك يا زيدُ الحسن. ولو لم يجز فيما بعد زيد الرفع لما جاز في هذا كما أنه إذا لم يجز يا زيد ذو الجمة لم يجز يا هذا ذو الجمة. وقال الخليل رحمه الله: إذا قلت يا هذا وأنت تريد أن تقف عليه ثم تؤكده باسم يكونُ عطفاً عليه فأنت فيه بالخيار: إن شئت رفعت وإن شئت نصبت وذلك قولك يا هذا زيد وإن شئت قلت زيداً يصير كقولك: يا تميم أجمعون وأجمعين. وكذلك يا هذان زيدٌ وعمرو وإن شئت قلت زيداً وعمراً فتُجري ما يكون عطفاً على الاسم مُجرى ما يكون وصفاً نحو قولك: يا زيدُ الطويلُ ويا زيدُ الطويلَ. وزعم لي بعض العرب أن يا هذا زيدٌ كثير في كلام طيّء. ويقوّي يا زيد الحسنُ الوجه - ولا تلتفتْ فيه إلى الطول - أنك لا تستطيع أن تناديه فتجعله وصفاً مثلَه منادى. واعلم أن هذه الصفات التي تكون والمبهمة بمنزلة اسم واحد إذا وُصفت بمضاف أو عُطف على شيء منها كان رفعاً من قبل أنه مرفوع غيرُ منادى. واطّرد الرفع في صفات هذه المبهمة كاطراد الرفع في صفاتها إذا ارتفعت بفعلٍ أو ابتداء أو تبنى على مبتدأ فصارت بمنزلة صفاتها إذا كانت في هذه الحال. كما أن الذين قالوا يا زيدُ الطويل جعلوا زيداً مبنزلة ما يرتفع بهذه الأشياء الثلاثة. فمن ذلك قول الشاعر: يا أيها الجاهلُ ذو التنزّي وتقول: يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ وإنما تنوّن لأنه موضعٌ يرتفع فيه المضاف وإنما يُحذف منه التنوين إذا كان في موضع ينتصب فيه المضاف. وتقول: يا زيدُ الطويلُ ذو الجمة إذا جعلته صفةً للطويل وإن حملته على زيد نصبت. فإذا قلت يا هذا الرجلُ فأردتَ أن تعطف ذا الجمة على هذا جاز فيه النصب ولا يجوز ذلك في أي لأنه لا تعطف عليه الأسماء. ألا ترى أنك لا تقول: يا أيها ذا الجمة فمن ثم لم يكن مثله. وأما قولك يا أيها ذا الرجل فإن ذا وصفٌ لأي كما كان الألف واللام وصفاً لأنه مبهَم مثله فصار صفةً له كما صار الألف واللام وما أضيف إليهما صفةً للألف واللام وذلك نحو قولك: مررتُ بالحسن الجميل وبالحسن ذي المال. وقال ذو الرمة: ألا أيها ذا المنزلُ الدارس الذي كأنك لم يعهد بك الحيَّ عاهدُ ومن قال يا زيدُ الطويلَ قال ذا الجمّة لا يكون فيه غيرُ ذلك إذا جاء بها من بعد الطويل. وإن رفع الطويلَ وبعده ذو الجمة كان فيه الوجهان. وتقول: يا زيدُ النّاكي العدوَّ وذا الفضل إن حملتَ ذا الفضل على زيد نصبتَ لأنه وصفٌ لمنادى وهو مضاف. وإن حملته على غير زيد انتصب على يا كأنك قلت: ويا ذا الفضل.
هذا باب ما ينتصب على المدح والتعظيم أو الشتم

لأنه لا يكون وصفاً للأول ولا عطفاً عليه وذلك قولك: يا أيها الرجل وعبدَ الله المسلمَين الصالحَين. وهذا بمنزلة قولك: اصنعْ ما سرّ أباك وأحبّ أخوك الرجلين الصالحين. فإذا قلت يا زيد وعمرو ثم قلت الطويلين فأنت بالخيار إن شئت نصبت وإن شئت رفعت لأنه بمنزلة قولك يا زيدُ الطويلُ. وتقول: يا هؤلاء وزيدُ الطّوالُ والطوالَ لأنه كله رفعٌ والطوالُ ها هنا رفع عطف عليهم. وتقول: يا هذا ويا هذان الطوالَ وإن شئت قلت الطوالُ لأن هذا كله مرفوع والطوالُ ههنا عطفٌ وليس الطوالُ بمنزلة يا هؤلاء الطوالُ لأن هذا إنما هو من وصف غير المبهَمة. وإنما فرقوا بين العطف والصفة لأن الصفة تجيء بمنزلة الألف واللام كأنك إذا قلت مررتُ بزيدٍ أخيك فقد قلت مررتُ بزيد الذي تعلم. وإذا قلت مررت بزيد هذا فقد قلت بزيدٍ الذي ترى أو الذي عندك. وإذا قلت مررتُ بقومك كلهم فأنت لا تريد أن تقول مررتُ بقومك الذين من صفتهم كذا وكذا ولا مررتُ بقومك الهَنينَ. وعلى هذا المثال جاء مررتُ بأخيك زيدٍ فليس زيدٌ بمنزلة الألف واللام. ومما يدلك على أنه ليس بمنزلة الألف واللام أنه معرفةٌ بنفسه لا بشيء دخل فيه ولا بما بعده. فكل شيء جاز أن يكون هو والمبهَم بمنزلة اسم واحد هو عطفٌ عليه. وإنما جرت المبهَمة هذا المجرى لأن حالها ليس كحال غيرها من الأسماء. وتقول يا أيها الرجلُ وزيدُ الرجلين الصالحين من قبل أن رفعهما مختلف وذلك أن زيداً على النداء والرجل نعت ولو كان بمنزلته لقلت يا زيدُ ذو الجُمة كما تقول يا أيها الرجل ذو الجمة. وهو قول الخليل رحمه الله. واعلم أنه لا يجوز لك أن تنادي اسماً فيه الألف واللام البتة إلا أنهم قد قالوا: يا الله اغفِر لنا وذلك من قبل أنه اسمٌ يلزمه الألف واللام لا يفارقانه وكثر في كلامهم فصار كأن الألف واللام فيه بمنزلة الألف واللام التي من نفس الحروف وليس بمنزلة الذي قال ذلك من قبل أن الذي قال ذلك وإن كان لا يفارقه الألف واللام ليس اسماً بمنزلة زيد وعمرو غالباً. ألا ترى أنك تقول يا أيها الذي قال ذاك ولو كان اسماً غالباً بمنزلة زيد وعمرو لم يجز ذا فيه وكأن الاسم والله أعلمُ إلهٌ فلما أُدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف وصارت الألف واللام خلَفاً منها. فهذا أيضاً مما يقوّيه أن يكون بمنزلة ما هو من نفس الحرف. ومثل ذلك أناسٌ فإذا أدخلت الألف واللام قلت الناس إلا أن الناس قد تفارقهم الألف واللام ويكون نكرة واسمُ الله تبارك وتعالى لا يكون فيه ذلك. وليس النّجم والدبرانُ بهذه المنزلة لأن هذه الأشياء الألف واللام فيها بمنزلتها في الصّعق وهي في اسم الله تعالى بمنزلة شيء غير منفصل في الكلمة كما كانت الهاء في الجحاجحة بدلاً من الياء وكما كانت الألف في يَمانٍ بدلاً من الياء. وغيّروا هذا لأن الشيء إذا كثُر في كلامهم كان له نحوٌ ليس لغيره مما هو مثلُه. ألا ترى أنك تقول: لم أكُ ولا تقول لم أقُ إذا أردت أقُلْ. وتقول: لا أدرِ كما تقول: هذا قاضٍ وتقول لم أُبَل ولا تقول لم أرَمْ تريد لم أُرامِ. فالعرب مما يغيرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره. وقال الخليل رحمه الله: اللهم نداءٌ والميمُ ها هنا بدلٌ من يا فهي ها هنا فيما زعم الخليل رحمه الله آخرَ الكلمة بمنزلة يا في أولها إلا أن الميم ها هنا في الكلمة كما أن نون المسلمين في الكلمة بُنيت عليها. فالميم في هذا الاسم حرفان أولُهما مجزومٌ والهاء مرتفعةٌ لأنه وقع عليها الإعراب. وإذا ألحقتَ الميم تصف الاسم من قبل أنه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوتٍ كقولك: يا هناهْ. وأما قوله عز وجلّ: " اللهمّ فاطرَ السموات والأرض " فعلى يا فقد صرّفوا هذا الاسم على وجوه لكثرته في كلامهم ولأن له حالاً ليست لغيره. وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت: يا أيها وصار الاسم بينهما كما صار هو بين ها وذا إذا قلت ها هو ذا. وقال الشاعر: من أجلك يا التي تيّمتِ قلبي وأنت بخيلةٌ بالودّ عني شبّهه بيا الله. وزعم الخليل رحمه الله أن الألف واللام إنما منعهما أن يدخلا في النداء من قبل أن كل اسم في النداء مرفوع معرفة. وذلك أنه إذا قال يا رجل ويا فاسقُ فمعناه كمعنى يا أيها الفاسقُ ويا أيها الرجل وصار معرفةً لأنك أشرت إليه وقصدت قصدَه واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التي هي للإشارة نحو لهذا وما أشبه ذلك وصار معرفةً بغير ألف ولام لأنك إنما قصدت قصدَ شيء بعينه. وصار هذا بدلاً في النداء من الألف واللام واستُغني به عنهما كما استغنيت بقولك اضربْ عن لتضربْ وكما صار المجرور بدلاً من التنوين وكما صارت الكاف في رأيتك بدلاً من رأيتُ إياكَ. وإنما يُدخلون الألف واللام ليعرّفوك شيئاً بعينه قد رأيتَه أو سمعت به فإذا قصدوا قصد الشيء بعينه دون غيره وعنوه ولم يجعلوه واحداً من أمة فقد استغنوا عن الألف واللام. فمن ثم لم يُدخلوهما في هذا ولا في النداء. ومما يدلك على أن يا فاسقُ معرفة قولك: يا خباثِ ويا لَكاعِ ويا فساقِ تريد يا فاسقةُ ويا خبيثةُ ويا لَكعاءُ فصار هذا اسماً لهذا كما صارت جَعار اسماً للضّبُع وكما صارت حَذام ورقاش اسماً للمرأة وأبو الحارث اسماً للأسد. ويدلك على أنه اسم للمنادى أنهم لا يقولون في غير النداء جاءتني خَباثِ ولَكاعِ ولا لُكَع ولا فُسَقُ. فإنما اختُصّ النداء بهذا الاسم أن الاسم معرفة كما اختُص الأسد بأبي الحارث إذ كان معرفة. ولو كان شيء من هذا نكرةً لم يكن مجروراً لأنها لا تُجرّ في النكرة. ومن هذا النحو أسماء اختُص بها الاسم المنادى لا يجوز منها شيء في غير النداء نحو: يا ويقوّي ذلك كله أن يونس زعم أنه سمع من العرب من يقول: يا فاسقُ الخبيثُ. ومما يقوّي أنه معرفة تركُ التنوين فيه لأنه ليس اسمٌ يشبه الأصوات فيكون معرفةً إلا لم ينوّن وينوّن إذا كان نكرة. ألا ترى أنهم قالوا هذا عمرَوَيْهِ وعمرَوَيهٍ آخرُ. وقال الخليل رحمه الله: إذا أردت النكرة فوصفتَ أو لم تصف فهذه منصوبة لأن التنوين لحقها فطالت فجُعلت بمنزلة المضاف لما طال نُصب ورُدّ إلى الأصل كما فُعل ذلك بقبلُ وبعدُ. وزعموا أن بعض العرب يصرف قبلاً وبَعْداً فيقول: ابدأ بهذا قَبلاً فكأنه جعلها نكرة. فإنما جعل الخليل رحمه الله المنادى بمنزلة قبل وبعد وشبّهه بهما مفردين إذا كان مفرداً فإذا طال وأضيف شبّهه بهما مضافين إذا كان مضافاً لأن المفرد في النداء في موضع نصبٍ كما أن قبلُ وبعدُ قد يكونان في موضع نصب وجرّ ولفظُهما مرفوع فإذا أضفتهما رددتَهما إلى الأصل. وكذلك نداء النكرة لما لحقها التنوين وطالت صارت بمنزلة المضاف. وقال ذو الرمّة: أداراً بحُزوى هِجْتِ للعين عَبرةً فماءُ الهوى يرفَضُّ أو يترقْرَق وقال الآخر توبةُ بن الحُميّر: لعلك يا تيساً نزا في مريرةٍ مُعذّبُ ليلى أن تراني أزورها وقال عبدُ يغوث: وأما قول الطّرِمّاح: يا دارُ أقوت بعدَ أصرامِها عاماً وما يعنيك من عامها فإنما ترك التنوين فيه لأنه لم يجعل أقوَتْ من صفة الدار ولكنه قال: يا دارُ ثم أقبل بعدُ يحدّث عن شأنها فكأنه لما قال: يا دارُ أقبل على إنسان فقال: أقوتْ وتغيّرتْ وكأنه لما ناداها قال: إنها أقوتْ يا فلان. وإنما أردت بهذا أن تعلم أن أقوتْ ليس بصفة. ومثل ذلك قول الأحوص: يا دارُ حسرَها البِلى تحسيراً وسَفتْ عليها الريحُ بعدكَ مُورا وأما قول الشاعر لعمرو بن قنعاس: ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ ولولا حبُّ أهلك ما أتيتُ فإنه لم يجعل بالعلياء وصفاً ولكنه قال: بالعلياء لي بيتٌ وإنما تركتُه لك أيها البيت لحبّ أهله. وأما قول الأحوص: سلامُ الله يا مطرٌ عليها وليس عليكَ يا مطرُ السلامُ فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف لأنه بمنزلة اسم لا ينصرف وليس مثل النكرة لأن التنوين لازمٌ للنكرة على كل حال والنصبَ. وهذا بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين اضطراراً لأنك أردت في حال التنوين في مطرٍ ما أردت حين كان غير منوّن ولو نصبتَه في حال التنوين لنصبته في غير حال التنوين ولكنه اسم اطّرد الرفعُ فيه وفي أمثاله في النداء فصار كأنه يُرفع بما يرفع من الأفعال والابتداء فلما لحقه التنوين اضطراراً لم يغيَّر رفعه كما لا يغيّر رفع ما لا ينصرف إذا كان في موضع رفع لأن مطراً وأشباهه في النداء بمنزلة ما هو في موضع رفع فكما لا ينتصب ما هو في موضع رفع كذلك لا ينتصب هذا. وكان عيسى بن عمر يقول يا مطراً يشبّه بقوله يا رجلاً يجعله إذا نُوّن وطال كالنكرة. ولم نسمع عربياً يقوله وله وجه من القياس إذا نُوّن وطال كالنكرة. ويا عشرين رجلاً كقولك: يا ضارباً رجلاً.
هذا باب ما يكون الاسمُ والصفة فيه بمنزلة اسم واحد

ينضمّ فيه قبل الحرف المرفوع حرفٌ وينكسر فيه قبل الحرف المجرور الذي ينضمّ قبل المرفوع وينفتح فيه قبل المنصوب ذلك الحرف. وهو ابْنُمٌ وامرؤٌ. فإن جررت قلت: في ابنِمٍ وامرئٍ وإن ومثل ذلك قولك: يا زيدَ بنَ عمرو. وقال الراجز وهو من بني الحِرماز: يا حكمَ بن المنذرِ بنِ الجارودْ وقال العجّاج: يا عمرَ بنَ معمرٍ لا منتَظَرْ وإنما حملهم على هذا أنهم أنزلوا الرّفعة التي في قولك زيد بمنزلة الرفعة في راء امرئ والجرّة بمنزلة الكسرة في الراء والنصبة كفتحة الراء وجعلوه تابعاً لابن. ألا تراهم يقولون: هذا زيدُ بنُ عبد الله ويقولون: هذه هندُ بنتُ عبد الله فيمن صرف فتركوا التنوين ها هنا لأنهم جعلوه بمنزلة اسم واحد لمّا كثُر في كالمهم فكذلك جعلوه في النداء تابعاً لابن. وأما مَن قال: يا زيدُ بنَ عبد الله فإنه إنما قال هذا زيدُ بنُ عبد الله وهو لا يجعله اسماً واحداً وحذف التنوين لأنه لا ينجزم حرفان. فإن قلت: هلا قالوا: هذا زيدُ الطويلُ فإن القول فيه أن تقول جُعل هذا لكثرته في كلامهم بمنزلة قولهم: لَدُ الصلاة حذفها لأنه لا ينجزم حرفان ولم يحرّكها. واختُصّ هذا الكلام بحذف التنوين لكثرته كما اختُصّ لا أدرِ ولم أُبَلْ لكثرتهما. ومن جعله بمنزلة لَدُنْ فحذفه لالتقاء الساكنين ولم يجعله بمنزلة اسم واحد قال: هذه هندٌ بنتُ فلان. وأما زيدُ ابنَ أخينا فلا يكون إلا هكذا من قبل أنك تقول: هذا زيدٌ ابنُ أخينا فلا تجعله اسماً واحداً كما تقول هذا زيدٌ أخونا. وزيدٌ في قولك يا زيدُ بنَ عمرو في موضع نصب كما أن الأم في موضع جرّ في قولك: يا ابنَ أمَّ ولكنه لفظه كما ذكرت لك وهو على الأصل.
باب يكرر فيه الاسم في حال الإضافة ويكون الأول بمنزلة الآخر

وذلك قولك: يا زيدَ زيدَ عمرٍو ويا زيدَ زيدَ أخينا ويا زيدَ زيدَنا. زعم الخليل رحمه الله ويونس أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة. وقال جرير: يا تَيْمَ تيمَ عَديّ لا أبا لكمُ لا يُلقيَنّكمُ في سَودةٍ عمرُ وقال بعض ولدِ جرير: يا زيدَ زيدَ اليَعْمَلاتِ الذُّبَّلِ وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصباً فلما كرروا الاسمَ توكيداً تركوا الأول على الذي كان يكون عليه لو لم يكرروا. وقال الخليل رحمه الله: هو مثلُ لا أبالك قد علم أنه لو لم يجئ بحرف الإضافة قال أباكَ فتركه على حاله الأولى واللام وها هنا بمنزلة الاسم الثاني في قوله: يا تيمَ تيمَ عديّ وكذلك قول الشاعر إذا اضطُرّك يا بؤسَ للحَرب إنما يريد: يا بؤسَ الحرب. وكأن الذي يقول: يا تيمَ تيم عَديّ لو قاله مضطَرّاً على هذا الحد في الخبر لقال: هذا تيمُ تيمُ عديّ. قال: وإن شئت قلت يا تيمُ تيمُ عديّ كقولك: يا تيمُ أخانا لأنك تقول هذا تيمٌ تيمُ عدي كما تقول: هذا تيمٌ أخونا. وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم: يا طلحةَ أقبلْ يشبه: يا تسمَ تيمَ عديّ من قبل أنهم قد علموا أنهم لو لم يجيئوا بالهاء لكان آخرُ الاسم مفتوحاً فلما ألحقوا الهاء تركوا الاسم على حاله التي كان عليها قبل أن يُلحقوا الهاء. وقال النابغة الذبياني: كليني لهمّ يا أميمةَ ناصبِ وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكبِ فصار يا تيمَ تيمَ عدي اسما واحداً وكان الثاني بمنزلة الهاء في طلحة تحذف مرة ويجاء بها أخرى. والرفع في طلحة ويا تيمُ تيمَ عدي القياس. واعلم أه لا يجوز في غير النداء أن تُذهب التنوين من الاسم الأول لأنهم جعلوا الأول والآخِر بمنزلة اسم واحد نحو طلحةَ في النداء واستخفوا بذلك لكثرة استعمالهم إياه في النداء ولا يُجعل بمنزلة ما جُعل من الغايات كالصوت في غير النداء لكثرته في كلامهم. ولا يُحذف هاء طلحة في الخبر فيجوز هذا في الاسم مكرّراً يعني طرح التنوين من تيمٍ تيمِ عدي في الخبر. يقول: لو فُعل هذا بطلحة جاز هذا. وإنما فعلوا هذا بالنداء لكثرته في كلامهم ولأن أول الكلام أبداً النداء إلا أن تدعه استغناء بإقبال المخاطَب عليك فهو أول كلّ كلام لك به تعطف المكلَّم عليك فلما كثر وكان الأول في كل موضع حذفوا منه تخفيفاً لأنهم مما يغيّرون الأكثر في كلامهم حتى جعلوه بمنزلة الأصوات وما أشبه الأصوات من غير الأسماء المتمكنة ويحذفون منه كما فعلوا في لم أُبَلْ. وربما ألحقوا فيه كقولهم: أمّهات. ومن قال يا زيدُ الحسنُ قال يا طلحةَ الحسنُ لأنها كفتحة الحاء إذا حذفت الهاء. ألا ترى أن من قال يا زيدُ الكريمُ قال يا سلَمَ الكريمُ.
باب إضافة المنادى إلى نفسك

اعلم أن ياء الإضافة لا تثبت مع النداء كما لم يثبت التنوين في المفرد لأن ياء الإضافة في الاسم بمنزلة التنوين لأنها بدل من التنوين ولأنه لا يكون كلاماً حتى يكون في الاسم كما أن التنوين إذا لم يكن فيه لا يكون كلاماً فحُذف وتُرك آخرُ الاسم جراً ليُفصَل بين الإضافة وغيرها وصار حذفها هنا لكثرة النداء في كلامهم حيث استغنوا بالكسرة عن الياء. ولم يكونوا ليثبتوا حذفها إلا في النداء ولم يكن لُبسٌ في كلامهم لحذفها وكانت الياء حقيقةً بذلك لما ذكرتُ لك إذ حذفوا ما هو أقل اعتلالاً في النداء وذلك قولك: يا مومِ لا بأسَ عليكم وقال الله جلّ ثناؤه: " يا عبادِ فاتّقونِ ". وبعض العرب يقول: يا رَبُّ اغفِرْ لي ويا قومُ لا تفعلوا. وثباتُ الياء فيما زعم يونس في الأسماء. واعلم أن بقيان الياء لغة في النداء في الوقف والوصل تقول: يا غلامي أقبل. وكذلك إذا وقفوا. وكان أبو عمرو يقول: " يا عبادي فاتّقونِ ". وقال الراجز وهو عبد الله بن عبد الأعلى القرشي: وكنت إذ كنتَ إلهي وَحْدَكا لم يكُ شيء يا إلهي قبلكا وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخفّ وسنبين ذلك إن شاء الله وذلك قولك: يا ربّا تجاوز عنّا ويا غلاما لا تفعل. فإذا وقفت قلت: يا غُلاماه. وإنما ألحقتَ الهاء ليكون أوضح وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم: يا أبَهْ ويا أبَتِ لا تفعلْ ويا أبتاه ويا أمّتاه فزعم الخليل رحمه الله أن هذه الهاء مثل الهاء في عمةٍ وخالة. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع من العرب من يقول: يا أمةُ لا تفعلي. ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة وخالة أنك تقول في الوقف: يا أمّه ويا أبَهْ كما تقول يا خالَهْ. وتقول: يا أمّتاهْ كما تقول يا خالتاهْ. وإنما يُلزمون هذه الهاء في النداء إذا أضفتَ إلى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضاً من حذف الياء وأرادوا أن لا يخلّوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف الياء وأنهم لا يكادون يقولون يا أباهْ ويا أمّاه وهي قليلة في كلامهم وصار هذا محتملاً عندهم لما دخل النداء من التغيير والحذف فأرادوا أن يعوّضوا هذين الحرفين كما قالوا أيْنُقٌ لما حذفوا العين رأساً جعلوا الياء عوضاً فلما ألحقوا الهاء في أبَهْ وأمّهْ صيّروها بمنزلة الهاء التي تلزم الاسم في كل موضع نحو خالة وعمة. واختُصّ النداء بذلك لكثرته في كلامهم كما اختُصّ النداء بيا أيها الرجلُ. ولا يكون هذا في غير النداء لأنهم جعلوها تنبيهاً فيها بمنزلة يا. وأكدوا التنبيه ب ها حين جعلوا يا مع ها فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي ولزمه التفسير. قلت: فلمَ دخلت الهاء في الأب وهو مذكّر. قال: قد يكون الشيء المذكّر يوصَف بالمؤنث ويكون الشيء المذكّر له الاسم المؤنّث نحو نَفْس وأنت تعني الرجل به. ويكون الشيء المؤنث يوصَف بالمذكر وقد يكون الشيء المؤنث له الاسم المذكر. فمن ذلك: هذا رجلٌ ربْعةٌ وغلامٌ يَفَعةٌ. فهذه الصفات. والأسماء قولهم: نَفْسٌ وثلاثة أنفس وقولهم ما رأيت عيناً يعني عين القوم. فكأن أبَهْ اسم مؤنث يقع للمذكر لأنهما والدان كما تقع العين للمذكر والمؤنث لأنهما شخصان. فكأنهم إنما قالوا أبوان لأنهم جمعوا بين أبٍ وأبةٍ إلا أنه لا يكون مستعمَلاً إلا في النداء إذا عنيت المذكّر. واستغنوا بالأم في المؤنث عن أبة وكان ذلك عندهم في الأصل على هذا فمن ثم جاءوا عليه بالأبوين وجعلوه في غير النداء أباً بمنزلة الوالد وكأن مؤنثه أبةٌ كما أن مؤنث الوالد والدة. ومن ذلك أيضاً قولك للمؤنث: هذه امرأةٌ عَدْلٌ. ومن الأسماء فرَسٌ هو للمذكّر فجعلوه لهما وكذلك عدْل وما أشبه ذلك. وحدّثنا يونس أن بعض العرب يقول: يا أمَّ لا تفعلي جعلوا هذه الهاء بمنزلة هاء طلحة إذ قالوا: يا طلحَ أقبلْ لأنهم رأوها متحركةً بمنزلة هاء طلحة فحذفوها ولا يجوز ذلك في غير الأم من المضاف. وإنما جازت هذه الأشياء في الأب والأم لكثرتهما في النداء كما قالوا: يا صاح في هذا الاسم. وليس كل شيء يكثر في كلامهم يغيَّر عن الأصل لأنه ليس بالقياس عندهم فكرهوا ترك الأصل.
باب ما تضيف إليه ويكون مضافاً إليك قبل المضاف إليه وتثبت فيه الياء لأنه غير منادى وإنما هو بمنزلة المجرور في غير النداء

فذلك قولك: يا ابنَ أخي ويا ابنَ أبي يصير بمنزلته في الخبر. وكذلك يا غلامَ غلامي. وقال الشاعر أبو زُبيد الطائي: يا ابنَ أمي ويا شُقَيّقَ نفسي ** أنت خلّيتني لدهرٍ شديدِ وقالوا: يا ابنَ أمَّ ويا ابن عمَّ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثرُ في كلامهم من يا ابنَ أبي ويا غلامَ غلامي. وقد قالوا أيضاً: يا ابنَ أمِّ ويا ابنَ عمّ كأنهم جعلوا الأول والآخر اسماً ثم أضافوا إلى الياء كقولك: يا أحدَ عشرَ أقبلوا. وإن شئت قلت: حذفوا الياء لكثرة هذا في كلامهم. وعلى هذا قال أبو النجم: واعلم أن كل شيء ابتدأتُه في هذين البابين أولاً فهو في القياس. وجميع ما وصفناه من هذه اللغات سمعناه من الخليل رحمه الله ويونس عن العرب.
باب ما يكون النداء فيه مضافاً إلى المنادى بحرف الإضافة

وذلك في الاستغاثة والتعجب وذلك الحرفُ اللامُ المفتوحة وذلك قول الشاعر وهو مهلهل: يا لَبكرٍ أنشِروا لي كُليباً ** ويا لَبكرٍ أينَ أينَ الفرارُ فاستغاث بهم ليُنشروا له كُليباً. وهذا منه وعيد وتهدّد. وأما قوله يا لَبكرٍ أين أين الفرار فإنما استغاث بهم لهم أي لمَ تفرّون استطالةً عليهم ووعيداً. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي: ألا يا لَقوم لطيف الخيال ** أرّق من نازح ذي دلال وقال قيس بن ذريح: تكنّفني الوُشاةُ فأزعجوني ** فيا لَلناس للواشي المطاعِ وقالوا يا لله يا لَلناس إذا كانت الاستغاثة. فالواحد والجميع فيه سواء. وقال الآخر: ويا لَعطّافنا ويا لَرياح ** وأبي الحشرجِ الفتى النّفّاحِ ألا تراهم كيف سوّوا بين الواحد والجميع. وأما في التعجّب فقوله وهو فرّار الأسدي: لَخُطّابُ لَيلى يا لَبُرثنَ منكمُ ** أدلُّ وأمضى من سُليك المقانبِ وقالوا: يا لَلعجب ويا لَلفليقة كأنهم رأوا أمراً عجباً فقالوا: يا لَبُرثن أي مثلكم دُعي للعظائم. وقالوا: يا لَلعجب ويا لَلماء لما رأوا عجباً أو رأوا ماء كثيراً كأنه يقول: تعالَ يا عجبُ أو تعال يا ماء فإنه من أيامك وزمانك. ومثل ذلك قولهم: يا لَدواهي أي تعالينَ فإنه لا يُستنكر لكنّ لأنه من إبّانكنّ وأحيانكن. وكل هذا في معنى التعجب والاستغاثة وإلا لم يجز. ألا ترى أنك لو قلت يا لَزيد وأنت تحدثه لم يجز. ولم يلزم في هذا الباب إلا يا للتنبيه لئلا تلتبس هذه اللام بلام التوكيد كقولك: لَعمرو خيرٌ منك. ولا يكون مكان يا سواها من حروف التنبيه نحو أي وهَيا وأيا لأنهم أرادوا أن يميزوا هذا من ذلك الباب الذي ليس فيه معنى استغاثة ولا تعجب. وزعم الخليل رحمه الله أن هذه اللام بدلٌ من الزيادة التي تكون في آخر الاسم إذا أضفتَ نحو قولك: يا عجَباه ويا بَكراه إذا استغثتَ أو تعجّبت. فصار كلُ واحد منهما يعاقب صاحبَه كما كانت هاء الجحاجحة معاقبةً ياء الجحاجيح وكما عاقبت الألف في يمانٍ الياء في يَمَني. ونحو هذا في كلامهم كثير وستراه إن شاء الله عز وجلّ.
باب ما تكون اللام فيه مكسورة

لأنه مدعوّ له ها هنا وهو غير مدعوّ وذلك قول بعض العرب: يا لِلعجب ويا لِلماء وكأنه نبّه بقوله يا غيرَ الماء للماء. وعلى ذلك قال أبو عمرو: يا ويلٌ لك ويا ويحٌ لك كأنه نبّه إنساناً ثم جعل الويل له. وعلى ذلك قول قيس بن ذريح: فيا لَلناس للواشي المُطاع يا لقومي لفرقة الأحبابِ كسروها لأن الاسم الذي بعدها غير منادى فصار بمنزلته إذا قلت هذا لزيدٍ. فاللام المفتوحة أضافت النداء إلى المنادى المخاطَب واللام المكسورة أضافت المدعوّ إلى ما بعده لأنه سببُ ومما يدلّك على أن اللام المكسورة ما بعدها غيرُ مدعوّ قوله: يا لعنةُ اللهِ والأقوامِ كلِّهمُ والصالحينَ على سِمعانَ من جارِ فيا لغير اللعنة. وتقول: يا لَزيدٍ ولعمرو وإذا لم تجئ بيا إلى جنب اللام كسرتَ ورددتَ إلى الأصل.
هذا باب الندبة

اعلم أن المندوب مدعوّ ولكنه متفجّع عليه فإن شئت ألحقتَ في آخر الاسم الألف لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها وإن شئت لم تُلحق كما لم تلحق في النداء. واعلم أن المندوب لابد له من أن يكون قبل اسمه يا أو وا كما لزم يا المستغاثَ به والمتعجَّبَ منه. واعلم أن الألف التي تلحق المندوب تُبتح كلُّ حركة قبلها مكسورة كانت أو مضمومة لأنها تابعة للألف ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحاً. فأما ما تلحقه الألف فقولك: وازيداه إذا لم تُضف إلى نفسك وإن أضفتَ إلى نفسك فهو سواء لأنك إذا أضفتَ زيداً إلى نفسك فالدالُ مكسورة وإذا لم تُضف فالدال مضمومة ففتحت المكسور كما فتحت المضموم. ومن قال يا غلامي وقرأ يا عبادي قال: وازيدِيا إذا أضاف من قبل أنه إنما جاء بالألف فألحقها الياء وحرّكها في لغة من جزم الياء لأنه لا ينجزم حرفان وحرّكها بالفتح لأنه لا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحاً. وزعم الخليل أنه يجوز في النّدبة واغلامِيَهْ من قبل أنه قد يجوز أن أقول واغُلاميَ فأبيّن الياء كما أبينها في غير النداء وهي في غير النداء مبيّنة فيها للغتان: الفتح والوقف. ومن لغة مَن يفتح أن يُلحق الهاء في الوقف حين يبيّن الحركة كما أُلحقت الهاء بعد الألف في الوقف لأن يكون أوضحَ لها في قولك يا رَبّاه. فإذا بيّنت الياء في النداء كما بينتها في غير النداء جاز فيها ما جاز إذا كانت غيرَ نداء. قال الشاعر وهو ابن قيس الرُقيّات: تبكيهم دَهماءُ مُعولةً وتقول سلمى وارَزِيّتِيَهْ وإذا لم تُلحق الألفَ قلت: وازيدُ إذا لم تُضف ووازيدِ إذا أضفت وإن شئت قلت: وازيدي. والإلحاق وغير الإلحاق عربي فيما زعم الخليل رحمه الله ويونس. وإذا أضفت المندوب وأضفتَ إلى نفسك المضاف إليه المندوبُ فالياء فيه أبداً بيّنة وإن شئت ألحقت الألف وإن شئت لم تُلحق. وذلك قولك: وانقطاع ظهرياهْ ووا انقطاعَ ظهري. وإنما لزمتْه الياء لأنه غير منادى. واعلم أنك إذا وصلتَ كلامَك ذهبتْ هذه الهاء في جميع الندبة كما تذهب في الصلة إذا كانت تبيَّن به الحركة. وتقول: واغلامَ زيداه إذا لم تُضف زيداً إلى نفسك. وإنما حذفت التنوين لأنه لا ينجزم حرفان. ولم يحرّكوها في هذا الموضع في النداء إذ كانت زيادة غير منفصلة من الاسم فصارت تعاقب وكانت أخفَّ عليهم فهذا في النداء أحرى لأنه موضع حذف. وإن شئت قلت: واغلامَ زيد كما قلت وازيدُ. وزعموا أن هذا البيت يُنشَد على وجهين وهو قول رؤبة: فهْي تُنادي بأبي وابْنِيما ويروى: بأبا وابناما فما فضلٌ وإنما حكى نُدبتَها. واعلم أنه إذا وافقت الياء الساكنة ياءَ الإضافة في النداء لم تحذف أبداً ياء الإضافة ولم يُكسر ما قبلها كراهيةً للكسرة في الياء ولكنهم يلحقون ياءَ الإضافة وينصبونها لئلا ينجزم حرفان. وإذا ندبت فأنت بالخيار: إن شئت ألحقت الألفَ وإن لم تُلحق جاز كما جاز ذلك في غيره. وذلك قولك: واغلامَيّاهْ وواقاضياهْ وواغلاميّ وواقاضيّ يصير مجراه ها هنا كمجراه في غير الندبة إلا أن لك في الندبة أن تلحق الألف. وكذلك الألف إذا أضفتها إليك مجراها في الندبة كمجراها في الخبر إذا أضفت إليك. وإذا وافقت ياء الإضافة ألفاً لم تحرَّك الألف لأنها إن حرِّكت صارت ياء والياء لا تدخلها كسرةٌ في هذا الموضع. فلما كان تغييرهم إياها يدعوهم إلى ياء أخرى وكسرة تركوها على حالها كما تُركت ياء قاضي إذ لم يخافوا التباساً وكانت أخفّ وأثبتوا ياء الإضافة ونصبوها لأنه لا ينجزم حرفان. فإذا ندبت فأنت بالخيار إن شئت ألحقت الألف كما ألحقتها في الأول وإن شئت لم تُلحقها وذلك قولك: وامُثنّاياه وامُثنّاي. فإن لم تُضف إلى نفسك قلت: وا مُثنّاه وتحذف الأول لأنه لا ينجزم حرفان ولم يخافوا التباساً: فذهبتْ كما تذهب في الألف واللام ولم يكن كالياء لأنه لا يدخلها نصبٌ.
باب تكون ألفُ الندبة فيه تابعة لما قبلها

إن كان مكسوراً فهي ياء وإن كان مضموماً فهي واو. وإنما جعلوها تابعة ليفرقوا بين المذكر والمؤنث وبين الاثنين والجميع وذلك قولك: واظهْرَهُوهْ إذا أضفت الظهر إلى مذكر وإنما جعلتها واواً لتفرق بين المذكر والمؤنث إذا قلت: واظهرَهاهْ. وتقول: واظهرهُموه وإنما جعلت الألف واواً لتفرق بين الاثنين والجميع إذا قلت: واظهرهُماه. وإنما حذفت الحرف الأول لأنه لا ينجزم حرفان كما حذفت الألف الأول من قولك وامُثنّاه. وتقول: واغلامَكِيهْ إذا أضفت الغلام إلى مؤنث. وإنما فعلوا ذلك ليفرقوا بينها وبين المذكر إذا قلت: واغُلامَكاه. وتقول: واانقطاعَ ظهرهُوه في قول من قال: مررت بظهرهو قبل. وتقول: وانقطاع ظهرِهيهْ. في وتقول: واأبا عمرياه وإن كنت إنما تندب الأب وإياه تضيف إلى نفسك لا عَمراً من قبل أن عمراً مجراه هنا كمجراه لو كان لك لأنه لا يستقيم لك إضافة الأب إليك حتى تجعل عمراً كأنه لك لأن ياء الإضافة عليه تقع ولا تحذفها لأن عمراً غير منادى. ألا ترى أنك تقول يا أبا عَمري. ومما يدلّك على أن عمراً ها هنا بمنزلته لو كان لك أنه لا يجوز أن تقول هذا أبو النّضرِك ولا هذه ثلاثةُ الأثوابِك إذا أردت أن تضيف الأب والثلاثة من قبل أنه لا يسوغ لك ولا تصل إلى أن تضيف الأول حتى تجعل الآخِر مضافاً إليك كأنه لك.
هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب

وذلك قولك: وازيدُ الظريفُ والظريفَ. وزعم الخليل رحمه الله أنه منعه من أن يقول الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى ولو جاز ذا لقلت: وازيدُ أنت الفارسُ البَطَلاهْ لأن هذا غير منادى كما أن ذلك غير نداء. وليس هذا كقولك: واأميرَ المؤمنيناه ولا مثل: واعبدَ قيساه من قبل أن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد والمضاف إليه هو تمام الاسم ومقتضاه ومن الاسم. ألا ترى أنك لو قلت عبداً أو أميراً وأنت تريد الإضافة لم يجز لك. ولو قلت هذا زيد كنتَ في الصفة بالخيار إن شئت وصفتَ وإن شئت لم تصف. ولستَ في المضاف إليه بالخيار لأنه من تمام الاسم وإنما هو بدل من التنوين. ويدلك على ذلك أن ألف الندبة إنما تقع على المضاف إليه كما تقع على آخر الاسم المفرد ولا تقع على المضاف والموصوف إنما تقع ألفُ الندبة عليه لا على الوصف. وأما يونس فيلحق الصفة الألف فيقول: وازيدُ الظريفاه واجُمجمتيّ الشّاميّتيْناه. وزعم الخليل رحمه الله أن هذا خطأ. وتقول: واقهسرُوناه لأن هذا اسم مفرد. وكذلك رجل سُمّي باثنَيْ عشر تقول: واثنا عشرَاه لأنه اسم مفرد بمنزله قِنّسرين. وإذا ندبت رجلاً يسمى ضربوا قلت: واضَربوه. وإن سُمي ضرباً قلت: واضرباه. فهذا بمنزلة واغلامَهاه جعلت ألف الندبة تابعة لتفرق بين الاثنين والجميع. ولو سميتَ رجلاً بغلامهم أو غلامهما لم تحرّف واحداً منهما عن حاله قبل أن يكون اسماً ولتركته على حاله الأول في كل شيء. فكذلك ضربا وضربوا إنما تحكي الحال الأولى قبل أن يكونا اسمين وصارت الألف تابعة لهما كما تبعت التثنية والجمع قبل أن يكونا اسمين نحو
هذا باب ما لا يجوز أن يُندب

وذلك قولك: وارَجُلاه ويا رُجلاه. وزعم الخليل رحمه الله ويونس أنه قبيح وأنه لا يقال. وقال الخليل رحمه الله: إنما قبح لأنك أبهمت. ألا ترى أنك لو قلت واهذاه كان قبيحاً لأنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تفجّع بأعرف الأسماء وأن تخصّ ولا تُبهم لأن الندبة على البيان ولو جاز هذا لجاز يا رجلاً ظريفاً فكنت نادباً نكرة. وإنما كرهوا ذلك أنه تفاحَش عندهم أن يختلطوا وأن يتفجّعوا على غير معروف. فكذلك تفاحش عندهم في المبهَم لإبهامه لأنك إذا ندبت تُخبر أنك قد وقعت في عظيم وأصابك جسيمٌ من الأمر فلا ينبغي لك أن تُبهم. وكذلك: وامَن في الداراه في القبح. وزعم أنه لا يستقبح وامَن حفر بئر زَمزماه لأن هذا معروف بعينه وكأن التبيين في الندبة عذر للتفجع. فعلى هذا جرت الندبة في كلام العرب. ولو قلت هذا لقلت وامن لا يعنين أمرُهوه. فإذا كان ذا تُرك لأنه لا يُعذر على أن يُتفجّع عليه فهو لا يُعذر بأن يتفجّع ويُبهم كما لا يُعذر على أن يتفجّع على من لا يعنيه أمره.
باب يكون الاسمان فيه بمنزلة اسم واحد

وذلك قولك: واثلاثةً وثلاثيناه. وإن لم تندب قلت: يا ثلاثةً وثلاثين كأنك قلت يا ضارباً رجلاً. وليس هذا بمنزلة قولك يا زيدُ وعمرو لأنك حين قلت يا زيدُ وعمرو جمعت بين اسمين كلُ واحد منهما مفرد يُتوهّم على حياله وإذا قلت يا ثلاثةً وثلاثين فلم تُفرد الثلاثة من الثلاثين لتُتوهّم على حيالها ولا الثلاثين من الثلاثة. ألا ترى أنك تقول يا زيدُ ويا عمرو ولا تقول يا ثلاثة ويا ثلاثون لأنك لم ترد أن تجعل كل واحد منهما على حياله فصار بمنزلة قولك ثلاثة عشر لأنك لم ترد أن تفصل ثلاثةً من العشرة ليتوهّموها على حيالها. ولزمها النصب كما لزم يا ضارباً رجلاً حين طال الكلام. وقال: يا ضارباً رجلاً معرفة كقولك يا ضاربُ ولكن التنوين إنما يثبت لأنه وسط الاسم ورجلاً من تمام الاسم فصار التنوين بمنزلة حرف قبل آخر الاسم. ألا ترى أنك لو سمّيت رجلاً خيراً منك لقلت يا خيراً منك فألزمته التنوين وهو معرفة لأن الراء ليست آخر الاسم ولا منتهاه فصار بمنزلة الذي إذا قلت هذا الذي فعل. فكما أن خيراً منك لزمه التنوين وهو معرفة كذلك لزم ضارباً رجلاً لأن الباء ليست منتهى الاسم وإنما يُحذب التنوين في النداء من آخر الاسم. فلما لزمت التنوينة وطال الكلام رجع إلى أصله. وكذلك ضارب رجل إذا ألقيت التنوين تخفيفاً لأن الرجل لا يجعل ضارباً نكرة إذا أردت معنى التنوين كما لا يجعله معرفة في غير النداء إذا أردت معنى التنوين وحذفته نحو قولك: هذا ضاربُك قاعداً. ألا ترى أن حذف التنوين كثباته لا يغيّر الفاعل إذا كنت تحذفه وأنت تريد معناه. وأما قولك يا أخا رجل فلا يكون الأخ ها هنا إلا نكرة لأنه مضاف إلى نكرة كما أن الموصوف بالنكرة لا يكون إلا نكرة ولا يكون الرجل ههنا بمنزلته إذا كان منادى لأنه ثم يدخله التنوين وجاز لك أن تريد معنى الألف واللام ولا تلفظ بهما وهو هنا غير منادى وهو نكرة فجُعل ما أضيف إليه بمنزلته.
باب الحروف التي ينبه بها المدعو

فأما الاسم غيرُ المندوب فينبَّه بخمسة أشياء: بيا وأيا وهَيا وأي وبالألف. نحو قولك: أحارِ بنَ عمرٍو. إلا أن الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخي عنهم والإنسان المعرض عنهم الذي يُرَون أنه لا يُقبل عليهم إلا بالاجتهاد أو النائم المستثقل. وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها. وقد يجوز لك أن تستعمل هذه الخمسة غيروا إذا كان صاحبك قريباً منك وإن شئت حذفتهن كلهن استغناءً كقولك: حار بنَ كعبٍ وذلك أنه جعلهم بمنزلة مَن هو مقبِلٌ عليه بحضرته يخاطبه. ولا يحسن أن تقول: هذا ولا رجلُ وأنت تريد: يا هذا ويا رجلُ ولا يجوز ذلك في المبهم لأن الحرف الذي ينبَّه به لزم المبهم كأنه صار بدلاً من أيُّ حين حذفته فلم تقل يا أيها الرجل ولا يا أيهذا ولكنك تقول إن شئت: مَن لايزال مُحسناً أفعل كذا وكذا لأنه لا يكون وصفاً لأي. وقد يجوز حذفُ يا من النكرة في الشعر وقال العجّاج: جاريَ لا تستنكِري عَذيري يريد يا جاريةُ. وقال في مَثَل: افتَدِ مخنوقُ وأصبِحْ ليلُ وأطرِقْ كَرا. وليس هذا بكثير ولا بقويّ. وأما المستغاث به فيا لازمة له لأنه يجتهد. فكذلك المتعجَّب منه وذلك: يا لَلناس ويا لَلماء. وإنما اجتهد لأن المستغاث عندهم متراخ أو غافل والتعجب كذلك. والندبة يلزمها يا ووا لأنهم يحتلطون ويدعون ما قد فات وبعد عنهم. ومع ذلك أن الندبة كأنهم يترنمون فيها فمن ثم ألزموها المدّ وألحقوا آخر الاسم المدَّ مبالغةً في الترنّم.
ما جرى على حرف النداء وصفاً له وليس بمنادى ينبّهه غيره

ولكنه اختُصّ كما أن المنادى مختصّ من بين أمته لأمرك ونهيك أو خبرك. فالاختصاص أجرى هذا على حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار ولا استفهام على حرف الاستفهام لأنك تسوّي فيه كما تسوي في الاستفهام. فالتسوية أجرتْه على حرف الاستفهام والاختصاصُ أجرى هذا على حرف النداء. وذلك قولك: ما أدري أفَعلَ أم لم يفعل. فجرى هذا كقولك أزيدٌ عندك أم عمرو وأزيدٌ أفضلُ أم خالدٌ إذا استفهمتَ لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران في الأول. فهذا نظير الذي جرى على حرف النداء. وذلك قولك: أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل ونفعل نحن كذا وكذا أيها القوم وعلى المضارب الوضيعةُ أيها البائع واللهم اغفِر لنا أيتها العصابة وأردت أن تختصّ ولا تُبهم حين قلت: أيتها العصابةُ وأيها الرجل أراد أن يؤكد لأنه قد اختصّ حين قال أنا ولكنه أكد كما تقول للذي هو مقبلٌ عليه بوجهه مستمعٌ منصِتٌ لك: كذا كان الأمر يا أبا فلان توكيداً. ولا تُدخل يا ها هنا لأنك لست تنبّه غيرك. يعني: اللهمّ غفر لنا أيتها العصابة. يجري على ما جرى عليه النداء فيجيء لفظه على موضع النداء نصباً لأن موضع النداء نصب ولا تجري الأسماء فيه مجراها في النداء لأنهم لم يجروها على حروف النداء ولكنهم أجروها على ما حمل عليه النداء. وذلك قولك: إنا معشرَ العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال: أعني ولكنه فعلٌ لا يظهر ولا يُستعمل كما لم يكن ذلك في النداء لأنهم اكتفوا بعلم المخاطَب وأنهم لا يريدون أن يحملوا الكلام على أوله ولكن ما بعده محمول على أوله. وذلك نحو قوله وهو عمرو بن الأهتَم: إنّا بني مِنقرٍ قومٌ ذوو حسَبٍ فينا سَراةُ بني سعدٍ وناديَها وقال الفرزدق: ألم ترَ أنّا بني دارِمٍ زُرارةُ منا أبو معبدِ فإنما اختُصّ الاسم هنا ليعرَف بما حُمل على الكلام الأول وفيه معنى الافتخار. وقال رؤبة: بنا تميماً يُكشف الضّبابْ وقال: نحن العُربَ أقرى الناس لضيف فإنما أدخلتَ الألف واللام لأنك أجريت الكلام على ما النداء عليه ولم تُجره مجرى الأسماء في النداء. ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: يا العربَ وإنما دخل في هذا الباب من حروف النداء أيُّ وحدَها فجرى مجراه في النداء. نحن بنو أمِّ البنينَ الأربعه ونحن خيرُ عامر بنِ صَعصعَهْ فلا يُنشدونه إلا رفعاً لأنه لم يرد أن يجعلهم إذا افتخروا أن يُعرَفوا بأن عدّتهم أربعة ولكنهم جعل الأربعة وصفاً ثم قال: المُطعمِون الفاعلون بعدما حلاّهم ليُعرَفوا. وإذا صغّرتَ الأمر فهو بمنزلة تعظيم الأمر في هذا الباب وذلك قولك: إنا معشرَ الصعاليك لا قوةَ بنا على المُروّة. وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم: بك اللهَ نرجو الفضلَ وسُبحانك اللهَ العظيمَ نصبُه كنصب ما قبله وفيه معنى التعظيم. وزعم أن دخول أيّ في هذا الباب يدل على أنه محمول على ما حُمل عليه النداء يعني أيتها العصابة فكان هذا عندهم في الأصل أن يقولوا فيه يا ولكنهم خزلوها وأسقطوها حين أجروه على الأصل. واعلم أنه لا يجوز لك أن تُبهم في هذا الباب فتقول: إني هذا أفعلُ كذا وكذا ولكن تقول: إني زيداً أفعلُ. ولا يجوز أن تذكر إلا اسماً معروفاً لأن الأسماء إنما تُذكرها توكيداً وتوضيحاً هنا للمضمَر وتذكيراً وإذا أبهمتَ فقد جئت بما هو أشكلُ من المضمَر. ولو جاز هذا لجازت النكرةُ فقلتَ إنا قوماً فليس هذا من مواضع النكرة والمبهَم ولكن هذا موضعُ بيان كما كانت الندبةُ موضعَ بيان فقبُح إذ ذكروا الأمر توكيداً لما يعظّمون أمرَه أن يذكروا مبهماً. وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب بنو فلان ومعشَر مُضافةً وأهل البيت وآل فلان. ولا يجوز أن تقول إنهم فعلوا أيتها العصابةُ إنما يجوز هذا للمتكلم والمكلَّم المنادى كما أن هذا لا يجوز إلا لحاضر. وسألت الخليل رحمه الله ويونس عن نصب قول الصّلَتان العبدي: يا شاعراً لا شاعرَ اليومَ مثلَه جَريرٌ ولكنْ في كليبٍ تواضعُ فزعما أنه غير منادى وإنما انتصب على إضمار كأنه قال يا قائل الشعر شاعراً وفيه معنى حسبُك به شاعراً. كأنه حيث نادى قال حسبُك به ولكنه أضمر كما أضمروا في قوله: تالله رجلاً وما أشبهه مما ستجده في الكتاب إن شاء الله عز وجل. ومما جاء وفيه معنى التعجّب كقولك: يا لك فارساً قولُ الأخوص ابن شُريح الكلابي: تمنّاني ليلقاني لَقيطٌ أعامِ لك بنَ صعصعةَ بنِ سعدِ وإنما دعاهم لهم تعجباً لأنه قد تبيّن لك أن المنادى يكون فيه معنى أفعِل به يعني يا لك فارساً. وزعم الخليل رحمه الله أن هذا البيت مثلُ ذلك للأخطل: وقال في قول الشاعر: يا هندُ هندٌ بين خِلبٍ وكَبدْ أنه أراد: أنتِ بين خِلب وكبد فجعلها نكرة. وقد يجوز أن تقول بعد النداء مقبِلاً على مَن تحدّثه: هندٌ هذه بين خِلبٍ وكبدٍ فيكون معرفة.
هذا باب الترخيم

والترخيم حذفُ أواخر الأسماء المفرد تخفيفاً كما حذفوا غير ذلك من كلامهم تخفيفاً وقد كتبناه فيما مضى وستراه فيما بقي إن شاء الله تعالى. واعلم أن الترخيم لا يكون إلا في النداء إلا أن يُضطرّ شاعرٌ وإنما كان ذلك في النداء لكثرته في كلامهم فحذفوا ذلك كما حذفوا التنوين وكما حذفوا الياء من قومي ونحوه في النداء. واعلم أن الترخيم لا يكون في مضاف إليه ولا في وصف لأنهما غيرُ منادَيين ولا يرخّم مضاف ولا اسمٌ منوّن في النداء من قبل أنه جرى على الأصل وسلِم من الحذف حيث أُجري مجراه في غير النداء إذا حملتَه على ما ينصب. يقول: إن المحذوف في الترخيم إنما يقع على النداء لا على الإعراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الإضافة كنت إنما حذفت هذا الإعراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الإضافة كنت إنما حذفت هذا الإعراب ومع ذلك إنه إنما ينبغي أن تحذف آخر شيء في الاسم ولا يُحذف قبل أن تنتهي الي آخره لأن المضاف إليه من الاسم الأول بمنزلة الوصل من الذي إذا قلت الذي قال وبمنزلة التنوين في الاسم. ولا ترخّم مستغاثاً به إذا كان مجروراً لأنه بمنزلة المضاف إليه. ولا ترخّم المندوب لأن علامته وإذا ثنّيت لم ترخّم لأنها كالتنوين. واعلم أن الحرف الذي يلي ما حذفت ثابتٌ على حركته التي كانت فيه قبل أن تحذف إن كان فتحاً أو كسراً أو ضماً أو وقفاً لأنك لم ترد أن تجعل ما بقي من الاسم اسماً ثابتاً في النداء وغير النداء ولكنك حذفت حرف الإعراب تخفيفاً في هذا الموضع وبقي الحرف الذي يلي ما حُذف على حاله لأنه ليس عندهم حرفَ الإعراب. وذلك قولك يا حارث: يا حار وفي سلَمة: يا سَلَم وفي بُرثُن: يا بُرثُ وفي هرقل: يا هِرَقْ.
باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء

اعلم أن كل اسم كان مع الهاء ثلاثة أحرف أو أكثر من ذلك كان اسماً خاصاً غالباً أو اسماً عاماً لكل واحد من أمة فإن حذف الهاء منه في النداء أكثر في كلام العرب. فأما ما كان اسماً غالباً فنحو قولك: يا سلَمَ أقبل. وأما الاسم العام العامّ فنحو قول العجّاج: جاريَ لا تستنكري عذيري إذا أردت يا سَلَمةُ ويا جاريةُ. وأما ما كان على ثلاثة أحرف مع الهاء فنحو قولك: يا شا ارْجُني ويا ثُبَ أقبِلي إذا أردت: واعلم أن ناساً من العرب يثبتون الهاء فيقولون: يا سلمةُ أقبلْ وبعض من يُثبت يقول: يا سلمةَ أقبل. واعلم أن العرب الذين يحذفون في الوصل إذا وقفوا قالوا: يا سلمهْ ويا طلحَهْ. وإنما ألحقوا هذه الهاء ليبينوا حركة الميم والحاء وصارت هذه الهاء لازمة لهما في الوقف كما لزمت الهاء وقف ارمه ولم يجعلوا المتكلم بالخيار وحذف الهاء عند الوقف وإثباتها من قبل أنهم جعلوا الحذف لازماً لهاء التأنيث في الوصل كما لزم حذفُ الهاء من ارمِهْ في الوصل وكأنهم ألزموا هذه الهاء في ارْمِهْ في الوقف ولم يجعلوها بمنزلتها إذا بيّنتَ حركة ما لم يحذف بعده شيء نحو علَيَّهْ وإليّهْ ولكنها لازمة كراهية أن يجتمع في ارمِه حذف الهاء وترك الحركة فأرادوا أن تثبت الحركة على كل حال ليكون ثباتُها عوضاً من الحذف للياء والهاء فبُيّنت الحركة بالهاء في السكوت ليكون ثباتُها في الاسم على كل حال لئلا يُخلّوا به. واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلاً منها. وقال الشاعر ابن الخرع: كادت فزارةُ تشقي بنا فأولى فزارةُ أولى فَزارا قفي قبل التفرّق يا ضُباعا وقال هُدبةُ: عُوجي علينا واربَعي يا فاطِما وإنما كان الحذف ألزمَ للهاءات في الوصل وفيها أكثر منه في سائر الحروف في النداء من قبل أن الهاء في الوصل في غير النداء تبدّل مكانَها التاء فلما صارت الهاء في موضع يحذف منه لا يُبدّل منه شيء تخفيفاً كان ما يُبدّل ويُغيّر أولى بالحذف وهو له ألزم وجعلوا تغييره الحذف في موضع الحذف إذ كان متغيراً لا محالة. وسمعنا الثقة من العرب يقول: يا حَرملْ يريد يا حَرمَلَهْ كما قال بعضهم: إرْمْ يقفون بغير هاء. واعلم أن هاء التأنيث إذا كانت بعد حرف زائد لو لم تكن بعده حُذف أو بعد حرفين لو لم تكن بعدهما حُذفا زائدين لم يحذف من قبل أن الحروف الزوائد قبل الهاء في الترخيم بمنزلة غير الزوائد من الحروف وذلك قولك في طائفية: يا طائفي أقبلي وفي مَرجانة: يا مرجانَ أقبلي. وفي رعشنةٍ: يا رَعْشَنَ أقبلي وفي سِعلاةٍ: يا سِعلا أقبلي. ولو حذفتَ ما قبل الهاء كحذفك إياه وليس بعده هاء لقلت في رجل يسمّى عُثمانةَ يا عُثمَ أقبل لأن الهاء لو لم تكن ههنا لقلت يا عُثْمَ أقبل فإنما الكلام أن تقول يا عُثمان أقبل. فأجْرِ ترخيمَ هذا بعد الزوائد مجراه إذا كان بعدما هو من نفس الحرف. ومَن حذف الزوائد مع الهاء فإنه ينبغي له أن يقول في فاظمة: يا فاطِ لا تفعلي من قبل أن الهاء لو لم تكن بعد الميم لقلت يا فاطِ كما تقول يا حارِ فأنت تحذف ما هو من نفس الحرف كما تحذف الزوائد فإذا ألحقته الزوائد لم تحذفه مع الزوائد. فكذلك الزوائد إذا ألحقتَها مع الزوائد لم تحذفها معها.
باب يكون فيه الاسم بعدما يُحذف منه الهاء

بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام لم يكن فيه هاء قط وذلك قول بعض العرب وهو عنترة العبسي: يَدعون عنترُ والرماحُ كأنها أشطانُ بيرٍ في لَبان الأدهمِ جعلوا الاسم عنترا وجعلوا الراء حرف الإعراب. وقال الأسود بن يعفُر تصديقاً لهذه اللغة: ألا هل لهذا الدهر من مُتعلّلِ عن الناس مهما شاء بالناس أن يفعل وهذا ردائي عنده يستعيره ليسلُبَني حقي أمالِ بنَ حنظلِ وذلك لأن الترخيم يجوز في الشعر في غير النداء فلما رخّم جعل الاسم بمنزلة اسمٍ ليست فيه هاء. وقال رؤبة: إما تَرَيني اليومَ أمَّ حمزِ ** قاربتُ بين عَنَقي وجَمزي وإنما أراد: أمّ حمزة. وأما قول ذي الرمة: ديارَ ميّةَ إذ مَيٌّ تُساعفُنا ** ولا يرى مثلَها عُجمٌ ولا عربُ فزعم يونس أنه كان يسميها مرة ميّة ومرة ميّا ويجعل كل واحد من الاسمين اسماً لها في النداء وفي غيره. وعلى هذا المثال قال بعض العرب إذا رخّموا: يا طَلحُ ويا عنترُ. وقد يكون قولهم يدعون عنترُ بمنزلة ميَّ لأن ناساً من العرب يسمونه عنتراً في كل موضع. ويكون أن تجعله بمنزلة ميّ بعد ما حذفت منه وقد يكون ميٌّ أيضاً كذلك يجعلها بمنزلة ما ليس فيه هاء بعد ما تحذف الهاء. وأما قول العرب: يا فُلُ أقبلْ فإنهم لم يجعلوه اسماً حذفوا منه شيئاً يثبت فيه في غير النداء ولكنهم بنوا الاسمَ على حرفين وجعلوه بمنزلة دم. والدليل على ذلك أنه ليس أحدٌ يقول يا فُلَ فإن عنوا امرأة قالوا: يا فُلةُ: وهذا الاسم اختُصّ به النداء وإنما بُني على حرفين لأن النداء موضعُ تخفيف ولم يجز في غير النداء لأنه جُعل اسماً لا يكون إلا كنايةً لمنادى نحو يا هَناهْ ومعناه يا رجلُ. وأما فلان فإنما هو كناية عن اسم سُمي به المحدّث عنه خاصّ غالب. وقد اضطُرّ الشاعرُ فبناه على حرفين في هذا المعنى. قال أبو النجم: في لجّة أمسِكْ فُلاناً عن فُلِ
هذا باب إذا حذفتَ منه الهاء

وجعلت الاسم بمنزلة ما لم تكن فيه الهاء أبدلتَ حرفاً مكان الحرف الذي يلي الهاء وإن لم تجعله بمنزلة اسم ليس فيه الهاء لم يتغير عن حاله التي كان عليها قبل أن تحذف. وذلك قولك في عَرقوةٍ وقَمَحدوَةٍ وإن جعلت الاسم بمنزلة اسم لم تكن فيه الهاء على حالٍ: يا عَرقي ويا قَمَحْدي من قبل أنه ليس في الكلام اسمٌ آخر كذا. وكذلك إن رخّمتَ رَعومٌ وجعلته بهذه المنزلة قلت يا رَعي. وإن رخّمت رجلاً يسمى قَطَوان فجعلته بهذه المنزلة قلت: يا قَطا أقبلْ. فإن رخّمت رجلاً اسمُه طُفاوةُ قلت: يا طُفاءُ أقبلْ من قبل أنه ليس في الكلام اسمٌ هكذا آخِره يكون حرفَ الإعراب يعني الواو والياء إذا كانت قبلهما ألف زائدة ساكنة لم يثبتا على حالهما ولكن تُبدّل الهمزة مكانَهما. فإن لم تجعلهما حروف الإعراب فهي على حالها قبل أن تحذف الهاء وذلك قولك: يا طُفاوَ أقبلْ إذا لم ترد أن تجعله بمنزلة اسم ليست فيه الهاء. واعلم أن ما يُجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقلُّ في كلام العرب وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تُحذف الهاء أكثر من قبل أن حرف الإعراب في سائر الكلام غيره. وهو على ذلك عربي. وقد حملهم ذلك على أن رخّموه حيثُ جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه. قال العجّاج: فقد رأى الراءون غيرَ البُطَّلِ أنك يا مُعاوِ يا ابنَ الأفضلِ يريد: يا مُعاوية. وتقول في حَيْوَةَ: يا حَيوَ أقبل فإن رفعت الواو تركتها على حالها لأنه حرف أُجري على الأصل وجُعل بمنزلة غزوٍ ولم يكن التغيير لازماً وفيه الهاء. واعلم أنه لا يجوز أن تحذف الهاء وتجعل البقية بمنزلة اسم ليست فيه الهاء إذا لم يكن اسماً خاصاً غالباً من قبل أنهم لو فعلوا ذلك التبس المؤنّث بالمذكّر. وذلك أنه لا يجوز أن تقول للمرأة: يا خبيثُ أقبلي. وإنما جاز في الغالب لأنك لا تذكّر مؤنثاً ولا تؤنث مذكراً. واعلم أن الأسماء التي ليس في أواخرها هاء أن لا يُحذف منها أكثر لأنهم كرهوا أن يُخِلّوا بها وإن حذفتَ فحسن. وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر وذلك لأنهم استعملوها كثيراً في الشعر وأكثروا التسمية بها للرجال. قال مهلهل بن ربيعة: يا حارِ لا تجهلْ على أشياخِنا إنّا ذَوو السّوراتِ والأحلام وقال امرؤ القيس: أحارِ ترى برقاً أُريكَ وميضَهُ كلمعِ اليدين في حَبيّ مكلّلِ وقال الأنصاري: يا مالِ والحقّ عنده فقفوا وقال النابغة الذبياني: فصالحونا جميعاً إن بدا لكلم ولا تقولوا لنا أمثالَها عام وهو في الشعر أكثر من أن أحصيه. وكل اسم خاص رخّمته في النداء فالترخيم فيه جائز وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر. فمن ذلك قول الشاعر: فقلتم تعال يا يَزي بنَ مُخرِّم فقلت لكم إني حليف صُداءِ وهو يزيد بن مخرّم. ألا يا ليلَ إن خُيّرتِ فينا بنفسي فانسري أين الخيارُ يريد في الأول: يزيد وفي الثاني ليلى. وقال أوس بن حجر: تسكّرتِ منّا بعد معرفةٍ لَمي يريدُ: لميسَ. واعلم أن كل شيء جاز في الاسم الذي في آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام يجوز فيما لا هاء فيه بعدُ أن تحذف منه. فمن ذلك قول امرئ القيس: لَنِعمَ الفتى تَعشو إلى ضوء ناره طريفُ بن مالٍ ليلة الجوع والخصَرْ جعل ما بقي بعد ما حذف بمنزلة اسم لم يُحذف منه شيء كما جعل ما بقي بعد حذف الهاء بمنزلة اسمٍ لم تكن فيه الهاء. وقال رجل من بني مازن: عليّ دماء البُدنِ إن لم تفارقي أبا حردَبٍ ليلاً وأصحابَ حردَبِ وقال وهو مصنوع على طرفة وهو لبعض العِباديين: أسعدَ بنَ مالٍ ألم تعلموا وذو الرأي مهما يقُل يصدُقِ واعلم أن كل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم تكن آخره الهاء. فزعم الخليل رحمه الله أنهم خففوا هذه الأسماء التي ليست أواخرها الهاء ليجعلوا ما كان على خمسة على أربعة وما كان على أربعة على ثلاثة. فإنما أرادوا أن يقرّبوا الاسم من الثلاثة أو يصيّروه إليها وكان غاية التخفيف عندهم لأنه أخف شيء عندهم في كلامهم ما لم يُنتقص فكرهوا أن يحذفوه إذ صار قصاراهم أن ينتهوا إليه. واعلم أنه ليس من اسم لا تكون في آخره هاء يُحذف منه شيء إذا لم يكن اسماً غالباً نحو زيد وعمرو من قبل أن المعارف الغالبة أكثر في الكلام وهم لها أكثر استعمالاً وهم لكثرة استعمالهم إياها قد حذفوا منها في غير النداء نحو قولك: هذا زيد بن عمرو ولم يقولوا هذا زيد ابنُ أخيك. ولو حذفت من الأسماء غير الغالبة لقلت في مسلمين: يا مُسلم أقبِلوا وفي راكب: يا راكِ أقبلْ. إلا أنهم قد قالوا: يا صاح وهم يريدون يا صاحبُ وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف فحذفوا كما قالوا: لم أُبَلْ ولم يكُ ولا أدرِ.
هذا باب ما يُحذف من آخره حرفان

وذلك قولك في عثمان: يا عُثْمَ أقبلْ وفي مروان: يا مرْوَ أقبل وفي أسماء: يا أسمَ أقبلي. وقال الفرزدق: يا مَروَ إن مطيّتي محبوسةً ** ترجو الحِباء وربّها لم ييأسِ وقال الراجز: يا نعمَ هل تحلف لا تَدينُها وقال لبيد: يا أسمَ صبراً على ما كان من حدثٍ إن الحوادث مَلقيٌّ ومنتظَرُ وإنما كان هذان الحرفان بمنزلة زيادة واحدة من قبل أنك لم تُلحق الحرفَ الآخِر أربعة أحرف رابعهن الألف من قبل أن تزيد النون التي في مروان والألف التي في فعلاء ولكن الحرف الآخر الذي قبله زيدا معاً كما أن ياءَي الإضافة وقعتا معاً. ولم تلحق الآخرةَ بعد ما كانت الأولى لازمة كما كانت ألف سلمى إنما لحقتْ ثلاثة أحرف ثالثها الميم لازمها ولكنهما زيادتان لحقتا معاً فحذفتا جميعاً كما لحقنا جميعاً. وكذلك ترخيم رجل يقال له مسلمون بحذف الواو والنون جميعاً من قبل أن النون لم تلحق واواً ولا ياء قد كانت لزمت قبل ذلك. ولو كانت قد لزمت حتى تكون بمنزلة شيء من نفس وكذلك رجل اسمه مُسلمان: تحذف الألف والنون. وأما رجل اسمه بَنون فلا يُطرح منه إلا النون لأنك لا تصيّر اسماً على أقل من ثلاثة أحرف. ومن جعل ما بقي من الاسم بعد الحذف بمنزلة اسم يتصرف في الكلام لم تكن فيه زيادة قطّ قال يا بَني لأنه ليس في الكلام اسم يتصرّف آخره كآخِر بَنو.
هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم

وما قبله بمنزلة زائد وقع وما قبله جميعاً وذلك قولك في منصور: يا مَنصُ أقبلْ وفي عمارٍ: يا عمّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريسٌ: يا عنتَرِ أقبلْ. وذلك لأنك حذفت الآخر كما حذفت الزائد وما قبله ساكن بمنزلة الحرف الذي كان قبل النون زائداً فهو زائد كما كان ما قبل النون زائداً ولم يكن لازماً لما قبله من الحروف ثم لحقه ما بعده لأن ما بعده ليس من الحروف التي تُزاد. فلما كانت حال هذه الزيادة حالَ تلك الزيادة وحُذفت الزيادة وما قبلها حُذف هذا الذي من نفس الحرف.
باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف

وذلك قولك في قَنَوَّرٍ: يا قنوَّ أقبلْ وفي رجل اسمه هَبَيّخ: يا هَبَيّ أقبل لأن هذه الواو التي في قنوّر والياء التي في هبيّخ بمنزلة الواو التي في جدول والياء التي في عِثيَر. وإنما لحقنا لتُلحقا ما كان على ثلاثة أحرف ببنات الأربعة وليصير بمنزلة حرف من نفس الحرف كفاء جعفر في هذا الاسم. ويدلك على أنها بمنزلتها أن الألف التي تجيء لتُلحق الثلاثة بالأربعة منوّنة كما ينوّن ما هو من نفس الحرف وذلك نحو مِعزى. ومع ذلك أن الزوائد تلحقها كما تلحق ما ليس فيه زيادة نحو جِلواخٍ وجِريال وقِرواح كما تقول سِرداح. وتقدّم قبل هذه الزيادة الياء والواو زائدتين كما تقدّم الحرف الذي من نفس الحرف في فَدَوْكس وخَفَيدَد وهي الواو التي في قنوّر الأولى والياء التي في هبيّخ الأولى بمنزلة ياء سَميدَع فصار قنوّر بمنزلة فدوْكَس وهبيّخ بمنزلة سَميدَع وجدول بمنزلة جعفر فأجروا هذه الزوائد بمنزلة ما هو من نفس الحرف فكرهوا أن يحذفوها إذ لم يحذفوا ما شبّهوها به وما جعلوها بمنزلته. ولو حذفوا من سميدع حرفين لحذفوا من مهاجر حرفين فقالوا: يا مُها وهذا لا يكون لأنه إخلال مُفرط بما هو من نفس الحرف.
باب تكون الزوائد فيه أيضاً بمنزلة

وذلك قولك في رجل اسمه حَولايا أو بَردَرايا: يا بَردراي أقبلْ ويا حَولاي أقبل من قبل أن هذه الألف لو جيء بها للتأنيث والزيادة التي قبلها لازمة لها يقعان معاً لكانت الياء ساكنة وما كانت حية لأن الحرف الذي يجعل وما بعده زيادة واحدة ساكن لا يتحرك ولو تحرك لصار بمنزلة حرف من نفس الحرف ولجاء بناء آخرُ. ولكن هذه الألف بمنزلة الهاء التي في درحاية وفي عفارية لأن الهاء إنما تلحق للتأنيث والحرف الذي قبلها بائن منها قد لزم ما قبله قبل أن تلحق. وكذلك الألف التي تجيء للتأنيث إذا جاءت وحدها لأن حال الحرف الذي قبلها كحال الحرف الذي قبل الهاء والهاء لا تكون أبداً مع شيء قبلها زائد بمنزلة زيادة واحدة وإن كان ساكناً نحو ألف سِعلاة. ولو كانت بمنزلة زيادة واحدة لم يقولوا سُعَيلِية ولكانت في التحقير ياء مجزومة كالياء التي تكون بدل ألف سِرحان إذا قلت سُرَيحين أو بمنزلة عُثمان إذا قلت عُثيمان ولكنها لحقت حرفاً جيء به ليلحق الثلاثة ببنات الأربعة. وكذلك ألف التأنيث إذا جاءت وحدها يدلّك على ذلك تحرّك ما قبلها وحياته. وإنما كانت هذه الأحرف الثلاثة الزوائد: الياء والواو والألف وما بعدها بمنزلة زيادة واحدة لسكونها وضعفها فجعلتْ وما بعدها بمنزلة حرف واحد إذ كانت ميتة خفية. ويدلك على أن الألف التي في حَولايا بمنزلة الهاء أنك تقول: حَولائي كما تقول: دِرحائي. ولو كانت وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لم تحذف الألف كما لا تحذفها إذا قلت: خُنفساوي.
باب ما إذا طُرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفاً

وذلك قولك في رجل اسمه قاضون: يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجيّ: يا ناجي أقبل أظهرت الياء لحذف الواو والنون وفي رجل اسمه مُصطَفون: يا مصطفى أقبل. وإنما رددت هذه الحروف لأنك لم تَبن الواحد على حذفها كما بُنيت دمٌ على حذف الياء ولكنك حذفتهن لأنه لا يسكن حرفان معاً فلما ذهب في الترخيم ما حذفتهن لمكانه رجعتهن. فحذف الواو والنون ههنا كحذفها في مسلمين لأن حذفها لم يكن إلا لأنه لا يسكن حرفان معاً والياء والألف يعني في قاضي ومصطفى تثبتان كما ثبتت الميم في مسلمين. ومثل ذلك: " غيرَ مُحِلّي الصيدِ وأنتم حُرُم ". وهذا قول الخليل رحمه الله. فإذا لم تذكر الصيد قلت مُحلّي.
باب يحرَّك فيه الحرف الذي يليه المحذوف

وهو قولك في رجل اسمه رادٌّ: يا رادِ أقبل. وإنما كانت الكسرة أولى الحركات به لأنه لو لم يُدغم كان مكسوراً فلما احتجتَ إلى تحريكه كان أولى الأشياء به ما كان لازماً له لو لم يُدغم. وأما مفرٌّ فإذا حذفت منه وهو اسم رجل لم تحرَّك الراء لأن ما قبلها متحرك. وإن حذفت من اسم مُحمارّ أو مُضارّ قلت: يا مُحمارِ ويا مُضارِ تجيء بالحركة التي هي له في الأصل كأنك حذفت من مُحمارر حيث لم يجز لك أن تُسكِن الراء الأولى. ألا ترى أنك إذا احتجت إلى تحريكها والراء الآخرة ثابتة لم تحرّك إلا على الأصل وذلك قولك لم يَحمارِرْ فقد احتجت إلى تحريكها في الترخيم كما احتجت إليه هنا حين جزمت الراء الآخرة. وإن سمّيته بمضارّ وأنت تريد المفعول قلت: يا مُضارَ أقبل كأنك حذفت من مُضارَر. وأما مُحمرٌّ إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخّمته تركت الراء الأولى مجزومة لأن ما قبلها متحرك فلا تحتاج إلى حركتها. ومن زعم أن الراء الأولى زائدة كزيادة الواو والياء والألف فهو لا ينبغي له أن يحذفها مع الراء الآخرة من قبل أن هذا الحرف ليس من حروف الزيادة وإنما يُزاد في التضعيف فأشبه عندهم المضاعَف الذي لا زيادة فيه نحو مرتدّ وممتدّ حين جرى مجراه ولم يجئ زائداً غير مضاعَف لأنه ليس عندهم من حروف الزيادة وإنما جاء زائداً في التضعيف لأنه إذا ضوعِف جرى مجرى المضاعَف الذي ليس فيه زيادة. ولو جعلت هذا الحرف بمنزلة الياء والألف والواو لثبت في التحقير والجمع الذي يكون ثالثه ألفاً. ألا ترى أنه صار بمنزلة اسم على خمسة أحرف ليس فيه زيادة نحو جردَحْل وما أشبه ذلك. وأما رجل اسمه إسحارٌّ فإنك إذا حذفت الراء الآخرة لم يكن لك بدٌّ من أن تحرك الراء الساكنة لأنه لا يلتقي حرفان ساكنان. وحركته الفتحة لأنه يلي الحرف الذي منه الفتحة وهو الألف. ألا ترى أن المضاعف إذا أُدغم في موضع الجزم حُرّك آخر الحرفين لأنه لا يلتقي ساكنان وجُعل حركته كحركة أقرب المتحركات منه. وذلك قولك: لم يردُّ ولم يرتدّ ولم يفرّ ولم يعضّ. فإذا كان أقرب من المتحرك إليه الحرف الذي منه الحركة المفتوحة ولا يكون ما قبله إلا مفتوحاً كان أجدرَ أن تكون حركته مفتوحة لأنه حيث قرب من الحرف الذي منه الفتحة وإن كان بينهما حرف كان مفتوحاً فإذا قرب منه هو كان أجدرَ أن تفتحه وذلك لم يُضارّ. وكذلك تقول: يا إسحارّ أقبل فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلاً بالراء الآخرة لو ثبت الراءان ولم تكن الآخرة حرف الإعراب فجرى عليها ما كان جارياً على تلك كما جرى على ميم مُدّ ما كان بعد الدال الساكنة وامُدُد هو الأصل. إن شئت فتحت اللام إذا أسكنتَ على فتحة انطلق ولم يلْدَ إذا جزموا اللام. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع العرب يقولون وهو قول رجل ألا رُبّ مولود وليس له أب وذي ولد لم يلْدَهُ أبوانِ جعلوا حركته كحركة أقرب المتحركات منه. فهذا كأينَ وكيف. وإنما منع إسحارّا أن يكون بمنزلة مُحمارّ أن أصل محمارّ مُحمارِر يدلك على ذلك فعله إذا قلت لم يَحمارِر. وأما إسحارٌّ فإنما هو اسم وقع مُدّغماً آخره وليس لرائه الأولى في كلامهم نصيب في الحركة ولا تقع إلا ساكنة كما أن الميم الأولى من الحُمّر والراء الأولى من شرّاب لا يقعان إلا ساكنين ليستا عندهم إلا على الإسكان في الكلام وفي الأصل. وسنبيّن ذلك في باب التصريف إن شاء الله.
باب الترخيم

في الأسماء التي كل اسم منها من شيئين كانا بائنين فضُمّ أحدهما إلى صاحبه فجُعلا اسماً واحداً بمنزلة عَنتريس وحَلكوك وذلك مثل حَضرَموت ومَعدي كَرب وبُخْتَ نصّر ومارَسَرجِس ومثل رجل اسمه خمسة عشر ومثل عمرَوَيه. فزعم الخليل رحمه الله أنه تحذف الكلمة التي ضُمّت إلى الصدر رأساً وقال: أراه بمنزلة الهاء. ألا ترى أني إذا حقّرته لم أغيّر الحرف الذي يليه كما لم أغيّر الذي يلي الهاء في التحقير عن حاله التي كان عليها قبل أن يُحقَّر وذلك قولك في تَمرة تُميرَة فحال الراء واحدة. وكذلك التحقير في حضرمَوت تقول حُضَيرَموت وقال: أُراني إذا أضفت إلى الصدر وحذفت الآخر فأقول في مَعدي كَرب: معديّ وأقول في الإضافة إلى أربعة عشر أربعيّ فحذف الاسم الآخر بمنزلة الهاء فهو في الموضع الذي يُحذف فيه ما يثبت في الإضافة أجدر أن يحذف إذا أردت أن ترخّم. وهذا يدل على أن الهاء تُضمّ إلى الأسماء كما يُضمّ الاسم الآخر إلى الأول. ألا ترى أنها لا تُلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة كما أن هذه الأسماء الآخرة لم تُضمّ إلى الصدر لتُلحق الصدر ببنات الأربعة ولا لتُلحقه ببنات الخمسة وذلك لأنها ليست زائدات في الصدور ولا هي منها ولكنها موصولة بها وأُجريت مجرى عنتَريس ونحوه ولا يغيَّر لها بناء كما لا يغيّر لياء الإضافة أو ألف التأنيث أو لغيرهما من الزيادات. وسترى ذلك في موضعه إن شاء الله عز وجل ذكره. كما أن الأسماء الآخرة لم تغيّر بناء الأولى عن حالها قبل أن تُضمّ إليها لم تغيّر خمسة في خمسة عشر عن حالها. فالهاء وهذه الأسماء الآخرة مضمومة إلى الصدور كما يُضمّ المضاف إليه إلى المضاف لأنهما كانا بائنين وُصل أحدهما بالآخر فالآخر بمنزلة المضاف إليه في أنه ليس وإذا رخّمت رجلاً اسمه خمسة عشر قلت: يا خمسةَ أقبل وفي الوقف تبيّن الهاء - يقول لا تجعلها تاء - لأنها تلك الهاء التي كانت في خمسة قبل أن تُضمّ إليها عشرَ. كما أنك لو سمّيت رجلاً مُسلمين قلت في الوقف: يا مُسلِمَهْ لأن الهاء لو أبدلت منها تاء لتُلحق الثلاثة بالأربعة لم تحرّك الميم. وأما اثنا عشر فإذا رخّمته حذفت عشر مع الألف لأن عشر بمنزلة نون مُسلمين والألف بمنزلة الواو وأمره في الإضافة والتحقير كأمر مُسلمين. يقول: تُلقي عشر مع الألف كما تُلقي النون مع الواو. واعلم أن الحكاية لا ترخَّم لأنك لا تريد أن ترخّم غير منادى وليس مما يغيّره النداء وذلك نحو تأبط شراً وبرق نحرُه وما أشبه ذلك. ولو رخّمت هذا لرخمت رجلاً يسمى بقول عنترة: يا دار عبلةَ بالجِواء تكلّمي.
باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً

قال الراجز: وقد وسطْتُ مالِكا وحنظلا أبو حَنَش يؤرقنا وطلْقٌ وعمّارٌ وآوِنةً أُثالا يريد: أثالة. وقال جرير: ألا أضحتْ حِبالكمُ رِماما وأضحت منك شاسعةً أُماما يشقّ بها العساقِل مُؤْجَداتٌ وكلُّ عرَنْدَس ينفي اللُّغاما وقال زهير: خذوا حظّكم يا آل عِكرم واذكروا أواصِرَنا والرِّحمُ بالغيب تُذكرُ وقال آخر وهو ابن حَبْناء التميمي: إن ابن حارثَ إن أشتَقْ لرؤيته أو أمتدِحه فإن الناس قد علموا وأما قول الأسود بن يعفر: أودى ابنُ جُلهُمَ عبّادٌ بصرْمته إن ابن جُلهُم أمسى حيّة الوادي فإنما أراد أمه جُلهم. والعرب يسمون المرأة جُلهم والرجل جُلهُمة. وأما قوله وهو رجل من بني يشكر: لها أشارير من لحم تُتَمّرُه من الثّعالي ووزخزٌ من أرانيَها ومنهلٍ ليس له حَوازق ولِضفادي جَمّه نقانقُ وإنما أراد ضفادع فلما اضطرّ إلى أن يقف آخر الاسم كره أن يقف حرفاً لا يدخله الوقف في هذا الموضع فأبدل مكانه حرفاً يوقَف في الجر والرفع. وليس هذا لأنه حذف شيئاً فجعل الياء عوضاً منه لو كان ذلك لعوضت حارثاً الياء حيث حذفت الثاء وجعلت البقية بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام على ثلاثة أحرف وذلك حين قلت يا حارُ. ولو قلت هذا لقلت يا مَروي إذا أردت أن تجعل ما بقي من مروان بمنزلة ما بقي من حارث حين قلت: يا حارُ.
هذا باب النفي بلا

و(لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب إن لما بعدها. وترك التنوين لما تعمل فيه لازم لأنها جُعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد نحو خمسة عشر وذلك لأنها لا تشبه سائر ما ينصب مما ليس باسم وهو الفعل وما أجري مجراه لأنها لا تعمل إلا في نكرة ولا وما تعمل فيه في موضع ابتداء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر. فلا لا تعمل إلا في نكرة كما أن ربّ لا تعمل إلا في نكرة وكما أن كم لا تعمل في الخبر والاستفهام إلا في النكرة لأنك لا تذكر بعد لا إذا كانت عاملة شيئاً بعينه كما لا تذكر ذلك بعد ربّ وذلك لأن ربّ إنما هي للعدة بمنزلة كم فخولف بلفظها حين خالفت أخواتها كما خولف بأيُّهم حين خالفت الذي وكما قالوا يا الله حين خالفت ما فيه الألف واللام وسترى أيضاً نحو ذلك إن شاء الله عزّ وجلّ. فجعلت وما بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا يا ابن أم فهي مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الآخر. وخولف بخمسة عشر لأنها إنما هي خمسة وعشرة. فلا لا تعمل إلا في نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم الخليل رحمه الله في قولك: هل من عبد أو جارية فصار الجواب نكرة كما أنه لا يقع في هذه المسألة إلا نكرة. واعلم أن لا وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت: هل من رجل فالكلام بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ. وكذلك: ما من رجل وما من شيء والذي يُبنى عليه في زمان أو في مكان ولكنك تضمره وإن شئت أظهرته. وكذلك لا رجل ولا شيء إنما تريد لا رجل في مكان ولا شيء في زمان. والدليل على أن لا رجلَ في موضع اسم مبتدأ وما من رجل في موضع اسم مبتدأ في لغة بني تميم قول العرب من أهل الحجاز: لا رجلَ أفضل منك. وأخبرنا يونس أن من العرب من يقول: ما من رجل أفضلُ منك وهل من رجل خيرٌ منك كأنه قال: ما رجلٌ أفضلُ منك وهل رجلٌ خيرٌ منك. واعلم أنك لا تفصل بين لا وبين للنفي كما لا تفصل بين من وبين ما تعمل فيه وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول: لا فيها رجلَ كما أنه لا يجوز لك أن تقول في الذي هو جوابه هل من فيها رجل. ومع ذلك أنهم جعلوا لا وما بعدها بمنزلة خمسة عشر فقُبح أن يفعلوا بينهما عندهم كما لا يجوز أن يفصلوا بين خمسة وعشر بشيء من الكلام لأنها مشبهة بها. اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت: لا غلامَ لك كما يقع من المضاف إلى اسم وذلك إذا قلت: لا مثلَ زيد. والدليل على ذلك قول العرب: لا أبا لك ولا غلامَيْ لك ولا مُسلمَيْ لك. وزعم الخليل رحمه الله أن النون إنما ذهبت للإضافة ولذلك ألحقت الألف التي لا تكون إلا في الإضافة. وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول: لا أباك في معنى لا أبالك فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللام لكان التنوين ساقطاً كسقوطه في لا مثل زيد فلما جاءوا بلام الإضافة تركوا الاسم على حاله قبل أن تجيء اللام إذ كان المعنى واحداً وصارت اللام بمنزلة الاسم الذي ثُنّي به في النداء ولم يغيروا الأول عن حاله قبل أن تجيء به وذلك قولك: يا تَيْم تَيْم عَديّ وبمنزلة الهاء إذا لحقت طلحةَ في النداء لم يغيّروا آخر طلحةَ عما كان عليه قبل أن تلحق وذلك قولهم: كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ ومثل هذا الكلام قول الشاعر إذا اضطُر للنابغة: يا بؤسَ للجهل ضرّارا لأقوامِ حملوه على أن اللام لو لم تجئ لقلت يا بؤسَ الجهل. وإنما فُعل هذا في المنفي تخفيفاً كأنهم لم يذكروا اللام كما أنهم إذ قالوا يا طلحةَ أقبلْ فكأنهم لم يذكروا الهاء وصارت اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة لا تغيّر الاسم عن حاله قبل أن تلحق كما لا تغيّر الهاء الاسمَ عن حاله قبل أن تلحق فالنفيُ في موضع تخفيف كما أن النداء في موضع تخفيف فمن ثم جاء فيه مثل ما جاء في النداء. وإنما ذهبت النون في لا مُسلمَيْ لك على هذا المثال جعلوه بمنزلة ما لو حُذفت بعده اللام كان مضافاً إلى اسم وكان في معناه إذا ثبتت بعده اللام وذلك قولك: لا أباك فكأنهم لو لم يجيئوا باللام قالوا لا مُسلمَيْك فعلى هذا الوجه حذفوا النون في لا مُسلمَي لك وذا تمثيلٌ وإن لم يُتكلم بلا مسلمَيْكَ. قال مسكين الدارميّ: وقد مات شماخٌ ومات مزَرِّدٌ وأيُّ كريمٍ لا أباكَ يمتَّعُ ويُروى: مخلّدُ. وتقول: لا يَدَينِ بها لك ولا يدينِ اليوم لك إثبات النون أحسن وهو الوجه. وذلك أنك إذا قلت: لا يَدَيْ لك ولا أبالك فالاسمُ بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف إليه شيء نحو لا مِثل زيد فكما قبح أن تقول لا مثل بها زيد فتفصل قبح أن تقول لا يَدَي بها لك ولكن تقول: لا يَدَين بها لك ولا أبَ يوم الجمعة لك كأنك قلت: لا يدين بها ولا أبَ يوم الجمعة ثم جعلت لك وكذلك إن لم تجعل لك خبراً ولم تفصل بينهما وجئت بلك بعد أن تضمر مكاناً وزماناً كإضمارك إذا قلت: لا رجلَ. ولا بأس وإن أظهرت فحسن. ثم تقول لك لتبيّن المنفيّ عنه وربما تركتَها استغناءً بعلم المخاطب وقد تذكرها توكيداً وإن عُلم من تعني. فكما قبح أن تفصل بين المضاف والاسم المضاف إليه قُبح أن تفصل بين لك وبين المنفي الذي قبله لأن المنفي الذي قبله إذا جعلته كأنه اسمٌ لم تفصل بينه وبين المضاف إليه بشيء قبح فيه ما قُبح في الاسم المضاف إلى اسم لم تجعل بينه وبينه شيئاً لأن اللام كأنها ههنا لم تُذكر. ولو قلت هذا لقلت لا أخا هذينِ اليومين لك. وهذا يجوز في الشعر لأن الشاعر إذا اضطرّ فصل بين المضاف والمضاف إليه. قال الشاعر وهو ذو الرمة: كأن أصواتَ من إيغالهنّ بنا أواخرِ المَيس أصواتُ الفراريجِ وإنما اختير الوجهُ الذي تثبَت فيه النون في هذا الباب كما اختير في كم إذا قلت كم بها رجلاً مصاباً وأنت تُخبر لغة من ينصب بها لئلا يفصَل بين الجار والمجرور: ومن قال: كم بها رجل مصاب فلم يُبالِ القبح قال: لا يَدَيْ بها لك ولا أخا يوم الجمعة لك ولا أخا فاعلم لك. والجرّ في كم بها رجلٍ مصابٍ وترك النون في لا يَديْ بها لك قول يونس واحتج بأن الكلام لا يستغني إذا قلت كم بها رجلٍ. والذي يستغني به الكلام وما لا يستغني به قبحهما واحدٌ إذا فصلت بكل واحد منهما بين الجارّ والمجرور. ألا ترى أن قبح كم بها رجلٍ مصاب كقبح رُبّ فيها رجل فلو حسن بالذي لا يستغني به الكلام لحسُن بالذي يستغني به كما أن كل مكان حسن لك أن تفصل فيه بين العامل والمعمول فيه بما يحسن عليه السكوت حسن لك أن تفصل فيه بينهما بما يقبح عليه السكوت. وذلك قولك: إن بها زيداً مصابٌ وإن فيها زيداً قائمٌ وكان بها زيد مصاباً وكان فيها زيدٌ مصاباً. وإنما يفرَق بين الذي يحسُن عليه السكوت وبين الذي لا يحسن عليه في موضع غير هذا. وإثبات النون قول الخليل رحمه الله. وتقول: لا غلامَينِ ولا جريتَيْ لك إذا جعلت الآخِر مضافاً ولم تجعله خبراً له وصار الأول مضمَراً له خبرٌ كأنك قلت: لا غلامين في مِلكك ولا جاريتيْ لك كأنك قلت: ولا جاريتَيك في التمثيل ولكنهم لا يتكلمون. فإنما اختُصّت لا في الأب بهذا كما اختُصّ لدُن مع غُدوةَ بما ذكرت لك. ومن كلامهم أن يجري الشيء على ما لا يستعمل في كلامهم نحو قولهم: ملامحُ ومذاكيرُ لا يستعملون لا مَلمَحةً ولا مِذكاراً وكما جاء عذيرك على مثال ما يكون نكرة ومعرفة نحو ضَرباً وضرْبَك ولا يُتكلم به إلا معرفةً مضافة. وسترى نحو هذا إن شاء الله. ومنه ما قد مضى. وإن شئت قلت: لا غلامين ولا جريتين لك إذا جعلت لك خبراً لهما وهو قول أبي عمرو. وكذلك إذا قلت: لا غلامين لك وجعلت لك خبراً لأنه لا يكون إضافة وهو خبرٌ لأن المضاف يحتاج إلى الخبر مضمَراً أو مظهَراً. ألا ترى أنه لو جاز تيمُ تَيمُ عديّ في غير النداء لم يستقم لك إلا أن تقول ذاهبون. فإذا قلت لا أبا لك فها هنا إضمارُ مكان ولكنه تُرك استخفافاً واستغناء. قال الشاعر وهو نهارُ بن تَوسِعة اليشكُريّ فيما جعله خبراً: أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواهُ إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ وإذا ترك التنوين فليس الاسم مع لا بمنزلة خمسة عشر لأنه لو أراد ذلك لجعل لك خبراً وأظهر النون أو أضمر خبراً ثم جاء بعدها بلك توكيداً ولكنه أجراه مجرى ما ذكرت لك في النداء لأنه موضع حذف وتخفيف كما أن النداء كذلك. وتقول أيضاً إن شئت: لا غلامين ولا جاريتين لك ولا غلامين وجاريتين كأنك قلت: لا غلامين ولا جاريتين في مكان كذا وكذا لك فجاء بلك بعد ما بنى على الكلام الأول في مكان كذا وكذا كما قال: لا يَدَين بها لك حين صيّره كأنه جاء بلك فيه بعد ما قال لا يَدين بها في الدنيا. واعلم أن المنفي الواحد إذا لم يك لك فإنما يُذهب منه التنوين كما أُذهب من آخر خمسة عشر كما أُذهب من المضاف. والدليل على ذلك أن العرب تقول: لا غلامين عندك ولا غلامين فيها ولا أبَ فيها وأثبتوا النون لأن النون لا تُحذف من الاسم الذي يُجعل وما قبله أو وما بعده بمنزلة اسم واحد. ألا تراهم قالوا: الذين في الدار فجعلوا الذين وما بعده من الكلام بمنزلة اسمين جُعلا اسماً واحداً ولم يحذفوا النون لأنها لا تجيء على حدّ التنوين. ألا تراها تدخل في الألف واللام وما لا ينصرف. وإنما صارت الأسماء حين وَلِيَت لك بمنزلة المضاف لأنهم كأنهم ألحقوا اللام بعد اسمٍ كان مضافاً كما أنك حين قلت: يا تيمَ تيمَ عَديّ فإنما ألحقتَ الاسم اسماً كان مضافاً ولم يغيّر الثاني المعنى كما أن اللام لم تغيّر معنى لا أباكَ. وإذا قلت: لا أبَ فيها فليست في من الحروف التي إذا لحقتْ بعد مضاف لم تغيّر المعنى الذي كان قبل أن تلحق. ألا ترى أن اللام لا تغيّر معنى المضاف إلى الاسم إذا صارت بينهما كما أن الاسم الذي يثنّى به لا يغيّر المعنى إذا صار بين الأول والمضاف إليه فمن ثمّ صارت اللام بمنزلة الاسم يثنّى به. وتقول: لا غلامَ وجارية فيها لأن لا إنما تُجعل وما تعمل فيه اسماً واحداً إذا كانت إلى جنب الاسم فكما لا يجوز أن تفصل خمسةً من عشر كذلك لم يستقم هذا لأنه مشبّه به فإذا فارقه جرى على الأصل. قال الشاعر: لا أبَ وابناً مثلُ مَروانَ وابنِه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا وتقول: لا رجلَ ولا امرأةً يا فتى إذا كنت لا بمنزلتها في ليس حين تقول: ليس لك لا رجلٌ ولا امرأة فيها. وقال رجل من بني سُليم وهو أنس بن العبّاس: لا نسبَ اليومَ ولا خُلةً اتّسع الخَرقُ على الراقع وتقول: لا رجلَ ولا امرأةَ فيها فتُعيد لا الأولى كما تقول: ليس عبد الله وليس أخوه فيها فتكون حالُ الآخرة في تثنيتها كحال الأولى. فإن قلت: لا غلامين ولا جاريتين لك إذا كانت الثانية هي الأولى أثبتّ النون لأن لكَ خبرٌ عنهما والنون لا تذهب إذا جعلتهما كاسم واحد لأن النون أقوى من التنوين فلم يُجروا عليها ما أجرَوا على التنوين في هذا الباب لأنه مفارِق للنون ولأنها تثبت فيما لا يَثبت فيه. واعلم أن كل شيء حسن لك أن تُعمل فيه تُبّ حسُن لك أن تعمِل فيه لا. وسألت الخليلَ رحمه الله عن قول العرب: ولاسيما زيدٍ فزعم أنه مثل قولك: ولا مثلَ زيدٍ وما لَغوٌ. وقال: ولاسيما زيدٌ كقولهم دعْ ما زيدٌ وكقوله: " مثلاً ما بَعوضةٌ " فسيٌّ في هذا الموضع بمنزلة مثل فمن ثمّ عملتْ فيه لا كما تعمل رُبّ في مثل وذلك قولك: ربّ مثلِ زيدٍ. وقال أبو محجن الثقفي: يا رُبّ مثلِكِ في النساء غريرةٍ بيضاءَ قد متّعْتُها بطَلاقِ ما يثبت فيه التنوين من الأسماء المنفية وذلك من قبل أن التنوين لم يصر منتهى الاسم فصار كأنه حرف قبل آخر الاسم وإنما يُحذف في النفي والنداء منتهى الاسم. وهو قولك: لا خيراً منه لك ولا حسَناً وجهُه لك ولا ضارباً زيداً لك لأن ما بعد حسنٍ وضاربٍ وخيرٍ صار من تمام الاسم فقبح عندهم أن يحذفوا قبل أن ينتهوا إلى منتهى الاسم لأن الحذف في النفي في أواخر الأسماء. ومثل ذلك قولك: لا عشرين درهماً لك. وقال الخليل رحمه الله: كذلك لا آمِراً بالمعروف لك إذا جعلت بالمعروف من تمام الاسم وجعلتَه متصلاً به كأنك قلت: لا آمِراً معروفاً لك. وإن قلت لا آمِرَ بمعروف فكأنك جئت بمعروف بعد ما بنيتَ على الأول كلاماً كقولك: لا آمِرَ في الدار يوم الجمعة. وإن شئت جعلته كأنك قلت: لا آمِر يوم الجمعة فيها فيصير المبني على الأول مؤخَّراً ويكون المُلغى مقدّماً. وكذلك لا راغباً إلى الله لك ولا مُغيراً على الأعداء لك إذا جعلت الآخِر متصلاً بالأول كاتصال منك بأفعل. وإن جعلته منفصلاً من الأول كانفصال لك من سَقياً لك لم تنوّن لأن يصير حينئذ بمنزلة يوم الجمعة. وإن شئت قلت: لا آمراً يومَ الجمعة إذا نفيتَ الآمرينَ يوم الجمعة لا من سواهم من الآمرين فإذا قلت: لا آمرَ يومَ الجمعة فأنت تنفي الآمرين كلهم ثم أعلمت في أي حين. وإذا قلت لا ضارباً يوم الجمعة فإنما تنفي ضاربي يوم الجمعة في يومه أو في يوم غيره وتجعل يوم الجمعة فيه منتهى الاسم. وإنما نوّنت لأنه صار منتهى الاسم اليوم كما صار ما ذكرتُ منتهى الاسم وصار التنوين كأنه زيادة في الاسم قبل آخِره نحو واو مضروب وألف مُضارب فنونت كما نونتَ في النداء كل شيء صار منتهى الاسم فيه ما بعده وليس منه. فنوِّنْ في هذا ما نوّنتَه في النداء مما ذكرت لك إلا النكرة فإن النكرة في هذا الباب بمنزلة المعرفة في النداء. ولا تعمل لا إلا في النكرة تُجعل معها بمنزلة خمسة عشر فالنكرة ههنا بمنزلة المعرفة هناك إلا ما ذكرت لك.
هذا باب وصف المنفي

اعلم أنك إذا وصفت المنفي فإن شئت نونت صفةَ المنفي وهو أكثر في الكلام وإن شئت لم تنوّن. وذلك قولك: لا غلام ظريفاً لك ولا غلامَ ظريفَ لك. فأما الذين نوّنوا فإنهم جعلوا الاسم ولا بمنزلة اسم واحد وجعلوا صفة المنصوب في هذا الموضع بمنزلته في غير النفي. فإذا قلت: لا غلامَ ظريفاً لك فأنت في الوصف الأول بالخيار ولا يكون الثاني إلا منوّناً من قبل أنه لا تكون ثلاثة أشياء منفصلة بمنزلة اسم واحد. ومثل ذلك: لا غلامَ فيها ظريفاً إذا جعلتَ فيها صفةً أو غير صفة. وإن كررتَ الاسمَ فصار وصفاً فأنت فيه بالخيار إن شئت نوّنتَ وإن شئت لم تنوّن. وذلك قولك: لا ماءَ ماءَ بارداً ولا ماءَ ماءَ بارداً. ولا يكون بارداً إلا منوّناً لأنه وصفٌ ثانٍ.
باب لا يكون الوصف فيه إلا منوناً

وذلك قولك: لا رجلَ اليوم ظريفاً ولا رجلَ فيها عاقلاً إذا جعلت فيها خبراً أو لغواً ولا رجلَ فيك راغباً من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسمٍ واحد وقد فصلتَ بينهما كما أنه لا يجوز لك أن تفصل بين عشر وخمسة في خمسة عشر. ومما لا يكون الوصفُ فيه إلا منوناً قوله: لا ماء سماءٍ لك بارداً ولا مثلَه عاقلاً من قبل أن المضاف لا يُجعل مع غيره بمنزلة خمسة عشر وإنما يذبه التنوين منه كما يذهب منه في غير هذا الموضع فمن ثمّ صار وصفُه بمنزلته في غير هذا الموضع. ألا ترى أن هذا لو لم يكن مضافاً لم يكن إلا منوناً كما يكون في غير باب النفي وذلك قولك: لا ضارباً زيداً لك ولا حسناً وجهَ الأخ فيها. فإذا كففتَ التنوين وأضفت كا بمنزلته في غير هذا الباب كما كان كذلك غيرَ مضاف فلما صار التنوين إنما يُكَفّ للإضافة جرى على الأصل. فإذا قلت: لا ماءَ ولا لبنَ ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار في التنوين وتركه. فإذا جعلت الصفة للماء لم يكن الوصفُ إلا منوّناً لأنه لا يُفصَل بين الشيئين اللذين يجعلان بمنزلة اسم واحد مضمَراً أو مظهَراً لأنهما قد صارا اسماً واحداً بمنزلة زيد ويحتاجان إلى الخبر مضمَراً أو مظهَراً. ألا ترى أنه لو جاز تَيمُ تيمُ عديّ لم يستقم إلا أن تقول ذاهبون. فإذا قلت لا أبا لك فها هنا إضمار مكان.
باب لا تسقط فيه النون وإن وَلِيَتْ لك

وذلك قولك: لا غلامين ظريفين ولا مسلمين صالحين لك من قبل أن الظريفين والصالحين نعتٌ للمنفي ومن اسمه وليس واحدٌ من الاسمين ولِيَ لا ثم ولِيتَه لك ولكنه وصف وموصوف فليس للموصوف سبيل إلى الإضافة. ولم يجئ ذلك في الوصف لأنه ليس بالمنفي وإنما هو صفة وإنما جاز التخفيف في النفي فلم يجز ذلك إلا في المنفي كما أنه يجوز في المنادى أشياء لا تجوز في وصفه من الحذف والاستخفاف. وقد بُيّن ذلك.
باب ما جرى على موضع المنفي

فمن ذلك قول ذي الرّمة: بها العِينُ والآرامُ لا عِدَّ عندَها ** ولا كَرَعٌ إلا المَغاراتُ والرَّبْلُ وقال رجل من بني مَذحِج: هذا لعَمرُكم الصَّغارُ بعينه لا أمَّ لي إن كان ذاك ولا أبُ فزعم الخليل رحمه الله أن هذا يجري على الموضع لا على الحرف الذي عمل في الاسم كما أن الشاعر حين قال: فلسنا بالجبال ولا الحديدا أجراه على الموضع. ومن ذلك أيضاً قول العرب: لا مالَ له قليلٌ ولا كثير رفعوه على الموضع. ومثل ذلك أيضاً قول العرب: لا مثلَه أحدٌ ولا كزيد أحدٌ. وإن شئت حملتَ الكلام على لا فنصبت. وتقول: لا مثلَه رجلٌ إذا حملته على الموضع كما قال بعضُ العرب: لا حولَ ولا قوة إلا بالله. وإن شئت حملته على لا فنوّنته ونصبته. وإن شئت قلت: لا مثلَه رجلاً على قوله: لي مثلُه غلاماً. وقال ذو الرمة: وقال الخليل رحمه الله: يدلك على أن لا رجلَ في موضع اسم مبتدأ مرفوع قولك: لا رجلَ أفضلُ منك كأنك قلت: زيدٌ أفضل منك. ومثل ذلك: بحَسبك قول السّوْء كأنك قلت: حسبك قولُ السّوْء. وقال الخليل رحمه الله: كأنك قلت: رجلٌ أفضل منك حين مثّله. وأما قول جرير: يا صاحبَيّ دنا الرّواحُ فسِيرا لا كالعشيةِ زائراً ومَزورا فلا يكون إلا نصباً من قبل أن العشية ليست بالزائر وإنما أراد: لا أرى كالعشية زائراً كما تقول: ما رأيت كاليوم رجلاً فكاليوم كقولك في اليوم لأن الكاف ليست باسم. وفيه معنى التعجب كما قال: تالله رجلاً وسبحان الله رجلاً وإنما أراد: تالله ما رأيت رجلاً ولكنه يترك الإظهار استغناءً لأن المخاطَب يعلم أن هذا الموضع إنما يضمَر فيه هذا الفعل لكثرة استعمالهم إياه. وتقول: لا كالعشية عشيةٌ ولا كزيد رجلٌ لأن الآخِر هو الأول ولأن زيداً رجل وصار لا كزيد كأنك قلت: لا أحدَ كزيد ثم قلت رجلٌ كما تقول: لا مال له قليلٌ ولا كثير على الموضع. قال الشاعر امرؤ القيس: كأنه قال: ولا شيء كهذا ورفع على ما ذكرتُ لك. وإن شئت نصبته على نصبه: فهل في مَعدّ فوق ذلك مِرفَدا كأنه قال: لا أحدَ كزيد رجلاً وحمل الرجل على زيد كما حمل المرفد على ذلك. وإن شئت نصبتَه على ما نصبتَ عليه لا مال له قليلاً ولا كثيراً. ونظير لا كزيد في حذفهم الاسم قولُهم: لا عليك وإنما يريد: لا بأس عليك ولا شيء عليك ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه.
باب ما لا تُغيّر فيه لا الأسماء عن حالها التي كانت عليها

قبل أن تدخل لا ولا يجوز ذلك إلا أن تُعيد لا الثانية من قبل أنه جواب لقوله: أغلامٌ عندك أم جارية إذا ادّعيتَ أن أحدهما عنده. ولا يحسن إلا أن تُعيد لا كما أنه لا يحسن إذا أردت المعنى الذي تكون فيه أم إلا أن تذكرها مع اسم بعدها. وإذا قال لا غلامَ فإنما هي جوابٌ لقوله: هل من غلام وعملتْ لا فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء كما عملتْ مِن في الغلام وإن كان في موضع ابتداء. فمما لا يتغير عن حاله قبل أن تدخل عليه لا قولُ الله عز وجلّ ذكره: " لا خوفَ عليهم ولا هُم يحزنون ". وقال الشاعر الراعي: وما صرَمْتُكِ حتى قلتِ مُعلنةً لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ وقد جُعلت وليس ذلك بالأكثر بمنزلة ليس. وإن جعلتها بمنزلة ليس كانت حالُها كحال لا في أنها في موضع ابتداء وأنها لا تعمل في معرفة. فمن ذلك قول سعد بن مالك: مَن صدّ عن نيرانها فأنا ابنُ قيسٍ لا بَراحُ واعلم أن المعارف لا تجري مجرى النكرة في هذا الباب لأن لا لا تعمل في معرفة أبداً. فأما قول الشاعر: لا هيثَمَ الليلةَ للمَطيّ فإنه جعله نكرة كأنه قال: لا هيثمَ من الهيثمَين. ومثل ذلك: لا بضرةَ لكم. وقال ابن الزبير الأسدي: أرى الحاجاتِ عند أبي خُبَيبٍ نكِدْنَ ولا أميّةَ بالبلادِ وتقول: قضية ولا أبا حسن تجعله نكرة. قلت: فكيف يكون هذا وإنما أراد عليّا رضي الله عنه فقال: لأنه لا يجوز لك أن تعمِل لا في معرفة وإنما تعملها في النكرة فإذا جعلت أبا حسنٍ نكرة حسن لك أن تعمِل لا وعلم المخاطَب أنه قد دخل في هؤلاء المنكورين عليٌّ وأنه قد غُيِّب عنها. فإن قلت: إنه لم يُردْ أن ينفي كل من اسمُه علي فإنما أراد أن ينفي منكورين كلهم في قضيته مثلُ عليّ كأنه قال: لا أمثالَ عليّ لهذه القضية ودلّ هذا الكلام على أنه ليس لها عليّ وأنه قد غيّب عنها. وإن جعلته نكرةً ورفعته كما رفعت لا بَراحُ فجائز. ومثله قول الشاعر مُزاحم العُقَيلي: فرَطْنَ فلا ردّ لما بُتّ وانقضى ولكن بغوضٌ أن يقالَ عديمُ وقد يجوز في الشعر رفع المعرفة ولا تثنى لا. قال الشاعر: بكتْ جزعاً واسترجعت ثم آذنتْ ركائبها أن لا إلينا رجوعُها واعلم أنك إذا فصلت بين لا وبين الاسم بحشو لم يحسن إلا أن تعيد لا الثانية لأنه جُعل جواب: أذا عندك أم ذا ولم تُجعل لا في هذا الموضع بمنزلة ليس وذلك لأنهم جعلوها إذا رفعتْ مثلها إذا نصبتْ لا تفصل لأنها ليست بفعل. فمما فُصل بينه وبين لا بحشوٍ قوله جل ثناؤه: " لا فيها غَوْلٌ ولا هم عنها يُنزَفون ". ولا يجوز لا فيها أحد إلا ضعيفاً ولا يحسن لا فيك خيرٌ فإن تكلّمت به لم يكن إلا رفعاً لأن لا لا تعمل إذا فُصل بينها وبين الاسم رافعةً ولا ناصبة لما ذكرت لك. وتقول: لا أحد أفضل منك إذا جعلته خبراً وكذلك: لا أحدَ خيرٌ منك: قال الشاعر: وردّ جازرُهم حَرفاً مُصَرّمةً ولا كريمَ من الوِلدان مصبوحُ لما صار خبراً جرى على الموضع لأنه ليس بوصف ولا محمول على لا فجرى مجرى: لا أحدَ فيها إلا زيد. وإن شئت قلت: لا أحدٌ أفضلَ منك في قول من جعلها كليس ويُجريها مجراها ناصبة في المواضع وفيما يجوز أن يُحمَل عليها. ولم تُجعل لا التي كليس مع ما بعدها كاسم واحد لئلا يكون الرافع كالناصب. وليس أيضاً كل شيء يخالف بلفظه يجري مجرى ما كان في معناه.
باب لا تجوز فيه المعرفة إلا أن تُحمَل على الموضع

لأنه لا يجوز للا أن تعمل في معرفة كما لا يجوز ذلك لربّ فمن ذلك قولك: لا غلام لك ولا العبّاسُ. فإن قلت: أحملُه على لا فإنه ينبغي لك أن تقول: ربّ غلامٍ لك والعباس وكذلك لا غلام لك وأخوه. فأما من قال: كلَّ شاة وسخلتِها بدرهم فإنه ينبغي له أن يقول: لا رجلَ لك وأخاه لأنه كأنه قال: لا رجلَ لك وأخاً له.
باب ما إذا لحقته لا لم تغيره عن حاله التي كان عليها

قبل أن تلحق وذلك لأنها لحقت ما قد عمل فيه غيرُها كما أنها إذا لحقت الأفعال التي هي بدل منها لم تغيّرها عن حالها التي كانت عليها قبل أن تلحق. ولا يلزمك في هذا الباب تثنية لا كما لا تثنّي لا في الأفعال التي هي بدل منها. وذلك قولك: لا مرحَباً ولا أهلاً ولا كرامةً ولا مسرّةً ولا شللاً ولا سقياً ولا رَعياً ولا هنيئاً ولا مريئاً صارت لا مع هذه الأسماء بمنزلة اسم منصوب ليس معه لا لأنها أجريت مجراها قبل أن تلحق لا. ومثل ذلك: لا سلامٌ عليك لم تغيّر الكلام عما كان عليه قبل أن تلحق. وقال جرير: ونُبّئتُ جوّاباً وسَكناً يسبّني وعمرو بن عفرا لا سلامٌ على عمرِو فلم يلزمك في ذا تثنية لا كما لم يلزمك ذلك في الفعل الذي فيه معناه وذلك لا سلّم الله عليه. فدخلتْ في ذا الباب لتنفي ما كان دُعاء كما دخلت على الفعل الذي هو بدلٌ من لفظه. ومثلُ لا سلامٌ على عمرو: لا بك السّوْء لأن معناه لا ساءك الله. ومما جرى مجرى الدعاء مما هو تطلُّقٌ عند طلب الحاجة وبشاشة نحو كرامةً ومسرّةً ونُعمةَ عين. فدخلتْ على هذا كما دخلتْ على قوله: ولا أُكرمُك ولا أسُرّك ولا أُنعمُك عيناً. ولو قبح دخولها هنا لقبح في الاسم كما قبح في لا ضَرباً لأنه لا يجوز: لا اضربْ في الأمر. وقد دخلت في موضع غير هذا فلم تغيّره عن حاله قبل أن تدخله وذلك قولهم: لا سَواء وإنما دخلت لا هنا لأنها عاقبت ما ارتفعتْ عليه سواء. ألا ترى أنك لا تقول هذان لا سواءٌ فجاز هذا كما جاز: لا ها اللهِ ذا حين عاقبتْ ولم يجز ذكر الواو. وقالوا: لا نَوْلك أن تفعل لأنهم جعلوه معاقِباً لقوله: لا ينبغي أن تفعل كذا وكذا وصار بدلاً منه فدخل فيه ما دخل في ينبغي كما دخل في لا سلامٌ ما دخل في سلّم. واعلم أن لا قد تكون في بعض المواضع بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه ليس معه شيء وذلك نحو قولك: أخذتَه بلا ذَنب وأخذته بلا شيء وغضبتَ من لا شيء وذهبتَ بلا عتاد والمعنى معنى ذهبت بغير عتاد وأخذتَه بغير ذنب إذا لم ترد أن تجعل غيراً شيئاً أخذه ومثل ذاك قولك للرجل: أجئتَنا بغير شيء أي رائقاً. وتقول إذا قلّلتَ الشيءَ أو صغّرتَ أمره: ما كان إلا كلا شيء وإنك ولا شيئاً سواءٌ. ومن هذا النحو قول الشاعر وهو أبو الطّفيل: تركتَني حين لا مالٍ أعيشُ به وحين جُنّ زمانُ الناس أو كَلِبا والرفع عربي على قوله: حين لا مُستَصْرَخُ و: لا بَراحُ والنصبُ أجودُ وأكثر من الرفع لأنك إذا قلت لا غلامَ فهي أكثر من الرافعة التي بمنزلة ليس. قال الشاعر وهو العجّاج: حنّت قَلوصي حين لا حينَ مَحَنّْ وأما قول جرير: ما بالُ جهلِك بعد الحِلم والدين وقد علاكَ مَشيبٌ حين لا حينِ فإنما هو حينَ حينٍ ولا بمنزلة ما إذا أُلغيتْ. واعلم أنه قبيح أن تقول: مررتُ برجل لا فارسٍ حتى تقول: لا فارسٍ ولا شجاع. ومثلُ ذلك: هذا زيدٌ لا فارساً لا يحسن حتى تقول: لا فارساً ولا شجاعاً. وذلك أنه جوابٌ لمن قال أو لمن تجعله ممن قال: أبرجلٍ شجاع مررتَ أم بفارسٍ وكقوله: أفارسٌ زيدٌ أم شجاع وقد يجوز على ضعفه في الشعر. قال رجلٌ من بني سَلول: وأنتَ امرؤٌ منا خُلقتَ لغيرنا حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجِعُ فكذلك هذه الصفات وما جعلته خبراً للأسماء نحو: زيدٌ لا فارسٌ ولا شجاع. واعلم أن لا في الاستفهام تعمل فيما بعدها كما تعمل فيه إذا كانت في الخبر فمن ذلك قوله البيت لحسّان بن ثابت: ألا طِعانَ ولا فُرسانَ عاديةً إلا تَجشّؤُكم عند التنانيرِ وقال في مثل: أفلا قُماصَ بالعَير. ومن قال: لا غلام ولا جارية قال: ألا غلامٌ وألا جارية. واعلم أن لا إذا كانت مع ألف الاستفهام ودخل فيها معنى التمني عملتْ فيما بعدها فنصبته ولا يحسن لها أن تعمل في هذا الموضع إلا فيما تعمل فيه في الخبر وتسقط النون والتنوين في التمني كما سقطا في الخبر. فمن ذلك: ألا غلامَ لي وألا ماءَ بارداً. ومن قال: لا ماءَ باردَ قال: ألا ماء باردَ. وتقول: ألا غلامين أو جاريتين لك كما تقول: لا غلامين وجاريتين لك. وتقول: ألا ماءَ ولبناً كما قلت: لا غلامَ وجاريةً لك تُجريها مجرى لا ناصبة في جميع ما ذكرتُ لك. وسألت الخليل رحمه الله عن قوله: ألا رجلاً جزاه الله خيراً يدلّ على محصلةٍ تبيتُ فزعم أنه ليس على التمني ولكنه بمنزلة قول الرجل: فهلاّ خيراً من ذلك كأنه قال: ألا تُروني رجلاً جزاه الله خيراً. وأما يونس فزعم أنه نوّن مضطراً وزعم أن قوله: لا نسبَ اليومَ ولا خُلّةً على الاضطرار. وأما غيره فوجّهه على ما ذكرتُ لك. والذي قال مذهب. ولا يكون الرفع في هذا الموضع لأنه ليس بجواب لقوله: أذا عندك أم ذا وليس في ذا الموضع معنى ليس. وتقول: ألا ماء وعسلاً بارداً حلواً لا يكون في الصفة إلا التنوين لأنك فصلت بين الاسم والصفة حين جعلتَ البرد للماء والحلاوةَ للعسل. ومن قال: لا غلامَ أفضلُ منك لم يقل في ألا غلامَ أفضلَ منك إلا بالنصيب لأنه دخل فيه معنى التمني وصار مستغنياً عن الخبر كاستغناء اللهمّ غلاماً ومعناه اللهم هب لي غلاماً.
هذا باب الاستثناء

فحرفُ الاستثناء إلا. وما جاء من الأسماء فيه معنى إلا فغيرٌ وسوًى. وما جاء من الأفعال فيه معنى إلا فلا يكون وليس وعدا وخلا. وما فيه ذلك المعنى من حروف الإضافة وليس باسم فحاشى وخلا في بعض اللغات. وسأبين لك أحوال هذه الحروف إن شاء الله عز وجل الأولَ فالأول.
باب ما يكون استثناء بإلا

اعلم أن إلا يكون الاسم بعدها على وجهين: فأحدُ الوجهين أن لا تغير الاسم عن الحال التي كان عليها قبل أن تلحق كما أن لا حين قلت: لا مرحباً ولا سلامٌ لم تغيّر الاسم عن حاله قبل أن تلحق فكذلك إلا ولكنها تجيء لمعنى كما تجيء لا لمعنى. والوجه الآخر أن يكون الاسم بعدها خارجاً مما دخل فيه ما قبله عاملاً فيه ما قبله من الكلام كما تعمل عشرون فيما بعدها إذا قلت عشرون درهماً. فأما الوجه الذي يكون فيه الاسم بمنزلته قبل أن تلحق إلا فهو أن تُدخل الاسم في شيء تنفي عنه ما سواه وذلك قوله: ما أتاني إلا زيدٌ وما لقيتُ إلا زيداً وما مررتُ إلا بزيدٍ تُجري الاسم مجراه إذا قلت ما أتاني زيدٌ وما لقيتُ زيداً وما مررتُ بزيد ولكنك أدخلت إلا لتوجب الأفعال لهذه الأسماء ولتنفي ما سواها فصارت هذه الأسماء مُستثناة. فليس في هذه الأسماء في هذا الموضع وجه سوى أن تكون على حالها قبل أن تلحق إلا لأنها بعد إلا محمولة على ما يجرّ ويرفع وينصب كما كانت محمولة عليه قبل أن تلحق إلا ولم تشغل عنها قبل أن تلحق إلا الفعلَ بغيرها.
باب ما يكون المستثنى فيه بدلاً مما نفى عنه ما أُدخل فيه

وذلك قولك: ما أتاني أحدٌ إلا زيدٌ وما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٍ وما رأيتُ أحداً إلا زيداً جعلت المستثنى بدلاً من الأول فكأنك قلت: ما مررتُ إلا بزيدٍ وما أتاني إلا زيدٌ وما لقيتُ إلا زيداً. كما أنك إذا قلت: مررت برجلٍ زيدٍ فكأنك قلت: مررتُ بزيدٍ. فهذا وجه الكلام أن تجعل المستثنى بدلاً من الذي قبله لأنك تُدخله فيما أخرجتَ منه الأول. ومن ذلك قولك: ما أتاني القومُ إلا عمرو وما فيها القومُ إلا زيدُ وليس فيها القوم إلا أخوك ومن قال: ما أتاني القومُ إلا أباك لأنه بمنزلة أتاني القومُ إلا أباك فإنه ينبغي له أن يقول: " ما فعلوه إلا قليلاً منهم ". وحدّثني يونس أن أبا عمرو كان يقول: الوجهُ ما أتاني القومُ إلا عبد الله. ولو كان هذا بمنزلة أتاني القوم لما جاز أن تقول: ما أتاني أحد كما أنه لا يجوز أتاني أحدٌ ولكن المستثنى في هذا الموضع مبدَلٌ من الاسم الأول ولو كان من قبل الجماعة لما قلت: " ولم يكنْ لهم شُهداءُ إلا أنفسُهُم " ولكان ينبغي له أن يقول ما أتاني أحدٌ إلا قد قال ذاك إلا زيد لأنه ذكر واحداً. ومن ذلك أيضاً: ما فيهم أحدٌ اتخذتُ عنده يداً إلا زيدٌ وما فيهم خيرٌ إلا زيدٌ إذا كان زيد هو الخير. وتقول: ما مررتُ بأحد يقول ذاك إلا عبدِ الله وما رأيت أحداً يقول ذاك إلا عبد الله وما رأيت أحداً يقول ذاك إلا زيداً. هذا وجه الكلام. وإن حملتَه على الإضمار الذي في الفعل فقلت: ما رأيت أحداً يقول ذاك إلا زيد ورفعت فجائز حسن. وكذلك ما علمت أحداً يقول ذاك إلا زيداً. وإن شئت رفعت فعربيّ. قال الشاعر وهو عديّ بن زيد: في ليلةٍ لا نرى بها أحداً يحكي علينا إلا كواكبُها وكذلك ما أظن أحداً يقول ذاك إلا زيداً. وإن رفعتَ فجائز حسن. وكذلك ما علمت أحداً وإنما اختير النصبُ هنا لأنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدَل منه وأن لا يكون بدلاً إلا من منفيّ فالمبدَل منه منصوب منفي ومضمَره مرفوع فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلاً منه لأنه هو المنفي وهذا وصف أو خبر وقد تكلموا بالآخر لأن معناه النفي إذا كان وصفاً لمنفي كما قالوا: قد عرفت زيدٌ أبو مَن هو لما ذكرتُ لك لأن معناه معنى المستفهَم عنه. وقد يجوز: ما أظن أحداً فيها إلا زيدٌ ولا أحدَ منهم اتخذتُ عنده يداً إا زيدٍ على قوله: إلا كواكبُها. وتقول: ما ضربتُ أحداً يقول ذاك إلا زيداً لا يكون في ذا إلا النصب وذلك لأنك أردت في هذا الموضع أن تخبر بموقوع فعلِك ولم ترد أن تخبر أنه ليس يقول ذاك إلا زيد ولكنك أخبرت أنك ضربت ممن يقول ذاك زيداً. والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيدٌ ولكنك قلت رأيتُ أو ظننت أو نحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت. ولو جعلت رأيت رؤية العين كان بمنزلة ضربت. قال الخليل رحمه الله: ألا ترى أنك تقول: ما رأيته يقول ذاك إلا زيد وما ظننته يقوله إلا عمرو. فهذا يدلك على أنك إنما انتحيت على القول ولم ترد أن تجعل عبد الله موضعَ فعل كضربتُ وقتلت ولكنه فعلٌ بمنزلة ليس يجيء لمعنى وإنما يدل على ما في علمك. وتقول: قلّ رجلٌ يقول ذاك إلا زيدٌ فليس زيدٌ بدلاً من الرجل في قلّ ولكن قلّ رجلٌ في موضع أقلُّ رجل ومعناه كمعناه. وأقلّ رجلٍ مبتدأ مبنيّ عليه والمستثنى بدل منه لأنك تُدخله في شيء تُخرج منه مَن سواه. وكذلك أقلّ من يقول ذلك وقلّ من يقول ذاك إذا جعلتَ مَن بمنزلة رجلٍ. حدّثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال: ربّ ما تكره النفوسُ مِن الأ مر له فَرجةٌ كحلِّ العِقالِ فجعل ما نكرة.
باب ما حُمل على موضع العامل في الاسم

والاسم لا على ما عمل في الاسم ولكن الاسم وما عمل فيه في موضع اسم مرفوع أو منصوب. وذلك قولك: ما أتاني من أحدٍ إلا زيدٌ وما رأيت من أحدٍ إلا زيداً. وإنما منعك أن تحمل الكلام على مِن أنه خلفٌ أن تقول: ما أتاني إلا من زيد فلما كان كذلك حمله على الموضع فجعله بدلاً منه كأنه قال: ما أتاني أحد إلا فلان لأن معنى ما أتاني أحد وما أتاني من أحدٍ واحدٌ ولكن مِن دخلت هنا توكيداً كما تدخل الباء في قولك: كفى بالشيب والإسلام وفي: ما أنت بفاعل ولستَ بفاعلٍ. ومثل ذلك: ما أنت بشيء إلا شيء لا يُعبَأ به من قبل أن بشيء في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبُح أن تحمله على الباء صار كأنه بدل من اسم مرفوع وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع منصوب ولكنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يُعبَأ به استوت اللغتان فصارت ما على أقيس الوجهين لأنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يُعبَأ به فكأنك قلت: ما أنت إلا شيء لا يُعبَأ به. وتقول: لستَ بشيء إلا شيئاً لا يُعبَأ به كأنك قلت: لستَ إلا شيئاً لا يُعبَأ به والباء ههنا بمنزلتها فيما قال الشاعر: يا ابْنَيْ لُبَينَي لستُما بيدٍ إلا يداً ليست لها عضُدُ ومما أجري على الموضع لا على ما عمل في الاسم: لا أحدَ فيها إلا عبد الله فلا أحدَ في موضع اسم مبتدأ وهي ههنا بمنزلة من أحدَ في ما أتاني. ألا ترى أنك تقول: ما أتاني من أحدٍ لا عبدُ الله ولا زيدٌ من قبل أنه خلفٌ أن تحمل المعرفة على مِن في ذا الموضع كما تقول لا أحدَ فيها لا زيدٌ ولا عمرو لأن المعرفة لا تُحمل على لا وذلك أن هذا الكلام جواب لقوله: هل مِن وتقول: لا أحدَ رأيته إلا زيد إذا بنيتَ رأيته على الأول كأنك قلت: لا أحدَ مرئي. وإن جعلت رأيته صفةً فكذلك كأنك قلت لا أحدَ مرئياً. وتقول: ما فيها إلا زيدٌ وما علمتُ أن فيها إلا زيداً. فإن قلبتَه فجعلتَه يلي أن وما في لغة أهل الحجاز قبح ولم يَجز لأنهما ليسا بفعل فيُحتمل قلبُهما كما لم يجز فيهما التقديم والتأخير ولم يجز ما أنت إلا ذاهباً ولكنه لما طال الكلام قويَ واحتُمل ذلك كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتزداد حُسناً. وسترى ذلك إن شاء الله ومنها ما قد مضى. وتقول: إن أحداً لا يقول ذاك وهو ضعيف خبيث لأن أحداً لا يستعمل في الواجب وإنما نفيتَ بعد أن أوجبتَ ولكنه قد احتُمل حيث كان معناه النفي كما جاز في كلامهم: قد عرفتُ زيدٌ أبو مَن هو حيث كان معناه أبو مَن زيدٌ. فمن أجاز هذا قال: إن أحداً لا يقول هذا إلا زيداً كما أنه يقول على الجواز: رأيتُ أحداً لا يقول ذاك إلا زيداً يصير هذا بمنزلة ما أعلمُ أن أحداً يقول ذاك كما صار هذا بمنزلة ما رأيتُ حيث دخله معنى النفي. وإن شئت قلت إلا زيدٌ فحملته على يقول كما جاز: يحكي علينا إلا كواكبُها وليس هذا في القوة كقولك: لا أحدَ فيها إلا زيدٌ وأقلُّ رجلٍ رأيتُه إلا عمرو لأن هذا الموضع إنما ابتُدئ مع معنى النفي وهذا موضعُ إيجاب وإنما جيء بالنفي بعد ذلك في الخبر فجاز الاستثناء أن يكون بدلاً من الابتداء حين وقع منفياً. ولا يجوز أن يكون الاستثناء أولاً لو لم يقل أقلُّ رجلٍ ولا رجلَ لأن الاستثناء لابد له ها هنا من النفي. وجاز أن يُحمل على إن هاهنا حيث صارت أحد كأنها منفية.
باب النصب فيما يكون مستثنى مبدَلاً

حدثنا بذلك يونس وعيسى جميعاً أن بعض العرب الموثوقَ بعربيته يقول: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيداً وما أتاني أحدٌ إلا زيداً. وعلى هذا: ما رأيت أحداً إلا زيداً فينصب زيداً على غير رأيت وذلك أنك لم تجعل الآخر بدلاً من الأول ولكنك جعلته منقطعاً مما عمل في الأول. والدليل على ذلك أنه يجيء على معنى: ولكن زيداً ولا أعني زيداً. وعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم إذا قلت عشرون درهماً. ومثله في الانقطاع من أوله: إن لفُلان والله مالاً إلا أنه شقيّ فأنه لا يكون أبداً على إن لفلان وهو في موضع نصبٍ وجاء على معنى: ولكنه شقيّ.
هذا باب يختار فيه النصب

لأن الآخِر ليس من النوع الأول وهو لغة أهل الحجاز وذلك قولك: ما فيها أحد إلا حماراً جاءوا به على معنى ولكن حماراً وكرهوا أن يُبدلوا الآخِر من الأول فيصيرَ كأنه من نوعه فحُمل على معنى ولكن وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم. وأما بنو تميم فيقولون: لا أحدَ فيها إلا حمارٌ أرادوا ليس فيها إلا حمار ولكنه ذكر أحداً توكيداً لأن يُعلم أن ليس فيها آدميّ ثم أبدل فكأنه قال: ليس فيها إلا حمارٌ. وإن شئت جعلته إنسانها. قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي: فإن تُمسِ في قبرٍ برَهوَةَ ثاوياً أنيسُك أصداءُ القبور تصيحُ فجعلهم أنيسَه. ومثل ذلك قوله: ما لي عتابٌ إلا السيف جعله عتابه. كما أنك تقول: ما أنت إلا سيراً إذا جعلته هو السير. وعلى هذا أنشدت بنو تميم قولَ النابغة الذبياني: يا دارَ ميّةَ بالعلياء فالسّندِ أقوَتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ وقفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائلها عيّتْ جواباً وما بالرّبع من أحدِ إلا أُواريُّ لأياً ما أبيّنها والنّؤيُ كالحوض بالمظلومة الجلَدِ وأهل الحجاز ينصبون. ومثل ذلك قوله: جعلها أنيسها. وإن شئت كان على الوجه الذي فسّرته في الحمار أول مرة. وهو في كلا المعنيين إذا لم تنصب بدلٌ. ومن ذلك من المصادر: ما له عليه سلطانٌ إلا التكلف لأن التكلف ليس من السلطان. وكذلك: إلا أنه يتكلف هو بمنزلة التكلف. وإنما يجيء هذا على معنى ولكنْ. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ ذكره: " ما لهم به من عِلمٍ إلا اتّباعَ الظنّ " ومثله: " وإن نشأْ نُغرقْهُم فلا صريحَ لهم ولا هُم يُنقَذون. إلا رحمةً منا ". ومثل ذلك قول النابغة: حلفتُ يميناً غيرَ ذي مَثنَوِيةٍ ولا عِلمَ إلا حُسنَ ظنٍّ بصاحبِ وأما بنو تميم فيرفعون هذا كله يجعلون اتّباع الظن علمهم وحُسنَ الظن علمه والتكلّف سلطانه. وهم يُنشدون بيت ابن الأيهم التغلبي رفعاً: ليس بيني وبين قيسٍ عِتابُ غيرُ طعنِ الكُلى وضربِ الرّقابِ جعلوا ذلك العتاب. وأهل الحجاز ينصبون على التفسير الذي ذكرنا. وزعم الخليل أن الرفع في هذا على قوله: وخيلٍ قد دلَفتُ لها بخيلٍ تحيةُ بينِهم ضربٌ وَجيعُ جعل الضرب تحيّتَهم كما جعلوا اتّباع الظن علمَهم. وإن شئت كانت على ما فسّرتُ لك في الحمار إذا لم تجعله أنيسَ ذلك المكان. وقال الحارث بن عُبار: والحربُ لا يبقى لجا حمِها التّخيلُ والمِراحُ إلا الفتى الصبّارُ في الن جَدَات والفرسُ الوَقاحُ وقال: لم يغذُها الرِّسلُ ولا أيسارُها إلا طريُّ اللحمِ واستجزارُها وقال: عشيةَ لا تُغني الرماحُ مكانها ولا النّبلُ إلا المشرَفيّ المصَمّمُ وهذا يقوي: ما أتاني زيدٌ إلا عمرٌو وما أعانه إخوانُكم إلا إخوانُه لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا منها
باب ما لا يكون إلا على معنى

ولكن فمن ذلك قوله تعالى: " لا عاصمَ اليومَ من أمر الله إلا مَن رحم " أي ولكن من رحم. وقوله عز وجلّ: " فلولا كانت قرية آمنتْ فنفعها إيمانُها إلا قومَ يونسَ لمّا آمنوا " أي ولكن قوم يونس لما آمنوا. وقوله عز وجل: " فلولا كانَ من القرون من قبلِكم أولوا بقيةٍ ينهونَ عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم " أي ولكن قليلاً مما أنجينا منهم. وقوله عز وجلّ: " أُخرِجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربُّنا الله " أي ولكنهم يقولون: ربُنا الله. وهذا الضربُ في القرآن كثير. ومن ذلك من الكلام: لا تكوننّ من فلان في شيء إلا سلاماً بسلام. ومثل ذلك أيضاً من الكلام فيما حدّثنا أبو الخطاب: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ. فما مع الفعل بمنزلة اسم نحو النقصان والضّرر. كما أنك إذا قلت: ما أحسنَ ما كلّم زيداً فهو ما أحسنَ كلامَ زيداً. ولولا ما لم يجز الفعل بعدُ إلا في ذا الموضع كما لا يجوز بعد ما أحسنَ بغير ما كأنه قال: ولكنه ضرّ وقال: ولكنه نقص. هذا معناه. ومثل ذلك من الشعر قول النابغة: ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفَهم بهنّ فلولٌ من قِراعِ الكتائب أي ولكن سيوفهم بهن فلول. وقال النابغة الجعدي: فتى كمُلت خيراتُه غير أنه جوادٌ فلا يُبقي من المال باقيا كأنه قال: ولكنه مع ذلك جواد. ومثل ذلك قول الفرزدق: كأنه قال: ولكني ابنُ غالب. ومثل ذلك في الشعر كثيرٌ. ومثل ذلك قوله وهو قول بعض بني مازن يقال له عنزُ بن دجاجة: من كان أشركَ في تفرّق فالجٍ فلَبُونه جرِبَت معاً وأغدّتِ إلا كناشرةَ الذي ضيّعتُم كالغُصن في غُلوائه المنبّتِ كأنه قال: ولكن هذا كناشرة. وقال: لولا ابنُ حارثة الأميرُ لقد ** أغضيْتَ من شتمي على رغمِ إلا كمُعرضٍ المحسّرِ بَكرَه ** عَمداً يسبّبُني على الظُلْم
باب ما تكون فيه أنّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء

وذلك قولهم ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا وكذا فأنّ في موضع اسم مرفوع كأنه قال: ما أتاني إلا قولُهم كذا وكذا. ومثل ذلك قولهم: ما منعني إلا أن يغضب عليّ فلانٌ. والحجةُ على أنّ هذا في موضع رفع أنّ أبا الخطاب حدّثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم مَن لم يمنع الشربَ منها غيرُ أنْ نطقَتْ حمامة في غصونٍ ذات أوقالِ وزعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع فقال الخليل رحمه الله: هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع فكذلك غير أن نطقت. وكما قال النابغة: على حين عاتَبتُ المشيبَ على الصّبا وقلتُ ألمّا أصْحُ والشيبُ وازعُ كأنه جعل حين وعاتبتُ اسماً واحداً.
باب لا يكون المستثنى فيه إلا نصباً

لأنه مخرَجٌ مما أدخلت فيه غيره فعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم حين قلت: له عشرون درهماً. وهذا قول الخليل رحمه الله وذلك قولك: أتاني القومُ إلا أباك ومررتُ بالقوم إلا أباك والقوم فيها إلا أباك وانتصب الأب إذ لم يكن داخلاً فيما دخل فيه ما قبله ولم يكن صفة وكان العاملُ فيه ما قبله من الكلام كما أن الدرهم ليس بصفة للعشرين ولا محمولٍ على ما حُملت عليه وعمل فيها. وإنما منع الأبَ أن يكون بدلاً من القوم أنك لو قلت أتاني إلا أبوك كان مُحالاً. وإنما جاز ما أتاني القومُ إلا أبوك لأنه يحسن لك أن تقول: ما أتاني إلا أبوك فالمبدَل إنما يجيء أبداً كأنه لم يُذكَر قبله شيء لأنك تُخلي له الفعل وتجعله مكان الأول. فإذا قلت: ما أتاني القومُ إلا أبوك فكأنك قلت: ما أتاني إلا أبوك. وتقول: ما فيهم أحدٌ إلا وقد قال ذلك إلا زيداً كأنه قال: قد قالوا ذلك إلا زيداً.
باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة مثلٍ وغيرٍ

وذلك قولك: لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ لغُلِبنا. والدليل على أنه وصف أنك لو قلت: لو كان معنا إلا زيدٌ لهلكْنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلتَ. ونظر ذلك قوله عزّ وجلّ: " لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدَتا ". ونظير ذلك من الشعر قوله وهو ذو الرمة: أنيخَت فألقتْ بلدةً فوق بلدةٍ قليلٍ بها الأصواتُ إلا بُغامُها كأنه قال: قليلٍ بها الأصوات غيرُ بغامها إذا كانت غيرُ غيرَ استثناء. ومثل ذلك قوله تعالى: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضّرَر " وقوله عزّ وجلّ ذكره: " صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوبِ عليهم ". ومثل ذلك في الشعر للبيد بن ربيعة: وقال أيضاً: لو كان غيري سُليمى اليومَ غيّرَهُ وقعُ الحوادث إلا الصارمُ الذّكرُ كأنه قال: لو كان غيري غيرُ الصارم الذكر لغيّره وقع الحوادث إذا جعلت غيرا الآخرة صفة للأولى. والمعنى أنه أراد أن يخبر أن الصارم الذكر لا يغيّره شيء. وإذا قال: ما أتاني أحد إلا زيد فأنت بالخيار إن شئت جعلت إلا زيد بدلاً وإن شئت جعلته صفةً. ولا يجوز أن تقول: ما أتاني إلا زيدٌ وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل وإنما يجوز ذلك صفة. ونظير ذلك من كلام العرب أجمعون لا يجري في الكلام إلا على اسم ولا يعمل فيه ناصبٌ ولا رافعٌ ولا جارّ. وقال عمرو بن معدي كرب: وكلُ أخٍ مُارقُه أخوه لعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ كأنه قال: وكلُ أخ غيرُ الفرقدين مفارقُه أخوه إذا وصفتَ به كُلاً كما قال الشمّاخ: وكلُ خليلٍ غيرُ هاضم نفسِه لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو مُعازرُ ولا يجوز رفع زيد على إلا أن يكون لأنك لا تضمِر الاسم الذي هذا من تمامه لأن أنْ يكون
هذا باب ما يقدَّم فيه المستثنى

وذلك قولك: ما فيها إلا أباك أحدٌ وما لي إلا أباك صديقٌ. وزعم الخليل رحمه الله أنهم إنما حملهم على نصب هذا أن المستثني إنما وجهه عندهم أن يكون بدلاً ولا يكون مبدَلاً منه لأن الاستثناء إنما حدّه أن تَدارَكَه بعد ما تنفي فتُبدِله فلما لم يكن وجه الكلام هذا حملوه على وجه قد يجوز إذا أخّرتَ المستثني كما أنهم حيث استقبحوا أن يكون الاسم صفةً في قولهم: فيها قائماً رجلٌ حملوه على وجه قد يجوز لو أخّرتَ الصفة وكان هذا الوجهُ أمثلَ عندهم من أن يحملوا الكلام على غير وجهه. قال كعب بن مالك: الناسُ ألبٌ علينا فيك ليس لنا إلا السيوفَ وأطرافَ القنا وزَرُ سمعناه ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم كراهية أن يجعلوا ما حدُّ المستثني أن يكون بدلاً منه بدلاً من المستثنى. ومثل ذلك: ما لي إلا أباك صديقٌ. فإن قلت: ما أتاني أحدٌ إلا أبوك خيرٌ من زيد وما مررتُ بأحدٍ إلا عمرو خيرٍ من زيد وما مررتُ بأحد إلا عمرو خيرٍ من زيدٍ كان الرفع والجرّ جائزين وحسُن البدل لأنك قد شغلت الرافعَ والجارّ ثم أبدلتَه من المرفوع والمجرور ثم وصفتَ بعد ذلك. وكذلك: مَن لي إلا أبوك صديقاً لأنك أخليت مَن للأب ولم تُفرده لأن يعمل كما يعمل المبتدأ. وقد قال بعضهم: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيداً خيرٍ منه وكذلك مَن لي إلا زيداً صديقاً وما لي أحدٌ إلا زيداً صديقٌ كرهوا أن يقدّموا وفي أنفسهم شيء من صفته إلا نصباً كما كرهوا أن يقدَّم قبل الاسم إلا نصباً. وحدّثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلا أبوك أحد فيجعلون أحداً بدلاً كما قالوا: ما مررتُ بمثله أحد فجعلوه بدلاً. وإن شئت قلت: ما لي إلا أبوك صديقاً كأنك قلت: لي أبوك صديقاً كما قلت: مَن لي إلا أبوك صديقاً حين جعلتَه مثلَ: ما مررتُ بأحدٍ إلا أبيك خيراً منه. ومثله قول الشاعر وهو الكَلحَبة الثعلبي: أمرتُكمُ أمري بمنقطَع اللِّوى ولا أمرَ للمَعصيّ إلا مضيَّعا كأنه قال: للمعضيّ أمرٌ مضيّعا كما جاز فيها رجلٌ قائماً. وهذا قول الخليل رحمه الله. وقد يكون أيضاً على قوله: لا أحدَ فيها إلا زيداً. ما تكون فيه في المستثنى الثاني بالخيار وذلك قولك: ما لي إلا زيداً صديقٌ وعمراً وعمرٌو ومَن لي إلا أباك صديقٌ وزيداً وزيدٌ. أما النصب فعلى الكلام الأول وأما الرفع فكأنه قال: وعمرو لي لأن هذا المعنى لا ينقضُ ما تريد في النصب. وهذا قول يونسَ والخليل رحمهما الله.
هذا باب تثنية المستثنى

وذلك قولك: ما أتاني إلا زيدٌ إلا عمراً. ولا يجوز الرفعُ في عمرو من قبل أن المستثنى لا يكون بدلاً من المستثنى. وذلك أنك لا تريد أن تُخرج الأول من شيء تُدخل فيه الآخِر. وإن شئت قلت: ما أتاني إلا زيداً إلا عمرٌو فتجعل الإتيان لعمرو ويكون زيد منتصباً من حيث انتصب عمرو فأنت في ذا بالخيار إن شئت نصبت الأول ورفعت الآخر وإن شئت نصبتَ الآخِر ورفعت الأول. وتقول: ما أتاني إلا عمراً إلا بِشراً أحدٌ كأنك قلت: ما أتاني إلا عمراً أحدٌ إلا بِشرٌ فجعلتَ بشراً بدلاً من أحد ثم قدّمت بشراً فصار كقولك: ما لي إلا بشراً أحدٌ لأنك إذا قلت: ما لي إلا عمراً أحدٌ إلا بشرٌ فكأنك قلت: ما لي أحدٌ إلا بشرٌ. فما لي إلا اللهُ لا رَبَّ غيرَه وما لي إلا اللهَ غيرَك ناصرُ فغيرَك بمنزلة إلا زيداً. وأما قوله وهو حارثة بن بدر الغُدانيّ: يا كعبُ صبراً على ما كان من حدثٍ يا كعبُ لم يبقَ منا غيرُ أجلادِ إلا بقيّاتُ أنفاسٍ تُحشرِجُها كراحلٍ رائحٍ أو باكرٍ غادي فإن غير ههنا بمنزلة مثل كأنك قلت: لم يبقَ منها مثلُ أجلادٍ إلا بقياتُ أنفاس. وعلى ذا أنشدَ بعض الناس هذا البيت رفعاً للفرزدق: ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ دار الخليفة إلا دارُ مروانِ جعلوا غير صفة بمنزلة مثل ومَن جعلها بمنزلة الاستثناء لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدَهما وهو قول ابن أبي إسحاق. وأما إلا زيدٌ فإنه لا يكون بمنزلة مثل إلا صفة. ولو قلت: ما أتاني إلا زيدٌ إلا أبو عبد الله كان جيداً إذا كان أبو عبد الله زيداً ولم يكن غيره لأن هذا يكرَّر توكيداً كقولك: رأيت زيداً زيداً. وقد يجوز أن يكون غيرَ زيد على الغلط والنسيان كما يجوز أن تقول: رأيتُ زيداً عمراً لأه ومثلُ ما أتاني إلا زيدٌ إلا أبو عبد الله إذا أردت أن تبيّن وتُوضحَ قوله: ما لك من شيخِك إلا عملُه إلا رسيمُه وإلا رَمَلُهْ
هذا باب ما يكون مبتدأ بعد إلا

وذلك قولك: ما مررتُ بأحد إلا زيدٌ خيرٌ منه كأنك قلت: مررت بقوم زيدٌ خيرٌ منهم إلا أنك أدخلت إلا لتجعل زيداً خيراً من جميع من مررتَ به. ولو قال: مررتُ بناس زيدٌ خيرٌ منهم لجاز أن يكون قد مرّ بناس آخرين هم خيرٌ من زيد فإنما قال: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٌ خيرٌ منه ليخبر أنه لم يمرّ بأحدٍ يفضل زيداً. ومثل ذلك قول العرب: والله لأفعلن كذا وكذا إلا حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا. فأنْ أفعل كذا وكذا بمنزلة فعل كذا وكذا وهو مبنيّ على حِلّ وحِلّ مبتدأ كأنه قال: ولكنْ حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا. وأما قولهم: والله لا أفعلُ إلا أن تفعل فأنْ تفعل في موضع نصب والمعنى حتى تفعل أو كأنه قال: أو تفعل. والأول مبتدأ ومبني عليه.
هذا باب غير

اعلم أن غيراً أبداً سوى المضاف إليه ولكنه يكون فيه معنى إلا فيُجرى مُجرى الاسم الذي بعد إلا وهو الاسم الذي يكون داخلاً فيما يخرج منه غيره وخارجاً مما يدخل فيه غيره. فأما دخوله فيما يخرج منه غيرُه فأتاني القومُ غيرَ زيد فغيرهم الذين جاءوا ولكن فيه معنى إلا فصار بمنزلة الاسم الذي بعد إلا. وأما خروجه مما يدخل فيه غيره فما أتاني غيرُ زيدٍ. وقد يكون بمنزلة مثل ليس فيه معنى إلا. وكلُ موضع جاز فيه الاستثناء بإلا جاز بغيْر وجرى مجرى الاسم الذي بعد إلا لأنه اسم بمنزلته وفيه معنى إلا. ولو جاز أن تقول: أتاني القومُ زيداً تريد الاستثناء ولا تذكر إلا لما كان إلا نصباً. ولا يجوز أن يكون غير بمنزلة الاسم الذي يُبتدأ بعد إلا وذلك أنهم لم يجعلوا فيه معنى إلا مبتدأ وإنما أدخلوا فيه معنى الاستثناء في كل موضع يكون فيه بمنزلة مثل ويُجزئ من الاستثناء. ألا ترى أنه لو قال: أتاني غيرُ عمرٍو كان قد أخبر أنه لم يأته وإن كان قد يستقيم أن يكون قد أتاه فقد يُستغنى به في مواضع من الاستثناء. ولو قال: ما أتاني غيرُ زيد يريد بها منزلة مثل لكان مُجزِئاً من الاستثناء كأنه قال: ما أتاني الذي هو غيرُ زيد فهذا يُجزئ من
باب ما أُجري على موضع غير لا على ما بعد غير.

زعم الخليل رحمه الله ويونس جميعاً أنه يجوز: ما أتاني غيرُ زيد وعمرو. فالوجه الجرّ. وذلك أن غير زيد في موضع إلا زيدٌ وفي معناه فحملوه على الموضع كما قال: فلسنا بالجبال ولا الحديدا فلما كان في موضع إلا زيدٌ وكان معناه كمعناه حملوه على الموضع. والدليل على ذلك أنك إذا قلت غيرُ زيد فكأنك قد قلت إلا زيد. ألا ترى أنك تقول: ما أتاني غيرُ زيد وإلا عمرٌو فلا يقبحُ الكلام كأنك قلت: ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو.
باب يُحذف المستثنى فيه استخفافاً

وذلك قولك: ليس غيرُ وليس إلا كأنه قال: ليس إلا ذاك وليس غير ذاك ولكنهم حذفوا ذلك تخفيفاً واكتفاءً بعلم المخاطَب وما يعني. وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: ما منهم مات حتى رأيتُه في حال كذا وكذا وإنما يريد ما منهم واحدٌ مات. ومثل ذلك قوله تعالى جده: " وإن مِن أهلِ الكتاب إلا لَيُؤمننّ به قبلَ كأنك من جِمال بني أُقَيشٍ يقعقَعُ خلفَ رجليْه بشّنِّ أي كأنك جملٌ من جمال بني أقيش. ومثل ذلك أيضاً قوله: لو قلتَ ما في قومها لم تيثَمِ يَفضُلُها في حَسبٍ وميسَمِ يريد: ما في قومها أحد فحذفوا هذا كما قالوا: لو أن زيداً هنا وإنما يريدون: لكان كذا وكذا. وقولهم: ليس أحدٌ أي ليس هنا أحدٌ. فكل ذلك حُذف تخفيفاً واستغناء بعلم المخاطَب بما يعني. ومثل البيتين الأولين قول الشاعر وهو ابن مُقبل: وما الدهرُ إلا تارتانِ فمنهما أموتُ وأخرى أبتغي العيشَ أكدحُ إنما يريد منهما تارة أموت وأخرى. ومثل قولهم ليس غير: هذا الذي أمسِ يريد الذي فعل أمس. وقوله وهو العجّاج: بعد اللَّتيّا واللّتيا والتي فليس حذف المضاف إليه في كلامهم بأشدّ من حذف تمام الاسم. فإذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء فإن فيهما إضماراً على هذا وقع فيهما معنى الاستثناء كما أنه لا يقع معنى النهي في حسبك إلا أن يكون مبتدأ. وذلك قولك: ما أتاني القومُ ليس زيداً وأتوني لا يكون زيداً وما أتاني أحدٌ لا يكون زيداً كأنه حين قال: أتوني صار المخاطَب عنده قد وقع في خلَده أن بعض الآتين زيدٌ حتى كأنه قال: بعضُهم زيدٌ فكأنه قال: ليس بعضهم زيداً. وترك إظهار بعضٍ استغناء كما ترك الإظهار في لاتَ حينَ. فهذه حالهما في حال الاستثناء وعلى هذا وقع فيهما الاستثناء فأجرهما كما أجروهما. وقد يكون صفة وهو قول الخليل رحمه الله. وذلك قولك: ما أتاني أحدٌ ليس زيداً وما أتاني رجل لا يكون بشراً إذا جعلت ليس ولا يكون بمنزلة قولك: ما أتاني أحدٌ لا يقول ذاك إذا كان لا يقول في موضع قائلٌ ذاك. ويدلّك على أنه صفة أن بعضهم يقول: ما أتتني امرأةٌ لا تكون فلاة وما أتتني امرأة ليست فلانة. فلو لم يجعلوه صفةً لم يؤنّثوه لأن الذي لا يجيء صفة فيه إضمار مذكَّر. ألا تراهم يقولون: أتينني لا يكون فلانة وليس فلانة يريد: ليس بعضُهن فلانة والبعض مذكّر. وأما عدا وخلا فلا يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في ليس ولا يكون وهو إضمارٌ قصته فيهما قصته في لا يكون وليس. وذلك قولك: ما أتاني أحدٌ خلا زيداً وأتاني القومُ عدا عمراً كأنك قلت: جاوز بعضُهم زيداً. إلا أن خلا وعدا فيهما معنى الاستثناء ولكني ذكرت جاوز لأمثّل لك به وإن كان لا يُستعمل في هذا الموضع. وتقول: أتاني القومُ ما عدا زيداً وأتَوني ما خلا زيداً. فما هنا اسمٌ وخلا وعدا صلة له كأنه قال: أتوني ما جاوز بعضُهم زيداً. وما هم فيها عدا زيداً كأنه قال: ما هم فيها ما جوز بعضُهم زيداً وكأنه قال: إذا مثّلتَ ما خلا وما عدا فجعلتَه اسماً غير موصول قلت: أتوني مجاوزتَهم زيداً مثّلتَه بمصدر ما هو في معناه كما فعلتَه فيما مضى. إلا أن جاوز لا يقع في الاستثناء. وإذا قلت: أتوني إلا أن يكون زيدٌ فالرفع جيدٌ بالغ وهو كثير في كلام العرب لأن يكونُ صلةٌ لأنْ وليس فيها معنى الاستثناء وأن يكون في موضع اسم مستثنى كأنك قلت: يأتونك إلا أن يأتيك زيد. والدليل على أن يكون ليس فيها هنا معنى الاستثناء: أن ليس وعدا وخلا لا يقعن ههنا. ومثلُ الرفع قولُ الله عزّ وجلّ: " إلا أن تكونَ تجارةٌ عن تراضٍ منكم ". وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون والرفع أكثر. وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرفٌ يجر ما بعده كما تجرّ حتى ما بعدها وفيه معنى الاستثناء. وبعضُ العرب يقول: ما أتاني القومُ خلا عبدِ الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا. فإذا قلت ما خلا فليس فيه إلا النصب لأن ما اسمٌ ولا تكون صلتُها إلا الفعل ها هنا وهي ما التي في قولك: أفعلف ما فعلتَ. ألا ترى أنك لو قلت: أتوني ما حاشا زيداً لم يكن كلاماً. وأما أتاني القوم سواك فزعم الخليل رحمه الله أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك وما أتاني أحدٌ مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء.
باب مجرى علاماتِ المضمرين

وما يجوز فيهن كلهن وسنبين ذلك إن شاء الله.
باب علامات المضمرين المرفوعين

اعلم أن المضمَر المرفوع إذا حدّث عن نفسه فإن علامته أنا وإن حدّث عن نفسه وعن آخر قال: نحنُ وإن حدّث عن نفسه وعن آخرين قال: نحنُ. ولا يقع أنا في موضع التاء التي في فعلْتُ لا يجوز أن تقول فعل أنا لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا. ولا يقع نحنُ في موضع نا التي في فعَلْنا لا تقول فعلَ نحن. وأما المضمَر المخاطَب فعلامته إن كان واحداً: أنت وإن خاطبتَ اثنين فعلامتُهما: أنتُما وإن خاطبتَ جميعاً فعلامتُهم: أنتم. واعلم أنه لا يقع أنتَ في موضع التاء التي في فعَلْتَ ولا أنتما في موضع تُما التي في فعلتُما. ألا ترى أنك لا تقول فعل أنتُما. ولا يقع أنتم في موضع تُمْ التي في فعلتُم لو قلت فعل أنتم لم يجز. ولا يقع أنت في موضع التاء في فعلْتَ ولا يقع أنتُنّ في موضع تنَّ التي في فعلتُنّ لو قلت فعلَ أنتُنّ لم يجز. وأما المضمَر المحدَّث عنه فعلامتُه: هو وإن كان مؤنّثاً فعلامته: هي وإن حدّثتَ عن اثنين فعلامتُهما: هُما. وإن حدّثتَ عن جميع فعلامتهم: هُم وإن كان الجميع جميع المؤنّث فعلامته: هُنّ. ولا يقع هو في موضع المضمَر الذي في فعل لو قلت فعل هو لم يجز إلا أن يكون صفةً. ولا يجوز أن يكون هُما في موضع الألف التي في ضربا والألف التي في يضربان لو قلت ضرب هُما أو يضربُ هُما لم يجز. ولا يقع هُم في موضع الواو التي في ضربوا ولا الواو التي مع النون في يضربون. لو قلت ضرب هُم أو يضربُ هُم لم يجز. وكذلك هي لا تقع موضع الإضمار الذي في فعلتْ لأن ذلك الإضمار بمنزلة الإضمار الذي له علامة. ولا يقع هُنّ في موضع النون التي في فعلْنَ ويفعلنَ لو قلت فعل هُنّ لم يجز إلا أن يكون صفةً كما لم يجز ذلك في المذكّر فالمؤنّث يجري مجرى المذكّر. فأنا وأن ونحن وأنتما وأنتم وأنتنّ وهو وهي وهُما وهُم وهنّ لا يقع شيء منها في موضع شيء من العلامات مما ذكرنا ولا في موضع المضمَر الذي لا علامةَ له لأنهم استغنوا بهذا فأسقطوا ذلك.
باب استعمالهم علامة الإضمار

فمن ذلك قولهم: كيف أنت وأين هو من قبل أنك لا تقدر على التاء ههنا ولا على الإضمار الذي في فعلَ. ومثل ذلك: نحن وأنتم ذاهبون لأنك لا تقدر هنا على التاء والميم التي في فعلتُم كما لا تقدر في الأول على التاء في فعلتَ. وكذلك جاء عبد الله وأنت لأنك لا تقدر على التاء التي تكون في الفعل. وتقول: فيها أنتم لأنك لا تقدر على التاء والميم التي في فعلتُم ها هنا. وفيها هم قياماً بتلك المنزلة لأنك لا تقدر هنا على الإضمار الذي في الفعل. ومثل ذلك: أما الخبيث فأنت وأما العاقل فهو لأنك لا تقدر هنا على شيء مما ذكرنا. وكذلك: كنا وأنتم ذاهبين ومثل ذلك أهو هو. وقال الله عزّ وجلّ: " كأنه هو وأوتينا العلم " فوقع هو ها هنا لأنك لا تقدر على الإضمار الذي في فعلَ. وقال الشاعر: فكأنها هي بعد غِبّ كلالِها أو أسفعُ الخدّيْن شاةُ إرانِ وتقول: ما جاء إلا أنا. قال عمرو بن معدي كرب: قد علمَتْ سلمى وجاراتُها ما قطّر الفارس إلا أنا وكذلك هاأناذا وها نحن أولاء وها هو ذاك وها هما ذانك وها هم أولئك وها أنت ذا وها أنتما ذان وها أنتم أولاء وها أنتنّ أولاء وها هنّ أولئك. وإنما استُعملت هذه الحروف هنا لأنك لا تقدر على شيء من الحروف التي تكون علامةً في وزعم الخليل رحمه الله أن ها هنا هي التي مع ذا إذا قلت هذا وإنما أرادوا أن يقولوا هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا أنا هذا وهذا أنا فقدّموا ها وصارت أنا بينهما. وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوقَ بهم يقولون: أنا هذا وهذا أنا. ومثل ما قال الخليل رحمه الله في هذا قول الشاعر: ونحن اقتسمنا المالَ نصفين بيننا فقلتُ: لهم هذا لها ها وذاليا كأنه أراد أن يقول: وهذا لي فصيّر الواو بين ها وذا. وزعم أن مثل ذلك: إي ها الله ذا إنما هو هذا. وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدّمة ولكنها تكون للتنبيه بمنزلتها في هذا يدلّك على هذا قوله عزّ وجل: " ها أنتم هؤلاء " فلو كانت ها ها هنا هي التي تكون أولاً إذا قلت هؤلاء لم تُعَد ها ها هنا بعد أنتم. وحدّثنا يونس أيضاً تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا لم يرِد بقوله هذا أنت أن يعرّفه نفسَه كأنه يريد أن يعلمه أنه ليس غيره. هذا محال ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال: الحاضرُ عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت.
باب علامة المضمرين المنصوبين

اعلم أن علامة المضمرين المنصوبين إيّا ما لم تقدَر على الكاف التي في رأيتك وكُما التي في رأيتُكما وكُم التي في رأيتكم وكُنّ التي في رأيتكنّ والهاء التي في رأيته والهاء التي في رأيتها وهُما التي في رأيتهما وهُم التي في رأيتهم وهنّ التي في رأيتهن وني التي في رأيتني ونا التي في رأيتنا. فإن قدرت على شيء من هذه الحروف في موضع لم تُوقع إيّا ذلك الموضع لأنهم استغنوا بها عن إيّا كما استغنوا بالتاء وأخواتها في الرفع عن أنت وأخواتها.
باب استعمالهم إيّا إذا لم تقع مواقع الحروف التي ذكرنا

فمن ذلك قولهم: إياك رأيتُ وإياك أعني فإنما استعلمت إياك ها هنا من قبل أنك لا تقدر على الكاف. وقال الله عزّ وجلّ: " وإنا أو إياكم لعلى هُدى أو في ضَلال مُبين " من قبل أنك لا تقدر على كُم ههنا. وتقول: إني وإياك منطلقان لأنك لا تقدر على الكاف. ونظير ذلك قوله تعالى جدّه: " ضلّ من تدعون إلا إياه ". مُبَرّأٌ من عيوب الناس كلِّهمِ فالله يرعى أبا حربٍ وإيّانا لأنه لا يقدر على نا التي في رأيتَنا. وقال الآخر: لعمرك ما خشيت على عديّ سيوفَ بني مقيِّدة الحمارِ ولكني خشيتُ على عديّ سيوفَ القوم أو إياك حارِ ويُروى: رماح القوم لأنه لم يقدر على الكاف. وتقول: إن إياك رأيتُ كما تقول إياك رأيت من قبل أنك إذا قلت إن أفضلهم لقيتُ فأفضلَهم منتصب بلقيت. فإن قلت: إن أفضلهم لقيت فنصبت أفضلهم بإنّ فهو قبيح حتى تقول لقيتُه وقد بُيّن وجه ذلك وقد بيناه في باب إن وأخواتها واستُعملت إياك لقبح الكاف والهاء ها هنا. وتقول: عجبتُ من ضربي إياك. فإن قلت: لِمَ وقد تقع الكاف ها هنا وأخواتها تقول عجبتُ من ضربيكَ ومن ضربيه ومن ضربيكم فالعرب قد تكلّم بهذا وليس بالكثير. ولم تستحكم علامات الإضمار التي لا تقع إيّا مواقعها كما استحكمت في الفعل لا يقال عجبت من ضربكَني إن بدأت به قبل المتكلم ولا من ضربهيك إن بدأت بالبعيد قبل القريب. فلما قبُح هذا عندهم ولم تستحكم هذه الحروف عندهم في هذا الموضع صارت إيّا عندهم في ومثل ذلك: كان إيّاه لأن كانَه قليلة ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا لا تقول كانني وليسني ولا كانَك. فصارت إيّا ههنا بمنزلتا في ضربي إياك. وتقول: أتوني ليس إياك ولا يكون إياه لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء ها هنا فصارت إيّا بدلاً من الكاف والهاء في هذا الموضع. قال الشاعر: ليت هذا الليلَ شهرٌ لا نرى فيه عَريبا ليس إيّاي وإيّا كَ ولا نخشى رقيبا وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون: ليسني وكذلك كانني. وتقول: عجبتُ من ضَرب زيد أنت ومن ضربك هو إذا جعلت زيداً مفعولاً وجعلت المضمَر الذي علامته الكاف فاعلاً فجاز أنت ههنا للفاعل كما جاز إيّا للمفعول لأن إيا وأنت علامتا الإضمار وامتناع التاء يقوّي دخولَ أنت ههنا. وتقول: قد جرّبتُك فوجدتُك أنت أنت فأنتَ الأولى مبتدأة والثانية مبنية عليها كأنك قلت فوجدتُك وجهُك طليق. والمعنى أنك أردت أن تقول: فوجدتك أنت الذي أعرف. ومثل ذلك: أنت أنت وإن فعلتَ هذا فأنت أنت أي فأنت الذي أعرف أو أنت الجواد وإن شئت قلت: قد وليتَ عملاً فكنتَ أنت إياك وقد جرّبتُك فوجدتُك أنت إياك جعلتَ أنت صفة وجعلت إياك بمنزلة الظريف إذا قلت: فوجدتُك أنت الظريف. والمعنى أنك أردت أن تقول وجدتُك كما كنتُ أعرف. وهذا كله قول الخليل رحمه الله سمعناه منه. وتقول: أنت أنت تكرّرها كما تقول للرجل أنت وتسكت على حد قولك: قال الناس زيد. وعلى هذا الحد تقول: قد جُرّبْتَ فكنتَ كنت إذا كرّرتها توكيداً وإن شئت جعلت كنتَ صفةً لأنك قد تقول: قد جُرّبت فكنت ثم تسكت.
باب الإضمار فيما جرى مجرى الفعل

وذلك إن ولعلّ وليتَ وأخواتها ورُويد ورُويدك وعليكَ وهلمّ وما أشبه ذلك. فعلامات الإضمار حالهن ها هنا كحالهن في الفعل لا تقوى أن تقول: عليك إياه ولا رُويدَ إيّاه لأنك قد تقدر على الهاء تقول عليكَه ورُويدَه. ولا تقول: عليك إياي لأنك قد تقدر على ني. وحدثنا يونس أنه سمع من العرب من يقول عليكَني من غير تلقين ومنهم من لا يستعمل ني ولا نا في ذا الموضع استغناءً بعليك بي وعليك بنا عن ني ونا وإياي وإيانا. ولو قلت عليك: إياه كان ها هنا جائزاً في عليك وأخواتها لأنه ليس بفعل وإن شبِّه به. ولم واعلم أنه قبيح أن تقول: رأيت فيها إياك ورأيت اليوم إياه من قبل أنك قد تجد الإضمار الذي هو سوي إيّا وهو الكاف التي في رأيتك فيها والهاء التي في رأيته اليوم فلما قدروا على هذا الإضمار بعد الفعل ولم ينقض معنى ما أرادوا لم تكلموا بأياك استغنوا بهذا عن إياك وإياه. ولو جاز هذا لجاز ضربَ زيدٌ إياك وإنّ فيها إياك ولكنهم لما وجدوا إنك فيها وضربَه زيدٌ ولم ينقض معنى ما أرادوا لو قالوا: إن فيها إياك وضرب زيدٌ إياك استغنوا به عن إيّا. وأما: ما أتاني إلا أنت وما رأيت إلا إياك فإنه لا يدخل على هذا من قبل أنه لو أخّر إلا كان الكلام محالاً. ولو أسقط إلا كان الكلام منقلب المعنى وصار الكلام على معنى آخر.
باب ما يجوز في الشعر من إيّا

ولا يجوز في الكلام فمن ذلك قول حُميد الأرقط: إليك حتّى بلغتْ إيّاكا وقال الآخر لبعض اللصوص: كأنّا يومَ قُرّى إ نّما نقتلُ إيّانا قتلنا منهمُ كلَّ فتى أبيضَ حُسّانا اعلم أن أنت وأخواتها لا يكنّ علامات لمجرور من قبل أن أنت اسم مرفوع ولا يكون المرفوع مجروراً. ألا ترى أنك لو قلت: مررتُ بزيد وأنت لم يجز. ولو قلت: ما مررتُ بأحد إلا أنت لم يجز. ولا يجوز إيّا أن تكون علامةً لمضمر مجرور من قبل أن إيّا علامةٌ للمنصوب فلا يكون المنصوب في موضع المجرور ولكن إضمار المجرور علاماته كعلامات المنصوب التي لا تقع مواقعَهن إيّا إلا أن تضيف إلى نفسك نحو قولك: بي ولي وعندي. وتقول: مررتُ بزيد وبك وما مررتُ بأحد إلا بك أعدتَ مع المضمَر الباء من قبل أنهم لا يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة فلذلك أعادوا الجارّ مع المضمَر. ولم توقِع إيّا ولا أنت ولا أخواتها ههنا من قبل أن المنصوب والمرفوع لا يقعان في موضع المجرور.
باب إضمار المفعولَين اللذين تعدّى إليهما فعلُ الفاعل

اعلم أن المفعول الثاني قد تكون علامته إذا أُضمَر في هذا الباب العلامة التي لا تقع إيّا موقعها وقد تكون علامتُه إذا أُضمَر إيّا. فأما علامة الثاني التي لا تقع إيا موقعها فقولك: أعطانيه وأعطانيك فهذا هكذا إذا بدأ المتكلم بنفسه. فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال: أعطاكَني أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال: قد أعطاهوني فهو قبيح لا تكلّمُ به العرب ولكن النحويين قاسوه. وإنما قبُح عند العرب كراهيةَ أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب ولكن تقول أعطاك إيّاي وأعطاه إياي فهذا كلام العرب. وجعلوا إيّا تقع هذا الموقع إذ قبُح هذا عندهم كما قالوا: إياك رأيتُ وإياي رأيت إذ لم يجز لهم ني رأيتَ ولا كَ رأيتُ. فإذا كان المفعولان اللذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطَباً وغائباً فبدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب فإن علامة الغائب العلامةُ التي لا تقع موقعها إيّا وذلك قوله: أعطيتُكَه وقد أعطاكَه وقال عزّ وجلّ: " فعُمّيَتْ عليكم أنُلزمُكموها وأنتم لها كارهون ". فهذا هكذا إذا بدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب. وإنما كان المخاطَب أولى بأن يُبدأ به من قبل أن المخاطَب أقرب إلى المتكلم من الغائب فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطَب كان المخاطَب الذي هو أقرب من الغائب أولى بأن يُبدأ به من الغائب. فإن بدأت بالغائب فقلت: أعطاهوكَ فهو في القبح وأنه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطَب إذا بُدئ بهما قبل المتكلم ولكنك إذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه إياك. وأما قول النحويين: قد أعطاهوك وأعطاهوني فإنما هو شيء قاسوه لم تكلّم به العرب ووضعوا الكلام في غير موضعه وكان قياس هذا لو تُكلّم به كان هيّناً. ويدخل على مَن قال هذا أن يقول الرجل إذا منحته نفسه: قد منحتنيني. ألا ترى أن القياس قد قبُح إذا وضعت ني في غير موضعها فإذا ذكرتَ مفعولين كلاهما غائب فقلت أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربي. ولا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب. وهذا أيضاً ليس بالكثير في كلامهم والأكثر في كلامهم: أعطاه إياه. على أنه قد قال الشاعر: وقد جعلتْ نفسي تطيبُ لضَغمةٍ لضغمِهِماها يقرعُ العَظمَ نابُها ولم تستحكم العلامات ها هنا كما لم تستحكم في: عجبت من ضَربي إيّاك ولا في كان إياه ولا في ليس إياه. وتقول: حسبتُك إياه وحسبتني إياه لأن حسبتُنيه وحسبتُكَه قليل في كلامهم وذلك لأن حسبتُ بمنزلة كان إنما يدخلان على المبتدأ والمبني عليه فيكونان في الاحتياج على حال. ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدهما كما لا تقتصر عليه مبتدأ. والمنصوبان بعد حسبتُ بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد ليس وكان. وكذلك الحروف التي بمنزلة حسبتُ وكان لأنهما إنما يجعلان المبتدأ والمبني عليه فيما مضى يقيناً أو شكّاً أو عِلماً وليس بفعل أحدثته ولا يجوز أن تقول ضربتُني ولا ضربتُ إيّاي لا يجوز واحدٌ منهما لأنهم قد استغنوا عن ذلك بضربتُ نفسي وإيّاي ضربتُ.
باب لا تجوز فيه علامة المضمَر المخاطَب

ولا علامة المضمَر المتكلم ولا علامة المضمَر المحدَّث عنه الغائب وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطَب: اضرِبْكَ ولا اقتُلْكَ ولا ضربْتَك لما كان المخاطب فاعلاً وجعلت مفعوله نفسه قبُح ذلك لأنهم استغنوا بقولهم اقتُل نفسك وأهلكتَ نفسك عن الكاف ها هنا وعن إياك. وكذلك المتكلم لا يجوز له أن يقول أهلكتُني ولا أُهلكُني لأنه جعل نفسه مفعوله فقبُح وذلك لأنهم استغنوا بقولهم أنفعُ نفسي عن ني وعن إياي. وكذلك الغائب لا يجوز لك أن تقول ضربه إذا كان فاعلاً وكان مفعوله نفسه لأنهم استغنوا عن الهاء وعن إياه بقولهم ظلم نفسه وأهلك نفسه ولكنه قد يجوز ما قبح ها هنا في حسبتُ وظننت وخلتُ وأُرى وزعمتُ ورأيت إذا لم تعنِ رؤية العين ووجدتُ إذا لم ترد وجدان الضالة وجميع حروف الشك وذلك قولك: حسبتُني وأراني ووجدتُني فعلت كذا وكذا ورأيتُني لا يستقيم لي هذا. وكذلك ما أشبه هذه الأفعال تكون حال علامات المضمَرين المنصوبين فيها إذا جعلت فاعليهم أنفسهم كحالها إذا كان الفاعل غير المنصوب. ومما يثبت علامة المضمَرين المنصوبين ها هنا أنه لا يحسن إدخال النفس ها هنا. لو قلت يظن نفسه فاعلةً وأظن نفسي فاعلةً على حد يظنه وأظنني ليُجزئَ هذا من ذا لم يُجزئ كما أجزأ أهلكتَ نفسك عن أهلكتَك فاستُغنى به عنه. وإنما اقترفتْ حسبتُ وأخواتها والأفعال الأُخَر لأن حسبت وأخواتها إنما أدخلوها على مبتدأ ومبني عليه لتجعل الحديث شكاً أو علماً. ألا ترى أنك لا تقتصر على المنصوب الأول كما لا تقتصر عليه مبتدأ والأفعال الأخَر إنما هي بمنزلة اسم مبتدأ والأسماء مبنية عليها. ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم كما تقتصر على المبني على المبتدأ فلما صارت حسبتُ وأخواتُها بتلك المنزلة جُعلتْ بمنزلة إن وأخواتها إذا قلت إنني ولعلّني ولكنني وليتني لأن إن وأخواتها لا يُقتصر فيها على الاسم الذي يقع بعدها لأنها إنما دخلت على مبتدأ ومبني على مبتدأ. وإذا أردت برأيتُ رؤية العين لم يجز رأيتُني لأنها حينئذ بمنزلة ضربْتُ. وإذا أردتَ التي بمنزلة علمتُ صارت بمنزلة إن وأخواتها لأنهن لسن بأفعال وإنما يجئن لمعنى. وكذلك هذه الأفعال إنما جئن لعلمٍ أو شك ولم يُردْ فعلاً سلف منه إلى إنسان يبتدئه. المتكلم والمجرور المتكلم اعلم أن علامة إضمار المنصوب المتكلم ني وعلامة إضمار المجرور المتكلم الياء. ألا ترى أنك تقول إذا أضمرتَ نفسك وأنت منصوب: ضربني وقتلني وإنني ولعلني. وتقول إذا أضمرت نفسك مجروراً: غلامي وعندي ومعي. فإن قلت: ما بال العرب قد قالت: إني وكأني ولعلي ولكني فإنه زعم أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء. فإن قلت: لعلي ليس فيها نون. فإنه زعم أن اللام قريب من النون وهو أقرب الحروف من النون. ألا ترى أن النون قد تُدغَم مع اللام حتى تبدَل مكانها لام وذلك لقربها منها فحذفوا هذه النون كما يحذفون ما يكثر استعمالهم إياه. وسألته رحمه الله عن الضاربي فقال: هذا اسم ويدخله الجرّ وإنما قالوا في الفعل: ضربني ويضربني كراهية أن يدخلوا الكسرة في هذه الباء كما تدخل الأسماء فمنعوا هذا أن يدخله كما مُنع الجر. فإن قلت: قد تقول اضرِب الرجل فتكسرُ فإنك لم تكسرها كسراً يكون للأسماء إنما يكون هذا لالتقاء الساكنين. قد قال الشعراء: ليتي إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي والمضمَر منصوب. قال الشاعر زيد الخليل: كمُنية جابرٍ إذ قال ليتي أصادفه وأفقدُ جلَّ مالي وسألته رحمه الله عن قولهم عني وقدْني وقطْني ومني ولدُنّي فقلت: ما بالهم جعلوا علامة إضمار المجرور ها هنا كعلامة إضمار المنصوب فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحرّكاً مكسوراً ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في قطْ ولا النون التي في مِن فلم يكن لهم بدّ من أن يجيئوا بحرف لياء الإضافة متحرك إذ لم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات لأنها لا تئكَر أبداً إلا وقبلها حرف متحرك مكسور. وكانت النون أولى لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم فجاءوا بالنون لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار وكرهوا أن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار. وإنما حملهم على أن لا يحركوا الطاء والنونات كراهيةُ أن تشبه الأسماء نحو يدٍ وهَنٍ. وأما ما تحرّك آخره فنحو مع ولدُ كتحريك أواخر هذه الأسماء لأنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر وقد جاء في الشعر: قطِي وقَدي. فأما الكلام فلابدّ فيه من النون وقد اضطرّ الشاعر فقال قدِي شبّهه بحسبي لأن المعنى واحد. قال الشاعر: قدْني من نصر الخُبيبَين قدِي ليس الإمامُ بالشحيح المُلحدِ لما اضطرّ شبهه بحسبي وهَني لأن ما بعد هنٍ وحسب مجرور كما أن ما بعد قد مجرور فجعلوا علامة الإضمار فيهما سواء كما قال ليتي حيث اضطرّ فشبّهه بالاسم نحو الضاربي لأن ما بعدهما في الإظهار سواء فلما اضطرّ جُعل ما بعدهما في الإضمار سواءً. وسألناه رحمه الله عن إلى ولدى وعلى فقلنا: هذه الحروف ساكنة ولا ترى النون دخلتْ عليها. فقال: من قبل أن الألف في لدى والياء في على اللذين قبلهما حرف مفتوح لا تحرّكُ في كلامهم واحدة منهما لياء الإضافة ويكون التحريك لازماً لياء الإضافة فلما علموا أن هذه المواضع ليس لياء الإضافة عليها سبيلٌ بتحريك كما كان لها السبيل على سائر حروف المُعجم لم يجيئوا بالنون إذ علموا أن الياء في ذا الموضع والألف ليستا من الحروف التي تحرّك لياء الإضافة. ولو أضفت إلى الياء الكاف التي تجرّ بها لقلت: ما أنت كِي والفتح خطأ وهي متحركة كما أن أواخر الأسماء متحركة وهي تجرّ كما أن الأسماء تجرّ ولكن العرب قلما تكلموا بذا. وأما قطْ وعن ولدُن فإنهن تباعدنَ من الأسماء ولزمهن ما لا يدخل الأسماء المتمكنة وهو السكون وإنما يدخل ذلك على الفعل نحو خُذْ وزِنْ فضارعت الفعل وما لا يُجَرّ أبداً وهو ما أشبه الفعل فأجريت مجراه ولم يحرّكوه.
هذا باب ما يكون مضمَراً

فيه الاسم متحولاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم وذلك لولاك ولولاي إذا أضمرت الاسم فيه جُرّ وإذا أظهرت رُفع. ولو جاءت علامة الإضمار على القياس لقلت لولا أنت كما قال سبحانه: " لولا أنتم لكنّا مؤمنين " ولكنهم جعلوه مضمَراً مجروراً. والدليل على ذلك أن الياء والكاف لا تكونان علامةَ مضمَر مرفوع. قال الشاعر يزيد بن الحكَم: وكم موطنٍ لولايَ طِحتَ كما هوى بأجرامه من قُلةِ النّيقِ مُنهَوي وهذا قول الخليل رحمه الله ويونس. يا أبتا علّك أو عساكا والدليل على أنها منصوبة أنك إذا عنيت نفسك كانت علامتُك ني. قال عمران بن حطآن: ولي نفسٌ أقول لها إذا ما تُنازعني لعلّي أو عساني فلو كانت الكاف مجرورة لقال عساي ولكنهم جعلوها بمنزلة لعلّ في هذا الموضع. فهذان الحرفان لهما في الإضمار هذا الحال كما كان للدُنْ حالٌ مع غُدوة ليست مع غيرها وكما أن لات إذا لم تُعملها في الأحيان لم تعملها فيما سواها فهي معها بمنزلة ليس فإذا جاوزتها فليس لها عمل. ولا يستقيم أن تقول وافق الرفعُ الجرَّ في لولاي كما وافق النصبُ الجرّ حين قلت: معك وضربَك لأنك إذا أضفت إلى نفسك اختلفا وكان الجر مفارِقاً للنصب في غير الأسماء. ولا تقل: وافق الرفعُ النصبَ في عساني كما وافق النصبُ الجرّ في ضرْبَك ومعك لأنهما مختلفان إذا أضفت إلى نفسك كما ذكرتُ لك. وزعم ناس أن الياء في لولاي وعساني في موضع رفع جعلوا لولاي موافقةً للجرّ وني موافقةً للنصب كما اتفق الجرّ والنصب في الهاء والكاف. وهذا وجه رديء لما ذكرت لك ولأنك لا ينبغي لك أن تكسر الباب وهو مطّرد وأنت تجد له نظائر. وقد يوجَّه الشيء على الشيء البعيد إذا لم يوجَد غيره. وربما وقع ذلك في كلامهم وقد بُيّن بعض ذلك وستراه فيما تستقبل
باب ما تردّه علامةُ الإضمار إلى أصله

فمن ذلك قولك: لعبد الله مالٌ ثم تقول لك مالٌ وله مال فتفتح اللام وذلك أن اللام لو فتحوها في الإضافة لالْتبستْ بلام الابتداء إذا قال إن هذا لعليّ ولهذا أفضل منك فأرادوا أن يميزوا بينهما فلما أضمروا لم يخافوا أن تلتبس بها لأن هذا الإضمار لا يكون للرفع ويكون للجرّ. ألا تراهم قالوا: يا لَبكرٍ حين نادوا لأنهم قد علموا أن تلك اللام لا تدخل ها هنا. وقد شبّهوا به قولهم: أعطيتُكموه في قول من قال: أعطيتُكم ذلك فيجزم ردّه بالإضمار إلى أصله كما ردّه بالألف واللام حين قال: أعطيتُكم اليوم فشبّهوا هذا بلكَ وله وإن كان ليس مثله لأن من كلامهم أن يشبهوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله. وقد بيّنّا ذلك فيما مضى وستراه فيما بقي. وزعم يونس أنه يقول: أعطيتُكُمْهُ وأعطيتُكُمْها كما يقول في المظهر. والأول أكثر وأعرف.
باب ما يحسن أن يشرك المظهر المضمَر فيما عمل

وما يقبح أن يشرك المظهر المضمَر فيما عمل فيه. أما ما يحسن أن يشركه المظهر فهو المضمر المنصوب وذلك قولك: رأيتك وزيداً وإنك وزيداً وأما ما يقبح أن يشركه المظهر فهو المضمر في الفعل المرفوع وذلك قولك: فعلت وعبدُ الله وأفعل وعبدُ الله. وزعم الخليل أن هذا إنما قبح من قبل أن هذا الإضمار يُبنى عليه الفعل فاستقبحوا أن يشرك المظهر مضمَراً يغيّر الفعل عن حاله إذا بعد منه. وإنما حسنتْ شِركتُه المنصوب لأنه لا يغيَّر الفعل فيه عن حاله التي كان عليها قبل أن يضمر فأشبه المظهر وصار منفصلاً عندهم بمنزلة المظهر إذ كان الفعل لا يتغيّر عن حاله قبل أن يضمَر فيه. وأما فعلتُ فإنهم قد غيّروه عن حاله في الإظهار أُسكنتْ فيه اللام فكرهوا أن يشرك المظهر مضمَراً يُبنى له الفعل غير بنائه في الإظهار حتى صار كأنه شيء في كلمة لا يفارقها كألف أعطيتُ. فإن نعتّه حسن أن يشركه المظهر وذلك قولك: ذهبت أنت وزيدٌ وقال الله عزّ وجلّ: " اذهبْ أنت وربُّك " و: " اسكُنْ أنت وزوجُك الجنة ". وذلك أنك لما وصفتَه حسن الكلام حيث طوّله وأكّده كما قال: قد علمتُ أن لا تقول ذاك فإن أخرجتَ لا قبُح الرفع. فأنت وأخواتها تقوّي المضمَر وتصير عوضاً من السكون والتغيير ومِن ترك العلامة في مثل ضربَ. وقال الله عزّ وجلّ: " لو شاء اللهُ ما أشركنا ولا آباؤُنا ولا حرّمنا " حسُن لمكان لا. وقد يجوز في الشعر قال الشاعر: قلتُ إذ أقبلتْ وزُهْرٌ تَهادى كنعاجِ الملا تعسّفْنَ رملا واعلم أنه قبيح أن تصف المضمَر في الفعل بنفسك وما أشبهه وذلك أنه قبيح أن تقول فعلتَ نفسُك إلا أن تقول: فعلت أنت نفسُك. وإن قلت فعلتم أجمعون حسن لأن هذا يعمّ به. وإذا قلت نفسُك فإنما تريد أن تؤكد الفاعل ولما كانت تفسُك يتكلم بها مبتدأة وتحمل على ما يُجرّ ويُنصب ويُرفع شبهوها بما يشرك المضمَر وذلك قولك: نزلتُ بنفس الجبل ونفس الجبل مُقابلي ونحو ذلك. وأما الأجمعون فلا يكون في الكلام إلا صفة. وكلُّهم قد تكون بمنزلة أجمعين لأن معناها معنى أجمعين فهي تجري مجراها. وأما علامة الإضمار التي تكون منفصلة من الفعل ولا تغيّر ما عمل فيها عن حاله إذا أُظهر فيه الاسم فإنه يشركها المظهر لأنه يشبه المظهر وذلك قولك: أنت وعبدُ الله ذاهبان والكريم أنت وعبدُ الله. واعلم أنه قبيح أن تقول: ذهبت وعبدُ الله وذهبتُ وعبدُ الله وذهبت وأنا لأن أنا بمنزلة فلما لحقنا والجيادُ عشيةً دعَوا يا لَكَلبٍ واعتزَيْنا لعامرِ ومما يقبح أن يشركه المظهر علامةُ المضمَر المجرور وذلك قولك: مررتُ بك وزيدٍ وهذا أبوك وعمرٍو كرهوا أن يشرك المظهر مضمَراً داخلاً فيما قبله لأن هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعتْ أنها لا يُتكلّم بها إلا معتمدة على ما قبلها وأنها بدلٌ من اللفظ بالتنوين فصارت عندهم بمنزلة التنوين فلما ضعفتْ عندهم كرهوا أن يُتبعوها الاسمَ ولم يجز أيضاً أن يُتبعوها إياه وإن وصفوا لا يحسن لك أن تقول مررت بك أنت وزيدٍ كما جاز فيما أضمرتَ في الفعل نحو قمتَ أنت وزيد لأن ذلك وإن كان قد أُنزل منزلة آخر الفعل فليس من الفعل ولا من تمامه وهما حرفان يستغني كلُ واحدٍ منهما بصاحبه كالمبتدأ والمبني عليه وهذا يكون من تمام الاسم وهو بدل من الزيادة التي في الاسم وحال الاسم إذا أضيف إليه مثلُ حاله منفرداً لا يستغنى به ولكنهم يقولون: مررتُ بكُم أجمعين لأن أجمعين لا يكون إلا وصفاً. ويقولون: مررتُ بهم كلهم لأن أحد وجهَيها مثلُ أجمعين. وتقول أيضاً: مررتُ بك نفسك لما أجزْتَ فيها ما يجوز في فعلتُم مما يكون معطوفاً على الأسماء احتملت هذا إذ كانت لا تغيّر علامة الإضمار ها هنا ما عمل فيها فضارعتْ ها هنا ما ينتصب فجاز هذا فيها. وأما في الإشراك فلا يجوز لأنه لا يحسن الإشراكُ في فعلتَ وفعلتُم إلا بأنت وأنتم. وهذا قول الخليل رحمه الله وتفصيله عن العرب. وقد يجوز في الشعر أن تُشرك بين الظاهر والمضمر على المرفوع والمجرور إذا اضطرّ الشاعر. وجاز قمتَ أنت وزيدٌ ولم يجز مررتُ بك أنت وزيدٍ لأن الفعل يستغني بالفاعل والمضاف لا يستغني بالمضاف إليه لأنه بمنزلة التنوين. وقد يجوز في الشعر. قال: آبَكَ أيّهْ بي أو مُصدَّرِ من حُمُر الجلّة جأبٍ حَشْوَرِ وقال الآخر: فاليومَ قرّبتَ تهجونا وتشتمِنا فاذهبْ فما بك والأيامِ من عجبِ
هذا باب ما لا يجوز فيه الإضمارُ من حروف الجر

وذلك الكاف في أنت كزيد وحتى ومُذ. وذلك لأنهم استغنوا بقولهم مثلي وشِبهي عنه فأسقطوه. واستغنوا عن الإضمار في حتى بقولهم: رأيتُهم حتى ذاك وبقولهم: دعْهُ حتى يوم كذا وكذا وبقولهم: دعهُ حتى ذاك وبالإضمار في إلى إذا قال دعهُ إليه لأن المعنى واحد كما استغنوا بمثلي ومثله عن كي وكَهُ. واستغنوا عن الإضمار في مُذ بقولهم: مذ ذاك لأن ذاك اسمٌ مبهَم وإنما يذكر حين يُظن أنه قد عرفت ما يعني. إلا أن الشعراء إذا اضطُروا أضمروا في الكاف فيجرُونها على القياس. قال العجّاج: وأمَّ أوعالٍ كَها أو أقرَبا وقال العجّاج: فلا ترى بعلاً ولا حلائلاً كَهُ ولا كهُنّ إلا حاظِلا شبّهوه بقوله له ولهنّ. ولو اضطرّ شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه قال: ما أنت كِي. وكَي خطأ من قبل أنه ليس في العربية حرفٌ يُفتح قبل ياء الإضافة.
باب ما تكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن وأنتنّ وهما وأنتما وأنتم وصفاً

اعلم أن هذه الحروف كلها تكون وصفاً للمجرور والمرفوع والمنصوب للمضمرين وذلك قولك: مررتُ بك أنت ورأيتُك أنت وانطلقْتَ أنت. وليس وصفاً بمنزلة الطويل إذا قلت مررتُ بزيدٍ الطويل ولكنه بمنزلة نفسه إذا قلت مررتُ به نفسه وأتاني هو نفسه ورأيتُه هو نفسَه. وإنما تريد بهنّ ما تريد بالنفس إذا قلت: مررتُ به هو هو ومررت به نفسِه ولست تريد أن تحلّيه بصفة ولا قرابة كأخيك ولكن النحويين صار ذا عندهم صفةً لأن حاله كحال الموصوف كما أن حال الطويل وأخيك في الصفة بمنزلة الموصوف في الإجراء لأنه يلحقها ما يلحق الموصوفَ من الإعراب. واعلم أن هذه الحروف لا تكون وصفاً للمظهر كراهيةَ أن يصفوا المظهر بالمضمَر كما كرهوا أن يكون أجمعون ونفسُه معطوفاً على النكرة في قولهم: مررتُ برجلٍ نفسِه ومررتُ بقوم أجمعين. فإن أردت أن تجعل مضمَراً بدلاً من مضمَر قلت: رأيتُك إياك ورأيتُه إيّاه. فإن أردت أن تبدل من المرفوع قلت: فعلتَ أنت وفعل هو. فأنت وهو وأخواتهما نظائر إياه في النصب. واعلم أن هذا المضمَر يجوز أن يكون بدلاً من المظهر وليس بمنزلته في أن يكون وصفاً له لأن الوصف تابع للاسم مثلُ قولك: رأيت عبدَ الله أبا زيد. فأما البدل فمنفرد كأنك قلت: زيداً رأيت أو رأيت زيداً ثم قلت إياه رأيت. وكذلك أنت وهو وأخواتُهما في الرفع. واعلم أنه قبيح أن تقول مررتُ به وبزيدٍ هما كما قبُح أن تصف المظهر والمضمَر بما لا يكون إلا وصفاً للمظهر. ألا ترى أنه قبيح أن تقول: مررتُ بزيدٍ وبه الظريفين. وإن أراد البدل قال: مررتُ به وبزيدٍ بهما لابد من الباء الثانية في البدل.
هذا باب من البدل أيضاً

وذلك قولك: رأيتُه إيّاه نفسَه وضربتُه إيّاه قائماً. وليس هذا بمنزلة قولك: أظنه هو خيراً منك من قبل أن هذا موضع فصل والمضمَر والمظهر في الفصل سواء. ألا ترى أنك تقول رأيت زيداً هو خيراً منك وقال الله عزّ وجلّ: " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزلَ إليك من ربّك هو الحقّ ". وإنما يكون الفصل في الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء. فأما ضربتُ وقتلتُ ونحوهما فإن الأسماء بعدها بمنزلة المبني على المبتدأ وإنما تذكر قائماً بعد ما يستغني الكلام ويكتفي وينتصب على أنه حال فصار هذا كقولك: رأيته إيّاه يوم الجمعة. فأما نفسه حين قلت: رأيته إياه نفسه فوصفٌ بمنزلة هو وإياه بدل وإنما ذكرتهما توكيداً كقوله جلّ ذكره: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " إلا أن إياه بدلٌ والنفس وصف كأنك قلت: رأيت الرجلَ زيداً نفسه وزيد بدل ونفسه على الاسم. وإنما ذكرت هذا للتمثيل. وإنما كان الفصل في أظن ونحوها لأنه موضع يلزم فيه الخبر وهو ألزم له من التوكيد لأنه لا يجد منه بدّاً. وإنما فصل لأنك إذا قلت كان زيدٌ الظريف فقد يجوز أن تريد بالظريف نعتاً لزيد فإذا جئت بهو أعلمت أنها متضمنة للخبر. وإنما فصل لما لابد له منه ونفسه يجزئ من إيّا كما تُجزئ منه الصفة لأنك جئت بها توكيداً وتوضيحاً فصارت كالصفة. ويدلك على بُعده أنك لا تقول أنت إياك خيرٌ منه. فإن قلت أظنه خيراً منه جاز أن تقول إياه لأن هذا ليس موضع فصل واستغنى الكلام فصار كقولك: ضربتُه إياه. وكان الخليل يقول: هي عربية: إنك إياك خيرٌ منه. فإذا قلت إنك فيها إياك فهو مثل أظنه خيراً منه يجوز أن تقول: إياك. ونظير إيّا في الرفع أنت وأخواتُها. واعلم أنها في الفعل أقوى منها في إن وأخواتها. ويدلك على أن الفصل كالصفة أنه لا يستقيم أظنه هو إياه خيراً منك إذا كان أحدهما لم يكن الآخر لأن أحدهما يُجزئ من الآخر لأن الفصل هو كالصفة والصفة كالفصل. وكذلك أظنه إياه هو خيراً منه لأن الفصل يجزئ من التوكيد والتوكيد منه. وأنا ونحن وأخواتهن فصلاً اعلم أنهن لا يكنّ فصلاً إلا في الفعل ولا يكنّ كذلك إلا في كل فعل الاسم بعده بمنزلته في حال الابتداء واحتياجه إلى ما بعده كاحتياجه إليه في الابتداء. فجاز هذا في هذه الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء إعلاماً بأنه قد فصل الاسم وأنه فيما ينتظر المحدَّث ويتوقعه منه مما لابد له من أن يذكره للمحدَّث لأنك إذا ابتدأت الاسم فإنما تبتدئه لما بعده فإذا ابتدأت فقد وجب عليك مذكور بعد المبتدأ لابد منه وإلا فسد الكلام ولم يسغ لك فكأنه ذكر هو ليستدلّ المحدَّث أن ما بعد الاسم ما يُخرجه مما وجب عليه وأن ما بعد الاسم ليس منه. هذا تفسير الخليل رحمه الله. وإذا صارت هذه الحروف فصلاً وهذا موضع فصلها في كلام العرب فأجرِه كما أجروه. فمن تلك الأفعال: حسبتُ وخلْتُ وظننت ورأيت إذا لم ترد رؤية العين ووجدتُ إذا لم ترد وجدانَ الضالة وأُرى وجعلتُ إذا لم ترد أن تجعلها بمنزلة عملت ولكن تجعلها بمنزلة صيّرته خيراً منك وكان وليس وأصبح وأمسى. ويدلك على أن أصبح وأمسى كذلك أنك تقول أصبح أباك وأمسى أخاك فلو كانتا بمنزلة جاء وركب لقبُح أن تقول أصبح العاقلَ وأمسى الظريفَ كما يقبح ذلك في جاء وركب ونحوهما. فمما يدلّك على أنهما بمنزلة ظننتُ أنه يُذكر بعد الاسم فيهما ما يُذكر في الابتداء. واعلم أن ما كان فصلاً لا يغيّر ما بعده عن حاله التي كان عليها قبل أن يُذكر وذلك قولك: حسبتُ زيداً هو خيراً منك وكان عبد الله هو الظريف وقال الله عزّ وجلّ: " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ". وقد زعم ناسٌ أن هو ها هنا صفة فكيف يكون صفة وليس من الدنيا عربي يجعلها ها هنا صفة للمظهر. ولو كان ذلك كذلك لجاز مررتُ بعبد الله هو نفسه فهو ها هنا مستكرهة لا يتكلم بها العرب لأنه ليس من مواضعها عندهم. ويدخل عليهم: إن كان زيد لهو الظريف وإن كنا لنحن الصالحين. فالعرب تنصب هذا والنحويون أجمعون. ولو كان صفة لم يجز أن يدخل عليه اللام لأنك لا تُدخلها في ذا الموضع على الصفة فتقول: إن كان زيد للظريف عاقلاً. ولا يكون هو ولا نحن ها هنا صفةً وفيهما اللام. ومن ذلك قوله عز وجلّ: " ولا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم " كأنه قال: ولا يحسبنّ الذين يبخلون البُخل هو خيراً لهم. ولم يذكر البخل اجتزاء بعلم المخاطَب بأنه البخل لذكره يبخلون. ومثل ذلك قول العرب: " من كذب كان شراً له " يريد كان الكذب شراً له إلا أنه استغنى بأن المخاطَب قد علم أنه الكذب لقوله كذب في أول حديثه فصار هو وأخواتُها هنا بمنزلة ما إذا كانت لغواً في أنها لا تغيّر ما بعدها عن حاله قبل أن تُذكَر. واعلم أنها تكون في إن وأخوتها فصلاً وفي الابتداء ولكن ما بعدها مرفوع لأنه مرفوع قبل أن تذكر الفصل. واعلم أن هو لا يحسن أن تكون فصلاً حتى يكون ما بعدها معرفة أو ما أشبه المعرفة مما طال ولم تدخله الألف واللام فضارع زيداً وعمراً نحو خير منك ومثلك وأفضل منك وشرّ منك كما أنها لا تكون في الفصل إلا وقبلها معرفة أو ما ضارعها كذلك لا يكون ما بعدها إلا معرفة أو ما ضارعها. لو قلت: كان زيد هو منطلقاً كان قبيحاً حتى تذكر الأسماء التي ذكرتُ لك من المعرفة أو ما ضارعها من النكرة مما لا يدخله الألف واللام. وأما قوله عزّ وجلّ: " إن ترني أنا أقلَّ منك مالاً وولداً " فقد تكون أنا فصلاً وصفة وكذلك " وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظمَ أجراً ". وقد جعل ناسٌ كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسمٍ مبتدأ وما بعده مبني عليه فكأنك تقول: أظنّ زيداً أبوه خيرٌ منه ووجدتُ عمراً أخوه خيرٌ منه. فمن ذلك أنه بلغنا أن رؤبة كان يقول: أظن زيداً هو خيرٌ منك. وحدثنا عيسى أن ناساً كثيراً يقرؤونها: " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون ". وقال الشاعر قيس بن ذريح: تُبَكّي على لُبنى وأنت تركتَها وكنتَ عليها بالمَلا أنت أقدرُ وكان أبو عمرو يقول: إن كان لهو العاقل. وأما قولهم: " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه " ففيه ثلاثة أوجه: فالرفع وجهان والنصب وجه واحد. فأحد وجهي الرفع أن يكون المولود مضمَراً في يكون والأبوان مبتدآن وما بعدهما مبني عليهما كأنه قال: حتى يكون المولود أبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه. ومن ذلك قول الشاعر رجل من بني عبس: إذا ما المرء كان أبوه عبس فحسبُك ما تريد إلى الكلام وقال آخر: متى ما يُفِد كسباً يكنْ كلُ كسبه له مطعمٌ من صدرِ يوم ومأكلُ والوجه الآخر: أن تعمل يكون في الأبوين ويكون هُما مبتدأ وما بعده خبراً له. والنصب على أن تجعل هُما فصلا. وإذا قلت: كان زيد أنت خيرٌ منه وكنت أنا يومئذ خيرٌ منك فليس إلا الرفع لأنك إنما تفصل بالذي تعني به الأول إذا كان ما بعد الفصل هو الأول وكان خبره ولا يكون الفصل ما تعني به غيره. ألا ترى أنك لو أخرجت أنت لاستحال الكلام وتغيّر المعنى وإذا أخرجت هو من قولك كان زيد هو خيراً منك لم يفسد المعنى. وأما إذا كان ما بعد الفصل هو الأول قلت: هذا عبد الله هو خيرٌ منك وضربتُ عبدَ الله هو قائمٌ وما شأن عبد الله هو خيرٌ منك فلا تكون هو وأخواتها فصلاً فيها وفي أشباهها ها هنا لأن ما بعد الاسم ها هنا ليس بمنزلة ما يُبنى على المبتدأ وإنما ينتصب على أنه حالٌ كما انتصب قائم في قولك: انظُر إليه قائماً. ألا ترى أنك لا تقول هذا زيد هو القائم ولا ما شأنُك أنت الظريفُ. أوَلا ترى أن هذا بمنزلة راكبٍ في قولك مرّ زيدٌ راكباً. فليس هذا بالموضع الذي يحسن فيه أن يكون هو وأخواتها فصلاً لأن ما بعد الاسماء هنا لا يفسد تركُه الكلام فيكون دليلاً على أنه فيما تكلمه به وإنما يكون هو فصلاً في هذه الحال.
باب لا تكون هو وأخواتها فيه فصلا ولكن يكنّ بمنزلة اسم مبتدأ

وذلك قولك: ما أظن أحداً هو خير منك وما أجعلُ رجلاً هو أكرم منك وما إخالُ رجلاً هو أكرمُ منك. لم يجعلوه فصلاً وقبله نكرة كما أنه لا يكون وصفاً ولا بدلاً لنكرة وكما أن كلهم وأجمعين لا يكرَّران على نكرة فاستقبحوا أن يجعلوها فصلاً في النكرة كما جعلوها في المعرفة لأنها معرفة فلم تصر فصلاً إلا لمعرفة كما لم تكن وصفاً ولا بدلاً إلا لمعرفة. وأما أهل المدينة فينزلون هو ها هنا بمنزلته بين المعرفتين ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع. فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحناً وقال: احتبى ابنُ مروان في ذِه في اللحن. يقول: لحنَ وهو رجل من أهل المدينة كما تقول: اشتمل بالخطأ وذلك أنه قرأ: " هؤلاء بناتي هنّ أطهرَ لكم " فنصب. وكان الخليل يقول: والله إنه لعظيمٌ جعلهم هو فصلاً في المعرفة وتصييرهم إياها بمنزلة ما إذا كانت ما لغواً لأن هو بمنزلة أبوه ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس. وإنما قياسُها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما. ومما يقوّي ترك ذلك في النكرة أنه لا يستقيم أن تقول: رجلٌ خيرٌ منك. ويقول: لا يستقيم أظن رجلاً خيراً منك فإن قلت: لا أظن رجلاً خيراً منك فجيد بالغ. ولا تقول: أظن رجلاً خيراً منك حتى تنفي وتجعله بمنزلة أحد فلما خالفَ المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء لم يجرِ في النفي مجراه لأنه قبيح في
هذا باب أيّ

اعلم أن أيّاً مضافاً وغير مضاف بمنزلة مَن. ألا ترى أنك تقول: أيٌ أفضل وأيُ القوم أفضلُ. فصار المضاف وغير المضاف يجريان مجرى مَن كما أن زيداً وزيدَ مَناة يجريان مجرى عمرو فحال المضاف في الإعراب والحُسن والقبح كحال المفرد. قال الله عز وجل: " أيّاً ما تدعو فله الأسماء الحُسنى " فحسُن كحسنه مضافاً. وتقول: أيها تشاء لك فتشاء صلةٌ لأيها حتى كمل اسماً ثم بنيتَ لك على أيها كأنك قلت: الذي تشاء لك. وإن أضمرت الفاء جاز وجزمت تشأ ونصبت أيها. وإن أدخلتَ الفاء قلت: أيها تشأ فلك لأنك إذا جازيت لم يكن الفعل وصلاً وصار بمنزلته في الاستفهام إذا قلت أيها تشاء وكذلك مَن تجري مجرى أيٍ في الذي ذكرنا وتقع موقعه. وسألتُ الخليل رحمه الله عن قولهم: اضربْ أيُّهم أفضل فقال: القياس النصب كما تقول: اضرب الذي أفضلُ لأن أياً في غير الجزاء والاستفهام بمنزلة الذي كما أن مَن في غير الجزاء والاستفهام بمنزلة الذي. وحدّثنا هارون أن ناساً وهم الكوفيون يقرؤونها: " ثم لننزِعنّ من كل شيعةٍ أيَّهم أشدُّ على الرحمن عُتيّا " وهي لغة جيدة نصبوها كما جرّوها حين قالوا: امرُرْ على أيهم أفضلُ فأجراها هؤلاء مجرى الذي إذا قلت: اضربِ الذي أفضلُ لأنك تُنزل أياً ومَن منزلة الذي في غير الجزاء والاستفهام. وزعم الخليل أن أيُّهم إنما وقع في اضربْ أيّهم أفضل على أنه حكاية كأنه قال: اضرب الذي يقال له أيّهم أفضلُ وشبهه بقول الأخطل: ولقد أبيتُ من الفتاة بمنزلٍ فأبيتُ لا حرجٌ ولا محرومُ وأما يونس فيزعم أنه بمنزلة قولك: أشهدُ إنك لَرسولُ الله. واضربْ معلّقةٌ. وأرى قولهم: اضربْ أيهم أفضلُ على أنهم جعلوا هذه الضمة بمنزلة الفتحة في خمسةَ عشرَ وبمنزلة الفتحة في الآنَ حين قالوا من الآنَ إلى غدٍ ففعلوا ذلك بأيهم حين جاء مجيئاً لم تجئ أخواته عليه إلا قليلاً واستُعمل استعمالاً لم تُستعمله أخواته إلا ضعيفاً. وذلك أنه لا يكاد عربي يقول: الذي أفضل فاضربْ واضربْ مَن أفضلُ حتى يدخلَ هو. ولا يقول: هاتِ ما أحسنُ حتى يقول ما هو أحسن. فلما كانت أخواته مفارِقة له لا تستعمل كما يُستعمل خالفوا بإعرابها إذا استعملوه على غير ما استُعملت عليه أخواته إلا قليلاً. كما أن قولك: يا اللهُ حين خالف سائرَ ما فيه الألف واللام لم يحذفوا ألفَه وكما أن ليس لمّا خالفت سائر الفعل ولم تصرّف تصرّف الفعل تُركت على هذه الحال. وجاز إسقاط هو في أيهم كما كان: لا عليك تخفيفاً ولم يجزْ في أخواته إلا قليلاً ضعيفاً. وأما الذين نصبوا فقاسوه وقالوا: هو بمنزلة قولنا اضربِ الذين أفضلُ إذا أثرنا أن نتكلم به. وهذا لا يرفعه أحد. ومن قال: امرُرْ على أيّهم أفضل قال: امرُرْ بأيهم أفضل وهما سواء. فإذا جاء أيهم مجيئاً يحسن على ذلك المجيء أخواته ويكثر رجع إلى الأصل والى القياس كما ردوا ما زيدٌ إلا منطلقٌ إلى الأصل والى القياس. وتفسير الخليل رحمه الله ذلك الأول بعيد إنما يجوز في شعر أو في اضطرار. ولو ساغ هذا في الأسماء لجاز أن تقول: اضربِ الفاسقُ الخبيثُ تريد الذي يقال له الفاسقُ الخبيثُ. وأما قول يونس فلا يشبه أشهد إنك لمنطلق. وسترى بيان ذلك في باب إن وأن إن شاء الله. ومن قولهما: اضربْ أيٌ أفضلُ. وأما غيرهما فيقول: اضربْ أياً أفضلُ. ويقيس ذا على الذي وما أشبهه من كلام العرب ويسلّم في ذلك المضاف إلى قول العرب ذلك يعني أيهم وأجروا أياً على القياس. ولو قالت العرب اضربْ أيٌ أفضلُ لقلته ولم يكن بدٌ من متابعتهم. ولا ينبغي لك أن تقيس على الشاذ المنكر في القياس كما أنك لا تقيس على أمس أمسك ولا على أيقول ولا سائر أمثلة القول ولا على الآن أنَك. وأشبه هذا كثير. ولو جعلوا أياً في الانفراد بمنزلته مضافاً لكانوا خُلقاء إن كان بمنزلة الذي معرفةً أن لا ينوّن لأن كل اسم ليس يتمكن لا يدخله التنوين في المعرفة ويدخله في النكرة. وسترى بيان ذلك فيما ينصرف ولا ينصرف إن شاء الله. وسألته رحمه الله عن أيّي وأيُّك كان شراً فأخزاه الله فقال: هذا كقولك: أخزى الله الكاذب مني ومنك إنما يريد منا. وكقولك: هو بيني وبينك تريد هو بيننا. فإنما أراد أيُّنا كان شراً إلا أنهما لم يشتركا في أي ولكنه أخلصَه لكل واحدٍ منهما. وقال الشاعر العباس ابن مرداس: فأيي ما وأيّك كان شراً فسيقَ إلى المُقامةِ لا يراها وقال خداشُ بن زهير: ولقد علمتُ إذا الرجالُ تناهزوا أيي وأيّكمُ أعزُّ وأمنعُ وقال خداش أيضاً: فأيي وأيُّ ابنِ الحُصين وعثعثٍ غداةَ التقينا كان عندك أعذرا وذلك قولك: اضربْ أيَّهم هو أفضل واضرب أيَّهم كان أفضل واضرب أيهم أبوه زيد. جرى ذا على القياس لأن الذي يحسن ها هنا. ولو قلت: آضربْ أيهم عاقلٌ رفعت لأن الذي عاقل قبيحة. فإذا أدخلتَ هو نصبتَ لأن الذي هو عاقل حسن. ألا ترى أنك لو قلت: هذا الذي هو عاقل كان حسناً. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع عربياً يقول: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. وهذه قليلة ومن تكلم بهذا فقياسه اضربْ أيّهم قائل لك شيئاً. قلت: أفيقال: ما أنا بالذي منطلق فقال: لا. فقلت: فما بالُ المسألة الأولى فقال: لأنه إذا طال الكلام فهو أمثلُ قليلاً وكأن طولَه عوض من ترك هو. وقلّ من يتكلم بذلك.
باب أي مضافاً إلى ما لا يكمل اسماً إلا بصلة

فمن ذلك قولك: اضربْ أيُّ مَن رأيتَ أفضلُ. فمَن كمل اسماً برأيتَ فصار بمنزلة القوم فكأنك قلت: أيُّ القوم أفضل وأيهم أفضلُ وكذلك أيُ الذين رأيت في الدار أفضلُ. وتقول: أي الذين رأيتَ في الدار أفضل لأن رأيت من صلة الذين وفيها متصلة برأيت لأنك ذكرت موضع الرؤية فكأنك قلت أيضاً: أي القوم أفضل وأيهم أفضل لأن فيها لم تغيّر الكلام عن حاله. كما أنك إذا قلت: أيُ مَن رأيتَ قومَه أفضل كان بمنزلة قولك: أيُ مَن رأيتَ أفضلُ. فالصلة معملةً وغيرَ معملةٍ في القوم سواءٌ. وتقول: أيَّ من في الدار رأيت أفضلَ وذاك لأنك جعلت في الدار صلة فتمّ المضاف إليه أيٌ اسماً ثم ذكرتَ رأيت فكأنك قلت: أي القوم رأيت أفضل ولم تجعل في الدار ها هنا موضعاً للرؤية. وتقول: أيُّ مَن في الدار رأيتَ أفضل كأنك قلت: أيُ من رأيتَ في الدار أفضلُ. ولو قلت أيُ من في الدار رأيتَه زيدٌ إذا أردت أن تجعل في الدار موضعاً للرؤية لجاز. ولو قلت: أيُ مَن رأيت في الدار أفضل قدّمتَ أو أخّرتَ سواء. وتقول في شيء منه آخر: أيُ مَن إن يأتنا نُعطه نُكرمه. فهذا إن جعلته استفهاماً فإعرابه الرفع وهو كلام صحيح من قبل أن يأتنا نعطِه صلةٌ لمَن فكمل اسماً. ألا ترى أنك تقول مَن إن يأتنا نعطِه بنو فلان كأنك قلت: القومُ بنو فلان ثم أضفتَ أياً إليه فكأنك قلت: أيُ القوم نُكرمه وأيّهم نُكرمه فإن لم تدخل الهاء في نُكرم نصبتَ كأنك قلت: أيهم نُكرم. ولكنك إن قلت أيَّ مَن إن يأتنا نعطِه نُكرم تُهين كان في الخبر كلاماً لأن أيّهم بمنزلة الذي في الخبر فصار نكرم صلةً وأعملت تُهين كأنك قلت: الذي نُكرمُ تُهين. وتقول: أيَّ مَن إن يأتنا نُعطه نُكرم تُهن كأنك قلت: أيَّهم نُكرِم تُهن. وتقول: أيُ مَن يأتينا يريد صلتنا فنحدّثه فيستحيل في وجه ويجوز في وجه. فأما الوجه الذي يستحيل فهو أن يكون يريد في موضع مُريدٍ إذا كان حالاً فيه وقع الإتيان لأنه معلّق بيأتينا كما كان فيها معلّقاً برأيت في: أيُ مَن رأيت في الدار أفضل فكأنك قلت: أيُهم فنحدثه. فهذا لا يجوز في خبر ولا استفهام. وأما الوجه الذي يجوز فيه فأن يكون يريدُ مبنياً على ما قبله ويكون يأتينا الصلة. فإن أردت ذلك كان كلاماً كأنك قلت: أيّهم يريد صلتَنا فنحدّثه وفنحدّثه إن أردت الخبر. وأما أيَّ مَن يأتينا فنحدّثه فهو محال. لأن أيَّهم فنحدثه محال. فإن أخرجت الفاء فقتل: أيَّ من يأتيني نُحدّثُه فهو كلام في الاستفهام محالٌ في الإخبار. وتقول: أيَّ مَن إن لم يأته مَن إن يأتِنا نُعطه تأتِ يكرمْك. وذلك أن مَن الثانية صلتها إن يأتنا نعطه فصار بمنزلة زيد فكأنك قلت: أيّ مَن إن يأته زيدٌ يُعطه تأتِ يكرمْك فصار إن يأته زيدٌ يعطِه صلة لمن الأولى فكأنك قلت: أيهم تأتِ يُكرمْك. فجميع ما جاز وحسن في أيهم ها هنا جاز في: أي مَن إن يأته من إن يأتنا نعطه يُعطِه لأنه بمنزلة أيهم. وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم: أيهنّ فلانة وأيتهنّ فلانة فقال: إذا قلت أيّ فهو بمنزلة كل لأن كلاً مذكّر يقع للمذكر والمؤنث وهو أيضاً بمنزلة بعض فإذا قلت أيتهن فإنك أردت أن تؤنث الاسم كما أن بعض العرب فيما زعم الخليل رحمه الله يقول: كلَّتهن منطلقة.
باب أي إذا كنتَ مستفهماً بها عن نكرة

وذلك أن رجلاً لو قال: رأيت رجلاً قلت: أياً فإن قال: رأيت رجلين قلت: أيّيْن وإن قال: رأيت رجالاً قلت: أيِّين فإن ألحقتَ يا فتى في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق يا فتى. وإذا قال رأيت امرأة قلت: أيةً يا فتى فإن قال: رأيتُ امرأتين قلت: أيَّتَين يا فتى فإن قال: رأيتُ نسوةً قلت: أيّاتٍ يا فتى فإن تكلم بجميع ما ذكرنا مجروراً جررتَ أياً وإن تكلم به مرفوعاً رفعتَ أياً لأنك إنما تسألهم على ما وضع عليه المتكلم كلامه. قلت: فإن قال: رأيت عبدَ الله أو مررت بعبد الله قال: فإن الكلام أن لا تقول أياً ولكن تقول: مَن عبدُ الله وأيٌ عبدُ الله لا يكون إذا جئت بأي إلا الرفع كما أنه لا يجوز إذا قال: رأيت عبدَ الله أن تقول مَنَا وكذلك لا يجوز إذا قال رأيت عبدَ الله أن تقول أيّا ولا تجوز الحكاية فيما بعد أي كما جاز فيما بعد مَن وذلك أنه إذا قال رأيت عبدَ الله قلت: أيٌ عبدُ الله وإذا قال: مررتُ بعبد الله قلت: أيٌ عبدُ الله وإنما جازت الحكاية بعد مَن في قولك مَن عبد الله لأن أياً واقعة على كل شيء وهي للآدميين. ومَن أيضاً مُسكّنةٌ في غير بابها فكذلك يجوز أن تجعل ما بعد مَن في غير بابه.
باب مَن إذا كنت مستفهماً عن نكرة

اعلم أنك تثنّي مَن إذا قلت رأيت رجلين كما تثنّي أياً وذلك قولك: رأيت رجلين فتقول: مَنَيْن كما تقول أيّين. وأتاني رجلان فتقول: مَنان وأتاني رجال فتقول: مَنون. وإذا قال: رأيت رجالاً قلت: مَنين كما تقول أيِّين. وإن قلت رأيت امرأة قلت: مَنَهْ كما تقول أيةً. فإن وصل قال مَن يا فتى للواحد والاثنين والجميع. وإن قال رأيت امرأتين قلت مَنَتيْن كما قلت أيّتَين إلا أن النون مجزومة. فإن قال: رأيت نساءَ قلت: مَناتْ كما قلت أيّاتٍ إلا أن الواحد يخالف أياً في موضع الجرّ والرفع وذلك قولك: أتاني رجلٌ فتقول مَنُو وتقول مررت برجل فتقول مَني. وسنبين وجه هذه الواو والياء في غير هذا الموضع إن شاء الله. فأيّ في موضع الجر والرفع إذا وقفتَ بمنزلة زيد وعمرو وذلك لأن التنوين لا يلحق مَن في الصلة وهو يلحق أياً فصارت بمنزلة زيد وعمرو وأما مَن فلا ينوّن في الصلة فجاء في الوقف مخالفاً. وزعم الخليل أن مَنَهْ ومَنَتَيْن ومَنَيْن ومَناتْ ومَنِين كل هذا في الصلة مُسكن النون وذلك أنك تقول إذا رأيت رجالاً أو نساءً أو امرأة أو امرأتين أو رجلاً أو رجلين: مَني يا فتى. وزعم الخليل رحمه الله أن الدليل على ذلك أنك تقول مَنو في الوقف ثم تقول مَن ي فتى فيصير بمنزلة قولك مَن قال ذاك فتقول: مَن يا فتى إذا عنيت جميعاً كأنك تقول مَن قال ذاك إذا عنيت جماعةً. وإما فارق باب مَن باب أيّ أن أياً في الصلة يثبت فيه التنوين تقول: أيٌ ذا وأيةٌ ذهْ. وزعم أن من العرب وقد سمعناه من بعضهم من يقول: أيّونَ هؤلاء وأيان هذان. فأيٌ قد تُجمع في الصلة وتضاف وتثنّى وتنوّن ومَن لا يثنّى ويُجمع في الاستفهام ولا يضاف وأيٌ منوّن على كل حال في الاستفهام وغيره فهو أقوى. وحدّثنا يونس أن ناساً يقولون أبداً: مَنَا ومَنِي ومَنو عنيت واحداً أو اثنين أو جميعاً في الوقف. فمن قال هذا قال أياً وأيٍ وأيٌ إذا عنى واحداً أو جميعاً أو اثنين. فإن وصل نوّن أياً. وإنما فعلوا ذلك بمَن لأنهم يقولون: مَن قال ذاك فيعنون ما شاءوا من العدد. وكذلك أيٌ تقول أيٌ يقول ذاك فتعني بها جميعاً وإن شاء عنى اثنين. وأما يونس فإنه كان يقيس مَنَهْ على أية فيقول: مَنَةٌ ومنةً ومنةٍ إذا قال يا فتى. وكذلك ينبغي له أن يقول إذا أثر أن لا يغيّرها في الصلة. وهذا بعيد وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يُسمع بعدُ: أتَوا ناري فقلت مَنونَ أنتم فقالوا الجِنُّ قلت عِموا ظلاما وهذا بعيد لا تكلّم به العرب ولا يستعمله منهم ناس كثير. وكان يونس إذا ذكرها يقول لا يقبل هذا كلُ أحد. فإنما يجوز مَنونَ يا فتى على ذا. وينبغي لهذا أن لا يقول مَنو في الوقف ولكن يجعله كأي. وإذا قال رأيت امرأةً ورجلاً فبدأت في المسألة بالمؤنّث قلت: مَن ومَنا لأنك تقول مَن يا فتى في الصلة في المؤنث. وإن بدأت بالمذكّر قلت مَن ومَنَهْ وإنما جُمعت أيٌ في الاستفهام ولم تُجمع في غيره لأنه إنما الأصل فيها الاستفهام وهي فيه أكثر في كلامهم وإنما تشبه الأسماء التامة التي لا تحتاج إلى صلة في الجزاء وفي الاستفهام. وقد تشبّه مَن بها في هذه المواضع لأنها تجري مجراها فيها. ولم تقوَ قوةَ في أيٍ لما ذكرت لك ولما يدخلها من التنوين والإضافة.
باب ما لا تحسن فيه مَن كما تحسُن فيما قبله

وذلك أنه لا يجوز أن يقول الرجل: رأيت عبدَ الله فتقول مَنَا لأنه إذا ذكر عبد الله فإنما يذكر رجلاً تعرفه بعينه أو رجلاً أنت عنده ممن يعرفه بعينه فإنما تسأله على أنك ممن يعرفه بعينه إلا أنك لا تدري الطويلُ هو أم القصير أم ابنُ زيد أم ابن عمرو فكرهوا أن يُجرى هذا مجرى النكرة إذا كانا مفترقين. وكذلك رأيته ورأيت الرجل لا يحسن لك أن تقول فيهما إلا مَن هو ومنِ الرجل. وقد سمعنا من العرب من يقال له ذهبنا معهم فيقول: مع مَنِينْ وقد رأيته فيقول: مَنا أو رأيت مَنا. وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفه بعينه وأن الأمر ليس على ما وضعه عليه المحدِّث فهو ينبغي له أن يسأل في ذا الموضع كما سأل حين قال رأيت رجلاً.
باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب إذا استفهمت عنه بمَن

اعلم أن أهل الحجاز يقولون إذا قال الرجل رأيت زيداً: مَن زيداً وإذا قال مررتُ بزيد قالوا: مَن زيد وإذا قال: هذا عبد الله قالوا: من عبد الله وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال. وهو أقيسُ القولين. فأما أهل الحجاز فإنهم حملوا قولهم على أهم حكوا ما تكلم به المسئول كما قال بعض العرب: دعنا من تَمْرتان على الحكاية لقوله: ما عنده تمرتان. وسمعتُ عربياً مرة يقول لرجل سأله فقال: أليس قُرشياً فقال: ليس بقرشياً حكايةً لقوله. فجاز هذا في الاسم الذي يكون علَماً غالباً على ذا الوجه ولا يجوز في غير الاسم الغالب كما جاز فيه وذلك أنه الأكثر في كلامهم وهو العلَم الأول الذي به يتعارفون. وإنما يُحتاج إلى الصفة إذا خاف الالتباس من الأسماء الغالبة. وإنما حكى مبادرة للمسئول أو توكيداً عليه أنه ليس يسأله عن غير هذا الذي تكلم به. والكُنية بمنزلة الاسم. وإذا قال: رأيت أخا خالد لم يجز مَن أخا خالد إلا على قول من قال: دعنا مِن تمرتان وليس بقرشياً. والوجه الرفع لأنه ليس باسم غالب. وقال يونس: إذا قال رجلٌ: رأيت زيداً وعمراً أو زيداً وأخاه أو زيداً أخا عمرو فالرفع يردّه إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما تُردّ ما زيدٌ إلا منطلقٌ إلى الأصل. وأما ناسٌ فإنهم قاسوه فقالوا: تقول مَن أخو زيد وعمرو ومن عمراً وأخا زيدٍ تُتبع الكلام بعضه بعضاً. وهذا حسن. فإذا قالوا مَن عمراً ومن أخو زيد رفعوا أخاً زيد لأنه قد انقطع من الأول بمن الثاني الذي مع الأخ فكأنك قلت مَن أخو زيد كما أنك تقول تبّاً له وويلاً وتباً له وويلٌ له. وسألت يونس عن: رأيت زيدَ بنَ عمرو فقال: أقول مَن زيدَ ابن عمرو لأنه بمنزلة اسم واحد. وهكذا ينبغي إذا كنت تقول يا زيدَ ابن عمرو وهذا زيدُ بن عمرو فتسقط التنوين. فأما مَن زيدٌ الطويل فالرفع على كل حال لأن أصل هذا جرى للواحد لتعرّفه له بالصفة فلما جاوز ذلك ردّه إلى الأعرف. ومَن نوّن زيداً جعل ابن صفةً منفصلة ورفع في قول يونس. فإذا قال رأيت زيداً قال: أيٌ زيدٌ فليس فيه إلا الرفع يُجريه على القياس. وإنما جازت الحكاية في مَن لأنهم لمَن أكثر استعمالاً وهم مما يغيّرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره. وإن أدخلت الواو والفاء في مَن فقلت: فمَن أو وَمَنْ لم يكن فيما بعده إلا الرفع.
باب مَن إذا أردت أن يضاف لك مَن تسأل عنه

وذلك قولك: رأيت زيداً فتقول: المَنيَّ. فإذا قال رأيت زيداً وعمراً قلت: المَنيَّيْن. فإذا ذكر ثلاثة قلت: المَنيِّينْ وتحمل الكلام على ما حمل عليه المسئول إن كان مجروراً أو منصوباً أو مرفوعاً كأنك قلت: القُرشيَّ أم الثّقَفيّ. فإن قال القرشيّ نصب وإن شاء رفع على هو كما قال صالحٌ في: كيف كنتَ فإن كان المسئول عنه من غير الإنس فالجواب الهَنُ والهنَةُ والفلانُ والفلانة لأن ذلك كناية عن باب إجرائهم صلةَ مَن وخبره إذا عنيت اثنين صلة اللذين وإذا عنيت جميعاً كصلة الذين فمن ذلك قوله عز وجل: " ومنهم من يستعمون إليك ". ومن ذلك قول العرب فيما حدثنا يونس: مَن كانت أمَّك وأيُّهنّ كانت أمَّك ألحق تاء التأنيث لما عنى مؤنثاً كما قال: يستعمون إليك حين عنى جميعاً. وزعم الخليل رحمه الله أن بعضهم قرأ: " ومَن تقنُتْ منكنّ لله ورسوله " فجُعلت كصلة التي حين عنيتَ مؤنثاً. فإذا ألحقت التاء في المؤنث ألحقت الواو والنون في الجميع. قال الشاعر حين عنى الإثنين وهو الفرزدق: تعال فإنْ عاهدتَني لا لا تخونُني ** نكنْ مثلَ مَن يا ذئبُ يصطحبان
باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي

وليس يكون كالذي إلا مع ما ومَن في الاستفهام فيكون ذا بمنزلة الذي ويكون ما حرف الاستفهام وإجرائهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد. أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك: ماذا رأيت فيقول: متاعٌ حسنٌ. وقال الشاعر لبيد ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنَحْبٌ فيُقضى أم ضَلال وباطلُ وأما إجراؤهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت فتقول: خيراً كأنك قلت: ما رأيت ومثل ذلك قولهم: ماذا ترى فنقول: خيراً. وقال جلّ ثناؤه: " ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً ". فلو كان ذا لغواً لما قالت العرب: عمّاذا تسأل ولقالوا: عمّ ذا تسأل كأنهم قالوا: عمّ تسأل ولكنهم جعلوا ما وذا اسماً واحداً كما جعلوا ما وإن حرفاً واحداً حين قالوا: إنما. ومثل ذلك كأنما وحيثما في الجزاء. ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة لكان الوجه في ماذا رأيت إذا أجاب أن يقول: خيرٌ. وقال الشاعر وسمعنا بعض العرب يقول: دعي ماذا عملتِ سأتّقيهِ ولكنْ بالمغيّب نبّئيني فالذي لا يجوز في هذا الموضع وما لا يحسن أن تُلغيها. وقد يجوز أن يقول الرجل: ماذا رأيت فيقول: خيرٌ إذا جعلت ما وذا اسماً واحداً كأنه قال: ما رأيت خيرٌ ولم يُجبه على رأيت. ومثل ذلك قولهم في جواب كيف أصبحت فيقول: صالحٌ وفي مَن رأيت فيقول: زيدٌ كأنه قال: أنا صالح ومن رأيت زيدٌ. والنصب في هذا الوجه لأنه الجواب على كلام المخاطَب وهو أقرب إلى أن تأخذ به. وقال عزّ وجلّ: " ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطيرُ الأولين ". وقد يجوز أن تقول إذا قلت من الذي رأيتَ: زيداً لأن ها هنا معنى فعل فيجوز النصب ها هنا كما جاز الرفعُ في الأول.
باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام


إذا أنكرتَ أن تُثبت رأيَه على ما ذكر أو تنكر أن يكون رأيه على خلاف ما ذكر. فالزيادة تتبع الحرف الذي هو قبلها الذي ليس بينه وبينها شيء. فإن كان مضموماً فهو واو وإن كان مكسوراً فهي ياء وإن كان مفتوحاً فهي ألف وإن كان ساكناً تحرّك لئلا يسكن حرفان فيتحرك كا يتحرك في الألف واللام والساكن مكسوراً ثم تكون الزيادة تابعةً له. فمما تحرّك من السواكن كما وصفتُ لك وتبعته الزيادةُ قول الرجل: ضربت زيداً فتقول منكِراً لقوله: أزيدَنيه. وصارت هذه الزيادة علَماً لهذا المعنى كعلَم الندبة وتحركت النون لأنها ساكنة ولا يسكن حرفان. فإن ذكر الاسم مجروراً جررته أو منصوباً نصبته أو مرفوعاً رفعته وذلك قولك إذا قال: رأيت زيداً: أزيدَنيه وإذا قال مررتُ بزيد: أزيدِنيه وإذا قال هذا زيدٌ: أزيدُنيه لأنك إنما تسأل عما وضع كلامه عليه. وقد يقول لك الرجل: أتعرف زيداً فتقول: أزيدَنيه. إما منكِراً لرأيه أن يكون على ذلك وإما على خلاف المعرفة. وسمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية فقال: أنا إنِيه منكِراً لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج. ويقول: قد قدم زيد فتقول: أزيدُنيه غيرَ رادّ عليه متعجباً أو منكراً عليه أن يكون رأيهُ على غير أن يقدم أو أنكرتَ أن يكون قدِم فقلت: أزيدُنيه فإن قلت مجيباً لرجل قال: قد لقيتُ زيداً وعمراً قلت: أزيداً وعمرَنيه تجعل العلامة في منتهى الكلام. ألا ترى أنك تقول إذا ضربتُ عمراً: أضربتَ عمرَاهْ وإن قال: ضربتُ زيداً الطويل قلت: أزيداً الطويلاه تجعلها في منتهى الكلام. وإن قلت: أزيداً يا فتى تركت العلامة كما تركت علامة التأنيث والجمع حرف اللين في قولك: مَنا ومَني ومَنو حين قلت يا فتى وجعلت يا فتى بمنزلة ما هو في مَن حين قلت مَن يا فتى ولم تقل مَنين ولا مَنَهْ ولا مَني أذهبتَ هذا في الوصل وجعلت يا فتى بمنزلة ما هو من مسألتك يمنع هذا كله وهو قولك مَن ومَنَهْ إذا قال رأيت رجلاً وامرأةً. فمَنَهْ قد منعتْ مَن من حروف اللين فكذلك هو ها هنا يمنع كما يمنع ما كان في كلام المسئول العلامة من الأول. ولا تدخل في يا فتى العلامة لأنه ليس من حديث المسئول فصار هذا بمنزلة الطويل حين منع العلامة زيداً كما منع مَن ما ذكرتُ لك وهو كلام العرب. ومما تُتبعه هذه الزيادة من المتحرّكات كما وصفتُ لك قوله: رأيت عُثمان فتقول: أعُثماناه ومررت بعثمان فتقول: أعُثماناه ومررتُ بحذام فتقول: أحَذاميهُ وهذا عمر فتقول: أعُمرُوهْ فصارت تابعة كما كانت الزيادة التي في واغُلامهوهْ تابعة. واعلم أن من العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم إنْ فيقول: أعُمَرُ إنِيه وأزيدُ إنيه فكأنهم أرادوا أن يزيدوا العلمَ بياناً وإيضاحاً كما قالوا: ما إنْ فأكدوا بإن. وكذلك أوضحوا بها ها هنا لأن في العلم الهاء والهاء خفية والياء كذلك فإذا جاء الهمزة والنون جاء حرفان لو لم يكن بعدهما الهاء وحرف اللين كانوا مستغنين بهما. ومما زادوا به الهاء بياناً قولهم: اضرِبه. وقالوا في الياء في الوقف: سعدِجْ يريدون سعدي. فإنما ذكرت لك هذا لتعلم أنهم قد يطلبون إيضاحها بنحو من هذا الذي ذكرتُ لك. وقد يقول الرجل: إني قد ذهبت فتقول: أذهبتُوه ويقول: أنا خارج فتقول: أنا إنِيه تُلحق الزيادة ما لفظ به وتحكيه مبادرةً له وتبييناً أنه يُنكر عليه ما تكلم به كما فُعل ذلك في: مَن عبدَ الله وإن شاء لم يتكلم بما لفظ به وألحق العلامة ما يصحّح المعنى كما قال حين قال: أتخرج إلى البادية: أنا إنِيه. وإن كنت متثبتاً مسترشداً إذا قال ضربت زيداً فإنك لا تُلحق الزيادة. وإذا قال ضربتُه فقلت: أقلتَ ضربتُه لم تلحق الزيادة أيضاً لأنك إنما أوقعت حرف الاستفهام على قلت ولم يكن من كلام المسئول وإنما جاء على الاسترشاد لا على الإنكار.
===

الكتاب (سيبويه)/الجزء الخامس 

باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء

اعلم أنّ هذه الأفعال لها حروف تعمل فيها فتنصبها لا تعمل في الأسماء كما أنّ حروف الأسماء التي تنصبها لا تعمل في الأفعال وهي: أن وذلك قولك: أريد أن تفعل. وكي وذلك جئتك لكي تفعل ولن. فأمّا الخليل فزعم أنّها لا أن ولكنّهم حذفوا لكثرته في كلامهم كما قالوا: ويلمّه يريدون وى لأمّه وكما قالوا يومئذ وجعلت بمنزلة حرف واحد كما جعلوا هلاّ بمنزلة حرف واحد فإنّما هي هل ولا. وأمّا غيره فزعم أنّه ليس في لن زيادة وليست من كلمتين ولكنّها بمنزلة شئ على حرفين ليست فيه زيادة وأنّها في حروف النصب بمنزلة لم في حروف الجزم في أنه ليس واحد من الحرفين زائداً. ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أمّا زيداً فلن أضرب لأنّ هذا اسم والفعل صلة

باب الحروف التي تضمر فيها أن

وذلك اللام التي في قولك: جئتك لتفعل. وحتّى وذلك قولك: حتى تفعل ذاك فإنما انتصب هذا بأن وأن ههنا مضمرة ولو لم تضمرها لكان الكلام محالاً لأنّ اللام وحتّى إنّما يعملان في الأسماء فيجرّان وليستا من الحروف التي تضاف إلى الأفعال. فإذا أضمرت أن حسن الكلام لأنّ أن وتفعل بمنزلة اسم واحد كما أن الّذي وصلته بمنزلة اسم واحد فإذا قلت: هو الذي فعل فكأنك قلت: هو الفاعل وإذا قلت: أخشى أن تفعل فكأنك قلت: أخشى فعلك. أفلا ترى أنّ أن تفعل بمنزلة الفعل فلّما أضمرت أن كنت قد وضعت هذين الحرفين مواضعهما لأنهما لا يعملان إّلا في الأسماء ولا يضافان إّلا إليهما وأن وتفعل بمنزلة الفعل. وبعض العرب يجعل كي بمنزلة حتّى وذلك أنّهم يقولون: كيمه في الاستفهام فيعملونها في الأسماء كما قالوا حتى مه. وحتّى متى ولمه. فمن قال كيمه فإنّه يضمر أن بعدها وأمّا من أدخل عليها اللام ولم يكن من كلامه كيمه فإنّها عنده بمنزلة أن وتدخل عليها اللام كما تدخل على أن. ومن قال كيمه جعلها بمنزلة اللام. واعلم أنّ لا تظهر بعد حتّى وكي كما لا يظهر بعد أمّا الفعل في قولك: أمّا أنت منطلقاً انطلقت وقد ذكر حالها فيما مضى. واكتفوا عن إظهار أن بعدهما بعلم المخاطب أنّ هذين الحرفين لا يضافان إلى فعل وأنّهما ليسا مما يعمل في الفعل وأنّ الفعل لا يحسن بعدهما إلاّ أن يحمل على أن فأن ههنا بمنزلة الفعل في أمّا وما كان بمنزلة أمّا مما لا يظهر بعده الفعل فصار عندهم بدلاً من اللفظ بأن. وأمّا اللام في قولك: جئتك لتفعل فبمنزلة إن في قولك: إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ إن شئت أظهرت الفعل ههنا وإن شئت خزلته وأضمرته. وكذلك أن بعد اللام إن شئت أظهرته وإن شئت أضمرته. واعلم أنّ اللام قد تجئ في موضع لا يجوز فيه الإظهار وذلك: ما كان ليفعل فصارت أن ههنا بمنزلة الفعل في قولك: إيّاك وزيداً وكأنك إذا مثّلت قلت: ما كان زيد لأن يفعل أي ما كان زيد لهذا الفعل. فهذا بمنزلته ودخل فيه معنى نفى كان سيفعل. فإذا قلت هذا قلت: ما كان ليفعل كما كان لن يفعل نفياً لسيفعل. وصارت بدلاً من اللفظ بأن كما كانت ألف الاستفهام بدلاً من واو القسم في قولك: آلله لتفعلنّ. فلم تذكر إّلا أحد الحرفين إذ كان نفياً لما معه حرف لم يعمل فيه شئ ليضارعه فكأنّه قد ذكر أن. كما أنّه إذا قال: سقياً له فكأنه قال: سقاه الله.

باب ما يعمل في الأفعال فيجزمها

وذلك: لم ولمّا واللام التي في الأمر وذلك قولك: ليفعل ولا في النهي وذلك قولك لا تفعل فإنّما هما بمنزلة لم. واعلم أنّ هذه اللام ولا في الدعاء بمنزلتهما في الأمر والنهي وذلك قولك: لا يقطع الله يمنيك وليجزك الله خيراً. واعلم أنّ هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر وتعمل مضمرة كأنهم شبّهوها بأن إذا أعملوها مضمرة. وقال الشاعر: محمّد تفد نفسك كلّ نفس ** إذا ما خفت من شئ تبالا وإنّما أراد: لتفد. وقال متمّم بن نويرة: على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى أراد: ليبك. وقال أحيحة بن الجلاح: فمن نال الغنى فليصطنعه صنيعته ويجهد كلّ جهد واعلم أنّ حروف الجزم لا تجزم إّلا الأفعال ولا يكون الجزم إلا في هذه الأفعال المضارعة والجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء فليس للاسم في الجزم نصيب وليس للفعل في الجرّ نصيب فمن ثمّ لم يضمروا الجازم كما لم يضمروا الجارّ. وقد أضمره الشاعر شبهّه بإضمارهم ربّ وواو القسم في كلام بعضهم.

باب وجه دخول الرفع في هذه الأفعال المضارعة للأسماء

اعلم أنّها إذا كانت في موضع اسم مبتدإ أو موضع اسم بني على مبتدإ أو في موضع اسم مرفوع غير مبتدإ ولا مبنيّ على مبتدإ أو في موضع اسم مجرور أو منصوب فإنّها مرتفعة وكينونتها في هذه المواضع ألزمتها الرفع وهي سبب دخول الرفع فيها. وعلّته: أنّ ما عمل في الأسماء لم يعمل في هذه الأفعال على حدّ عمله في الأسماء كما أنّ ما يعمل في الأفعال فينصبها أو يجزمها لا يعمل في الأسماء. وكينونتها في موضع الأسماء ترفعها كما يرفع الاسم كينونته مبتدأ. فأمّا ما كان في موضع المبتدإ فقولك: يقول زيد ذاك. وأمّا ما كان في موضع المبنيّ على المبتدإ فقولك: زيد يقول ذاك. وأمّا ما كان في موضع غير المبتدإ ولا المبنيّ عليه فقولك: مررت برجل يقول ذاك وهذا يوم آتيك وهذا زيد يقول ذاك وهذا رجل يقول ذاك وحسبته ينطلق. فهكذا هذا وما أشبهه. ومن ذلك أيضاً: هلاّ يقول زيد ذاك فيقول في موضع ابتداء وهلاّ لا تعمل في اسم ولا فعل فكأنّك قلت: يقول زيد ذاك. إلاّ أنّ من الحروف ما لا يدخل إلاّ على الأفعال التي في موضع الأسماء المبتدأة وتكون الأفعال أولى من الأسماء حتّى لا يكون بعدها مذكور يليها إلاّ الأفعال. وسنبّين ذلك إن شاء الله وقد بيّن فيما مضى. ومن ذلك أيضاً ائتني بعد ما تفرغ فما وتفرغ بمنزلة الفراغ وتفرغ صلة وهي مبتدأة وهي بمنزلتها في الذي إذا قلت بعد الذي تفرغ فتفرغ في موضع مبتدإ لأنّ الذي لا يعمل في شئ والأسماء بعده مبتدأة. ومن زعم أنّ الأفعال ترتفع بالابتداء فإنه ينبغي له أن ينصبها إذا كانت في موضع ينتصب فيه الاسم ويجرّها إذا كانت في موضع ينجرّ فيه الاسم ولكنّها ترتفع بكينونتها في موضع الاسم. ومن ذلك أيضاً: كدت أفعل ذاك وكدت تفرغ فكدت فعلت وفعلت لا ينصب الأفعال ولا يجزمها وأفعل ههنا بمنزلة في كنت إلاّ أنّ الأسماء لا تستعمل في كدت وما أشبهها. ومثل ذلك: عسى يفعل ذاك فصارت كدت ونحوها بمنزلة كنت عندهم كأنّك قلت: كدت فاعلاً ثم وضعت أفعل في موضع فاعل. ونظير هذا في العربيّة كثير وستراه إن شاء الله تعالى. ألا ترى أنّك تقول: بلغني أنّ زيداً جاء فأنّ زيداً جاء كلّه اسم. وتقول: لو أنّ زيداً جاء لكان كذا وكذا فمعناه: لو مجيء زيد ولا يقال لو مجيء زيد. وتقول في التعجّب: ما أحسن زيداً ولا يكون الاسم في موضع فتقول: ما محسن زيداً. ومنه: قد جعل يقول ذاك كأنّك قلت: صار يقول ذاك فهذا وجه دخول الرفع في الأفعال المضارعة للأسماء. وكأنّهم إنّما منعهم أن يستعملوا في كدت وعسيت الأسماء أنّ معناها ومعنى غيرها معنى ما تدخله أن نحو قولهم: خليق أن يقول ذاك وقارب أن لا يفعل. ألا ترى أنّهم يقولون: عسى أن يفعل. ويضطر الشاعر فيقول: كدت أن فلّما كان المعنى فيهنّ ذلك تركوا الأسماء لئلاّ يكون ما هذا معناه كغيره وأجروا اللفظ كما أجروه في كنت لأنّه فعل مثله. وكدت أن أفعل لا يجوز إلاّ في شعر لأنّه مثل كان في قولك: كان فاعلاً ويكون فاعلاً. وكأنّ معنى جعل يقول وأخذ يقول قد آثر أن يقول ونحوه. ثمن ثمّ منع الأسماء لأنّ معناها معنى ما يستعمل بأن فتركوا الفعل حين خزلوا أن ولم يستعملوا الاسم لئلاّ ينقضوا هذا المعنى.

هذا باب إذن

اعلم أنّ إذن إذا كانت جواباً وكانت مبتدأة عملت في الفعل عمل رأى في الاسم إذا كانت مبتدأة. وذلك قولك: إذن أجيئك و إذن آتيك. ومن ذلك أيضاً قولك: إذن والله أجيئك. والقسم ههنا بمنزلته في أرى إذا قلت: أرى والله زيداً فاعلاً. ولا تفصل بين شئ مما ينصب الفعل وبين الفعل سوى إذن لأنّ إذن أشبهت أرى فهي في الأفعال بمنزلة أرى في الأسماء وهي تلغى وتقدّم وتؤخّر فلمّا تصرّفت هذا التصرّف اجتروا على أن يفصلوا بينها وبين الفعل باليمين. ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهية أن يشبّهوها بما يعمل في الأسماء نحو ضربت وقتلت لأنّها لا تصرّف تصرّف الأفعال نحو ضربت وقتلت ولا تكون إلاّ في أوّل الكلام لاؤمة لموضعها لا تفارقه فكرهوا الفصل لذلك لأنّه حرف جامد. واعلم أنّ إذن إذا كانت بين الفاء والواو وبين الفعل فإنّك فيها بالخيار: إن شئت أعملتها كإعمالك أرى وحسبت إذا كانت واحدة منهما بين اسمين وذلك قولك: زيداً حسبت أخاك وإن شئت ألغيت إذن كإلغائك حسبت إذا قلت زيد حسبت أخوك. فأما الاستعمال فقولك: فإذن آتيك وإذن أكرمك. وبلغنا أنّ هذا الحرف في بعض المصاحف: " وإذن لا يلبثوا خلفك إلاّ قليلاً ". وسمعنا بعض العرب قرأها فقال: " وإذن لا يلبثوا ". وأمّا الإلغاء فقولك: فإذن لا أجيئك. وقال تعالى: " فإذن لا يؤتون الناس نقيراً ". واعلم أنّ إذن إذا كانت بين الفعل وبين شئ الفعل معتمد عليه فإنّها ملغاة لا تنصب البّتة كما لا تنصب أرى إذا كانت بين الفعل والاسم في قولك: كان أرى زيد ذاهباً وكما لا تعمل في قولك: إنّي أرى ذاهب. فإذن لا تصل في ذا الموضع إلى أن تنصب كما لا تصل أرى هنا إلى أن تنصب. فهذا تفسير الخليل. وذلك قولك: أنا إذن آتيك فهي ههنا بمنزلة أرى حيت لا تكون إلاّ ملغاة. ومن ذلك أيضاً قولك: إن تأتني إذن آتك لأنّ الفعل ههنا معتمد على ما قبل إذن. وليس هذا كقول ابن عنمة الضّبّيّ: اردد حمارك لا تنزع سويّته إذن يردّ وقيد العير مكروب من قبل أنّ هذا منقطع من الكلام الأوّل وليس معتمداً على ما قبله لأنّ ما قبله مستغن. ومن ذلك أيضاً: والله إذن لا أفعل من قبل أنّ أفعل معتمد على اليمين وإذن لغو. وليس الكلام ههنا بمنزلته إذا كانت إذن في أوّله لأنّ اليمين ههنا الغالبة. ألا ترى أنّك تقول إذا ولو قلت: والله إذن أفعل تريد أن تخبر أنّك فاعل لم يجز كما لم يجز والله أذهب إذن إذا أخبرت أنك فاعل. فقبح هذا يدلّك على أنّ الكلام معتمد على اليمين. وقال كثيّرة عزّة: لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلها وتقول: إن تأتني آتك وإذن أكرمك إذا جعلت الكلام على أوّله ولم تقطعه وعطفته على الأوّل. وإن جعلته مستقبلاً نصبت وإن شئت رفعته على قول من ألغى. وهذا قول يونس وهو حسن لأنّك إذا قطعته من الأوّل فهو بمنزلة قولك: فإذن أفعل إذا كنت مجيباً رجلاً. وتقول: إذن عبد الله يقول ذاك لا يكون إلاّ هذا من قبل أنّ إذن الآن بمنزلة إنّما وهل كأنك قلت: إنّما عبد الله يقول ذاك. ولو جعلت إذن ههنا بمنزلة كي وأن لم يحسن من قبل أنّه لا يجوز لك أن تقول: كي زيد يقول ذاك ولا أن زيد يقول ذاك. فلمّا قبح ذلك جعلت بمنزلة هل وكأنّما وأشباههما. وزعم عيسى بن عمر أنّ ناساً من العرب يقولون: إذن أفعل ذاك في الجواب. فأخبرت يونس بذلك فقال: لا تبعدنّ ذا. ولم يكن ليروي إلاّ ما سمع جعلوها بمنزلة هل وبل. وتقول إذا حدّثت بالحديث: إذن أظنّه فاعلاً وإذن إخالك كاذباً وذلك لأنك تخبر أنّك تلك الساعة في حال ظنّ وخيلة فخرجت من باب أن وكي لأنّ الفعل بعدهما غير واقع وليس في ولو قلت: إذن أظنّك تريد أن تخبره أنّ ظنّك سيقع لنصبت وكذلك إذن يضربك إذا أخبرت أنّه في حال ضرب لم ينقطع. وقد ذكر لي بعضهم أنّ الخليل قال: أن مضمرة بعد إذن. ولو كانت مما يضمر بعده أن فكانت بمنزلة اللام وحتّى لأضمرتها إذا قلت عبد الله إذن يأتيك فكان ينبغي أن تنصب إذن يأتيك لأن المعنى واحد ولم يغيّر فيه المعنى الذي كان في قوله: إذن يأتيك عبد الله كما يتغيّر المعنى في حتّى في الرفع والنصب. فهذا مارووا. وأمّا ما سمعت منه فالأوّل.

هذا باب حتّى

اعلم أنّ تنصب على وجهين: فأحدهما: أن تجعل الدخول غاية لمسيرك وذلك قولك: سرت حتّى أدخلها كأنك قلت: سرت إلى أن أدخلها فالناصب للفعل ههنا هو الجارّ للاسم إذا كان غاية. فالفعل إذا كان غاية نصب والاسم إذا كان غاية جرّ. وهذا قول الخليل. وأمّا الوجه الآخر فأن يكون السّير قد كان والدخول لم يكن وذلك إذا جاءت مثل كي التي فيها إضمار أن وفي معناها وذلك قولك: كلّمته حتّى يأمر لي بشيء. تقول: سرت حتّى أدخلها تعني أنّه كان دخول متّصل بالسير كاتّصاله به بالفاء إذا قلت: سرت فأدخلها فأدخلها ههنا على قولك: هو يدخل وهو يضرب إذا كنت تخبر أنّه في عمله وأنّ عمله لم ينقطع. فإذا قال حتّى أدخلها فكأنه يقول: سرت فإذا أنا في حال دخول فالدخول متّصل بالسير كاتّصاله بالفاء. فحتّى صارت ههنا بمنزلة إذا وما أشبهها من حروف الإبتداء لأنّها لم تجئ على معنى إلى أن ولا معنى كي فخرجت من حروف النّصب كما خرجت إذن منها في قولك: إذن أظنّك. وأمّا الوجه الآخر: فإنه يكون السّير قد كان وما أشبهه ويكون الدخول وما أشبهه الآن فمن ذلك: لقد سرت حتّى أدخلها ما أمنع أي حتّى أنّي الآن أدخلها كيفما شئت. ومثل ذلك قول الرجل: لقد رأى منّي عاماً أوّل شيئاً حتّى لا أستطيع أن أكلّمه العام بشيء ولقد مرض حتّى لا يرجونه. والرفع ههنا في الوجهين جميعاً كالرفع في الاسم. قال الفرزدق: فيا عجباً حتّى كليب تسبّني كأنّ أباها نهشل أو مجاشع فحتّى ههنا بمنزلة إذا وإنما هي ههنا كحرف من حروف الابتداء. ومثل ذلك: شربت حتى يجئ البعير يجرّ بطنه أي حتّى إنّ البعير ليجئ يجرّ بطنه. ويدلّك على حتّى أنها حرف من حروف الابتداء أنّك تقول: حتّى إنّه ليفعل ذاك كما تقول: فإذا يغشون حتّى لا تهرّ كلابهم لا يسألون عن السّواد المقبل ومثل ذلك: مرض حتّى يمرّ به الطائر فيرحمه وسرت حتّى يعلم الله أنّي كالّ. والفعل ههنا منقطع من الأوّل وهو في الوجه الأوّل الذي ارتفع فيه متّصل كاتّصاله به بالفاء كأنه قال سير فدخول كما قال علقمة ابن عبدة: ترادي على دمن الحياض فإن تعف فإنّ المندّى رحلة فركوب لم يجعل ركوبه الآن ورحلته فيما مضى ولم يجعل الدخول الآن وسيره فيما مضى ولكنّ الآخر متّصل بالأوّل ولم يقع واحد دون الآخر. وإذا قلت: لقد ضرب أمس حتّى لا يستطيع أن يتحرّك اليوم فليس كقولك: سرت فأدخلها إذا لم ترد أن تجعل الدخول الساعة لأنّ السير والدخول جميعاً وقعاً فيما مضى. وكذلك مرض حتّى لا يرجونه أي حتّى إنّه الآن لا يرجونه فهذا ليس متّصلاً بالأوّل واقعاً معه فيما مضى. وليس قولنا كاتّصال الفاء يعني أنّ معناه معنى الفاء ولكنك أردت أن تخبر أنه متّصل بالأوّل وأنهما وقعا فيما مضى. وليس بين حتّى في الاتّصال وبينه في الانفصال فرق في أنه بمنزلة حرف الابتداء وأنّ المعنى واحد إلاّ أنّ أحد الموضعين الدخول فيه متّصل بالسّير وقد مضى السير والدخول والآخر منفصل وهو الآن في حال الدخول وإنّما اتّصاله في أنّه كان فيما مضى وإلاّ فإنه ليس بفارق موضعه الآخر في شئ إذا رفعت.

باب الرفع فيما اتّصل بالأوّل كاتّصاله بالفاء

وما انتصب لأنّه غاية تقول: سرت حتّى أدخلها وقد سرت حتّى أدخلها سواء وكذلك إنّي سرت حتّى أدخلها فيما زعم الخليل. فإن جعلت الدخول في كلّ ذا غاية نصبت وتقول: رأيت عبد الله سار حتّى يدخلها وأرى زيداً سار حتى يدخلها ومن زعم أن النصب يكون في ذا لأن المتكلم غير متيقن فإنه يدخل عليه سار زيد حتى يدخلها فيما بلغني ولا أدري ويدخل عليه عبد الله سار حتّى يدخلها أرى. فإن قال: فإني لم أعمل أرى فهو يزعم أنه ينصب بأرى الفعل. وإن جعلت الدخول غاية نصبت في ذا كلّه. وتقول: كنت سرت حتّى أدخلها إذا لم تجعل الدخول غاية. وليس بين كنت سرت وبين سرت مرّة في الزمان الأوّل حتّى أدخلها شئ وإنّما ذا قول كان النحويّون يقولونه ويأخذونه بوجه ضعيف. يقولون: إذا لم يجز القلب نصبنا فيدخل عليهم قد سرت حتى أدخلها أن ينصبوا وليس في الدنيا عربيّ يرفع سرت حتّى أدخلها إلاّ وهو يرفع إذا قال: قد سرت. وتقول: إنّما سرت حتّى أدخلها وحتّى أدخلها إن جعلت الدخول غاية. وكذلك ما سرت إلاّ قليلاً حتّى أدخلها إن شئت رفعت وإن شئت نصبت لأنّ معنى هذا معنى سرت قليلاً حتّى أدخلها فإن جعلت الدخول غاية نصبت. ومما يكون فيه الرفع شئ ينصبه بعض الناس لقبح القلب وذلك: ربّما سرت حتّى أدخلها وطالما سرت حتّى أدخلها وكثر ما سرت حتّى أدخلها ونحو هذا. فإن احتجّوا بأنه غير سير واحد فكيف يقولون إذا قلت: سرت غير مرّة حتّى أدخلها. وسألنا من يرفع في قوله: سرت حتّى أدخلها فرفع في ربّما ولكنّهم اعتزموا على النصب في ذا كما اعتزموا عليه في قد. وتقول: ما أحسن ما سرت حتّى أدخلها وقلّما سرت حتّى أدخلها إذا أردت أن تخبر أنّك سرت قليلاً وعنيت سيراً واحداً وإن شئت نصبت على الغاية. وتقول: قلّما سرت حتّى أدخلها إذا عنيت سيراً واحداً أو عنيت غير سير لأنّك قد تنفي الكثير من السير الواحد كما تنفيه من غير سير. وتقول: قلّما سرت حتّى أدخلها إذا عنيت غير سير وكذلك أقلّ ما سرت حتّى أدخلها من قبل أنّ قلّما نفي لقوله كثر ما كما أنّ ما سرت نفي لقوله سرت. ألا ترى أنّه قبيح أن تقول: قلّما سرت فأدخلها كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى فإذا أنا أدخل. وتقول: قلّما سرت فأدخلها فتنصب بالفاء ههنا كما تنصب في ما ولا يكون كثر ما سرت فأدخلها لأنّه واجب ويحسن أن تقول: كثر ما سرت فإذا أنا أدخل. وتقول: إنما سرت حتّى أدخلها إذا كنت محتقراً لسيرك الذي أدّى إلى الدخول ويقبح إنّما سرت حتّى أدخلها لأنه ليس في هذا اللفظ دليل على انقطاع السّير كما يكون في النصب يعني إذا احتقر السير لأنّك لا تجعله سيراً يؤدّي الدخول وأنت تستصغره وهذا قول الخليل. وتقول: كان سيري أمس حتّى أدخلها ليس إلاّ لأنّك لو قلت: كان سيري أمس فإذا أنا أدخلها لم يجز لأنك لم تجعل لكان خبراً. وتقول: كان سيري أمس سيراً متعباً حتّى أدخلها لأنك تقول: ههنا فأدخلها وفإذا أنا أدخلها لأنك جئت لكان بخبر وهو قولك: سيراً متعباً. واعلم أنّ ما بعد حتّى لا يشرك الفعل الذي قبل حتى في موضعه كشركة الفعل الآخر الأوّل إذا قلت: لم أجئ فأقل ولو كان ذلك لاستحال كان سيري أمس شديداً حتّى أدخل ولكنها تجئ كما تجئ ما بعد إذا وبعد حروف الابتداء. وكذلك هي أيضاً بعد الفاء إذا قلت: ما أحسن ما سرت فأدخلها لأنّها منفصلة يعني الفاء فإنما عنينا بقولنا الآخر متّصل بالأوّل أنّهما وقعا فيما مضى كما أنه إذا قال: فإنّ المندّى رحلة فركوب فإنّما يعني أنّهما وقعا في الماضي من الأزمنة وأنّ الآخر كان مع فراغه من الأوّل. فإن قلت: كان سيري أمس حتّى أدخلها تجعل أمس مستقرّاً جاز الرفع لأنه استغنى فصار كسرت لو قلت فأدخلها حسن ولا يحسن كان سيري فأدخل إلاّ أن تجئ بخبر لكان. وقد تقع نفعل في موضع فعلنا في بعض المواضع ومثل ذلك قوله لرجل من بني سلول مولّد: ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني واعلم أنّ أسير بمنزلة سرت إذا أردت بأسير معنى سرت. واعلم أنّ الفعل إذا كان غير واجب لم يكن إلاّ النصب من قبل أنّه إذا لم يكن واجباً رجعت حتّى إلى أن وكي ولم تصر من حروف الابتداء كما لم تصر إذن في الجواب من حروف الابتداء وتقول: أيّهم سار حتّى يدخلها لأنّك قد زعمت أنه كان سير ودخول وإنّما سألت عن الفاعل. ألا ترى أنّك لو قلت: أين الذي سار حتّى يدخلها وقد دخلها لكان حسناً ولجاز هذا الذي يكون لما قد وقع لأنّ الفعل ثمّ واقع وليس بمنزلة قلّما سرت إذا كان نافياً لكثرما ألا ترى أنّه لو كان قال: قلّما سرت فأدخلها أو حتّى أدخلها وهو يريد أن يجعلها واجبة خارجة من معنى قلّما لم يستقم إلاّ أن تقول: قلّما سرت فدخلت وحتّى دخلت كما تقول: ما سرت حتّى دخلت. فإنّما ترفع بحتّي في الواجب ويكون ما بعدها مبتدأ منفصلاً من الأوّل كان مع الأوّل فيما مضى أو الآن. وتقول: أسرت حتّى تدخلها نصب لأنك لن تثبت سيراً تزعم أنه قد كان معه دخول.

باب ما يكون العمل فيه من اثنين

وذلك قولك: سرت حتّى يدخلها زيداً إذا كان دخول زيد لم يؤدّه سيرك ولم يكن سببه فيصير هذا كقولك: سرت حتّى تطلع الشمس لأنّ سيرك لا يكون سبباً لطلوع الشمس ولا يؤدّيه ولكنّك لو قلت: سرت حتّى يدخلها ثقلي وسرت حتّى يدخلها بدني لرفعت لأنّك جعلت دخول ثقلك يؤدّيه سيرك وبدنك لم يكن دخوله إلاّ بسيرك. وتقول: سرت حتى يدخلها زيد وأدخلها وسرت حتّى أدخلها ويدخلها زيد إذا جعلت دخول زيد من سبب سيرك وهو الذي أدّاه ولا تجد بدّاً من أن تجعله ههنا في تلك الحال لأنّ رفع الأوّل لا يكون إلاّ وسبب دخوله سيره. وإذا كانت هذه حال الأوّل لم يكن بدّ للآخر من أن يتبعه لأنك تعطفه على دخولك في حتّى. وذلك أنه يجوز أن تقول: سرت حتّى يدخلها زيد إذا كان سيرك يؤدّي دخوله كما تقول: سرت حتّى يدخلها ثقلي. وتقول: سرت حتى أدخلها وحتى يدخلها زيد لأنك لو قلت: سرت حتّى أدخلها وحتّى تطلع الشمس كان جيداً وصارت إعادتك حتّى كإعادتك له في تباً له وويل له ومن عمراً ومن أخو زيد. وقد يجوز أن تقول: سرت حتّى يدخلها زيد إذا كان أدّاه سيرك. ومثل ذلك قراءة أهل الحجاز: " وزلزلوا حتّى يقول الرّسول ". واعلم أنّه لا يجوز سرت حتّى أدخلها وتطلع الشمس يقول: إذا رفعت طلوع الشمس لم يجز وإن نصبت وقد رفعت فهو محال حتّى تنصب فعلك من قبل العطف فهذا محال أن ترفع ولم يكن الرفع لأنّ طلوع الشمس لا يكون أن يؤدّيه سيرك فترفع تطلع وقد حلت بينه وبين الناصبة. ويحسن أن تقول: سرت حتّى تطلع الشمس وحتى أدخلها كما يجوز أن تقول: سرت إلى يوم سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان فهذه الآخرة هي التي ترفع. وتقول: سرت وسار حتّى ندخلها كأنك قلت: سرنا حتّى ندخلها. وتقول: سرت حتّى أسمع الأذان هذا وجهه وحدّة النصب لأن سيرك ليس يؤدّي سمعك الأذان إنّما يؤدّيه الصّبح ولكنك تقول: سرت حتّى أكلّ لأنّ الكلال يؤدّيه سيرك. وتقول: سرت حتّى أصبح لأنّ الإصباح لا يؤدّيه سيرك إنّما هي غاية طلوع الشمس.

هذا باب الفاء

اعلم أن ما انتصب في باب الفاء ينتصب على إضمار أن وما لم ينتصب فإنّه يشرك الفعل الأوّل فيما دخل فيه أو يكون في موضع مبتدإ أو مبنيّ على مبتدإ أو موضع اسم مما سوى ذلك. وسأبين ذلك إن شاء الله. تقول: لا تأتيني فتحدّثني لم ترد أن تدخل الآخر فيما دخل فيه الأوّل فتقول: لا تأتيني ولا تحدّثني ولكنّك لمّا حوّلت المعنى عن ذلك تحوّل إلى الاسم كأنك قلت: ليس يكون منك إتيان فحديث فلّما أردت ذلك استحال أن تضمّ الفعل إلى الاسم فأضمروا أن لأنّ أن مع الفعل بمنزلة الاسم فلّما نووا أن يكون الأوّل بمنزلة قولهم: لم يكن إتيان استحالوا أن يضمّوا الفعل إليه فلّما أضمروا أن حسن لأنّه مع الفعل بمنزلة الاسم. وأن لا تظهر ههنا لأنه يقع فيها معان لا تكون في التمثيل كما لا يقع معنى الاستثناء في لا يكون ونحوها إلاّ أن تضمر. ولولا أنّك إذا قلت لم آتك صار كأنك قلت: لم يكن إتيان لم يجز فأحدّثك كانك قلت في التمثيل فحديث. وهذا تمثيل ولا يتكلّم به بعد لم آتك لا تقول: لم آتك فحديث. فكذلك لا تقع هذه المعاني في الفاء إلاّ بإضمار أن ولا يجوز إظهار أن كما لا يجوز إظهار المضمر في لا يكون ونحوها. فإذا قلت: لم آتك صار كأنك قلت: لم يكن إتيان ولم يجز أن تقول فحديث لأنّ هذا لو كان جائزاً لأظهرت أن. ونظير جعلهم لم آتك ولا آتيك وما أشبهه بمنزلة الاسم في النية حتّى كأنهم قالوا: لم يك إتيان إنشاد بعض العرب قول الفرزدق: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلاّ ببين غرابها ومثله قول الفرزدق أيضاً: وما زرت سلمى أن تكون حبيبة إلىّ ولا دين بها أنا طالبه ومثله قول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً لّما كان الأوّل تستعمل فيه الباء ولا تغيّر المعنى وكانت مما يلزم الأوّل نووها في الحرف الآخر حتّى كأنّهم قد تكلّموا بها في الأوّل. وكذلك صار لم آتك بمنزلة لفظهم بلم يكن إتيان لأنّ المعنى واحد. واعلم أنّ ما ينتصب في باب الفاء قد ينتصب على غير معنى واحد وكلّ ذلك على إضمار أن إلاّ أنّ المعاني مختلفة كما أنّ يعلم الله يرتفع كما يرتفع يذهب زيد وعلم الله ينتصب كما ينتصب ذهب زيد وفيهما معنى اليمين. فالنصب ههنا في التمثيل كأنك قلت: لم يكن إتيان فأن تحدّث والمعنى على غير ذلك كما أنّ معنى علم الله لأفعلنّ غير معنى رزق الله. فأن تحدّث في اللفظ مرفوعة بيكن لأنّ المعنى: بم يكن إتيان فيكون حديث. وتقول: ما نأتيني فتحدّثني فالنصب على وجهين من المعاني: أحدهما: ما تأتيني فكيف تحدّثني أي لو أتيتني لحدّثتني. وأما الآخر: فما تأتيني أبداً إلاّ لم تحدّثني أي منك إتيان كثير ولا حديث منك. وإن شئت أشركت بين الأوّل والآخر فدخل الآخر فيما دخل فيه الأوّل فتقول: ما تأتيني فتحدّثني كأنك قلت: ما تأتيني وما تحدّثني. فمثل النصب قوله عزّ وجلّ: " لا يقضي عليهم فيموتوا ". ومثل الرفع قوله عزّ وجلّ: " هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون ". وإن شئت رفعت على وجه آخر كأنك قلت: فأنت تحدّثنا. ومثل ذلك قول بعض الحارثيين: غير أنّا لم تأتنا بيقين فترجّي ونكثر التأميلا كأنه قال: فنحن نرجّى. فهذا في موضع مبنيّ على المبتدإ. وتقول: ما أتيتنا فتحدّثنا فالنصب فيه كالنّصب في الأوّل وإن شئت رفعت على: فأنت تحدّثنا الساعة وارفع فيه يجوز على ما. وإنّما اختير النصب لأنّ الوجه ههنا وحدّ الكلام أن تقول: ما أتيتنا فحدّثتنا فلّما صرفوه عن هذا الحدّ ضعف أن يضمّوا يفعل إلى فعلت فحملوه على الاسم كما لم يجز أن يضّموه إلى الاسم في قولهم: ما أنت منّا فتنصرنا ونحوه. وأمّا الذين رفعوه فحملوه على موضع أتيتنا لأن أتيتنا في موضع فعل مرفوع وتحدّثنا ههنا في موضع حدّثتنا. وتقول: ما تأتينا فتكلّم إلاّ بالجميل. فالمعنى أنّك لم تأتنا إلاّ تكلّمت بجميل ونصبه على إضمار أن كما كان نصب ما قبله على إضمار أن وتمثيله كتمثيل الأوّل وإن شئت رفعت على الشّركة كأنه قال: وما تكلّم إلاّ الجميل. ومثل النصب قول الفرزدق: وما قام منّا قائم في نديّنا فينطق إلاّ بالتي هي أعرف وتقول: لا تأتينا فتحدّثنا إلاّ ازددنا فيك رغبة فالنصب ههنا كالنصب في: ما تأتيني فتحدّثني إذا أردت معنى: ما تأتيني محدّثاً وإنّما أراد معنى: ما أتيتني محدّثاً إلاّ ازددت فيك رغبة. ومثل ذلك قول اللّعين: وما حلّ سعديّ غريباً ببلدة فينسب إلاّ الزّبرقان له أب وتقول: لا يسعني شئ فيعجز عنك أي لا يسعني شئ فيكون عاجزاً عنك ولا يسعني شئ إلاّ لم يعجز عنك. هذا معنى هذا الكلام. فإن حملته على الأوّل قبح المعنى لأنّك لا تريد أن تقول: إنّ الأشياء لا تسعني ولا تعجز عنك فهذا لا ينويه أحد. وتقول: ما أنت منّا فتحدّثنا لا يكون الفعل محمولاً على ما لأنّ الذي قبل الفعل ليس من الأفعال فلم يشاكله قال الفرزدق: وإن شئت رفعت على قوله: فنرجّي ونكثر التأميلا وتقول: ألا ماء فأشر به وليته عندنا فيحدّثنا. وقال أميّة بن أبي الصّلت: ألا رسول لنا منّا فيخبرنا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا لا يكون في هذا إلاّ النصب لأنّ الفعل لم تضمّه إلى فعل. وتقول: ألا تقع الماء فتسبح إذا جعت الآخر على الأوّل كأنك قلت: ألا تسبح. وإن شئت نصبته على ما انتصب عليه ما قبله كأنك قلت: ألا يكون وقوع فأن تسبح. فهذا تمثيل وإن لم يتكلّم به. والمعنى في النصب أنه يقول: إذا وقعت سبحت. وتقول: ألم تأتنا فتحدّثنا إذا لم يكن على الأوّل. وإن كان على الأوّل جزمت. ومثل النصب قوله: ألم تسأل فتخبرك الرسوم على فرتاج والطّلل القديم وإن شئت جزمت على أوّل الكلام. وتقول: لا تمددها فتشقّها إذا لم تحمل الآخر على الأوّل. وقال عزّ وجلّ: " لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب ". وتقول: لا تمددها فتشققها إذا أشركت بين الآخر والأوّل كما أشركت بين الفعلين في لم. وتقول: ائتني فأحدّثك. وقال أبو النجم: ياناق سيري عنقاً فسيحاً إلى سليمان فنستريحا ولا سبيل ههنا إلى الجزم من قبل أنّ هذه الأفعال التي يدخلها الرفع والنصب والجزم وهي الأفعال المضارعة لا تكون في موضع افعل أبداً لأنّها إنما تنتصب وتنجزم بما قبلها وافعل مبنيّة على الوقف. فإن أردت أن تجعل هذه الأفعال أمراً أدخلت اللام وذلك قولك: ائته فليحدّثك وفيحدّثك إذا أردت المجازاة. ولو جاز الجزم في: ائتني فأحدّثك ونحوها لقلت: تحدّثني تريد به الأمر. وتقول: ألست قد أتيتنا فتحدّثنا إذا جعلته جواباً ولم تجعل الحديث وقع إلاّ بالإتيان وإن أردت فحدّثتنا رفعت. وتقول: كأنّك لم تأتنا فتحدّثنا وإن حملته على الأوّل جزمت. وقال رجل من بني دارم: كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة فيصبح ملقى بالفناء إهابها وتقول: ودّلو تأتيه فتحدّثه. والرفع جيّد على معنى التّمني. ومثله قوله عزّ وجلّ: " ودّوا لو وتقول: حسبته شتمني فأثب عليه إذا لم يكن الوثوب واقعاً ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلاّ الرفع لأنّ هذا بمنزلة قوله: ألست قد فعلت فأفعل. واعلم أنّك إن شئت قلت: ائتني فأحدّثك ترفع. وزعم الخليل: أنّك لم ترد أن تجعل الإتيان سبباً لحديث ولكنّك كأنك قلت: ائتني فأنا ممن يحدّثك البتة جئت أو لم تجئ. قال النابغة الذبياني: ولا زال قبر بين تبنى وجاسم عليه من الوسميّ جود ووابل فينبت حوذاناً وعوفاً منوّراً سأتبعه من خير ما قال قائل وذلك أنه لم يرد أن يجعل النبات جواباً لقوله: ولا زال ولا أن يكون متعلّقاً به ولكنه دعا ثم أخبر بقصّة السحاب كأنّه قال: فذاك ينبت حوذاناً. ولو نصب هذا البيت قال الخليل لجاز ولكنّا قبلناه رفعاً: ألم تسأل الرّبع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق لم يجعل الأوّل سبباً للآخر ولكنّه جعله ينطق على كلّ حال كأنه قال: فهو مما ينطق كما قال: ائتني فأحدّثك فجعل نفسه ممن يحدّثه على كلّ حال. وزعم يونس: أنه سمع هذا البيت بألم. وإنّما كتبت ذا لئّلا يقول إنسان: فلعلّ الشاعر قال ألا. لقد كان في حول ثواء ثويته تقضّى لبانات ويسأم سائم فرفعه وقال: لا أعرف فيه غيره لأنّ أوّل الكلام خبر وهو واجب كأنه قال: ففي حول تقضّى لبانات ويسأم سائم. هذا معناه. واعلم أن الفاء لا تضمر فيها أن في الواجب ولا يكون في هذا الباب إلاّ الرفع وسنبيّن لم ذلك. وذلك قوله: إنّه عندنا فيحدّثنا وسوف آتيه فأحدّثه ليس إلا إن شئت رفعته على أن تشرك بينه وبين الأوّل وإن شئت كان منقطعاً لأنّك قد أوجبت أن تفعل فلا يكون فيه إلاّ الرفع. وقال عزّ وجلّ: " فلا تكفر فيتعلّمون " فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا: لا تكفر فيتعلّمون ليجعلا كفره سبباً لتعليم غيره ولكنه على كفروا فيتعلّمون. ومثله: " كن فيكون " كأنّه قال: إنما أمرنا ذاك فيكون. وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث انتصب في غير الواجب وذلك لأنّك تجعل أن العاملة. فمّما نصب في الشعر اضطراراً قوله: سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا وقال الأعشى وأنشدناه يونس: ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ولكن سيجزيني الإله فيعقبا لنا هضبة لا يدخل الذّلّ وسطها ويأوي إليها المستجير فيعصما وكان أبو عمرو يقول: لا تأتنا فنشتمك. وسمعت يونس يقول: ما أتيتني فأحدّثك فيما أستقبل فقلت له: ما تريد به فقال: أريد أن أقول ما أتيتني فأنا أحدّثك وأكرمك فيما أستقبل. وقال: هذا مثل ائتني فأحدّثك إذا أراد ائتني فأنا صاحب هذا. وسألته عن: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة " فقال: هذا واجب وهو تنبيه كأنّك قلت: أتسمع أن الله أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا. وإنّما خالف الواجب النفي لأنك تنقض النفي إذا نصبت وتغيّر المعنى يعني أنك تنفي الحديث وتوجب الإتيان تقول: ما أتيتني قطّ فتحدّثني إلاّ بالشرّ فقد نقضت نفي الإتيان وزعمت أنّه قد كان. وتقول: ما تأتيني فتحدّثني إذا أردت معنى فكيف تحدّثني فأنت لا تنفي الحديث ولكنّك زعمت أنّ منه الحديث وإنّما يحول بينك وبينه ترك الإتيان. وتقول: ائتني فأحدّثك فليس هذا من الأمر الأوّل في شئ. وإذا قلت: قد كان عندنا فسوف يأتينا فيحدّثنا لم تزده على أن جئت بواجب كالأوّل فلم يحتاجوا إلى أن لما ذكرت لك ولأنّ تلك المعاني لا تقع هاهنا ولو كانت الفاء والواو وأو ينصبن لأدخلت عليهن الفاء والواو للعطف ولكنها كحتّى في الإضمار والبدل فشبّهت بها لمّا كان النصب فيها الوجه لأنهم جعلوا الموضع الذي يستعملون فيه إضمار أن بعد الفاء كما جعلوه في حتّى إنما يضمر إذا أراد معنى الغاية وكاللام في ما كان ليفعل.

هذا باب الواو

اعلم أنّ الواو ينتصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وأنها قد تشرك بين الأوّل والآخر كما تشرك الفاء وأنّها يستقبح فيها أن تشرك بين الأوّل والآخر كما استقبح ذلك في الفاء وأنّها يجئ ما بعدها مرتفعاً منقطعاً من الأوّل كما جاء ما بعد الفاء. واعلم أنّ الواو وإن جرت هذا المجرى فإنّ معناها ومعنى الفاء مختلفان ألا ترى الأخطل قال: لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم فلو دخلت الفاء ههنا لأفسدت المعنى وإنّما أراد لا يجتمعنّ النهي والإتيان فصار تأتي على إضمار أن. ومما يدّلك أيضاً على أنّ الفاء ليست كالواو قولك: مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد فعمرو وتقول: لا تأكل السّمك وتشرب اللبن فلو أدخلت الفاء ههنا فسد المعنى. وإن شئت جزمت على النهي في غير هذا الموضع. قال جرير: ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته فإنك إن تفعل تسفّه وتجهل ومنعك أن ينجزم في الأوّل لأنّه إنما أراد أن يقول له: لا تجمع بين اللبن والسمك ولا ينهاه أن يأكل السمك على حدة ويشرب اللبن على حدة فإذا جزم فكأنّه نهاه أن يأكل السمك على كلّ حال أو يشرب اللبن على كلّ حال. ومثل النصب في هذا الباب قول الحطيئة: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودّة والإخاء كأنّه قال: ألم أك هكذا ويكون بيني وبينكم. وقال دريد بن الصّمّة: قتلت بعبد الله خير لداته ذؤاباً فلم أفخر بذاك وأجزعا وتقول: لا يسعني شئ ويعجز عنك فانتصاب الفعل هاهنا من الوجه الذي انتصب به في الفاء إلاّ أنّ الواو لا يكون موضعها في الكلام موضع الفاء. وتقول: ائتني وآتيك إذا أردت ليكن إتيان منك وأن آتيك تعني إتيان منك وإتيان منّي. وإن أردت الأمر أدخلت اللام كما فعلت ذلك في الفاء حيث قلت: ائتني فلأحدّثك فتقول ائتني ومن النصب في هذا الباب قوله عزّ وجلّ: " ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين " وقد قرأها بعضهم: " ويعلم الصّابرين ". وقال تعالى: " ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون " إن شئت جعلت وتكتموا على النهي وإن شئت جعلته على الواو. وقال تعالى: " ياليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين ". فالرفع على وجهين: فأحدهما أن يشرك الآخر الأوّل. والآخر على قولك: دعني ولا أعود أي فإنّي ممن لا يعود فإنّما يسأل الترك وقد أوجب على نفسه أن لا عودة له البتّة ترك أو لم يترك ولم يرد أن يسأل أن يجتمع له الترك وأن لا يعود. وأمّا عبد الله بن أبي إسحاق فكان ينصب هذه الآية. وتقول: زرني وأزورك أي أنا ممن قد أوجب زيارتك على نفسه ولم ترد أن تقول لتجتمع منك الزيارة وأن أزورك تعني لتجتمع منك الزيارة فزيارة منّي ولكنّه أراد أن يقول زيارتك واجبة على كلّ حال فلتكن منك زيارة. وقال الأعشى: فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى لصوت أن ينادي داعيان ومن النصب أيضاً قوله: للبس عباءة وتقرّ عيني أحبّ إليّ من لبس الشّفوف لمّا لم يستقم أن تحمل وتقرّ وهو فعل على لبس وهو اسم لمّا ضممته إلى الاسم وجعلت أحبّ لهما ولم ترد قطعة لم يكن بدّ من إضمار أن. وسترى مثله مبيّناً. وسمعنا من ينشد هذا البيت من العرب وهو لكعب الغنويّ: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ويغضب منه صاحبي بقؤول والرفع أيضاً جائز حسن كما قال قيس بن زهير بن جذيمة: فلا يدعني قومي صريحاً لحرّة لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر ويغضب معطوف على الشيء ويجوز رفعه على أن يكون داخلاً في صلة الذي.

هذا باب أو

اعلم أن ما انتصب بعد أو فإنّه ينتصب على إضمار أن كما انتصب في الفاء والواو على إضمارها ولا يستعمل إظهارها كما لم يستعمل في الفاء والواو والتمثيل هاهنا مثله ثمّ. تقول إذا قال لألزمنّك أو تعطيني كأنه يقول: ليكوننّ اللزوم أو أن تعطيني. واعلم أنّ معنى ما انتصب بعد أو على إلاّ أن كما كان معنى ما انتصب بعد الفاء على غير معنى التمثيل تقول: لألزمنّك أو تقضيني ولأضربنّك أو تسبقني فالمعنى لألزمنّك إلاّ أن فقلت له لا تبك عينك إنّما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا والقوافي منصوبة فالتمثيل على ما ذكرت لك والمعنى على إلاّ أن نموت فنعذرا وإلاّ أن تعطيني كما كان تمثيل الفاء على ما ذكرت لك وفيه المعاني التي فصّلت لك. ولو رفعت لكان عربيّاً جائزاً على وجهين: على أن تشرك بين الأوّل والآخر وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعاً من الأوّل يعني أو نحن ممن يموت. وقال جلّ وعزّ: " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " إن شئت كان على الإشراك وإن شئت كان على: أو هم يسلمون. وقال ذو الرمّة: حراجيج لا تنفكّ إلاّ مناخة على الخسف أو نرمي بها بلداً قفراً فإن شئت كان على لا تنفكّ نرمي بها أو على الابتداء. وتقول: الزمه أو يتقّيك بحقّك واضربه أو يستقيم. وقال زياد الأعجم: وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما معناه إلاّ أن وإن شئت رفعت في الأمر على الابتداء لأنّه لا سبيل إلى الإشراك. وتقول: هو قاتلي أو أفتدي منه وإن شئت ابتدأته كأنه قال: أو أنا أفتدي وقال طرفة بن ولكن مولاي امرؤ هو خانقي على الشّكر والتّسآل أو أنا مفتدي وسألت الخليل عن قوله عزّ وجلّ: " وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " فزعم أنّ النصب محمول على أن سوى هذه التي قبلها. ولو كانت هذه الكلمة على أن هذه لم يكن للكلام وجه ولكنه لمّا قال: " إلاّ وحياً أو من وراء حجاب " كان في معنى إلاّ أن يوحي وكان أو يرسل فعلاً لا يجري على ألاّ فأجرى على أن هذه كأنه قال: إلاّ أن يوحي أو يرسل لأنه لو قال: إلاّ وحياً وإلاّ أن يرسل كان حسناً وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على أن إذ لم يجز أن يقولوا: أو إلاّ يرسل فكأنه قال: إلاّ وحياً أو أن يرسل. وقال الحصين بن حمام المرّي: ولولا رجال من رزام أعزّة وآل سبيع أو أسوءك علقما يضمر أن وذاك لأنّه امتنع أن يجعل الفعل على لولا فأضمر أن كأنّه قال: لولا ذاك أو لولا أن أسوءك. وبلغنا أنّ أهل المدينة يرفعون هذه الآية: " وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " فكأنه والله أعلم قال الله عزّ وجلّ: لا يكلّم الله البشر إلاّ وحياً أو يرسل رسولاً أي في هذه الحال وهذا كلامه إيّاهم كما تقول العرب: تحيتّك الضرب وعتابك السيف وكلامك القتل. وقال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب: وخيل قد دلفت لها بخيل ** تحيّة بينهم ضرب وجيع وسألت الخليل عن قول الأعشي: إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنّا معشر نزل فقال: الكلام هاهنا على قولك يكون كذا أو يكون كذا لمّا كان موضعها لو قال فيه أتركبون لم ينقض المعنى صار بمنزلة قولك: ولا سابق شيئاً. وأمّا يونس فقال: أرفعه على الابتداء كأنه قال: أو أنتم نازلون. وعلى هذا الوجه فسّر الرفع في الآية كأنه قال: أو هو يرسل رسولاً كما قال طرفة: أو أنا مفتدي وقول يونس أسهل وأمّا الخليل فجعله بمنزلة قول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً والإشراك على هذا التوهّم بعيد كبعد ولا سابق شيئاً. ألا ترى أنّه لو كان هذا كهذا لكان في الفاء والواو. وإنّما توهّم هذا فيما خالف معناه التمثيل. يعني مثل هو يأتينا ويحدّثنا. يقول: يدخل عليك نصب هذا على توهّم أنّك تكلّمت بالاسم قبله يعني مثل قولك: لا تأته فيشتمك فتمثيله على لا يكن منك إتيان فشتيمة والمعنى على غير ذلك.

باب اشتراك الفعل في أن وانقطاع الآخر

من الأوّل الذي عمل فيه أن فالحروف التي تشرك: الواو والفاء وثمّ وأو. وذلك قولك: أريد أن تأتيني ثم تحدّثني وأريد أن تفعل ذاك وتحسن وأريد أن تأتينا فتبايعنا وأريد أن تنطق بجميل أو تسكت. ولو قلت: أريد أن تأتيني ثم تحدّثني جاز كأنك قلت: أريد إتيانك ثم تحدّثني. ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشرك على هذا المثال. وقال عزّ وجلّ: " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون الله " ثم قال سبحانه: " ولا يأمركم " فجاءت منقطعة من الأوّل لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. وقد نصبها بعضهم على قوله: وما كان لبشر أن يأمركم أن تتخذوا. وتقول: أريد أن تأتيني فتشتمني لم يرد الشّتيمة ولكنّه قال: كلّما أردت إتيانك شتمتني. هذا معنى كلامه فمن ثمّ نقطع من أن. قال رؤبة: أي فإذا هو يعجمه. وقال الله عزّ وجلّ: " لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام " أي ونحن نقرّ في الأرحام لأنّه ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار. وقال عزّ وجلّ: " أن تضلّ إحداهما الأخرى فتذكر إحدهما الأخرى " فانتصب لأنّه أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تذكّر. فإن قال إنسان: كيف جاز أن تقول: أن تضلّ ولم يعدّ هذا للضلال وللالتباس فإنما ذكر أن تضلّ لأنه سبب الأذكار كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط ولكنّه أخبر بعلّة الدّعم وبسببه. وقرأ أهل الكوفة: " فتذكّر " رفعاً. وسألت الخليل عن قول الشاعر لبعض الحجازييّن: فما هو إلاّ أن أراها فجاءة فأبهت حتّى ما أكاد أجيب فقال: أنت في أبهت بالخيار إن شئت حملتها على أن وإن شئت لم تحملها عليه فرفعت كأنّك قلت: ما هو إلاّ الرأي فأبهت. وقال ابن أحمر فيما جاء منقطعاً من أن: يعالج عاقراً أعيت عليه ليلقحها فينتجها حوارا وتقول: لا يعدو أن يأتيك فيصنع ما تريد وإن شئت رفعت كأنّك قلت لا يعدو ذلك فيصنع ما تريد. وتقول: ما عدا أن رآني فيثب كأنّه قال ما عدا ذلك فيثب لأنه ليس على أوّل الكلام. فإن أردت أن تحمل الكلام على أن فإنّ أحسنه ووجهه أن تقول: ما عدا أن رآني فوثب فضعف يثب هاهنا كضعف ما أتيتني فتحدّثني إذا حملت الكلام على ما. ونقول: ما عدوت أن فعلت وهذا هو الكلام ولا أعدوا أن أفعل وما آلو أن أفعل يعني لقد جهدت أن أفعل. وتقول: ما عدوت أن آتيك أي ما عدوت أن يكون هذا من رأي فيما أستقبل. ويجوز أن يجعل أفعل في موضع فعلت ولا يجوز فعلت في موضع أفعل إلاّ في مجازاة نحو: إن فعلت فعلت. وتقول: والله ما أعدو أن جالستك أي أن كنت فعلت ذلك أي ما أجاوز مجالستك فيما مضى. ولو أراد ما أعدو أن جالستك غداً كان محالاً ونقضاً كما أنه لو قال: ما أعدو أن أجالسك أمس كان محالا. وإنّما ذكرت هذا لتصرّف وجوهه ومعانيه وأن لا تستحيل منه مستقيماً فإنّه كلام يستعمله ومما جاء منقطعاً قول الشاعر وهو عبد الرحمن بن أمّ الحكم: على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى قضيّته أن لا يجوز ويقصد كأنّه قال: عليه غير الجور ولكنّه يقصد أو هو قاصد فابتدأ ولم يحمل الكلام على أن كما تقول: عليه أن لا يجور وينبغي له كذا وكذا فالابتداء في هذا أسبق وأعرف لأنّها بمنزلة قولك كأنّه قال: ونولك. فمن ثمّ لا يكادون يحملونها على أن.

هذا باب الجزاء

فما يجازى به من الأسماء غير الظروف: من وما وأيهم. وما يجازى به من الظروف: أيّ حين ومتى وأين وأنّى وحيثما. ومن غيرهما: إن وإذ ما. ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتّى يضمّ إلى كلّ واحد منهما ما فتصير إذ مع ما بمنزلة إنّما وكأنّما وليست ما فيهما بلغو ولكنّ كلّ واحد منهما مع ما بمنزلة حرف واحد. فممّا كان من الجزاء بإذما قول العبّاس بن مرداس: إذ ما أتيت على الرسول فقل له حقاًّ عليك إذا اطمأنّ المجلس وقال الآخر قالوا: هو لعبد الله بن همّام السّلوليّ: إذ ما تريني اليوم مزجى ظعينتي أصعّد سيراً في البلاد وأفرع فإنّي من قوم سواكم وإنّما رجالي فهم بالحجاز وأشجع سمعناهما ممن يرويهما عن العرب. والمعنى إمّا. وممّا جاء من الجزاء بأنّي قول لبيد: فأصبحت أنّي تأتها تلتبس بها كلا مر كبيها تحت رجلك شاجر أين تضرب بنا العداة تجدنا نصرف العيس نحوها للتّلاقي وإنّما منع حيث أن يجازى بها أنّك تقول: حيث تكون أكون فتكون وصل لها كأنّك قلت: المكان الذي تكون فيه أكون. ويبيّن هذا أنّها في الخبر بمنزلة إنّما وكأنّما وإذا أنّه يبتدأ بعدها الأسماء أنك تقول: حيث عبد الله قائم زيد وأكون حيث زيد قائم. فحيث كهذه الحروف التي تبتدأ بعدها الأسماء في الخبر ولا يكون هذا من حروف الجزاء. فإذا ضممت إليها ما صارت بمنزلة إن وما أشبهها ولم يجز فيها ما جاز فيها قبل أن تجئ بما وصارت بمنزلة إمّا. وأمّا قول النحويّين: يجازى بكلّ شئ يستفهم به فلا يستقيم من قبل أنك تجازى بإن وبحيثما وإذ ما ولا يستقيم بهن الاستفهام ولكنّ القول فيه كالقول في الاستفهام. ألا ترى أنك إذا استفهمت لم تجعل ما بعده صلة. فالوجه أن تقول: الفعل ليس في الجزاء بصلة لما قبله كما أنّه في حروف الاستفهام ليس صلة لما قبله وإذا قلت: حيثما تكن أكن فليس بصلة لما قبله كما أنّك إذا قلت أين تكون وأنت تستفهم فليس الفعل بصلة لما قبله فهذا في الجزاء ليس بصلة لما قبله كما أنّ ذلك في الاستفهام ليس بوصل لما قبله. وتقول: من يضربك في الاستفهام وفي الجزاء: من يضربك أضربه فالفعل فيهما غير صلة. وسألت الخليل عن مهما فقال: هي ما أدخلت معها ما لغواً بمنزلتها مع متى إذا قلت متى ما تأتني آتك وبمنزلتها مع إن إذا قلت إن ما تأتني آتك وبمنزلتها مع أين كما قال سبحانه وتعالى: " أينما تكونوا يدرككم الموت " وبمنزلتها مع أيّ إذا قلت: " أيّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى " ولكنهم استقبحوا أن يكرّروا لفظاً واحداً فيقولوا: ماما فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى. وقد يجوز أن يكون مه كإذ ضمّ إليها ما. وسألت الخليل عن قوله: كيف تصنع أصنع. فقال: هي مستكرهة وليست من حروف الجزاء ومخرجها على الجزاء لأنّ معناها على أيّ حال تكن أكن. وسألته عن إذا ما منعهم أن يجازوا بها فقال: الفعل في إذا بمنزلته في إذ إذا قلت: أتذكر إذ تقول فإذا فيما تستقبل بمنزلة إذ فيما مضى. ويبيّن هذا أنّ إذا تجئ وقتاً معلوماً ألا ترى أنّك لو قلت: آتيك إذا احمرّ البسر كان حسناً ولو قلت: آتيك إن احمرّ البسر كان قبيحاً. فإن أبداً مبهمة وكذلك حروف الجزاء. وإذا توصل بالفعل فالفعل في إذا بمنزلته في حين كأنك قلت: الحين الذي تأتيني فيه آتيك فيه. وقال ذو الرمّة: تصغي إذا شدّها بالرّحل جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها تثب. وقال الآخر ويقال وضعه النحويّون: وقد جازوا بها في الشّعر مضطرّين شبهوها بإن حيث رأوها لما يستقبل وأنها لا بدّلها من جواب. وقال قيس بن الخطيم الأنصاريّ: إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب وقال الفرزدق: ترفع لي خندف والله يرفع لي ناراً إذا خمدت نيرانهم تقد وقال بعض السّلوليّين: إذا لم تزل في كلّ دار عرفتها لها واكف من دمع عينك يسجم فهذا اضطرار وهو في الكلام خطأ ولكنّ الجيّد قول كعب بن زهير: وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطاً مذعوراً واعلم أنّ حروف الجزاء تجزم الأفعال وينجزم الجواب بما قبله. وزعم الخليل أنّك إذا قلت: إن تأتني آتك فآتك انجزمت بإن تأتني كما تنجزم إذا كانت جواباً للأمر حين قلت: ائتني آتك. وزعم الخليل أن إن هي أمّ حروف الجزاء فسألته: لم قلت ذلك فقال: من قبل أنّي أرى حروف الجزاء قد يتصرّفن فيكنّ استفهاما ومنها ما يفارقه ما فلا يكون فيه الجزاء وهذه على حال واحدة أبداً لا تفارق المجازاة. واعلم أنّه لا يكون جواب الجزاء إلا بفعل أو بالفاء فأمّا الجواب بالفعل فنحو قولك: إن تأتني آتك وإن تضرب أضرب ونحو ذلك. وأمّا الجواب بالفاء فقولك: إن تأتني فأنا صاحبك. ولا يكون الجواب في هذا الموضع بالواو ولا بثمّ. ألا ترى أنّ الرجل يقول افعل كذا وكذا فتقول: فإذن يكون كذا وكذا. ويقول: لم أغث أمس فتقول: فقد أتاك الغوث اليوم. ولو أدخلت الواو وثمّ في هذا الموضع تريد الجواب لم يجز. وسألت الخليل عن قوله جلّ وعزّ: " وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون " فقال: هذا كلام معلّق بالكلام الأوّل كما كانت الفاء معلقة بالكلام الأول وهذا ها هنا في موضع قنطلوا كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل. قال: ونظير ذلك قوله: " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " بمنزلة أم صمتّم. ومما يجعلها بمنزلة الفاء أنّها لا تجئ مبتدأة كما أنّ الفاء لا تجئ مبتدأة. وزعم الخليل أنّ إدخال الفاء على إذا قبيح ولو كان إدخال الفاء على إذا حسناً لكان الكلام بغير الفاء قبيحاً فهذا قد استغنى عن الفاء كما استغنت الفاء عن غيرها فصارت إذا هاهنا جواباً كما صارت الفاء جواباً. وسألته عن قوله: إن تأتني أنا كريم فقال: لا يكون هذا إلاّ أن يضطرّ شاعر من قبل أنّ أنا كريم يكون كلا ما مبتدأ والفاء وإذا لا يكونان إلاّ معلّقتين بما قبلهما فكرهوا أن يكون هذا جواباً حيث لم يشبه الفاء. وقد قاله الشاعر مضطراً يشبهه بما يتكلّم به من الفعل. قال حسّان بن ثابت: من يفعل الحسنات الله يشكرها والشرّ بالشرّ عند الله مثلان وقال الأسديّ: بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها بني ثعل من ينكع العنز ظالم وزعم أنّه لا يحسن في الكلام إن تأتني لأفعلنّ من قبل أنّ لأفعلنّ تجئ مبتدأة. ألا ترى أنّ الرجل يقول لأفعلنّ كذا وكذا. فلو قلت: إن أتيتني لأكرمنّك وإن لم تأتني لأغمّنّك جاز لأنّه في معنى لئن أتيتني لأكرمنّك ولئن لم تأتني لأغمّنّك ولا بدّ من هذه اللام مضمرة أو مظهرة لأنها لليمين كأنك قلت: والله لئن أتيتني لأكرمنّك. فإن قلت: لئن تفعل لأفعلنّ قبح لأنّ لأفعلنّ على أوّل الكلام وقبح في الكلام أن تعمل إن أو شئ من حروف الجزاء في الأفعال حتى تجزمه في اللفظ ثم لا يكون لها جواب ينجزم بما قبله. ألا ترى أنّك تقول: آتيك إن أتيتني ولا تقول آتيك إن تأتني إلاّ في شعر لأنك أخّرت إن وما عملت فيه ولم تجعل لإن جوابا ينجزم بما قبله. فهكذا جرى هذا في كلامهم. ألا ترى أنه قال عزّ وجلّ: " وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين " وقال عزّ وجلّ: " وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " لمّا كانت إن العاملة لم يحسن إلاّ أن يكون لها جواب ينجزم بما قبله. فهذا الذي يشاكلها في كلامهم إذا عملت. وقد تقول: إن أتيتني آتيك أي آتيك إن أتيتني. قال زهير: وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم ولا يحسن إن تأتني آتيك من قبل أنّ إن هي العاملة. وقد جاء في الشعر قال جرير بن عبد الله البجليّ: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنّك إن يصرع أخوك تصرع أي أنّك تصرع إن يصرع أخوك. ومثل ذلك قوله: هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب أي والمرء ذئب إن يلق الرّشا. قال الأصمعيّ: هو قديم أنشدينه أبو عمرو. وقال ذو الرمّة: أي ناظر متى أشرف. فجاز هذا في الشعر وشبّهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأنّ المعنى واحد كما شبّه الله يشكرها وظالم بإذا هم يقنطون جعله بمنزلة يظلم ويشكرها الله كما كان هذا بمنزلة قنطوا وكما قالوا في اضطرار: إن تأتني أنا صاحبك يريد معنى الفاء فشبّهه ببعض ما يجوز في الكلام حذفه وأنت تعنيه. وقد يقال: إن أتيتني آتك وإن لم تأتني أجزك لأنّ هذا في موضع الفعل المجزوم وكأنه قال: إن تفعل أفعل. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها " فكان فعل. وقال الفرزدق: دسّت رسولاً بأنّ القوم إن قدروا عليك يشفوا صدوراً ذات توغير وقال الأسود بن يعفر: ألا هل لهذا الدّهر من متعلّل عن النّاس مهما شاء بالناس يفعل وقال: إن تأتني فأكرمك أي فأنا أكرمك فلا بدّ من رفع فأكرمك إذا سكتّ عليه لأنّه جواب وإنّما ارتفع لأنه مبنيّ على مبتدإ. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ " ومن عاد فينتقم الله منه " ومثله: " ومن كفر فأمتعه قليلاً " ومثله:

باب الأسماء التي يجازي بها وتكون بمنزلة الّذي

وتلك الأسماء: من وما وأيّهم. فإذا جعلتها بمنزلة الّذي قلت: ما تقول أقول فيصير تقول صلة لما حتّى تكمل اسماً فكأنّك قلت: الذي تقول أقول. وكذلك: من يأتني آتيه وأيّها تشاء أعطيك. وقال الفرزدق: ومن يميل أمال السّيف ذروته حيث التقى من حفا في رأسه الشّعر وتقول: آتي من يأتيني وأقول ما تقول وأعطيك أيّها تشاء. هذا وجه الكلام وأحسنه وذلك أنه قبيح أن تؤخّر حرف الجزاء إذا جزم ما بعده فلّما قبح ذلك حملوه على الذّي ولو جزموه هاهنا لحسن أن تقول: آتيك إن تأتني. فإذا قلت: آتي من أتاني فأنت بالخيار إن شئت كانت أتاني صلة وإن شئت كانت بمنزلتها في إن. وقد يجوز في الشعر: آتي من يأتني وقال الهذليّ: فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها مطبّعة من يأتها لا يضيرها هكذا أنشدناه يونس كأنه قال: لا يضيرها من يأتها كما كان: وإنّي متى أشرف ناظر على القلب ولو أريد به حذف الفاء جاز فجعلت كإن. وإن قلت: أقول مهما تقل وأكون حيثما تكن وأكون أين تكن وآتيك متى تأتني وتلتبس بها أنّى تأتها لم يجز إلاّ في الشعر وكان جزماً. وإنما كان من قبل أنّهم لم يجعلوا هذه الحروف بمنزلة ما يكون محتاجاً إلى الصلة حتّى يكمل اسماً. ألا ترى أنه لا تقول مهما تصنع قبيح ولا في الكتاب مهما تقول إذا أراد أن يجعل القول وصلاً. فهذه الحروف بمنزلة إن لا يكون الفعل صلة لها. فعلى هذا فأجر ذا الباب.

باب ما تكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الّذي

وذلك قولك: إنّ من يأتيني آتيه وكان من يأتيني آتيه وليس من يأتيني آتيه. وإنّما أذهبت الجزاء من هاهنا لأنّك أعملت كان وإنّ ولم يسغ لك أن تدع كان وأشباهه معلّقة لا تعملها في شئ فلّما أعملتهنّ ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه. ألا ترى أنك لو جئت بإن ومتى تريد إنّ إن وإنّ متى كان محالاً. فهذا دليل على أنّ الجزاء لا ينبغي له أن يكون هاهنا بمن وما وأيّ. فإن شغلت هذه الحروف بشيء جازيت. فمن ذلك قولك: إنّه من يأتنا نأته وقال جلّ وعزّ: " إنّه من يأت ربّه مجرماً فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيا " وكنت من يأتني آته. وتقول: كان من يأته يعطه وليس من يأته يحببه إذا أضمرت الاسم في كان أو في ليس لأنّه حينئذ بمنزلة لست وكنت. فإن لم تضمر فالكلام على ما وصفنا. وقد جاء في الشعر إنّ من يأتني آته. قال الأعشى: إنّ من لام في بني بنت حسّا - ن ألمه وأعصه في الخطوب وقال أميّة بن أبي الصّلت: ولكنّ من لا يلق أمراً ينوبه بعدّته ينزل به وهو أعزل فزعم الخليل أنّه إنما جازى حيث أضمر الهاء وأراد إنّه ولكنّه كما قال الراعي: فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا أراد: فلو أنّه حقّ اليوم. ولو لم يرد الهاء كان الكلام محالا. وتقول: قد علمت أن من يأتني آته من قبل أنّ أنّ هاهنا فيها إضمار الهاء ولا تجئ مخفّفة هاهنا إلاّ على ذلك كما قال وهو عديّ بن زيد: أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص ولا يجوز أن تنوي في كان وأشباه كان علامة إضمار المخاطب ولا تذكرها. لو قلت: ليس من يأتك تعطه تريد لست لم يجز. ولو جاز ذلك لقلت كان من يأتك تعطه تريد به كنت. وقال الشاعر الأعشى: في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أن هالك كلّ من يحفى وينتعل فهذا يريد معنى الهاء. ولا تخفّف أن إلاّ عليه كما قال: قد علمت أن لا يقول ذاك أي أنّه لا يقول. وقال عزّ وجلّ: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ". وليس هذا بقويّ في الكلام كقوّة أن لا يقول لأنّ لا عوض من ذهاب العلامة. ألا ترى أنّهم لا يكادون يتكلّمون به بغد الهاء فيقولون: قد علمت أن عبد الله منطلق.

باب يذهب فيه الجزاء من الأسماء كما ذهب في إنّ وكان وأشباههما

غير أنّ إنّ وكان عوامل فيما بعدهنّ والحروف في هذا الباب لا يحدثن فيما بعدهنّ من الأسماء شيئاً كما أحدثت إنّ وكان وأشباههما لأنّها من الحروف التي تدخل على المبتدإ والمبنيّ عليه فلا تغيّر الكلام عن حاله وسأبيّن لك كيف ذهب الجزاء فيهن إن شاء الله. وإنّما كرهوا الجزاء هاهنا لأنه ليس من مواضعه. ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول: أتذكر إذ إن تأتنا نأتك كما لم يجز أن تقول: إنّ إن تأتنا نأتك فلمّا ضارع هذا الباب باب إنّ وكان كرهوا الجزاء فيه. وقد يجوز في الشعر أن يجازى بعد هذه الحروف فتقول: أتذكر إذ من يأتنا نأته. فإنما أجازوه لأن إذ وهذه الحروف لا تغيّر ما دخلت عليه عن حاله قبل أن تجئ بها فقالوا: ندخلها على من يأتنا نأته ولا تغيّر الكلام كأنّا قلنا من يأتنا نأته كما أنّا إذا قلنا إذ عبد الله منطلق فكأنّا قلنا: عبد الله منطلق لأنّ إذ لم تحدث شيئاً لم يكن قبل أن تذكرها. وقال لبيد: على حين من تلبث عليه ذنوبه يرث شربه إذ في المقام تدابر ولو اضطرّ شاعر فقال: أتذكر إذ إن تأتنا نأتك جاز له كما جاز في من. وتقول: أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته فنحن فصلت بين إذ ومن كما فصل الاسم في كان بين كان ومن. وتقول: مررت به فإذا من يأتيه يعطيه. وإن شئت جزمت لأنّ الإضمار يحسن هاهنا. ألا ترى أنك تقول: مررت به فإذا أجمل الناس ومررت به فإذا أيّما رجل. فإذا أردت الإضمار فكأنك قلت: فإذا هو من يأته يعطه. فإذا لم تضمر وجعلت إذا هي لمن فهي بمنزلة إذ لا يجوز فيها الجزم. وتقول: لا من يأتك تعطه ولا من يعطك تأته من قبل أنّ لا ليست كإذ وأشباهها وذلك لأنّها لغو بمنزلة ما في قوله عزّ وجلّ: " فبما رحمة من الله لنت لهم " فما بعده كشيء ليس قبله لا. ألا تراها تدخل على المجرور فلا تغيّره عن حاله تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد. وتدخل على النصب فلا تغيّره عن حاله تقول: لا مرحباً ولا أهلاً فلا تغيّر الشيء عن حاله التي كان عليها قبل أن تنفيه ولا تنفيه مغيّراً عن حاله يعني في الإعراب التي كان عليها فصار ما بعدها معها بمنزلة حرف واحد ليست فيه لا وإذ وأشباهها لا يقعن هذه المواقع ولا يكون الكلام بعدهن إلاّ مبتدأ. وقال ابن مقبل: وقدر ككفّ القرد لا مستعيرها يعار ولا من يأتها يتدسّم ووقوع إن بعد لا يقوّي الجزاء فيما بعد لا. وذلك قول الرجل: لا إن أتيناك أعطيتنا ولا إن قعدنا عندك عرضت علينا ولا لغو في كلامهم. ألا ترى أنك تقول: خفت أن لا تقول ذاك وتجري مجرى خفت أن تقول. وتقول: إن لا يقل أقل فلا لغو وإذ وأشباهها ليست هكذا إنّما يصرفن الكلام أبداً إلى الابتداء. وتقول: ما أنا ببخيل ولكن إن تأتني أعطك جاز هذا وحسن لأنّك قد تضمرها هنا كما تضمر في إذا. ألا ترى أنك تقول: ما رأيتك عاقلاً ولكن أحمق. وإن لم تضمر تركت الجزاء كما فعلت ذلك في إذا. قال طرفة: ولست بحلاّل التلاّع مخافةً ولكن متى يسترفد القوم أرفد كأنه قال: أنا. ولا يجوز في متى أن يكون الفعل وصلاً لها كما جاز في من والّذي. وسمعناهم ينشدون قول العجير السّلوليّ: وما ذاك أن كان ابن عميّ ولا أخي ولكن متى ما أملك الضرّ أنفع والقوافي مرفوعة كأنه قال: ولكن أنفع متى ما أملك الضرّ ويكون أملك على متى في موضع جزاء وما لغو ولم يجد سبيلاً إلى أن يكون بمنزلة من فتوصل ولكنها كمهما. وأمّا قوله عزّ وجلّ: " وأمّا إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين " فإنّما هو كقولك: أمّا غداً فلك ذاك. وحسنت إن كان لأنه لم يجزم بها كما حسنت في قوله: أنت ظالم إن فعلت.

باب إذا ألزمت فيه الأسماء التي تجازى بها حروف الجرّ

لم تغيّرها عن الجزاء هذا قول يونس والخليل جميعاً. فحروف الجرّ لم تغيّرها عن حال الجزاء كما لم تغيّرها عن حال الاستفهام. ألا ترى أنّك تقول: بمن تمرّ وعلى أيّها أركب فلو غيّرتها عن الجزاء غيّرتها عن الاستفهام. وقال ابن همّام السّلوليّ: لّما تمكّن دنياهم أطاعهم في أيّ نحو يميلوا دينه يمل وذاك لأنّ الفعل إنّما يصل إلى الاسم بالباء ونحوها فالفعل مع الباء بمنزلة فعل ليس قبله حرف جرّ ولا بعده فصار الفعل الذي يصل بإضافة كالفعل الذي لا يصل بإضافة لأنّ الفعل يصل بالجرّ إلى الاسم كما يصل غيره ناصباً أو رافعاً. فالجرّ هاهنا نظير النصب والرفع في غيره. فإن قلت: بمن تمرّ به أمرّ وعلى أيّهم تنزل عليه أنزل وبما تأتيني به آتيك رفعت لأنّ الفعل إنّما أوصلته إلى الهاء بالباء الثانية والباء الأولى للفعل الآخر فتغيّر عن حال الجزاء كما تغيّر عن حال الاستفهام فصارت بمنزلة الّذي لأنّك أدخلت الباء للفعل حين أوصلت الفعل الذي يلي الاسم بالباء الثانية إلى الهاء فصارت الأولى ككان وإنّ - يقول: لا يجازى بما بعدها - وعملت الباء فيما بعدها عمل كان وإنّ فيما بعدهما. وقد يجوز أن تقول: بمن تمرر أمره وعلى من تنزل أنزل إذا أردت معنى عليه وبه وليس بحدّ إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل يريد: يتكل عليه ولكنه حذف. وهذا قول الخليل. وتقول: غلام من تضرب أضربه لأنَّ ما يضاف إلى من بمنزلة من. ألا ترى أنك تقول: أبوأيهم رأيته كما تقول: أيهم رأيته. وتقول: بغلام من تؤخذ أو خذ به كأنك قلت: بمن تؤخذ أؤخذ به. وحسن الاستفهام ها هنا يقوِّي الجزاء تقول: غلام من تضرب وبغلام من مررت. ألا ترى أنّ كينونة الفعل غير وصل ثابتة. وتقول: بمن تمرر أمرر به وبمن تؤخذ أوخذ به. فحدُّ الكلام أن تثبت الباء في الآخر لأنه فعل لا يصل إلا بحرف الإضافة. يدلّك على ذلك أنك لو قلت: من تضرب أنزل لم يجز حتى تقول عليه إلا في شعر. فإن قلت: بمن تمرر أمرر أو بمن تؤخذ أوخذ فهو أمثل وليس بحد الكلام. وإنما كان في هذا أمثل لأنه قد ذكر الباء في الفعل الأول فعلم أنّ الآخر مثله لأنه ذلك الفعل.

باب الجزاء إذا أدخلت فيه ألف الاستفهام

وذلك قولك: أإن تأتني آتك. ولا تكتفي بمن لأنها حرف جزاء ومتى مثلها فمن ثمًّ أدخل عليه الألف تقول: أمتى تشتمني أشتمك وأمن يفعل ذاك أزره وذلك لأنك أدخلت الألف على كلام قد عملَ بعضه في بعض فلم يغيَّره وإنما الألف بمنزلة الواو والفاء ولا ونحو ذلك لا تغيَّر الكلام عن حاله وليست كإذ وهل وأشباههما. ألا ترى أنها تدخل على المجرور والمنصوب والمرفوع فتدعه على حاله ولا تغيّره عن لفظ المستفهم. ألا ترى أنه يقول: مررت بزيدٍ فتقول: أزيد إن شئت قلت أزيدنيه وكذلك تقول في النصب والرفع وإن شئت أدخلتها على كلام المخبر ولم تحذف منه شيئاً وذلك إذا قال: مررت بزيدٍ قلت: أمررت بزيد. ولا يجوز ذلك في هل وأخواتها. ولو قلت: هل مررت بزيدٍ كنت مستأنفاً. ألا ترى أنَّ الألف لغو. فإن قيل: فإن الألف لا بدَّ لها من أن تكون معتمدة على شيء فإنَّ هذا الكلام معتمد لها كما تكون صلةً للذي إذا قلت: الذي إن تأته يأتك زيد. فهذا كلُّه وصلٌ. فإن قال: الذي إن تأته يأتيك زيدٌ وأجعل يأيتكَ صلةَ الَّذي لم يجد بدَّاً من أن يقول: أنا إن تأتني آتيك لأنَّ أنا لا يكون كلاماً حتى يبنى عليه وأمَّا يونس فيقول: أإن تأتني آتيك. وهذا قبيح يكره في الجزاء وإن كان في الاستفهام. وقال عزَّ وجلَّ: " أفإن متَّ فهم الخالدون. " ولو كان ليس موضعَ جزاء قبح فيه إن كما يقبح أن تقول: أتذكر إذ إن تأتني آتيك. فلو قلت: إن أتيتني آتيك على القلب كان حسناً.

باب الجزاء إذا كان القسم في أوَّله

وذلك قولك: والَّله إن أتيتني لا أفعل لا يكون إلا معتمدةً عليه اليمين. ألا ترى أنَّك لو قلت: والله إن تأتني آتك لم يجز ولو قلت والَّله من يأتني آته كان محالاً واليمين لا تكون لغواً كلا والألف لأن اليمين لآخر الكلام وما بينهما لا يمنع الآخر أن يكون على اليمين وإذا قلت آإن تأتني آتك فكأنك لم تذكر الألف واليمين ليست هكذا في كلامهم. ألا ترى أنك تقول: زيدٌ منطلقٌ فلو أدخلت اليمن غيَّرت الكلام. وتقول: أنا والَّله إن تأتني لا آتك لأن هذا الكلام مبني على أنا ألا ترى أنه حسن أن تقول: أتا والله إن تأتني آتك فالقسم ها هنا لغوٌ. فإذا بدأت بالقسم لم يجز إلا أن يكون عليه. ألا ترى أنك تقول: لئن أتيتني لا أفعل ذاك لأنها لام قسمٍ. ولا يحسن في الكلام لئن تأتني لا أفعل لأنَّ الآخر لا يكون جزماً. وتقول: والَّله إن أتيتني آتيك وهو معنى لا آتيك وهو معنى لا آتيك. فإن أردت أن الإتيان وأنتم لهذا الناس كالقبلة التي بها أن يضلَّ الناس يهدى ضلالها فلا يكون الآخر إلا رفعاً لأنَّ أن لا يجازى بها وإنما هي مع الفعل اسم فكأنه قال: لأن يضلَّ الناس يهدى. وهكذا أنشده الفرزدق.

باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما

فأمَّا ما يرتفع بينهما فقولك: إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمش أمش معك. وذلك لأنك أردت أن تقول إن تأتني سائلاً يكن ذلك وإن تأتني ماشياً فعلت. وقال زهير: ومن لا يزل يستحمل النَّاس نفسه ولا يغنها يوماً من الدهر يسأم إنما أراد: من لا يزل مستحملاً يكن من أمره ذاك. ولو رفع يغنها جاز وكان حسناً كأنَّه قال: من لا يزل لا يغنى نفسه. ومما جاء أيضاً مرتفعاً قول الحطيئة: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نارٍ عندها خير موقد وسألت الخليل عن قوله: متى تأتنا بلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا قال: تلمم بدل من الفعل الأول. ونظيره في الأسماء: مررت برجلٍ عبد الَّله فأراد أن يفسر الإتيان بالإلمام كما فسَّر الاسم الأوَّل بالاسم الآخر. ومثل ذلك أيضاً قوله أنشدنيهما الأصمعيّ عن أبي عمرو لبعض بني أسد: إن يبخلوا أو يجبنوا أو يغدروا لا يحفلوا يغدوا عليك مرجَّلين كأنهم لم يفعلو فقوله يغدوا: بدل من لا يحفلوا وغدوهم مرجَّلين يفسِّر أنَّهم لم يحفلوا. وسألته: هل يكون إن تأتنا تسألنا نعطك فقال: هذا يجوز على غير أن يكون مثل الأول لأنَّ الأوّل الفعل الآخر تفسير له وهو هو والسُّوال لا يكون الإتيان ولكنَّه يجوز على الغلط والنَّسيان ثم يتدارك كلامه. ونظير ذلك في الأسماء: مررت برجلٍ حمارٍ كأنه نسي ثم تدارك كلامه. وسألته عن قوله جلَّ وعزَّ: " ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة " فقال: هذا كالأوّل لأن مضاعفة العذاب هو لقيٌّ الآثام. ومثل ذلك من الكلام: إن تأتنا بحسن إليك نعطك ونحميك تفسر الإحسان بشيء هو هو وتجعل الآخر بدلاً من الأول. فإن قلت: إن تأتني آتك أقل ذاك كان غير جائز لأنَّ القول ليس بالإتيان إلا أن تجيزه على ما جاز عليه تسألنا وأمَّا ما ينجزم بين المجزومين فقولك: إن تأتني ثمَّ تسألني أعطك وإن تأتني فتسألني أعطك وإن تأتنيي وتسألني أعطك. وذلك لأنَّ هذه الحروف يشركن الآخر فيما دخل فيه الأول. وكذلك أو وما أشبههنَّ. ولا يجوز في ذا الفعل الرفع. وإنَّما كان الرفع في قوله متى تأته تعشو لأنَّه في موضع عاش كأنه قال: متى تأته عاشياً. ولو قلت متى تأته وعاشياً كان محالاً. فإنَّما أمرهن أن يشركن بين الأوّل والآخر. وسألت الخليل عن قوله: إن تأتني فتحدثني أحدثك وإن تأتني وتحدثني أحدِّثك فقال: هذا يجوز والجزم الوجه. ووجه نصبه على أنه حمل الآخر على الاسم كأنه أراد إن يكن إتيان فحديث أحدِّثك فلمَّا قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى أن لأن الفعل معها اسم. وإنما كان الجزم الوجه لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث فلمّا كان ذلك كان أن يحمل على الذي عمل فيما يليه أولى وكرهوا أن يتخطَّوا به من بابه إلى آخر إذا وسألته عن قول ابن زهير: ومن لا يقدِّم رجله مطمئنة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فقال: النصب في هذا جيِّد لأنه أرادها هنا من المعنى ما أراد في قوله: لا تأتينا إلا لم تحدِّثنا فكأنه قال: من لا يقدَّم إلا لم يثبت زلق. ولا يكون أبداً إذا قلت: إن تأتني فأحدثك الفعل الآخر الا رفعا وإنَّما منعه أن يكون مثل ما انتصب بين المجزومين أنّ هذا منقطع من الأوّل شريك له وإذا قلت إن يكن إتيان فحديثٌ أحدثك فالحديث متصل بالأول ألا ترى أنَّك إذا قلت: إن يكن إتيانٌ فحديث ثمّ سكتَّ وجعلته جواباً لم يشرك الأول وكان مرتفعاً بالابتداء. وتقول: إن تأتني لآتك فأُحدثك. هذا الوجه وإن شئت ابتدأتَ. وكذلك الواو وثمَّ وإن شئت نصبت بالواو والفاء كما نصبت ما كان بين المجزومين. واعلم أنّ ثمَّ لا ينصب بها كما ينصب بالواو والفاء ولم يجعلوها مما يضمر بعده أن وليس يدخلها من المعاني ما يدخل في الفاء وليس معناها معنى الواو ولكنها تشرك ويبتدأ بها. واعلم أنّ ثمَّ إذا أدخلته على الفعل الذي بين المجزومين لم يكن إلَّا جزماً لأَّنه ليس مما ينصب. وليس يحسن الابتداء لأنَّ ما قبله لم ينقطع. وكذلك الفاء والواو وأو إذا لم ترد بهن النصب فإذا انقضى الكلام ثم جئت بثمَّ فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت. وكذلك الواو والفاء. قال الَّله تعالى: " وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمَّ لا ينصرون " وقال تبارك وتعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم " إِّلا أنَّه قد يجوز النصب بالفاء والواو. وبلغنا أنَّ بعضهم قرأ: " يحاسبكم به الَّله فيغفر لمن يشاء ويعذِّب من يشاء " والَّله على كل شيء قدير " وتقول: إن تأتني فهو خير لك وأكرمك وإن تأتني فأنا لآتيك وأحسن إليك. وقال عزَّ وجلَّ: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم ". والرفع ههنا وجه الكلام وهو الجيِّد لأنَّ الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء فجرى الفعل هنا كما كان يجري في غير الجزاء. وقد بلغنا أنَّ بعض القرَّاء قرأ: " من يضلل الَّله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " وذلك لأنَّه حمل الفعل على موضع الكلام لأنَّ هذا الكلام في موضع يكون جواباً لأنّ أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ولكنَّهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره. ومثل الجزم ههنا النصب في قوله: فلسنا بالجبال ولا الحديدا وتقول: إن تأتني فلن أوذيك وأستقبلك بالجميل فالرفع ههنا الوجه إذا لم يكن محمولاً على لن كما قال الرفع الوجه في قوله فهو خير لك وأكرمك ومثل ذلك إن أتيتني لم آتك وأحسن إليك فالرفع الوجه إذا لم تحمله على لم كما كان ذلك في لن. وأحسن ذلك أن تقول: إن تأتني لا آتك كما أن أحسن الكلام أن تقول: إن أتيتني لم آتك. وذلك أنّ لم أفعل نفي فعل وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفي أفعل وهو مجزوم بالجزاء. فإذا قلت: إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل وهو مجزوم بالجزاء. فإذا قلت: إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل لأنه نظيره من الفعل. وإذا قال إن فعلت فأحسن الكلام أن تقول: فعلت لأنَّه مثله. فكما ضعف فعلت مع أفعل وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل لأن لم أفعل نفي فعلت. وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل. واعلم أنَّ النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني لآتك وأعطيك ضعيف وهو نحومن قوله: وألحق بالحجاز فأستريحا فهذا يجوز وليس بحد الكلام ولا وجهه إلَّا أنَّه في الجزاء صار أقوى قليلاً لأنّه ليس بواجب أنّه يفعل إلّا أن يكون من الأول فعلٌ فلمَّا ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله إذا قال وأعطيك. وإنَّما هو في المعنى كقوله ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى مصرع مظلومٍ مجراً ومسحبا وتدفن منه الصالحات وإن يسىء يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل

إذا كان جواباً لأمرٍ أو نهي أو استفهام أو تمنِّ أو عرض فأما ما انجزم بالأمر فقولك: ائتني آتك. وأما ما انجزم بالنهي فقولك: لا تفعل يكن خيراً لك. وأمّا ما انجزم بالاستفهام فقولك: ألا تأتيني أحدثِّك وأين تكون أزرك وأمّا ما انجزم بالتّمني فقولك: ألا ماءَ أشربه وليته عندنا يحدَّثنا. وأمَّا ما انجزم بالعرض فقولك: ألا تنزل تصب خيراً. وإنَّما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب إن تأتني بإن تأتني لأنَّهم جعلوه معلَّقاً بالأوّل عير مستغنٍ عنه إذا أرادوا الجزاء كما أنَّ إن تأتني عير مستغنية عن آتك. وزعم الخليل: أنَّ هذه الأوائل كلَّها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب لأنه إذا قال ائتني آتك فإنّ معنى كلامه إن يكن منك إتيان آتك وإذا قال: أين بيتك أزرك فكأنّه قال إن أعلم مكان بيتك أزرك لأنّ قوله أين بيتك يريد به: أعلمني. وإذا قال ليته عندنا يحدثنا فإنّ معنى هذا الكلام إن يكن عندنا يحدَّثنا وهو يريد ههنا إذا تمنَّى ما أراد في الأمر. وإذا قال لو نزلت فكأنَّه قال انزل. ومما جاء من هذا الباب في القرآن وغيره قوله عزّ وجلّ: " هل أدلُّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابِ أليم. تؤمنون بالَّله ورسوله وتجاهدون في سبيل الَّله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون " فلمَّا انقضت الآية قال: " يغفر لكم ". ومن ذلك أيضاً: أتينا أمس نعطيك اليوم أي إن كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم. هذا معناه فإن كنت تريد أن تقررِّه بأنه قد فعل فإنَّ الجزاء لا يكون لأنَّ الجزاء إنَّما يكون في غير الواجب. ومما جاء أيضاً منجزماً بالاستفهام قوله وهو رجل من بني تغلب جابر ابن حنى: ألا تنتهي عنَّا ملوك وتتقى محارمنا لا يبؤ الدَّم بالدَّم وقال الراجز: متى أنام لا يؤرقني الكرى ليلاً ولا أسمع أجراس المطى كأنّه قال: إ يكن منِّى نومٌ في غير هذه الحال لا يؤرقني الكرىُّ كأنَّه لم يعَّد نومه في هذه الحال نوماً. وتقول: ائتني آتك فتجزم على ما وصفنا وإن شئت رفعت على أن لا تجعله معلقاً بالأوَّل ولكنَّك تبتدئه وتجعل الأوّل مستغنياً عنه كأنَّه يقول: ائتني أنا آتيك. ومثل ذلك قول الشاعر وهو الأخطل: وقال رائدهم أرسوا نزاولها فكل حتف أمريءٍ يمضي لمقدار وقال الأنصاري: يا مال والحق عنده فقفوا تؤتون فيه الوفاء معترفا كأنّه قال: إنكم تؤتون فيه الوفاء معترفاً. وقال معروف: كونوا كمن واسى أخاه بنفسه نعيش جميعاً أو نموت كلانا كأنه قال: كونوا هكذا إنّا نعيش جميعاً أو نموت كلانا إن كان هذا أمرنا. وزعم الخليل: أنَّه يجوز أن يكون نعيش محمولاً على كونوا كأنه قال: كونوا نعيش جميعاً أو نموت كلانا. وتقول: لا تدن منه يكن خيراً لك. فإن قلت: لا تدن من الأسديا كلك فهو قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنَّك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سبباً لأكله. وإن رفعت فالكلام حسن كأنك قلت: لا تدن منه فإنَّه يأكلك. وإن أدخلت الفاء فهو حسن وذلك وليس كلُّ موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء. ألا ترى أنه يقول: ما أتيتنا فتحثنا والجزاء ههنا محال. وإنما قبح الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء. وسمعنا عربياً موثوقاً بعربيته يقول: لا تذهب به تغلب عليه فهذا كقوله: لا تدن من الأسد يأكلك. وتقول: ذره يقل ذاك وذره يقول ذاك فالرفع من وجهين: فأحدهما الإبتداء والآخر على قولك: ذره قائلاً ذاك فتجعل يقول في موضع قائل. فمثل الجزم قوله عزّ وجلّ: " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل " ومثل الرفع قوله تعالى جدٌّه: " ذرهم في خوضهم يلعبون ". وتقول: ائتني تمشي أي ائتني ماشياً وإن شاء جزمه على أنه إن أتاه مشي فيما يستقبل فيما يستقبل. وإن شاء رفعه على الإبتداء. وقال عز وجل: " فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ". فالرفع على وجهين: على الإبتداء وعلى قوله: اضربه غير خائفٍ ولا خاشٍ. وتقول: قم يدعوك لأنك لم ترد أن تجعله دعاءً بعد قيامه ويكون القيام سبباً له ولكنَّك أردت: قم إنّه يدعوك. وإن أردت ذلك المعنى جزمت. كرُّوا إلى حرَّيتكم تعمرونهما كما تكرُّ إلى أوطانها البقر فعلى قوله: كرُّوا عامرين. وإن شئت رفعت على الابتداء. وتقول: مره يحفرها وقل له يقل ذاك. وقال الَّله عزّ وجلّ: " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممَّا رزقناهم ". ولو قلت مره يحفرها على الابتداء كان جيَّداً. وقد جاء رفعه على شيء هو قليل في الكلام على مره أن يحفرها فإذا لم يذكروا أن جعلوا المعنى بمنزلته في عسينا نفعل. وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلمون به فإذا تكلموا به فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب كأنه قال: عسى زيد قائلاً ثم وضع يقول في موضعه. وقد جاء في الشعر قال طرفة بن العبد: ألا أبهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد الَّلذات هل أنت مخلدي وسألته عن قوله عزّ وجل: " قل أفغير الَّله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون " فقال: تأمرونِّي كقولك: هو يقول ذاك بلغني فبلغني لغو فكذلك تأمرونِّي كأنه قال: فيما تأمرونِّي كأنّه. قال فيما بلغني. وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيُّهذا الزاجري أحضر الوغى

باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي

لأنّ فيها معنى الأمر والنهي فمن تلك الحروف: حسبك وكفيك وشرعك وأشباهها. تقول: حسبك ينم الناس. ومثل ذلك: " اتّقي الَّله امرؤ وفعل خيراً يثب عليه " لأنّ فيه معنى ليتَّق الَّله امرؤ وليفعل خيراً. وكذلك ما أشبه هذا. وسألت الخليل عن قوله عزّ وجلّ: " فأصَّدق وأكن من الصالحين " فقال: هذا كقول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فإنَّما جرّوا هذا لأنَّ الأوّل قد يدخله الباء فجاءوا بالثاني وكأنَّهم قد أثبتوا في الأول الباء فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزماً ولا فاء فيه تكلّموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهمّوا هذا. وأما قول عمرو بن عمّار الطائيّ: فقلت له صوِّب ولا تجهدنَّه فيدنك من أخرى القطاة فتزلق فهذا على النهي كما قال: لا تمددها فتشققها كأنَّه قال: لا تجهدنّه ولا يدنينّك من أخرى القطاة ومثله من النهي: لا يرينَّك ههنا ولا أرينَّك ههنا. وسألته عن آتي الأمير لا يقطع الِّصَّ فقال: الجزاء ها هنا خطأ لا يكون الجزاء أبداً حتى يكون الكلام الأول غير واجب إلا أن يضطرَّ شاعر. ولا نعلم هذا جاء في شعر البتَّة. وسألته عن قوله: أما أنت منطلقاً أنطلق معك فرفع. وهو قول أبي عمرو وحدثنا به يونس. وذلك لأنّه لا يجازي بأن كأنّه قال: لأن صرت منطلقاً أنطلق معك. وسألته عن قوله: ما تدوم لي أدوم لك فقال: ليس في هذا جزاء من قبل أن الفعل صلة لما فصار بمنزلة الّذي وهو بصلته كالمصدر ويقع على الحين كأنّه قال: أدوم لك دوامك لي. فما ودمت بمنزلة الدَّوام. ويدلّك على أنَّ الجزاء لا يكون ها هنا أنك لا تستطيع أن تستفهم بما تدوم على هذا الحدّ. ومثل ذلك: كلَّما تأتيني آتيك فالإتيان صلة لما كأنه قال: كلَّ إتيانك آتيك وكلَّما تأتيني يقع أيضاً على الحين كما كان ما تأتيني يقع على الحين. ولا يستفهم بما تدوم. وسألته عن قوله: الذي يأتيني فله درهمان لم جاز دخول الفاء ها هنا والَّذي يأتيني بمنزلة عبد اللَّه وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الَّله فله درهما فقال: إنَّما يحسن في الَّذي لأنه جعل الآخر جواباً للأوَّل وجعل الأوّل به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء ها هنا كما دخلت في الجزاء إذا قال: إن يأتني فله درهمان. وإن شاء قال: الذي يأتيني له درهمان كما تقول: عبد الَّله له درهمان غير أنَّه إنما أدخل الفاء لتكون العطّية مع وقوع الإتيان فإذا أدخل الفاء فإنما يجعل الإتيان سبب ذلك. فهذا جزاء وإن لم يجزم لأنَّه صلة. ومثل ذلك قولهم: كلّ رجل يأتينا فله درهمان. ولو قال: كلّ رجل فله درهمان كان محالاً لأنه لم يجيْ بفعل ولا بعمل يكون له جوابٌ. ومثل ذلك: " الذَّين ينفقون أموالهم بالَّليل والنَّهار سرَّاّ وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربِّهم " وقال تعالى جدُّه: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " ومثل ذلك: " إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمَّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنَّم ولهم عذاب الحريق. وسألت الخليل عن قوله جلَّ ذكره: " حتَّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها " أين جوابها وعن قوله جل وعلا: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " " ولو يرى إذ وقفوا على النَّار " فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم لعلم المخبر لأيِّ شيء وضع هذا الكلام. وزعم أنَّه قد وجد في أشعار العرب ربَّ لا جواب لها. من ذلك قول الشمّاخ: ودوّيّةٍ قفرٍ تمشِّى نعامها كمشي النَّصارى في خفاف الأرندج وهذه القصيدة التي فيها هذا البيت لم يجيء فيها جوابٌ لربَّ لعلم المخاطب أنّه يريد

باب الأفعال في القسم

اعلم أنَّ القسم توكيدٌ لكلامك. فإذا حلفت على فعلٍ غير منفيّ لم يقع لزمته اللامُ. ولزمت اللام النونُ الخفيفة أو الثقيلة في آخر الكلمة. وذلك قولك: والَّله لأفعلنَّ. وزعم الخليل: أن النون تلزم اللام كلزوم اللام في قولك: إن كان لصالحاً فإن بمنزلة اللام واللام بمنزلة النون في آخر الكلمة. واعلم أنّ من الأفعال أشياء فيها معنى اليمين يجري الفعل بعدها مجراه بعد قولك واللَّه وذلك قولك: أقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت باللَّه عليك لتفعلنَّ. وإن كان الفعل قد وقع وحلفت عليه لم تزد على اللام وذلك قولك: والَّله لفعلت. وسمعنا من العرب من يقول: والَّله لكذبت وواللَّه لكذب. فالنون لا تدخل على فعلٍ قد وقع إنَّما تدخل على غير الواجب. وإذا حلفت على فعلٍ منفيٍّ لم تغيِّره عن حاله التي كان عليها قبل أن تحلف وذلك قولك: والَّله لا أفعل. وقد يجوز لك وهو من كلام العرب - أن تحذف لا وأنت تريد معناها وذلك قولك: والَّله أفعل ذلك أبداً تريد: والَّله لا أفعل ذلك أبداً. وقل: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلاَّ فعلت ولّما فعلت لم جاز هذا في هذا الموضع وإنّما أقسمت ها هنا كقولك: والَّله فقال: وجه الكلام لتفعلنَّ هاهنا ولكنهم إنما أجازوا هذا لأنهم شبهوه بنشدتك الله إذ كان فيه معنى الطلب. وسألته عن قوله إذا جاءت مبتدأةً ليس قبلها ما يحلف به فقال: إنّما جاءت على نيَّة اليمين وإن لم يتكلَّم بالمحلوف به. واعلم أنَّك إذا أخبرت عن غيرك أنَّه أكَّد على نفسه أو على غيره فالفعل يجري مجراه حيث حلفت أنت وذلك قولك: أقسم ليفعلنَّ واستحلفه ليفعلنّ وحلف ليفعلنَّ ذلك وأخذ عليه لا يفعل ذلك أبداً. وذاك أنَّه أعطاه من نفسه في هذا الموضع مثل ما أعطيت أنت من نفسك حين حلفت كأنَّك قلت حين قلت أقسم ليفعلَّن قال واللَّه ليفعلنَّ وحين قلت استحلفه ليفعلنَّ قال له واللَّه ليفعلنَّ. ومثل ذلك قوله تعالى جدُّه: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاَّ الَّله ". وسألته: لِمَ لَم يجز والَّله تفعل يريدون بها معنى ستفعل فقال: من قبل أنَّهم وضعوا تفعل ها هنا محذوفة منها لا وإنما تجيء في معنى لا أفعل فكرهوا أن تلتبس إحداهما بالأخرى. فقلت: فلم ألزمت النون آخر الكلمة فقال: لكي لا يشبه قوله إنه ليفعل لأنّ الرجل إذا قال هذا فإنما يخبر بفعلٍ واقع فيه الفاعل كما ألزموا اللام: إن كان ليقول مخافة أن يلتبس بما كان يقول وسألته عن قوله عزّ وجل: " وإذ أخذ الَّله ميثاق النَّبييِّن لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنَّه " فقال: ما ههنا بمنزلة الّذي ودخلتها اللام كما دخلت على إن حين قلت: واللّه لئن فعلت لأفعلنّ واللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا. ومثل هذه هذه اللام الأولى أن إذا قلت: والَّله أن لو فعلت لفعلت. وقال: فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الشرِّ مظلم فأن في لو بمنزلة اللام في ما فأوقعت ها هنا لامين: لام للأول ولام للجواب ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم فكذلك الامان في قوله عز وجل: " لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدَّق لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه " لام للأوّل وأخرى للجواب. ومثل ذلك " لمن تبعك منهم لأملأنَّ " إنما دخلت اللام على نيّة اليمين. والَّله أعلم. وسألته عن قوله عز وجل: " ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون " فقال: هي في معنى ليفعلنَّ كأنه قال ليظلَّن كما تقول: والَّله لا فعلت ذاك أبداً تريد معنى لا أفعل. وقالوا: لئن زرته ما يقبل منك وقال: لئن فعلت ما فعل يريد معنى ما هو فاعلٌ وما يفعل كما كان لظلُّوا مثل ليظلّن وكما جاءت: " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " على قوله: أم صمتٌّم فكذلك جاز هذا على ما هو فاعل. قال عز وجل: " ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلِّ آية مَّا تبعوا قبلتك " أي ما هم تابعين. وقال: سبحانه: " ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده " أي ما يمسكهما من أحدٍ. وأما قوله عز وجلّ: " وإنَّ كلاًّ لما ليوفِّينهم ربُّك أعمالهم " فإن إنّ حرف توكيد فلها لام كلام اليمين لذلك أدخلوها كما أدخلوها في: " إن كلُّ نفسٍ لما عليها حافظ " ودخلت اللام التي في الفعل على اليمين كأنَّه قال: إنّ زيداً لما واللَّه ليفعلنَّ. وقد يستقيم في الكلام إنّ زيداً ليضرب وليذهب ولم يقع ضرب. والأكثر على ألسنتهم كما خبَّرتك في اليمين فمن ثمَّ ألزموا النون في اليمين لئلا يلتبس بما هو واقع. قال الَّله عز وجل: " إنَّما جعل السَّبت على الذين اختلفوا فيه وإنّ ربَّك ليحكم بينهم يوم القيامة ". وقال لبيد: ولقد علمت لتأتين منيَّتي إنَّ المنايا لا تطيش سهامها كأنَّه قال: والَّله لتأتينّ كما قال: قد علمت لعبد اللّه خير منك وقال: أظنُّ لتسبقنّني وأظنُّ ليقومنَّ لأنه بمنزلة علمت. وقال عزّ وجل: " ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننّه " لأنه موضع ابتداء. ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أيُّهم أفضل لحسن كحسنه في علمت كأنك قلت: ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا. الحروف التي لا تقدِّم فيها الأسماء الفعل فمن تلك الحروف العوامل في الأفعال الناصبة. ألا ترى أنك لا تقول: جئتك كي زيد يقول ذاك ولا خفت أن زيد يقول ذاك. فلا يجوز أن تفصل بين الفعل والعامل فيه بالاسم كما لا يجوز أن تفصل بين الاسم وبين إنّ وأخواتها بفعلٍ. ومما لا تقدَّم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة وتلك: لم ولمّا ولا التي تجزم الفعل في النهيولا التي تجزم في الأمر. ألا ترى أنّه لا يجوز أن تقول: لم زيد يأتك فلا يجوز أن تفصل بينها وبين الفعل بشيء كما لم يجز أن تفصل بين الحروف التي تجرّ وبين الأسماء بالأفعال لأنّ الجزم نظير الجر. ولا تجوز أن تفصل بينها وبين الفعل بحشوٍ كما لا تجوز لك أن تفصل بين الجارّ والمجرور بحشوٍ إلاّ في شعر. ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهة أن تشبَّه بما يعمل في الأسماء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بحشوٍ كراهية أن يشبهوه بما يعمل في الاسم لأنّ الاسم ليس كالفعل وكذلك ما يعمل فيه ليس كما يعمل في الفعل. ألا ترى إلى كثرة ما يعمل في الاسم وقلّة هذا. فهذه الأشياء فيما يجزم أردأ وأقبح منها في نظيرها من الأسماء وذلك أنّك لو قلت: جئتك كي بك يؤخذ زيد لم يجز وصار الفصل في الجزم والنصب أقبح منه في الجرّ لقلّة ما يعمل في الأفعال وكثرة ما ينسى في الأسماء. واعلم أنّ حروف الجزاء يقبح أن تتقدّم الأسماء فيها قبل الأفعال وذلك لأنّهم شبّهوها بما يجزم مما ذكرنا إلا أنّ حروف الجزاء قد جاز فيها ذلك في الشعر لأنّ حروف الجزاء يدخلها فعل ويفعل ويكون فيها الاستفهام فترفع فيها الأسماء وتكون بمنزلة الّذي فلّما كانت تصرَّف هذا التصُّرف وتفارق الجزم ضارعت ما يجبرُّ من الأسماء التي إن شئت استعملتها غير مضافة نحو: ضارب عبد الَّله لأنك إن شئت نوّنت ونصبت وإن شئت لم تجاوز الاسم العامل في الآخر يعني ضاربٍ فلذلك لم تكن مثل لم ولا في النهي واللام في الأمر لأنهن لا يفارقن الجزم. ويجوز الفرق في الكلام في إن إذا لم تجزم في اللفظ نحو قوله: عاود هراة وإن معمورها خربا فإن جزمت ففي الشعر لأنه يشبَّه بلم وإنّما جاز في الفصل ولم يشبه لم لأنّ لم لا يقع بعدها فعل وإنما جاز هذا في إن لأنّها أصل الجزاء ولا تفارقه فجاز هذا كما جاز إضمار الفعل وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيه ضعف في الكلام لأنَّها ليست كإن فلو جاز في إن وقد جزمت كان أقوى إذ جاز فيها فعل. وممَّا جاء في الشعر مجزوماً في غير إن قول عدىَّ بن زيد: فمتى واغلٌ ينبهم يحيّو - ه هو وتعطف عليه كأس الساقي وقال كعب بن جعيل: صعدة نابتة في حائر أينما الريح تميَّلها تمل ولو كان فعل كان أقوى إذ كان ذلك جائزاً في إن في الكلام. واعلم أنًّ قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا إنّما ارتفع على فعلٍ هذا تفسيره كما كان ذلك في قولك: إن زيداً رأيته يكن ذلك لأنه لا تبتدأ بعدها الأسماء ثم يبني عليها. فإن قلت: إن تأتني زيد يقل ذاك جاز على قول من قال: زيداً ضربته وهذا موضع ابتداء ألا ترى أنك لو جئت بالفاء فقلت: إن تأتني فأنا خير لك كان حسناً. وإن لم يحمله على ذلك رفع وجاز في الشعر كقوله: الله يشكرها ومثل الأوّل قول هشام المرّى:

هذا باب الحروف التي لا يليها بعدها إلا الفعل

ولا تغير الفعل عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون قبله شيء منها فمن تلك الحروف قد لا يفصل بينها وبين الفعل بغيره وهو جواب لقوله أفعل كما كانت ما فعل جواباً لهل فعل إذا أخبرت أنه لم يقع. ولمّا يفعل وقد فعل إنَّما هما لقومٍ ينتظرون شيئاً. فمن ثم أشبهت قد لمّا في أنَّها لا يفصل بينها وبين الفعل. ومن تلك الحروف أيضاً سوف يفعل لأنها بمنزلة السين التي في قولك سيفعل. وإنما تدخل هذه السين على الأفعال وإنَّما هي إثبات لقوله لن يفعل فأشبهتها في أن لا يفصل بينها وبين الفعل. ومن تلك الحروف: ربمّا وقلّما وأشباههما جعلوا ربَّ مع ما بمنزلة كلمة واحدة وهيئوها ليذكر بعدها الفعل لأنهم لم يكن لهم سبيل إلى " ربَّ يقول " ولا إلى " قلَّ يقول " فألحقوهما ما وأخلصوهما للفعل. ومثل ذلك: هلا ولولا وألاَّ ألزموهنّ لا وجعلوا كلَّ واحدة مع لا بمنزلة حرف واحد وأخلصوهنّ للفعل حيث دخل فيهن معنى التحضيض. صددن فأطولت الصدود وقلَّما وصال على طول الصدود يدوم واعلم أنّه إذا اجتمع بعد حروف الاستفهام نحو هل وكيف ومن اسم وفعل كان الفعل بأن يلي حرف الاستفهام أولى لأنّها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل. وقد بيِّن حالهنَّ فيما مضى.

هذا باب الحروف التي يجوز أن يليها بعدها الأسماء

ويجوز أن يليها بعدها الأفعال وهي لكن وإنما وكأنما وإذ ونحو ذلك لأنَّها حروف لا تعمل شيئاً فتركت الأسماء بعدها على حالها كأنَّه لم يذكر قبلها شيء فلم يجاوز ذا بها إذ كانت لا تغيَّر ما دخلت عليه فيجعلوا الاسم أولى بها من الفعل. وسألت الخليل عن قول العرب: انتظرني كما آتيك وارقبني كما ألحقك فزعم أن ما والكاف جعلتا بمنزلة حرف واحد وصيِّرت للفعل كما صيِّرت للفعل ربَّما والمعنى لعلِّى آتيك فمن ثم لم ينصبوا به الفعل كما لم ينصبوا بربّما. قال رؤبة: وقال أبو النجم: قلت لشيبان ادن من لقائه كما تغدِّى الناس من شوائه M0ذ باب نفي الفعل إذا قال: فعل فإنَّ نفيه لم يفعل. وإذا قال: قد فعل فإنّ نفيه لمَّا يفعل. وإذا قال: لقد فعل فإنَّ نفيه ما فعل. لأنّه كأنَّه قال: والَّله لقد فعل فقال: والله ما فعل. وإذا قال هو يفعل أي هو في حال فعل فإنَّ نفيه ما يفعل. وإذا قال هو يفعل ولم يكن الفعل واقعاً فنفيه لا يفعل. وإذا قال لفعلنَّ فنفيه لا يفعل كأنّه قال: والَّله ليفعلنَّ فقلت والَّله لا يفعل. وإذا قال: سوف يفعل فإنَّ نفيه لن يفعل M0ا ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء يضاف إليها أسماء الدهر. وذلك قولك: هذا يوم يقوم زيدٌ وآتيك يوم يقول ذاك. وقال الَّله عز وجل: " هذا يوم لا ينطقون " وهذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم ". وجاز هذا في الأزمنة واطّرد فيها كما جاز للفعل أن يكون صفةً وتوسَّعوا بذلك في الدهر لكثرته في كلامهم فلم يخرجوا الفعل من هذا كما لم يخرجوا الأسماء من ألف الوصل نحو ابنٍ وإنما أصله للفعل وتصريفه. ومما يضاف إلى الفعل أيضاً قولك: ما رأيته منذ كان عندي. ومذ جاءني ومنه أيضاً " آية ". قال الأعشى: وقال يزيد بن عمرو بن الصعق: ألا من مبلغٌ عنِّي تميماً بآية ما تحبُّون الطّعاما فما لغو. ومما يضاف إلى الفعل قوله: لا أفعل بذي تسلم ولا أفعل بذي تسلمان ولا أفعل بذي تسلمون المعنى: لا أفعل بسلامتك وذو مضافة إلى الفعل كإضافة ما قبله كأنَّه قال: لا أفعل بذي سلامتك. فذو ههنا الأمر الذي بسلّمك وصاحب سلامتك. ولا يضاف إلى الفعل غير هذا كما أنّ لدن لا تنصب إلاَّ في غدوة. واطَّردت الأفعال في آية اطّرد الأسماء في أتقول إذا قلت: أتقول زيداً منطلقاً شبّهت بتطنّ. وسألته عن قوله في الأزمنة كان ذاك زمن زيد أمير فقال: لمَّا كانت في معنى إذ أضافوها إلى ما قد عمل بعضه في بعضٍ كما يدخلون إذ على ما قد عمل بعضه في بعض ولا يغيّرونه فشبَّهوا هذا بذلك. ولا يجوز هذا في الأزمنة حتَّى تكون بمنزلة إذ. فإن قلت: يكون هذا يوم زيدٌ أميرٌ كان خطأ. حدثنا بذلك يونس عن العرب لأنَّك لا تقول: يكون هذا إذا زيدٌ أميرٌ. جملة هذا الباب أنَّ الزمان إذا كان ماضياً أضيف إلى الفعل وإلى الابتداء والخبر لأنَّه في معنى إذ فأضيف إلى ما يضاف إليه إذ. وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلاَّ إلى الأفعال لأنه في معنى إذا وإذا هذه لا تضاف ألاَّ إلى الأفعال.

هذا باب إنَّ وأنَّ

أمّا أنَّ فهي اسم وما عملت فيه صلةٌ لها كما أن الفعل صلة لأن الخفيفة وتكون أن اسماً. ألا ترى أنك تقول: قد عرفت أنك منطلقٌ فأنّك في موضع اسم منصوب كأنّك قلت: قد عرفت ذاك. وتقول: بلغني أنك منطلقٌ فأنَّك في موضع اسم مرفوع كأنك قلت: بلغني ذاك. فأنّ الأسماء التي تعمل فيها صلةٌ لها كما أنّ أنِ الأفعال التي تعمل فيها صلة لها. ونظير ذلك في أنه وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد لا في غير ذلك قولك: رأيت الضارب أباه زيد فالمفعول فيه لم يغيَّره عن أنّه اسم واحد بمنزلة الرجل والفتى. فهذا في هذا الموضع شبيهٌ بأنّ إذ كانت مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد فهذا ليعلم أنَّ الشيء يكون كأنّه من الحرف الأوّل وقد عمل فيه. وأما إنَّ فإنَّما هي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في أنَّ كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء ولا تكون إنّ إلاّ مبتدأةً وذلك قولك: إنّ زيداً منطلقٌ وإنّك ذاهب.

  هذا باب من أبواب أنّ 

وتقول: لولا أنَّه منطلق لفعلت فأنَّ مبنيَّة على لولا كما تبنى عليها الأسماء. وتقول: لو أنّه ذاهب لكان خيراً له فأنَّ مبنيَّة على لو كما كانت مبنيَّة على لولا كأنك قلت: لو ذاك ثم جعلت أنَّ وما بعدها في موضعه فهذا تمثيل وإن كانوا لا يبنون على لو غير أنّ كما كان تسلم في قولك بذي تسلم في موضع اسم ولكنَّهم لا يستعملون الاسم لأنّهم مما مستغنون بالشيء عن الشيء حتَّى يكون المستغني عنه مسقطاً. وقال الَّله عز وجلّ: " قل لو أنتم تملكون جزائن رحمة ربِّي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق ". وقال: لو بغير الماء حلقي شرق وسألته عن قول العرب: ما رأيته مذ أنَّ الَّله خلقني فقال: أنَّ في موضع اسمٍ كأنه قال: مذ ذاك. وتقول: أما إنَّه ذاهبٌ وأما أنّه منطلق وإذا قال: أما إنّه منطلقٌ فسألت الخليل عن ذلك فقال: إذا قال: أما أنّه منطلقٌ فإنّه يجعله كقولك: حقّاً أنّه منطلقٌ وإذا قال: أما إنّه منطلقٌ فإنّه بمنزلة قوله: ألا كأنَّك قلت: ألا إنَّه ذاهبٌ. وتقول: قد عرفت أنه ذاهب ثم أنه معجل ولأن الآخر شريك الأول في عرفت. وتقول قد عرفت أنه ذاهب ثم إني أخبرك أنه معجل لأنك ابتدأت إني ولم تعجل الكلام على عرفت. أما والَّله ذاهب أنه ذاهبٌ كأنك قلت: قد علمت والَّله أنه ذاهبٌ. وإذا قلت: أما والَّله إنّه ذاهب: كأنك قلت: ألا إنّه والَّله ذاهب. وتقول: رأيته شابّاً وإنّه يفخر يومئذٍ كأنك قلت: رأيته شاباً وهذه حاله. تقول هذا بتداء ولم يجعل الكلام على رأيت. وإن شئت حملت الكلام على الفعل ففتحت. قال ساعدة بن جؤيَّة: رأته على شيب القذال وأنّها تواقع بعلاً مَّرة وتئيمُ وزعم أبو الخطَّاب: أنَّه سمع هذا البيت من أهله هكذا. وسألته عن قوله عز وجلّ: " وما يشعركم إنَّها إذا جاءت لا يؤمنون " ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل فقال: لا يحسن ذا في ذا الموضع إنما قال: وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنَّها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنَّها إذا جاءت لا يؤمنون كان ذلك عذراً لهم. وأهل المدينة يقولون " أنّها ". فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السُّوق أنك تشتري لنا شيئاً أي لعلَّك فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وتقول: إنَّ لك هذا علىّ وأنَّك لا تؤذي كأنك قلت: وإنّ لك أنَّك لا تؤذي. وإن شئت ابتدأت ولم تحمل الكلام على إنَّ لك. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين قال بعضهم: " وإنّك لا تظمأ فيها ". وقال بعضهم: " وأنّك ". واعلم أنه ليسس يحسن لأنَّ أن تلي إنَّ ولا أن كما قبح ابتداؤك الثقيلة المفتوحة وحسن ابتداؤك الخفيفة لأنّ الخفيفة لا تزول عن الأسماء والثقيلة تزول فتبدأه. ومعناها مكسورة ومفتوحة سواء. واعلم أنه ليس يحسن أن تلي إنّ أنَّ ولا أنَّ إنّ. ألا ترى أنك لا تقول إنّ أنّك ذاهبٌ في الكتاب ولا تقول قد عرفت أ إنِّك منطلق في الكتاب. وإنّما قبح هذا ههنا كما قبح في الابتداء ألا ترى أنه يقبح أن تقول أن تقول أنّك منطلقٌ بلغني أو عرفت لأنَّ الكلام بعد أنّ وإن غير مستغنٍ كما أن المبتدأ غير مستغن. وإنما كرهوا ابتداء أنّ لئَّلا يشبِّهوها بالأسماء التي تعمل فيها إنَّ ولئلا يشِّبهوها بأن الخفيفة لأنَّ أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إنّّ وأنَّ. ويقول الرجل للرجل: لم فعلت ذلك فيقول: لم أنّه ظريف كأنه قال: قلت لمه قلت لأنّ ذاك كذلك. وتقول إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم: أي إني تجد إذا ابتدأت كما تبتدىء أي أنا نجد. وإن شئت قلت أي أنِّى نجد كأنك قلت: أي لأنى نجد. تقول: ذلك وأنّ لك عندي ما أحببت وقال الَّله عزّ وجلّ: " ذلكم وأنّ الَّله موهن كيد الكافرين " وقال: " ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النّار " وذلك لأنها شركت ذلك فيما حمل عليه كأنه قال: الأمر ذلك وأن الَّله. ولو جاءت مبتدأه لجازت يدلّك على ذلك قوله عزَّ وجل: " ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمَّ بغى عليه لينصرنّه الَّله. فمن ليس محمولاً على ما حمل عليه ذلك فكذلك يجوز أن يكون إنّ منقطعةً من ذلك قال الأحوص: عوّدت قومي إذا ما لضيَّف نبَّهي عقر العشار على عسري وإيساري إنَّي إذا خفيت نار لمرملةٍ ألفي بأرفع تلٍّ رافعاً ناري ذاك وإنَّي على جاري لذو حدبٍ أحنو عليه بما يحنى على الجار فهذا لا يكون إلاّ مستأنفاً غير محمول على ما حمل عليه ذاك. فهذا أيضاً يقوّى ابتداء إنّ في الأوّل.

هذا باب آخر من أبواب أنّ

تقول: جئتك أنّك تريد المعروف إنَّما أراد: جئتك لأنك تريد المعروف ولكنك حذفت اللام ههنا كما تحذفها من المصدر إذا قلت: أي: لاّدخاره. وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: " وأنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدة وأنا ربُّكم فاتّقون " فقال: إنَّما هو على حذف اللام كأنه قال: ولأنّ هذه أمّتكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتقون. وقال: ونظيرها: " لإيلاف قريشٍ " لأنّه إنما هو: لذلك " فليعبدوا ". فإن حذفت اللام من أن فهو نصبٌ كما أنَّك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً. هذا قول الخليل. ولو قرؤها: " وإنّ هذه أمّتكم أمةً واحدةً " كان جيّداً وقد قرىء. ولو قلت: جئتك إنَّك تحب المعروف مبتدأً كان جيداً. وقال سبحانه وتعالى: " فدعا ربّه أنِّي مغلوبٌ فانتصر ". وقال: " ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه أنَّي لكم نذير مبين " إنما أراد بأنِّي مغلوب وبأنيِّ لكم نذير مبين ولكنه حذف الباء. وقال أيضاً: " وأنّ المساجد لّله فلا تدعوا مع الَّله أحداً " بمنزلة: " وأنّ هذه أمّتكم أمّة واحدةً " والمعنى: ولأنّ هذه أمّتكم فاتقون ولأن المساجد للّه فلا تدعوا مع الَّله أحداً. وأما المفِّسرون فقالوا: على أوحى كما كان " وأنّه لما قام عبد اللّه يدعوه " على أوحي. ولو قرئت: وإنّ المساجد لّله كان حسناً. واعلم أن هذا البيت ينشد على وجهين على إرادة اللام وعلى الابتداء. قال الفرزدق: وسمعنا من العرب من يقول: إنِّي أنا ابنها. وتقول: لبيك إنّ الحمد والنعمة لك وإن شئت قلت أنّ. ولو قال إنسان: إنّ " أنَّ في موضع جرٍّ في هذه الأشياء ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجارّ كما حذفوا ربّ في قولهم: وبلدٍ تحسبه مكسوحا لكان قولاً قوياً. وله نظائر نحو قوله: لاه أبوك والأوّل قول الخليل. ويقوّى ذلك قوله: " وأنّ المساجد للّه " لأنهم لا يقدِّمون أنّ ويبتدئونها ويعملون فيها ما بعدها. إلاّ أنه يحتجُّ الخليل بأنّ المعنى معنى اللام. فإذا كان الفعل أو غيره موصّلاً إليه باللام جاز تقديمه وتأخيره لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى فاحتملوا هذا المعنى كما قال: حسبك ينم الناس إذ كان فيه معنى الأمر. وسترى مثله ومنه ما قد مضى.

هذا باب إنَّما وأنَّما

اعلم أنَّ كلِّ موضع تقع فيه أنَّ تقع فيه أنَّما وما ابتدىء بعدها صلةُ لها كما أنّ الذي ابتدىْ بعد الذي صلة له. ولا تكون هي عاملةً فيما بعدها كما لا يكون الذّي عاملاً فيما بعده. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: " قل إنَّما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنّما إلهكم إله واحدٌ ". وقال الشاعر ابن الإطنابة: أبلغ الحارث بن ظالم المو ** عد والناذر النُّذور عليَّا أنَّما تقتل النِّيام ولا تقت ** ل يقظان ذا سلاحٍ كميَّا فإنّما وقعت أنّما ههنا لأنك لو قلت: أنّ إلهكم إله واحدٌ وأنك تقتل النيام كان حسنا. وإن شئت قلت: إنَّما تقتل النيام على الابتداء، زعم ذلك الخليل. فأمّا إنَّما فلا تكون اسماً وإنّما هي فيما زعم الخليل بمنزلة فعل ملغى مثل: أشهد لزيد خير منك لأنَّها تعمل فيما بعدها ولا تكون إلاَّ مبتدأةً بمنزلة إذا لا تعمل في شيء. واعلم أن الموضع الذي لا يجوز فيه أنَّ لا تكون فيه إنَّما إلاَّ مبتدأةً وذلك قولك: وجدتك إنما أنت صاحب كلّ خنى لم يجز ذلك لأنَّك إذا قلت أرى أنه منطلق فإنما وقع الرأي على شيء لا يكون الكاف التي في وجدتك ونحوها من الأسماء فمن ثم لم يجز لأنك لو قلت وجدتك أنك صاحب كل خنى رأيتك أنك منطلق فإنما أدخلت إنَّما على كلامٍ مبتدأ كأنك قلت: وجدتك أنت صاحب كلِّ خىً ثم أدخلت إنما على هذا الكلام فصار كقولك: إنَّما أنت صاحب كلّ خنىً لأنَّك أدخلتها على كلام قد عمل بعضه في بعض. ولم تضع إنَّما في موضع ذاك إذا قلت وجدتك ذاك لأنّ ذاك هو الأوّل وأنَّما وأنَّ إنّما يصيِّران الكلام شأناً وحديثاً فلا يكون الخبر ولا الحديث الرجل ولا زيداً ولا أشباه ذلك من الأسماء. وقال كثيَّر. أراني ولا كفران لَّله إنَّما ** أواخي من الأقوام كلَّ بخيلٍ لأنه لو قال: " أنَّى " ههنا كان غير جائز لما ذكرنا فإنَّما ههنا بمنزلتها في قولك: زيدٌ إنما يواخي كلَّ بخيل. وهو كلام مبتدأ وإنَّما في موضع خبره كما أنك إذا قلت: كان زيدٌ أبوه منطلق. فهو مبتدأ وهو في موضع خبره. وتقول: وجدت خبره أنَّما يجالس أهل الخبث لأنك تقول: أرى أمره أنَّه يجالس أهل الخبث فحسنت أنَّه ها هنا لأنّ الآخر هو الأوّل.

باب تكون فيه أنَّ بدلا من شيء هو الأول

وذلك قولك: بلغتني قصَّتك أنّك فاعلٌ وقد بلغني الحديثُ أنَّهم منطلقون وكذلك القصّة وما أشبهها.

هذا باب تكون فيه أنَّ بدلاً

من ذلك: " وإذ يعدكم الَّله إحدى الطائفتين أنَّها لكم " فأنَّ مبدلة من إحدى الطَّائفتين موضوعة في مكانها كأنك قلت: وإذ يعدكم الَّله إن ّ إحدى الطائفتين لكم كما أنَّك إذا قلت: رأيت متاعك بعضه فوق بعض فقد أبدلت الآخر من الأول وكأنَّك قلت: رأيت بعض متاعك فوق بعض كما جاء الأوّل على معنى وإذ يعدكم الَّله أنّ إحدى الطائفتين لكم. ومن ذلك قوله عز وجل: " ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنَّهم إليهم لا يرجعون ". فالمعنى والَّله أعلم: ألم يروا أنَّ القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون. ومما جاء مبدلاً من هذا الباب: " أيعدكم أنَّكم إذا متُّم وكنتم تراباً وعظاماً أنَّكم مخرجون " فكأنّه على: أيعدكم أنَّكم مخرجون إذا متّم وذلك أريد بها ولكنّه إنما قدّمت أنَّ الأولى ليعلم بعد أيّ شيءٍ الإخراج. ومثل ذلك قولهم: زعم أنّه إذا أتاك أنَّه سيفعل وقد علمت أنّه إذا فعل أنّه سيمضي. ولا يستقيم أن تبتدىء إنَّ ها هنا كما تبتدىء الأسماء أو الفعل إذا قلت: قد علمت زيداً أبوه خير منك وقد رأيت زيداً يقول أبوه ذاك لأنّ إنَّ لا تبتدأ في كلّ موضع وهذا من تلك المواضع. وزعم الخليل: أ ّ مثل ذلك قوله تبارك وتعالى: " ألم يعلموا أنَّه من يحادد اللَّه ورسوله فأنّ له وسمعناهم يقولون في قول ابن مقبلٍ: وعلمي بأسدام المياه فلم تزل قلائص تخدى في طريقٍ طلائح وأنَّى إذا ملَّت ركابي مناخها فإنِّي على حظَّي من الأمر جامح وإن جاء في الشعر قد علمت أنّك إذا فعلت إنَّك سوف تغتبط به تريد معنى الفاء جاز. والوجه والحدّ ما قلت لك أوّل مرةٍ. وبلغنا أن الأعرج قرأ: " أنَّه من عمل منكم سوأً بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم ". ونظيره ذا البيت الذي أنشدتك.

هذا باب من أبواب أنّ تكون أنّ فيه مبنية على ما قبلها

وذلك قولك: أحقاً أنَّك ذاهبٌ وآلحقَّ أنَّك ذاهب وكذلك إن أخبرت فقلت: حقا " ً أنَّك ذاهبٌ. والحق أنك ذاهب وكذلك أأكبر ظنَّك أنك ذاهبٌ وأجهد رأيك أنَّك ذاهبٌ. وكذلك هما في الخبر. وسألت الخليل فقلت: ما منعهم أن يقولوا: أحقاً إنَّك ذاهبٌ على القلب كأنَّك قلت: إنَّك ذاهبٌ حقاً وإنَّك ذاهب الحقَّ وأنَّك منطلقٌ حقاً فقال: ليس هذا من مواضع إنَّ لأنّ إنَّ لا يبتدأ بها في كل موضع. ولو جاز هذا لجاز يوم الجمعة إنك ذاهب تريد إنك ذاهب يوم الجمعة ولقلت أيضاً لا محالة إنك ذاهبٌ تريد إنك لا محالة ذاهب فلما لم يجز ذلك حملوه على: أفي حقًّ أنَّك ذاهب وعلى: أفي أكبر ظنَّك أنَّك ذاهبٌ وصارت أنَّ مبنيةً عليه كما يبني الرحيل على غدٍ إذا قلت: غداً الرحيل. والدليل على ذلك إنشاد العرب هذا البيت كما أخبرتك. زعم يونس أنه سمع العرب يقولون في بيت الأسود بن يعفر: أحقاً بني أبناء سلمى بن جندلٍ تهدُّدكم إيَّاي وسط المجالس فزعم الخليل: أنَّ التهدّدها هنا بمنزلة الرحيل بعد غدٍ وأنَّ أن بمنزلته وموضعه كموضعه. ونظير: أحقّاً أنَّك ذاهبٌ من أشعار العرب قول العبديّ: أحقّاً أنَّ جيرتنا استقّلوا ** فنيَّتنا ونيَّتهم فريق قال: فريق كما تقول للجماعة: هم صديق. وقال الَّله تعالى جدَّه: " عن اليمين وعن الشَّمال قعيد ". وقال عمر بن أبي ربيعة: أألحق أن دار الرَّباب تباعدت ** أو أنبتَّ حبل أنَّ قلبك طائر ألا أبلغ بني خلفٍ رسولاً ** أحقاً أنّ أخطلكم هجاني فكلُّ هذه البيوت سمعناها من أهل الثقة هكذا. والرفع في جميع ذا حيّد قوىّ وذلك أنَّك إن شئت قلت: أحقُّ أنَّك ذاهبٌ وأأكبر ظنَّك أنك ذاهبٌ تجعل الآخر هو الأول. وأما قولهم: لا محالة أنَّك ذاهبٌ فإنما حملوا أنّ على أنَّ فيه إضمار من على قوله: لا محالة من أنَّك ذاهب كما تقول لا بد أنك ذاهب كأنك قلت لا بد من أنك ذاهب حين لم يجز أن يحملوا الكلام على القلب. وسألته عن قولهم: أمّا حقّاً فإنك ذاهب فقال: هذا جيد وهذا الموضع من مواضع إنَّ. ألا ترى أنَّك تقول: أمّا يوم الجمعة فإنَّك ذاهبٌ وأمّا فيها فإنَّك داخل. فإنما جاز هذا في أماَّ لأنَّ فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شيء فإنَّك ذاهبٌ. وأمّا قوله عزّ وجل: " لا جرم أنَّ لهم النّار " فأنَّ جرم عملت فيها لأنَّها فعل ومعناها: لقد حقَّ أنّ لهم النار. ولقد استحق أن لهم النار وقول المفسَّرين: معناها: حقّاً أنَّ لهم النار يدلُّك أنَّها بمنزلة هذا الفعل إذا مثَّلت فجرم بعد عملت في أنَّ عملها في قول الفزاريّ: ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وزعم الخليل: أنَّ لا جرم إنَّما تكون جواباً لما قبلها من الكلام يقول الرجل كان كذا وكذا وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنَّهم سيندمون أو أنَّه سيكون كذا وكذا. وتقول: أمّا جهذ رأيي فأنَّك ذاهبٌ لأنَّك لم تصطَّرَّ إلى أن تجعله ظرفاً كما اضطررت في الأوّل. وهذا من مواضع إنَّ لأنَّك تقول: أما في رأيي فإنَّك ذاهب أي فأنت ذاهب وإن شئت قلت فأنَّك. وهو ضعيف لأنَّك إذا قلت: أمّا جهد رأيي فإنك عالم لم تضطرّ إلى أن تجعل الجهد ظرفاً للقصة لأنَّ ابتداء إنَّ يحسن ها هنا. وتقول: أمّا في الدار فإنك قائمُ لا يجوز فيه إلاَّ إنَّ تجعل الكلام قصّةً وحديثاً ولم ترد أن تخبر أنّ في الدار حديثه ولكنَّك أردت أن تقول: أما في الدار فأنت قائم فمن ثم لم يعمل في أي شيء أردت أن تقول. أمّا في الدار فحديثك وخبرك قلت: أمّا في الدار فأنّك منطلقٌ أي هذه القصَّة. ويقول الرجل: ما اليوم فتقول: اليوم أنَّك مرتحلٌ كأنَّه قال: في اليوم رحلتك. وعلى هذا الحدّ تقول: أمّا اليوم فأنَّك مرتحلٌ. وأما قولهم: أمّا بعد فإنّ الَّله قال في كتابة فإنه منزلة قولك: أمّا اليوم فإنَّك ولا تكون بعد أبداً مبنياً عليها إذا لم تكن مضافةً ولا مبنّية على شيء إنَّما تكون لغواً. وسألته عن شدَّ ما أنَّك ذاهٌب وعزَّ ما أنَّك ذاهبٌ فقال: هذا بمنزلة حقاً أنّك ذاهٌب كما تقول: أما أنّك ذاهبٌ بمنزلة حقاً أنَّك ذاهبٌ. ولو بمنزلة لولا ولا تبتدأ بعدها الأسماء سوى أنَّ نحو لو أنّك ذاهبٌ. ولولا تبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة لولا وإن لم يجز فيها ما يجوز فيما يشبهها. تقول: لو أنّه ذهب لفعلت. وقال عزّ وجلّ: " لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربيّ ". وإن شئت جعلت شدَّما وعزَّما كنعم ما كأنّك قلت: نعم العمل أنّك تقول الحقَّ. وسألته عن قوله: كما أنّه لا يعلم ذلك فتجاوز الَّله عنه وهذا حقُّ كما أنّك ها هنا فزعم أنّ العاملة في أنَّ الكاف وما لغو إلا أنّ ما لا تحذف من ها هنا كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ كأنَّ كما ألزموا النون لأفعلنَّ واللام قولهم إن كان ليفعل كراهية أن يلتبس اللفظان. ويدلّلك على أن الكاف هي العاملة قولهم: هذا حقُّ مثل ما أنّك ها هنا. وبعض العرب يرفع فيما حدَّثنا يونس وزعم أنه يقول أيضاً: " إنَّه لحقُّ مثل ما أنَّكم تنطقون " فلولا أنَّ ما لغو لم يرتفع مثل وإن نصبت مثل فما أيضاً لغوٌ لأنَّك تقول: مثل أنّك ها هنا. وإن جاءت ما مسقطة من الكاف في الشعر جاز كما قال النابغة الجعدي: قرومٍ تسامى عند باب دفاعه كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا فما لا تحذف ها هنا كما لا تحذف في الكلام من أنَّ ولكنه جاز في الشعر كما حذفت وإن من خريف فلن يعدما هذا بابٌ من أبواب إنَّ تقول: قال عمرو إن زيداًُ خيرٌ منك وذلك لأنّك أردت أن تحكي قوله ولا يجوز أن تعمل قال في إنَّ كما لا يجوز لك أن تعملها في زيد وأشباهه إذا قلت: قال زيدٌ عمروٌ خير الناس فأنَّ لا تعمل فيها قال كما لا تعمل قال فيما تعمل فيه أنَّ لأن أنَّ تجعل الكلام شأناً وأنت لا تقول قال الشأن متفاقماً كما تقول: زعم الشأن متفاقماً. فهذه الأشياء بعد قال حكاية. ومثل ذلك: " وإذ قال موسى لقومه إنّ الّله يأمركم أن تذبحوا بقرة " وقال أيضاً: " قال الَّله إنّى منزَّلها عليكم ". وكذلك جميع ما جاء من ذا في القرآن. وسألت يونس عن قوله: متى تقول أنّه منطلقٌ فقال: إذا لم ترد الحكاية وجعلت تقول مثل تظنُّ قلت: متى تقول أنَّك ذاهبٌ. وإن أردت الحكاية قلت: متى تقول إنّك ذاهبٌ. كما أنَّه يجوز لك أن تحكي فتقول: متى تقول زيد منطلقٌ وتقول: قال عمروٌ إنّه منطلق. فإن جعلت الهاء عمراً أو غيره فلا تعمل قال كما لا تعمل إذا قلت قال عمروٌ هو منطلقٌ. فقال: لم تعمل ها هنا شيئاً وإن كانت الهاء هي القائل كما لا تعمل شيئاً إذا قلت قال وأظهرت هو. فقال لا وكان عيسى يقرأ هذا الحرف: " فدعا ربَّه إنّى مغلوبٌ فانتصر أراد أن يحكي كما قال عزّ وجلّ: " والذَّين اتَّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم " كأنه قال والَّله أعلم: قالوا ما نعبدهم. ويزعمون أنَّها في قراءة ابن مسعود كذا. ومثل ذلك كثيرٌ في القرآن. وتقول: أوّل ما أقول أنّى أحمد الَّله كأنك قلت: أوّل ما أقول الحمد لَّله وأنَّ في موضعه. وإن أردت الحكاية قلت: أول ما أقول إنّي أحمد الّله.

هذا باب آخر من أبواب إن

وذلك قولك: قد قاله القوم حتّى إنَّ زيداً يقوله وانطلق القوم حتّى إنّ زيداً لمنطلق. فحتَّى ها هنا معلَّقة لا تعمل شيئاً في إنَّّ كما لا تعمل إذا قلت: حتى زيد ذاهبٌ فهذا موضع ابتداء وحتَّى بمنزلة إذا. ولو أردت أن تقول حتّى أنّ تقول حتّى أنّ في ذا الموضع كنت محيلا لأنَّ أنَّ وصلتها بمنزلة الانطلاق ولو قلت: انطلق القوم حتّى الانطلاق أو حتّى الخبر كان محالاً لأنَّ أنَّ تصيَّر الكلام خبراً فلما لم يجز ذا حمل على الابتداء. وكذلك إذا قلت: مررت فإذا إنّه يقول أنَّ زيداً خير منك. وسمعت رجلاً من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به: فحال إذا هاهنا كما لهل إذا قلت: إذا هو عبد القفا واللازم وإنما جاءت إن ها هنا لأنَّك هذا المعنى أردت كما أردت في حتَّى معنى حتّى هو منطلق. ولو قلت: مررت فإذا أنّه عبدٌ تريد مررت به فإذا أمره العبوديّة واللؤم كأنَّك قلت: مررت فإذا العبوديّة واللؤم ثم وضعت أنَّ في هذا الموضع جاز. وتقول: قد عرفت أمورك حتَّى أنك أحمق كأنك قلت عرفت أمورك حتى حمقك ثم وضعت أنَّ في هذا الموضع. هذا قول الخليل. وسألته هل يجوز: كما أنّك ههنا على حد قوله: كما أنت هاهنا فقال: لا لأنّ إنَّ لا يبتدأ بها في كل موضع ألا ترى أنّك لا تقول: يوم الجمعة إنّك ذاهب ولا كيف إنك صانع. فكما بتلك المنزلة.

هذا باب آخر من أبواب إنِّ

تقول: ما قدم علينا أمير إِّلا إنّه مكرم لي لأنَّه ليس ههنا شيء يعمل في إنَّ. ولا يجوز أن تكون عليه أنَّ وإنَّما تريد أن تقول: ما قدم علينا أمير إَّلا هو مكرم لي فكما لا تعمل في ذا لا تعمل في إنّ. ودخول اللام ههنا يدلّك على أنه موضع ابتداء. وقال سبحانه: " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إَّلا إنَّهم ليأكلون الطَّعام ". ومثل ذلك قول كثيّر: ما أعطياني ولا سألتهما إّلا وإنِّي لحاجزي كرمى وكذلك لو قال: إَّلا وإنِّي حاجزي كرمى. وتقول: ما غضبت عليك إّلا أنّك فاسقٌ كأنك قلت: إّلا لأنَّك فاسقٌ. وأما قوله عز وجل: " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إَّلا أنهم كفروا بالله " فإّنما حمله على منعهم. وتقول إذا أردت معنى اليمين: أعطيته ما إنَّ شرَّه خير من جيِّد ما معك وهؤلاء الذين إَّن أجنبهم لأشجع من شجعائكم. وقال الله عّز وجّل: " وآتيناه من الكنوز ما إَّن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوَّة فإن صلةٌ لما كأنك قلت: ما والله إّن شرَّه خير من جيّد ما معك.

هذا باب آخر من أبواب إَّن

تقول: أشهد إنّه لمنطلق فأشهد بمنزلة قوله: واللهّ إنّه لذاهب. وإَّن غير عاملة فيها أشهد لأنّ هذه اللام لا تلحق أبدأ إّلا في الابتداء. ألا ترى أنك تقول: أشهد لعبد اّلله خير من زيد كأنك قلت: واللهّ لعبد اللهّ خيرٌ من زيد فصارت إنَّ مبتدأةً حين ذكرت اللام هنا كما كان عبد اّلله مبتدأً حين أدخلت فيه اللام. فإذا ذكرت اللام ههنا لم تكن إّلا مكسورةً كما أنّ عبد اللّه لا يجوز هنا إَّلا مبتدأً. ولو جاز أن تقول: أشهد أنّك لذاهبٌ لقلت أشهد بلذاك. فهذه اللام لا تكون إلاَّ في الابتداء وتكون أشهد بمنزلة واّلله. ونظير ذلك قول اّلله عّز وجلَّ: " واللهّ يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عّز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باّلله إنَّه لمن الصَّادقين " لأنّ هذا توكيدُ كأنّه قال: يحلف باللّه إنه لمن الصادقين. وقال الخليل: أشهد بأنّك لذاهبُ غير جائز من قبل أنَّ حروف الجرّ لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنهّ لمنطلق أتبع آخره أولّه. وإن قلت: أشهد أنّه ذاهبُ وإنه لمنطلقُ. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني لأن اللام لا تدخل أبدا على أنَّ وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إّلا مبتدأةً باللام. ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنّه لخير منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيّهم أفضل معلقةَّ في الموضعين جميعاً. وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء كما تصرف عبد اللّه إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد ولو قلت: قد علمت أنّه لخيرُ منك لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد اّلله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد اّلله إلاَّ وهما مبتدءان. ونظير ذلك قوله عزّ وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ " فهو ههنا مبتدأ. ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزّقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد " فإنكم ههنا بمنزلة أيّهم إذا قلت: ينبئهم أيّهم أفضل. وقال الخليل مثله: إنَّ اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيء فما ههنا بمنزلة أيّهم ويعلم معلقة. قال الشاعر: ألم تر إنّي وابن أسود ليلةً ** لنسري إلى نارين يعلو سناهما سمعناه ممن ينشده من العرب. وسألت الخليل عن قوله: أحقاً إنَّك لذاهبٌ فقال: لا يجوز كما لا يجوز: يوم الجمعة إنّه لذاهبٌ. وزعم الخليل ويونس أنه لا تلحق هذه اللام مع كّل فعل. ألا ترى أنك لا تقول: وعدتك إنّك لخارجٌ إنمّا يجوز هذا في العلم والظنّ ونحوه كما يبتدأ بعدهنّ أيهّم. فإن لم تذكر اللام قلت: قد علمت أنّه منطلقٌ لا تبتدئه وتحمله على الفعل لأنه لم يجيء ما يضطرّك إلى الابتداء وإنما ابتدأت إنَّ حين كان غير جائز أن تحمله على الفعل فإذا حسن أن تحمله على الفعل لم تخطَّ الفعل إلى غيره. ونظير ذلك قوله: إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌّ حملته على الفعل حين لم يجز أن تبتدىء بعد إن الأسماء وكما قال: أما أنت منطلقاً انطلقت معك حين لم يجز إن تبتدىء الكلام بعد أمَّا فاضطررت في هذا الموضع إلى أن تحمل الكلام على الفعل. فإذا قلت: إنّ زيداً منطلقٌ لم يكن في إنَّ إلاّ الكسر لأنَّك لم تضطر إلى شيء. ولذلك تقول: أشهد أنك ذاهبٌ إذا لم تذكر اللام. وهذا نظير هذا. وهذه كلمةٌ تكلّم بها العرب في حال اليمين وليس كلُّ العرب تتكلم بها تقول: لهنَّك لرجل صدق فهي إنَّ ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقوله: هرقت ولحقت هذه اللام إنَّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنَّ فلحقت إنَّ اللام في اليمين كما لحقت ما فاللام الأولى في لهنك لام اليمين والثانية لام إنَّ. وفي لما لينطلقنَّ اللام الأولى لأن والثانية لليمين. والدليل على ذلك النون التي معها كما أنَّ اللام الثانية في قولك: إن زيدا لما ليفعلنَّ لام اليمن وقد يجوز في الشعر: أشهد إنّ زيدا ذاهبٌ يشبهها بقوله: واّلله إنه ذاهبٌ لأن معناها معنى اليمين كما أنّه لو قال: أشهد أنت ذاهبٌ ولم يذكر اللام إلاَّ ابتداءً وهو قبيح ضعيف إلاّ باللام. ومثل ذلك في الضعف: علمت إنَّ زيدا ذاهبٌ كما أنَّه ضعيف: قد علمت عمروٌ خيرٌ منك ولكنَّه على إرادة اللام كما قال عزّ وجل: " قد أفلح من زكَّاها " وهو على اليمين. وكان في هذا حسناً حين طال الكلام. وسألت الخليل عن كأنَّ فزعم أنهَّا إنَّ لحقتها الكاف للتشبيه ولكنهَّا صارت مع إنَّ بمنزلة كلمة واحدة وهي نحو كأيٍّ رجلاً ونحو له كذا وكذا درهماً. وأما قول العرب في الجواب إنَّه فهو بمنزلة أجل. وإذا وصلت قلت إنَّ يا فتى وهي التي بمنزلة أجل. قال الشاعر: بكر العواذل في الصَّبو ** ح يلمنني وألومهنهَّ ويلقن شيبٌ قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنَّه

هذا باب أن وإن

فأحدها أن تكون فيه أن وما تعمل فيه من الأفعال بمنزلة مصادرها والآخر: أن تكون فيه بمنزلة أي. ووجهٌ آخر تكون فيه لغواً. ووجهٌ آخر هي فيه مخففةَ من الثقيلة. فأمّا الوجه الذي تكون فيه لغواً فنحو قولك: لمَّا أن جاءوا ذهبت وأما واللّه أن لو فعلت لأكرمتك. وأما إن فتكون للمجازاة وتكون أن يبتدأ ما بعدها في معنى اليمين وفي اليمين كما قال اّلله عزّ وجلّ: " إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ " " وإن كلّ لما جميع لدينا محضرون ". وحدثني من لا أتهم عن رجل من أهل المدينة موثوق به أنه سمع عربيّا يتكّلم بمثل قولك: إن زيدٌ لذاهبٌ وهي التي في قوله جلّ ذكره: " وإن كانوا ليقولون. لو أنَّ عندنا ذكراً من الأوَّلين " وهذه إنَّ محذوفةٌ. وتكون في معنى ما. قال اللّه عزّ وجلّ: " إن الكافرون إلاَّ في غرورٍ " أي: ما الكافرون إلاّ في غرور. وتصرف الكلام إلى الابتداء كما صرفتها ما إلى الابتداء في قولك: إنمَّا وذلك قولك: ما إن زيدٌ ذاهبٌ. وقال فروة بن مسيك: وما إن طبّنا جبنٌ ولكن منايانا ودولة آخرينا التي تكون والفعل بمنزلة مصدر تقول: أن تأتيني خيرٌ لك كأنّك قلت: الإتيان خيرٌ لك. ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى: " وأن تصوموا خيرٌ لكم " يعني الصوم خيرٌ لكم. وقال الشاعر عبد الرحمن بن حسّان: إنّي رأيت من المكارم حسبكم ** أن تلبسوا حرَّ الثياب وتشبعوا كأنه قال: رأيت حسبكم لبس الثياب. واعلم أنّ اللام ونحوها من حروف الجرّ قد تحذف من أن كما حذفت من أنَّ جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت: فعلت ذاك حذر الشرِّ أي لحذر الشّر. ويكون مجروراً على التفسير الآخر. ومثل ذلك قولك: إنّما انقطع إليك أن تكرمه أي: لأن تكرمه. ومثل ذلك قولك: لا تفعل كذا وكذا أن يصيبك أمر تكرهه كأنّه قال: لأن يصيبك أو من أجل أن يصيبك. وقال عزّ وجل: " أن تضلَّ إحداهما " وقال تعالى: " أأن كان ذا مالٍ وبنين " كأنه قال: ألأن كان ذا مال وبنين. وقال الأعشى: فأن هاهنا حالها في حذف حرف الجرّ كحال أنَّ وتفسيرها كتفسيرها وهي مع صلتها بمنزلة المصدر. ومن ذلك أيضاً قوله: ائتني بعد أن يقع الأمر وأتاني بعد أن وقع الأمر كأنَّه قال: بعد وقوع الأمر. ومن ذلك قوله: أمّا أن أسير إلى الشأم فما أكرهه وأمّا أن أقيم فانّ فيه أجراً كأنه قال: أما السيّرورة فما أكرهها وأمّا الإقامة فلى فيها أجرٌ. وتقول: لا يلبث أن يأتيك أي لا يلبث عن إتيانك. وقال تعالى: " فما كان جواب قومه إلاَّ أن قالوا " فأن محمولة على كان كأنَّه قال: فما كان جواب قومه إلاّ قول كذا وكذا. وإن شئت رفعت الجواب فكانت أن منصوبةً. وتقول: ما منعك أن تأتينا أراد من إتياننا. فهذا على حذف حرف الجرّ. وفيه ما يجيء محمولاً على ما يرفع وينصب من الأفعال تقول: قد خفت أن تفعل وسمعت عربّياً يقول: أنعم أن تشدَّه أي بالغ في أن يكون ذلك هذا المعنى وأن محمولة على أنعم. وقال جلّ ذكره: " بئسما اشتروا به أنفسهم " ثم قال: أن يكفروا على التفسير كأنه قيل له ما هو فقال: هو أن يكفروا. وتقول: إني مّما أن أفعل ذاك كأنه قال: إنّي من الأمر أو من الشأن أن أفعل ذاك فوقعت ما هذا الموقع كما تقول العرب: بئسما له يريدون بئس الشيء ماله. وتقول: ائتني بعد ما تقول ذاك القول كأنك قلت: ائتني بعد قولك ذاك القول كما أنك إذا قلت بعد أن تقول فإنما تريد ذاك ولو كانت بعد مع ما بمنزلة كلمةٍ واحدة لم تقل: ائتني من بعد ما تقول ذاك القول ولكانت الدال على حالٍ واحدة. وإن شئت قلت: إنّي مّما أفعل فتكون ما مع من بمنزلة كلمة واحدة نحو ربمَّا. قال أبو حيّة النميّري: وإنّا لممَّا نضرب الكبش ضربةً على رأسه تلقى اللسان من الفم وتقول إذا أضفت إلى الأسماء: إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل وإن شئت قلت: إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل كأنك قلت: إنّه أهل لأن يفعل ومخافة لأن يفعل. وهذه الإضافة كإضافتهم بعض الأشياء إلى أن. قال: تظلّ الشمس كاسفةً عليه كآبة أنهّا فقدت عقيلاً وتقول: أنت أهلٌ أن تفعل أهلٌ عاملة في أن كأنك قلت: أنت مستحقٌ أن تفعل. وسمعنا فصحاء العرب يقولون: لحقّ أنّه ذاهبٌ فيضيفون كأنه قال: ليقين أنه ذاهبٌ أي ليقين ذاك وتقول: إنّه خليقٌ لأن يفعل وإنّه خليقٌ أن يفعل على الحذف. وتقول: عسيت أن تفعل فأن هاهنا بمنزلتها في قولك: قاربت أن تفعل أي: قاربت ذاك وبمنزلة: دنوت أن تفعل. واخلو لقت السماء أن تمطر أي: لأن تمطر. وعسيت بمنزلة اخلولقت السماء. ولا يستعملون المصدر هنا كما لم يستعملوا الاسم الذي الفعل في موضعه كقولك: اذهب بذي تسلم ولا يقولون: عسيت الفعل ولا عسيت للفعل. وتقول: عسى أن يفعل وعسى أن يفعلوا وعسى أن يفعلا وعسى محمولة عليها أن كما تقول: دنا أن يفعلوا وكما قالوا: اخلولقت السماء أن تمطر وكلَّ ذلك تكلَّم به عامة العرب. وكينونة عسى للواحد والجميع والمؤنثَّ تدلك على ذلك. ومن العرب من يقول: عسى وعسيا وعسوا وعست وعستا وعسين. فمن قال ذلك كانت أن فيهن بمنزلتها في أنَّها منصوبة. واعلم أنَّهم لم يستعملوا عسى فعلك استغنوا بأن تفعل عن ذلك كما استغنى أكثر العرب بعسى عن أن يقولوا: عسيا وعسوا وبلو أنّه ذاهبٌ عن لو ذهابه. ومع هذا أنَّهم لم يستعملوا المصدر في هذا الباب كما لم يستعملوا الاسم الذي في موضعه يفعل في عسى وكاد فترك هذا لأنَّ من كلامهم الاستغناء بالشيء عن الشيء. واعلم أن من العرب من يقول: عسى يفعل يشبهها بكاد يفعل فيفعل حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله: عسى الغوير أبؤساً. فهذا مثل من أمثال العرب أجروا فيه عسى محرى كان. قال هدبة: عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرجٌ قريب وقال: عسى اّلله يغنى بلاد ابن قادرٍ بمنهمرٍ جون الرَّباب سكوب وقال: فأمّا كيَّسٌ فنجا ولكن عسى يغترّ بي حمقٌ لئيم وأمّا كاد فإنَّهم لا يذكرون فيها أن وكذلك كرب يفعل ومعناهما واحد. يقولون: كرب يفعل وكاد يفعل ولا يذكرون الأسماء في موضع هذه الأفعال لما ذكرت لك في الكرّاسة التي تليها. ومثله: جعل يقول لا تذكر الاسم ههنا. ومثله أخذ يقول فالفعل ههنا بمنزلة الفعل في كان إذا قلت: كان يقول وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثمَّ وهو ثمَّ خبرٌ كما أنه ههنا خبر إلاَّ أنَّك لا تستعمل الاسم فأخلصوا هذه الحروف للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال نحو: هلاَّ وألاَّ. قد كاد من طول البلى أن يمصحا والمحص مثله. وقد يجوز في الشعر أيضاً لعلِّى أن أفعل بمنزلة عسيت أن أفعل. وتقول: يوشك أن تجيء وأن محمولة على يوشك. وتقول: توشك أن تجيء فأن في موضع نصب كأنك قلت: قاربت أن تفعل. وقد يجوز يوشك يجيء بمنزلة عسى يجيء وقال أمّية بن أبي الصَّلت: يوشك من فرَّ من منيّته في بعض غرّاته يوافقها وهذه الحروف التي هي لتقريب الأمور شبيهةٌ بعضها ببعض ولها نحو ليس لغيرها من الأفعال. وسألته عن معنى قوله: أريد لأن أفعل إنَّما يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال عزَّ وجلَّ: " وأمرت لأن أكون أوَّل المسلمين " إنمّا هو أمرت لهذا. وسألت الخليل عن قول الفرزدق: أتغضب إن أذنا قتيبة حزَّتا جهاراً ** ولم تغضب لقتل ابن خازم فقال: لأنه قبيح أن تفصل بين إن والفعل كما قبح أن تفصل بين كي والفعل فلمّا قبح ذلك ولم باب ما تكون فيه أن بمنزلة أي وذلك قوله عزّ وجل: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا " زعم الخليل أنه بمنزلة أي لأنّك إذا قلت: انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي ومثل ذلك: ما قلت لهم إلاَّ ما أمرتني به أن اعبدوا اّلله. وهذا تفسير الخليل. ومثل هذا في القرآن كثير. وأما قوله: كتبت إليه أن افعل وأمرته أن قم فيكون على وجهين: على أن تكون أن التي تنصب الأفعال ووصلتها بحرف الأمر والنهي كما تصل الذي بتفعل إذا خاطبت حين تقول أنت الذي تفعل فوصلت أن بقم لأنه في موضع أمر كما وصلت الذي بتقول وأشباهها إذا خاطبت. والدليل على أنها تكون أن التي تنصب أنَّك تدخل الباء فتقول: أوعزت إليه بأن افعل فلو كانت أي لم تدخلها الباء كما تدخلها الباء كما تدخل في الأسماء. والوجه الآخر: أن تكون بمنزلة أي كما كانت بمنزلة أي في الأوّل. وأمّا قوله عزَّ وجلَّ: " وآخر دعواهم أن الحمد للهّ ربّ العالمين " وآخر قولهم أن لا إله إلاّ الله فعلى قوله أنّه الحمد لله ولا إله إلا اّلله. ولا تكون أن التي تنصب الفعل لأنّ تلك لا يبتدأ بعدها الأسماء. ولا تكون أي لآنّ أي إنّما تجيء بعد كلام مستغنٍ ولا تكون في موضع المبنيِّ على المبتدأ. ومثل ذلك: وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدَّقت الرّؤيا كأنه قال جلّ وعزّ: ناديناه أنَّك قد صدّقت الرؤيا يا إبراهيم. وقال الخليل: تكون أيضاً على أي. وإذا قلت: أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي وإن أدخلت الباء على أنَّك وأنَّه فكأنه يقول: أرسل إليه بأنَّك ما أنت وذا جاز ويدّلك على ذلك: أنَّ العرب قد تكلّم به في ذا الموضع مثقلاً. ومن قال: والخامسة أن غضب اّلله عليها فكأنه قال: أنَّه غضب اّلله عليها لا تخِّففها في الكلام أبداً وبعدها الأسماء إلاَّ وأنت تريد الثقيلة مضمراً فيها الاسم فلو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون في الشعِّر إذا اضطروا بكأن إذا خففّوا يريدون معنى كأنَّ ولم يريدوا الإضمار وذلك قوله: كأن وريديه رشاء خلب وهذه الكاف إنَّما هي مضافة إلى أنّ فلمَّا اضطررت إلى التخفيف فلم تضمر لم يغيِّر ذلك في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل كأنه قال: أنَّه هالك: ٌ ومثل ذلك: أوّل ما أقول أن بسم الله كأنه قال: أوّل ما أقول أنَّه بسم الله. وإن شئت رفعت في قول الشاعر: كأن وريداه رشاء خلب على مثل الإضمار الذي في قوله: إنَّه من يأتها تعطه أو يكون هذا المضمر هو الذي ذكر كما قال: كأن ظبيةٌ تعطو إلى وارق السَّلم ولو أنَّهم إذ حذفوا جعلوه بمنزلة إنما كما جعلوا إن بمنزلة لكن لكان وجهاً قويّا. وأمّا قوله: أن بسم الله فإنما يكون على الإضمار لأنّك لم تذكر مبتدأ أو مبنيّاً عليه. والدليل على أنهم إنّما يخففّون على إضمار الهاء أنك تستقبح: قد عرفت أن يقول ذاك حتّى تقول أن لا أو تدخل سوف أو السين أو قد. ولو كانت بمنزلة حروف الابتداء لذكرت الفعل مرفوعاً بعدها كما تذكره بعد هذه الحروف كما تقول: إنما تقول ولكن تقول وذلك قولك: قد علمت أن لا يقول ذاك وقد تيقّنت أن لا تفعل ذاك كأنه قال: أنَّه لا يقول وأنَّك لا تفعل. ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " علم أن سيكون منكم مرضى " وقوله: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً " وقال أيضاً: " لئلاَّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء ". وزعموا أنَّها في مصحف أبيّ ٍ: أنَّهم لا يقدرون. وليست أن التي تنصب الأفعال تقع في هذا الموضع لأنّ ذا موضع يقين وإيجابٍ. وتقول: كتبت إليه أن لا تقل ذاك وكتبت غليه أن لا يقول ذاك وكتبت إليه أن لا تقول ذاك. فأمّا الجزم فعلى الأمر. وأمّا النصب فعلى قولك لئلاَّ يقول ذاك. وأمّا الرفع فعلى قولك: لأنّك لا تقول ذاك أو بأنَّك لا تقول ذاك تحبره بأنّ ذا قد وقع من أمره. فأمّا ظننت وحسبت وخلت ورأيت فانَّ أن تكون فيها على وجهين: على أنها تكون أن التي تنصب الفعل وتكون أنَّ الثقيلة. فإذا رفعت قلت: قد حسبت أن لا يقول ذاك وأرى أن سيفعل ذاك. ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا حتى تكون أنّه. وقال عزَّ وجلَّ: " وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ " كأنك قلت: قد حسبت أنَّه لا يقول ذاك. وإنمّا حسنت أنَّه ههنا لأنك قد أثبتَّ هذا في ظِّنك كما أثبتَّه في علمك وأنَّك أدخلته في ظنّك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن أنَّك ههنا ولا أنَّه فجرى الظنّ ههنا مجرى اليقين لأنَّه نفيه. وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت فتقول: ظننت أن لا تفعل ذاك. ونظير ذلك: تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ و: إن ظنَّا أن يقيما حدود الله. فلا إذا دخلت ههنا لم تغيرّ الكلام عن حاله وإنمّا منع خشيت أن تكون بمنزلة خلت وظننت وعلمت إذا أردت الرفع أنك لا تريد أن تخبر أنك تخشى شيئاً قد ثبت عندك ولكنه كقولك: أرجو وأطمع وعسى. فأنت لا توجب إذا ذكرت شيئاً من هذه الحروف ولذلك ضعف أرجو أنَّك تفعل وأطمع أنَّك فاعلٌ. ولو قال رجلٌ: أخشى أن لا تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمراً قد استقرّ عنده كائن جاز. وليس وجه الكلام. واعلم أنَّه ضعيفٌ في الكلام أن تقول: قد علمت أن تفعل ذاك ولا قد علمت أن فعل ذاك حتَّى تقول: سيفعل أو قد فعل أو تنفي فتدخل لا وذلك لأنَّهم جعلوا ذلك عوضاً مما حذفوا من أنَّه فكرهوا أن يدعوا السين أو قد إذ قدروا على أن تكون عوضاً ولا تنقص ما يريدون لو لم يدخلوا قد ولا السين. وأمّا قولهم: أما أن جزاك اللّه خيراٍ فإنَّهم إنما أجازوه لأنه دعاءٌ ولا يصلون إلى قد ههنا ولا إلى السين. وكذلك لو قلت: أما أن يغفر اللّه لك جاز لأنّه دعاءٌ ولا تصل هنا إلى السين. ومع هذا أيضاً أنَّه قد كثر في كلامهم حتّى حذفوا فيه إنَّه وإنَّه لا تحذف في غير هذا الموضع. سمعناهم يقولون: أما إن جزاك الله خيراً شبهّوه بأنَّه فلمَّا جازت إنَّ كانت هذه أجوز. وتقول: ما علمت إلاَّ أن أن تقوم وما أعلم إلا أن تأتيه إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئاً كائناً البتّة ولكنك تكلّمت به على وجه الإشارة كما تقول: أرى من الرأي أن تقوم فأنت لا تخبر أنّ قياماً قد ثبت كائناً أو يكون فيما تستقبل البتَّة فكأنه قال: لو قمتم. فلو أراد غير هذا المعنى لقال: ما علمت إلاَّ أن ستقومون. وإنمَّا جاز قد علمت أن عمروٌ ذاهبٌ لأنّك قد جئت بعده باسم وخبر كما كان يكون بعده لو ثقَّلته وأعملته فلمَّا جئت بالفعل بعد أن جئت بشيء كان سيمتنع أن يكون بعده لو ثقّلته أو قلت: قد علمت أن يقول ذاك كان يمتنع فكرهوا أن يجمعوا عليه الحذف وجواز ما لم يكن يجوز بعده مثقّلا فجعلوا هذه الحروف عوضاً.

هذا باب أم وأو

أمّا أم فلا يكون الكلام بها إلاَّ استفهاماً. ويقع الكلام بها في الاستفهام على وجهين: على معنى أيّهما وأيهّم وعلى أن يكون الاستفهام الآخر منقطعاً من الأوّل. وأمّا أو فإنما يثبت بها بعض الأشياء وتكون في الخبر. والاستفهام يدخل عليها على ذلك الحّد. وسأبيّن لك وجوهه إن شاء اللّه تعالى.

باب أم

إذا كان الكلام بها بمنزلة أيّهما وأيّهم وذلك قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ وأزيداً لقيت أم بشراً فأنت الآن مدَّع أنَّ عنده أحدهما لأنَّك إذا قلت: أيهما عندك وأيَّهما لقيت. فأنت مدّعٍ أنّ المسئول قد لقي أحدهما أو أنّ عنده أحدهما الاَّ أن علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهّما هو. والدليل على أن قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ بمنزلة قولك: أيّهما عندك أنَّك لو قلت: أزيدٌ عندك أم بشرٌ فقال المسئول: لا كان محالا كما أنَّه إذا قال: أيهّما عندك فقال: لا فقد أحال. واعلم أنّك إذا أردت هذا المعنى فتقديم الاسم أحسن لأنك لا تسأله عن اللّقى وإنَّما تسأله عن أحد الاسمين لا تدري أيّهما هو فبدأت بالاسم لأنَّك تقصد قصد أن يبين لك أيّ الاسمين في هذا الحال وجعلت الاسم الآخر عديلاً للأوّل فصار الذي لا تسأل عنه بينهما. ولو قلت: ألقيت زيداً أم عمراً كان جائزاً حسناً أو قلت: أعندك زيدٌ أم عمرو كان كذلك. وإنّما كان تقديم الاسم ههنا أحسن ولم يجز للآخر إلاَّ أن يكون مؤخراً لأنه قصد قصد أحد الاسمين فبدأ بأحدهما لأنّ حاجته أحدهما فبدأ به مع القصة التي لا يسأل عنها لأنّه إنّما يسأل عن أحدهما من أجلها فإنما يفرغ مما يقصد قصده بقصّته ثم يعدله بالثاني. ومن هذا الباب قوله: ما أبالي أزيداً لقيت أم عمراً وسواءٌ عليَّ أبشراً كلّمت أم زيدا كما تقول: ما أبالي أيَّهما لقيت. وإنَّما جاز حرف الاستفهام ههنا لأنّك سوّيت الأمرين عليك كما استويا حين قلت: أزيدٌ عندك أم عمرو فجرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النِّداء قولهم: اللهمَّ اغفر لنا أيَّتها العصابة. وإنمّا لزمت أم ههنا لأنّك تريد معنى أيَّهما. ألا ترى أنَّك تقول: ما أبالي أيّ ذلك كان وسواءٌ عليَّ أيّ ذلك كان فالمعنى واحد وأيّ ههنا تحسن وتجوز كم جازت في المسألة. ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ فإنَّما أوقعت أم ههنا كما أوقعته في الذي قبله لأنّ ذا يجرى على حرف الاستفهام حيث استوى علمك فيهما كما جرى الأوّل. ألا ترى أنّك تقول ليت شعري أيّهما ثمّ وما أدري أيهّما ثمَّ فيجوز أيهّما ويحسن كما جاز في قولك: أيهّما ثمَّ. وتقول: أضربت زيداً أم قتلته فالبدء ههنا بالفعل أحسن لأنّك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيّهما كان ولا تسأل عن موضع أحدهما فالبدء بالفعل ههنا أحسن كما كان البدء بالاسم ثمَّ فيما ذكرنا أحسن كأنّك قلت: أيّ ذاك كان بزيدٍ. وتقول: أضربت أم قتلت زيداً لأنك مدَّعٍ أحد الفعلين: ولا تدري أيهمّا هو كأنك قلت: أيّ ذاك كان بزيد. وتقول: ما أدري أقام أم قعد إذا أردت: ما أدري أيّهما كان. وتقول: ما أدري أقام أو قعد إذا أردت: أنه لم يكن بين قيامه وقعوده شيءٌ كأنّه قال: لا أدَّعي أنه كان منه في تلك الحال قيامٌ ولا قعودٌ بعد قيامه أي: لم أعدَّ قيامه قياماً ولم يستبن لي قعودٌ بعد قيامه وهو كقول الرجل: تكلمت ولم تكلَّم.

هذا باب أم منقطعةً

وذلك قولك: أعمروٌ عندك أم عندك زيدٌ فهذا ليس بمنزلة: أيهَّما عندك. ألا ترى أنك لو قلت: ويدلّك على أن هذا الآخر منقطعٌ من الأوّل قول الرجل: إنِّها لإبلٌ ثم يقول: أم شاءٌ يا قوم. فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعةً كذلك تجيء بعد الاستفهام وذلك أنه حين قال: أعمروٌ عندك فقد ظنَّ أنَّه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في زيد بعد أن استغنى كلامه وكذلك: إنها لإبلٌ أم شاءٌ إنّما أدركه الشكّ حيث مضى كلامه على اليقين. وبمنزلة أم ههنا قوله عزّ وجلَّ: " آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين. أم يقولون افتراه " فجاء هذا الكلام على كلام العرب قد علم تبارك وتعالى وذلك من قولهم ولكن هذا على كلام العرب ليعرَّفوا ضلالتهم. ومثل ذلك: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين كأنَّ فرعون قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء. فقوله: أم أنا خيرٌ من هذا بمنزلة: أم أنتم بصراء لأنّهم لو قالوا: أنت خيرٌ منه كان بمنزلة قولهم: نحن بصراء عنده وكذلك: أم أنا خيرٌ بمنزلته لو قال: أم أنتم بصراء. ومثل ذلك قوله تعالى: " أم اتَّخذ ممَّا يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين ". فقد علم النبي ﷺ والمسلمون: أنّ الله عزّ وجلَّ لم يتخَّذ ولداً ولكنه جاء حرف الاستفهام ليبصَّروا ضلالتهم. ألا ترى أنّ الرجل يقول للرجل: آلسعادة أحبّ إليك أم الشقّاء وقد علم أنّ السعادة ومن ذلك أيضاً: أعندك زيدٌ أم لا كأنه حيث قال: أعندك زيدٌ كان يظنّ أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في أنه ليس عنده فقال: أم لا. وزعم الخليل أنّ قول الأخطل: كذبتك عنك أم رأيت بواسطٍ غلس الظلاّم من الرَّباب خيالا كقولك: إنَّها لإبلٌ أم شاءٌ. ومثل ذلك قول الشاعر وهو كثَّير عزّة: أليس أبي بالَّنضر أم ليس والدي لكلّ نجيبً من خزاعة أزهرا ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك الاستفهام ويحذف الإلف. قال التميمي وهو الأسود بن يعفر: لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر وقال عمر بن أبي ربيعة: لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان هذا باب أو تقول: أيَّهم تضرب أو تقتل تعمل أحدهما ومن يأتيك أو يحدّثك أو يكرمك لا يكون ههنا إلاَّ أو من قبل أنك إنما تستفهم عن الاسم المفعول وإنما حاجتك إلى صاحبك أن يقول: فلانٌ. وعلى هذا الحدّ يجرى ما ومتى وكيف وكم وأين. وتقول: هل عندك شعيرٌ أو برٌّ أو تمرٌ وهل تأتينا أو تحدّثنا لا يكون إلاَّ ذلك. وذاك أنّ هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام لأنك إذا قلت: هل تضرب زيداً فلا يكون أن تدَّعي أنّ الضرب واقعٌ وقد تقول: أتضرب زبداً وأنت تدَّعي أنَّ الضرب واقعٌ. ومما يدلّك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل: أطرباً! وأنت تعلم أنّه قد طرب لتوبَّخه وتقِّرره. ولا تقول هذا بعد هل. وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدّثني وهل عندك برٌّ أم شعيرٌ على كلامين. وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا. وعلى هذا قالوا: هل تأتينا أم هل تحدّثنا. قال زفر بن الحارث: أبا مالك هل لمتنى مذ حضضتني على القتل أم هل لامني لك لائم وكذلك سمعناه من العرب. فأمَّا الذين قالوا: أم هل لامني لك لائم فإنَّما قالوه على أنه أدركه الظنّ بعد ما مضى صدر حديثه. وأمّا الذين قالوا: أو هل فإنَّهم جعلوه كلاماً واحداً. وتقول: ما أدري هل تأتينا أو تحدّثنا وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا فهل ههنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت: هل تأتينا وإنما أدخلت هل ههنا لأنك إنما تقول: أعلمني كما أردت ذلك حين قلت: هل تأتينا أو تحدثّنا فجرى هذا مجرى قوله عزَّ وجلَّ: " هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرّون " وقال زهير: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بداليا وقال مالك بن الريب: ألا ليت شعري هل تغيرَّت الرَّحا رحا الحزن أو أضحت بفلجٍ كما هيا فهذا سمعناه ممن ينشده من بني عِّمه. وقال أناسٌ: أم أضحت على كلامين كما قال علقمة بن عبدة: هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته إثر الأحبّة يوم البين مشكوم هذا باب آخر من أبواب أو تقول: ألقيت زيداً أو عمراً أو خالداً وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ كأنّك قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء وذلك أنّك للم تدَّع أن أحداً منهم ثمَّ. ألا ترى أنه إذا أجابك قال: لا كما يقول إذا قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء. واعلم أنَّك إذا أردت هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن لأنّك إنَّما تسأل عن الفعل بمن وقع. ولو قلت: أزيداً لقيت أو عمراً أو خالداً وأزيدٌ عندك أو عمروٌ أو خالدٌ كان هذا في الجواز والحسن بمنزلة تأخير الاسم إذا أردت معنى أيهّما. فإذا قلت: أزيدٌ أفضل أم عمرو لم يجز ههنا إلاَّ أم لأنّك إنَّما تسأل عن أفضلهما ولست تسأل عن صاحب الفضل. ألا ترى أنَّك لو قلت: أزيدٌ أفضل لم يجز كما يجوز: أضربت زيداً فذلك يدلّك أنّ معناه معنى أيهّما. إلا أنَّك إذا سألت عن الفعل استغنى بأوّل اسم. ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ أفضل أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ أفضل أم عمروّ. فهذا كلّه على معنى أيّهما أفضل. وتقول: ليت شعري ألقيت زيداً أو عمراً وما أدري أعندك زيدٌ أو عمروٌ فهذا يجري مجرى ألقيت زيداً أو عمراً وأعندك زيدٌ أو عمروٌ. فإن شئت قلت: ما أدري أزيدٌ عندك أو عمروٌ فكان جائزا حسا كما جاز أزيدٌ عندك أو عمرو. وتقديم الاسمين جميعاً مثله وهو مَّؤخر وإن كانت أضعف. فأما إذا قلت: ما أبالي أضربت زيداً أم عمراً فلا يكون هنا إلاَّ أم لأنه لا يجوز لك السكوت على أوّل الاسمين فلا يجيء هذا إلاَّ على معنى أيهَّما وتقديم الاسم ههنا أحسن. وتقول: أتجلس أو تذهب أو تحدّثنا وذلك إذا أردت هل يكون شيء من هذه الأفعال. فأمَّا إذا ادَّعيت أحدهما فليس إلاَّ أتجلس أم تذهب أم تأكل كأنَّك قلت: أيَّ هذه الأفعال يكون منك. وتقول: أتضرب زيداً أم تشم عمراً أم تكلّم خالداً. ومثل ذلك أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً إذا أردت هل يكون شيء من ضرب واحد من هؤلاء. وإن أردت أيّ ضرب هؤلاء يكون قلت: أم. قال حسّان بن ثابت: ما أبالي أنبَّ بالحزن تيسٌ أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم كأنه قال: ما أبالي أيّ الفعلين كان. وتقول: أزيداً أو عمراً رأيت أم بشراً وذلك أنَّك لم ترد أن تجعل عمراً عديلاً لزيد حتى يصير بمنزلة أيّهما ولكنَّك أردت أن يكون حشواً فكأنك قلت: أأحد هذين رأيت أم بشراً. ومثل ذلك قول صفَّية بنت عبد المطلب: وذلك أنَّها لم ترد أن تجعل لتمر عديلاً للأقط لأنّ المسئول عندها لم يكن عندها ممن قال: هو إما تمرٌ وإمّا أقطٌ وإمّا قرشيٌّ ولكنها قالت: أهو طعامٌ أم قرشيٌّ فكأنها قالت: أشيئاً من هذين الشيئين رأيته أم قرشياً. وتقول: أعندك زيدٌ أو عندك عمروٌ أو عندك خالدٌ كأنَّك قلت: هل عندك من هذه الكينونات شيءٌ فصار هذا كقولك: أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً. ومثل ذلك: أتضرب زيداً أو عمراً أو خالداً وتقول: أعاقلٌ عمروٌ أو عالمٌ وتقول: أتضرب عمرا أو تشتمه تجعل الفعلين والاسم بينهما بمنزلة الاسمين والفعل بينهما لأنَّك قد أثبتَّ عمراً لأحد الفعلين كما أثبتَّ الفعل هناك لأحد الاسمين وادعَّيت أحدهما كما ادَّعيت ثمَّ أحد الاسمين. وإن قدّمت الاسم فعربيٌّ حسن. وأمّا إذا قلت: أتضرب أو تحبس زيداً فهو بمنزلة أزيدا أو عمراً تضرب. قال جرير: أثعلبة الفوارس أو رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا وإن قلت: أزيدا تضرب أو تقتل كان كقولك: أتقتل زيداً أو عمراً وأم في كلّ هذا جيدّةٌ. وإذا قال: أتجلس أم تذهب فأم وأو فيه سواءٌ لأنّك لا تستطيع أن تفصل علامة المضمر فتجعل لأو حالاً سوى حال أم. وكذلك: أتضرب زيداً أو تقتل خالداً لأنَّك لم تثبت أحد وإن أردت معنى أيّهما في هذه المسألة قلت: أتضرب زيداً أم تقتل خالدا لأنَّك لم تثبت أ الفعلين لاسمٍ واحد.

هذا باب أو في غير الاستفهام

تقول: جالس عمراً أو خالدا أو بشراً كأنَّك: قلت: جالس أحد هؤلاء ولم ترد إنساناً بعينه ففي هذا دليلٌ أنّ كلهم أهلٌ أن يجالس كأمَّك قلت: جالس هذا الضرب من الناس. وتقول: كل لحماً أو خبزا أو تمراً كأنك: قلت: كل أحد هذه الأشياء. فهذا بمنزلة الذي قبله. وإن نفيت هذا قلت: لا تأكل خبزا أو لحما أو تمرا. كأنك قلت: لا تأكل شيئاً من هذه الأشياء. ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً " أي: لا تطع أحداً من هؤلاء. وتقول: كل خبزا أو تمراً أي: لا تجمعهما. ومثل ذلك أن تقول: ادخل على زيد أو عمرو أو خالدٍ أي: لا تدخل على أكثر من واحدٍ من هؤلاء. وإن شئت جئت به على معنى ادخل على هذا الضرب. وتقول: خذه بما عزَّ أو هان كأنه قال: خذه بهذا أو بهذا أي لا يفوتَّنك على كل حال ومن العرب من يقول: خذه بما عن وهان أي خذه بالعزيز والهّين وكلّ واحدة منهما تجزئ عن أختّها. وتقول: لأضربنَّه ذهب أو مكث كأنه قال: لأضربنَّه ذاهباً أو ماكثاً ولأضربنَّه إن ذهب أو مكث. وقال زيادة بن زيد العذريّ: إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أو تناهى فأقصرا وقال: فلست أبالي بعد يوم مطرّفٍ حتوف المنايا أكثرت أو أقلَّت وزعم الخليل أنَّه يجوز: لأضربنَّه أذهب أم مكث وقال: الدليل على ذلك أنَّك تقول: لأضربنَّك أيّ ذلك كان. وإنما فارق هذا سواء وما أبالي لأنَّك إذا قلت: سواءٌ عليَّ أذهبت أم مكثت فهذا الكلام في موضع سواءٌ عليَّ هذان. وإذا قلت: ما أبالي أذهبت أم مكثت هو في موضع: ما أبالي واحداً من هذين. وأنت لا تريد أن تقول في الأوّل: لأضربنَّ هذين ولا تريد أن تقول: تناهيت هذين ولكنك إنَّما تريد أن تقول: إن الأمر يقع على إحدى الحالين. ولو قلت: لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز لأنَّك لو أردت معنى أيهّما قلت: أم مكث ولا يجوز لأضربنَّه مكث فلهذا لا يجوز: لأضربنَّه أذهب أو مكث كما يجوز: ما أدري أقام زيدٌ أو قعد. ألا ترى أنَّك تقول: ما أدري أقام كما تقول: أذهب وكما تقول: أعلم أقام زيدٌ ولا يجوز أن تقول: لأضربنَّه أذهب. وتقول: وكلّ حقٍ له سميّناه في كتابنا أو لم نسمِّه كأنه قال: وكلّ حقّ له علمناه أو جهلناه وكذلك كلّ حقٍّ هو لها داخلٍ فيها أو خارجٍ منها كأنّه قال: إن كان داخلاً أو خارجاً. وإن شاء أدخل الواو كما قال: بما عزَّ وهان. وقد تدخل أم في: علمناه أو جهلناه وسمّيناه أو لم نسّمه كما دخلت في: أذهب أم مكث وتدخل أو على وجهين: على أنه يكون صفة للحقّ وعلى أن يكون حالاً كما قلت: لأضربنَّه ذهب أو مكث أي: لأضربنَّه كائناً ما كان. فبعدت أم ههنا حيث كان خبراً في موضع ما ينتصب حالاً وفي موضع الصفة.

باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام

وذلك قولك: هل وجدت فلاناً عند فلانٌ فيقول: أو هو ممن يكون ثمَّ أدخلت ألف الاستفهام. وهذه الواو لا تدخل على ألف الاستفهام وتدخل عليها الألف فإنما هذا استفهامٌ مستقبلٌ بالألف ولا تدخل الواو على الألف كما أنّ هل لا تدخل على الواو. فإنمّا أرادوا أن لا يجروا هذه الألف مجرى هل إذ لم تكن مثلها والواو تدخل على هل. وتقول: ألست صاحبنا أو لست أخانا ومثل ذلك: أما أنت أخانا أو ما أنت صاحبنا وقوله: ألا تأتينا أو لا تحدّثنا إذا أردت التقرير أو غيره ثم أعدت حرفاً من هذه الحروف لم يحسن الكلام إلا أن تستقبل الاستفهام. وإذا قلت: ألست أخانا أو صاحبنا أو جليسنا فإنك إنما أردت أن تقول: ألست في بعض هذه الأحوال وإنمّا أردت في الأوّل أن تقول: ألست في هذه الأحوال كلِّها. ولا يجوز أن تريد معنى ألست صاحبنا أو جليسنا أو أخانا وتكرِّر لست مع أو إذا أردت أن تجعله في بعض هذه الأحوال ألا ترى أنّك إذا أخبرت فقلت: لست بشراً أو لست عمراً أو قلت: ما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو لم يجيء إلاّ على معنى لا بل ما أنت بعمرو ولا بل لست بشراً. وإذا أرادوا معنى أنّك لست واحداً منهما قالوا: لست عمرا ولا بشرا أو قالوا: أو بشرا كما قال عزَّ وجل: " ولا تطع منهم آثما أو كفوراً. ولو قلت: أو لا تطع كفورا انقلب المعنى. فينبغي لهذا أن يجيء في الاستفهام بأم منقطعاً من الأوّل لأن أو هذه نظيرتها في الاستفهام أم وذلك قولك: أما أنت بعمرو أم ما أنت ببشر كأنّه قال: لا بل ما أنت ببشر. وذلك: أنّه أدركه الظنّ في أنه بشرٌ وهذه الواو التي دخلت عليها ألف الاستفهام كثيرةٌ في القرآن. قال الله تعالى جدّه: " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحّى وهم يلعبون ". فهذه الواو بمنزلة الفاء في قوله تعالى: " أفأمنوا مكر لله " وقال عزَّ وجلَّ: " أئنَّا لمبعوثون. أو آباؤنا الأوَّلون " وقال: " أو كلّما عاهدوا عهداً ".

باب تبيان أم لم دخلت على حروف الاستفهام ولم تدخل على الألف

تقول: أم من تقول أم من تقول ولا تقول: أم أتقول وذاك لأنّ أم بمنزلة الألف وليست: أيّ ومن وما ومتى بمنزلة الألف وإنّما هي أسماء بمنزلة: هذا وذاك إلاَّ أنهم تركوا ألف الاستفهام ههنا إذ كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة فلمّا علموا أنه لا يكون إلا كذلك استغنوا عن الألف. وكذلك هل إنمَّا تكون بمنزلة قد ولكنّهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع إلاَّ في الاستفهام. فلت: فما بال أم تدخل عليهن وهي بمنزلة الألف قال: إنّ أم تجيء ههنا بمنزلة لا بل للتحوَّل من الشيء إلى الشيء والألف لا تجيء أبداً إلاَّ مستقبلةً فهم قد استغنوا في الاستقبال عنها واحتاجوا إلى أم إذ كانت لترك شيءً إلى شيء لأنهم لو تركوها فلم يذكروها لم يتبيّن المعنى.

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

هذا باب أفعل

اعلم أنّ أفعل إذا كان صفةً لم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك لأنَّها أشبهت الأفعال نحو: أذهب وأعلم. قلت: فما باله لا ينصرف إذا كان صفةً وهو نكرةٌ فقال: لأنَّ الصفات أقرب إلى الأفعال فاستثقلوا التنوين فيه كما استثقلوه في الأفعال وأرادوا أن يكون في الاستثقال كالفعل إذ كان مثله في البناء والزيادة وضارعه وذلك نحو: أخضر وأحمر وأسود وأبيض وآدر. فإذا حقّرت قلت: أخيضر وأحيمر وأسيود فهو على حاله قبل أن تحقّره من قبل أنّ الزيادة التي أشبه بها الفعل مع البناء ثابتةٌ وأشبه هذا من الفعل ما أميلح زيداً كما أشبه أحمر أذهب.

هذا باب أفعل إذا كان اسماً

وما أشبه الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد فما كان من الأسماء أفعل فنحو: أفكلٍ وأزملٍ وأيدعٍ وأربع لا تنصرف في المعرفة لأنَّ المعارف أثقل وانصرفت في النكرة لبعدها من الأفعال وتركوا صرفها في المعرفة حيث أشبهت وأمّا ما أشبه الأفعال سوى أفعل فمثل اليرمع واليعمل وهو جماع اليعملة ومثل أكلبٍ. وذلك أنّ يرمعاً مثل: يذهب واكلبٌ مثل: أدخل. ألا ترى أنَّ العرب لم تصرف أعصر ولغةٌ لبعض العرب يعصر لا يصرفونه أيضاً وتصرف ذلك في النكرة لأنَّه ليس بصفة. واعلم أنّ هذه الياء والألف لا تقع واحدةٌ منهما في أوّل اسمٍ على أربعة أحرف إلا وهما زائدتان. ألا ترى أنَّه ليس اسمٌ مثل أفكل يصرف وإن لم يكن له فعلٌ يتصرّف. ومما يدلّك أنها زائدة كثرة دخولها في بنات الثلاثة وكذلك الياء أيضاً. وإن لم تقل هذا دخل عليك أن تصرف أفكل وأن تجعل الشيء إذا جاء بمنزلة الّرجازة والّربابة لأنه ليس له فعلٌ بمنزلة القمطرة والهدملة. فهذه الياء الألف تكثر زيادتهما في بنات الثلاثة فهما زائدتان حتى يجيء أمرٌ بيّن نحو: أولقٍ فانَّ أولقاً إنمَّا الزيادة فيه الواو يدلّك على ذلك قد ألق الرجل فهو مألوقٌ. ولو لم يتبيّن أمر أولقٍ لكان عندنا أفعل لأنّ أفعل من هذا الضرب أكثر من فوعلٍ. ولو جاء في الكلام شيءٌ نحو أكللٍ وأيققٍ فسميت به رجلاً صرفته لأنه لو كان أفعل لم يكن الحرف الأوّل إلاّ ساكناً مدغما. وأمّا أوَّل فهو أفعل. يدلَّك على ذلك قولهم: هو أوّل منه ومررت بأوّل منك والأولى وإذا سميّت الرجل بألبب فهو غير مصروف والمعنى عليه لأنه من اللّبّ وهو أفعل. وهو قد علمت ذاك بنات ألبيه يعنون لبّه. ومما يترك صرفه لأنه يشبه الفعل ولا يجعل الحرف الأول منه زائداً إلاّ بثببتٍ نحو تنضبٍ فإنما التاء زائدة لأنه ليس في الكلام شيء على أربعة أحرف ليس أوله زائدة يكون على هذا البناء لأنه ليس في الكلام فعلل. ومن ذلك أيضاً: ترتب وترتب - وقد يقال أيضاً: ترتب - فلا يصرف. ومن قال ترتبٌ صرف لأنّه وإن كان أوله زائداً فقد خرج من شبه الأفعال. وكذلك التّدرأ إنما هو من درأت. وكذلك التتفّل. ويدلك على ذلك قول بعض العرب: التتَّفل وأنه ليس في الكلام كجعفر. وكذلك رجلٌ يسَّمى: تألب لأنَّه تفعل. ويدلك على ذلك أنَّه يقال للحمار ألب يألب بفعل وهو طرده طريدته. وإنما قيل له تألبٌ من ذلك. وأمّا ما جاء نحو: نهشل وتولب فهو عندنا من نفس الحرف مصروفٌ حتىَّ يجيء أمرٌ يبينَّه. وكذلك فعلت به العرب لأنَّ حال التاء والنون في الزيادة ليست كحال الألف والياء لأنَّهما لم تكثرا في الكلام زائدتين ككثرتهما. فان لم تقل ذلك دخل عليك أن لا تصرف نهشلا ونهسراً. وإذا سمّيت رجلا بإثمد لم تصرفه لأنَّه يشبه إضرب وإذا سميّت رجلا بإصبع لم تصرفه لأنه يشبه إصنع. وإن سمّيته بأبلمٍ لم تصرفه لأنه يشبه أقتل. ولا تحتاج في هذا إلى ما احتجت إليه في ترتبٍ وأشباهها لأنَّها ألفٌ. وهذا قول الخليل ويونس. وإنما صارت هذه الأسماء بهذه المنزلة لأنهم كأنهم ليس أصل الأسماء عندهم على أن تكون في أوّلها الزوائد وتكون على هذا البناء. ألا ترى أن تفعل ويفعل في الأسماء قليل. وكان هذا البناء إنّما هو في الأصل للفعل فلما صار في موضع قد يستثقل فيه التنوين استثقلوا فيه ما استثقلوا فيما هو أولى بهذا البناء منه. والموضع الذي يستثقل فيه التنوين المعرفة. ألا ترى أكثر ما لا ينصرف في المعرفة قد ينصرف في النكرة وإنما صارت أفعل في الصفات أكثر لمضارعة الصِّفة الفعل. وإذا سمَّيت رجلاً بفعل في أوله زائدة لم تصرفه نحو يزيد ويشكر وتغلب ويعمر. وهذا النحو أحرى أن لا تصرفه وإنَّما أقصى أمره أن يكون كتنضبٍ ويرمعٍ. وجميع ما ذكرنا في هذا الباب ينصرف في النكرة فان قلت: فما بالك تصرف يزيد في النكرة وإنما منعك من صرف أحمر في النكرة وهو اسم أنه ضارع الفعل فأحمر إذا كان صفةً بمنزلة الفعل قبل أن يكون اسماً فإذا كان اسماً ثم جعلته وأمّا يزيد فإنك لمَّا جعلته اسماً في حال يستثقل فيها التنوين استثقل فيه ما كان استثقل فيه قبل أن يكون اسماً فلَّما صيرَّته نكرةً لم يرجع إلى حاله قبل أن بكون اسماً. وأحمر لم يزل اسماً. وإذا سمَّيت رجلاً بإضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفه وقطعت الألفات حتَّى يصير بمنزلة الأسماء لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها. وتقطع الألف لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن لقلّة هذا مع كثرة الأسماء. وليس لك أن تغيِّر البناء في مثل ضرب وضورب وتقول: إن مثل هذا ليس في الأسماء لأنك قد تسمِّى بما ليس في الأسماء إلاَّ أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي شبهَّتها بها نحو: إثمد وإصبعٍ وأبلمٍ فإنّما أضعف أمرها أن تصير إلى هذا. وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرىءٍ لأن ألف امرىءٍ كأنك أدخلتها حين أسكنت الميم على مرءٌ ومرأً ومرءٍ فلمَّا أدخلت الألف على هذا الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا كما تركت ألف إبنٍ وكما تركت ألف إضرب في الأمر فإذا سمَّيت بامرىءٍ رجلاً تركته على حاله لأنَّك نقلته من اسم إلى اسم وصرفته لأنَّه لا يشبه لفظه لفظ الفعل. ألا ترى أنك تقول: امرؤٌ وامرىءٍ وامرأً وليس شيء من الفعل هكذا. وإذا جعلت إضرب أو أقتل اسماً لم يكن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء لأنَّك نقلت فعلاً إلى اسم. ولو سمَّيته انطلاقاً لم تقطع الألف لأنَّك نقلت اسماً إلى اسم. واعلم أن كلَّ اسم كانت في أوله زائدة ولم يكن على مثال الفعل فإنّه مصروف وذلك نحو: إصليتٍ وأسلوبٍ وينبوبٍ وتعضوض وكذلك هذا المثال إذا اشتققته من الفعل نحو يضروبٍ وإضريب وتضريب لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال الفعل وليس بمنزلة عمر. ألا ترى أنك تصرف يربوعاً فلو كان يضروبٌ بمنزلة يضرب لم تصرفه. وإنّ سمَّيت رجلاً هراق لم تصرفه لأن هذه الهاء بمنزلة الألف زائدة وكذلك هرق بمنزلة أقم. وإذا سمَّيت رجلاً بتفاعلٍ نحو تضاربٍ ثم حقَّرته فقلت تضيرب لم تصرفه لأنه يصير بمنزلة تغلب ويخرج إلى ما لا ينصرف كما تخرج هند في التحقير إذا قلت: هنيدة إلى ما لا ينصرف البتَّة في جميع اللغات. وكذلك أجادل اسم رجل إذا حقَّرته لأنَّه يصير أجيدل مثل أميلح. وإن سمَّيت رجلاً بهرق قلت: هذا هريق قد جاء لا تصرف.

هذا باب ما كان من أفعل صفة

وذلك: أجدلٌ وأخيلٌ وأفعىً. فأجود ذلك أن يكون هذا النحَّو اسماً وقد جعله بعضهم صفة وذلك لأن الجدل شدَّة الخلق فصار أجدلّ عندهم بمنزلة شديدٍ. وأمّا أخيلٌ فجعلوه أفعل من الخيلان للونه وهو طائر أخضر وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه. وعلى هذا المثال جاء أفعىً كأنَّه صار عندهم صفة وإن لم يكن له فعلٌ ولا مصدر. وأما أدهم إذا عنيت القيد والأسود إذا عنيت به الحَّية والأرقم إذا عنيت الحّية فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة لم تختلف في ذلك العرب. فإن قال قائل: أصرف هذا لأني أقول: أداهم وأراقم. فأنت تقول: الأبطح والأباطح وأجارع وأبارق وإنّما الأبرق صفة. وإنما قيل: أبرق لأنّ فيه حمرةً وبياضاً وسواداً كما قالوا: تيسٌ أبرق حين كان فيه سواد وبياض. وكذلك الأبطح إنّما هو المكان المنبطح من الوادي وكذلك الأجرع إنما هو المكان المستوى من الرمل المتمكِّن. ويقال: مكانٌ جرعٌ. ولكّن الصفة ربَّما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع الأسماء حتَّى يستغنوا بها عن الأسماء كما يقولون: الأبغث فهو صفة جعل اسماً وإنما هو لون. ومما يقّوى أنه صفة قولهم: بطحاء وجرعاء وبرق فجاء مؤنثّه كمؤنث أحمر. اعلم أنك إنّما تركت صرف أفعل منك لأنّه صفة. فإن سميّت رجلاً بأفعل هذا بغير منك صرفته في النكرة وذلك نحو أحمدٍ وأصغرٍ وأكبر لأنك لا تقول: هذا رجلٌ أصغر ولا هذا رجل أفضل وإنَّما يكون هذا صفة بمنك. ولو سميّته أفضل منك لم تصرفه على حال. وأمّا أجمع وأكتع فإذا سميّت رجلاً بواحدٍ منهما لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وليس واحد منهما في قولك: مررت به أجمع أكتع بمنزلة أحمر لأن أحمر صفة للنكرة وأجمع وأكتع إنّما وصف بهما معرفة فلم ينصرفا لأنهما معرفة. فأجمع ههنا بمنزلة كلَّهم.

باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف

تقول: كلّ أفعل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة وكلّ أفعل يكون اسماً تصرفه في النكرة. قلت: فكيف تصرفه وقد قلت: لا تصرفه. قال لأنّ هذا مثالٌ يمثلَّ به فزعمت أنَّ هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجر فإن كان اسماً وليس بوصف جرى. ونظير ذلك قولك: كلّ أفعلٍ أردت به الفعل نصبٌ أبدا فإنمَّا زعمت أنَّ هذا البناء يكون في الكلام على وجوه وكان أفعل اسماً فكذلك منزلة أفعل في المسألة الأولى ولو لم تصرفه ثمَّ لتركت أفعل ههنا نصباً فإنَّما أفعل ههنا اسمٌ بمنزلة أفكل. ألا ترى أنَّك تقول: إذا كان هذا البناء وصفاً لم أصرفه. وتقول: أفعل إذا كان وصفاً لم أصرفه. فإنَّما تركت صرفه ههنا كما تركت صرف أفكلٍ إذا كان معرفةً. وتقول: إذا قلت هذا رجلٌ أفعل لم أصرفه على حال وذلك لأنَّك مثلّت به الوصف خاصّة فصار كقولك كلّ أفعل زيد نصبٌ أبداً لأنَّك مثَّلت به الفعل خاصَّة. قلت: فلم لا يجوز أن تقول: كلّ أفعل في الكلام لا أصرفه إذا أردت الذي مثَّلت به الوصف كما أقول: كلّ آدم في الكلام لا أصرفه فقال: لا يجوز هذا لأنَّه لم يستقرِّ أفعل في الكلام صفةً بمنزلة آدم وإنَّما هو مثال. ألا ترى أنَّك لوسميَّت رجلاً بأفعلٍ صرفته في النكرة لأنَّ قولك أفعلٌ لا يوصف به شيء وإنَّما يمَّثل به. وإنَّما تركت التنوين فيه حين مثلَّت به الوصف كما نصبت أفعلاً حين مثلَّت به الفعل. وأفعلٌ لا يعرف في الكلام فعلاً مستعملاً. فقولك: هذا رجلٌ أفعلٌ بمنزلة قولك: أفعل زيدٌ فإذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة أفعل إذا لم يعمل في اسم مظهر ولا مضمر. قلت: فما منعه أن يقول: كلّ أفعل يكون صفةً لا أصرفه يريد الذي مثلَّت به الوصف. فقال: هذا بمنزلة الذي ذكرنا قبل لو جاز هذا لكان أفعل وصفاً بائناً في الكلام غير مثال ولم نكن نحتاج إلى أن أقول: يكون صفة ولكني أقول: لأنَّه صفة كما أنَّك إذا قلت: لا تصرف كلّ آدم في الكلام قلت: لأنه صفة ولا تقول: أردت به الصفة فيرى السائل أن آدم يكون غير صفة لأن آدم الصفة بعنيها. وكذلك إذا قلت: هذا رجلٌ فعلان يكون على وجهين لأنك تقول: هذا إن كان عليه وصفٌ له فعلى لم ينصرف وإن لم يكن له فعلى انصرف. وليس فعلان هنا بوصفٍ مستعمل في الكلام له فعلى ولكنه هاهنا بمنزلة أفعل في قولك: كلّ أفعلٍ كان صفةً فأمره كذا وكذا. ومثله كلّ فعلانٍ كان صفة وكانت له فعلى لم ينصرف. وقولك: كانت له فعلى وكان صفةً يدلّك على أنه مثال. وتقول: كلّ فعلى أو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرف وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم ينصرف قلت: كل فعلى أو فعلى فلم ينَّون لأنّ هذا الحرف مثال. فإن شئت أنثته وجعلت الألف للتأنيث وإن شئت صرفت وجعلت الألف لغير التأنيث. وتقول: إذا قلت: هذا رجلٌ فعنلى نّونت لأنك مثلّت به وصف المذكَّر خاّصةً وفعنلى مثل حبنطًى ولا يكون إلاّ منوَّناً ألا ترى أنك تقول: هذا رجلٌ حبنطًى يا هذا. فعلى هذا جرى هذا الباب. وتقول: كلّ فعلى في الكلام لا ينصرف وكلّ فعلاء في الكلام لا ينصرف لأن هذا المثال لا ينصرف في الكلام البتة كما أنك لو قلت: هذا رجل أفعل لم ينصرف لأنك مثلَّته بما لا ينصرف وهي صفة فأفعل صفة كفعلاء.

هذا باب ما ينصرف من الأفعال إذا سميت به رجلاً

زعم يونس: أنّك إذا سمّيت رجلاً بضارب من قولك: ضارب وأنت تأمر فهو مصروف. وكذلك إن سمّيته ضارب وكذلك ضرب. وهو قول أبي عمرو والخليل وذلك لأنَّها حيث صارت اسماً في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع ولم تجيء في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل الأسماء إذا كانت على بناء الفعل غلبت الأسماء عليها إذا أشبهتها في البناء وصارت أوائلها الأوائل التي هي في الأصل للأسماء فصارت بمنزلة ضارب الذي هو اسم وبمنزلة حجرٍ وتابلٍ كما أنَّ يزيد وتغلب يصيران بمنزلة تنضبٍ ويعمل إذا صارت اسماً. وأمّا عيسى فكان لا يصرف ذلك. وهو خلاف قول العرب سمعناهم يصرفون الرجل يسَّمى: كعبساً وإنَّما هو فعل من الكعسبة وهو العدو الشديد مع تداني الخطأ. والعرب تنشد هذا البيت لسحيم بن وثيل اليربوعيّ: ولا نراه على قول عيسى ولكنَّه على الحكاية كما قال: بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب كأنه قال: أنا ابن الذي يقال له: جلا. فإن سمّيت رجلاً ضَّرب أو ضرِّب أو ضورب لم تصرف. فأما فعَّل فهو مصروف ودحرج ودحرج لا تصرفه لأنَّه لا يشبه الأسماء. ولا يصرفون خضَّم وهو اسم للعنبر بن عمرو بن تميم. فإن حقرّت هذه الأسماء صرفتها لأنَّها تشبه الأسماء فيصير ضاربٌ وضاربٌ ونحوهما بمنزلة ساعد وخاتم. فكّل اسم يسمى بشيء من الفعل ليست في أوّله زيادة وله مثال في الأسماء انصرف فإن سمّيته باسمٍ في أوله زيادة وأشبه الأفعال لم ينصرف. فهذه جملة هذا كلّه. وإن سميِّت رجلا ببقِّم أو شلَّم وهو بيت المقدس لم تصرفه البتّة لأنه ليس في العربيّة اسمٌ على هذا البناء ولأنه أشبه فعِّلا فهو لا ينصرف إذا صار اسماً لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّه جاء على بناء الفعل الذي إنّما هو في الأصل للفعل لا للأسماء فاستثقل فيه ما وإن سميّت رجلاً ضربوا فيمن قال: أكلوني البراغيث قلت: هذا ضربون قد أقبل تلحق النون كما تلحقها في أولي لو سمّيت بها رجلاً من قوله عزّ وجلّ: " أولى أجنحةٍ ". ومن قال: هذا مسلمون في اسم رجل قال: هذا ضربون ورأيت ضربين. وكذلك يضربون في هذا القول. فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال هذا مسلمينٌ قلت: هذا ضربينٌ قد جاء. ولو سميّت رجلاً: مسلمينٌ على هذه اللغة لقلت: هذا مسلمينٌ صرفت وأبدلت مكان الواو ياءً لأنَّها قد صارت بمنزلة الأسماء وصرت كأنَّك سميّته بمثل: يبرين. وإنَّما فعلت هذا بهذا حين لم يكن علامةً للإضمار وكان علامةً للجمع كما فعلت ذلك بضربت حين كانت علامةً للتأنيث فقلت هذا ضربة قد جاء. وتجعل التاء هاءً لأنهَّا قد دخلت في الأسماء حين قلت هذه ضربة فوقفت إذا كانت بعد حرف متحّرك قلبت التاء هاءً حين كانت علامة للتأنيث. وإن سميَّته ضرباً في هذا القول ألحقته النون وجعلته بمنزلة رجل سمّى برجلين. وإنمّا كففت النون في الفعل لأنّك حين ثنيت وكانت الفتحة لازمةً للواحد حذفت أيضاً في الاثنين النون ووافق الفتح في ذاك النصب في اللفظ فكان حذف النون نظير الفتح كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في: هيهات. وإن سمّيت رجلاً بضربن أو يضربن لم تصرفه في هذا لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّك إن جعلت النون علامةً للجمع فليس في الكلام مثل: جعفرٍ فلا تصرفه. وإن جعلته علامةً للفاعلات حكيته. فهو في كلا القولين لا ينصرف.

باب ما لحقته الألف في آخره

فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة وما لحقته الألف فانصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة أمّا لا ينصرف فيهما فنحو: حبلى وحبارى وجمزى ودفلى وشروى وغضبى. وذاك أنَّهم أرادوا أن يفرقوا بين الألف التي تكون بدلاً من الحرف الذي هو من نفس الكلمة والألف التي تلحق ما كان من بنات الثلاثة ببنات الأربعة وبين هذه الألف التي تجيء للتأنيث. فأمّا ذفرى فقد اختلفت فيها العرب فيقولون: هذه ذفرىً أسيلةٌ ويقول بعضهم: هذه ذفرى أسيلةٌ وهي أفلّهما جعلوها تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة كما أن واو جدولٍ بتلك المنزلة. وكذلك: تترى فيها لغتان. وأما معزّى فليس فيها إلاّ لغة واحدة تنوَّن في النكرة. وكذلك: الأرطى كلهم يصرف. وتذكيره مما يقوّى على هذا التفسير. وكذلك: العلقى. ألا ترى أنَّهم إذا أنّثوا قالوا: علقاةٌ وأرطاةٌ لأنهما ليستا ألفى تأنيث. وحبنطًى بهذه المنزلة إنّما جاءت ملحقة بجعفلٍ. وكينونته وصفاً للمذكَّر يدلّك على ذلك ولحاق الهاء في المؤنث. وكذلك قبعثرّى لأنك لم تلحق هذه الألف للتأنيث. ألا ترى أنك تقول: قبعثراةٌ وإنمّا هي زيادة لحقت بنات الخمسة كما لحقتها الياء في قولك: دردبسٍ. وبعض العرب يؤّنث العلقى فينزِّلها منزلة: البهمى يجعل الألف للتأنيث. وقال العجاج. يستنّ في علقى وفي مكور فلم ينونّه. وإنما منعهم من صرف: دفلى وشروى ونحوهما في النكرة أنّ ألفهما حرف يكسَّر عليه الاسم إذا قلت: حبالى وتدخل تاء التأنيث لمعنًى يخرج منه ولا تلحق به أبداً بناءً ببناء كما فعلوا ذلك بنون رعشنٍ وبتاء سنبته وعفريت. ألا تراهم قالوا: جمزىً فبنوا عليها الحرف فتوالت فيه ثلاث حركات وليس شيء يبنى على الألف التي لغير التأنيث نحو نون رعشنٍ توالى فيه ثلاث حركات فيما عدتّه أربعة أحرف لأنَّها ليست من الحروف التي تلحق بناءً ببناءً وإنّما تدخل لمعنى فلمّا بعدت من حروف الأصل تركوا صرفها كما تركوا صرف مساجد حيث كسّروا هذا البناء على ما لا يكون عليه الواحد. وأما موسى وعيسى فإنهما أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة أخبرني بذلك من أثق به. وموسى مفعل وعيسى فعلى والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة ياء معزى. وموسى الحديد مفعل ولو سميت بها رجلاً لم تصرفها لأنها مؤنثة بمنزلة معزى إلا أن الياء في موسى من نفس الكلمة.

هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في النكرة والمعرفة

وذلك نحو حمراء وصفراء وخضراء وصحراء وطرفاء ونفساء وعشراء وقوباء وفقهاء وسابياء وحاوياء وكبرياء. ومثله أيضاً: عاشوراء ومنه أيضاً: أصدقاء وأصفياء. ومنه زمكاَّء وبروكاء وبراكاء ودبوقاء وخنفساء وعنظباء وعقرباء وزكرياَء. فقد جاءت في هذه الأبنية كلَّها للتأنيث. والألف إذا كانت بعد ألف مثلها إذا كانت وحدها إلاّ أنَّك همزت الآخرة للتحريك لأنّه لا ينجزم حرفان فصارت الهمزة التي هي بدلٌ من الألف بمنزلة الألف لو لم تبدل وجرى عليها ما كان يجري عليها إذا كانت ثابتة كما صارت الهاء في هراق بمنزلة الألف. واعلم أن الألفين لا تزادان أبداً إلا للتأنيث ولا تزادان أبداً لتلحقا بنات الثلاثة بسرداحٍ ونحوها. ألا ترى أنك لم ترقطّ فعلاء مصروفةً ولم نر شيئاً من بنات الثلاثة فيه ألفان زائدتان مصروفاً. فإن قلت: فما بال علباءٍ وحرباء فإ َّ هذه الهمزة التي بعد الألف إنمّا هي بدل من ياءٍ كالياء التي في درحايةٍ وأشباهها وإنَّما جاءت هاتان الزائدتان هنا لتلحقا علباء وحرباء بسرداحٍ وسربالٍ. ألا ترى أن هذه الألف والياء لا تلحقان اسماً فيكون أوّله مفتوحاً لأنه ليس في الكلام مثل سرداحٍ ولا سربالٍ وإنما تلحقان لتجعلا بنات الثلاثة على هذا المثال والبناء فصارت هذه الياء بمنزلة ما هو من نفس الحرف ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً فتلحقا هذا البناء به ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً على ثلاثة أحرف وأول الاسم مضموم أو مكسور وذلك لأنَّ هذه الياء والألف إنّما تلحقان لتبلغا بنات الثلاثة بسرداحٍ وفسطاط لا تزادان ههنا إلاّ لهذا فلم تشركهما الألفان اللتان للتأنيث كما لم تشركا الألفين في مواضعهما وصار هذا الموضع ليس من المواضع التي تلحق فيها الألفان اللّتان للتأنيث وصار لهما إذا جاءتا للتأنيث أبنية لا تلحق فيها واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا قوباءٌ كما ترى وذلك لأنهم أرادوا أن يلحقوه ببناء فسطاط والتذكير يدلّك على ذلك والصرف. وأما غوغاء فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء فيؤنث ولا يصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة قضقاضٍ فيذكّر ويصرف ويجعل الغين والواو مضاعفتين بمنزلة القاف والضاد. ولا يجيء على هذا البناء إلاّ ما كان مردَّداً. والواحدة غوغاء.

هذا باب ما لحقته نونٌ بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة

وذلك نحو: عطشان وسكران وعجلان وأشباهها. وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف كألف حمراء لأنها على مثالها في عدَّة الحروف والتحرك والسكون وهاتان الزائدتان قد اختصّ بهما المذكّر. ولا تلحقه علامة التأنيث كما أن حمراء لم تؤنَّث على بناء المذكَّر. ولمؤنث سكران بناءٌ على حدةٍ كما كان لمذكَّر حمراء بناءٌ على حدة. فلمّا ضارع فعلاء هذه المضارعة وأشبهها فيما ذكرت لك أجرى مجراها.

باب ما لا ينصرف في المعرفة مما ليست نونه بمنزلة الألف

التي في نحو: بشرى وما أشبهها وذلك كلّ نون لا يكون في مؤنثها فعلى وهي زائدةٌ وذلك نحو: عريانٍ وسرحانٍ وإنسانٍ. يدلك على زيادته سراحٍ فإنما أرادوا حيث قالوا: سرحانٌ أن يبلغوا به باب سرداحٍ كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى باب هجرعٍ. ومن ذلك: ضبعانٌ. يدلَّك على زيادته قولك: الضَّبع والضبِّاع أشباه هذا كثير. وإنما تعتبر أزيادة هي أم غير زيادة بالفعل أو الجمع أو بمصدر أو مؤنث نحو: الضَّبع وأشباه ذلك. وإنما دعاهم إلى أن لا يصرفوا هذا في المعرفة أنّ آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا أفكلاً بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة. وذلك أفعل صفةً لأنه بمنزلة الفعل وكان هذه النون بعد الألف في الأصل لباب فعلان الذي له فعلى كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال فلما صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه بمنزلة ما هذه الزيادة له في الأصل. فإذا حقّرت سرحان اسم رجل فقلت: سريحينٌ صرفته لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان لأنّك تقول في تصغير غضبان: غضيبان ويصير بمنزلة غسليٍن وسنينٍ فيمن قال: هذه سنينٌ كما ترى. ولو كنت تدع صرف كل نون زائدة لتركت صرف رعشنٍ ولكنك إنَّما تدع صرف ما آخره كآخر غضبان كما تدع صرف ما كان على مثال الفعل إذا كانت الزيادة في أوله. فإذا قلت: إصليت صرفته لأنه لا يشبه الأفعال فكذلك صرفت هذا لأن آخره لا يشبه آخر غضبان إذا صغّرته. وهذا قول أبي عمروٍ والخليل ويونس. وإذا سميّت رجلاً: طّحان أو سمّان من السمن أو تبّان من الّتبن صرفته في المعرفة والنكرة لأنها نونٌ من نفس الحرف وهي بمنزلة دال حمّاد. وسألته: عن رجل يسَّمى: دهقان فقال: إن سميَّته من التَّدهقن فهو مصروف. وكذلك: شيطان إن أخذته من التشيَّطن. فالنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه النون. وإن جعلت دهقان من الدَّهق وشيطان من شيَّط لم تصرفه. وسألت الخليل: عن رجل يسّمى مرّاناً فقال: أصرفه لأنَّ المرّان إنما سمِّى للينه فهو فعّالٌ كما يسمَّى الحمّاض لحموضته. وإنَّما المرانة اللّين. وسألته: عن رجل يسَّمى فيناناً فقال: مصروف لأنَّه فيعالٌ وإنّما يريد أن يقول لشعره فنونٌ كأفنان الشجر. وسألته: عن ديوانٍ فقال: بمنزلة قيراطٍ لأنَّه من دوّنت. ومن قال ديوانٌ فهو بمنزلة بيطار. وسألته: عن رمّان فقال: لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف. وسألته: عن سعدان والمرجان فقال: لا أشكّ في أن هذه النون زائدة لأنه ليس في الكلام مثل: سرداحٍ ولا فعلالٌ إلاّ مضعَّفاً. وتفسيره كتفسير عريان وقصّته كقصتّه. فلو جاء شيء في مثال: جنجانٍ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان إلاّ أن يجيء أمر بيِّن أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه فيعلم أنَّهم جعلوها زائدة كما قالوا: غوغاء فجعلوها بمنزلة: عوراء. فلَّما لم يريدوا ذلك وأرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا كما أنَّه لو كان خضخاضٌ لصرفته وقلت: ضاعفوا هذه النون. فإن سمعناهم لم يصرفوا قلنا: لم يريدوا ذلك يعنى التضعيف وأرادوا نوناً زائدة يعنى في: جنحان. وإذا سميّت رجلاً: حبنطى أو علقى لم تصرفه في المعرفة وترك الصرف فيه كترك الصرف في: عريان وقصتَّه كقصتّه. وأمّا علباءٌ وحرباء اسم رجل فمصروف في المعرفة والنكرة من قبل أنَّه ليست بعد هذه الألف نون فيشَّبه آخره بآخر غضبان كما شبّه آخر علقى بآخر شروى. ولا يشبه آخر حمراء لأنه بدلٌ من حرفٍ لا يؤنَّث به كالألف وينصرف على كلّ حال فجرى عليه ما جرى على ذلك الحرف وذلك الحرف بمنزلة الياء والواو اللّتين من نفس الحرف. وسألته عن تحقير علقى اسم رجل فقال: أصرفه كما صرفت سرحان حين حقّرته لأنَّ آخره حينئذ لا يشبه آخر ذفرى. وأمّا معزى فلا يصرف إذا حقرّتها اسم رجل من أجل التأنيث. ومن العرب من يؤنّث علقى فلا ينوِّن. وزعموا أنَّ ناساً يذكِّرون معزًى زعم أبو الخطّاب أنهى سمعهم يقولون: ومعزىّ هدباً يعلو قران الأرض سودانا ونظير ذلك قول اّلله عّز وجلَّ: " واللهّ يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عّز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باّلله إنَّه لمن الصَّادقين " لأنّ هذا توكيدُ كأنّه قال: يحلف باللّه إنه لمن الصادقين. وقال الخليل: أشهد بأنّك لذاهبُ غير جائز من قبل أنَّ حروف الجرّ لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنهّ لمنطلق أتبع آخره أولّه. وإن قلت: أشهد أنّه ذاهبُ وإنه لمنطلقُ. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني لأن اللام لا تدخل أبدا على أنَّ وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إّلا مبتدأةً باللام. ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنّه لخير منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيّهم أفضل معلقةَّ في الموضعين جميعاً. وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء كما تصرف عبد اللّه إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد اللّه خيرُ منك فعبد اّلله هنا بمنزلة إنَّ في أنه يصرف إلى الابتداء. ولو قلت: قد علمت أنّه لخيرُ منك لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد اّلله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد اّلله إلاَّ وهما مبتدءان. ونظير ذلك قوله عزّ وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ " فهو ههنا مبتدأ. ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزّقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد " فإنكم ههنا بمنزلة أيّهم إذا قلت: ينبئهم أيّهم أفضل. وقال الخليل مثله: إنَّ اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيء فما ههنا بمنزلة أيّهم ويعلم معلقة. قال الشاعر: ألم تر إنّي وابن أسود ليلةً ** لنسري إلى نارين يعلو سناهما

  هذا باب هاءات التأنيث 

اعلم أن كلّ هاء كانت في اسم للتأنيث فإنّ ذلك الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في قلت: فما باله انصرف في النكرة وإنما هذه للتأنيث هلاّ ترك صرفه في النكرة كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث قال: من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم وإنّما هي بمنزلة اسم ضمَّ إلى اسم فجعلا اسما واحداً نحو: حضرموت. ألا ترى أنًّ العرب تقول في حبارى: حبيرًّ وفي جحجبى: جحيجب ولا يقولون في دجاجةٍ إلا دجيجة ولا في قرقرة إًّلا قريقرة كما يقولون في حضرموت وفي خمسة عشر: خميسة عشر فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء. ويدلّك على أنًّ الهاء بهذه المنزلة أنّها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة قّط ولا الأربعة بالخمسة لأنًّها بمنزلة: عشر وموت وكرب في معد يكرب. وإنما تلحق بناء المذكرّ ولا يبنى عليها الاسم كالألف ولم يصرفوها في المعرفة كما يصرفوا معد يكرب ونحوه. وسأبيّن ذلك إن شاء الله.

هذا باب ما ينصرف في المذكر

البّتة مما ليس في آخره حرف التأنيث كلَّ مذكّر سّمى بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائناً ما كان أعجميّا أو عربيّا أو مؤنّثا إَّلا فعل مشتقاًّ من الفعل أو يكون في أوّله زيادة فيكون كيجد ويضع أو يكون كضرب لا يشبه الأسماء وذلك أن المذكّر أشدّ تمكّنا فلذلك كان أحمل للتنوين فاحتمل ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف لأنَّه ليس شيء من الأبنية أقلُّ حروفا منه فاحتمل التنوين لخفته ولتمكّنه في الكلام. ولو سمّيت رجلا قدماً أو حشاً صرفته. فإن حّقرته قلت: قد بمٌ فهو مصروف وذلك لاستخفافهم هذا التحقير كما استخفّوا الثلاثة لأنَّ هذا لا يكون إَّلا تحقير أقلَّ العدد وليس محقَّر أقلُّ حروفا منه فصار كغير المحَّقر الذي هو أقُّل ما كان غير محَّقر حروفا. وهذا قول العرب والخليل ويونس. واعلم أن كلّ اسم لا ينصرف فإن الجرّ يدخله إذا أضفته أو أدخلت فيه الألف واللام وذلك أنَّهم أمنوا التنوين وأجروه مجرى الأسماء. وقد أوضحته في أوّل الكتاب بأكثر من هذا وإن سمّيت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقها ببناء الثلاثة كما ألحقوا: سنبتةً بالأربعة. ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها إنما هذه التاء فيها كتاء عفريتٍ ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة. وليست كالهاء لما ذكرت لك وإنَّما هذه زيادة في الاسم بني عليها وانصرف في المعرفة. ولو أنَّ الهاء التي في دجاجة كهذه التاء انصرف في المعرفة. وأن سمَّيت رجلاً بهنه وقد كانت في الوصل هنتٌ قلت هنة يا فتى تحرّك النون وتثبت الهاء لأنّك لم تر مختصًّا متمكنِّا على هذه الحال التي تكون عليها هنة قبل أن تكون اسماً تسكن النون في الوصل وذا قليل. فإن حوّلته إلى الاسم لزمه القياس. وإن سّميت رجلاً ضربت قلت: هذا ضربه لأنه لا يحرَّك ما قبل هذه التاء فتوالى أربع حركات وليس هذا في الأسماء فتجعلها هاء وتحملها على ما فيه هاء التأنيث.

هذا باب فعل

اعلم أنَّ كل فعلٍ كان اسما معروفا في الكلام أو صفةً فهو مصروف. فالأسماء نحو: صردٍ وجعلٍ وثقبٍ وحفرٍ إذا أردت جماع الحفرة والثقُّبة. وأمّا الصفات فنحو قولك: هذا رجل حطم. قال الحطم القيسىّ: قد لفَّها الليل بسواقٍ حطمٌ فإنما صرفت ما ذكرت لك لأنه ليس باسمٍ يشبه الفعل الذي في أوّله زيادة وليست في آخره زيادة تأنيث وليس بفعل لا نظير له في الأسماء فصار ما كان منه اسماً ولم يكن جمعاً بمنزلة حجر ونحوه وصار ما كان منه جمعاً بمنزلة كسرٍ وإبرٍ. وأمّا عمر وزفر فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنَّهما ليسا كشيء مما ذكرنا وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل فلمّا خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو: عامرٍ وزافرٍ. ولا يجيء عمر وأشباهه محدوداً عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة. كذلك جرى في الكلام. فإن قلت: عمرٌ آخر صرفته لأنه نكرة فتحول عن موضع عامرٍ معرفةً. وإن حقَّرته صرفته لأنّ فعيلاً لا يقع في كلامهم محدوداً عن فويعلٍ وأشباهه كما لم يقع فعلٌ نكرة محدوداً عن عامرٍ فصار تحقيره كتحقير عمرٍو كما صارت نكرته كصردٍ وأشباهه. وهذا قول الخليل. وزحل معدول في حالةٍ إذا أردت اسم الكوكب فلا ينصرف. وسالته عن جمع وكتع فقال: هما معرفة بمنزله كلُّهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع كتعاء وهما منصرفان في النكرة. وسألته عن صغر من قوله: الصغرى وصغر فقال: اصرف هذا في المعرفة لأنه بمنزلة: ثقبةٍ وثقبٍ ولم يشبهَّ بشيء محدود عن وجهه. قلت: فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فقال: لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها وإنما هي بمنزلة: الطوّل والوسط والكبر لا يكنَّ صفةً إلا وفيهن ألف ولام فتوصف بهنَّ المعرفة. ألا أنك لا تقول: نسوةٌ صغرٌ ولا هؤلاء نسوةٌ وسطٌ ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر. فلما خالفت الأصل وجاءت صفة بغير الألف واللام تركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا يا ألكع وفسق حين أرادوا يا فاسق. وترك الصرف في فسق هنا لأنه لا يمكن بمنزلة يا رجل للعدل. فإن حقرت أخر اسم رجل صرفته لأن فعيلاً لا يكون بناءً لمحدد عن وجهه فلمّا حقَّرت غيّرت البناء الذي جاء محدوداً عن وجهه. وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع فقال: هو بمنزلة أخر إنما حدُّه واحداً واحداً واثنين اثنين فجاء محدوداً عن وجهه فترك صرفه. قلت أفتصرفه في النكرة قال: لا لأنه نكرة يوصف به نكرة وقال لي: قال أبو عمرو: " أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع " صفة كأنك قلت: أولي أجنحة اثنين اثنين وثلاثةٍ ثلاثةٍ. وتصديق قول أبي عمروٍ وقول ساعدة بن جؤية: وعاودني ديني فبتُّ كأنَّما خلال ضلوع الصَّدر شرعٌ ممدَّد. ثم قال: ولكنَّما أهلي بوادٍ أنيسه ذئابٌ تبغَّى الناس مثنى وموحد. فإذا حَّقرت ثناء وأحاد صرفته كما صرفت أخيراً وعميراً تصغير عمر وأخر إذا كان اسم رجل لأنَّ هذا ليس هنا من البناء الذي يخالف به الأصل. فإن قلت: ما بال قال صرف اسم رجل وقيل التي هي فعل وهما محدودان عن البناء الذي هو الأصل فليس يدخل هذا على أحد في هذا القول من قبل أنك خّففت فعل وفعل نفسه كما خفّفت الحركة من علم وذلك من لغة بني تميم فتقول: علم كما حذفت الهمزة من يرى ونحوها فلَّما خفَّت وجاءت على مثال ما هو في الأسماء صرفت. وأمَّا عمر فليس محذوفا من عامرٍ كما أنّ ميتاً محذوف من مّيتٍ ولكنه اسمٌ بني من هذا اللفظ وخولف به بناء الأصل. يدّلك على ذلك: أن مثنى ليس محذوفاً من اثنين. وإن سّميت رجلا ضرب ثم خّففته فأسكنت الراء صرفته لأنك قد أخرجته إلى مثال ما ينصرف كما صرفت قيل وصار تخفيك لضرب كتحقيرك إيَّاه لأنَّك تخرجه إلى مثال الأسماء. ولو تركت صرف هذه الأشياء في التخفيف للعدل لما صرفت اسم هارٍ لأنه محذوف من هائرٍ.

باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل

اعلم أنه ليس شيءٌ يكون على هذا المثال إلاَّّ لم ينصرف في معرفة ولا نكرة. وذلك لأنه ليس شيء يكون واحداً يكون على هذا من البناء والواحد الذي هو أشدُّ تمكنا وهو الأول فلما لم يكن هذا من بناء الواحد هو أشد تمكناً وهو الأول تركوا صرفه إذ خرج من بناء الذي هو أشدّ تمكنا. وإنّما صرفت مقاتلاً وعذافراً لان هذا المثال يكون للواحد. قلت: فما بال ثمان لم يشبه: صحارى وعذارى قال: الياء في ثماني ياء الإضافة أدخلتها على فعال كما أدخلتها على يمانٍ وشآمٍ فصرفت الاسم إذ خفَّفت كما إذ ثقلت يمانيٌّ وشآميٌّ. وكذلك: رباٍع فإنَّما ألحقت هذه الأسماء ياءات الإضافة. قلت: أرأيت صياقلةً وأشباهها لم صرفت قال: من قبل أن هذه الهاء إنَّما ضُّمت إلى صياقل كما ضمت موت إلى حضر وكرب إلى معدي في قول من قال: معد يكرب. وليست الهاء من الحروف التي تكون زيادةً في هذا البناء كالياء والألف في صياقلةٍ وكالياء ةالألف اللتين يبنى بهما الجميع إذا كّسرت الواحد ولكنَّها إنَّما تجيء مضمومة إلى هذا البناء كما تضم ّياء الإضافة إلى مدائن ومساجد بعد ما يفرغ من البناء فتلحق ما فبه الهاء من نحو: صياقلةٍ باب طلحةٍ وتمرةٍ كما تلحق هذا بباب تميمىٍّ وقيسىٍّ يعني قولك مدائنيٌّ ومساجديٌّ فقد أخرجت هذه الياء مفاعيل ومفاعل إلى باب تميمي كما أخرجته الهاء إلى باب طلحةٍ. ألا ترى أنَّ الواحد تقول له: مدائنىٌّ فقد صار يقع للواحد ويكون من أسمائه. وقد يكون هذا المثال للواحد نحو: رجلٍ عباقيةٍ فلما لحقت هذه الهاء لم يكن عند العرب مثل البناء الذي ليس في الأصل للواحد ولكنه صار عندهم بمنزلة اسم ضمّ إليه فجعل اسماً واحداً فقد تغير بهذا عن حاله كما تغيَّر بياء الإضافة. ويقول بعضهم: جندلٌ وذلذلٌ يحذف ألف جنادل وذلاذل وينونون يجعلونه عوضاً من هذا المحذوف. واعلم أنَّك إذا سميت رجلا مساجد ثم حقَّرته صرفته لأَّنك قد حوّلت هذا البناء. وإن سمّيته حضاجر ثم حقَّرته صرفته لأنها إنّما سِّميت بجمع الحضجر سمعنا العرب يقولون: أوطبٌ حضاجر. وإنَّماجعل هذا اسما لضَّبع لسعة بطنها. وأمّا سراويل فشيءٌ واحد وهو أعجميّ أعرب كما أعرب الآجرُّ إَّلا أنَّ سراويل أشبه من كلامهم مالا ينصرف في نكرة ولا معرفة كما أشبه بقَّم الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء. فإن حقّرتها اسم رجل لم تصرفها كما لا تصرف عناق اسم رجل. وأمّا شراحيل فتحقيره ينصرف لأنَّه عربيٌّ ولا يكون إَّلا جماعا. وأمّا أجمالٌ وفلوس ق فإنها تنصرف وما اشبهها ضارعت الواحد. ألا ترى أنك تقول: أقوالٌ وأقاويل وأعرابٌ وأعاريب وأيدٍ وأيادٍ. فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل إذا كسّر للجميع كما يخرج إليه وأمّا مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا لأن هذا البناء هو الغاية فلمّا ضارعت الواحد صرفت كما أدخلوا الرفع والنصب في يفعل حين ضارع فاعلاً وكما ترك صدف افعل حين ضارع الفعل. وكذلك الفعول لو كسّرت مثل الفلوس لان تجمع جمعا لأخرج إلى فعائل كما تقول: جدودٌ وجدائد وركوب وركائب. ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم تجاوز هذا ويقوَّي ذلك أنَّ بعض العرب يقول: أتيٌ للواحد فيضمُّ الألف. وأما أفعالٌ فقد يقع للواحد من العرب من يقول: هو الأنعام. وقال الله عز وجل " نسقيكم مما في بطونه ". وقال أبو الخطاب: سمعت العرب يقولون: هذا ثوبٌ أكياشٌ ويقال: سدوسٌ لضرب من الثياب كما تقول: جدورٌ. ولم يكسَّر عليه شيء كالجلوس والقعود. وأمّا بخاتيُّ فليس بمنزلة مدائنيٍّ لأنك لم تلحق هذه الياء بخاتٍ للإضافة ولكنها التي كانت في الواحد إذا كّسرته للجمع فصارت بمنزلة الياء في حذريةٍ إذا قلت حذارٍ وصارت هذه الياء كدال مساجد لأنهَّا جرت في الجمع مجرى هذه الدال لأنَّك بنيت الجمع بها ولم تلحقها بعد فراغ من بنائها. وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذارٍ. حدّثني أبو الخطَّاب أنَّه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منوَّن قال: يحدو ثماني مولعاً بلقاحها حتَّى هممن بزيغة الإرتاج وإذا حقَّرت بخاتيَّ اسم رجل صرفته كما صرفت تحقير مساجد. وكذلك صحارٍ فيمن قال: صحيرٌ لأنه ليس ببناء جمع. وأمّا ثمانٍ إذا سمّيت به رجلا فلا تصرف لانها واحدة كعناقٍ. وصحارٍ جماعٌ كعنوقٍ فإذا ذهب ذلك البناء صرفته. وياء ثمانٍ كياء قمريٍّ وبختىٍّ لحقت كلحاق ياء يمانٍ وشآمٍ وإن لم يكن فيهما معنى إضافة إلى بلد ولا إلى أب كما لم يك ذلك في بختيٍّ. ورباعٍ بمنزلته وأجري مجري سداسيٍ. وكذلك حواريٌ. وأما عواريُّ وعواديَّ وحواليٌّ فإنه كسر عليه حولي وعادي وعاريّةٌ وليست ياءً لحقت حوالٍ.

باب تسمية المذكّر بلفظ الاثنين والجميع الذي تلحق له الواحد واوا ونونا

فإذا سميَّت رجلا برجلين فإن أقيسه وأجوده أن تقول: هذا رجلان ورأيت رجلين ومررت برجلين كما تقول: هذا مسلمون ورأيت مسلمين. ومررت بمسلمين. فهذه الياء والواو بمنزلة الياء والألف. ومثل ذلك قول العرب: هذه قنَّسرون وهذه فلسطون. ومن النحويين من يقول: هذا رجلان كما ترى يجعله بمنزلة عثمان. وقال الخليل: من قال هذا قال: مسلمينٌ كما ترى جعله بمنزلة قولهم: سنينٌ كما ترى وبمنزلة قول بعض العرب: فلسطينٌ وقنَّسرينٌ كما ترى. فإن قلت: هل تقول: هذا رجلينٌ تدع الياء كما تركتها في مسلمين فإنهّ إنّما منعهم من ذلك أنّ هذه لا تشبه شيئاً من الأسماء في كلامهم ومسلمينٌ مصروف كما كنت صارفاً سنياً. وقال في رجل اسمه مسلماتٌ أو ضرباتٌ: هذا ضرباتٌ كما ترى ومسلماتٌ كما ترى. وكذلك المرأة لو سمّيتها بهذا انصرفت. وذلك أن هذه التاء لما صارت في النصب والجرّ جرّاً أشبهت عندهم الياء التي في مسلمين والياء التي في رجلين وصار التنوين بمنزلة النون. ألا ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ. الدَّليل على ذلك قول العرب: هذه عرفاتٌ مباركاً فيها. ويدلك أيضا على معرفتها أنك لا تدخل فيها ألفا ولاما وإنّما عرفاتٌ بمنزلة أبانين وبمنزلة جمع. ومثل ذلك أذرعاتٌ سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس: ولو كانت عرفات نكرة لكانت إذاً عرفات في غير موضع. ومن العرب من لا ينوّن أذرعات ويقول: هذه قريشيّات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث لأن الهاء تجئ للتأنبث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة. فإن قلت: كيف تشبهها بالهاء وبين التاء وبين الحرف المتحرك ألف فإنّ الحرف الساكن ليس عندهم بحاجز حصين فصارت التاء كأنِّها ليس بينها وبين الحرف المتحرك شيء. ألا ترى أنِّك تقول: اقتل فتتبع الألف التاء كأنها ليس بينها شيء وسترى أشباه ذلك إن شاء الله مما يشبَّه بالشيء وليس مثله في كل شيء. ومنه ما قد مضى

هذا باب الأسماء الأعجمية

اعلم أن كلَّ اسم أعجمي أعرب وتمكّن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة فإنك إذا سمّيت به رجلا صرفته إَّلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربيّ. وذلك نحو: اللجّام والدّيباج واليرندج والنَّيروز والفرند والزَّنجبيل والأرندج والياسمين فيمن قال: ياسمينٌ كما ترى والسّهريز والآجرّ فإن قلت: أدع صرف الآجرّ لأنه لا يشبه شيئاً من كلام العرب فإنه قد أعرب وتمكّن في الكلام وليس بمنزلة شيء ترك صرفه من كلام العرب لأنَّه لا يشبه الفعل وليس في آخره زيادة وليس من نحو عمر وليس بمؤنث وإنمَّا هو بمنزلة عربيٍّ ليس له ثلنٍ في كلام العرب نحو إبل وكدت تكاد وأشباه ذلك وأمّا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهرمز وفيروز وقارون وفرعون وأشباه هذه الأسماء فإنَّها لم تقع في كلامهم الا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ولم تمكن في كلامهم كما تمكنّ الأوّل ولكنها وقعت معرفة ولم تكن من أسمائهم العربيَّة فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية: كنهشلٍ وشعثمٍ ولم يكن شيء منها قبل ذلك اسماً يكون لكل شيء من أمةٍ. فلمّا لم يكن فيها شيء من ذلك استنكروها في كلامهم. وإذا حقّرت اسماً من هذه الأسماء فهو على عجمته كما ان العناق إذا حقّرتها اسم رجل كانت على تأنيثها. وأما صالحٌ فعربيّ وكذلك شعيبٌ. وأمّا نوحٌ وهودٌ ولوطٌ فتنصرف على كل حال لخفتها.

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

اعلم أن كل مذكّر سّميته مؤنّث على أربعة أحرف فصاعداً لم ينصرف. وذلك أن أصل المذكّر عندهم أن يسمى بالمذكر وهو شكله والذي يلائمه فلما عدلوا عنه ما هو له في الأصل وجاءوا بما لا يلائمه ولم يكن منه فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إيَّاه بالمذكر وتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي. فمن ذلك: عناق وعقرب وعقاب وعنكبوت وأشباه ذلك. وسالته: عن ذراع فقال: ذراعٌ كثر تسميتهم به المذكّر وتمكّن في المذكّر وصار من أسمائه خاصَّة عندهم ومع هذا أنهَّم يصفون به المذكر فيقولن: هذا ثوبٌ ذراعٌ. فقد تمكن هذا الاسم في المذكر. وأمّا كراع فإنّ الوجه ترك الصرف ومن العرب من يصرفه يشبهّه بذراع لأنه من أسماء المذكر. وذلك أخبث الوجهين. وإن سمَّيت رجلاً ثماني لم تصرفه لأن ثماني اسم لمؤنث كما أنك لا تصرف رجلا اسمه ثلاث لأنَّه ثلاثا كعناق. ولو سّميت رجلا حباري ثم حقرّته فقلت: حبيرّ لم تصرفه لأنَّك لو حقرت الحباري نفسها فقلت: حبيرٌ كنت إنمَّا تعني المؤنَّث فالياء إذا ذهبت فإنما هي مؤنثة كعنيّقٍ. واعلم انك إذا سّميت المذكر بصفة المؤنَّث صرفته وذلك أن تسِّمى رجلا بحائضٍ أو طامثٍ أو متئمٍ. فزعم أنّه إنّما يصرف هذه الصفات لأنَّها مذكرةٌ وصف بها المؤنّث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكَّر وذلك نحو قولهم: رجلٌ نكحةٌ ورجل ربعةٌ ورجل خجأةٌ فكأنَّ هذا المؤنَّث وصفٌ لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا. وكأنَّ المذكر وصف لشيء كأنّك قلت: هذا شيءٌ حائضٌ ثم وصفت به المؤنَّث كما تقول هذا بكرٌ ضامرٌ ثم تقول: ناقةٌ ضامرٌ. وزعم الخليل أن فعولاً ومفعالاً إنَّما امتعتنا من الهاء لأنَّهما إنّما وقعتا في الكلام على التذكير ولكنَّه يوصف به المؤنث كما يوصف بعدلٍ وبرضاً. فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسَّمى قاعداً إذا أردت صفة القاعد من الزوج ولم تكن لتصرف رجلاً يسمى ضارباً إذا أردت الناقة الضارب ولم تصرف أيضاً رجلاً يسمى عاقراً فإنَّ ما ذكرت لك مذكَّر وصف به مؤنَّث كما أن ثلاثةٌ مؤنثٌ لا يقع إَّلا لمذكرين. ومما جاء مؤنَّثاً صفةً تقع للمذكّر والمؤنَّث: هذا غلامٌ يفعةٌ وجاريةٌ يفعةٌ وهذا رجل ربعةٌ وامرأة ربعةٌ. فأمّا ما جاء من المؤنَّث لا يقع إَّلا لمذكر وصفاً فكأنه في الأصل صفة لسلعة أو نفسٍ كما قال: " لا يدخل الجّنة إلا نفسٌ مسلمةٌ " والعين عين القوم وهو ربيثتهم كما كان الحائض في الأصل صفةً لشيء وإن لم يستعملوه كما أنَّ أبرق في الأصل عندهم وصفٌ وأبطح وأجرع وأجدل فبمن ترك الَّصرف وإن لم يستعملوه وأجروه مجرى الأسماء. وكذلك جنوبٌ وشمالٌ وحرورٌ وسمومٌ وقبولٌ ودبورٌ إذا سمّيت رجلاً بشيء منها صرفته لأنَّها صفاتٌ في أكثر كلام العرب: سمعناهم يقولون: هذه ريح حرورٌ وهذه ريحٌ شمالٌ وهذه الريح الجنوب وهذه ريح سمومٌ وهذه ريحٌ جنوبٌ. سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره. قال الأعشى: لها زجلٌ كحفيف الحصا د صادف باللَّيل ريحاً دبورا ويجعل اسما وذلك قليل قال الشاعر. حالت وحيل بها وغيّر آيها ** صرف البلى تجري به الرّيحان ريح الجنوب مع الَّشمال وتارةً ** رهم الرَّبيع وصائب التَّهتان فمن جعلها أسماءً لم يصرف شيئاً منها اسم رجل وصارت بمنزلة: الصعَّود والهبوط والحرور والعروض. وإذا سمّيت رجلا بسعاد أو زينب أو جيأل وتقديرها جيعل لم تصرفه من قبل انَّ هذه أسماء تمكنت في المؤنّث واختص بها وهي مشتقةّ وليس شيء منها يقع على شيء مذكر: كالرَّباب والثوَّاب والدَّلال. فهذه الأشياء مذكرة وليست سعاد وأخواتها كذلك ليست بأسماء للمذكر ولكنهَّا اشتقَّت فجعلت مختصّا بها المؤنّث في التسمية فصارت عندهم كعناق. وكذلك تسميتك رجلا بمثل: عمان لأنَّها ليست بشيء مذكر معروف ولكنَّها مشتقّة لم تقع إلاّ علما لمؤنث وكان الغالب عليها المؤنَّث فصارت عندهم حيث لم تقع إلاَّ لمؤنّثٍ كعناق لا تعرف إلا َّعلما لمؤنَّث كما أن هذه مؤنّثة في الكلام. فإن سمَّيت رجلا بربابٍ أودلالٍ صرفته لأنه مذكر معروف. واعلم أنَّك إذا سميّت رجلا خروقاً أو كلابا أو جمالاً صرفته في النكرة والمعرفة وكذلك الجماع كلُّه. ألا تراهم صرفوا: أنماراً وكلابا وذلك لأنَّ هذه تقع على المذكر وليس يختصّ به واحد المؤنَّث فيكون مثله. ألا ترى أنَّك تقول: هم رجالٌ فتذكِّر كما ذكّرت في الواحد فلمَّا لم تكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر الذي يوصف به المؤنّث وكان هذا مستوجبا لصرف إذا صرف ذراعٌ وكراعٌ لما ذكرت لك. فإن قلت: ما تقول في رجل يسمَّى: بعنوق فإن عنوقا بمنزلة خروق لأن هذا التأنيث هو التانيث الذي يجمع به المذكَّر وليس كتأنيث عناق ولكن تأنيثه تأنيث الذي يجمع المذكَّرين وهذا التأنيث الذي في عنوقٍ تأنيث حادث فعنوقٌ البناء الذي يقع للمذكرين والمؤنّث الذي يجمع المذكرين. وكذلك رجل يسمَّى: نساءً لأنها جمع نسوةٍ. فأمَّا الطًّاغون فهو اسمٌ واحدٌ مؤنث يقع على الجميع كهيئة للواحد. وقال عزَّ وجلَّ: " والذين وأمَّا ما كان اسّماً لجمع مؤنّث لم يكن له واحدٌ فتأنيثه كتأنيث الواحد لا تصرفه اسم رجل نحو: إبل وغنم لأنَّه ليس له واحد يعني أنهّ إذا جاء اسماً لجمع ليس له واحد كسّر عليه فكان ذلك الاسم على أربعة أحرف لم تصرفه اسماً لمذكّر.

هذا باب تسمية المؤنث

اعلم أن كل مؤنث سميّته بثلاثة أحرف متوالٍ منها حرفان بالتحرك لا ينصرف فإن سميّته بثلاثة أحرف فكان الأوسط منها ساكنا وكانت شيئاً مؤنثاً أو اسماً الغالب عليه المؤنّث كسعاد فأنت بالخيار: إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه. وترك الصرف أجواد. وتلك الأسماء نحو: قدر وعنز ودعد وجمل ونعم وهند. وقال الشاعر فصرفت ذلك ولم يصرفه: لم تتلفَّع بفضل مئزرها دعدٌ ** ولم تغذ دعد في العلب فصرفت ولم يصرف. وإنمَّا كان المؤنث بهذه المنزلة ولم يكن كالمذكر لأنّ الأشياء كلَّها اصلها التذكير ثم تختصَّ بعد فكل مؤنث شيء والشيء يذكَّر فالتذكير أوّل وهو أشدّ تمكنّا كما أنَّ النكرة هي اشدّ تمكنّا من المعرفة لأنَّ الأشياء إنمَّا تكون نكرةً ثم تعرف فالتذكير قبل وهو أشد تمكّنا عندهم. فالأول هو أشد تمكنا عندهم. فالنكرة تعرف بالألف واللام والإضافة وبأن يكون علماً. والشيء يختصّ بالتأنيث فيخرج من التذكير كما يخرج المنكور إلى المعرفة. فإن سميّت المؤنث بعمرو أو زيد لم يجز الصرف. هذا قول ابن أبي إسحاق وأبي عمرو فيما حدثنا يونس وهو القياس لأنَّ المؤنث اشد ملاءمةً للمؤنث. والأصل عندهم أن يسمىَّ المؤنث بالمؤنث كما أنَّ اصل تسمية المذكَّر بالمذكر. وكان عيسى يصرف امرأةً اسمها عمرو لأنَّه على أخفّ الأبنية.

هذا باب أسماء الأرضين

إذا كان اسم الأرض على ثلاثة أحرف خفيفةٍ وكان مؤنثا أو كان الغالب عليه المؤنث كعمان فهو بمنزلة: قدر وشمس ودعد. وبلغنا عن بعض المفسَّرين أن قوله عزَّ وجلَّ: " اهبطوا مصر " إنما أراد مصر بعينها. فإن كان الاسم الذي على ثلاثة أحرف أعجميَّا لم ينصرف وإن كان خفيفا لأن المؤنث في ثلاثة الأحرف الخفيفة إذا كان أعجمياً بمنزلة المذكَّر في الأربعة فما فوقها إذا كان اسما مؤنثاً. ألا ترى أنَّك لو سَّميت مؤنثَّا بمذكر خفيف لم تصرفه كما لم تصرف المذكَّر إذا سّميته بعناق فمن الأعجمَّية: حمص وجور وماه. فلو سميّت امرأة بشيء من هذه الأسماء لم تصرفها كما لا تصرف الرَّجل لو سميَّته بفارس ودمشق. وأمَّا واسطٌ فالتذكير والصرف أكثر وإنمَّا سمي واسطاً لأنه مكانٌ وسط البصرة والكوفة. فلو أرادوا التأنيث قالوا: واسطةٌ. ومن العرب من يجعلها اسم أرض فلا يصرف. ودابق الصرف والتذكير فيه أجود. قال الراجز وهو غيلان: ودابق وأين مِّني دابق وقد يؤنث فلا يصرف. وكذلك منيً الصرف والتذكير أجود وإن شئت أنّثت ولم تصرفه. وكذلك هجر يؤنث ويذكَّر. قال الفرزدق: منهنّ ايَّام صدق قد عرفت بها أيَّام فارس والأيام من هجرا فهذا أنت. وسمعنا من يقول: " كجالب التَّمر إلى هجر " يا فتى. وأمَّا حجر اليمامة فيذكَّر ويصرف. ومنهم من يؤنث فيجريه مجرى امرأةٍ سميِّت بعمروٍ لأن حجرا شيء مذكر سِّمي به المذكَّر. فمن الأرضين: ما يكون مؤنَّثا ويكون مذكَّرا ومنها مالا يكون إلا على التأنيث نحو: عمان والزّاب وإراب ومنها ما لا يكون إَّلا على التذكير نحو فلجٍ وما وقع صفة كواسط ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وإنمَّا وقع لمعنىً نحو قول الشاعر: ونابغة الجعديُّ بالرَّمل بيته عليه ترابٌ من صفيح موضَّع أخرج الألف واللام وجعله كواسط. وأمَّا قولهم: قباء وحراء فد اختلفت العرب فيهما فمنهم من يذكّر ويصرف وذلك أنهَّم جعلوهما اسمين لمكانين كما جعلوا واسطاً بلداً أو مكانا. ومنهم من أنَّث ولم يصرف وجعلهما اسمين لبقعتين من الأرض. قال الشاعر جرير: ستعلم أينّا خير قديما ** وأعظمنا ببطن حراء نارا وكذلك أضاخ فهذا أنَّث وقال غيره فذكر. وقال العجاج: وربِّ وجهٍ من حراءٍ منحن وسألت الخليل فقلت: أرأيت من قال: قباء يا هذا كيف ينبغي له أن يقول إذا سمَّى به رجلاً قال: يصرفه وغير الصرف خطأ لأنَّه ليس بمؤنَّث معروف في الكلام ولكنَّه مشتق كجلاس وليس شيئاً قد غلب عليه عندهم التأنيث كسعاد وزينب. ولكه مشتقٌّ يحتمله المذكَّر ولا ينصرف في المؤنث كهجر وواسط. ألا ترى أنَّ العرب قد كفتك ذلك لمَّا جعلوا واسطا للمذكَّر صرفوه فلو علموا أنَّه شيء للمؤَّنث كعناق لم يصرفوه أو كان اسماً غلب التأنيث لم يصرفوه ولكنَّه اسم كغراب ينصرف في المذكَّر ولا في المؤنث فإذا سمّيت به الرجل فهو بمنزلة المكان. قلت: فإن سمَّيته بلسان في لغة من قال: هي اللسان قال: لا أصرفه من قبل أنَّ اللَّسان قد استقرّ عندهم حينئذ أنَّه بمنزلة: عناق قبل أن يكون اسماً لمعروف وقباء وحراء ليسا هكذا إنَّما وقعا علماً علماً على المؤنَّث والمذكّر مشتقين وغير مشتقّين في الكلام لمؤنَّث من شيء والغالب عليهما التأنيث فإنَّما هما كمذكر إذا وقع على المؤنَّث لم ينصرف. وأمَّا اللِّسان فبمنزلة اللذاذ واللذَّاذة يؤنِّث قوم ويذكّر آخرون.

هذا باب أسماء القبائل والأحياء

وما يضاف إلى الأب والأم أمَّا ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك: هذه بنو تميم وهذه بنو سلول ونحو ذلك. فإذا قلت: هذه تميم وهذه أسد وهذه سلول فإنَّما تريد ذلك المعنى غير أنَّك إذا حذفت المضاف تخفيفاً كما قال عزَّ وجلَّ: " واسأل القرية " ويطؤهم الطريق وأنَّما يريدون: أهل القرية وأهل الطريق. وهذا في كلام العرب كثير فلمَّا حذفت المضاف وقع عل المضاف إليه ما يقع على المضاف لأنه صار في مكانه فجرى مجراه. وصرفت تميماً وأسداً لأنّك لم تجعل واحداً منهما اسماً للقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف. ألا ترى أنَّك لو قلت: أسأل واسطاً كان في الانصراف على حاله إذا قلت: أهل واسط فأنت لم تغيّر ذلك المعنى وذلك التأليف إلاّ أنَّك حذفت. وإن شئت قلت: هؤلاء تميم وأسد لأنَّك تقول: هؤلاء بنو أسد وبنو تميم فكما أثبتَّ اسم الجميع ههنا أثبت هنالك اسم المؤنث يعني في: هذه تميم وأسد. فإن قلت: لم لم يقولوا: هذا تميم فيكون الفظ كلفظه إذا لم ترد معنى الإضافة حين تقول: جاءت القرية تريد: أهلها فلأنَّهم أرادوا أن يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل فكرهوا الالتباس. ومثل هذا القوم هو واحد في اللفظ وصفته تجري على المعنى لا تقول القوم ذاهب. وقد أدخلوا التأنيث فيما هو أبعد من هذا أدخلوه فيما لا يتغيّر منه المعنى لو ذكرَّت قالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ما جاءت حاجتك. وقد بين أشباه هذا في موضعه. وإن شئت جعلت تميماً وأسدا اسم قبيلة في الموضعين جميعا فلم تصرفه. والدليل على ذلك قول الشاعر نبا الخزُّ عن روحٍ وأنكر جلده وعجّت عجيجاً من جذام المطارف وسمعنا من العرب من يقول للأخطل: فإن تبخل سدوس بدرهميها فإنَّ الريح طيَّبة قبول فإذا قالوا: ولد سدوسٌ كذا وكذا أو ولد جذامٌ كذا وكذا صرفوه: ومما يقويِّ ذلك أن يونس زعم: أنَّ بعض العرب يقول: هذه تميم بنت مرٍّ. وسمعناهم يقولون: قيس بنت عيلان وتميم صاحبة ذلك. فإنَّما قال: بنت حين جعله اسماً لقبيلة. ومثل ذلك قوله: باهلة بن أعصر فباهلة امرأةٌ ولكنَّه جعله اسماً للحيّ فجاز له أن يقول: ابن. ومثل ذلك تغلب ابنة وائلٍ. غير أنه قد يجيء الشيء يكون الأكثر في كلامهم أن يكون أباً وقد يجيء الشيء يكون الأكثر فإذا قلت: هذه سدوس فأكثرهم يجعله اسماً للقبيلة. وإذا قلت: هذه تميمٌ فأكثرهم يجعله اسماً للأب. وإذا قلت: هذه جذام فهي كسدوس. فّإذا قلت: من بني سدوسٍ فالصرف لأنَّك قصدت قصد الأب. وأمّا أسماء الأحياء فنحو: معدٍّ وقريشٍ وثقيفٍ. وكلُّ شيء لا يجوز لك أن تقول فيه: من بني فلان ولا هؤلاء بنو فلان فإنمَّا جعله اسم حيّ فإن قلت: لم تقول هذه ثقيفٍ فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة من ثقيف ثم حذفوها ههنا كما حذفوا في تميمٍ. ومن قال: هؤلاء جماعة ثقيف قال: هؤلاء ثقيف. فإن أرادت الحيَّ ولم ترد الحرف قلت: هؤلاء ثقيف كما تقول: هؤلاء قومك والحيّ جينئذٍ بمنزلة القوم فكينونة هذه الأشياء للأحياء أكثر. وقد تكون تميمٌ اسماً للحيّ. وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن ويعني قريش وأخواتها. قال الشاعر: غلب المساميح الوليد سماحةً ** وكفى قريش المعضلات وسادها وقال: علم القبائل من معدَّ وغيرها أنّ الجواد محمَّد بن عطارد ولسنا إذا عدَّ الحصي بأقلةٍ وإنّ معدَّ اليوم مودٍ ذليلها وقال: وأنت أمرؤٌ من خير قومك فيهم وأنت سواهم في معدَّ مخيَّر وقال زهير: تمدُّ عليهم من يمينٍ واشملٍ بحورٌ ** له من عهد عاد وتبعَّا وقال: لو شهد عاد في زمان ** عاد لا بتزَّها مبارك الجلاد وتقول: هؤلاء ثقيف بن قسيّ فتجعله اسم الحيّ وتجعل ابن وصفاً كما تقول: كلٌّ ذاهبٌ وبعض ذاهب فهذه الأشياء إنمَّا هي آباء والحدُّ فيها أن تجري ذلك المجرى وقد جاز فيها ما جاز في قريشٍ إذا كانت جمعاً لقوم. قال الشاعر فيما وصف به الحيُّ ولم يكن جمعا: بحيٍّ نميريٍّ عليه مهابةٌ ** جميعٍ إذا كان اللئّام جنادعا وقال: سادوا البلاد وأصبحوا في آدمٍ ** بلغوا بها بيض الوجوه فحولا فجعله كالحي والقبيلة. فأما ثمود وسبأ فهما مرّةً للقبيلتين ومرّةً للحيين وكثرتهما سواءٌ. وقال تعالى: " وعاداً وثموداً " وقال تعالى: " ألا إنَّ ثموداً كفروا ربَّهم " وقال: " وآتينا ثمود النَّاقة مبصرةً " وقال: " وأمَّا ثمود فهديناهم " وقال: " لقد كان لسبأٍ في مساكنهم " وقال " من سبأٍ بنبأٍ يقين " وكلن أبو عمرٍ ولا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة. وقال الشاعر: من سبأ الحاضرين مأرب ** إذ يبنون من دون سيله العرما وقال في الصرف للنابغة الجعدي: أضحت ينفرها الوالدان من سبأٍ ** كأنّهم تحت دفيًّها دحاريج

هذا باب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة

كما أنّ عمان لم يقع إَّلا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها وذلك: مجوس ويهود. قال امرؤ القيس: أحار أريك برقاً هب وهنا كنار مجوس تستعر استعارا وقال: أولئك أولي من يهود بمدحه إذا أنت يوماً قلتها لم تؤنَّب فلو سميّت رجلاً بمجوس لم تصرفه كما لا تصرفه إذا سميّته بعمان. وأما قولهم: اليهود والمجوس فانما أدخلوا الألف واللام ههنا كما أدخلوها في المجوسّ واليهوديّ لأنهم أرادوا اليهوديِّين والمجوسِّيين ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة وشبهوا ذلك بقولهم: زنجيٌّ وزنجٌ إذا أدخلوا الألف واللام على هذا فكأنك أدخلتها على: يهودِّيين ومجوسييِّن وحذفوا ياءي الإضافة وأشباه ذلك. فإن أخرجت الألف واللام من المجوس صار نكرة كما أنك لو أخرجتها من المجوسييِّن صار نكرة. وأما نصاري فنكرة وإنمَّا نصاري جمع نصران ونصرانةٍ ولكنهَّ لا يستعمل في الكلام إلاّ بباءي الإضافة إلا في الشعر ولكنهم بنو الجميع على حذف الياء كما أن ندامى جمع ندمان والنَّصاري ههنا بمنزلة: النصرانييِّن. ومما يدلّك على ذلك قول الشاعر. صدَّت كما صدَّ عمَّا لا يحلُّ له ساقي نصاري قبيل الفصح صوّام فوصفه بالنكرة وإنمَّا النَّصاري جماع نصران ونصرانةٍ. والدليل على ذلك قول الشاعر: فكلتاهما خرَّت وأسجد راسها كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف فجاء على هذا كما جاء بعض الجميع على غير ما يستعمل واحداً في الكلام نحو: مذاكير وملامح.

هذا باب أسماء السُّور

تقول: هذه هود كما ترى إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة هود فيصير هكذا كقولك هذه تميم كما ترى. وإن جعلت هوداً اسم السورة لم تصرفها لأنَّها تصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو. والسُّور بمنزلة النسِّاء والأرضين. وإذا أردت أن تجعل اقتربت اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب حين سمَّيت به الرجل حتَّى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو إصبع. وأمّا نوح بمنزلة هودٍ تقول: هذه نوح إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة نوح. ومما يدلُّك على أن ّك حذفت سورةً قولهم: هذه الرَّحمن. ولا يكون هذا أبداً إلاّ وأنت تريد: سورة الرَّحمن. وقد يجوز أن تجعل نوح اسماً ويصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو إن جعلت نوح اسماً لها لم تصفره. وأمَّا حم فلا ينصرف جعلته اسماً لسورة أو أضفته إليه لأنَّهم أنزلوه بمنزلة اسم أعجمي نحو: هابيل وقابيل. وقال الشاعر: وهو الكميت: وجدنا لكم في آل حاميم آية ** تأوَّلها منّا تقيٌّ ومعرب وقال الحمَّاني: وكذلك: طاسين وياسين. واعلم أنه لا يجيء في كلامهم على بناء: حاميم وياسين وإن أردت في هذا الحكاية تركته وقفاً على حاله. وقد قرأ بعضهم: " ياسين والقرآن " و " قاف والقرآن ". فمن قال هذا فكأنّه جعله اسما أعجميّا ثم قال: أذكر ياسين. وأمّا صاد فلا تحتاج إلى أن تجعله اسما أعجميّا لأنَّ هذا البناء والوزن من كلامهم ولكنَّه يجوز أن يكون اسما للسُّورة فلا تصرفه. ويجوز أيضاً أن يكون ياسين وصاد اسمين غير متمكنين فيلزمان الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكّنة الحركات نحو: كيف وأين وحيث وأمس. وأمّا طسم فإن جعلته اسما لم يكن بدٌّ من أن تحرَّك النون وتصيَّر ميما كأنك وصلتها إلى طاسين فجعلتها اسما واحداً بمنزلة دراب جرد وبعل بكَّ. وإن شئت حكيت وتركت السواكن على حالها. وأما كهيعص والمر فلا يكنَّ إلاَّ حكاية. وإن جعلتها بمنزلة طاسين لم يجز لأنهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها بمنزلة: هابيل وقابيل وهاروت. وإن قلت: أجعلها بمنزلة: طاسين ميم لم يجز لأنَّك وصلت ميماً إلى طاسين ولا يجوز أن وإن قلت: أجعل الكاف والهاء اسماً ثم أجعل الياء والعين اسماً فإذا صارا اسمين ضممت أحدهما إلأى الآخر فجعلتها كاسم واحدا لم يجز ذلك لأنَّه لم يجيء مثل حضرموت في كلام العرب موصولا بمثله. وهذا أبعد لأنك تريد أن تصله بالصاد. فإن قلت: أدعه على حاله وأجعله بمنزلة إسماعيل لم يجز لأنَّ إسماعيل قد جاء عدة حروف على عدّة حروف أكثر العربية نحو: اشهيباب. وكهيعص ليس على عدّة خروفه شيء ولا يجوز فيه إلاَّ الحكاية. وأما نون فيجوز صرفها في قول من صرف هنداً لأن النون تكون أنثى فترفع وتنصب. ومما يدلُّ على أن حاميم ليس من كلام العرب أنّ العرب لا تدري ما معنى حاميم. وإن قلت: إنَّ لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنّه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي قالوا: قابوس ونحوه من الأسماء.

باب تسمية الحروف والكلم

التي تستعمل وليست ظروفاً ولا أسماءً غير ظروف ولا أفعالا فالعرب تختلف فيها يؤنثها بعض ويذكِّرها بعض كما أن اللَّسان يذكَّر ويؤنَّث زعم ذلك يونس وأنشدنا قول الراجز: فذكَّر ولم يقل: طاسمةً. وقال الراعي: كما بيِّنت كاف تلوح وميمها فقال: بيِّنت فأنّث وأما إنَّ وليت فحرّكت أواخرهما بالفتح لأنَّهما بمنزلة الأفعال نحو كان فصار الفتح أولى فإذا صيّرت واحداً من الحرفين اسماً للحرف فهو ينصرف على كلّ حال. وإن جعلته اسماً للكلمة وأنت تريد بلغة من ذكر لم تصرفها كما لم تصرف امرأة اسمها عمرو وإن سمّيتها بلغة من أنّث كنت بالخيار. ولا بدَّ لكلِّ واحدٍ من الحرفين إذا جعلته اسماً أن يتغيّر عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسما كما أنَّك إذا جعلت فعل اسما تغيّر عن حاله وصار بمنزلة الأسماء وكما أنَّك إذا سمَّيته بافعل غيرته عن حاله في الأمر. قال الشاعر: وهو أبو طالب: ليت شعري مسافر بن أبي عم ** رو وليت يقولها المحزون وسألت الخليل عن رجل سمَّيته أنَّ فقال: هذا أنَّ لا أكسره وأنَّ غير إنَّ: إنَّ كالفعل وأنَّ كالاسم. ألا ترى أنَّك تقول: علمت أنك منطلق فمعناه: علمت انطلاقك ولو قلت هذا لقلت لرجل يسمَّى بضارب: يضرب ولرجل يسمّى يضرب: ضارب. ألا ترى أنَّك لو سميته بإن الجزاء كان مكسورا وإن سميته بأن التي تنصب الفعل كان مفتوحاً. وأما لو وأو فهما ساكنتا الأواخر لأن قبل آخر كل واحدٍ منهما حرفا متحركا فإذا صارت كلُّ واحدة منهما اسماً فقصتّها في التأنيث والتذكير والانصراف كقصة ليت وإنَّ إلاَّ أنَّك تلحق واواً أخرى فتثقل وذلك لأنَّه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح. قال الشاعر أبو زبيد: ليت شعري وأين منِّي ليت إن ** ليتاً وإنَّ لوا عناء وقال: ألام على لوٍّ ولو كنت عالماً بأذناب لوٍّ لم تفتني أوائله وكان بعض العرب يهمز كما يهمز النؤور فيقول: لوء. وإنَّما دعاهم إلى تثقيل لوٍّ الذي يدخل الواو من الإجحاف لو نوَّنت وما قبلها متحرّك مفتوح فكرهوا أن لا يثقِّلوا حرفاً لو انكسر ما قبله أو انضمَّ ذهب في التنوين ورأوا ذلك إخلالاً لو لم يفعلوا. فممَّا جاء فيه الواو وقبله مضموم: هو فلو سمَّيت به ثقَّلت فقلت: هذا هوٌّ وتدع الهاء مضمومة لأنَّ أصلها الضمُّ تقول: هما وهم وهنَّ. ومما جاء وقبله مكسور: هي فإن سمّيت به رجلاً ثقلّته كما ثقلّت هو. وإن سمّيت مؤنثاً بهو لم تصرفه لأنه مذكّر. ولو سمّيت رجلاً ذو لقلت: هذا ذواً لأن اصله فعلٌ. إلا ترى أنك تقول: هاتان ذواتا مالٍ. فهذا دليلٌ على أن ذو فعلٌ كما أنَّ أبوان دليل على أن أباً فعلٌ. وكان الخليل يقول: هذا ذوٌّ بفتح الذال لأنَّ أصلها الفتح تقول: ذوا وتقول: ذوو. وأمَّا كي فتثقَّل ياؤها لأنهّ ليس في الكلام حرف آخره ياء ما قبله مفتوح. وقصَّتها كقصَّة لوّ. وأمَّا في فتثقَّل ياؤها لأنهَّا لو نوّنت أجحف بها اسماً. وهي كياء هي وكواو هو وليس في الكلام اسم هكذا ولم يبلغوا بالأسماء هذه الغاية أن تكون في الوصل لا يبقى منها إَّلا حرف واحد فإذا كانت اسماً لمؤنّث لا ينصرف ثقّلت أيضاً لأنه إذا اثر أن يجعلها اسماً فقد لزمها أن تكون نكرة وان تكون اسماً لمذكَّر فكأنَّهم كرهوا أن يكون الاسم في التذكير والنكَّرة على حرف كما كرهوا أن يكون كذلك في الوصل. وليس من كلامهم أن يكون في الانصراف والوصل على بناء وفي غير الانصراف والوصل على آخره فصار الاسم لغير منصرف يجيء على بنائه إذا كان اسماً لمنصرف ومن ثمَّ مدَّوا لا وفي في الانصراف وغير الانصراف والتأنيث والتذكير ككي ولو وقصتها كقصتَّهما في كل شيء. وإذا صارت ذا اسماً أو ما مدَّت ولم تصرف واحداً منهما إذا كان اسم مؤنث لأنهما مذكران. فأمَّا لا فتمدهُّا وقصتها قصَّة في في التذكير والتأنيث والانصراف وتركه. وسألته عن رجل اسمه: فو فقال: العرب قد كفتنا أمر هذا لما أفردوه قالوا: فمٌ فأبدلوا الميم مكان الواو حتَّى يصير على مثال تكون الأسماء عليه فهذا البدل بمنزلة تثقيل لوًّ ليشبه الأسماء فإذا سميتَّه بهذا فشبهه بالأسماء كما شبهت العرب ولو لم يكونوا قالوا: فم لقلت: فوه لأنَّه من الهاء قالوا: أفواه كما قالوا سوط و أسواط. وأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فإذا صرن أسماء فهنّ مددن كما مدت لا مدت إلا أنهن إذا كن أسماء يجرين مجرى رجل ونحوه و يكنَّ نكرةً بغير ألف ولام. ودخول الالف واللام فيهنَّ يدلك على أنهن نكرة إذا لم يكن فيهن ألف ولام فأحريت هذه الحروف مجرى ابن مخاضٍ وابن لبونٍ وأجريت الحروف الاول مجرى سامّ ابرص وأمّ حبين ونحوهما. ألا ترى أن الألف واللام لا تدخلان فيهن. واعلم أن هذه الحروف إذا تهجّيت مقصورةٌ لأنها ليست بأسماء وإنمَّا جاءت في الَّتهجيَّ على الوقف. ويدلك على ذلك: أن القاف والصاد والدال موقوفة الأواخر فلولا أنهَّا على الوقف حرّكت أواخرهن. ونظير الوقف ههنا الحذف في الباء وأخواتها. وإذا أردت أن تلفظ بحروف المعجم قصرت وأسكنت لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء ولكنك أردت أن تقطع حروف الاسم فجاءت كأنها أصواتٌ يصوت بها إّلا أَّنك تقف عندها لأنها بمنزلة عه. فإن قلت ما بالي أقول: واحد اثنان فأشمُّ الواحد ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأنًّ الواحد اسم متمكّن وليس كالصوت وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج وهي ههنا بمنزلة لا في الكلام إَّلا أنهَّا ليست تدرج عندهم وذلك لأنّ لا في الكلام على غير ما هي عليه إذا كانت اسما. وزعم من يوثق به: أنهَّ سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها ولم يحوّلها تاءً لأنهَّ جعلها ساكنة والساكن لا يتغير في الإدراج تقول: اضرب ثم تقول: اضرب زيدا. واعلم أنَّ الخليل كان يقول: إذا تهجَّيت فالحروف حالها كحالها في المعجم والمقَّطع تقول: لام ألف وقاف لام. قال: تكتبّان في الطريق لام ألف وأمَّا زاي ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي ككي ومنهم من يقول: زاي فيجعلها بزنة واو وهي أكثر. وأمَّا أم ومن وإن ومذ في لغة من جرّ وأن وعن إذا لم تكن ظرفا ولم ونحوهن إذا كنَّ أسماءً لم تغيرَّ لأنَّها تشبه الأسماء نحو: يدٍ ودمٍ تجريهنَّ إن شئت إذا كن أسماءً للتأنيث. وأمّا نعم وبئس ونحوهما فليس فيهما كلامٌ لأنهما لا تغيران لأنَّ عامّة الأسماء على ثلاثة أحرف. ولا تجريهن إذا كن أسماءً للكلمة لأنَّهن أفعال والأفعال على التذكير لأنهَّا تضارع فاعلاً. واعلم أنك إذا جعلت حرفاً من حروف المعجم نحو: البا والتا وأخواتهما اسماً للحرف أو للكلمة أو لغير ذلك جرى مجرى لا إذا سمّيت بها تقول: هذا باءٌ كما تقول: هذا لاءٌ فاعلم.

باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء

اعلم أنَّك إذا سميّت كلمة بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها لأنهَّا مذكَّرات. ألا ترى انّك تقول: تحيت ذاك وخليف ذاك ودوين ذاك. ولو كنّ مؤنّثاتٍ لدخلت فبهن الهاء كما دخلت في قد يديمةٍ ووريئّةٍ. وكذلك قبل وبعد تقول: قبيل وبعيد. وكذلك أين وكيف ومتى عندنا لأنَّها ظروف وهي فيعندنا على التذكير وهي الظروف بمنزلة ما ومن في الأسماء فنظيرهنَّ من الأسماء غير الظروف مذكّر. والظروف قد تبيَّن لنا أن أكثرها مذكّر حيّث حقّرت فهي على الأكثر وعلى وكذلك إذ هي كالحين وبمنزلة ما هو جوابه وذلك متى. وكذلك ثمَّ وهنا هما بمنزلة أين وكذلك حيث وجواب أين كخلف ونحوها. وأمّا أمام فكلُّ العرب تذكَّره. أخبرنا بذلك يونس. وأمّا إذا ولدن فكعند ومثلهن عن فيمن فال: من عن يمينه. وكذلك منذ في لغة من رفع لأنهَّا كحيث. ولو لم تجد في هذا الباب ما يؤكّد التذكير لكان أن تحمله على التذكير أولى حتىَّ يتبينّ لك أنه مؤنّث. وأمّا الأسماء غير الظروف فنحو بعض وكلّ وأيّ وحسب. ألا ترى أنَّك تقول: أصبت حسبي من الداء. وقط كحسب وإن لم تقع في جميع مواقعها. ولو لم يكن اسماً لم تقل: قطك درهمان فيكون مبنيّا عليه كما أنَّ علي بمنزلة فوق وإن خالفتها في أكثر الواضع. سمعنا من العرب من يقول: نهضت من عليه كما تقول: نهضت من فوقه. واعلم أنهَّم إنمَّا قالوا: حسبك درهمٌ وقطك درهمٌ فأعربوا حسبك لانهَّا أشد تمكنّا. ألا ترى أنهَّا تدخل عليها حروف الجرّ تقول: بحسبك وتقول: مررت برجلٍ حسبك فتصف به. وقط لا تمكَّن هذا التمكَّن. واعلم أنَّ جميع ما ذكرنا لا ينصرف منه شيءٌ إذا كان اسماً للكلمة وينصرف جميع ما ذكرنا في المذكّر إلاّ أن وراء وقدّام لا ينصرفان لأنهَّما مؤنثّان. وأمّا ثمَّ وأين وحيث ونحوهنّ إذا صيرن اسماً لرجل أو امرأة أو حرفٍ أو كلمة فلا بد لهنَّ من أن يتغيرّن عن حالهنَّ ويصرن بمنزلة زيد وعمرو لأنَّك وضعتهن بذلك الموضع كما تغيرّت ليت وإنَّ. فإن أردت حكاية هذه الحروف تركتها على حالها قال: " إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال " ومنهم من يقول: عن قبل وقالٍ لماّ جعله اسماً. قال ابن مقبل: أصبح الدهر وقد ألوي بهم غير تقوالك من قيلٍ وقال و القوافي مجرورة. قال: ولم أسمع به قيلاً وقالا وفي الحكاية قالوا: مذشبَّ إلى دبَّ وإن شئتٍّ: مذشبٍّ إلى دب: وتقول إذا نظرت في الكتاب: هذا عمروٌ وإنمَّا المعنى هذا اسم عمرو وهذا ذكر عمروٍ ونحو هذا إّلا أنَّ هذا يجوز على سعة الكلام كما تقول: جاءت القرية. وإن شئت قلت: هذه عمروٌ أي هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول: هذه ألفٌ وأنت تريد هذه الدراهم الفٌ. وإن جعلته اسماً للكلمة لم تصرفه وإن جعلته للحرف صرفته. وأبو جادٍ وهوّازٌ وحطّيٌّ كعمروٍ وفي جميع ما ذكرنا وحال هذه الأسماء حال عمروٍ. وهي أسماءٌ عربيّة وأمَّا كلمن وسعفص وقريشيات فإنهنَّ أعجمية لا ينصرفن ولكنهَّن يقعن مواقع عمروٍ وفيما ذكرنا إّلا أنَّ قريشيات بمنزلة عرفاتٍ وأذرعاتٍ. فإمَّا الألف وما دخلته الألف واللام فإنمَّا يكنَّ معارف بالألف واللام كما أنَّ الرجل لا يكون معرفة بغير ألف ولام.

باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنّث

كما جاء المذكّر معدولاً عن حدّه نحو: فسق ولكع وعمر وزفر وهذا المذكّر نظير ذلك المؤنّث. فقد يجيء هذا المعدول اسماً للفعل واسماً للوصف المنادّى المؤنّث كما كان فسق ونحوه المذكّر وقد يكون اسماً للوصف غير المنادى وللمصدر ولا يكون إلاَّ مؤنّثاً لمؤنّث. وقد يجيء معدولاً كعمر ليس اسماً لصفة ولا فعلٍ ولا مصدرٍ. أمّا ما جاء اسماً للفعل وصار بمنزلته فقول الشاعر: مناعها من إبل مناعها ألا ترى الموت لدى ارباعها تراكها من إبل تراكها ألا ترى الموت لدى أوراكها وقال أبو النجم: وقال رؤبة: نظار كي أركبها نظار ويقال: نزال أي انزل. وقال زهير: ولنعم حشو الدّرع أنت إذا دعيت نزال ولجَّ في الذَّعر ويقال للضَّبع: دباب أي دبّي. قال الشاعر: نعاء ابن ليلى للسمَّاحة والنَّدى ** وأيدي شمالٍ باردات الأنامل وقال جرير: نعاء أبا ليلى لكلّ طمرةٍ وجرداء مثل القوس سمحٍ حجولها فالحدّ في جميع هذا أفعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره لأنه لا يكون بعد الألف ساكن. وحرّك بالكسر إنَّ الكسر مما يؤنّث به. تقول: إنّك ذاهبة وأنت ذاهبة وتقول: هاتي هذا للجارية وتقول: هذي أمة الله واضر. إذا أردت المؤنّث وإنَّما الكسرة من الياء. ومما جاء من الوصف منادّى وغير منادّى: يا خباث وبالكاع. فهذا اسم للخبيثة وللَّكعاء ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي: فقلت لها عيثي جعار وجرِّري ** بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره وإنَّما هو اسم للجاعرة وإنَّما يريد بذلك الضَّبع. ويقال لها: فثام لأنَّها تقثم أي تقطع. وقال الشاعر: لحقت حلاق بهم على أكسائهم ** ضرب الرِّقاب ولا يهمُّ المغنم فحلاق معدول عن الحالقة وإنَّما يريد بذلك المنيّة لأنها تحلق. وقال الشاعر مهلهل: ما أرجّى بالعيش بعد ندامى ** قد أراهم سقوا بكأس حلاق فهذا كلّه معدول عن وجهه وأصله فجعلوا آخره كآخر ما كان للفعل لأنَّه معدول عن اصله كما عدل: نظار وحذار وأشباههما عن حدّهن وكلهن مؤنّث فجعلوا بابهنَّ واحدا. فإن قلت: ما بال فسق ونحوه لا يكون جزما كما كان هذا مكسورا فإنَّما ذلك لم يقع في موضع الفعل فيصير بمنزلة: صه ومه ونحوهما فيشبَّه ها هنا به في ذلك الموضع. وإنَّما كسروا فعال ها هنا لأنَّهم شبّهوها بها في الفعل. ومما جاء اسماً للمصدر قول الشاعر النابغة: إنّا اقتسمنا خطَّتينا ** بيننا فحملت برّة واحتملت فجار ففجار معدول عن الفجرة. وقال الشاعر: فقال أمكثي حتَّى يسار لعلنا ** نحجُّ معاُ قالت: أعاماً وقابله فهي معدولة عن الميسرة. وأجرى هذا الباب مجرى الذي قبله أنه عدل كما عدل ولأنَّه مؤنّث بمنزلته. وقال الشاعر الجعديّ: وذكرت من لبن المحلَّق شربةً ** والخيل تعدو بالصعَّيد بداد فهذا بمنزلة قوله: تعدو بدداً إَّلا أنَّ هذا معدولٌ عن حدّه مؤنثّا. وكذلك عدلت عليه مساس. والعرب تقول: أنت لا مساس ومعناه لا تمسنُّي ولا أمسُّك. ودعني كفاف فهذا معدول عن مؤنّث وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المؤنّث الذي عدل عنه بداد وأخواتها. ونحو ذا في كلامهم. ألا تراهم قالوا: ملامح ومشابه وليالٍ فجاء جمعه على حدِّ ما لم يستعمل في الكلام لا يقولون: ملمحة ولا ليلاة. ونحو ذا كثير. قال الشاعر الملتمس: جماد لها جماد ولا تقولي ** طوال الدهر ما ذكرت حماد فهذا بمنزلة جموداً ولا تقولي: حماد عدل عن قوله: حمداً لها ولكنه عدل عن مؤنّث كبداد. وأمّا ما جاء معدولاً عن حدّه من بنات الأربعة فقوله: قالت: له ريح الصَّبا قرقار فإنَّما يريد بذلك قال له: قرقر بالرَّعد للسَّحاب وكذلك عرعار وهو بمنزلة قرقار وهي لعبة واعلم أنَّ جميع ماذكرنا إذا سميّت به امرأةً فإنَّ بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرف وهو القياس لأنَّ هذا لم يكن اسماً علما فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدوداً عنه وذلك الفعل افعل لأن فعال لا يتغّير عن الكسر كما أنَّ افعل لا يتغير عن حال واحدة. فإذا جعلت افعل اسماً لرجل أو امرأة تغَّير وصار بمنزلة الأسماء فينبغي لفعال التي هي معدولة عن افعل أن تكون بمنزلة بل هي أقوى. وذلك أنَّ فعال اسمٌ للفعل فإذا نقلته إلى الإسم إلى شيء هو مثله والفعل إذا نقلته إلى الاسم إلى الاسم نقلته إلى الاسم نقلته إلى شيء هو منه أبعد. وكذلك كلّ فعال إذا كانت معدولة عن غير افعل إذا جعلتها اسماً لأنَّك إذا جعلتها علماً فأنت لا تريد ذلك المعنى. وذلك نحو حلاق التي هي معدولة عن الحالقة وفجار التي هي معدولة عن الفجرة وما أشبه هذا. ألا ترى أنَّ بني تميم يولون: هذه قطام وهذه حذام لأنَّ هذه معدولة عن حاذمة وقطام معدولة عن قاطمة أو قطمة وإنمَّا كل واحدةٍ منهما معدولةٌ عن الاسم هو علم ليس عن صفة كما أن عمر معدول عن عامرٍ علماً لا صفةً. لولا ذلك لقلت: هذا العمر تريد: العامر. وأمّا أهل الحجاز فلمّا رأوه اسماً لمؤنّث ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيِّروه لانَّ البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنّث كما كان ثمَّ اسماً للمؤنث وهو ههنا معرفة كما كان ثمَّ ومن كلامهم أن يشبهٍّوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء. وسترى ذلك إن شاء الله ومنه ما قد مضى. فأمّا ما كان آخره راءً فإنَّ أهل الحجاز وبني تميم فيه متفّقون ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يرى والحجازيّة هي اللغة الأولى القدمى. فزعم الخليل: إن إجناح الألف أخفُّ عليهم يعني: الإمالة ليكون العمل من وجهٍ واحد فكرهوا ترك الخفّة وعلموا أنهَّم إن كسروا الراء وصلوا إلى ذلك وأنهَّم إن رفعوا لم يصلوا. وقد يجوز أن ترفع وتنصب ما كان في آخره الراء. قال الأعشى: ومرَّ دهرٌ على وبار فهلكت جهرةً وبار والقوافي مرفوعة. فممّا جاء وآخره راءٌ: سفار وهو اسم ماء وحضار وهو اسم كوكب ولكنَّهما مؤنثان كماويّة والشِّعري كأنَّ تلك اسم الماءة وهذه اسم الكوكبة. وممّا يدلَّك على أن فعال مؤنّثة قوله: دعيت نزال ولم يقل دعي نزال وأنهم لا يصرفون رجلا سموه رقاش وحذام ويجعلونه بمنزلة رجل سموه يضق وأعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب من فقال ما كان منه بالراء وغير ذلك إذا كان شيء منه اسماً لمذكر لم ينجزّ أبدا وكان المذكر في هذا بمنزلته إذا سمّي بعناقٍ لأنَّ هذا البناء لا يجيء معدولاً عن مذكّر فيشبَّه به. تقول: هذا حذام ورأيت حذام قبل ومررت بحذام قبل سمعت ذلك ممن يوثق بعلمه. وإذا كان جميع هذا نكرةً انصرف كما ينصرف عمر في النكرة لأنَّ ذا لا يجيء معدولاً عن نكرة. ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمّي به مذكَّرا لا يضعه على التأنيث بل يجعله اسماً مذكرّا كأنه سمّي رجلاً بصباح. وإذا كان الاسم على بناء فعال نحو: حذامٍ ورقاش لا تدري ما اصله أمعدولٌ أم غير معدول أم مؤنّث أم مذكّر فالقياس فيه أن تصرفه لأنَّ الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدولٍ مثل: الذَّهاب والصَّلاح والفساد والربَّاب. واعلم أنّ فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلاَّ أن تسمع شيئاً فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه. فمن ذلك: قرقار وعرعار. واعلم أنَّك إذا قلت: فعال وأنت تأمر امرأةً أو رجلاً أو أكثر من ذلك أنَّه على لفظك إذا كنت تأمر رجلاً واحداً. ولا يكون ما بعده إلاّ نصباً لان معناه افعل كما أنَّ ما بعد افعل لا يكون إلاّ نصباً. وإنما منعهم أن يضمروا في فعال الاثنين والجميع والمرأة لأنهَّ ليس بفعل وإنما هو اسمٌ في معنى الفعل. واعلم أن فعال ليس بمطّرد في الصفات نحو: حلاق ولا في مصدر نحو: فجار وإنَّما يطّرد هذا الباب في النداء وفي الأمر. 

=====

الكتاب (سيبويه)/الجزء السادس 










باب تغيير الأسماء المبهمة إذا صارت علامات خاصّة


وذلك: ذا وذي وتا وألا وألاء وتقديرها أولاع. فهذه الأسماء لما كانت مبهمة تقع على كلّ شكل شيء وكثرت في كلامهم خالفوا بها ما سواها من الأسماء في تحقيرها وغير تحقيرها وصارت عندهم بمنزلة لا وفي نحوها وبمنزلة الأصوات نحو: غاق وحاء. ومنهم من يقول: غاقٍ وأشباهها فإذا صار اسماً عمل فيه ما عمل بلا لأنَّك قد حوّلته إلى تلك الحال كما حولت لا. وهذا قول يونس والخليل ومن رأينا من العلماء إلاّ أنكّ لا تجري ذا اسم مؤنّث لأنه مذكّر إلاّ في قول عيسى فإنهّ كان يصرف امرأة سميتّها: بعمرو. وأمّا آلاء فتصرفه اسم رجل وترفعه وتجّره وتنصبه وتغيّره كما غيرّت هيهات لو سميّت رجلاً به وتصرفه لأنّه ليس فيه شيء مما لا ينصرف به. وأمّا ألا فبمنزلة: هدًي منوَّنا وليس بمنزلة: حجا ورمي لأنَّ هذين مشتقّان وألا ليس بمشتقّ ولا معدولا وإنَّما ألا وآلاء بمنزلة: البكا والبكاء إنمَّا هما لغتان. وأمَّا الذي فإذا سميّت به رجلا أو بالتّي أخرجت الألف واللام لأنك تجعله علماً له ولست تجعله ذلك الشيء بعينه كالحارث ولو أردت ذلك لأثبتّ الصلة. وتصرفه وتجربه مجري عمٍ. وأمّا اللائي واللاتي فبمنزلة: شآتي وضاري وتحرج منه الألف واللام. ومن حذف الياء رفع وجرَّ ونصب أيضاً لأنه بمنزلة الباب. فمن أثبت الياء جعلها بمنزلة قاضي وقال فيمن قال: اللاء ولاء لأنه يصيرها بمنزلة بابٍ حرف الأعراب العين وتخرج الألف واللام هاهنا كما أخرجتهما في الذي وكذلك: ألا في معنى الذين بمنزلة: هديٍ. وسألت الخليل: عن ذين اسم رجل فقال: هو بمنزلة رجلين ولا أغيِّره لأنه لا يختلُّ الاسم لأن يكون هكذا. وسألته: عن رجل سمَّي بأولي من قوله: نحن أولو قوَّةٍ وأولو بأسٍ شديد أو بذوي فقال: أقول فلا اعني بذلك أسفليكم ولكني أريد به الذوينا قلت: فإذا سميّت رجلا بذي مالٍ هل تغيره قال لا ألا تراهم قالوا: ذو يزنٍ منصرف فلم يغيّروه كأبي فلانٍ فذا من كلامهم مضاف لأنهَّ صار المجرور منتهى الاسم وأمنوا التنوين وخرج من حال التنوين حيث أضفت ولم يكن منتّهى الاسم واحتملت الإضافة ذا كما احتملت أبازيدٍ وليس مفردٌ آخره هكذا فاحتملته كما احتملت الهاء عرقوةٌ. وسألته عن أمسٍ اسم رجل فقال: مصروفٌ لأن أمس ليس هاهنا على الحد ولكنَّه لما كثر في كلامهم وكلن من الظروف تركوه على حالٍ واحدة كما فعلوا ذلك باين وكسروه كما كسروا غاق إذ كانت الحركة تدخله لغير إعراب كما أنَّ حركة غاق لغير إعراب. فإذا صار اسماً لرجل انصرف لأنكَّ قد نقلته إلى غير ذلك الموضع كما أنكَّ إذا سميّت بغلق صرفته. فهذا يجري مجرى هذا كما جرى ذا مجرى لا. واعلم أنَّ بني تميم يقولون في موضع الرفع: ذهب أمس بما فيه وما رأيته مذ أمس فلا يصرفون في الرَّفع لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام لا عن ما ينبغي له أن يكون عليه في القياس. ألا ترى أنَّ أهل الحجاز يكسرونه في كلّ المواضع وبنو تميم يكسرونه في أكثر المواضع في النصب والجر فلمّا عدلوه عن أصله في الكلام ومجراه تركوا صرفه كما تركوا صرف آخر حين فارقت أخواتها في حذف الألف واللام منها وكما تركوا صرف سحر ظرفاً لأنه إذا كان مجروراً أو مرفوعاً أو منصوبا غير ظرف لم يكن معرفةً إلا وفيه الألف واللام أو يكون نكرةً إذا أخرجتا منه فلمّا صار معرفةً في الظرف بغير ألف ولام خالف في هذه المواضع وصار معدولاً عندهم كما عدلت أخر عندهم. فتركوا صرفه في هذا الموضع كما ترك صرف أمس في الرفع. وإن سميّت رجلاً بأمس في هذا القول صرفته لأنهَّ لا بد لك من أن تصرفه في الجرّ والنصب لأنهّ في الجّر والنصب مكسورٌ في لغتهم فإذا انصرف في هذين الموضعين انصرف في الرَّفع لأنك تدخله في الرفع وقد جرى له الصَّرف في القياس في الجرّ والنصب لأنكَّ لم تعدله عن أصله في الكلام مخالفاً للقياس. ولا يكون أبداً في الكلام اسمٌ منصرف في الجرّ والنصب ولا ينصرف في الرفع. وكذلك سحر اسم رجل تصرفه وهو في الرجل أقوى لانه لا يقع ظرفاً ولو وقع اسم شيء وكان ظرفاً. صرفته وكان كأمس لو كان أمس منصوبا غير ظرف مكسورٍ كما كان. وقد فتح قوم أمس في مذ لمّا رفعوا وكانت في الجرّ هي التي ترفع شَّبهوها بها. قال: لقد رأيت عجباً مذ أمسا عجائزاً مثل السَّعالي خمسا وهذا قليل. وأمّا ذه اسم رجل فأنَّك تقول: هذا ذهٌ قد جاء والهاء بدل من الياء في قولك ذي أمة الله كما أنّ ميم فمٍ بدلٌ من الواو. والياء التي في قولك: ذهي أمة الله إنمّا هي ياءٌ ليست من الحرف وإنما هي لبيان الهاء. فإذا صارت اسماً لم تحتج إلى ذلك لمّا لزمتها الحركة والتنوين والدَّليل على ذلك أنَّك إذا سكت: ذه. وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: ذه أمة الله فيسكنون الهاء في الوصل كم يقولون: بهم في الوصل. هذا باب الظروف المبهمة غير المتمكنة


وذلك لأنهَّا لا تضاف ولا تصرَّف تصرَّف غيرها ولا تكون نكرة. وذاك: أين ومتى وكيف وحيث وإذ وإذا وقبل وبعد. فهذه الحروف وأشباهها لمّا كانت مبهمة غير متمكّنة شبِّهت بالأصوات وبما ليس باسمٍ ولا ظرف. فإذا التقى في شيء منها حرفان ساكنان حركوا الآخر منهما. وإن كان الحرف الذي قبل الآخر متحرَّكا أسكنوه كما قالوا: هل وبل وأجل ونعم وقالوا: جير فحرّكوه لئّلا يسكن حرفان. فأمّا ما كان غايةً نحو: قبل وحيث فإنَّهم يحرّكونه بالضمّة. وقد قال بعضهم: حيث شبهَّوه بأين. ويدلَّك على أن قبل وبعد غير متمكنّين انه لا يكون فيهما مفردينٍ ما يكون فيهما مضافين لا تقول: قبل وأنت تريد أن تبني عليها كلاما ولا تقول: هذا قبل كما تقول: هذا قبل العتمة فلمّا كانت لا تمكَّن وكانت تقع على كلّ شبهّت حين بالأصوات وهل وبل لأنهَّا ليست متمكنة. وجزمت لدن ولم تجعل كعند لأنَّها لا تمكن في الكلام تمكّن عند ولا تقع في جميع مواقعه فجعل بمنزلة قط لأنها غير متمكنّة. وكذلك قط وحسب إذا أردت ليس إلاَّ وليس إَّلا وليس إَّلا ذا. وذا بمنزلة قطُّ إذا أردت الزمان لماّ كنّ غير متمكنّات فعل بهنَّ ذا. وحركوا قطُّ وحسب بالضمّة لأنهمَّا غايتان. فحسب للانتهاء وقط كقولك: منذ كنت. وأمّا لد فهي محذوفةً كما حذفوا يكن. ألا ترى أنَّك إذا أضفت إلى مضمر رددته إلى الأصل تقول: من لدنه ومن لدنّي فإنمَّا لدن كعن. وسألت الخليل عن معكم ومع لأيِّ شيء نصبتها فقال: لأنَّها استعملت غير مضافة أسماً كجميع ووقعت نكرة وذلك قولك: جاءا معاً وذهبا معاً وقد ذهب معه ومن معه صارت ظرفاً فجعلوها بمنزلة: أمام وقداَّم. قال الشاعر فجعلها كهل حين اضطرّ وهو الراعي: وريشي منكم وهواي معكم ** وإن كانت زيارتكم لماما وأمّا منذ فضمّت لأنهَّا للغاية ومع ذا أنّ من كلامهم أن يتبعوا الضمَّ الضمَّ كما قالوا: ردُّ يافتى. وسألت الخليل عن من عل هلاّ جزمت اللام فقال: لأنهَّم قالوا: من علٍ فجعلوها بمنزلة المتمكّن فأسبه عندهم من معالٍ فلمّا أرادوا أن يجعل بمنزلة قبل وبعد حرَّكوه كما حرّكوا أوَّل فقالوا: ابدأ بهذا أوَّل كما قالوا: يا حكم أقبل في النداء لأنهَّما لمّا كانت أسماءً متمكنةً كرهوا أن يجعلوها بمنزلة غير المتمكنة فلهذه الأسماء من التمكن ماليس من التمكن ما ليس لغيرها فلم يجعلوها في الإسكان بمنزلة غيرها وكرهوا أن يخلوا بها. وليس حكم و أوَّل ونحوهما كالذَّي ومن لأنهَّا لا تضاف ولا تتم اسماً ولا تكون نكرةً ومن أيضاً لا تتم اسماً في الخبر ولا تضاف كما تضاف أيٌ ولا تنوَّن كما تنوَّن أيٌّ. وجميع ما ذكرنا من الظروف التي شبهّت بالأصوات ونحوها من الأسماء غير الظروف إذا جعل شيء منها اسماً لرجل أو امرأة تغيَّر كما تغيَّر لو وهل وبل وليت كما فعلت ذلك بذا وأشباهها لأنّ ذا قبل أن تكون اسما خاصّاً كمن في أنهَّ لا يضاف ولا يكون نكرةً فلم يتمكّن تمكُّن غيره من الأسماء. وسالت الخليل عن قولهم: مذ عامٌ أوَّل ومذ عامٍ أوَّل فقال: أوَّل ههنا صفة وهو أفعل من عامك ولكنَّهم ألزموه هنا الحذف استخفافاً فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفضل منك. وقد جعلوه اسماً بمنزلة أفكّلٍ وذلك قول العرب: ما تركت له أولاً ولا آخراً وأنا أوَّل منه ولم يقل رجلٌ أوَّل منه فلمَّا جاز فيه هذان الوجهان أجازوا أم يكون صفةً وأن يكون اسماً. وعلى أيّ الوجهين جعلته اسماً لرجل صرفته اسماً في النكرة. وإذا قلت عامٌ أوَّل فإنما جاز هذا الكلام لأنك تعلم به أنك تعني العام الذي يليه عامك كما أنَّك إذا قلت أوَّل من أمس أو بعد غدٍ فإنمَّا تعني الذي يليه أمس والذي يليه غدٌ. وأمّا قولهم: ابدأ به أوَّل وابدأ بها أوَّل فإنمَّا تريد أيضاّ أوَّل من كذا ولكن الحذف جائز جيدِّ كما تقول: أنت أفضل وأنت تريد من غيرك. إلاَّ أن الحذف لزم صفة عامٍ لكثرة استعمالهم إيّاه حتى استغنوا عنه. ومثل هذا في الكلام كثير. والحذف يستعمل في قولهم: ابدأ به أوَّل اكثر. وقد يجوز أن يظهروه إلا أنهَّم إذا أظهروه لم يكن إلا الفتح. وسألته عن قول بعض العرب وهو قليل: مذ عامٌ أوّل فقال: جعلوه ظرفاً في ها الموضع فكأنه قال: مذ عامٌ قبل عامك. وسألته عن قوله: زيد أسفل منك فقال: هذا ظرف كقوله عزّ وجلّ: " والرَّكب أسفل منكم " كأنه قال: زيدٌ في مكان أسفل من مكانك. ومثل الحذف في أوَّل لكثرة استعمالهم إيّاه قولهم: لا عليك. فالحذف في هذا الموضع كهذا. ومثله: هل لك في ذلك ومن له في ذلك ولا تذكر له حاجة ولا لك حاجة ونحو هذا أكثر من أن يحصى قال يا ليتها كانت لإهلي إبلاً أو هزلت في جدب عام أولاً يكون على الوصف والظرف. وسألته عن قوله: من دونٍ ومن فوقٍ ومن تحتٍ ومن قبلٍ ومن بعدٍ ومن دبرٍ ومن خالف فقال: أجروا هذا مجرى الأسماء المتمكنّة لأنهَّا تضاف وتستعمل غير ظرف. ومن العرب من يقول: من فوق ومن تحت يشبهّه بقبل وبعد. وقال أبو النجم: أقبٌّ من تحت عريضٌ من عل وقال آخر: لا يحمل الفارس إلاَّ الملبون المحض من أمامه ومن دون وكذلك من أمام ومن قدّامٍ ومن وراءٍ ومن قبلٍ ومن دبرٍ. وزعم الخليل أنّهنّ نكراتٌ كقول أبي النجم: يأتي لها من أيمنٍ وأشمل وسألنا العرب فوجدناهم يوافقونه ويجعلونه كقولك: من يمنةٍ وشأمةٍ وكما جعلت ضحوةٌ نكرة وبكرة معرفة. وأمّا يونس فكان يقول: من قدّام ويجعلها معرفة وزعم أنهَّ منعه من الصرف أنهَّا مؤنثّة. ولو كانت شأمةٌ كذا لما صرفها وكانت تكون معرفةً. وهذا مذهبٌ إلاّ أنهَّ ليس يقوله أحدٌ من العرب. وسألنا العلويّين والتمَّيميّين فرأيناهم يقولون: من قد يديمةٍ ومن ورئيِّةٍ لا يجعلون ذلك إلاَّ نكرة كقولك: صباحاً ومساءً وعشيّةً وضحوةً. فهذا سمعناه من العرب. وتقول في النصب على حدّ قولك: من دون ومن أمامٍ: جلست أماماً وخلفاً كما تقول يمنةً وشأمةً. قال الجعدي. لها فرطٌ يكون ولا تراه أماماً من معرسَّنا وودنا وسألته عن قوله: جاء من أسفل يا فتى فقال: هذا افعل من كذا وكذا كما قال عزّ وجلّ: " إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم ". وسألته عن هيهات اسم رجل وهيهاة فقال: أمّا من قال: هيهاة فهي عنده بمنزلة علقاة. والدليل على ذلك أنَّهم يقولون في السكوت: هيهاه. ومن قال: هيهات فهي عنده كبيضاتٍ. ونظير الفتحة في الهاء الكسرة في التاء فإذا لم يكن هيهات ولا هيهاة علماً لشيء. فهما على حالهما لا يغيرَّان عن الفتح والكسر لأنهَّما بمنزلة ما ذكرنا مماَّ لم يتمكّن. ومثل هيهاة ذيَّة إذا لم يكن اسماً وذلك قولك: كان من الأمر ذيَّة وذيَّة فهذه فتحةٌ كفتحة الهاء ثمَّ وذلك أنهَّا ليست أسماءً متمكنِّاتٍ فصارت بمنزلة الصَّوت. فإن قلت: لم تسكن الهاء في ذيةَّ وقبلها حرف متحرّك فإنَّ الهاء ليست ههنا كسائر. الحروف ألا ترى أنهَّا تبدل في الصلة تاءً وليست زائدة في الاسم فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو في الاسم ومن الاسم وصارت الفتحة أولى بها لأنّ ما قبل هاء التأنيث مفتوح أبداً فجعلوا حركتها كحركة ما قبلها لقربها منه ولزوم الفتح وامتنعت أن تكون ساكنة كما امتنعت عشر في خمسة عشر لأنهَّا مثلها في أنهَّا منقطعة من الأوَّل ولم تحتمل أن يسكن حرفان وأن يجعلوهما كحرف. ونظير هيهات وهيهاة في اختلاف اللغتين قول العرب: استأصل الله عرقاتهم واستأصل الله عرقاتهم بعضهم يجعله بمنزلة عرسٍ وعرساتٍ كأنك قلت: عرقٌ وعرقان وعرقاتٌ. وكلاًّ سمعنا من العرب. ومنهم من يقول: ذيت فيخفِّف ففيها إذا خففّت ثلاث لغات: منهم من يفتح كما فتح بعضهم حيث وحوث ويضمّ يعضهم حيث وحوث ويضمّ بعضهم كما ضمّتها العرب ويكسرون أيضاً كما أولاء لأنَّ التاء الآن إنمَّا هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وسالت الخليل عن شتّان فقال: فتحها كفتحة هيهاة وقصتها في غير المتمكن كقصّتها ونحوها ونونها كنون سبحان زائدةٌ. فإن جعلته اسم رجل فهو كسبحان. باب الأحيان في الانصراف وغير الانصراف اعلم أنّ غدوة وبكرة جعلت كلَّ واحدة منهما اسماً للحين كما جعلوا أمَّ حبينٍ اسماً للدّابةّ معرفة. فمثل ذلك قول العرب: هذا يوم اثنين مباركاً فيه وأتيتك يوم اثنين مباركاً فيه. جعل اثنين اسماً له معرفة كما تجعله اسماً لرجل. وزعم يونس عن أبي عمرو وهو قوله أيضاً وهو القياس انكَّ إذا قلت: لقيته العام الأوّل أو يوماً من الأيام ثم قلت: غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون وكذلك إذا لم تذكر العام الأول ولم تذكر إلاَّ المعرفة ولم تقل يوماً من الأيّام كأنك قلت: هذا الحين في جميع هذه الأشياء. فإذا جعلتها اسماً لهذا المعنى لم تنوّن. وكلك تقول العرب. فإمّا ضحوة وعشية فلا يكونان إلاَّ نكرة على كلّ حال وهما كقولك: آتيك غذاً وصباحاً ومساءً. وقد تقول: أتيتك ضحوةً وعشيةً فيعلم أنكَّ تريد عشيّة يومك وصحوته كما تقول: عاماً أوّل فيعلم أنك تريد العام الذي يليه عامك. وزعم الخليل أنّه يجوز أن تقول: آتيتك اليوم غدوةً وبكرةً تجعلها بمنزلة ضحوةٍ. وزعم أبو الخطَّاب أنهَّ سمع من يوثق به من العرب يقول: آتيك بكرةً وهو يريد الإتيان في يومه أو في غده. ومثل ذلك قول الله عزّ وجلّ: " ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياَّ ". هذا قول الخليل. وأمَّا سحر إذا كان ظرفا فإنَّ ترك الصرف فيه قد بيّنته لك فيما مضى. وإذا قلت: مذ السَّحر أو عند السَّحر الأعلى لم يكن إلاّ بالألف واللام. فهذه حاله لا يكون معرفةً إلاّ بهما. ويكون نكرةً إّلا في الموضع الذي عدل فيه. وأمّا عشيّةٌ فإنَّ بعض العرب يدع فيه التنوين كما ترك في غدوة. هذا باب الألقاب


إذا لقَّبت مفرداً بمفرد أضفته إلى الألقاب وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل وذلك قولك : هذا سعيد كرزٍ وهذا قيس قفَّة قد جاء وهذا زيد بطَّةً فإنّما جعلت قفَّة معرفةً لأنَّك أردت المعرفة التي أردتها إذا قلت: هذا قيسٌ. فلو نوّنت قفًّة. صار الاسم نكرةً لأن المضاف إنَّما يكون نكرة ومعرفة بالمضاف إليه فيصير قفةّ هاهنا كأنها كانت معرفة قبل ذلك ثم أضفت إليها. ونظير ذلك انه ليس عربيٌّ يقول: هذه شمس فيجعلها معرفة إلاّ أن يدخل فيها ألفاً ولاماً. فإذا قال: عبد شمس صارت معرفة لأنه أراد شيئاً بعينه ولا يستقيم أن يكون ما أضفت إليه نكرةً. فإذا لقَّبت المفرّد بمضاف والمضاف بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل. وذلك قولك: هذا زيدٌ وزن سبعةٍ وهذا عبد الله بطَّة يا فتى وكذلك إن لقبّت المضاف بالمضاف. وإنمَّا جاء هذا مفترقاً هو والأوّل لأنَّ أصل التسمية والذي وقع عليه الأسماء أن يكون للرجل اسمان: أحدهما مضاف والآخر مفرد أو مضاف ويكون أحدهما وصفاً للآخر وذلك الاسم والكنية وهو قولك: زيدٌ أبو عمروٍ وأبو عمرٍو زيدٌ فهذا أصل التسمية وحدُّها. وليس من أصل التسمية عندهم أن يكون للرجل اسمان مفردان فإنما أجروا الألقاب على أصل التسمية فأرادوا أن يجعلوا اللفَّظ بالألقاب إذا كانت أسماءًٍ على أصل تسميتهم ولا يجاوزوا ذلك باب الشيئين الَّلذين ضمّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد كعيضموزٍ وعنتريس وذلك نحو: حضرموت وبعلبك. ومن العرب من يضيف بعل إلى بكٍّ كما اختلفوا في رام هرمز فجعله بعضهم اسماً واحداً وأضاف بعضهم رام إلى هرمز. وكذلك مار سرجس وقال بعضهم: مار سرجس لا قتالا وبعضهم يقول في بيت جرير: لقيّم بالجزيرة خيل قيسٍ فقلتمّ مار سرجس لا قتالا وأمّا معد يكرب ففيه لغات: منهم من يقول: معد يكربٍ فيضيف ومنهم من يقول: معد يكرب فيضيف ولا يصرف يجعل كرب اسماً مؤنثّا ومنهم من يقول: معد يكرب فيجعله اسماً واحداً فقلت ليونس: هلاّ صرفوه إذ جعلوه اسماً واحداً وهو عربيّ فقال: ليس شيءٌ يجتمع من شيئين فيجعل اسماً سميِّ به واحدٌ إلاّ لم يصرف. وإنمّا استثقلوا صرف هذا لأنَّه ليس أصل بناء الأسماء. يدلّك على هذا قلّته في كلامهم في الشيء الذي يلزم كلَّ من كان من أمتّه ما لزمه فلمّا لم يكن هذا البناء أصلاً ولا متمكنِّا كرهوا أن يجعلوه بمنزلة المتمكّن الجاري على الأصل فتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجميّ. وهو مصروف في النكرة كما تركوا صرف إبراهيم وإسماعيل لأنهما لم يجيئا على مثال ما لا يصرف في النكرة كأحمر وليس بمثال يخرج إليه الواحد للجميع نحو: مساجد ومفاتيح وليس بزيارة لحقت لمعنًى كألف حبلي وإنمَّا هي كلمة كهاء التأنيث فثقلت في المعرفة إذ لم يكن اصل بناء الواحد لأنَّ المعرفة أثقل من النكرة. كما تركوا صرف الهاء في المعرفة وصرفوها في النكرة لما ذكرت بك فإنما معد يكرب واحدٌ كطلحة وإنما بني ليلحق بالواحد الأوّل المتمكن فثقل في المعرفة لما ذكرت بك ولم يحتمل ترك الصرف في النكرة. وأمّا خمسة عشر وأخواتها وحادى عشر وأخواتها فهما شيئان جعلا شيئاً واحداً. وإنمَّا أصل خمسة عشر: خمسةٌ وعشرةٌ ولكنهم جعلوه بمنزلة حرف واحد. وأصل حادى عشر أن يكون مضافاً كثالث ثلاثة فلمَّا خولف به عن حال أخواته مما يكون للعدد خولف به وجعل كأولاء إذ كان موافقاً له في أنهَّ مبهم يقع على كل شيء. فلمَّا اجتمع فيه هذان أجرى مجراه وجعل كغير المتمكّن. والنون لا تدخله كما تدخل غاقٍ لأنَّها محالفة لها ولضربها في البناء فلم يكونوا لينوّنوا لأنهَّا زائدة ضمّت إلى الأوّل فلم يجمعوا عليه هذا والتنوين. ونحو هذا في كلامهم: حيص بيص مفتوحة لأنهَّا ليست متمكِّنة. قد كنت خرّاجا ولوجاً صيرفاً لم تلتحصني حيص بيص لحاص واعلم أنَّ العرب تدع خمسة عشر في الإضافة والألف واللام على حال واحدة كما تقول: اضرب أيهُّم أفضل وكالآن وذلك لكثرتها في الكلام وأنهَّا نكرة فلا تغيَّر. ومن العرب من يقول: خمسة عشرك وهي لغة رديئة. ومثل ذلك: الخازباز وهو عند بعض العرب: ذبابٌ يكون في الرَّوض وهو عند بعضهم: الداء جعلوا لفظه كلفظ نظائره في البناء وجعلوا آخره كسراً كجير وغاق لأنَّ نظائره في الكلام التي لم تقع علامات إنما جاءت متحرّكة بغير جرٍ ولا نصب ولا رفع فألحقوه بما بناؤه كبنائه كما جعلوا حيث في بعض اللغات كأين وكذلك حينئذ في بعض اللغات لأنَّه مضاف إلى غير متمكّن وليس كأين في كلّ شيء. كما جعلوا الآن كأين وليس مثله في كلّ شيء ولكنه يضارعه في أنه ظرف ولكثرته في الكلام كما يضارع حينئذ أين في أنه أضيف إلى اسم غير متمكّن. فكذلك صار هذا: ضارع خمسة عشر في البناء وأنهَّ غير علم. ومن العرب من يقول: الخربار ويجعله بمنزلة سربال. قال الشاعر: مثل الكلاب تهرَّ عند درابها ** ورمت لهازمها من الخرباز وأما صهيل التي للأمر فمن شيئين يدلك على ذلك حي على الصلاة وزعم أبو الحطَّاب: أنهَّ سمع من يقول: حي هل الصلاة. والدَّليل على أنهما جعلا اسماً واحداص قول الشاعر: وهيَّج الحيَّ من دارٍ فظلَّ ** لهم يومٌ كثيرٌ تناديه وحيَّهله والمواقي مرفوعة. وأنشدناه هكذا أعرابيٌّ من أفصح الناس وزعم أنه شعر أبيه. وقد قال بعضهم: الخازباء جعلها بمنزلة: القاصعاء والنافقاء. وجميع هذا إذا صار شيءٌ منه علما أعرب وغيِّر وجعل كحضرموت كما غيرّت أولاد واذ ومن والأصوات ولو ونحوها حين كنَّ علامات. قال الشاعر وهو الجعدي: بحيهَّلا يزجون كلَّ مطيّةٍ ** أمام المطايا سيرها المتقاذف وقال بعضهم: وجنَّ الخازباز به جنونا ومن العرب من يقول: هو الخازباز والخازباز وخازبازٍ فيجعلها كحضرموتٍ. ومن العرب من يقول: حيهَّلا ومن العرب من يقول: حهيَّل إذا وصل وإذا وقف أثبت الألف. ومنهم من لا يثبت الألف في الموقف والوصل. وأمّا عمرويه فإنهَّ زعم أنه أعجميٌّ وأنه ضربٌ من الأسماء الأعجمية وألزموا آخره شيئاً لم يلزم الأعجمّية فكما تركوا صرف الأعجميّة جعلوا ذا بمنزلة الصوَّت لأنهمَّ رأوه قد جمع أمرين فحطّوه درجةً عن إسماعيل وأشباهه وجعلوه في النكرة بمنزلة غاقٍ منوّنةً مكسورة في كلِّ موضع. وزعم الخليل: أن اللذين يقولون: غاق غاق وعاء وحاء فلا ينّوّنون فيها ولا في أشباهها أنهّا معرفة وكأَّنك قلت في عاء وحاء الإتباع وكأنه قال: قال الغراب هذا النحو. وأنَّ الذين قالوا: عاء وحاء وغاقٍ جعلوها نكرة. وزعم الخليل: أن الذين قالوا: صهٍ ذاك أرادوا النكرة كأنهم قالوا: سكوتاً: إيهٍ وإيهاً وويهٍ وويهاً إذا وقفت قلت: ويهاً ولا يقول: إيهٍ في الوقف. وإيهاً وأخواته نكرةٌ عندهم وهو صوتٌ. وعمرويه عندهم بمنزلة حضرموت في أنهَّ ضمّ الآخر إلى الأوّل. وعمرويه في المعرفة مكسورة في حال الجرّ والرفع والنصب غير منوَّن. وفي النكرة تقول: هذا عمرويهٍ آخر ورأيت عمرويهٍ آخر. وسألت الخليل عن قوله: فداءٍ لك فقال: بمنزلة أمس لأنهَّا كثرت في كلامهم والجرُّ كان أخفَّ عليهم من الرفع إذ أكثروا استعمالهم إيَّاه وشبّهوه بأمس ونوّن لأنهّ نكرة. فمن كلامهم أن يشبِّهوا الشيء بالشيء وإن كان ليس مثله في جميع الأشياء. وأمّا يوم يومٍ وصباح مساءٍ وبيت بيتٍ وبين بينٍ فإنَّ العرب تختلف في ذلك: يجعله بعضهم بمنزلة اسمٍ واحد وبعضهم يضيف الأوّل إلى الآخر ولا يجعله اسماً واحداً. ولا يجعلون شيئاً من هذه الأسماء بمنزلة اسمٍ واحد إلاّ في حال الظرف أو الحال كما يجعلوا: يا ابن عمَّ ويا ابن أمَّ بمنزلة شيء واحدٍ إلاّ في حال النداء. والآخر من هذه الأسماء في موضع جرّ وجعل لفظه كلفظ الواحد وهما اسمان أحدهما مضاف إلى الآخر. وزعم يونس وهو رأيه أنَّ أبا عمرٍو كان يجعل لفظه كلفظ الواحد إذا كان شيءٌ منه ظرفاً أو حالا. وقال الفرزدق: ولولا يوم يومٍ ما أردنا جزاءك والقروض لها جزاء فالأصل في هذا والقياس الإضافة. فإذا سميّت بشيء من هذا رجلاً أضفت كما أنَّك لو سميتّه ابن عمّ لم يكن إلاّ على القياس. وتقول: أنت تأتينا في كلّ صباح مساءٍ ليس إلاَّ. وجعل لفظهنَّ في ذلك الموضع كلفظ خمسة عشر ولم يبن ذلك البناء في غير هذا الموضع. وهذا قول جميع من نثق بعلمه وروايته عن العرب. ولا أعلمه إلاّ قول الخليل. وزعم يونس: أن كفّة كفّةٍ كذلك تقول: لقيته كفّة كفّةٍ وكفّة كفّة. والدليل على أنَّ الآخر مجرور ليس كعشر من خمسة أنَّ يونس زعم أن رؤية كان يقول: لقيته كفّةً عن كفّةٍ يا فتى. وإنمَّا جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأنَّ حد الكلام وأصله أن يكون ظرفاً أو حالا. وأمَّا أيادي سبا وقالي قلا وبادي بدا فإنمّا هي بمنزلة: خمسة عشر. تقول: جاءوا أيادي سبا. ومن العرب من يجعله مضافا فينوّن سباً. قال الشاعر وهو ذو الرمّة: فيالك من دارٍ تحمَّل أهلها أيادي ** سباً بعدي وطال احتيالها فينوّن ويجعله مضافاً كمعد يكربٍ. وأما قوله: كان ذلك بادي بدا فإنهَّم جعلوها بمنزلة: خمسة عشر. ولا نعلمهم أضافوا ولا يستنكر أن تضيفها ولكن لم أسمعه من العرب. ومن العرب من يقول: بادي بدي. قال أبو نخيلة: وقد علتني ذرأة بادي بدى ** ورثية تنهض في تشددي ومثل أيادي سبا وبادى بدا قوله: ذهب شغر بغر. ولا بدّ من أن يحرِّكوا آخره كما ألزموا التحريك الهاء في ذيَّة ونحوها لشبه الهاء بالشيء الذي ضم إلى الشيء. وأما قالي قلا فمنزلة حضرموت. قال الشاعر: سيصبح فوقي أقتم الريش واقعاً ** بقالي قلا أومن وراء دبيل وسألت الخليل عن الياءات لم لم تنصب في موضع النصب إذا كان الأول مضافاً وذلك قولك: رأيت معد يكرب واحتملوا أيادي سبا فقال: شبَّهوا هذه الياءات بألف مثنى حيث عرَّوها من الرفع والجر فكما عرّوا الألف منهما عرَّوها من النصب أيضاً فقالت الشعراء حيث اضطرّوا وهو رؤية: سوَّي مساحيهنَّ تقطيط الحقق وقال بعض السّعدييِّن: يا دار هند عفت إلاَّ أثافيها وإنما اختصّت هذه الياءات في هذا الموضع بذا لأنهم يجعلون الشيئين ههنا اسماً واحداً فتكون الياء غير حرف الإعراب فيسكنونها ويشبِّهونها بياء زائدة ساكنة نحو ياء دردبيس ومفاتيح. ولم يحركوها كتحريك الراء في شغر لاعتلالها كما لم تحرك قبل الإضافة وحركت نظائرها من غير الياءات لأن للياء والواو حالاً ستراها إن شاء الله فألزموها الإسكان في الإضافة ههنا إذ كانت قد تسكن فيما لا يكون وما بعده بمنزلة اسم واحد في الشعر. ومثل ذلك قول العرب: لا أفعل ذاك حيرى دهر. وقد زعموا أن بعضهم ينصب الياء ومنهم من يثقل الياء أيضاً. وأما اثنا عشر فزعم الخليل أنه لا يغير عن حاله قبل التسمية وليس بمنزلة خمسة عشر وذلك أن الإعراب يقع على الصدر فيصير اثنا في الرفع واثنى في النصب والجر وعشر بمنزلة النون ولايجوز فيها الإضافة. كما لا يجوز في مسلمين ولا تحذف عشر مخافة أن يلتبس بالاثنين فيكون علم العدد قد ذهب. فإن صار اسم رجل فأضفت حذفت عشر لأنك لست تريد العدد وليس بموضع التباس لأنك لا تريد أن تفرق بين عددين فإنما هو بمنزلة زيدين. وأما أخول أخول فلا يخلو من أن يكون كشغر بغر وكيوم يوم. باب ما ينصرف ومالا ينصرف من بنات الياء والواو


التي الياءات والواوات منهن لامات اعلم أن كل شيء كانت لامه ياءً أو واواً ثم كان قبل الياء والواو حرف مكسور أو مضموم فإنها تعتلُّ وتحذف في حال التنوين واواً كانت أو ياء وتلزمها كسرة قبلها أبداً ويصير اللفظ بما واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على الصفة فإنّه ينصرف في حال الجر والرفع. وذلَّك أنَّهم حذفوا الياء فخفّ عليهم فصار التنوين عوضاً. وإذا كان شيء منها في حال النصب نظرت: فإن كان نظيره من غير المعتلّة مصروفاً صرفته وإن كان غير مصروف لم تصرفه لأنَّك تتم في حال النصب كما تتم غير بنات الياء والواو. وإذا كانت الياء زائدة وكانت حرف الإعراب وكان الحرف الذي قبلها كسراً فإنّها بمنزلة الياء التي من نفس الحرف إذ كانت حرف الإعراب. وكذلك الواو تبدل كسرة إذا كان قبلها حرف مضموم وكانت حرف الإعراب وهي زائدة: تصير بمنزلتها إذا كانت من نفس الحرف وهي حرف الإعراب. فمن الياءات والووات اللواتي ما قبلها مكسور قولك: هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذه مغاز وهؤلاء جوارٍ. وما كان ما منهن ما قبله مضموم فقولك: هذه أدلٍ وأظبٍ ونحو ذلك. هذا ما كانت الياء فيه و الواو من نفس الحرف. وأمّا ما كانت الياء فيه زائدة وكان الحرف قبلها مكسوراً فقولك: هذه ثمانً وهذه صحار ونحو ذلك. وأما ما كانت الواو فيه زائدة وكان الحرف قبلها مضموماً فقولك: هذه عرق كما ترى إذا حتَّى تقضّى عرقى الدلىِّ وجميع هذا في حال النصب بمنزلة غير المعتل. ولو سميت رجلا بقيل فيمن ضم القاف كسرتها اسما حتى تكون كبيضٍ. واعلم أنَّ كلّ ياء أو واو كانت لاماً وكان الحرف قبلها مفتوحاً فإنَّها مقصورة تبدل مكانها الألف ولا تحذف في الوقف وحالها في التنين وترك التنوين بمنزلة ما كان غير معتّل إلاَّ أنَّ الألف تحذف لسكون التنوين ويتمُّون الأسماء في الوقف. وإن كانت الألف زائدة فقد فسرنا أمرها. وإن جاءت في جميع ما لا ينصرف فهي غير منونة كما لا ينوّن غير المعتلّ لأنَّ الاسم متمٌّ. وذلك قولك: عذارى وصحارى فهي الآن بمنزلة مدارى ومعايا لأنها مفاعل وقد أتم وقلبت ألفا. وإن كانت الياء والواو قبلها حرف ساكن وكانت حرف الإعراب فهي بمنزلة غير المقتل وذلك نحو قولك ظبي ودلو وسألت الخليل عن رجل يسمى بقاض فقال هو بمنزلة قبل أن يكون إسماً في الوقف والوصل وجميع الأشياء كما أن مثنى ومعلى إذا كان إسماً فهو إذا كانت نكرة ولا يتغيّر هذا عن حال كان عليها قبل أن يكون اسماً كما لم يتغيَّر معلَّى وكذلك عم. وكلّ شيء وسألت الخليل عن رجل يسمى بجوار فقال: هو في حال الجرّ والرفع بمنزلته قبل أن يكون اسماً. ولو كان من شأنهم أن يدعوا صرفه في المعرفة لتركوا صرفه قبل أن يكون معرفة لأنَّه ليس شيء من الانصراف بأبعد من مفاعل فلو امتنع من الانصراف في شيء لامتنع إذا كان مفاعل وفواعل ونحو ذلك. قلت: فإن جعلته اسم امرأة قال: أصرفها لأن هذا التنوين جعل عوضاً فيثبت إذا كان عوضاً كما ثبتت التنوينة في أذرعات إذ صارت كنون مسلمين. وسألته عن قاضٍ اسم امرأة فقال: مصروفة في حال الرفع والجرّ تصير ههنا بمنزلتها إذ كانت في مفاعل وفواعل. وكذلك أدل اسم رجل عنده لأنَّ العرب اختارت في هذا حذف الياء إذا كانت في موضع غير تنوين في الجرّ والرفع وكانت فيما لا ينصرف وان يجعلوا التنوين عوضاً من الياء ويحذفوها. وسألته عن رجل يسمَّى أعمى فقلت: كيف تصنع به إذا حقّرته فقال: أقول: أعيم أصنع به ما صنعت به قبل أن يكون اسماً لرجل لأنَّه لو كان يمتنع من التنوين ههنا لامتنع منه في ذلك الموضع قبل أن يكون اسماً لرجل كما أنَّ أحيمر وهو اسم لرجل وغير اسم سواء. ومن أبى هذا فخذه بقاضٍ اسم امرأة فإن لم يصرفه فخذه بجوار فجوار فواعل وفواعل أبعد من الصرف من فاعل معرفةً وهو اسم امرأة لأنَّ ذا قد ينصرف في المذكّر وفواعل لا يتغيّر على حال وفاعل بناء ينصرف في الكلام معرفةً ونكرةً وفواعل بناء لا ينصرف. فاشد أحوال قاضٍ اسم امرأة أن يكون بمنزلة هذا المثال الذي لا ينصرف البتَّة في النكرة. فإن كانت هذه يعني قاض لا تنصرف ههنا لم تنصرف إذا كانت في فواعل. فإن صرف فجوار قبل أن يكون اسماً بمنزلة قاضٍ اسم امرأة. وسألته عن رجل يسمَّى برمي أو أرمي فقال: أنوِّنه لأنَّه إذا صار اسماً فهو بمنزلة قاضٍ إذا كان اسم امرأة. وسألت الخليل فقلت: كيف تقول مررت بأفيعل منك من قوله مررت بأعيمى منك فقال: مررت بأعيم منك لأنَّ ذا موضع تنوين. ألا ترى بأنك تقول: مررت بخير منك وليس أفعل منك بأثقل من افعل صفة. وأمّا يونس فكان ينظر إلى كلّ شيء من هذا إذا كان معرفة كيف حال نظيره من غير المعتل معرفة فإذا كان لا ينصرف لم ينصرف يقول: هذا جواري قد جاء ومررت بجواري قبل. وقال الخليل: هذا خطأ لو كان من شأنهم أن يقولوا هذا في موضع الجرّ لكانوا خلقاء أن يلزموا الرفع والجرّ إذ صار عندهم بمنزلة غير المعتلّ في موضع الجرّ ولكانوا خلقاء أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ فيقولوا: مررت بجواري قبل لأنَّ ترك التنوين في ذا الاسم في ويقول يونس للمرأة تسمَّى بقاضٍ: مررت بقاضي قبل ومررت بأعيمى منك. فقال الخليل: لو قالوا هذا لكانوا خلقاء أن يلزموها الجرّ والرفع كما قالوا حين اضطروا في الشعر فأجروه على الأصل قال الشاعر الهذلىّ: أبيت على معاري واضحات ** بهنّ ملوَّب كدم العباط وقال الفرزدق: فلو كان عبد الله مولى هجوته ولكنّ عبد الله مولى مواليا فلمَّا اضطرُّوا إلى ذلك في موضع لا بدَّ لهم فيه من الحركة أخرجوه على الأصل. قال الشاعر ابن قيس الرقيّات: لا بارك الله في الغواني ** هل يصبحن إلا لهنَّ مطَّلب وقال: وأنشدني أعرابي من بني كليب لجرير: فيوماً يوافيني الهوى غير ماضىٍ ** ويوماً ترى منهن غولاً تغوَّل قال: ألا تراهم كيف جرُّوا حين اضطرُّوا كما نصبوا الأوّل حين اضطرُّوا. وهذا الجرّ نظير النصب. فإن قلت: مررت بقاضي قبل اسم امرأة كان ينبغي لها أن تجرَّ في الإضافة فتقول: مررت وسألناه عن بيت أنشدناه يونس: قد عجبت منيِّ ومن يعيليا لمَّا رأتني خلقاً مقلوليا فقال: هذا بمنزلة قوله: ولكنَّ عبد الله مولى مواليا وكما قال: سماء الإله فوق سبع سمائيا فجاء به على الأصل وكما أنشدناه من نثق بعربيَّته: ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بي زياد فجعله حين اضطرّ مجروماً من الأصل. وقال الكميت: خريع دوادي في ملعب تأزَّر ** طوَّراً وتلقى الإزارا اضطرّ فأخرجه كما قال: ضنينوا وسألته عن رجل يسمّى يغزو فقال: رأيت يغزى قبل وهذا يغز وهذا يغزى زيد وقال: لا ينبغي له أن يكون في قول يونس إلا يغزى وثبات الواو خطأ لأنه ليس في الأسماء واو قبلها حرف مضموم وإنما هذا بناء اختصَّ به الأفعال ألا ترى أنَّك تقول: سرو الرجل ولا ترى في الأسماء فعل على هذا البناء. ألا ترى أنَّه قال: أنا أدلو حين كان فعلاً ثم قال: أدل حين جعلها اسماً. فلا يستقيم أن يكون الاسم إلا هكذا. فإن قلت: أدعه في المعرفة على حاله وأغيِّره في النكرة. فإن ذلك غير جائز لأنك لم تر اسماً معروفاً أجرى هكذا. قال الشاعر: لا مهل حتَّى تلحقي بعنس ** أهل الريِّاط البيض والقلنسي عنس: قيبلة. ولم يقل القلنسو. ولا يبنون الاسم على بناء إذا بلغ حال التنوين تغيَّر وكان خارجاً من حد الأسماء كما كرهوا أن يكون إي وفي في السكوت وترك التنوين على حالٍ يخرج منه إذا وصل ونوّن فلا يكون على حدّ الأسماء فقرّوا من هذا كما فرُّوا من ذاك. ويكفيك من ذا قولهم: هذه أدلى زيد. فإن قلت: إنما أعرب في النكرة فلم يغيِّر البناء. كذلك أيضاً لا يكون في المعرفة على بناء يتغيَّر في النكرة. وتقول في رجل سمَّيته بارمه: هذا إرم قد جاء وينوّن في قول الخليل وهو القياس. وتقول: رأيت إرمى قبل يبيّن الياء لأنها صارت اسماً وخرجت من موضع الجزم وصارت وإذا سميت رجلا بعه قلت: هذا وعٍ قد جاء صيَّرت آخره كآخر إرمه حين جعلته اسماً. فإذا كان كذلك كان مختلاًّ لأنَّه ليس اسم على مثال عٍ فتصيّره بمنزلة الأسماء وتلحقه حرفاً منه كان ذهب ولا تقول: عيٌّ فتلحقه بالأسماء بشيء ليس منه كما وأنَّك لو حقَّرت شيةً وعدةً لم تلحقه ببناء المحقَّر الذي اصل بنائه على ثلاثة أحرف بشيء ليس منه وتدع ما هو منه وذلك قولك: هذا وعٍ كما ترى. ولو سمَّيت رجلاً لأعدت الهمزة والألف فقلت: هذا إرأً قد جاء وتقديره: إدعى تلحقه بالأسماء بأن تضم إليه ما هو منه كما تقول: وعيدةٌ وشيَّةٌ ولا تقول: عديَّةٌ ولا وشيَّةٌ لأنك لا تدع ما هو منه وتلحق ما ليس منه. ولا يجوز أن تقول: هذا عه كما لم يجز ذلك في آخر إرمه. وإن سمَّيت رجلاً قل أو خف أو بع أو أقم قلت: هذا قول قد جاء وهذا بيع قد جاء وهذا خاف قد جاء وهذا اقيم قد جاء لأنَّك قد حركت آخر حرفٍ وحوَّلت هذا الحرف من المكان وعن ذلك المعنى فإنّما حذقت هذه الحروف في حال الأمر لئَّلا ينجزم حرفان فإذا قلت: قولا أو خافا أو بيعا أو أقيموا أظهرت للتحرك فهو ههنا إذا صار اسماً أجدر أن يظهر. ولو سميت رجلا لم يرد أو لم يخف لوجب عليك أن تحكيه لأنَّ الحرف العامل هو فيه ولو لم تظهر هذه الحروف لقلت: هذا يريد وهذا يخاف. وكذلك لو سمَّيته بتردد من قولك: إن تردد أردد وإن تخف أخف لقلت: هذا يخاف ويرد. ولو لم تقل ذا لم تقل في إرمه إرمي ولتركت الياء محذوفة ولكنما أظهرتها في موضع التحرُّك كما تظهرها إذا قلت: ارميا وهو يرمي. وإذا سمَّيت رجلا باعضض قلت: هذا إعض كما ترى لأنّك إذا حرَّكت اللام من المضاعف أدغمت وليس اسم من المضاعف تظهر عينه ولامه فإذا جعلت إعضض اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب وأدغمت كما تدغم أعضُّ إذا أردت أنا أفعل لأنّ آخره كآخره ولو لم تدغم ذا لما أدغمت إذا سمّيت بيعضض من قولك: إن يعضض أعضض ولا تعضض. وإذا سمّيت رجلاً بألبب من قولك: قد علمت ذاك بنات ألبب تركته على حاله لأنّ هذا اسم جاء على الأصل كما قالوا: رجاء ابن حيوة وكما قالوا: ضيون فجاءوا به على الأصل. وربَّما جاءت العرب بالشيء على الأصل ومجرى بابه في الكلام على غير ذلك. قال الخليل يوماً وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في لك والكاف التي في مالك والباء التي في ضرب فقيل له: نقول: باء الكاف. فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف. وقال: أقول كه وبه. فقلنا: لم ألحقت الهاء فقال: رأيتهم قالوا: عه فألحقوا هاءاً حتى صيروها يستطاع الكلام بها لأنَّه لا يلفظ بحرف. فإن وصلت قلت: ك وب فاعلم يا فتى كما قالوا: ع يا فتى. فهذه طريقة كلِّ حرفٍ كان متحركاً وقد يجوز أن يكون الألف هنا بمنزلة الهاء لقربها منها وشبهها بها فتقول: با وكا كما تقول: أنا. وسمعت من العرب من يقول: ألاتا بلى فا فإنما أرادوا ألا تفعل وبلى فافعل ولكنه قطع كما كان قاطعا بالألف في أنا وشركت الألف الهاء كشركتها في قوله: أنا بيّنَوها بالألف كبيانهم بالهاء في هيه وهنَّه وبغلتيه. قال الراجز: بالخير خيراتٍ وإن شرافا ولا أريد الشرَّ إلا أن تا يريد: إن شرَّا فشرٌّ ولا يريد إلا أن تشاء. ثم قال: كيف تلفظون بالحرف الساكن نحو ياء غلامى وباء إضرب ودال قد فأجابوا بنحو مما أجابوا في المرّة الأولى فقال: أقول إب وإي وإد فألحق ألفا موصولة. قال: كذاك اراهم صنعوا بالساكن ألا تراهم قالوا: ابن واسم حيث اسكنوا الباء والسين وأنت لا تستطيع أن تكلَّم بساكن في أول اسم كما لا تصل إلى اللفظ بهذه السواكن فألحقت ألفاً حتى وصلت اللفظ بها فكذلك تلحق هذه الألفات حتى تصل إلى اللفظ بها كما ألحقت المسكَّن الأول في الاسم. وقال بعضهم: إذا سمَّيت رجلاً بالباء من ضرب قلت: رب فأردُّ العين. فإن جعلت هذه المتحركة اسماً حذفت الهاء كما حذفتها من عه حين جعلتها اسماً فإذا صارت اسماً صارت من بنات الثلاثة لأنَّه ليس في الدنيا اسم أقل عدداً من اسم على ثلاثة أحرف ولكنَّهم قد يحذفون مما كان على ثلاثة حرفاً وهو الأصل له ويردّونه في التحقير والجمع وذلك قولهم في ذمً: دمي وفي حر: حريح وفي شفة: شفيهة وفي عدة: وعيدة. فهذه الحروف إذا صيّرت اسماً صارت عندهم من بنات الثلاثة المحذوفة وصارت من بنات الياء والواو لأنَّا رأينا أكثر بنات الحرفين التي أصلها الثلاثة أو عامّتها من بنات الياء والواو وإنَّما يجعلونها كالأكثر فكأنهم إن كان الحرف مكسوراً ضمّوا إليه ياءً لأنَّه عندهم له في الأصل حرفان كما كان لدم في الأصل حرف فإذا ضممت إليه ياء صار بمنزلة في فتضمّ إليه ياء أخرى تثقلّه بها حتىَّ يصير على مثال الأسماء. وكذلك فعلت بفي. وإن كان الحرف مضموماً ألحقوا واواً ثم ضمّوا إليها واواً أخرى حتَّى يصير على مثال الأسماء كما فعلوا بذلك بلو وهو وأو. فكأنَّهم إذا كان الحرف مضموماً صار عندهم من مضاعف الواو كما صارت لو وأو وهو إذ كانت فيهن الواوات من مضاعف الواو. وإن كان مكسورا فهو عندهم من مضاعف الياء كما كان ما فيه نحو في وكي من مضاعف الياء عندهم وإن كان الحرف مفتوحاً ضمّوا إليه ألفاً ثم ألحقوا ألفاً أخرى حتَّى يكون على مثال الأسماء فكأنَّهم أرادوا أن يضاعفوا الألفات فيما كان مفتوحاً كما ضاعفوا الواوات والياءات فيما مكسوراً أو مضموماً كما صارت ما ولا ونحوهما إذ كانت فيهما ألفات مما يضاعف. فإن جعلت إي اسما ثقلته بياء أخرى واكتفيت بها حتّى يصير بمنزلة اسمٍ وابنٍ. فأما قاف وياء وزاي وباء وواو فإنَّما حكيت بها الحروف ولم ترد أن تلفظ بالحروف كما حكيت بغاقٍ صوت الغراب وبقب وقع السيف وبطيخ الضحك وبنيت كلَّ واحد بناء الأسماء. وقب هو وقع السيف. وقد ثقَّل بعضهم وضمّ ولم يسلّم الصوت كما سمعه فكذلك حين حكيت الحروف حكيتها ببناء للأسماء ولم تسلم الحروف كما لم تسلَّم الصوت. فهذا سبيل هذا الباب. ولو سمّيت رجلاً بأب قلت: هذا إبٌ وتقديره في الوصل: هذا آبٌ كما ترى تريد الباء وألف الوصل من قولك: اضرب. وكذلك كلَُ شىء مثله لا تغيره عن حاله لأنك تقول: إبٌ فيبقى حرفان سوى التنوين. فإذا كان الاسم ههنا في الابتداء هكذا لم يختلّ عندهم أن تذهب ألفه في الوصل وذلك أنَّ الحرف الذي يليه يقوم مقام الألف. ألا تراهم يقولون: من آبٌ فلا يبقى إلا حرف واحد فلا يختل ذا عندهم إذ كان كنونه حرف لا يلزمه في الإبتداء وفي غير هذا الموضع إذا تحرك ما قبل الهمزة في قولك ذهب أب لك وكذلك إب لا يختلُّ أن يكون في الوصل على حرف إذا كان لا يلزمه ذلك في كل المواضع ولولا ذلك لم يجز لأنَّه ليس في الدنيا اسم يكون على حرفين أحدهما التنوين لأنَّه لا يستطاع أن يتكلّم به في الوقف المبتدأ. فإن قلت: يغيَّر في الوقف. فليس في كلامهم أن يغيّروا بناءه في الوقف عمّا كان عليه في الوصل ومن ثمَّ تركوا أن يقولوا هذا في كراهية أن يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين فيوافق ما كان على حرف. وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرّفون بهما حرف واحد كقد وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله: أأريد ولكن الألف كألف أيم في أيم الله وهي موصولة كما أن ألف أيم موصولة حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو وهو رأيه. والدليل على أن ألف أيم ألف وصل قولهم: إيم الله ثم يقولون: ليم الله. وفتحوا ألف أيم في الابتداء شبّهوها بألف أحمر لأنَّها زائدة مثلها. وقالوا في الاستفهام: آلرجل شبّهوها أيضاً بألف أحمر كراهية أن يكون كالخبر فيلتبس فهذ 1 قول الخليل. وأيم الله كذلك فقد يشبَّه الشيء وقال الخليل: وممَّا يدل على أنَّ أل مفصولة من ألرَّجل ولم يبن عليها وأنَّ الألف واللام فيها بمنزلة قد قول الشاعر: دع ذا وعجَّل ذا وألحقنا بذل بالشَّحم إنّا قد مللناه بجل قال: هي ههنا كقول الرجل وهو يتذكَّر: قدى فيقول: قد فعل ولا يفعل مثل هذا علمناه بشىء مما كان من الحروف الموصولة. ويقوا الرجل: ألى ثم يتذكّر فقد سمعناهم يقولون ذلك ولولا أنَّ الألف واللام بمنزلة قد وسوف لكانتا بناءً بني عليه الاسم لا يفارقه ولكنَّهما جميعاً بمنزلة هل وقد وسوف تدخلان لتعريف وتخرجان. وإن سمّيت رجلاً بالضاد من ضرب قلت: ضاءٌ وإن سمّيته بها من ضراب قلت: ضىٌّ وإن سميته بها من ضحى قلت: ضوٌّ. وكذلك هذا الباب كله. وهذا قياس قول الخليل ومن خالفه ردّ الحرف الذي يليه. باب الحكاية التي لا تغيَّر فيها الأسماء عن حالها في الكلام


وذلك قول العرب في رجل يسمَّى تأبَّط شراً: هذا تأبَّط شرًّا وقالوا: هذا برق نحره ورأيت برق نحره. فهذا لا يتغيّر عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسما. إنّ لها مركَّناً إرزبَّا كأنّه جبهة ذرَّى حبّا فهذا كله يترك على حاله. فمن قال: أغيِّر هذا دخل عليه أن يسمَّى الرجل ببيت شعرٍ أو بله درهمان فإنّ غيّره عن حاله فقد ترك قول الناس وقال ما لا يقوله أحد. وقال الشاعر: كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ** بنى شاب قرناها تصرُّ وتحلب وعلى هذا يقول: بدأت بالحمد لله رب العالمين. وقال الشاعر: وجدنا في كتاب بني تميمٍ ** أحقُّ الخيل بالرَّكض المعار وذلك لأنه حكى أحقُّ الخيل بالركض المعار فكذلك هذه الضروب إذا كانت أسماء. وكلُّ شىء عمل بعضه في بعض فهو على هذه الحال. واعلم أن الاسم إذا كان محكياً لم يثن ولم يجمع إلا أن تقول: كلّهم تأبَّط شرَّا وكلاهما ذرَّى حبًّا لم تغيِّره عن حاله قبل أن يكون اسما. ولو تثنيت هذا أو جمعته لثنيت أحقُّ الخيل بالركض المعار إذا رأيته في موضعين. ولا تضيعه إلى شىء إلا أن تقول: هذا تأبَّط شرّاً صاحبك أو مملوكك. ولا تحقّره قبل أن يكون علما. ولو سمّيت رجلا زيد أخوك لم تحقره. فإن قلت: أقول زييد أخوك كما أقول قبل قبل أن يكون اسما. فإنَّك إنَّما حقرت اسما قد ثبت لرجل ليس بحكاية وإنَّما حقّرت اسما على حياله. فإذا جعلا اسماً فليس واحدٌ به من صاحبه ولم يجعل الأوَّل والآخر بمنزلة حضرموت ولكن الاسم الآخر مبنّي على الأول. ولو حقّرتهما جميعاً لم يصيرا حكايةً ولكان الأول اسما تاماً. وإذا جعلت هذا زيدٌ اسم رجل فهو يحتاج في الابتداء وغيره إلى ما يحتاج إليه زيد ويستغني كما يستغني. ولا يرخَّم المحكيُّ أيضاً ولا يضاف بالياء وبذلك لأنَّك لا تقول: هذا زيد أخوكي ولا برق نحر هي وهو يضيف إلى نفسه ولكنَّه يجوز أن يحذف فيقول: تأبَّطي وبرقي فتحذف وتعمل به عملك بالمضاف حتى تصير الإضافة على شيء واحد لا يكون حكايةً لو كان اسماً فمن لم يقل ذا فطوّل له الحديث فإنه يقبح جدّا. وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى خيراً منك أو مأخوذاً بك أو ضارباً رجلا فقال: هو على حاله قبل أن يكون اسما. وذلك أنَّك تقول: رأيت خيراً منك وهذا خيرٌ منك ومررت بخيرٍ منك. قلت: فإن سمّيت بشيء منها امرأة فقال: لا أدع التنوين من قبل أن خيراً ليس منتهى الاسم ولا مأخوذا ولا ضاربا. ألا ترى أنك إذا قلت: ضاربٌ رجلا أو مأخوذٌ بك وأنت تبتدئ الكلام احتجت ههنا إلى الخبر كما احتجت إليه في قولك: زيدٌ وضاربٌ ومنك بمنزلة شئ من الاسم في أنَّه لم يسند إلى مسند وصار كمال الاسم كما أنَّ المضاف إليه منتهى الاسم وكماله. ويدلّك على أنَّ ذا ينبغي له أن يكون منوّنا قولهم: لا خيراً منه لك ولا ضارباً رجلاً لك فإنَّما ذا حكاية لأن خيراً منك كلمة على حدة فلم يحذف التنوين منه في موضع حذف التنوين من غيره لأنَّه بمنزلة شئ من نفس الحرف إذ لم يكن في المنتهى. فعلى هذا المثال تجري هذه الأسماء. وهذا قول الخليل. وإن سمّيت رجلا بعاقلةٍ لبيبةٍ أو عاقلٍ لبيبٍ صرفته وأجريته مجراه قبل أن يكون اسماً. وذلك قولك: رأيت عاقلةً لبيبةً يا هذا ورأيت عاقلاً لبيباً يا هذا. وكذلك في الجرّ والرفع منوَّن لأنه ليس بشىء عمل بعضه في بعض فلا ينوَّن وينوَّن لأنك نونتنه نكرةً وإنَّما حكيت. فإن قلت: ما بالي إن سميته بعاقلة لم أنوِّن فإنك إن أردت حكاية النكرة جاز ولكن َّ الوجه ترك الصرف. والوجه في ذلك الأوّل الحكاية وهو القياس لأنَّهما شيئان ولأنَّهما ليس واحدٌ منهما الاسم دون صاحبه فإنما هي الحكاية وإنما ذا بمنزلة امرأة بعد ضارب إذا قلت هذا ضاربٌ امرأة إذا أردت النكرة وهذا ضاربٌ طلحة إذا أردت المعرفة. وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى من زيد وعن زيد فقال: أقول: هذا من زيدٍ وعن زيدٍٍ. وقال أغيّره في ذا الموضع وأصيَّره بمنزلة الأسماء كما فعل ذلك به مفرداً يعني عن ومن ولو سمّيته قط لقلت زيدٍ لقلت: هذا قط زيدٍ ومررت بقط زيد حتَّى تكون بمنزلة حسبك لأنَّك قد حوّلته وغيّرته وإنما عمله فيما بعده كعمل الغلام إذا قلت: هذا غلام زيدٍ. ألا ترى أنَّ من زيدٍ لا يكون كلاماً حتَّى يكون معتمدا علة غيره. وكذلك قط زيدٍ كما أنَّ غلام زيدٍ لا يكون كلاما حتَّى يكون معه غيره. ولو حكيته مضافا ولم أغيّره لفعلت به ذلك مقرداً لأني رأيت المضاف لا يكون حكايةً كما لا يكون المفرد حكايةً. ألا ترى أنَّك لو سمّيت رجلا وزن سبعة قلت: هذا وزن سبعة فتجعله بمنزلة طلحة. والدَّليل على ذلك أنَّك لو سمّيت رجلا خمسة عشر زيد لقلت: هذا خمسة عشر زيد تغير كما تغيّر. أمس لأنَّ المضاف من حدّ التسمية. قلت: فإن سمَّيته بفي زيدٍ لا تريد الفم قال: أثقِّله فأقول: هذا فيُّ زيدٍ كما ثقلَّته إذا جعلته اسماً لمؤنّث لا ينصرف. ولا يشبه ذا فاعبد الله لأنّ ذا إنّما احتمل عندهم في الإضافة حيث شبّهوا آخره بآخر أب يعني الفم مضافاً وصار حرف الإعراب غير محرّك فيه إذ كان مفرداً على غير حاله في الإضافة. فأما في فليست هذه حاله وياؤه تحرّك في النصب. وليس شيء يتحرّك حرف إعرابه في الإضافة ويكون على بناءٍ إلا لزمه ذلك في الانفراد. وكرهوا أن يكون على حالٍ إن نوّن كان مختلاّ عندهم. ولو سمّيته طلحة وزيداً أو عبد الله زيداً وناديت نصبت ونونّت الآخر ونصبته لأنّ الأول في موضع نصب وتنوين. واعلم أنّك لا تثَّني هذه الأسماء ولا تحقّرها ولا ترخمّها ولا تضيفها ولا تجمعها. والإضافة إليها كالإضافة إلى تأبَّط شرَّا لأنَّها حكايات. وسألت الخليل عن إنَّما وأنَّما وكأنَّما وحيثما وإمَّا في قولك: إمَّا أن تفعل وإمّا أن لا تفعل فقال: هنّ حكايات لأنَّ ما هذه لم تجعل بمنزلة موت في حضرموت. ألا ترى أنها لم تغيِّر حيث عن أن يكون فيها اللغتان: الضمُّ ولافتح. وإنّما تدخل لمنع أن من النصب ولتدخل حيث في الجزاء فجاءت مغيِّرة ولم تجيء كموت في حضر ولا لغواً. والدَّليل على أن ما مضمومة إلى إن قول الشاعر: لقد كذبتك نفسك فأكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر وإنَّما يريدون إمَّا. وهي بمنزلة ما مع أن في قولك: أمَّا أنت منطلقاً انطلقت معك. وكان يقول: إلاَّ التي للاستثناء بمنزلة دفلى وكذلك حتَّى. وأمّا إلاِّ وإمّا في الجزاء فحكاية. وأما التي في قولك: أمَّا زيد فمنطلق فلا تكون حكايةً وهي بمنزلة شروى. وكان يقول: أمَّا التي في الاستفهام حكاية وألا التي في الاستفهام حكاية. وأمّا قولك: ألا إنّه ظريف وأما إنّه ظريف فبمنزلة قفاً ورحىً ونحو ذلك. ولعلّ حكاية لأنَّ اللام ها هنا زائدة بمنزلتها في لأفعلنّ. ألا ترى أنك تقول: علَّك. وكذلك كأنَّ لأنَّ الكاف دخلت للتشبيه. ومثل ذلك كذا وكأيّ وكذلك: ذلك لأنَّ هذه الكاف لحقت للمخاطبة وكذلك أنت التاء بمنزلة الكاف. وقال: ولو سميت رجلا: هذا أو هؤلاء تركته على حاله لأنِّي إذا تركت هاء التنبيه على حالها فإنما أريد الحكاية فمجراها ها هنا مجراها قبل أن تكون اسماً. وأما هلَّم فزعم أنَّها حكاية في اللغتين جميعاً كأنَّها لمَّ أدخلت عليها الهاء كما أدخلت ها على ذا لأنِّي لم أر فعلاً قط بني على ذا ولا اسماً ولا شيئاً يوضع موضع الفعل وليس من الفعل. وقول بني تميم: هلممن يقوّي ذا كأنَّك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. قال: وكذلك لوما ولولا. وسمعت من العرب من يقول: لا من أين يا فتى حكى ولم يجعلها اسماً. ولو سميّت رجلا بو زيد أو وزيداً أو زيد فلا بدَّ لك من أن تجعله نصباً أو رفعاً أو جرّا تقول: مررت بوزيداً ورأيت وزيداً وهذا زيداً. كذلك الرفع والجرّ لأنَّ هذا لا يكون إلاّ تابعا. وقال: زيد الطَّويل حكاية بمنزلة زيد منطلق وهو اسم امرأة بمنزلته قبل ذلك لأنهما شيئان كعاقلةٍ لبيبةٍ. وهو النداء على الأصل تقول: يا زيد الطويل. وإن جعلت الطوّيل صفةً صرفته بالإعراب وإن دعوته قلت: يا زيداً الطويل. وإن سمّيته زيداً وعمراً أو طلحة عمر لم تغيِّره. ولو سمّيت رجلا أولاء قلت: هذا أولاء. وإذا سمّيت رجلاً: الذي رأيته والذي رأيت لم تغيَّره عن حاله قبل أن يكون اسماً لأن الذي ليس منتهى الاسم وإنَّما منتهى الاسم الوصل فهذا لا يتغيّر عن حاله كما لم يتغّير ضارب أبوه اسم امرأة عن حاله فلا يتغيّر الذي كما لم يتغيّر وصله. ولا يجوز لك أن تناديه كما لا يجوز لك أن تنادي الضارب أبوه إذا كان اسماً لأنَّه بمنزلة اسم واحد فيه الألف واللام. ولو سمّيته الرجل المنطلق جاز أن تناديه فتقول يا الرجل منطلق لأنك سميته بشيئين كلُّ واحد منهما اسم تام. والذي مع صلته بمنزلة اسم واحد نحو الحارث فال يجوز فيه النداء كما لا يجوز فيه قبل أن يكون اسما. وأما الرَّجل منطلق فبمنزلة تأبَّط شرًّا لأنَّه لا يتغير عن حاله لأنه قد عمل بعضه في بعض. ولو سمّيته الرجل والرجلان لم يجز فيه النداء لأنَّ ذا يجري مجراه قبل أن يكون اسما في الجرّ والنصب والرفع. ولا يجوز أن تقول: يا أيُّها الذي رأيت لأنه اسم غالب كما لا يجوز يا أيُّها النَّضر وأنت تريد الاسم الغالب. وإذا ناديته والاسم زيد وعمرو قلت: يا زيداً وعمراً لأنًّ الاسم قد طال ولم يكن الأوّل المنّهى ويشرك الآخر وإنَّما هذا بمنزلته إذا كان اسمه مضافا. وإن ناديته واسمه طلحة وحمزة نصبت بغير تنوين كنصب زيد وعمرو وتنوّن زيداً وعمراً وتجريه على الأصل. وكذلك هذا وأشباهه يردُّ إذا طال على الأصل كما ردّ ضارباً رجلاً. وأما كزيدٍ وبزيدٍ فحكايات لأنَّك لو أفردت الباء والكاف غيَّرتها ولم تثبت كما ثبتت من. وإن سمّيت رجلا عمَّ فأردت أن تحكي في الاستفهام تركته على حاله كما تدع أزيد وأزيد إذا أردت النداء. وإن اردت أن تجعله اسما قلت: عن ماءٍ لأنَّك جعلته اسما وتمد ماءً كما تركت تنوين سبعة لأنَّك تريد أن تجعله اسماً مفردا أضيف هذا إليه بمنزلة قولك: عن زيد. وهن ههنا مثلها مفردةً لأن المضاف في هذا بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية كم أنّ الألف واللام لا تجعلان الاسم حكاية وإنّما هو داخل في الاسم وبدل من التنوين فكأنه الألف واللام. هذا باب الإضافة وهو باب النسبة اعلم أنَّك إذا أضفت رجلاً إلى رجل فجعلته من آل ذلك الرجل ألحقت ياءي الإضافة. فإن أضفته إلى بلد فجعلته من أهله ألحقت ياءي الإضافة وكذلك إن أضفت سائر الأسماء إلى البلاد أو إلى حيٍّ أو قبيلة. واعلم أن ياءي الإضافة إذا لحقتا الأسماء فإنَّهم مما يغيّرونه عن حاله قبل أن تلحق ياءي الإضافة. وإنَّما حملهم على ذلك تغييرهم آخر الاسم ومنتها فشجعهم على تغييره إذا أحدثوا فيه ما لم يكن. فمنه ما يجيء على غير قياس ومنه ما يعدل وهو القياس الجاري في كلامهم وستراه إن شار الله. قال الخليل: كلُّ شيء من ذلك عدلته العرب تركته على ما عدلته عليه وما جاء تامّا لم تحدث العرب فيه شيئاً فهو على القياس. فمن المعدول الذي هو على غير قياس قولهم في هذيلٍ: وفي فقيم كنانة: فقميٌّ وفي مليح خزاعة: ملحيٌّ وفي ثقيفٍ: ثقفيٌّ وفي زبينة: زبانيٌّ وفي طّيءٍ: طائيٌّ وفي العالية: علويٌّ والبادية بدويٌّ وفي البصرة: بصريٌّ وفي السَّهل سهليٌّ وفي الدَّهر: دهريٌّ وفي حيٍّ من بني عديّ يقال لهم بنو عبيدة: عبديٌّ فضمّوا العين وفتحوا الباء فقالوا عبديٌّ وحدَّثنا من نثق به أنَّ بعضهم يقول في بني جذيمة جذميٌّ فيضم الجيم ويجريه مجرى عبديٌّ. وقالوا في بني الحبلي من الأنصار: حبليٌّ وقالوا في صنعاء: صنعائيٌّ وفي شتاء: شتويٌّ وفي بهراء قبيلة من قبيلة قضاعة: بهرانيٌّ وفي دستواء: دستوانيٌّ مثل بحرانيٍّ. وزعم الخليل أنَّهم بنوا البحر على فعلان وإنَّما كان للقياس أن يقولوا: بحريٌّ. وقالوا في الأفق: أفقيٌّ ومن العرب من يقول: أفقيٌّ فهو على القياس. وقالوا في حروراء وهو موضع: حروريٌّ وفي جلولاء: جلوليٌّ كما قالوا في خراسان: خرسيٌّ وخراسانيٌّ أكثر وخراسيٌّ لغةٌ. وقال بعضهم: إبل حمضية إذا أكلت الحمض وحمضية أجود. وقد يقال: بعير حامض وعاضه إذا أكل العضاه وهو ضرب من الشجر. وحمضية أجود وأكثر وأقيس في كلامهم. وقال بعضهم: خرفيَّ أضاف إلى الخريف وحذف الياء. والخرفيٌّ في كلامهم أكثر من الخريفيّ إما أضافه إلى الخرف وإمّا بنى الخريف على فعلٍ. وقالوا: إبل طلاحية إذا أكلت الطَّلح. وقالوا في عضاه: عضاهيٌّ في قول من جعل الواحدة عضاهة مثل قتادة وقتاد. والعضاهة بكسر العين على القياس. فأمّا من جعل جميع العضة عضوات وجعل الذي ذهب الواو فإنَّه يقول: عضويٌّ. وأمّا من جعله بمنزلة المياه وجعل الواحدة عضاهةً فإنه يقول عضاهيٌّ. وسمعنا من العرب من يقول: أمويٌّ. فهذه الفتحة كالضمّة في السَّهل إذا قالوا سهليٌّ. وقالوا: روحانيٌّ في الروَّحاء ومنهم من يقول: روحاويٌّ كما قال بعضهم بهراويٌّ حدثنا بذلك يونس. وروحاويٌّ أكثر من بهراويّ. وقالوا: في القفا: قفيٌّ وفي طهيّة: طهويٌّ وقال بعضهم طهويٌّ على القياس كما قال الشاعر: بكلِّ قريشيٍّ إذا ما لقيته سريع ** إلى داعي النَّدى والتكرُّم ومما جاء محدوداً عن بنائه محذوفة منه إحدى الياءين ياءي الإضافة قولك في الشَّأم: شآم وفي تهامة: تهامٍ ومن كسر التاء قال: تهاميٌّ وفي اليمن يمانٍ. وزعم الخليل أنهم ألحقوا هذه الألفات عوضاً من ذهاب إحدى الياءين وكأنَّ الذين حذفوا الياء من ثقيف وأشباهه جعلوا الياءين عوضاً منها. فقلت: أرأيت تهامة أليس فيها الألف فقال: إنَّهم كسَّروا الاسم على أن يجعلوه فعليّاً أو فعليّاً فلمَّا كان من شأنهم أن يحذفوا إحدى الياءين ردّوا الألف كأنَّهم بنوه تهميٌّ أو تهميٌّ وكأنَّ الذين قالوا: تهامٍ هذا البناء كان عندهم في الأصل وفتحتّهم التاء في تهامة حيث قالوا: تهامٍ يدٌّلك على أنَّهم لم يدعوا على بنائه. ومنهم من يقول: تهاميٌّ ويمانيٌّ وشآميٌّ فهذا كبحرانيّ وأشباهه مما غيَّر بناؤه في الإضافة. وإن شئت قلت: يمنيٌّ. وزعم أبو الخطَّاب أنه سمع من العرب من يقول في الإضافة إلى الملائكة والجن جميعاً روحانيٌّ وللجميع: رأيت روحانيِّين. وزعم أبو الخطاب أنّ العرب تقوله لكل شيء فيه الرُّوح من الناس والدوابّ والجن. وجميع وزعم أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقول شآمي هذا إذا صار اسماً في غير هذا الموضع فأضفت إليه جرى على القياس كما يجري تحقير ليلة ونحوهما إذا حوّلتَّهما فجعلتها اسماً علما. وإذا سمّيت رجلاص زبينة لم تقل: زبانيٌّ أو دهراً لم تقل: دهريٌّ ولكن تقول في الإضافة إليه: زبنيٌّ ودهريٌّ. باب ما حذف الياء والواو فيه القياس


وذلك قولك في ربيعة: ربعيٌّ وفي حنيفة: حنفيٌّ وفي جذيمة: جذميٌّ وفي جهينة: جهنيٌّ وفي قتيبة: قتبيٌّ وفي شنوءة: شنىءٌّ وتقديرها: شنوعة وشنعيٌّ وذلك لأنّ هذه الحروف قد يحذفونها من الأسماء لما أحدثوا في آخرها لتغييرهم منتهى الاسم فلما اجتمع في آخر الاسم تغييره وحذف لازم لزمه حذف هذه الحروف إذ كان من كلامهم أن يحذف لأمرٍ واحد فكلّما ازداد التغيير كان الحذف ألزم إذ كان من كلامهم أن يحذفوا لتغيير واحد. وهذا شبيه بإلزامهم الحذف هاء طلحة لأنَّهم قد يحذفون ممَّا لا يتغيَّر فلمَّا كان هذا متغيَّراً في الوصل كان الحذف له ألزم. وقد تركوا التغيير في مثل حنيفة ولكنه شاذٌّ قليل قد قالوا في سليمة: سليميٌّ وفي عميرة كلب: عميريٌّ. وقال يونس: هذا قليل خبيث. وقالوا في خريبة: خريبيٌّ. وقالوا سليقيٌّ للرجل يكون من أهل السّليقة. وسألته عن شديدة فقال: لا أحذف لاستثقالهم التضعيف وكأنَّهم تنكَّبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف. قلت: فكيف تقول في بني طويلة فقال: لا أحذف لكراهيتهم تحريك هذه الواو في فعل ألا ترى أنَّ فعل من هذا الباب العين فيه ساكنة والألف مبدلة فيكره هذا كما يكره التضعيف باب الإضافة إلى اسم كان على أربعة أحرف فصاعدا إذا كان آخره ياء ما قبلها حرف منكسر فإذا كان الاسم في هذه الصفة أذهبت الياء إذا جئت بياءي الإضافة لأنَّه لا يلتقي حرفان ساكنان. ولا تحرَّك الياء إذا كانت في هذه الصفة لم تنكسر ولم تنجرّ ولا تجد الحرف الذي قبل ياء الإضافة إلا مكسوراً. فمن ذلك قولهم في رجل من بني ناجية: ناجيٌّ وفي أدل: أدليٌّ وفي صحار: صحاريٌّ وفي ثمان: ثمانيٌّ وفي رجل اسمه يمان: يمانيٌّ. وإنَّما ثقلَّت لأنّك لو أضفت إلى رجل اسمه بخاتيٌّ يمني أو هجري أحدثت ياءين سواهما وحذفتهما. والدليل على ذلك أنك لو أضفت إلى رجل اسمه بخاتي لقلت بخاتي كما ترى. ولو كنت لا تحذف الياءين اللتين في الاسم قبل الإضافة لم تصرف بخاتيٌّ ولكنهما ياءان تحدثان وتحذف الياءان اللتان كانتا في الاسم قبل الإضافة. وتقول إذا أضفت إلى رجل اسمه يرمي: يرميٌّ كما ترى. وإذا اضفت إلى عرقوة قلت: عرقيٌّ. وقال الخليل: من قال في يثرب: يثربيٌّ وفي تغلب تغلبيٌّ ففتح مغيِّراً فإنه غيَّر مثل يرمي على ذا فكييف لنا باشُّرب إن لم تكن لنا دوانيق عند الحانويِّ ولا نقد والوجه الحانيُّ كما قال علقمة بن عبدة: كأس عزيز من الأعناب عتَّقها لبعض أربابها حانية حوم لأنَّه إنَّما أضاف إلى مثل: ناجية وقاض. وقال الخليل: الذين قالوا: تغلبيٌّ ففتحوا مغيِّرين كما غيَّروا حين قالوا سهليٌّ وبصريٌّ في بصريّ ولو كان ذا لازماً كانوا سيقولون في يشكر: يشكريٌّ وفي جلهم: جلهميٌّ. وأن لا يلزم الفتح دليل على أنَّه تغيير كالتغيير الذي يدخل في الإضافة ولا يلزم وهذا قول يونس. باب الإضافة إلى كل شيءٍ من بنات الياء والواو


التي الياءات والواوات لاماتهنَّ إذا كان على ثلاثة أحرف وكان منقوصاً للفتحة قبل اللام تقول في هدىً: هدويُّ وفي رجل اسمه حصىً: حصويٌّ وفي رجل اسمه رحى: رحويٌّ. وإنما منعهم من الياء إذا كانت مبدلة استثقالاً لإظهارها أنهم لم يكونوا ليظهروها إلى ما يستخفُّون إنما كانوا يظهرونها إلى توالي الياءات والحركات وكسرتها فيصير قريبا من أميٍّ فلم يكونوا ليردُّوا الياء إلى ما يستثقلون إذ كانت معتلَّة مبدلة فراراً ممّا يستثقلون قبل أن يضاف الاسم فكرهوا أن يردُّوا حرفا قد استثقلوه قبل أن يضيفوا إلى الاسم في الإضافة إذ كان ردُّه إلى بناء هو أثقل منه في الياءات وتوالي الحركات وكسرة اليا وتوالي الياءات مما يثقلّه لأنَّا رأيناهم غيَّروا للكسرتين والياءين الاسم استثقالاً فلما كانت الياءان والكسرة والياء فيما توالت حركاته ازدادوا استثقالاً. وستراه إن شاء الله. وإذا كانت الياء ثالثة وكان الحرف قبل الياء مكسوراً فإنّ الإضافة إلى ذلك الاسم تصيّره كالمضاف إليه في الباب الذي فوقه وذلك قولهم في عمٍ: عمويٌّ وفي ردٍ: ردويٌّ. وقالوا كلّهم في الشجَّي: شجويٌّ وذلك لأنَّهم رأوا فعل بمنزلة رأوا فعل بمنزلة فعل في غير المعتلّ كراهية للكسرتين مع الياءين ومع توالي الحركات فأقرّوا الياء وأبدلوا وصيّروا الاسم إلى فعل لأنَّها لم تكن لتثبت ولا تبدل مع الكسرة وأرادوا أن يجري مجرى نظيره من غير المعتلّ فلمّا وجدوا الباب والقياس في فعلٍ أن يكون بمنزلة فعلٍ أقرُّوا الياء على حالها وأبدلوا إذ وجدوا فعل قد اتلأبَّ لأن يكون بمنزل فعل. وما جاء من فعلٍ بمنزلة فعل قولهم في النَّمر: نمريٌّ وفي الحبطات حبطيٌّ وفي شقرة: شقريٌّ وفي سلمة: سلمىٌّ. وكأنَّ الذين قالوا: تغلبيٌّ أرادوا أن يجعلوه بمنزلة تفعل كما جعلوا فعل كفعل للكسرتين مع الياءين إلاَّ أنَّ ذا ليس بالقياس اللازم وإنما هو تغيير لأنَّه ليس توالي ثلاث حركات. والذين قالوا: حانويٌّ شبهوه بعمويٍ. وإن أضفت إلى فعلٍ لم تغيّره لأنّها إنّما هي كسرة واحدة كلُّهم يقولون: سمريٌّ. والدٌّئل بمنزلة النَّمر تقول: دؤليٌّ. وكذلك سمعناه من يونس وعيسى. وقد سمعنا بعضهم يقول في الصَّعق: صعقيَّ يدعه على حاله وكسر الصاد لأنَّه يقول: صعق والوجه الجيّد فيه: صعقيٌّ وصعقيٌّ جيّد. فإن أضفت إلى علبط قلت: علبطيٌّ وإلى جندل قلت: جندليٌّ لأنَّ ذا ليس كالنَّمر ليس فيه إلا حرفاً واحدا وهو النون وحدها فلمّا كثر فيه الكسر والياءات ثقل فلذلك غيَّروه إلى الفتح. باب لإضافة إلى فعيل


وفعيل من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات لاماتهن وما كان في اللفظ بمنزلتهما وذلك في قولك في عديٍ: وفي غنيٍ: غنويٌّ وفي قصيٍّ: قصويٌّ وفي أميَّة: أمويٌّ. وذلك أنهم كرهوا أن توالي في الاسم أربع ياءات فحذفوا الياء الزائدة التي حذفوها من سليم وثقيف حيث استثقلوا هذه الياءات فأبدلوا الواو من الياء التي تكون منقوصة لأنَّك إذا حذفت وزعم يونس أنّ أناساً من العرب يقولون: أميِّيٌّ فلا يغيِّرون لمَّا صار إعرابها كإعراب ما لا يعتل شبّهوه به كما قالوا طيَّئيٌّ. وأما عديِّيٌّ فيقال وهذا أثقلن لأنه صارت مع الياءات كسرة. وسألته عن الإضافة إلى حية فقال: حيويٌّ كراهية أن تجتمع الياءات. والدليل على ذلك قول العرب في حية بن بهدلة: حيويٌّ وحرّكت الياء لأنَّه لا تكون الواو ثابتة وقبلها ياء ساكنة. فإن أضفت إلى ليةٍ قلت: لوويٌّ لأنَّك احتجت إلى أن تحرّك هذه الياء كما احتجت إلى تحريك ياء حيّةٍ. فلمّا حركتها رددتها إلى الأصل كما تردُّها إذا حرّكتها في التصغير. ومن قال: أميِّيٌّ قال: حييٌّ. وكان أبو عمرو يقول: حييٌّ وليِّيٌّ. وليّةٌّ من لويت يده ليّةً. وسألته عن الإضافة إلى عدوَ فقال: عدوّيٌّ. وإلى كوّةٍ فقال: كوّيٌّ وقال: لا أغيره لأنه لم تجتمع الياءات وإنَّما أبدل إذا كثرت الياءات فأفرُّ إلى الواو فإذا قدرت على الواو ولم أبلغ من الياءات غاية الاستثقال لم أغيَّره ألا تراهم قالوا في الإضافة إلى مرمىٍ مرميٌّ فجعله بمنزلة البختىّ إذ كان آخره كآخره في الياءات والكسرة. وقالوا في مغزوٍّ: مغزوّيٌّ لأنَّه لم تجتمع الياءات. فكذلك كوةٌ وعدوٌّ. وحيّةٌ قد اجتمعت فيه الياءات. فإن أضفت إلى عدوّةٍ قلت: عدويٌّ من أجل الهاء كما قلت في شنوءة: شنئىٌّ. وسألته عن الإضافة إلى تحيَّةٍ فقال: تحويٌّ وتحذف أشبه ما فيها بالمحذوف من عديٍ وهو الياء الأولى وكذلك كلُّ شيء كان في آخره هكذا. وتقول في الإضافة إلى قسيٍ وثديٍ: ثدويٌّ وقسويٌّ لأنَّها فعول فتردُّها إلى اصل البناء وإنما كسر القاف والثاء قبل الإضافة لكسرة ما بعدهما وهو السين والدال فإذا ذهبت العلَّةُ صارتا على الأصل. تقول في الإضافة إلى عدوٍ: عدويٌّ وإلى عدوةٍ: عدويٌّ وإلى مرمّىٍ: مرميٌّ تحذف اليائين وتثبت ياءي الإضافة. وإلى مرميّة مرميٌّ تحذف اليائين الأوليين. ومن قال: حانويٌّ قال: مرمويٌّ. هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ياءً


وكان الحرف الذي قبل الياء ساكناً وما كان آخره واواً وكان الحرف الذي قبل الواو ساكناً وذلك نحو ظبيٍ ورميٍ وغزوٍ ونحوٍ تقول ظبييٌّ ورمييٌّ وغزويٌّ ونحويٌّ ولا تغيّر الياء والواو في هذا الباب أنه حرف جرى مجرى غير المعتل. تقول: غزوٌ فلا تغيِّر الواو كما تغيّر في غدٍ. وكذلك الإضافة إلى نحيٍ وإلى العري. فإذا كانت هاء التأنيث بعد هذه الياءات فإنَّ فيه اختلافاً: فمن الناس من يقول في رمية: رمييٌّ وفي ظبيةٌّ وفي دميةٍ: دمييٌّ وفي فتيةٍ: فتييٌّ وهو القياس من قبل أنَّك تقول رميٌّ ونحيٌّ فتجريه مجرى ما لا يعتل نحو درع وترس ومتن فلا يخالف هذا النحو كأنَّك أضفت إلى شيء ليس فيه ياء. فإذا جعلت هذه الأشياء بمنزلة ما لا ياء فيه فأجره في الهاء مجراه وليست فيه هاء لأنَّ القياس أن يكون هذا النحو من غير المعتل في الهاء بمنزلته إذا لم تكن فيه الهاء ولا ينبغي أن يكون أبعد من أمييٍّ فإذا جاز في اميَّة أمييٌّ فهو أن يجوز في رمييٍّ أجدر لأنَّ قياس أميَّة وأشباهها التغيير. فهذا الباب يجرونه مجرى غير المعتل. وحدثنا يونس أنَّ أبا عمرو وكان يقول في ظبية: ظبييٌّ. ولا ينبغي أن يكون في القياس إلاَّ هذا إذ جاز في أميّة وهي معتلّة وهي أثقل من رمييٍ: وأما يونس فكلن يقول في ظبيةٍ: ظبويٌّ وفي دميةٍ: دمويٍ وفي فتية: فتويٍ. فقال الخليل: كأنّهم شبَّهوها حيث دخلتها الهاء بفعلة لأنَّ اللَّفظ بفعلةٍ إذا أسكنت العين وفعلةٍ من بنات الواو سواء. يقول: لو بينت فعلةً من بنات الواو لصارت ياءً لو أسكنت العين على ذلك المعنى لثبتت ياءً ولم ترجع إلى الواو فلمَّا رأوها آخرها يشبه آخرها جعلوا إضافتها كإضافتها هذا قول الخليل: وزعم أنَّ الأول أقيسهما وأعربهما. ومثل هذا قولهم في حى من العرب يقال لهم: بنو زنية: زنويٌّ وفي البطية: بطويٌّ. وقال: لا اقول في غزوةٍ إلاَّ غزويٌّ لأنَّ ذا لا يشبه آخره آخر فعلة إذا أسكنت عينها. ولا تقول في غدوةٍ إلاّ غدويٌّ لأنه لا يشبه فعلةً ولا فعلةً ولا يكون فعلة ولا فعلة من بنات الواو هكذا. ولا تقول في عروةٍ إلاّ عرويٌّ لأن فعلةً من بنات الواو إذا كانت واحدة فعلٍ لم تكن هكذا وإنّما تكون ياء ولو كانت فعلة ليست على فعل كما أن بسرةً على بسر لكان الحرف الذي قبل الواو يلزمه التحريك ولم يشبه عروةً وكنت إذا أضفت إليه جعلت مكان الواو ياءً كما فعلت ذلك بعرقوة ثم يكون في الإضافة بمنزلة فعل. وإن أسكنت ما قبل الواو في فعلةٍ من بنات الواو التي ليست واحدة فعل فحذفت الهاء لم تغيَّر الواو لأنَّ ما قبلها ساكن. ويقوَّي أنَّ الواوات لا تغيَّر قولهم في بني جروة وهم حيّ من العرب: حرويٌّ. وأمّا يونس فجعل بنات الياء في ذا وبنات الواو سواء ويقول في عروةٍ: عرويٌّ. وقولنا: عرويٌّ. هذا باب الإضافة إلى كلّ شيء لامه ياء أو واو


وذلك نحو سقايةٍ وصلابةٍ ونفايةٍ وشقاوةٍ وغباوةٍ. تقول في الإضافة إلى سقاية: سقائيٌّ وفي صلاية: صلائيٌّ وإلى نفاية: نفائيٌّ كأنَّك أضفت إلى سقاء وإلى صلاء لأنَّك حذفت الهاء ولم تكن الياء لتثبت بعد الألف فأبدلت الهمزة مكانها لأنَّك أردت أن تدخل ياء الإضافة على فعال أو فعال أو فعالٍ. وإن أضفت إلى شقاوة وغباوة وعلاوة قلت: شقاويٌّ وغباويٌّ وعلاويٌّ لأنَّهم قد يبدلون مكان الهمزة الواو لثقلها ولأنَّها مع الألف مشبَّهة بآخر حمراء حين تقول: حمراويٌّ وحمراوان. فإن خففت الهمزة فقد اجتمع فيها لأنَّها تستثقل وهي مع ما شبهها وهي الألف وهي في موضع اعتلال وآخره كآخره حمراء. فإن خفّفت الهنزة اجتمعت حروف مشابهة كأنها ياءات وذلك قولك في كساء: كساوان ورداء: رداوان وعلباء: علباوان. وقالوا في غداء: غداويٌّ وفي رداء: رداويٌّ فلما كان من كلامهم قياساً مستمراً أن يبدلوا الواو مكان هذه الهمزة في هذه الأسماء استثقالاً لها صارت الواو إذا كانت في الاسم أولى لأنَّهم قد يبدلونها وليست في الاسم فراراً إليها فإذا قدروا عليها في الاسم لم يخرجوها ولا يفرُّون إلى الياء لأنَّهم لو فعلوا ذلك صاروا إلى نحو ما كانوا فيه لأنَّ الياء تشبه الألف فيصير بمنزلة ما اجتمع فيه أربع ياءات لأنَّ فيها حينئذ ثلاث ياءات والألف شبيهة بالياء فتضارع أمييٌّ فكرهوا أن يفرّوا إلى ما هو أثقل ممَّا هم فيه فكرهوا الياء كما كرهوا في حصى ورحى. قال الشاعر وهو جرير في بنات الواو: إذا هبطن سماوياً موارده ** من نحو دومة خبث قلَّ تعريسى وياء درحاية بمنزلة الياء التي من نفس الحرف ولو كان مكانها واو كانت بمنزلة الواو التي من نفس الحرف لأنَّ هذه الواو والياء يجريان مجرى ما هو نفس الحرف مثل السَّماوي والطَّفاوي. وسألته عن الإضافة إلى رايةٍ وطايةٍ وثايةٍ وآيةٍ ونحو ذلك فقال: أقول رائيٌّ وطائيٌّ وثائيٌّ وآئيٌّ. وإنَّما همز والاجتماع الياءات مع الألف والألف تشبَّه بالياء فصارت قريباً مما تجتمع فيه اربع ياءات فهمزوها استثقلاً وأبدلوا مكانها همزة لأنَّهم جعلوها بمنزلة الياء التي تبدل بعد الألف الزائدة لأنهم كرهوها هاهنا كما كرهت ثمَّ وهي هنا بعد ألف كما كانت ثمَّ وذلك نحو ياء رداء. ومن قال: أمييٌّ قال: آييٌّ وراييٌّ بغير همز لأنَّ هذه لام غير معتلّة وهي أولى بذلك أنه ليس فيها أربع ياءات ولأنَّها أقوى. وتقول واو فتثبت كما تثبت في غزوٍ. ولو أبدلت مكان الياء الواو فقلت: ثاوىٌّ وآوىٌّ وطاويٌّ وراويٌّ جاز ذلك كما قالوا: شاويٌّ فجعلوا الواو مكان الهمزة. ولا يكون في مثل سقايةٍ سقاييٌّ فتكسر الياء ولا تهمز لأنَّها ليست من الياءات التي لا ومثل ذلك قصيٌّ منهم من يقول: قصيٍّ. وإذا أضفت إلى سقاية فكأنَّك أضفت إلى سقاء كما أنّك لو أضفت إلى رجل اسمه ذو جمَّةٍ قلت: ذوويٌّ كأنّك أضفت إلى ذواً. ولو قلت: سقاويٌّ جاز فيه وفي جميع جنسه كما يجوز في سقاء. وحولايا وبرداريا بمنزلة سقايةٍ لأنَّ هذه الياء لا تثبت إذ كانت منتهى الاسم والألف تسقط في النسبة لأنَّها سادسة فهي كهاء درحاية. واعلم أنّك إذا أضفت إلى ممدود منصرف فإنّ القياس والوجه أن تقرّه على حاله لأن الياءات لم تبلغ غاية الاستثقال ولأنَّ الهمزة تجري على وجوه العربية غير معتلّة مبدلة. وقد أبدلها ناس من العرب كثير على ما فسَّرنا يجعل مكان الهمزة واواّ. وإذا كانت الهمزة من أصل الحرف فالإبدال فيها جائز كما كان فيما كان بدلاً من واو أو ياء وهو فيها قبيح. وقد يجوز إذا كان أصلها الهمز مثل قراء ونحوه. هذا باب الإضافة إلى كل اسم آخره آلف مبدلة


من حرف من نفس الكلمة على أربعة أحرف وذلك نحو ملهى ومرمىً وأعشى وأعمى وأعيا فهذا يجري مجرى ما كان على ثلاثة أحرف وكان آخره ألفاً مبدلة من حرف من نفس الكلمة نحو حصَّى ورحّى. وسألت يونس عن معزى وذفرى فيمن نوّن فقال: هما بمنزلة ما كان من نفس الكلمة كما صار علباء حين انصرف بمنزلة رداء في الإضافة والتثنية ولا يكون أسوأ حالاً في ذا من حبلى. وسمعنا العرب يقولون في أعيا: أعيويٌّ. بنو أعيا: حي من العرب من جرمٍ. وتقول في أحوى: أحوويٌّ. وكذلك سمعنا العرب تقول. هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا زائدة لا ينون


وكان على أربعة أحرف وذلك نحو حبلى ودفلى فأحسن القول فيه أن تقول: حبلىٌّ ودفلىٌّ لأنها زائدة لم تجيء لتلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو من نفس الحرف وما اشبه ما هو من نفس الحرف. وقالوا في سلَّى: سلِّىٌّ. ومنهم من يقول: دفلاويٌّ فيفرق بينها وبين التي من نفس الحرفبأن يلحق هذه الألف فيجعله كآخر ما لا يكون آخره إلاّ زائداً غير منّون نحو: حمراويٍّ وضهياويّ فهذا الضرب لا يكون إلاّ هكذا فبنوه هذا البناء ليفرقوا بين هذه الألف وبين التي من نفس الحرف فقالوا في دهنا: دهناويٌّ وقالوا قي دنيا: دنياويٌّ وإن شئت قلت دنييٌّ على قولهم سلىٌّ. ومنهم من يقول: حبلوى فيجعلها بمنزلة ما هو نفس الحرف. وذلك أنَّهم رأوها زائدة يبنى عليها الحرف ورأوا الحرف في الغدَّة والحركة والسُّكون كملهىً فشبَّهوها بها كما أنهم يشبّهون الشيء بالشيء الذي يخالفه في سائر المواضع. قال: فإن قلت في ملهى: ملهىً لم أر بذلك بأساً كما لم أر بحبلوىٍّ بأساً. وكما قالوا: مدارى فجاءوا به على مثال: حبالى وعذارى ونحوهما من فعالى وكما تستوي الزيادة غير المنوّنة والتي من نفس الحرف إذا كانت كلّ واحدة منهما خامسة. ولا يجوز ذا في قفاً لأنَّ قفا وأشباهه ليس بزنة حبلى وإنّما هي على ثلاثة أحرف فلا يحذفونها. وأمَّا جمزى فلا يكون جمزاويٌّ ولا ولكن جمزيٌّ لأنَّها ثقلت وجاوزت زنة ملهىً فصارت بمنزلة حبارى لتتابع الحركات. ويقوِّي ذلك أنَّك لو سمّيت امرأة قدماً لم تصرفها كما لم تصرف عناق. وأمّا حبلى فالوجه فيها ما قلت لك. قال الشَّاعر: كأنَّما يقع البصريٌّ بينهم ** من الطَّوائف والأعناق بالوذم يريد: بصرى. هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفاً


وكان على خمسة أحرف تقول في حبارى: حباريٌّ وفي جمادى: جماديٌّ وفي قرقرى: قرقريٌّ. وكذلك كلُّ اسم كان آخره ألفاً وكان على خمسة أحرف. وسألت يونس عن مرامىً فقال: مراميًّ جعلها بمنزلة الزيادة. قال: لو قلت: مرامويٌّ لقلت: حبارويٌّ كما أجازوا في حبلى حبلويٌّ. ولو قلت ذا لقلت في مقلولى: مقلولويٌّ. وهذا لا يقوله أحد إنَّما يقال: مقلوليٌّ كما تقول في يهيرى يهيريٌّ. فإذا سوِّى بين هذا رابعاً وبين الألف فيه زائدة نحو حبلى لم يجز إلاّ أن تجعل ما كان من نفس الحرف إذا كان خامساً بمنزلة حبارى. وإن فرَّقت بين الزائد وبين الذي من نفس الحرف دخل عليك أن تقول في قبعثري: قبعثرويٌّ لأنَّ آخره منَّون فجرى مجرى ما هو من نفس الكلمة. فإن لم تقل ذا وأخذت بالعدد فقد زعمت أنهما يستويان. وإنَّما ألزموا ما كان على خمسة أحرف فصاعداً الحذف لأنه حين كان رابعاً في الاسم بزنة ما ألفه من نفسه فلمَّا كثر العدد كان الحذف لازما إذ كان من كلامهم أن يحذفوه في المنزلة الأولى. وإذا أزداد الاسم ثقلاً كان الحذف ألزم كما أنَّ الحذف لربيعة حين اجتمع تغييران. وأمَّا الممدود مصروفاً كان أو غير مصروف كثر عدده أو قلَّ فإنه لا يحذف وذلك قولك في خنفساء: خنفساويٌّ وفي حرملاء: حرملاويٌّ وفي معيوراء معيوراويٌّ. وذلك أنَّ آخر الاسم لمّا تحرّك وكان حيّاً يدخله الجرّ والرفع والنصب صار بمنزلة: سلامان وزعفران وكالأواخر التي من نفس الحرف نحو: آحر نجام واشهيباب فصارت هكذا كما صار آخر معزًى حين نوّن بمنزلة آخر مرمىً. وإنَّما جسروا على حذف الألف لأنَّها ميّتة لا يدخلها جرّ ولا رفع ولا نصب فحذفوها كما حذفوا ياء ربيعة وحنيفة. ولو كانت الياءان متحركتيتن لم تحذفا لقوّة المتحرّك. وكما حذفوا الياء الساكنة من ثمانٍ حيث أضفت إليه. فإنَّما جعلوا ياءي الإضافة عوضاً. وهذه الألف أضعف تذهب مع كلِّ تذهب مع كلِّ حرف ساكن فإنَّما هذه معاقبة كما عاقبت هاء الجحاجحة ياء الجحاجيح فإنَّما يجسرون بهذا على هذه الحروف الميتة. ولو أضفت إلى عثير وهو التراب أو حثيل لأجريته مجرى حميريٍ. وزعم يونس أن مثنّى بمنزلة معزى ومعطى وهو بمنزلة مرامًى لأنَّه خمسة أحرف. وإن جعلته كذلك فهو ينبغي له أن يجيز في عبدَّي: عبدَّويٌّ كما جاز في حبلى: حبلويٌّ. فإن جعل النون بمنزلة حرف واحد وجعل زنته كزنته فهو ينبغي له أن سمَّى رجلاً باسم مؤنَّث على زنة معدٍّ مدغم مثله أن يصرفه ويجعل المدغم كحرف واحد. فهذه النون الأولى بمنزلة حرف ساكن ظاهر. وكذلك يجري في بناء الشِّعر وغيره. فأمًا المصروف نحو حراء فمن العرب من يقول: حراويٌّ ومنهم من يقول حرائيٌّ لا يحذف الهمزة. هذا باب الإضافة إلى كلّ اسم ممدود


لا يدخله التنوين كثير العدد كان أو قليله فلإضافة إليه أن لا يحذف منه شيء وتبدل الواو مكان الهمزة ليفرقوا بينه وبين المنوّن الذي هو من نفس الحرف وما جعل بمنزلته وذلك قولك في زكريَّاء: زكريّاويٌّ وفي بروكاء: بروكاويٌّ. هذا باب


اعلم أن كلّ اسم على حرفين ذهبت لامه ولم يردَّ في تثنيته إلى الأصل ولا في الجمع بالتَّاء كان أصله فعل أو فعل أو فعل فإنَّك فيه بالخيار إن شئت تركته على بنائه قبل أن تضيف إليه وإن شئت غيّرته فرددت إليه ما خذف منه فجعلوا الإضافة تغيَّر فتردّ كما تغيَّر فتحذف نحو الف حبلى وياء ربيعة وحنيفة فلمّا كان ذلك من كلامهم غيَّروا بنات الحرفين التي حذفت لاماتهن بأن ردّوا فيها ما حذف منها وصرت في الردّ وتركه على حاله بالخيار كما صرت في حذف ألف حبلى وتركها بالخيار. وإنما صار تغيير بنات الحرفين الردَّ لأنَّها أسماء مجهودة لا يكون اسم على أقل من حرفين فقويت الإضافة على ردِّ اللامات كما قويت على حذف ما هو من نفس الحرف حين كثر العدد وذلك قولك: مرامىً. فمن ذلك قولهم في دم: دميٌّ وفي يدٍ: يديٌّ وإن شئت قلت: دمويٌّ ويدويٌّ كما قالت العرب في غدٍ: غدويٌّ. كلُّ ذلك عربّى. فإن قال: فهلاَّ قالوا: غدويٌّ وإنَّما يد وغد كلُّ واحد منهما فعل يستدلّ على ذلك بقول ناس من العرب: آتيك غدواً يريدون غداً. قال الشاعر: وقولهم: أيد وإنَّما هي أفعل وأفعل جماع فعلٍ لأنَّهم ألحقوا ما الحقوا ولا يريدون أن يخرجوا من حرف الإعراب التحرُّك الذي كان فيه لأنَّهم أرادوا أن يزيدوا لجهد الاسم ما حذفوا منه فلم يريدوا أن يخرجوا منه شيئاً كان فيه قبل أن يضيفوا كما أنَّهم لم يكونوا ليحذفوا حرفاً من الحروف من ذا الباب فتركوا الحروف على حالها لأنَّه ليس موضع حذف. ومن ذلك أيضاً قولهم في ثبةٍ: ثبيٌّ وثبويٌّ وشفةٍ: شفيٌّ وشفهيٌّ. وإنَّما جاءت الهاء لأنَّ اللام من شفةٍ الهاء. ألا ترى أنك تقول: شفاه وشفيهة في التصغير. وتقول في حرٍ: حريٌّ وحرحيٌّ لأنَّ اللام الحاء تقول في التصغير: حريح وفي الجمع: أحراح. وإن أضفت إلى رب فيمن خفَّف فرددت قلت ربيٌّ. وإنَّما أسكنت كراهية التضعيف فيعاد بناؤه. ألا تراهم قالوا في قرّة قريٌّ لأنَّها من التضعيف كما قالوا في شديدة: شديديٌّ كراهية التضعيف فيعاد بناؤه. باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرَّدّ


وذلك قولك في أب أبويٌّ وفي أخ: أخويٌّ وفي حمٍ: حمويٌّ ولا يجوز إلاَّ ذا من قبل أنَّك تردّ من بنات الحرفين التي ذهبت لاماتهن إلى الأصل ما لا يخرج أصله في التثنية ولا في الجمع بالتاء فلمّا أخرجت التثنية الأصل لزم الإضافة أن تخرج الأصل إذ كانت تقوى على الردّ فيما لا يخرج لامه في تثنيته ولا في جمعه بالتاء فإذا ردّ في الأضعف في شيء كان في الأقوى أردَّ: واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا هنوك ورأيت هناك ومررت بهنيك ويقول: هنوان فيجريه مجرى الأب. فمن فعل ذا قال: هنوات يردُّه في التثنية والجمع بالتاء وسنة وسنوات وضعة وهو نبت ويقول: ضعوات فإذا أضفت قلت: سنويٌّ وهنويٌّ. والعلّة ههنا هي العلّة في: أبٍ وأخٍ ونحوهما. ومن جعل سنةً من بنات الهاء قال: سنيهة وقال: سانهت فهي بمنزلة شفة تقول: شفهيٌّ وشنهيٌّ. وتقول في عضةٍ: عضويٌّ على قول الشاعر: هذا طريق يأزم المآزما وعضوات تقطع اللَّهازما ومن العرب من يقول: عضيهة يجعلها من بنات الهاء بمنزلة شفةٍ إذا قالوا ذلك. وإذا أضفت إلى أخت قلت: أخويٌّ هكذا ينبغي له أن يكون على القياس. وذا القياس قول الخليل من قبل أنَّك لمّا جمعت بالتاء حذفت تاء التأنيث كما تحذف الهاء وردت إلى الأصل. فالإضافة تحذفه كما تحذف الهاء وهي أردُّله إلى الأصل. أرى ابن نزار قد جفاني وملَّني على هنوات كلُّها متتابع فهي بمنزلة أخت وأما يونس فيقول أختي وليس بقياس. هذا باب الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين


فإن شئت تركته في الإضافة على حاله قبل أن يضيف وإن شئت حذفت الزوائد ورددت ما كان له في الأصل. وذلك: ابن واسم واست واثنان واثنتان وابنة. فإذا تركته على حاله قلت: اسمىٌّ واستىٌّ وابنىٌّ واثنىٌّ في اثنين واثنتين. وحدثنا يونس: أن أبا عمرو كان يقوله. وإن شئت حذفت الزوائد التي في الاسم ورددته إلى أصله فقلت: سمويٌّ وبنويٌّ وستهيٌّ. وإنَّما جئت في استٍ بالهاء لأنَّ لامها هاء ألا ترى أنَّك تقول: الأستاه وستيهة في التحقير وتصديق ذلك أنَّ أبا الخطّاب كان يقول: إنَّ بعضهم إذا أضاف إلى أبناء فارس قال: بنويٌّ. وزعم يونس أن أبا عمرو وزعم أنَّهم يقولون: ابنيٌّ فيتركه على حاله كما ترك دم. وأما الذين حذفوا الزوائد وردُّوا فإنهم جعلوا الإضافة تقوى على حذف الزوائد كقوتها على الردّ كما قويت على الردّ في دمٍ وإنَّما قويت على حذف الزوائد لقوّتها على الردّ فصار ماردّ عوضاً. ولم يكونوا ليحذفوا ولا يردّوا لأنهم قد ردّوا ما ذهب من الحرف للإخلال به فإذا حذفوا شيئاً ألزموا الردّ ولم يكونوا ليردّوا والزائد لأنَّه إذا قوي على ردّ الأصل قوي على حذف ما ليس من الأصل لأنهما متعاقبان. وسألت الخليل عن الإضافة إلى ابنم فقال: إن شئت حذفت الزوائد فقلت: بنويٌّ كأنك أضفت إلى ابن. وإن شئت تركته على حاله فقلت: ابنميٌّ كما قلت: ابنيٌّ واستيٌّ. واعلم أنَّك إذا حذفت فلا بدَّ لك من أن تردّ لأنه عوض وإنَّما هي معاقبة وقد كنت تردّ ما عدة حروفه حرفان وإن لم يحذف منه شيء فإذا حذفت منه شيئاً ونقصته منه كان العوض لازماً. وأمَّا بنت فإنك تقول: بنويٌّ من قبل أن هذه التاء التي هي للتأنيث لا تثبت في الإضافة كما لا تثبت في الجمع بالتاء. وذلك لأنّهم شبَّهوها بهاء التأنيث فلمَّا حذفوا وكانت زيادة في الاسم كتاء سنبتة وتاء عفريتٍ ولم تكن مضمومة إلى الاسم كالهاء يدّلك على ذلك سكون ما قبلها جعلناها بمنزلة ابن. فإن قلت: بنيٌّ جائز كما قلت: بنات فإنَّه ينبغي لك أن تقول بنيٌّ في ابني كما قلت في بنون فإنَّما ألزموا هذه الردَّ في الإضافة لقوتها على الرد ولأنَّها قد ترد ولا حذف فالتاء يعوَّض منها كما يعوَّض من غيرها. وكذلك: كلتا وثنتان تقول: كلويٌّ وثنويٌّ وبنتان: بنويٌّ. وأمّا يونس فيقول ثنتيٌّ وينبغي له أن يقول: هنتيٌّ في هنه لأنَّه إذا وصل فهي تاء كتاء التأنيث. وزعم الخليل أنَّ من قال بنتي قال هنتي وهذا لا يقوله أحد وأعلم ذيت بمنزلة بنت وإنَّما أصلها ذيّة عمل بها ما عمل بينت. يدلُّك عليه اللفظ والمعنى فالقول في هنت وذيت مثله في بنت لأنّ ذيت يلزمها التثقيل إذا حذفت التاء. ثمَّ تبدل واواً مكان التاء كما كنت تفعل لو حذفت التاء من أخت وبنت وإنَّما ثقلَّت كتثقيلك كي اسما. وزعم أن أصل بنت وابنة فعل كما أن أخت فعل يدًّلك على ذلك أخوك وأخاك وأخيك وقول بعض العرب فيما زعم يونس آخاء. فهذا جمع فعل. وتقول في الإضافة إلى ذيَّة وذيت: ذيويًّ فيهما وإنَّما منعك من ترك التاء في الإضافة أنّه كان يصير مثل: أختيٍّ وكما أن هنت أصلها فعل يدلك على ذلك قول بعض العرب: هنوك وكما أن است فعل يدّلك على ذلك أستاه. فإن قيل: لعله فعل أو فعل فإنه يدلك على ذلك قول بعض العرب سه لم يقولوا: سه ولا سه وقولهم: ابن ثم قالوا: بنون ففتحوا يدلُّك أيضاً. واثنتان بمنزلة ابنة أصلها فعل لأنَّه عمل بها ما عمل بابنة وقالوا في الاثنين: أثناء فهذا يقوِّي فعل وأنَّ نظائرها من الأسماء أصلها تحرّك العين وهنت عندنا متحرّكة العين تجعلها بمنزلة نظائرها من الأسماء وتلحقها بالأكثر. ولم يجيء شيء هكذا ليست عينه في الأصل متحركة إلا ذيت وليست باسم متمكِّن. وأمّا كلتا فيدلّك على تحريك عينها قولهم: رأيت كلا أخويك: فكلا كمعاً واحد الأمعاء ومن قال: رأيت كلتا أختيك فإنَّه يجعل الألف ألف تأنيث. فإن سمَّى بها شيئاً لم يصرفه في معرفة ولا نكرة وصارت التاء بمنزلة الواو في شروى. ولو جاء شيء مثل بنت وكان أصله فعل أو فعل واستبان لك أن اصله فعل أو فعل لكان في الإضافة متحرّك العين كأنّك تحذف إلى اسم قد ثبت في الكلام على حرفين فإنما تردُّ والحركة قد ثبتت في الاسم. وكلّ اسم تحذف منه في الإضافة شيئاً فكأنّك ألحقت ياءي الإضافة اسماً لم يكن فيه شيء مما حذف لأنَّك إنَّما تلحق ياءي الإضافة بعد بناء الاسم. ومن ثمّ جعل ذيت في الإضافة كأنَّها اسم لم يكن فيه قبل الإضافة تاء كذلك ثقلَّتها كتثقيلك: كي ولو وأو أسماء. وأمَّا فم فقد ذهب من اصله حرقان لأنه كان أصله فوه فأبدلوا الميم مكان الواو ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم دمٍ ثبتت في الاسم في تصرفه في الجرّ والنصب والإضافة والتثنية. فمن ترك دم على حاله إذا اضاف ترك فم على حاله ومن ردَّ إلى دمٍ اللام ردَّ إلى فمٍ العين فجعلها مكان اللام كما جعلوا الميم مكان العين في فمٍ. قال الشاعر وهو الفرزدق: هما نفثا في فيَّ من فمويها ** على الناتج العوي أشدَّ رجام وقالوا: فموان فإنّما ترد في الإضافة كما تردّ في التثنية وفي الجمع بالتاء وتبني الاسم كما تثنِّي به إلاَّ أنّ الإضافة أقوى على الردِّ. فإن قال: فمان فهو بالخيار إن شاء قال: فمويٌّ وإن شاء قال: فميٌّ. ومن قال: فموان قال: فمويٌّ على كلّ حال. وأمّا الإضافة إلى رجل اسمه ذو مال فإنَّك تقول: ذوويٌّ كأنَّك أضفت إلى ذواً. وكذلك فعل به حين أفرد وجعل اسما ردَّ إلى أصله لأنَّ أصله فعل يدلَّك على ذلك قولهم: ذواتا فإن أردت أن تضيف فكأنك أضفت إلى مفرد لم يكن مضافاً قطٌّ فافعل به فلعك به إذا كان وكذلك الإضافة إلى ذاه ذوويٌّ لأنَّك إذا أضفت حذفت الهاء فكأنَّك تضيف إلى ذي إلا أنَّ الهاء جاءت بالألف والفتحة كما جاءت بالفتحتين في امرأة فلأصل أولى به إلاّ أن تغيِّر العرب منه شيئاً فتدعه على حاله نحو: فمٍ. وإذا أضفت إلى رجل اسمه فوزيد فكأنَّك إنّما تضيف إلى فمٍ لأنَّك إنَّما تريد أن تفرد الاسم ثم تضيف إلى الاسم. فافعل به فعلك به إذا أفردته اسماً. وأمّا الإضافة إلى شاءٍ فشاويٌّ كذلك يتكلَّمون به. قال الشاعر: فلست بشاويٍّ عليه دمامة ** إذا ما غدا يغدو بقوس وأسهم وإن سمَّيت به رجلا أجريته على القياس تقول شائيٌّ وإن شئت قلت شاوى كما قلت: عطاويٌّ كما تقول في زبينة وثقيف بالقياس إذا سمّت به رجلاً. وإذا أضفت إلى شاة قلت: شاهيٌّ تردّ ما هو من نفس الحرف وهو الهاء. ألا ترى أنك تقول: شويهة وإنما أردت أن تجعل شاةً بمنزلة الأسماء فلم يوجد شيء هو أولى به مّما هو من نفسه كما هو التحقير كذلك. وأمّا الإضافة إلى لات من اللات والعزَّى فإنك تمدُّها كما تمد لا إذا كانت اسماً كما تثقل لو وكي إذا كان كلّ واحد منهما اسماً. فهذه الحروف وأشباهها التي ليس لها دليل بتحقير ولا جمع ولا فعل ولا تثنية إنّما تجعل ما ذهب منه مثل ما هو فيه ويضاعف فالحرف الأوسط ساكن على ذلك يبنى إلا أن تستدلّ على حركته بشيء. وصار الإسكان أولى به لأن الحركة زائدة فلم يكونوا ليحرِّكوا إلا بثبت كما أنهم لم يكونوا ليجعلوا الذّهب من لو غير الواو إلا بثبت فجرت هذه الحروف على فعل أو فعل أو فعل. وأمّا الإضافة إلى ماءٍ فمائيٌّ تدعه على حاله ومن قال: عطاويٌّ قال: ماويٌّ يجعل الواو مكان الهمزة وشاويٌّ بقوِّى هذا. وأمّا الإضافة إلى امرئ فعلى القياس تقول امرئتي وتقديرها إمرعي لأنه ليس من بنات الحرفيين وليس الألف ههنا بعوض فهو كالإنطلاق اسم رجل وإن أ ضعت إلى امرأة فكذلك تقول امرئي امرئ لأنّك كأنك تضيف إلى امرئ فالإضافة في ذا كالإضافة إلى استغاثة إذا قلت: استغاثي. وقد قالوا: مرئي تقديرها: مرعيٌ في امرئ القيس وهو شاذ. هذا باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين


وذلك عدة وزنة. فإذا أضفت قلت: عديٌّ وزنيٌّ ولا ترده الإضافة إلى أصله لبعدها من ياءي الإضافة لأنَّها لو ظهرت لم يلزمها اللام لو ظهرت من التغير لوقوع الياء عليها. ولا تقول: عدويٌ بعد اللام شيئاً ليس من الحرف يدلُّك على ذلك التصغير. ألا ترى أنَّك تقول: وعيدة فتردّ الفاء ولا ينبغي أن تلحق الاسم زائدةً فتجعلها أولى من نفس الحرف في الإضافة كما لم تفعل ذلك في التحقير ولا سبيل إلى ردّ الفاء لبعدها وقد ردّوا في التثنية والجمع بالتاء بعض ما ذهبت لاماته كما ردّوا في الإضافة فلو ردّوا في الإضافة الفاء لجاء بعضه مردوداً في الجميع بالتاء فهذا دليل على أن الإضافة لا تقوى حيث لم يردُّوا في الجميع بالتاء. فإن قلت: أضع الفاء في آخر الحرف لم يجز ولو جاز ذا لجاز أن تضع الواو والياء إذا كانت لاما في أوّل الكلمة إذا صغرّت. ألا تراهم جاءوا بكلّ شيء من هذا في التحقير على أصله. وكذا قول يونس ولا نعلم أحداً يوثق بعلمه قال خلاف ذلك. وتقول في الإضافة إلى شيةٍ: وشويٌّ لم تسكن العين كما لم تسكن الميم إذا قال: دمويٌّ فلمّا تركت الكسرة على حالها جرت مجرى شجويٍّ وإنَّما ألحقت الواو ههنا كما ألحقتها في عه حين جعلتها اسماً ليشبه الأسماء لأنَّك جعلت الحرف على مثال الأسماء في كلام العرب. وإنَّما شية وعدة فعلة لو كان شيء من هذه الأسماء قعلة لم يحذفوا الواو كما لم يحذفوا في الوجبة والوثبة والوحدة وأشباهها. وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء الله. فإنَّما ألقوا الكسرة فيما كان مكسور الفاء على العينات وحذفوا الفاء وذلك نحو عدةٍ وأصلها وعده وشية وأصلها وشية فحذفوا الواو وطرحوا كسرتها على العين. وكذلك أخواتها. هذا باب الإضافة إلى كلّ اسم


ولي آخره ياءين مدغمةً إحداهما في الأخرى وذلك نحو أسيّدٍ وحميّرٍ ولبيّدٍ فإذا أضفت إلى شيء من هذا تركت الياء الساكنة وحذفت المتحرّكة لتقارب الياءات مع الكسرة التي في الياء والتي في آخر الاسم فلما كثرت الياءات وتقاربت وتوالت الكسرات التي في الياء والدال استثقلوه فحذفوا وكان حذف المتحرك هو الذي يخففه عليهم لأنهم لو حذفوا الساكن لكان ما يتوالى فيه من الحركات التي لا يكون حرف عليها مع تقارب الياءات والكسرتين في الثقل مثل أسيّدٍ لكراهيتهم هذه المتحرِّكات. فلم يكونوا ليفرّوا من الثقل إلى شيء هو في الثِّقل مثله وهو أقلّ في كلامهم منه وهو أسيديٌّ وحميريٌّ ولبيديٌّ. وكذلك تقول العرب. وكذلك سيد وميت ونحوهما لأنهما ياءان مدغّمة إحداهما في الأخرى يليها أخر الاسم. وهم ممَّا يحذفون هذه الياءات في غير الإضافة. فإذا أضافوا فكثرت الياءات وعدد الحروف ألزموا أنفسهم أن يحذفوا. فما جاء محذوفاً من نحو سيّد وميّت: هين وميت ولين وطيب وطيء فإذا أضفت لم يكن إلاَّ الحذف إذ كنت تحذف هذه الياء في غير الإضافة. تقول: سيديٌّ وطيبيٌّ إذا أضفت إلى طيب. ولا اراهم قالوا طائيٌّ إلاّ فراراً من طيئيٌّ وكان القياس طيئيٌّ وتقديرها طيغيٌّ ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء وبنوا الاسم على هذا كما قالوا في زبينة: زبانيٌّ. وإذا أضفت إلى مهيمٍ قلت: مهيِّيميٌّ لأنَّك إذ حذفت الياء التي تلي الميم صرت إلى مثل أسيديّ فتقول: مهيميٌّ فلم يكونوا ليجمعوا على الحرف هذا الحذف كما أنَّهم إذا حقّروا عيضموز لم يحذفوا الواو لأنَّهم لو حذفوا الواو احتاجوا إلى أن يحذفوا حرفاً آخر حتَّى يصير إلى مثال التحقير فكرهوا أن يحملوا عليه هذا وحذف الياء. وستراه مبينَّاً في بابه إن شاء الله. فكان ترك هذه الياء إذ لم تكن متحركة كياء تميم وفصلت بين آخر الكلمة والياء المشدَّدة فكان أحبَّ إليهم ممَّا ذكرت لك وخفَّ عليهم تركها لسكونها تقول: مهيَّيميٌّ فلا تحذف منها شيئاً وهو تصغير مهوّم. وذلك قولك: مسلمون ورجلان ونحوهما فإذا كان شيء من هذا اسم رجل فأضفت إليه حذفت الزائدتين الواو والنون والألف والنون والياء والنون لأنَّه لا يكون في الاسم رفعان ونصبان وجراَّان فتذهب الياء لأنَّها حرف الإعراب ولأنه لا تثبت النون إذا ذهب ما قبلها لأنَّهما زيدتا معا ولا تثبتان إلاّ معا. وذلك قولك رجليٌّ ومسلميٌّ. ومن قال من العرب: هذه قنَّسرون ورأيت قنَّسرين وهذه يبرون ورأيت يبرين قال: يبريٌّ وقنسريٌّ. وكذلك ما اشبه هذا. ومن قال: هذه يبرين قال: يبرينيٌّ كما تقول: غسلينيٌّ وسريحين سريحينيٌّ. فأمّا قنَّسون ونحوها فكأنهم الحقوا الزائدتين قنَّسر وجعلوا الزائدة التي قبل النون حرف الإعراب كما فعلوا ذلك في الجمع. هذا باب الإضافة إلى كلّ اسم لحقته التاء للجمع


وذلك مسلمات وتمرات ونحوهما. فإذا سمّيت شيئاً بهذا النحو ثم أضفت إليه: مسلميٌّ وتمريٌّ وتحذف كماا حذفت الهاء وصارت كالهاء في الإضافة كما صارت في المعرفة حين قلت: رأيت مسلماتٍ وتمراتٍ قبل. ولا يكون أن تصرف التاء بالنصب في هذا الموضع. ومثل ذلك قول العرب في أذرعات: أذرعيٌّ لا يقول أحد إلاّ ذاك. وتقول في عانات: عانيٌّ أجريت مجرى الهاء لأنَّها لحقت لجمع مؤنث كما لحقت الهاء الواحد للتأنيث فكذلك لحقته للجمع. ومع هذا أنها حذفت كما حذفت واو مسلمين في الإضافة كما شبّهوها بها في الإعراب. وتقول في الإضافة إلى محىّ: محتىٌّ وإن شئت قلت: محويٌّ. هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين ضمّ أحدهما إلى الآخر فجعلا اسما واحدا


كان الخليل يقول: تلقى الآخر منهما كما تلقى الهاء من حمزة وطلحة لأنَّ طلحة بمنزلة حضرموت. وقد بيّنا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف. فمن ذلك خمسة عشر ومعدي يكرب في قول من لم يضف. فإذا أضفت قلت: معديٌّ وخمسيٌّ. فهكذا سبيل الباب. وصار بمنزلة المضاف في إلقاء أحدهما حيث كان من شيئين ضمّ أحدهما إلى الآخر. وليس بزيادة في الأول كما أنّ المضاف إليه ليس بزيادة في الأول المضاف. ويجيء من الأشياء التي هي من شيئين جعلا اسما واحدا ما لا يكون على مثاله الواحد نحو: أيادي سبا لأنه ثمانية أحرف ولم يجيء اسم واحد عدّته ثمانية أحرف. ونحو: شغر بغر ولم يكن اسم واحد توالت فيه ولا بعدّته من المتحرّكات ما في هذا كما أنه قد يجيء في المضاف والمضاف إليه ما لا يكون على مثله الواحد نحو صاحب جعفر وقدم عمر ونحو هذا مما لا يكون الواحد على مثاله. فمن كلام العرب أن يجعلوا الشيء كالشيء إذا أشبهه في بعض المواضع. وقالوا: حضرميٌّ كما قالوا: عبدريٌّ وفعلوا به ما فعلوا بالمضاف. وسألته عن الإضافة إلى رجل اسمه اثنا عشر فقال ثنويٌّ في قول من قال: بنويٌّ في ابن وإن شئت قلت: اثنىٌّ في اثنين كما قلت: ابنيٌّ وتحذف عشر كما تحذف نون عشرين فتشبَّه عشر بالنون كما شبَّهت عشر في خمسة عشر بالحاء. وأمّا اثنا عشر التي العدد فلا تضاف ولا يضاف إليها. هذا باب الإضافة إلى المضاف من الأسماء اعلم أنّه لا بدّ من حذف أحد الاسمين في الإضافة.


والمضاف في الإضافة يجري في كلامهم على ضربين. فمنه ما يحذف منه الاسم الآخر ومنه ما يحذف منه الأوّل. وإنّما لزم الحذف أحد الاسمين لأنَّهما اسمان قد عمل أحدهما في الآخر وإنما تريد أن تضيف إلى الاسم الأوّل وذلك المعنى تريد. فإذا لم تحذف الآخر صار الأول مضافا إلى مضاف إليه لأنَّه لا يكون هو والآخر اسما واحدا ولا تصل إلى ذلك كما لا تصل إلى أن تقول: أبو عمرين وأنت تريد أن تثنَّي الأوّل. وقد يجوز: أبو عمرين إذا لم ترد أن تثنّيى الأب وأردت أن تجعله أبا عمرين اثنين. فالإضافة تفرد الاسم. فأمّا ما يحذف منه الأوّل فنحو: ابن كراع وابن الزُّبير تقول زبيريٌّ وكراعيٌّ وتجعل ياءي الإضافة في الاسم الذي صار به الأول معرفة فهو أبين وأشهر إذ كان به صار معرفةً. ولا يخرج الأول من أن يكون المضافون إليه وله. ومن ثمَّ قالوا في أبي مسلمٍ: مسلميٌّ لأنَّهم جعلوه معرفة بالآخر كما فعلوا ذلك بابن كراع غير أنَه لا يكون غالباً حتى يصير كزيد وعمرو وكما صار ابن كراع غالبا. وابو فلان عند العرب كابن فلان. ألا تراهم قالوا في أبي بكر بن كلابٍ: بكريٌّ كما قالوا في ابن دعلجٍ: دعلجيٌّ فوقعت الكنية عندهم موقع ابن فلان. وعلى هذا الوجه يجري في كلامهم وذلك يعنون وصار الآخر إذا كان الأول معرفةً بمنزلته لو كان علماً مفردا. وأمّا ما يحذف منه الآخر فهو الاسم الذي لا يعرَّف بالمضاف إليه ولكنَّه معرفة كما صار معرفةً يزيد وصار الأوَّل بمنزلته لو كان علما مفرداً لأنَّ المجرور لم يصر الاسم الأوّل به معرفةً لأنك لو جعلت المفرد اسمه صار به معرفةً كما يصير معرفةً إذا سمّيته بالمضاف. فمن ذلك: عبد القيس وامرؤ القيس فهذه الأسماء علامات كزيد وعمر فإذا أضفت قلت: عبديٌّ وامرئيٌّ ومرئيٌّ فكذلك هذا أشباهه. وسألت الخليل عن قولهم في عبد منافٍ منافيٌّ فقال: أمّا القياس فكما ذكرت لك إلاّ أنَّهم قالوا منافيٌّ مخافة الالتباس ولو فعل ذلك بما جعل اسمّا من شيئين جاز لكراهية الالتباس. وقد يجعلون للنَّسب في الإضافة اسماً بمنزلة جعفر ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف كما قالوا سبطر فجعلوا فيه حروف السَّبط إذ كان المعنى واحدا. وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء الله. فمن ذلك: عبشميٌّ وعبدريٌّ. وليس هذا بالقياس إنَّما قالوا هذا كما قالوا: علويٌّ وزبانيٌّ. فذا ليس بقياس كما أنَّ علويٌّ ونحو علويٌّ ليس بقياس. هذا باب الإضافة إلى الحكاية فإذا أضفت إلى الحكاية حذفت وتركت الصدر بمنزلة عبد القيس وخمسة عشر حيث لزمه الحذف كما لزمها وذلك قولك في تأبَّط شرا تأبطيٌّ. ويدلك على ذلك أنَّ من العرب من يفرد فيقول: يا تأبَّط أقبل فيجعل الأوّل مفردا. فكذلك تفرده في الإضافة. كذلك حيثما وإنما ولولا وأشباه ذلك تجعل الإضافة إلى الصدر. وسمعنا من العرب من يقول: كونيٌّ حيث أضافوا إلى كنت وأخرج الواو حيث حرّك النون. هذا باب الإضافة إلى الجمع


اعلم أنّك إذا أضفت إلى جميع أبداً فإنَّك توقع الإضافة على واحده الذي كسّر عليه ليفرق بينه إذا كان اسماً لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلاّ الجميع. فمن ذلك قول العرب في رجل من القبائل: قبليٌّ وقبليةٌّ للمرأة. ومن ذلك أيضاً قولهم في أبناء فارس بنويٌّ وقالوا في الرباب: ربيٌّ وإنَّما الربِّاب جماع وواحدة ربة فنسب إلى الواحد وهو كالطوائف. وقال يونس: إنَّما هي ربة ورباب كقولك: جعفرة وجفار وعلبة وعلاب والربةٌّ: الفرقة من الناس. وكذلك لو أضفت إلى المساجد قلت: مسجديٌّ ولو أضفت إلى الجمع قلت: جمعيٌّ كما تقول: ربيٌّ. وإن أضفت إلى عرفاء قلت: عريفيٌّ. فكذلك ذا واشباهه. وهذا قول الخليل وهو القياس على كلام العرب وزعم الخليل أن نحو ذلك قولهم في المسامعه مسمعي والمهالبة وتقول في الإضافة إلى نفر نفريٌّ ورهط رهطيٌّ لأن نفر بمنزلة حجر لم يكسر له واحد وإن كان فيه معنى الجميع. ولو قلت: رجليٌّ في الإضافة إلى نفر لقلت في الإضافة إلى الجمع: واحديٌّ وليس يقال هذا. وتقول في الإضافة إلى أناس: إنسانيٌّ وأناسيٌّ لأنه لم يكسّر له إنسان وهو أجود القولين. وقال أبو زيد: النسسبة إلى محاسن محاسنى لأنه لا واحد له. فصار بمنزلة نفر. وتقول في الإضافة إلى نساء: نسويٌّ أنه جماع نسوة وليس نسوة بجمع كسّر له واحد. وإن أضفت إلى عباديد قلت: عباديديٌّ لأنه ليس له واحد وواحده يكون على فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلال فإذا لم يكن واحد لم تجاوزه حتَّى تعلم فهذا أقوى من أن أحدث شيئاً لم تكلَّم به العرب. وتقول في الأعراب: أعرابيٌّ أنه ليس له واحد على هذا المعنى. ألا ترى أنَّك تقول: العرب فلا تكون على هذا المعنى فهذا يقوِّيه. وإذا جاء شيء من هذه الأبنية التي توقع الإضافة على واحدها اسماً لشيء واحد تركته في الإضافة على حاله ألا تراهم قالوا في أنمارٍ: أنماريٌّ لأنّ أنماراً اسم رجل وقالوا في كلاب: كلابيٌّ. ولو سمّيت رجلاً ضربات لقلت: ضربيٌّ لا تغيَّر المتحرِّكة لأنّك لا تريد أن توقع الإضافة على الواحد. وسألته عن قولهم: مدائنيٌّ فقال: صار هذا البناء عندهم اسماً لبلد. ومن ثم قالت بنو سعدٍ في الأبناء: أبناويٌّ كأنهم جعلوه اسم الحيّ والحيُّ كالبلد وهو واحد يقع على الجميع كما يقع المؤنث على المذكّر. وسترى ذلك إن شاء الله. وقالوا في الضِّباب إذا كان اسم رجل: ضبابيَّ وفي معافر: معافريٌّ. وهو فيما يزعمون معافر بن مرٍّ أخو تميم بن مرّ.

هذا باب ما يصير إذا كان علماً في الإضافة على غير طريقته وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علماً على غير طريقة ما هو بنائه فمن قولهم في الطَّويل الجَّمة: جمَّاني وفي الطَّويل اللَّحية: اللحيانيِّ وفي الغليظ الرقبة: الرقبانيِّ. فإن سمّيت برقبة أو جمة أو لحية قلت: رقبيٌّ ولحيٌّ وجمَّيٌّ ولحويٌّ وذلك لأنّ المعنى قد تحوّل إنما أردت حيث قلت: جمانيٌّ الطويل الجمَّة وحيث قلت: اللِّحياني الطَّويل اللِّحية فلمّا ومن ذلك أيضاً قولهم في القديم السنِّ: دهريٌّ فإذا جعلت الدَّهر اسم رجل قلت: دهريٌّ. وكذلك ثقيف إذا حولته من هذا الموضع قلت ثقيفيٌّ. وقد بينّا ذلك فيما مضى. باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة


وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله أو ذا شيء. أمّا ما يكون صاحب شيء يعالجه فإنه مما يكون فعَّالاً وذلك قولك لصاحب الثياب: ثوَّاب ولصاحب العاج: عواج ولصاحب الجمال التي ينقل عليها: جمَّال ولصاحب الخمر التي يعمل عليها: حمار وللّذي يعالج الصرّف: صراف. وذا أكثر من أن يحصى. وربَّما ألحقوا ياءي الإضافة كما قالوا: البتِّيٌّ أضافوه إلى البتوت فأوقعوا الإضافة على واحده وقالوا: البتات. وأمَّا ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فإنَّه مما يكون فاعلا وذلك قولك لذي الدرع: ولذي النَّبل: نابل ولذي النُّشاب: ناشب ولذي التَّمر: تامر ولذي اللّبن: لابن. قال الحطيئة: ففررتني وزعمت أنَّك لابن بالصيف تامر وتقول لمن كان شيء من هذه الأشياء صنعته: لبَّان وتمّار ونبَّال. وليس في كلِّ شيء من هذا قيل هذا. ألا ترى أنَّك لا تقول لصلحب البرّ: برار ولا لصاحب وتقول: مكان آهل أي: ذو أهلٍ. وقال ذو الرمَّة: إلى عطنٍ رحب المباءة آهل وقالوا لصاحب الفرس: فارس. وقال الخليل: إنَّما قالوا: عيشة راضية وطاعم وكاس على ذا أي: ذات رضاً وذو كسوة وطعامٍ وقالوا: ناعل لذي النَّعل. وقال الشاعر: كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب أي: لهمٍّ ذي نصب. وقالوا: بغَّال لصاحب البغل شبَّهوه بالأوَّل حيث كانت الإضافة لأنَّهم يشبَّهون الشيء بالشيء وإن خالفه. وقالوا لذي السيف: سيّاف وللجميع: سيّافة. وقال امرؤ القيس: وليس بذي رمحٍ فيطعنني به وليس بذي سيفٍ وليس بنبّال يريد: وليس بذي نبل. فهذا وجه ما جاء من الأسماء ولم يكن له فعل. وهذا قول الخليل. باب ما يكون مذكَّرا يوصف المؤنَّث


وذلك قولك: امرأة حائض وهذه طامث كما قالوا: ناقة ضامر يوصف به المؤنَّث وهو مذكّر. فإنَّما الحائض وأشباهه في كلامهم على أنَّه صفة شيء والشيء مذكّر فكأنهم قالوا: هذا شيء حائض ثمَّ وصفوا به المؤنَّث كما وصفوا المذكّر بالمؤنَّث فقالوا: رجل نكحة. فزعم الخليل أنَّهم إذا قالوا حائض فإنَّه لم يخرجه على الفعل كما أنه حين قال: دارع لم يخرجه على فعل وكأنَّه قال: درعيٌّ. فإنَّما أراد ذات حيضٍ ولم يجيء على الفعل. وكذلك قولهم: مرضع إذا أراد ذات رضاعٍ ولم يجرها على أرضعت. ولا ترضع. فإذا أراد ذلك قال: مرضعة. وتقول: هي خائضة غداً لا يكون إلاّ ذلك لأنَّك إنَّما أجريتها على الفعل على هي تحيض غداً. هذا وجه ما لم يجر على فعله فيما زعم الخليل مما ذكرنا في هذا الباب. وزعم الخليل أنَّ فعولا ومفعالا ومفعلا نحو قؤول ومقوال إنَّما يكون في تكثير الشيء وتشديده والمبالغة فيه وإنَّما وقع كلامهم على أنَّه مذكّر. وزعم الخليل أنَّهم في هذه الأشياء كأنهم يقولون: قوليٌّ وضربيٌّ. ويستدلّ على ذلك بقولهم: رجل عمل وطعم ولبس فمعنى ذا كمعنى قؤول ومقوال في المبالغة إلاّ أن الهاء تدخله يقول: تدخل في فعل في التأنيث. وقالوا: نهر وإنّما يريدون نهاريٌّ فيجعلونه بمنزلة عمل وفيه ذلك المعنى. لست بليليٍ ولكنَّي نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر فقولهم: نهر في نهاري يدُّل على أن عملاً كقوله: عمليٌّ أن في عمل من المعنى ما في نهرٍ وقؤول كذلك لأنّه في معنى قوليّ. وقالوا: رجل حرح ورجل سته كأنه قال: حريٌّ واستيٌّ. وسألته عن قولهم: موت مائت شغل شاغل وشعر شاعر فقال: إنَّما يريدون في المبالغة والإجادة وهو بمنزلة قولهم: همّ ناصب وعيشة راضية في كلّ هذا. فهذا وجه ما كان من الفعل ولم يجر على فعله وهذا قول الخليل: يمتنع من الهاء في التأنيث في فعول وقد جاءت في شيء منه. وقال: مفعال ومفعيل قلّ ما جاءت الهاء فيه ومفعل قد جاءت الهاء فيه كثيراً نحو مطعنٍ ومدعسٍ ويقال: مصكٌّ ومصكٌّة ونحو ذلك. هذا باب التثنية


اعلم أنَّ التثنية تكون في الرفع بالألف والنون وفي النصب والجرّ بالياء والنون ويكون الحرف الذي تليه الياء والألف مفتوحاً. أمَّا ما لم يكن منقوصاً ولا ممدوداً فإنّك لا تزيده في التثنية على أن تفتح آخره كما تفتحه في الصلة إذا نصبت في الواحد وذلك قولك: رجلان وتمرتان ودلوان وعدلان وعودان وبنتان وأختان وسيفان وعريانان وعطشانان وفرقدان وصمحمحان وعنكبوتان وكذلك هذه الأشياء ونحوهما. وتقول في النصب والجرِّ: رأيت رجلين ومررت بعنكبوتين تجريه كما وصفت لك. هذا باب تثنية ما كان من المنقوص على ثلاثة أحرف


اعلم أنَّ المنقوص إذا كان على ثلاثة أحرف فإن الألف بدل وليست بزيادة كزيادة ألف حبلى. فإذا كان المنقوص من بنات الواو أظهرت الواو في التثنية لأنَّك إذا حركت فلا بد من ياء أو واو فالذي من الأصل أولى. فأمَّا ما كان من بنات الواو فمثل قفاً لأنه من قفوت الرجل تقول: قفوان وعصاً عصوان لأنَّ في عصاً ما في قفاً. تقول: عصوت ولا تميل ألفها وليس شيء من بنات الياء لا يجوز فيه إمالة الألف ورجاً رجوان لأنَّه من بنات الواو يدلُّك على ذلك قول العرب: رجا فلا يميلون الألف وكذلك الرِّضا تقول: رضوان لأنَّ الرِّضا من الواو يدلك على ذلك مرضوٌّ والرضوان. وأما مرضيٌّ فبمنزلة مسنيّة. والسَّنا بمنزلة القفا تقول: سنوان وكذلك ما ذكرت لك وأشباهه وإذاعلمت أنه من بنات الواو وكانت الإمالة تجوز في الألف أظهرت الواو لأنَّها ألف مكان الواو فإذا ذهبت الألف فالتي الألف بدل منها أولي. يدلّك على ذلك أنَّهم يقولون: غزا فيميلون الألف ثم يقولون: غزوا وقالوا: الكبا ثم قالوا الكبوان بذلك أبو الخطّاب عن أهل الحجاز. وسألت الخليل عن العشا الذي في العينين فقال: عشوان لأنَّه من الواو غير أنَّهم قد يلزمون بعض ما يكون من بنات الواو انتصاب الألف ولا يجيزون الإمالة تخفيفاً للواو. وأمّا الفتى فمن بنات الياء قالوا: فتيان وفتية وأمّا الفتوَّة والندوَّة فإنّما جاءت فيهما الواو لضمَّة ما قبلهما مثل لقضو الرجل من قضيت وموقن فجعلوا الياء تابعة. ولو سمَّيت رجلا بخطا قم ثنَّيت لقلت: خطوان لأنَّها من خظوت. ولو جعلت على اسما ثم ثنَّيت لقلت: علوان لأنَّها من علوت ولأنَّ ألفها لازمة الانتصاب وهي التي في قولك: على زيد درهم وكذلك الجميع بالتاء في جميع ذا لأنَّه يحرّك ألا تراهم قالوا: قنوات وأدوات وقطوات. وأما ما كان من بنات الياء فرحى وذلك لأنَّ العرب لا تقول إلاَّ رحىً ورحيان والعمى كذلك: عمىً وعميان وعميٌ: وتقول: عميان والهدى هديان لأنَّك تقول: هديت ولأنَّك قد تميل الألف في هدى. فهذا سبيل ما كان المنقوص على ثلاثة أحرف وكذلك الجميع بالتاء. فأمَّا ربا فربوان لأنَّك تقول: ربوت. فإذا جاء شيء من المنقوص ليس له فعل تثبت فيه الواو ولا له اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الانتصاب فهو من بنات الواو لأنَّه ليس شيء من بنات الياء يلزمه الانتصاب لا تجوز فيه الإمالة إنَّما يكون ذلك في بنات الواو وذلك نحو لدى وإلى وما أشبههما. وإنَّما تكون التثنية فيهما إذا صارتا اسمين وكذلك الجميع بالتاء. فإن جاء شيء من منقوص ليس له فعل تثبت فيه الياء ولا اسم تثبت فيه الياء وجازت الإمالة في ألفه فالياء أولى به في التثنية إلا أن تكون العرب قد ثنته فتبيَّن لك تثنيتهم من أي البابين هو كما استبان لك بقولهم: قنوان وقطوات أن القناة والقطاة من الواو. وإنَّما صارت الياء أولى حيث كانت الإمالة في بنات الواو وبنات الياء أنَّ الياء أغلب على الواو حتى تصيِّرها وسترى ذلك في أفعل وفي تثنية ما كان على أربعة أحرف. فلمَّا لم يستبن كان الأقوى أولى حتَّى يستبين لك وهذا قول يونس وغيره لأنَّ الياء أقوى وأكثر. وكذلك نحو متى إذا صارت اسماً وبلى وكذلك الجميع بالتاء. هذا باب تثنية ما كان منقوصاً وكان عدة حروفه أربعة أحرف


فزائداً إن كانت ألفه بدلاً من الحرف الذي من نفس الكلمة أو كان زائداً غير بدل أمّا ما كانت الألف فيه بدلاً من حرف من نفس الحرف فنحو أعشى ومغزى وملهى ومغتزى ومرمى ومجرى تثنّى ما كان من ذا من بنات الواو كتثنية ما كان من بنات الياء لأنَّ أعشى ونحوه لو كان فعلاً لتحوّل إلى الياء. فلمّا صار لو كان فعلا لم يكن إلاَّ من الياء صار هذا النحو من الأسماء متحولا إلى الياء وصار بمنزلة الذي عدَّة حروفه ثلاثة وهو من بنات الياء. وكذلك مغزى لأنَّه لو كان يكون في الكلام مفعلت لم يكن إلاّ من الياء لأنَّها أربعة أحرف كالأعشى والميم زائدة كالألف وكلَّما فلمّا صار لو كان فعلا إلاَّ من الياء صار هذا النحو من الأسماء متحولا إلى الياء وصار بمنزلة الذي عدَّة حروفه ثلاثة وهو من بنات الياء. وكذلك مغزىً لأنَّه لو كان يكون في الكلام مفعلت لم يكن إلاّ من الياء لأنَّها أربعة أحرف كالأعشى والميم زائدة كالألف وكلمَّا ازداد الحرف كان من الواو أبعد. وأمّا مغتزى فتكون تثنيته بالياء كما أن فعله متحوّل إلى الياء. وذلك أعشيان ومغزيان ومغتزيان. وكذلك جمع ذا بالتاء كما كان جمع ما كان على ثلاثة أحرف بالتاء مثل التثنية. وأمّا ما كانت ألفه زائدة فنحو: حبلى ومعزى ودفلى وذفرى لا تكون تثنيته إلاّ بالياء لأنّك لو جئت بالفعل من هذه الأسماء بالزيادة لم يكن إلاّ من الياء كسلقيته وذلك قولك: حبليان ومعزيان ودفليان وذفريان. وكذلك جمعها بالتاء. باب جمع المنقوص بالواو والنون في الرفع


وبالنون والياء في الجرّ والنصب اعلم أنَّك تحذف الياء وتدع الفتحة التي كانت قبل الألف على حالها وإنما حذفت لأنه لا يلتقي ساكنان ولم يحركا كراهية الياءين مع الكسرة والياء مع الضمّة والواو حيث كانت معتلّة وإنّما كرهوا ذا كما كرهوا في الإضافة إلى حصى حصيٌّ. وإن جمعت قفاً اسم رجل قلت: قفون حذفت كراهية الواوين مع الضمَّة وتوالي الحركات. وأمّا ما كان على أربعة ففيه ما ذكرنا مع عدّة الحروف وتوالي حركتين لازماً فلما كان معتلاً كرهوا أن يحركوه على ما يستثقلون إذ كان التحريك مستثقلاً وذلك قولك: رأيت مصطفين وهؤلاء مصطفون ورأيت حبنطين وهؤلاء خبنطون ورأيت قفين وهؤلاء قفون. هذا باب تثنية الممدود


اعلم أنَّك كلَّ ممدود كان منصرفاً فهو في التثنية والجمع بالواو والنون في الرفع وبالياء والنون في الجر والنصب بمنزلة ما كان آخره غير معتلّ من سوى ذلك. وذلك نحو قولك: علباءان فهذا الأجود الأكثر. فإن كان الممدود لا ينصرف وآخره زيادة جاءت علامة للتأنيث فإنك إذا ثنيته أبدلت واواً كما تفعل ذلك في قولك: حنفاويٌّ وكذلك إذا جمعته بالتاء. واعلم أنَّ ناساً كثيراً من العرب يقولون: علباوان وحرباوان شبّهوها ونحوهما بحمراء حيث كان زنة هذا النحو كزنته وكان الآخر زائداً كما كان آخره حمراء زائداً وحيث مدّت كما وقال ناس: كساوان وغطاوان وفي رداء رداوان فجعلوا ما كان آخره بدلاً من شيء من نفس الحرف بمنزلة علباء لأنَّه في المد مثل وفي الإبدال وهو منصرف كما انصرف فلمَّا كان حاله كحال علباء إلاَّ أنَّ آخره بدل من شيء من نفس الحرف تبع علباءٍ كما تبع علباء حمراء وكانت الواو أخف عليهم حيث وجد لها شبه من الهمزة. وعلباوان أكثر من قولك كساوان في كلام العرب لشبهها بحمراء. وسألت الخليل عن قولهم: عقلته بثنايين وهنايين لم لم يهمزوا فقال: تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد ثم يبنوا عليه فهذا بمنزلة السَّماوة لمَّا لم يكن لها جمع كالعظاء والعباء يجيء عليه جاء على الأصل. والذين قالوا: عباءة جاءوا به على العباء. وإذا قلت: عباية فليس على العباء. ومن ثم زعم قالوا مذروان فجاءوا به على الأصل فشبّهوها بذا حيث لم يفرد واحده. وقالوا لك نقاوة ونقاوة. وإنَّما صارت واواً لأنها ليست آخر الكلمة. وقالوا لواحده: نقوة لأنَّ أصلها كان من الواو. باب لا تجوز فيه التثنية والجمع بالواو والياء والنون


وذلك نحو: عشرين وثلاثين والاثنين. لو سمّيت رجلا بمسلمين قلت: هذا مسلمون أو سمّيته برجلين قلت: هذا رجلان لم تثنَّه أبداً ولم تجمعه كما وصفت لك من قبل أنَّه لا يكون في اسم واحد رفعان ولا نصبان ولا جران ولكنك تقول: كلُّهم مسلمون واسمهم مسلمون وكلُّهم رجلان واسمهم رجلان. ولا يحسن في هذا إلا هذا الذي وصفت لك وأشباهه. وإنَّما امتنعوا أن يثنّوا عشرين حين لم يجيزوا عشرونان واستغنوا عنها بأربعين. ولو قلت ذا لقلت مائانان وألفانان وأثنانان وهذا لا يكون وهو خطأ لا تقوله العرب. وإنما أوقعت العرب الاثنين في الكلام على حد قولك: اليوم يومان واليوم خمسة عشر من الشهر. والذين جاءوا بها فقالوا: أثناء إنَّما جاءوا بها على حدّ الاثن كأنَّهم قالوا: اليوم الاثن. وقد بلغنا أنَّ بعض العرب يقول: اليوم الثُّنى. فهكذا الاثنان كما وصفنا ولكنَّه صار بمنزلة الثَّلاثاء والأربعاء اسماً غالبا فلا تجوز تثنيته. وأمّا مقبلات فتجوز فيها التثنية إذا صارت اسم رجل لأنَّه لا يكون فيه رفعان ولا نصبان ولا جرّان فهي بمنزلة ما في آخره هاء في التثنية والجمع بالتاء. وذلك قولك في أذرعتان: أزرعاتان وفي تمرات اسم رجل: تمراتان. فإذا جمعت بالتاء قلت: تمرات تحذف تحذف وتجيء أخرى كما تفعل ذلك بالهاء إذا قلت: تمرة وتمرات. باب جمع الاسم الذي في آخره هاء التأنيث


زعم يونس أنَّك إذا سمّيت رجلا طلحة أو امرأة أو سلمة أو جبلة ثم أردت أن تجمع جمعته بالتاء كما كنت جامعه قبل أن يكون اسماً لرجل أو امرأة على الأصل. ألا تراهم وصفوا المذكّر وبالمؤنث قالوا: رجل ربعة وجمعوها بالتاء: فقالوا ربعات ولم يقولوا: ربعون. وقالوا: طلحة الطلحات ولم يقولوا: طلحة الطَّلحين. فهذا يجمع على الأصل لا يتغيّر عن ذلك كما أنَّه إذا صار وصفا للمذكّر لم تذهب الهاء. فإما حبلى فلو سمّيت بها رجلا أو حمراء أو خنفساء لم تجمعه بالتاء وذلك لأن تاء التأنيث تدخل على هذه الألفات فلا تحذفها. وذلك قولك حبليات وحباريات وخنفساوات. فلمَّا صارت تدخل فلا تحذف شيئاً أشبهت هذه عندهم أرضات ودريهمات. فأنت لو سمّيت رجلاً بأرض لقلت: أرضون ولم تقل: أرضات لأنه ليس ههنا حرف تأنيث يحذف فغلب على حبلى التذكير حيث صارت الألف لا تحذف وصارت بمنزلة ألف حبنطي التي لا تجيء للتأنيث. ألا تراهم قالوا: زكريّاوون فيمن مدّ وقالوا زكريَّون فيمن قصر. واعلم أنَّك لا تقول في حبلى وعيسى وموسى إلاَّ حبلون وعيسون وموسون وعيسون وموسون خطأ. ولو كنت لا تحذف ذا لئلا يلتقي ساكنان وكنت إنَّما تحذفها وأنت كأنك تجمع حبل وموس لحذفتها في التاء فقلت: حبارات وحبلات وشكاعات وهو نبت. وإذا جمعت ورقاء اسم رجل بالواو والنون وبالياء والنون جئت بالواو ولم تهمز كما فعلت ذلك في التثنية والجمع بالتاء فقلت: ورقاوون. وسمعت من العرب من يقول: ما أكثر الهبيرات يريد جمع الهبيرة واطَّرحوا هبيرين كراهية أن يصير بمنزلة ما لا علامة فيه. باب جمع أسماء الرجال والنساء


اعلم أنَّك إذا جمعت اسم رجل فأنت بالخيار: إن شئت ألحقته الواو والنون في الرفع والياء والنون في الجرّ والنصب وإن شئت كسّرته للجمع على حدّ ما تكسَّر عليه الأسماء للجمع. وإذا جمعت اسم امرأة فأنت بالخيار إن شئت جمعته بالتاء وإن شئت كسَّرته على حدّ ما تكسَّر عليه الأسماء للجمع. فإن كان آخر الاسم هاء التأنيث لرجل أو امرأة لم تدخله الواو والنون ولا تلحقه في الجمع إلاّ فمن ذلك إذا سمّيت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر كننت بالخيار إن شئت قلت: زيدون وإن شئت قلت: أزياد كما قلت: أبيات وإن شئت قلت الزُّيود وإن شئت قلت: العمرون وإن شئت قلت: العمور والأعمر وإن شئت قلتها ما بين الثلاثة إلى العشرة. وكذلك بكر. قال الشاعر وهو رؤبة فيما لحقته الواو والنون في الرفع والياء والنون في الجرّ والنصب: أنا ابن سعد أكرم السَّعدينا والجمع هكذا في الأسماء كثير وهو قول يونس والخليل. وإن سمّيته ببشرٍ أو بردٍ أو حجر فكذلك إن شئت ألحقت فيه ما الحقت في بكر وعمروٍ وإن شئت كسّرت فقلت: أبراد وأبشار وأحجار. وقال الشاعر فيما كسّر واحده وهو زيد الخيل: ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفلٍ ** وقيس بن أهبان وقيس بن جابر وقال الشاعر: رأيت سعوداً من شعوب كثيرة ** فلم أر سعداً مثل سعد بن مالك وقال الشاعر وهو الفرزدق: وشيَّد لي زرارة باذخاتٍ ** وعمرو الخير إذ ذكر العمور وقال الشاعر: رايت الصَّدع من كعبٍ وكانوا ** من الشنآن قد صاروا كعابا وإذا سمَّيت امرأة بدعدٍ فجمعت بالتاء قلت: دعدات فثقلت كما ثقَّلت أرضات لأنَّك إذا جمعت الفعل بالتاء فهو بمنزلة جمعك الفعلة من الأسماء. وقولهم: أرضات دليل على ذلك. وإذا جمعت جمل على من قال: ظلمات قلت: جملات وإن شئت كسَّرتها كما كسَّرت عمراً فقلت: أدعد. وإن سمَّيت بهندٍ أو جملٍ فجمعت بالتاء فقلت: جملات ثقَّلت في قول من ثقَّل ظلمات وهندات فيمن ثقل في الكسرة فقال: كسرات - ومن العرب من يقول كسرات - وإن شئت كسّرت كما كسّؤت بردا وبشرا فقلت: أهناد وأجمال. وإن سمّيت امرأة بقدمٍ فجمعت بالتاء قلت: قدمات كما تقول هندات وجملات تسكِّن وتحرِّك هذين خاصَّة وإن شئت كسَّرت كما كسَّرت حجراً. قال الشاعر فيما كسّر للجمع وهو جرير: أخالد قد علقتك بعد هندٍ ** فشيّبني الخوالد والهنود وقالوا: الهنود كما قالوا: الجذوع وإن شئت قلت: الأهناد كما تقول: الأجذاع. وإن سمّيت رجلا بأحمر فإن شئت قلت: أحمرون وإن شئت كسَّرته فقلت: الأحامر ولا تقول: الحمر لأنَّه الآن اسم وليس بصفة كما تجمع الأرانب والأرامل كما قلت: أداهم حين تكلَّمت بالأدهم كما يكلم بالأسماء وكما قلت: الأباطح. وإن سمّيت امرأة بأحمر فإن شئت قلت: أحمرات وإن شئت كسرته كما تكسِّر الأسماء فقلت: الأحامر. وكذلك كسَّرت العرب هذه الصفات حين صارت أسماء قالوا: الأجارب والأشاعر. والأجارب بنو أجرب وهو جمع أجرب. وإن سمّيت رجلا بورقاء فلم تجمعه بالواو والنون وكسَّرته فعلت به ما فعلت بالصَّلفاء إذا جمعت وذلك قولك: صلاف وخبراء وخبارٍ وصحراء وصحار فورقاء تحوَّل اسماً كهذه الأشياء فإن كسَّرتها كسّرتها هكذا. وكذلك إن سمّيت بها امرأة فلم تجمع بالتاء. وإن سمّيت رجلا بمسلمٍ فأردت أن تكسِّر ولا تجمع بالواو والنون قلت: مسالم لأنه اسم مثل مطرف. وإن سميته بخالدٍ فأردت أن تكسَّر للجميع قلت: خوالد لأنَّه صار اسماً بمنزلة القادم والآخر وإنّما تقول: القوادم والأواخر. والأناسي وغيرهم في ذا سواء. ألا تراهم قالوا: غلام ثم قالوا: غلمان كما قالوا: غربان وقالوا: صبيان كما قالوا: قضبان وقد قالوا: فوارس في الصِّفة فهذا أجدر أن يكون. والدَّليل على ذلك أنّك لو أردت أن تجمع قوماً على خالد وحاتم كما ولو سمَّيت رجلاً بقصعة فلم تجمع بالتاء قلت: القصاع وقلت: قصعات إذا جمعت بالتاء. ولو سمّيت رجلاً أو امرأة بعبلةٍ ثم جمعت بالتاء لثقّلت كما ثقلت تمرة لأنها صارت اسما. وقد قالوا: العبلات فثقّلوا حيث صارت اسماً وهم حيٌّ من قريش. ولو سمّيت رجلاً أو امرأة بسنةٍ لكنت بالخيار إن شئت قلت: سنوات وإن شئت قلت: سنون لا تعدو جمعهم إياها قبل ذلك لأنَّها ثمَّ اسم غير وصف كما هي ههنا اسم غير وصف. فهذا اسم قد كفيت جمعه. ولو سمّيته ثبةً لم تجاوز أيضا جمعهم إيّاها قبل ذلك ثبات وثبون. ولو سمّيته بشيةٍ أو ظبةٍ لم تجاوز شيات وظبات لأنَّ هذا اسم لم تجمعه العرب إلاَّ هكذا. فلا تجاوزنَّ ذا في الموضع الآخر لأنَّه ثم اسم كما أنَّه ههنا اسم. فكذلك فقس هذه الأشياء. وسألته عن رجل يسمَّى بابنٍ فقال: إن جمعت بالواو والنون قلت: بنون كما قلت قبل ذلك وإن شئت كسّرت فقلت: أبناء. وسألته عن امرأة تسمَّى بأمٍ فجمعها بالتاء وقال: أمَّهات وأمَّات في لغة من قال: أمَّات لا يجاوز ذلك كما أنَّك لو سمّيت رجلاً بأبٍ ثم ثنّيته لقلت: أبوان لا تجاوز ذلك. وإذا سمّيت رجلاً باسم فعلت به ما فعلت بابنٍ إلاَّ أنَّك لا تحذف الألف لأنَّ القياس كان في ابنٍ أن لا تحذف منه الألف كما لم تحذفه في التثنية ولكنَّهم حذفوا لكثرة استعمالهم إيّاه فحرّكوا الباء وحذفوا الألف كمنين وهنين: ولو سمّيت رجلاً بامرئ لقلت: امرءون. وإن شئت كسّرته كما كسّرت ابناً واسماً وأشباهه. ولو سمّيته بشاةٍ لم تجمع بالتاء ولم تقل إلاَّ: شياه لأنَّ هذا الاسم قد جمعته العرب فلم تجمعه بالتاء. ولو سمّيت رجلاً بضرب لقلت: ضربون وضروب لأنّه قد صار اسماً بمنزلة عمرو وهم قد يجمعون المصادر فيقولون: أمراض وأشغال وعقول فإذا صار اسماً فهو أجدر أن يجمع بتكسير. وإن سمّيته بربة في لغة من خفَّف فقال: ربة رجلٍ فخفّف ثم جمعت قلت: ربات وربون في لغة من قال: سنون. ولا يجوز ظبون في ظبةٍ لأنَّه اسم جمع ولم يجمعوه بالواو والنون. ولو كانوا كسَّروا ربة وامرأً أو جمعوه بواو ونون فلم يجاوزا به ذلك لم تجاوزه ولكنَّهم لمَّا لم يفعلوا ذلك شبَّهاه بالأسماء. وأمّا عدة فلا تجمعه إلاَّ عدات. لأنَّه ليس شيء مثل عدةٍ كسّر للجمع ولكنك إن شئت قلت: عدون إذا صارت اسما كما قلت: لدون. ولو سمّيت رجلا شفةً أو أمةً ثم قلت: آم في الثلاثة إلى العشرة وأمَّا في الكثير فإماء ولقلت في شفةٍ: شفاه. ولو سمّيت امرأة بشفةٍ أو أمةٍ ثم كسّرت لقلت: آم وشفاه وإماء ولا تقل: شفات ولا أمات لأنَّهن أسماء قد جمعن ولم يفعل بهنّ هذا. ولا تقل إلاَّ آمٍ في أدنى العدد لأنه ليس بقياس. فلا تجاوز به هذا لأنَّها أسماء كسّرتها العرب وهي في تسمّيتك بها الرّجال والنساء أسماء بمنزلتها هنا. وقال بعض العرب: أمة وإموان كما قالوا: أخ وإخوان قال الشاعر وهو القتّال الكلابّي: أمَّا الإماء فلا يدعونني ولداً ** إذا ترامي بنو الإموان بالعار ولو سمّيت رجلاً ببرةٍ ثم كسّرت لقلت: برّى مثل ظلمٍ كما فعلوا به ذلك قبل التسمية لأنَّه قياس. وإذا جاء شيء مثل برة لم تجمعه العرب ثم قست وألحقت التاء والواو والنون لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين جمع بالتاء والواو والنون ولم يكسر على الأصل. وإذا سمّيت رجلاً أو امرأة بشيء كان وصفا ثم أردت أن تكسِّره كسّرته على حدّ تكسيرك إيّاه لو كان على القياس. فإن كان اسماً قد كسّرته العرب لم تجاوز ذلك. وذلك أن لو سمّيت رجلاً بسعيدٍ أو شريفٍ وجمعته كما تجمع الفعيل من الأسماء التي لم تكن صفة قط فقلت: فعلان وفعل إن أردت أن تكسّره كما كسّرت عمراً حين قلت: العمور. ومن قال: أعمر قال في هذه أفعلة. فإذا جاوزت ذلك كسّرته على المثال الذي كسّر عليه الفعيل في الأكثر وذلك نحو: رغيفٍ وجريبٍ تقول: أرغفة وأجربة وجربان ورغفان. وقد يقولون: الرغف كما قالوا: قضب الرَّيحان. قال لقيط بن زرارة: إنّ الشِّواء والنَّشيل والرُّغف وقالوا: السُّبل وأميل وأمل. وأكثر ما يكسَّر هذا عليه: الفعلان والفعلان والفعل. وربما قالوا: الأفعلاء في السماء نحو: الأنصباء والأخمساء. وذلك نحو الأوّل الكثير. فلو سمّيت رجلاً بنصيب لقلت: أنصباء إذا كسّرته. ولو سمّيته بنسيب ثم كسّرته لقلت: أنسباء لأنَّه جمع كما جمع النَّصيب وذلك لأنَّهم يتكلّمون به كما يتكلمون بالأسماء. وأمَّا والد وصاحب فإنَّهما لا يجمعان ونحوهما كما يجمع قادم الناقة لأنَّ هذا وإن تكلم به كما يتكلم بالأسماء فإنّ أصله الصفة وله مؤنَّث يجمع بفواعل فأرادوا أن يفرقوا بين المؤنَّث والمذكّر وصار بمنزلة المذكّر الذي يستعمل وصفا نحو: ضاربٍ وقاتلٍ. وإذا جاء صفة قد كسّرت كتكسيرهم إيَّاها لو كانت اسما ثم سمّيت بها رجلا كسّرته على ذلك التكسير لأنَّه كسِّر تكسير الأسماء فلا تجاوزنَّه. ولو سمّيت رجلاً بفعال نحو جلالٍ لقلت: أجلَّة على حدّ قولك أجربة فإذا جاوزت ذلك قلت: جلاَّن لأنَّ فعالا في الأسماء إذا جاوز الأفعلة إنَّما يجيء عاَّمته على فعلانٍ فعليه تقيس على الأكثر. وإذا كسَّرت الصفة على شيء قد كسِّر عليه نظيرها من الأسماء كسَّرتها إذا صارت اسماً على ذلك وذلك شجاع وشجعان مثل زقاقٍ وزقَّان وفعلوا ما ذكرت لك بالصفة إذا صارت اسماً كما قلت في الأحمر: الأحامر والأشقر: الأشاقر فإذا قالوا: شقر أو شقران فإنَّما يحمل على الوصف كما أنَّ الذين قالوا: حارث قالوا: حوارث إذا أرادوا أن يجعلوا ذلك اسماً. ومن أراد أن يجعل الحارث صفةً كما جعلوه الذي يحرث جمعوه كما جمعوه صفة إلاّ أنَّه غالب كزيدٍ. ولو سمَّيت رجلا بفعيلةٍ ثم كسَّرته قلت: فعائل. ولو سمَّيته باسم قد كسَّروه فجعلوه فعلا في الجمع مما كان فعيلةً نحو: الصَّحف والسَّفن أجريته على ذلك في تسميتك به الرجل والمرأة وإن سمّيته بفعيلة صفةً نحو: القبيحة والظريفة لم يجز فيه إلاَّ فعائل لأنَّ الأكثر فعائل فإنَّما تجعله ولو سمّيت رجلا بعجوز لجاز فيه العجز لأنَّ الفعول من الأسماء قد جمع على هذا نحو عمودٍ وعمدٍ وزبور وزيرٍ. وسألت الخليل عن أبٍ فقال: إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت: أبون وكذلك أخ تقول: أخون لا تغيِّر البناء إلا أن تحدث العرب شيئاً كما تقول: دمون. ولا تغيِّر بناء الأب عن حال الحرفين لأنَّه عليه بني إلاَّ أن تحدث العرب شيئاً كما بنوه على غير بناء الحرفين. وقال الشاعر: فلما تبيَّن أصواتنا ** بكين وفدَّيننا بالأبينا أنشدناه من نثق به وزعم أن جاهلي. وإن شئت كسَّرت فقلت: آباء وآخاء. وأمّا عثمان ونحوه فلا يجوز فيه أن يكسِّره لأنك توجب في تحقيره عثيمين فلا تقول عثامين فيما يجب له عثيمان ولكن عثمانون. كما يجب عثيمان لأنَّ أصل هذا أن يكون الغالب عليه باب غضبان إلاّ أن تكسِّر العرب شيئاً منه عل مثال فعاعيل فيجيء التحقير عليه. ولو سمّيت رجلا بمصران ثمَّ حقَّرته قلت: مصيران ولا تلتفت إلى مصارين لأنك تحقِّر المصران كما تحقِّر القضبان فإذا صار اسماً جرى مجري عثمان لأنه قبل أن يكون اسماً لم باب يجمع فيه الاسم إن كان لمذكَّر أو مؤنث بالتاء كما يجمع ما كان آخره هاء التأنيث وتلك الأسماء التي آخرها تاء التأنيث فمن ذلك بنت إذا كان اسماً لرجل تقول: بنات من قبل أنَّها تاء التأنيث لا تثبت مع تاء الجمع كما لا تثبت الهاء فمن ثمّ صيرت مثلها. وكذلك هنت وأخت لا تجاوز هذا فيها. وإن سمَّيت رجلاً بذيت ألحقت تاء التأنيث فتقول: ذيات وكذلك هنت اسم رجل تقول: هنات. باب ما لا يكسِّر مما كسّر للجمع وما لا يكسَّر من أبنية الجمع


إذا جعلته اسماً لرجل أو امرأة أما ما لا يكسَّر فنحو: مساجد ومفاتيح لا تقول إلاَّ مساجدون ومفاتيحون فإن عنيت نساء قلت: مساجدات ومفاتيحات وذلك لأنَّ هذا المثال لا يشبه الواحد ولم يشبَّه به فيكسَّر على ما كسّر عليه الواحد الذي على ثلاثة أحرف. وهو لا يكسَّر على شيء لأنّه الغاية التي ينتهي إليها ألا تراهم قالوا: سراويلات حين جاء على مثال ما لا يكسَّر. وأمَّا ما يجوز تكسيره فرجل سمَّيته بأعدالٍ أو أنمارٍ وذلك قولك: أعاديل وأنامير لأنَّ هذا المثال قد يكسَّر وهو جميع فإذا صار واحداً فهو أجدر أن يكسَّر. قالوا: أقاويل في أقوال وأبابيت في أبياتٍ وأناعيم في أنعامٍ. وكذلك أجربة تقول فيها: أجارب لأنَّهم قد كسَّروا هذا المثال وهو جميع وقالوا: في الأسقية: أساقٍ. وكذلك لو سمّيت رجلاً بأعبدٍ جاز فيه الأعابد لأنَّ هذا المثال يحقَّر كما يحقَّر الواحد ويكسَّر وهو جميع فإذا صار واحداً فهو أحسن أن يكسَّر قالوا: أيدٍ وأيادٍ وأوطب وأواطب. وكذلك كلّ شيء بعدد هذا مما كسّر للجمع فإن كان عدة حروفه ثلاثة أحرف فهو يكسّر على قياسه لو كان اسماً واحداً لأنه يتحوَّل فيصير كخزرٍ وعنبٍ ومعيٍ ويصير تحقيره كتحقيره لو كان اسماً واحداً. ولو سمّيت رجلا بفعول جاز أن تكسّره فتقول: فعائل لأنّ فعولا قد يكون الواحد على مثاله كالأتي والسُّدوس. ولو لم يكن واحداً لم يكن بأبعد من فعولٍ من أفعال من إفعالٍ. وبكون مصدراً والمصدر واحد كالقعود والرُّكوب. ولو كسّرته اسم رجل لكان تكسيره كتكسير الواحد الذي في بنائه نحو فعول إذا قلت: فعائل. ففعول بمنزلة فعالٍ إذا كان جميعاً. والفعال نحو: جمالٍ إن سمّيت بها رجلا لأنَّها على مثالٍ جرابٍ. ولو سمّيت رجلا بتمرة لكانت كقصعة لأنَّها قد تحولت عن ذلك المعنى لست تريد فعلةً من فعلٍ فيجوز فيها تمار كما جاز قصاع. باب جمع الأسماء المضافة


إذا جمعت عبد الله ونحوه من الأسماء وكسَّرت قلت: عباد الله وعبيد الله كتكسيرك إيَّاه لو كان مفردا. وإن شئت قلت: عبدو الله كما قلت: عبدون لو كان مفردا وصار هذا فيه حيث صار علما كما كان في حجر حجرون حيث صار علما. وإذا جمعت أبا زيدٍ قلت: آباء زيدٍ ولا تقول: أبو زيدين لأنَّ هذا بمنزلة ابن كراع إنّما يكون معرفة بما بعده. والوجه أن تقول: آباء زيدٍ وهو قول يونس. وهو أحسن من آباء الزَّيدين وإنَّما أردت أن تقول: كلّ واحدٍ منهم يضاف إلى هذا الاسم. وهذا مثل قولهم: بنات لبونٍ إنَّما أردت كلَّ واحدة تضاف إلى هذه الصفة وهذا الاسم. ومثل ذلك ابنا عمٍ وبنو عمٍ وابنا خالة كأنَّه قال: هما ابنا هذا الاسم تضيف كلَّ واحد منهما إلى هذه القرابة فكأنه قال: هما مضافان إلى هذا القول. وآباء زيدٍ نحو هذا وبنات لبون. وتقول: أبو زيد تريد أبون على إرادتك الجمع الصحيح. باب من الجمع بالواو والنون


وتكسير الاسم سألت الخليل عن قولهم. الأشعرون فقال: إنما ألحقوا الواو والنون كما كسّروا فقالوا: الأشاعر والأشاعث والمسامعة فكلما كسّروا مسمعاً والأشعث حين أرادوا بني مسمع وبني الأشعث ألحقوا الواو والنون. وكذلك الأعجمون. وقد قال بعضهم: النُّميرون. وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون كما ليس كلُّ هذا النحو يكسَّر ولكن تقول فيما قالوا: وكذلك وجه هذا الباب. وسألوا الخليل عن مقتويٍ ومقتوين فقال: هذا بمنزلة الأشعري والأشعرين. فإن قلت: لم لم يقولوا مقتون فإن شئت قلت: جاءوا به على الأصل كما قالوا: مقاتوهُ. حدثنا بذلك أبو الخطّاب عن العرب. وليس كلُّ العرب يعرف هذه الكلمة. وإن شئت قلت: هو بمنزلة مذروين حيث لم يكن له واحد يفرد. وأمَّا النَّصارى فإنه جماع نصرىٍ ونصران كما قالوا: ندمان وندامى وفي مهري مهارى وإنَّما شبَّهوا هذا ببخاتي ولكنَّهم حذفوا إحدى الياءين كما حذفوا من أُثفية وأبدولا مكانها ألفاً كما قالوا صحارى. هذا قول الخليل. وأمَّا الذي نوجِّهه عليه فأنَّه جاء على نصرانة لأنَّه قد تكلم به في الكلام فكأنَّك جمعت نصران كما جمعت الأشعث ومسمعا وقلت نصارى كما قلت ندامى فهذا أقيس والأول مذهب. يعني طرح إحدى الياءين حيث جمعت وإن كانت للنسب كمال تطرح للتحقير من ثماني فتقول: ثمين وأدع ياء الإضافة كما قلت في بختيةٍ بالتثقيل في الواحد والحذف في الجمع إذ جاءت مهارى وأنت تنسبها إلى مهرة. وأن يكون جمع نصران أقيس إذ لم نسمعهم قالوا: نصرىٌّ. قال أبو الأخزر الحمّانّي: فكلتاهما خرَّت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف $$ باب تثنية الأسماء المبهمة التي أواخرها معتلّة وتلك الأسماء: ذا وتا والذي والتي فإذا ثنيّت ذا قلت: ذان وإن ثنيت تا قلت: تان وإن ثنيّت الذي قلت: اللَّذان وإن جمعت فألحقت الواو والنون قلت: اللَّذون. وإنما حذفت الياء والألف لتفرق بينها وبين ما سواها من الأسماء المتمكّنة غير المبهمة كما فرقوا بينها وبين ما سواها في التحقير. واعلم أنَّ هذه الأسماء لا تضاف إلى الأسماء كما تقول: هذا زيدك لأنها لا تكون نكرة فصارت لاتضاف كما لا يضاف ما فيه الألف واللام. باب ما يتغيّر في الإضافة إلى الاسم


إذا جعلته اسم رجل أو امرأة ومالا يتغيّر إذا كان اسم رجل أو امرأة. أمَّا مالا يتغير فأبٌ وأخٌ ونحوهما تقول: هذا أبوك وأخوك كإضافتهما قبل أن يكونا اسمين لأن العرب لمَّا ردّته في الإضافة إلى الأصل والقياس تركته على حاله في التسمية كما تركته في التثنية على حاله. وذلك قولك: أبوان في رجل اسمه أبٌ فأمَّا فمٌ اسم رجل فإنَّك إذا أضفته قلت: فمك وكذلك إضافة فمٍ. والذين قالوا: فوك لم يحذفوا الميم ليردوا الواو ففوك لم يغيَّر له فمٌ في الإضافة. وإنَّما فوك بمنزلة قولك: ذو مالٍ. فإذا أفردته وجعلته اسماً لرجل ثم أضفته إلى اسم لم تقل: ذُوك لأنه لم يكن له اسم مفرد ولكن تقول: ذواك. وأما مايتغيّر: فلدى وإلى وعلى إذا صرن أسماء لرجال أو لنساء قلت: هذا لداك وعلاك وهذا إلاك. وإنما قالوا: لديك وعليك وإليك في غير التسمية ليفرقوا بينها وبين الأسماء المتمكنة كما فرقوا بين عنّى ومنّى وأخواتها وبين هنى فلمَّا سميت بها جعلتها بمنزلة الأسماء كما أنَّك لو سميت بعن أو من قلت: عني كما تقول هني. وحدثنا الخليل أن ناساً من العرب يقولون: علاك ولداك وإلاك. وسألت الخليل عمن قال: رأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك ثم قال: مررت بكليهما فقال: جعلوه بمنزلة عليك ولديك في الجر والنصب لأنَّهما ظرفان يستعملان في الكلام مجرورين ومنصوبين فجعل كلا بمنزلتهما حين صار في موضع الجر والنصب. وإنَّما شبَّهوا كلا في الإضافة بعلى لكثرتهما في كلامهم ولأنَّهما لايخلوان من الإضافة. وقد يشبَّه الشيء بالشيء وإن كان ليس مثله في جميع الأشياء. وقد بيّن ذلك فيما مضى وستراه فيما بقى إن شاء الله كما شبّه أمس بغاق وليس مثله وكما قالوا: من القوم فشبَّهوها بأين. ولا تفرد كلا إنَّما تكون للمثنى أبداً. باب إضافة المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر


اعلم أنَّ الياء لا تغيَّر ألف وتحرِّكها بالفتحة لئلاَّ يلتقي ساكنان وذلك قولك: بشراى وهداى وأعشاى. وناس من العرب يقولون: بشرىَّ وهدىَّ لأنَّ الألف خفية والياء خفية فكأنهم تكلموا بواحدة فأرادوا التبيان كما أنَّ بعض العرب يقول: أفعى لخفاء الألف في الوقف فإذا وصل لم يفعل. باب إضافة كلّ اسم آخره ياء تلي حرفاً مكسوراً إلى هذه الياء


اعلم أن الياء التي هي علامة المجرور إذا جاءت بعد ياء لم تكسرها وصارت ياءين مدغمة إحداهما في الأخرى. وذلك قولك: هذا قاضيَّ وهؤلاء جواريَّ وسكنت في هذا لأن الضمير تصير فيه مع هذه الياء كما تصير فيه الياء في الجر لأن هذه الياء تكسر ما تلي. وإن كانت بعد واو ساكنة قبلها حرف مضموم تليه قلبتها ياء وصارت مدغمةً فيها. وذلك قولك: هؤلاء مسلمىَّ وصالحىَّ وكذلك اشباه هذا. وإن وليت هذه الياء ياء ساكنة قبلها حرف مفتوح لم تغيّرها وصارت مدغمةً فيها وذلك قولك: رأيت غلامىَّ. فإن جاءت تلي ألف الاثنين في الرفع فهي بمنزلتها بعد ألف المنقوص إلا أنَّه ليس فيها لغة من قال: بُشرىَّ فيصير المرفوع بمنزلة المجرور والمنصوب ويصير كالواحد نحو عصىَّ فكرهوا الالتباس حيث وجدوا عنه مندوحةً. واعلم أنَّ كلَّ اسمٍ آخره ياء تلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون في الرفع والياء والنون في الجر والنصب للجمع حذفت منه الياء التي هي آخره ولا تحركها لعلة ستبيَّن لك إن شاء الله ويصير الحرف الذي كانت تليه مضموماً مع الواو لأنَّه حرف الرفع فلا بدّ منه ولا تكسر الحرف مع هذه الواو ويكون مكسوراً مع الياء. وذلك قولك: قاضون وقاضين وأشباه ذلك. هذا باب التصغير


اعلم أنَّ التصغير إنَّما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة: على فعيلٍ وفعيعلٍ وفعيعيلٍ. فأمَّا فعيلٌ فلما كان عدّة حروفه ثلاثة أحرف وهو أدنى التصغير لا يكون مصغَّرٌ على أقل من قعيلٍ وذلك نحو قييسٍ وجميلٍ وجبيلٍ. وكذلك جميع ما كان على ثلاثة أحرف. وأمَّا فعيعلٌ فلما كان على أربعة أحرف وهو المثال الثاني وذلك نحو جعيفر ومطيرفٍ وقولك في سبطر: سبيطرٌ وغلامِ: غُليّم وعلبطٍ علبيطٌ. فإذا كانت العدة أربعة أحرف صار التصغير على مثال: فعيعلٍ تحرّكن جمع أو لم يتحرّكن اختلفت حركاتهن أو لم يختلفن كما صار كل بناء عدة حروفه ثلاثة على مثال فعيل تحركن جمع أو لم يجمع اختلفت حرتكاتهن أولم يختلفن. وأمَّا فعيعيلٌ فلما كان على خمسة أحرف وكان الرابع منه واواً أو ألفاً أو ياء وذلك نحو قولك في مصباحٍ: مصيبيحٌ وفي قنديلٍ: قنيديلٌ وفي كردوسٍ: كريديسٌ وفي قربوسٍ: قريبيسٌ وفي حمصيصٍ حميصيص لا تبالي كثرة الحركات ولا قلتها ولا اختلافها. واعلم أنَّ تصغير ما كان على أربعة أحرف إنّما يجيء على حال مكسَّرة للجمع في التحرك والسكون ويكون ثالثه حرف اللين كما أنّك إذا كسَّرته للجمع كان ثالثه حرف اللين إلاَّ أنَّ ثالث وكذلك تصغير ما كان على خمسة أحرف يكون في مثل حاله لو كسرّته للجمع ويكون خامسه ياء قبلها حرف مكسور كما يكون ذلك لو كسّرته للجمع ويكون ثالثه حرف لين كما يكون ثالثه في الجمع حرف لين. غير أنَّ ثالثه في الجمع ألف وثالثه في التصغير ياء وأوّله في الجمع مفتوح وفي التصغير مضموم. وإنّما فعل ذلك لأنَّك تكسر الاسم في التحقير كما تكسره في الجمع فأرادوا أن يفرقوا بين علم التصغير والجمع. باب تصغير ما كان على خمسة أحرف ولم يكن رابعه شيئاً مما كان رابع ما ذكرناه مما كان عدّة حروفه خمسة أحرف. وذلك نحو: سفرجلٍ وفرزذقٍ وقبعثرى وشمردلٍ وجحمرشٍ وصهصلق. فتحقير العرب هذه الأسماء: سفيرجٌ وفريزدٌ وشميردٌ وقبيعثٌ وصهصيلٌ. وإن شئت ألحقت في كل اسم )منها( ياء قبل آخر حروفه عوضاً. وإنَّما حملهم على هذا أنَّهم لايحقّرون ماجاوز ثلاثة أحرف إلاَّ على زنته وحاله لو كسَّروه للجمع. إلاَّ أنَّ نطير الحرف اللين الثالث الذي في الجمع الياء في التصغير. وأوّل التصغير مضموم وأوَّل الجمع مفتوح لما ذكرت لك. فالتصغير والجمع بمنزلة واحدة في هذه الأسماء في حروف اللين وانكسار الحرف بعد حرف اللين الثالث وانفتاحه قبل حرف اللين إلاَّ أنَّ أوَّل التصغير وحرف لينه كما ذكرت لك فالتصغير والجمع من وادٍ واحد. وإنَّما منعهم أن يقولوا: سفيرجلٌ أنَّهم كسَّروه لم يقولوا: سفارجل ولافرازدق ولاقباعثر ولاشماردل. وسأبيِّن لك إن شاء الله لم كانت هذه الحروف أولى بالطرح في التصغير من سائر الحروف التي من بنات الخمسة. وهذا قول يونس. وقال الخليل: لو كنت محقِّراً هذه الأسماء لا أحذف منها شيئاً كما قال بعض النحوييّن لقلت: سفيرجلٌ كما ترى حتى يصير بزنة دنينيرٌ فهذا أقرب وإن لم يكن من كلام العرب. باب تصغير المضاعف الذي قد أدغم أحد الحرفين منه في الآخر


وذلك قولك في مدقٍّ: مديقٌّ وفي أصمَّ: أصيمٌّ ولاتغيِّر الإدغام عن حاله كما أنَّك إذا كسَّرت مدقَّا للجمع قلت: مداقُّ ولو كسرت أصمّ على عدَّة حروفه كما تكسّر أجدلاً فتقول: أجادل لقلت: أصامُّ. فإنَّما أجريت التحقير على ذلك وجاز أن يكون الحرف الدغم بعد الياء الساكنة كما كان ذلك بعد الألف التي في الجمع. باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته الزيادة للتأنيث


صارت عدَّته مع الزيادة أربعة أحرف وذلك نحو: حبلى وبشرى وأخرى. تقول: حبيلى وبشيرى وأخيرى. وذلك أنَّ هذه الألف لمَّا كانت ألف تأنيث لم يكسروا الحرف بعد ياء التصغير وجعلوها ههنا بمنزلة الهاء التي تجيء للتأنيث وذلك قولك في طلحة طليحة وفي سلمة: سليمة. وإنّما كانت هاء التأنيث بهذه المنزلة لأنها تضم إلى الاسم كما يضم موت إلى حضر وبكَّ إلى بعل. وإن جاءت هذه الألف لغير التأنيث كسرت الحرف بعد ياء التصغير وصارت ياء وجرت هذه الألف في التحقير مجرى ألف مرمى لأنها كنون رعثنٍ وهو قوله في معزىً: معيزٍ كما ترى وفي أرطى: أريطٍ كما ترى وفيمن قال علقى: عليقٍِ كما ترى. واعلم أن هذه الألف إذا كانت خامسةً عندهم فكانت للتأنيث أو لغيره حذفت وذلك قولك في قرقرى: قربقر وفي حبركى: حبيركٌ. وإنما صارت هذه الأف إذا كانت خامسة عندهم بمنزلة الألف مبارك وجوالقٍ لأنها ميّتة مثلها ولأنها كسِّرت الأسماء للجمع لم تثبت فلّما اجتمع فيها ذلك صارت عند العرب بتلك المنزلة وهذا قول يونس والخليل. فكذلك هذه الألف إذا كانت خامسةً فصاعدا. هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث بعد ألف


فصار مع الألفين خمسة أحرف اعلم أنَّ تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير ولا تغيَّر الألفان عن حالها قبل التصغير لأنَّهما بمنزلة الهاء. وذلك قولك: حميراء وصفيراء وطرفاء: طريفاء. وكذلك فعلان الذي له فعلى عندهم لأنَّ هذه النون لمَّا كانت بعد ألف وكانت بدلاً من ألف التأنيث حين أرادوا المذكَّر صار بمنزلة الهمزة التي في حمراء لأنَّها بدلٌ من الألف. ألا تراهم أجروا على هذه النون ما كانوا يجرون على الألف كما كان يجرى على الهمزة ما كان يجرى على التي هي بدل منها. واعلم أنَّ كلَّ شيءٍ كان آخره كآخر فعلان الذي له فعلى وكانت عدَّة حروفه كعدَّة حروف فعلان الذي له فعلى توالت فيه ثلاثة حركات أو لم يتوالين اختلفت حركاته أو لم يختلفن ولم تكسِّره للجمع حتَّى يصير على مثال مفاعيل فإنَّ تحقيره كتحقير فعلان الذي له فعلى. وإنَّما صيّروه مثله حين كان آخره نونا بعد ألف كما أن آخر فعلان الذي له فعلى نون بعد ألف وكان ذلك زائداً كما كان آخر فعلان الذي له فعلى زائداً ولم يكسّر على مثال مفاعيل كما لم يكسَّر فعلان الذي لع فعلى على ذلك فشبَّهوا ذا بفعلان الذي لع فعلى كما شبّهوا الألف بالهاء. واعلم أنَّ ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته زائدتان فكان ممدوداً منصرفاً فإنَّ تحقيره كتحقير الممدود الذي هو بعدّة حروفه مما فيه الهمزة بدلاً من ياء من نفس الحرف. وإنّما صار كذلك لأنَّ همزته بدلٌ من ياء بمنزلة الياء التي من نفس الحرف. وذلك نحو: علباء وحرباء تقول: عليبىٌّ وحريبىٌّ كما تقول في سًّقاءٍ سقيقى وفي مقلاءٍ: مقيلىٌّ. وإذا كانت الياء التي هذه الهمزة بدلٌ منها ظاهرة حقّرت ذلك الاسم كما تحقرِّ الاسم الذي ظهرت فيه ياءٌ من نفس الحرف مما هو بعَّدة حروفه وذلك درحايةٌ فتقول: دريحيَّةٌ كما تقول في سقايةٍ سقيقيةٌ. وإنَّما كان هذا كهذا لأنَّ زوائده لم يجئن للتأنيث. واعلم أنَّ من قال: غوغاءٌ فجعلها بمنزلة قضقاضٍ وصرف قال: غويغيٌّ. ومن لم يصرف وأنَّث فإنَّها عنده بمنزلة عوراء يقول: غويغاء كما يقول: عُويراء. ومن قال: قوباء فصرف قال: قويبىٌّ كما تقول: عليبىٌّ. ومن قال: هذه قوباء فأنَّث ولم يصرف قال: قويباء كما قال حميراء لأنَّ تحقير ما لحقته ألفا التأنيث وكان على ثلاثة أحرف وتوالت فيه ثلاث حركات أو لم يتوالين اختلفت حركاته أو لم يختلفن على مثال فعيلاء. على مثال مفاعيل فإن تحقيره كتحقير سربال شبهوه به حيث كسر للجمع. واعلم أنَّ كلّ اسم آخره ألف ونون زائدتان وعدَّة حروفه كعدَّة حروف فعلان كُسِّر للجمع كما يكسَّر سربالٌ وفعل به ما ليس لبابه في الأصل فكما كسِّر للجمع هذا التكسير حقِّر هذا التحقير. وذلك قولك: سريحينٌ في سرحانٍ لأنَّك تقول: سراحينٌ وضبعانٌ ضبيعينٌ لأنَّك تقول: ضباعينٌ وحومان: حويمينٌ لأنهم يقولون حوامينٌ وسلطانٌ سليطينٌ لأنهم يقولون: سلاطين يقولون في فرزانٍ: فريزين لأنَّهم يقولون: فرازين ومن قال: فرازنةٌ قال أيضاً: فريزينٌ لأنه قد كسِّر كما كسِّر جحجاحٌ وزنديقٌ كما قالوا: زنادقة وجحاجحةٌ. وأما ظربانٌ فتحقيره ظريبانٌ كأنَّك كسّرته على ظرباء ولم تكسّره على ظربانٍ. ألا ترى أنَّك تقول: ظرانىٌّ كما قالوا: صلفاء وصلافي. ولو جاء شيء مثل ظرباء كانت الهمزة للتأنيث لأنَّ هذا البناء لايكون من باب علباء وحرباءٍ ولم تكسّره على ظربانٍ. ألا ترى أنَّ النون قد ذهبت فلم يشبه سربالاً حيث لم تثبت في الجمع. كما تثبت لام سربال وأشباه ذلك. وتقول في ورشانٍ وريشينٌ لأنَّك تقول: وراشين. وإذا جاء شيء على عدّة حروف سرحانٍ وآخره كآخر سرحانٍ ولم تعلم العرب كسَّرته للجمع فتحقيره كتحقير فعلان الذي له فعلى إذا لم تعلم. فالذي هو مثله في الزيادتين والذي يصير في المعرفة بمنزلته أولى به حتَّى تعلم والذي ذكرت لك في جميع ذا قول يونس. ولو سمّيت رجلاً بسرحانٍ فحقَّرته: لقلت سريحينٌ. وذا قول يونس وأبي عمرو. ولو قلت: سريحانٌ لقلت في رجل يسمَّى علقىً: عليقى وفي معزًى معيزىً وفي امرأة اسمها سربال سريبال لأنها لا تنصرف. فالتحقير على أصله وإن لم ينصرف الاسم. وجميع ما ذكرت لك في هذا الباب وما أذكر لك في الباب الذي يليه قول يونس. باب تحقير ماكان على أربعة أحرف فلحقته ألفا التأنيث


أو لحقته ألف ونون كما لحقت عثمان. أمَّا ما لحقته ألفا التأنيث فخنفساء وعنصلاء وقرملاء فإذا حقَّرت قلت: قريملاء وخنيفساء وعنيصلاء ولا تحذف كما تحذف ألف التأنيث لأنَّ الألفين لمَّا كانتا بمنزلة الهاء في بنات الثلاثة لم تحذفا هنا حيث حيّ آخر الاسم كتحرَّك متحرك الهاء. وإنّما حذفت الألف لأنَّها حرف ميت فجعلتها كألف مبارك. فأمّا الممدود فإنَّ آخره حيٌّ كحياة الهاء وهو في المعنى مثل ما فيه الهاء فلَّما اجتمع فيه الأمران جعل بمنزلة ما فيه الهاء والهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم فجعلا اسماً واحداً فالآخر لا يحذف أبداً لأنَّه بمنزلة اسم مضاف إليه ولا تغيّر الحركة التي في آخر الأول كما لا تغيّر الحركة التي قبل الهاء. وأمّا ما لحقته ألف ونون: فعقربانٌ وزعفرانٌ تقول: عقيربانٌ وزعيفرانٌ تحقره كما تحقّر ما في آخره ألفا التأنيث. ولا تحذف لتحُّرك النون وإنَّما وافق عقربانٌ خنفساء كما وافق تحقير عثمان تحقير حمراء جعلوا ما فيه الألف والنون من بنات الأربعة بمنزلة ما فيه ألف التأنيث من نبات الأربعة كما جعلوا ما هو مثله من نبات الثلاثة مثل ما فيه ألفا التأنيث من بنات الثلاثة لأن النون في بنات للأربعة بمَّا تحركت اشبهت الهمزة في خنفساء وأخواتها ولم تسكن فتشبه بكونها الألف التي في قرقرى وقهقرى و قبعثرى وتكون حرفا واحداً بمنزلة قهقرى. وتقول في أقحوانة: أقيحيانة وعنظوانة: عنيظيانة كأنَّك حقَّرت عنظواناً وأقحواناً. وإذا حقَّرت عنظواناً وأقحواناً فكأنك حقرت عنظوة وأقحوانا. وإذا حقَّرت عنظواناً وأقحواناً فكأنك حقَّرت عنظوة وأقحوة لأنَّك تجري هاتين الزيادتين مجرى تحقير مافيه الهاء فإذا ضممتهما وإنما أدخلت التاء ههنا لأن الزيادتين ليستا علامة للتأنيث. وأمَّا أسطوانةٌ فتحقيرها أسيطينةٌ لقولهم: اساطين كما قلت: سريحينٌ حيث قالوا: سراحين فلمَّا كسّروا هذا الاسم بحذف الزيادة وثبات النون حقَّرته عليه. باب مايحقَّر على تكسيرك إيّاه


لو كسرته للجمع على القياس لاعلى التكسير للجمع على غيره. وذلك قولك في خاتمٍ: خويتمٌ وطابقٍ: طويبقٌ ودانقٍ: دوينقٌ والذين قالوا: دوانيق وخواتيم وطوابيق إنَّما جعلوه تكسير فاعالٍ وإن لك يكن من كلامهم. كما قالوا: ملامح والمستعمل في الكلام لمحةٌ ولايقولون ملمحةٌ غير أنَّهم قد قالوا: خاتام حدثنا بذلك أبو الخطاب. وسمعنا من يقول ممّن يوثق به من العرب: خويتيمٌ فإذا جمع قال: خواتيم. وزعم يونس أنَّ العرب تقول أيضاً: خواتم ودوانق وطوابيق على فاعلٍ كما قالوا: تابلٌ وتوابل. ولو قلت: خويتيمٌ ودوينيقٌ لقولك: خواتيم ودوانيق لقلت في أثفية أثيفيةٌ فخففتها لأنك تقول: أثافٍ ولكنَّك تحقّرها على تكسيرها على القياس وكذلك معطاء تقول: معيطىٌّ ولاتلتفت إلى معاطٍ ولحذفت في تحقير مهريةٍ إحدى الياءين كما حذفت في مهارى إحداهما. ومن العرب من يقول: صغييرٌ ودريهيم فلا يجيء بالتصغير على صغيرٍ ودرهمٍ كما لم يجيء دوانيق على دانقٍ فكأنَّهم حقروا درهاماً وصغياراً وليس يكون ذا في كلِّ شيء إلاَّ أن تسمع منه شيئاً كما قالوا: رويجلٌ فحقَّروا على راجلٍ وإنّما يريدون الرَّجل. باب مايحذف في التحقير من بنات الثلاثة


من الزيادات لأنك لو كسرتها للجمع لحذفتها فكذلك تحذف في التصغير وذلك في قولك في مغتلمٍ: مغيلمٌ كما قلت مغالم فحذفت حين كسّرت للجمع وإن شئت قلت: مغيليمٌ فألحقت الياء عوضاً مما حذفت كما قال بعضهم مغاليم. وكذلك جوالقٌ إن شئت قلت: جويليقٌ عوضاً كما قالوا: جواليق. والعوض قول يونس والخليل. وتقول في المقدمَّ والمؤخرَّ: مقيدمٌ ومؤيخر وإن شئت عوضت الياء كما قالوا: مقاديم ومآخير والمقادم والمآخر عربية جيدة. ومقيدم خطأ لأنه لايكون في الكلام مقاديم ومآخير والمقادم والمآخر عربية جيدة. ومقيدم خطأ لأنّه لايكون في الكلام مقادِّم. فإذا لم يكن ذا فيما هو بمنزلة التصغير في أنَّ ثالثه حرف لين كما أنّ ثالث التصغير حرف لين وما قبل حرف لينه مفتوح كما أنَّ ما قبل حرف لين التصغير مفتوح ومابعد حرف لينه مكسور كما كان ما بعد حرف لين التصغير مكسوراً - فكذلك لا يكون في التصغير فعلى هذا فقس. وهذا قول الخليل. وحروف اللين هي حروف المدّ التي يمدّ بها الصوت وتلك الحروف: الألف والواو والياء. وتقول في منطلقٍ: مطليقٌ ومطيليقٌ لأنَّك لو كسَّرته كان بمنزلة مغتلمٍ في الحذف والعوض. وتقول في مذَّكرٍ مذيكرٌ كما تقول في مقتربٍ: مقيربٌ وإنَّما حدُّها مذتكرٌ ولكنَّهم أدغموا فحذفت هذا كما كنت حاذفة في تكسير كه للجمع لو كسِّرته. وإن شئت عوّضت فقلت: مذيكيرٌ ومقيريبٌ. وكذلك مغيسلٌ. وإذا حقَّرت مستمعاً قلت: مسيمعٌ ومسيميعٌ تجريه مجرى مغيسل تحذف الزوائد كما كنت حاذفها في تكسير للجمع لو كسَّرته. وإذا حقّرت مزدانٌ قلت: مزينٌ ومزيِّين وتحذف الدال لأنَّها بدلٌ من تاء مفتعلٍ كما كنت حاذفها لو كسِّرته للجمع. ومزدانٌ بمنزلة مختارٍ فإذا حقرته قلت: مخيّرٌ وإن شئت قلت: مخييِّرٌ لأنَّك لو كسرته للجمع قلت: مخاير ومخايير كما فعلت ذلك بمغتلم لأنه مفتعلٌ وكذلك منقادٌ لأنه منفعل وكذلك مستزادٌ تحقيره مزيدٌ لأنه مستفعلٌ. فهذه الزوائد تجرى على ماذكرت لك. وتقول في محمرٍ: محيمرٌ ومحيميرٌ كما حقَّرت مقدَّماً لأنَّك لو كسّرت محمراً للجمع أذهبت إحدى الراءين لأنَّه ليس في الكلام مفاعلٌ. وتقول في محمارٍ: محيميرٌ ولاتقول: محميرٌّ لأنَّ فيها إذا حذفت الراء ألفاً رابعة فكأنك حقَّرت محمارٌ. وتقول في تحقير حمّارةٍ: حميرَّةٌ كأنَّك حقّرت حمرَّة لأنَّك لو كسّرت حمارةً للجمع لم تقل: حمائرُّ ولكن تقول حمارُّ لأنَّه ليس في الكلام فعائلُّ كما لا يكون مفاعلُّ. وإذا حقّرت جبنةً قلت: جبينَّةٌ لأنّك لو كسرتها )للجمع( لقلت: جبانُّ كما تقول في المرضّة: مراضُّ كما ترى. فجبنّةٌ ونحوها على مثال مرضَّة وإذا كسّرتها للجمع جاءت على ذلك المثال. وقد قالوا: جبنةٌ فثّقلوا النون وحففّوها. وتقول في مغدودنٍ: مغيدينٌ إن حذفت الدال الآخرة كأنك حقّرت مغدونٌ لأنَّها تبقى خمسة أحرف رابعتها الواو فتصير بمنزلة بهلول وأشِباه ذلك. وإن حذفت الدال الأولى فهي بمنزلة جوالقٍ كأنك حقّرت مغودنٌ. وإذا حقّرت خفيددٌ قلت: خفيددٌ وحفيديدٌ لأنَّك لو كسّرته للجمع قلت: خفارد وخفاديدٌ فإنَّما هو بمنزلة عذافرٍ وجوالقٍ. وإذا حقَّرت غدودنٌ فبتك المنزلة لأنَّك لو كسّرته للجمع لقلت: غدادين وغدادن ولاتحذف من الدالين لأنَّهما بمنزلة ماهو بنفس الحرف ههنا ولم تضطر إلى حذف واحد منهما وليسا من حروف الزيادات إلاّ أن تضاعف لتلحق الثلاثة بالأربعة والأربعة بالخمسة. وتقول في قطوطىً: قطيطٍ وقطيطىٌّ لأنَّه بمنزلة غدودنٍ وعثوثلٍ. وإذا حقَّرت مقعنسٌ حذفت النون وإحدى السينين لأنَّك كنت فاعلاً ذلك لو كسّرته للجمع. فإنَّ شئت قلت: مقيعسٌ وإن شئت قلت مقيعيسٌ. وأمّا معلوّطٌ فليس فيه إلاَّ معيليطٌ لأنَّك إذا حقّرت فحذفت إحدى الواوين بقيت واوٌ رابعةً وصارت الحروف خمسة أحرف. والواو إذا كانت في هذه الصفة لم تحذف في التصغير كما لا تحذف في الكسر للجمع. فأمَّا مقعنسٌ فلا يبقى منه إذا حذفت إحدى السينين زائدةٌ خامسةً تثبت في تكسيرك لاسم وتقول في تحقير عفنججٍ: عفيججٌ وعفيجيجٌ تحذف النون ولاتحذف من اللامين لأنَّ هذه النون بمنزلة واو غدودنٍ وياء خفيددٍ وهي من حرف الزيادة والجيم ههنا المزيدة بمنزلة الدال المزيدة في غدودنٍ وخفيددٍ وهي بمنزلة ماهو من نفس الحرف لأنَّها ليست من حروف الزيادة إلا أن تضاعف. وإذا حقّرت عطوَّدٌ قلت: عُطّيدٌ لأنّك لو كسّرته للجمع قلت: عطاود وعطاويد وإنَّما ثقّلت الواو التي ألحقت بنات الثلاثة بالأربعة كما ثقَّلت باء عدبَّسٍ ونون عجنَّسٍ. وإذا حقّرت عثولٌّ قلت عثيلٌ وعثيِّيلٌ لأنَّك لو جمعت قلت: عثاول وعثاويل وإنَّما صارت الواو تثبت في الجمع والتحقير لأنَّهم إنما جاءوا بهذه الواو لتلحق بنات الثلاثة بالأربعة فصارت عندهم كشين قرشٍبّ وصارت اللام الزائدة بمنزلة الباء الزائدة في قرشٍبّ فحذفتها كما حذفوا الباء حين قالوا قراشب فحذفوا ما هو بمنزلة الباء وأثبتوا ما هو بمنزلة الشين وكذلك قول العرب وقول الخليل. وإذا حقّرت النددٌ ويلنددٌ ومعنى يلنددٍ وألنددٍ واحد حذفت النون كما حذفتها من عفنججٍ وتركت الدَّالين لأنَّهما من نفس الحرف. ويدلّك على ذلك أنَّ المعنى معنى ألدَّ. وقال الطرماح: خصمٌ أبرَّ على الخصوم ألنددٌ فإذا حذفت النون قلت: أليدُّ كما ترى حتَّى يصير على قياس تصغير أفعل من المضاعف لأنَّ أفيعل من المضاعف وأفاعل من المضعف لايكون إلا مدغماً فأجريته على كلام العرب. ولو سميّت رجلاً بألبب ثم حقّرته قلت: أليبُّ كما ترى فرددته إلى قياس أفعل وإلى الغالب في كلام العرب. وإنما ألببٌ شاذّ كما أنَّ حيوة شاذّ. فإذا حقّرت حيوة صار على قياس غزوة ولم يصيّره كينونته ههنا على الأصل أن تحقّره عليه فكذلك ألببٌ وإذا حقّرت إستبرقٌ قلت: أبيرقٌ وإن شئت قلت: أبيريقٌ على العوض لأن السين والتاء زائدتان لأنَّ الألف إذا جعلتها زائدة لم تدخلها على بنات الأربعة ولا الخمسة وإنَّما تدخلها على بنات الثلاثة وليس بعد الألف شيء من حروف الزيادة إلاَّ السين والتاء فصارت الألف بمنزلة ميم مستفعلٍ وصارت السين والتاء بمنزلة سين مستفعلٍ وتائه. وترك صرف إستبرق يدلّك على أنه استفعل. وإذا حقّرت أرندجٌ قلت: أريدجٌ لأنَّ الألف زائدة ولاتلحق هذه الألف إلاَّ بنات الثلاثة والنون بمنزلة نون ألنددٍ. وتقول في تحقير ذرحرحٍ: ذريرحٌ وإنَّما ضاعفت الراء والحاء كما ضاعف الدال في مهدد. والدليل على ذلك: ذرّاحٌ وذرُّوح فضاعف بعضهم الراء وضاعف بعضهم الراء والحاء وقالوا: جلعلعٌ وجلالع وزعم يونس أنَّهم يقولون: صمامح ودمامك في صمصمحٍ ودمكمكٍ فإذا حقّرت قلت: صميمحٌ ودميمكٌ وجليلعُ وإن شئت قلت ذريريحٌ عوضاً كما قالوا: ذراريحُ. وكرهوا ذراحح وذريححٌ للتضعيف والتقاء الحرفين من موضع واحد وجاء العوض فلم يغيّروا ماكان من ذلك قبل أن يجيء ولم يقولوا في العوض: ذراحيح فيكون في العوض على ضربٍ وفي غيره على ضربٍ. ومع ذا أنَّ فعاعيل وفعاعل أكثر وأعرف من فعالل وفعاليل(. وزعم الخليل أ َّ مرمريسٌ من المراسة والمعنى يدلّ. وزعم أنّهم ضاعفوا الميم والراء في أوله كما ضاعفوا في آخره ذرحرحٍ الراء والحاء. وتحقيره مريريسٌ لأن الياء تصير رابعة وصارت الميم أولى بلحذف من الراء لأن الميم إذا حذفت تبيَّن في التحقير أن اصله من الثلاثة كأنَّك حقّرت مراَّسٌ. ولو قلت: مريميسٌ لصارت كأنَّها من باب سرحوبٍ وسرداحٍ وقنديلٍ. فكلُّ سيء ضوعف الحرفان من أوّله أو آخره فأصله الثلاثة ممّا عدّة حروفه خمسة أحرف كما أنَّ كلّ سيء ضوعف الثاني من أوّله أو آخره وكانت عدّته أربعة أو خمسة رابعه حرف لين فهو من الثلاثة عندك فهذان يجريان مجرى واحداً. وإذا حقّرت المسرول فهو مسيريلٌ ليس إلاّ )هذا( لأنَّ الواو رابعة. ولو كسّرته للجمع لم وإذا حقّرت مساجد اسم رجلٍ قلت: مسيجدٌ فتحقيره كتحقير مسجدٍ لأنه اسمٌ لواحد ولم ترد أن تحقِّر جماعة المساجد ويحقَّر ويكسَّر اسم رجل كما يحقَّر مقدَّمٌ. باب ماتحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة


مما أوائله الألفات الموصولات وذلك قولك في استضرابٍ: تضيريبٌ حذفت الألف الموصولة لأنَّ مايليها من بعدها لابدّ من تحريكه فحذفت لأنَهم قد علموا أنَّها في حال استغناء عنها وحذفت السين كما كنت حاذفها لو كسّرته للجمع حتَّى يصير على مثال مفاعيل وصارت السِّين أولى بالحذف حيث لم يجدوا بدّا من حذف أحدهما لأنَّك إذن أردت أن يكون تكسيره وتحقيره على ما في كلام العرب نحو: التجّفاف والتّبيان وكان ذلك أحسن من أن يجيئوا به على ماليس من كلامهم. ألا ترى أنَّه ليس في الكلام سفعالٌ. وإذا صغّرت الافتقار حذفت الألف لتحرُّك مايليها ولاتحذف التاء لأنَّ الزائدة إذا كانت ثانية من بنات الثلاثة وكان الاسم عدّة حروفه خمسة رابعهنّ حرف لين لم يحذف منه شيء في تكسيره للجمع لأنَه يجيء على مثال مفاعيل ولا في تصغيره. وذلك قولك في ديباجٍ: دبابيج والبياطير والبياطرة جمع بيطار صارت الهاء عوضاً من الياء. فإذا حذفت الألف الموصولة بقيت خمسة أحرف الثاني منها حرف زائدٌ والرابع حرف لين. فكل اسم كان كذا لم تحذف منه شيئاً في جمع ولاتصغير. فالتاء في افتقارٍ إذا حذفت الألف بمنزلة الياء في ديباجٍ لأنَّك لو كسَّرته للجمع بعد حذف الألف لكان على مثال مفاعيل تقول: فتيقيرٌ. وإذا حقَّرت انطلاقٌ قلت: نطيليقٌ تحذف الألف لتحرُّك مايليها وتدع النون لأنَّ الزيادة إذا كانت أوّلا في بنات الثلاثة وكانت على خمسة أحرف وكان رابعه حرف لين لم تحذف منه شيئاً في تكسير كه للجمع لأنَّه يجيء على مثال مفاعيل ولا في التصغير وذلك نحو: تجفافٍ وتجافيف ويربوعٍ ويرابيع فالنون في انطلاقٍ بعد حذف الألف كالتاء في تجفافٍ. وإذا حقَّرت احمرارٌ قلت: حميريرٌ لأنَّك إذا حذفت الألف كأنَّك تصغر حمرارٌ فإنَّما هو حينئذٍ كالشملال ولاتحذف من الشملال كما لا تحذف منه في الجمع. وإذا حقَّرت اشيبهابٌ حذفت الألف فكأنه بقي شهيبابٌ ثم حذفت الياء التي بعدها الهاء كما كنت حاذفها في التكسير إذا جمعت فكأنَّك حقَّرت شهبابٌ. وكذلك الاغديدان تحذف الألف والياء التي بعد الدال كما كنت حاذفها في التكسير للجمع فكأنك حقَّرت عدَّان وذلك نحو غديدينٍ وشهيبيبٍ. وإذا حقَّرت اقعنساسٌ حذف الألف لما ذكرناه فكأنه يبقى قعنساسٌ وفيه زائدتان: إحدى السينين والنون فلا بدُّ من حذف إحداهما لأنَّك لو كسَّرته للجمع حتَّى يكون على مثال مفاعيل لم يكن من الحذف بدٌّ فالنون أولى لأنَّها هنا بمنزلة الياء في اشهيبابٍ واغديدانٍ وهي من حروف الزيادة والسين ضوعفت كما ضوعفت الباء وما ليس من حروف الزيادة في الاشهيباب والاغديدان. ولو لم يكن فيه شيء من ذا كانت النون أولى بالحذف لأنّه كان يجيء تحقيره وتكسيره كتكسير ما هو في الكلام وتحقيره فإذا لم تجد بداً من حذف إحدى الزائدتين فدع التي يصير بها الاسم كالذي في الكلام كشميليلٍ. وإذا حقَّرت اعلوّاطٌ قلت: عليِّيطٌ تحذف الألف لما ذكرناه وتحذف الواو ألأولى لأنها بمنزلة الياء في الاغديدان والنُّون في احرنجامٍ فالواوٌ المتحرِّكة بمنزلة ماهو من نفس الحرف لأنَّه ألحق الثلاثة ببناء الأربعة كما فعل ذلك بواو جدولٍ ثم زيد عليه كما يزاد على بنات الأربعة. باب تحقير ماكان في الثلاثة فيه زائدتان


تكون فيه بالخيار في حذف إحداهما تحذف أيَّهما شئت وذلك نحو: قلنسوةٍ إن شئت قليسيةٌ وإن شئت قلت: قلينسة كما فعلوا ذلك حين كسّروه وكذلك حبنطى إن شئت حذفت النون فقلت: حبيطٍ وإن شئت حذفت الألف فقلت: حبينطٌ وذلك لأنَّهما زائدتان ألحقتا الثلاثة ببناء الخمسة وكلاهما بمنزلة ماهو من نفس الحرف فليس واحدةٌ الحذف ألزم لها منه للأخرى فإنَّما حبنطَّى وأشباهه بمنزلة قلنسوةٍ. ومن ذلك كوأللٌ. إن شئت حذفت الواو وقلت: كؤيللٌ وكؤيليلٌ وتقديرها كعيللٌ وكعيليلٌ وإن شئت حذفت إحدى اللامين فقلت: كويئلٌ وكويئيلٌ وتقديرها كويعلٌ وكويعيلٌ لأنَهما زائدتان ألحقتا بسفرجلٍ وكلّ واحدة منهما بمنزلة ماهو من نفس الحرف. ومَّما لايكون الحذف ألزم لإحدى زائدتيه منه للأخرى حبارى إن شئت قلت: حبيرى كما ترى وإن شئت قلت: حبيّرٌ وذلك لأنَّ الزائدتين لم تجيئا لتلحقا الثلاثة بالخمسة وإنَّما الألف الآخرة ألف تأنيث والأولى كواو عجوزٍ فلا بدّ من حذف إحداهما لأنَّك لو كسّرته للجمع لم يكن لك بدٌّ من حذف إحداهما كما فعلت بقلنسوةٍ فصار ما لم تجيء زائدتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة بمنزلة ماجاءت زيادتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة لأنَّهما مستويتان في أنَّهما لم يجيئا ليلحقا شيئاً بشيء كما أنَّ الزيادتين اللتين في حبنطى مستويتان في أنَّهما ألحقتا الثلاثة بالخمسة. وأمّا أبو عمرو فكان يقول: حبيّرةٌ ويجعل الهاء بدلاً من الألف التي كانت علامة للتأنيث إذ لم تصل إلى أن تثبت. وإذا حقَّرت علانيةً أو ثمانيةً أو عفاريةً فأحسنه أن تقول: عفيريةٌ وعلينيةٌ وثمينيةٌ من قبل أنَّ الألف ههنا بمنزلة ألف عذافرٍ وصمادحٍ وإنَّما مدّ بها الاسم وليست تلحق بناءً ببناء والياء لاتكون في آخر الاسم زيادة إلاَّ وهي تلحق بناءً ببناء. ولو حذفت الهاء من ثمانيةٍ وعلانيةٍ لجرت الياء مجرى ياء جواري وصارت الياء بمنزلة ماهو من نفس الحرف وصارت الألف كألف جواري وهي وفيها الهاء بمنزلة جاريةٍ فأشبههما بالحروف التي هي من نفس الحرف أجدر أن لا تحذف فالياء في آخر الاسم أبداً بمنزلة ما هو من نفس الحرف لأنها تلحق بناءً ببناءً فياء عفاريةٍ وقراسيةٍ بمنزلة راء عذافرةٍ كما أنَّ ياء عفريةٍ بمنزلة عين ضفدعةٍ فإنَّما مددت عفريةً حين قلت عفاريةٌ كما كأنك أنَّك مددت عذفراً لمّا قلت: عذافرٌ. وقد قال بعضهم: عفيِّرةٌ وثميّنةٌ شبَّهها بألف حبارى إذ كانت زائدة كما أنَّها زائدة وكانت في آخر الاسم وكذلك صحارى وعذارى وأشباه ذلك. وإن حقّرت رجلاً اسمه مهارى أو جلاً أسمه صحارى كان صحير ومهيرٍ أحسن لأنَّ هذه الألف لم تجيء للتأنيث إنما أرادوا مهارىُّ وصحارىُ فحذفوا وابدلوا الألف في مهارى وصحارى كما قالوا: مدارى ومعايا فيما هو من نفس الحرف فإنّما هو من نفس الحرف فإنّما فعالى كفعالى وفعالل وفعائل. ألا ترى أنَّك لاتجد في الكلام فعالى لشيء واحد. وإن حقَّرت عفرناةً وعفرنى كنت بالخيار إن شئت قلت: عفيرنٌ وعفيرنةٌ وإن شئت قلت: عفيرٍ وعفيرنةٌ لأنَّهما زيدتا لتلحقا الثلاثة بالخمسة كما كان حبنطىً زائدتاه تلحقانه بالخمسة لأنَّ الألف إذا جاءت منَّونة خامسة أو رابعةً فإنها تلحق بناءً ببناءٍ. وكذلك النون. ويستدلّ على زيادتي عفرنى بالمعنى. ألا ترى أنَّ معناه عفرٌ وعفريتٌ. وقال الشاعر: ولم أجد بالمصر من حاجاتي ** غير عفاريت عفرينات أمّا العرضنى فليس فيها إلاَّ عريضنٌ لأنَّ النون ألحقت الثلاثة بالأربعة وجاءت هذه الألف للتأنيث فصارت النون بمنزلة ماهو من نفس الحرف ولم تحذفها وأوجبت الحذف للألف فصار تحقيرها كتحقير حججبى لأنَّ النون بمنزلة الراء من قمطرٍ. وإذا حقَّرت جلاً اسمه قبائل قلت: قبيئل وإن شئت قلت قبيئيل عوضاُ مّما حذفت والأف أولى بالطرح من الهمزة لأنَّها كلمةٌ حيةٌ لم تجيء للمد وإنَّما هي بمنزلة جيم مساجد وهمزة برائلٍ وهي في ذلك الموضع والمثال والألف بمنزلة ألف عذافر وهذا قول الخليل. وأمَّا يونس فيقول: فبيِّل يحذف الهمزة إذ كانت زائدة كما حذفوا ياء قراسيةٍ وياء عفاريةٍ. وقول الخليل أحسن كما أنَّ عفيريةً أحسن. وإذا حقَّرت لغَّيزى قلت: لغيغيزٌ تحذف الألف ولاتحذف الياء الرابعة لأنَّك لو حذفتها احتجت أيضاً إلى أن تحذف الألف فلمَّا اجتمعت زائدتان لو حذفتها احتجت أيضاً إلى أن تحذف الألف فلمَّا اجتمعت زائدتان إن حذفت إحداهما ثبتت ألأخرى لأنَّ مايبقى لو كسّرته كان على مثال مفاعيل وكانت الأخرى إن حذفتها احتجت إلى حذف الأخرى حين حذفت التي إذا حذفتها استغنيت. وكذلك فعلت في أقعنساس حذفت النون وتركت ألألف لأنَّك لو حذفت الألف احتجت إلى حذف النون. فإذا وصلوا إلى أن يكون التحقير صحيحاً بحذف زائدةٍ لم يجاوزوا حذفها إلى مالو حذفوه لم يستغنوا به كراهية أن يخلّوا بالاسم إذا وصلوا إلى أن لايحذفوا إلاّ واحداً. وكذلك لو كسّرته للجمع لقلت: لغاغيز. واعلم أن ياء لغَّيزى ليست ياء التحقير لأنَّ ياء التحقير لاتكون رابعة إنّما هي بمنزلة ألف خضَّارى وتحقير خضَّارى كتحقير لغيَّزى. وإذا حقَّرت عبدَّى قلت: عبيدٌ تحذف ألألف ولاتحذف الدال )الثانية( لأنَّها ليست من حروف الزيادة وإنَّما ألحقت الثلاثة ببناء ألأربعة وإنَّما هي بمنزلة جيم عفنججٍ الزائدة. فهذه الدال بمنزلة ما هو من نفس الحرف فلا يلزم الحذف إلا الألف كما لم يلزم في قرقرى الحذف إلاَّ الألف. وإذا حقَّرت بروكاء أو حلولاء قلت: بريكاء وجليلاء لأنّك لاتحذف هذه الزوائد لأنَّها بمنزلة الهاء وهي زائدة من نفس الحرف كألف التأنيث فلمَّا لم يجدوا سبيلاً إلى حذفها لأنَّها كالهاء في أن لاتحذف خامسة وكانت من نفس الحرف صارت بمنزلة كاف مباركٍ وراء عذافرٍ وصارت الواو كالألف التي تكون في موضع الواو والياء التي تكون في موضع الواو إذا كنَّ سواكن بمنزلة ألف عذافر ومباركٍ لأنَّ الهمزة تثبت مع الاسم وليست كهاء التأنيث. وإذا حقّرت معيوراء ومعلوجاء قلت: معيليجاء ومعييّراء لاتحذف الواو لأنها ليست كألف مبارك وهي رابعةٌ. ولو كان كان آخر الاسم ألف التأنيث كانت هي ثابتة لايلزمها الحذف كما لم يلزم ذلك ياء لغيَّزى وألف خضَّارى التي بعد الضاد فلمَّا كانت كذلك صارت كقاف قرقرى وفاء خنفساء لأنَّهما لاتحذف أشباههما من بنات ألأربعة إذا كان في شيء منهنَّ شيئاً ألف التأنيث خامسة لأنهن من أنفس الحروف ولا تحذف منهن فلمَّا كان آخر شيءٍ من بنات الأربعة ألفات التأنيث كان لايحذف منها شيء إذا كانت الألف خامسة إلاَّ الألف وصارت الواو بمنزلة ماهو من نفس الحرف في بنات ألأربعة. ولو جاء في الكلام فعولاء ممدودة لم تحذف الواو لأنّها تلحق الثلاثة بالأربعة فهي بمنزلة شيء من نفس الحرف وذلك حين تظهر الواو فيمن قال: أسيود فهذه الواو بمنزلة واو أسيود. ولو كان في الكلام أفعلاء العين منها واوٌ لم تحذفها فإنَّما هذه الواو كنون عرضنةٍ. ألا ترى أنَّك كنت لاتحذفها لو كان آخر الاسم ألف التأنيث ولم يكن ليلزمها حذفٌ كما لم يلزم ذلك نون عرضنى لو مددت. ومن قال في أسود: أسيدٌ وفي جدولٍ: جديّلٌ قال في فعولاء إن جاءت فعيلاء يخفّف لأنَّها صارت بمنزلة السواكن لأنَّها تغيّرها وهي في مواضعها فلمَّا ساوتها وخرجت إلى بابها صارت مثلهن في الحذف. وهذا قول يونس. وإذا حقّرت ظريفين غير اسم رجلٍ أو ظريفات أو دجاجات قلت: ظريِّفون وظريِّفاتٌ ودجيِّجاتٌ من قبل أنَّ الياء والواو والنون لم يكسّر الواحد عليهن كما كسِّر على ألفي جلولاء ولكنّك إنّما تلحق هذه الزوائد بعد ما تكسّر الاسم في التحقير للجمع وتخرجهن إذا لم ترد الجمع كما أنّك إذا قلت: ظريفون فإنّما ألحقته اسماً بعد مافرغ من بنائه. وتخرجهما إذا لم ترد معنى الجمع كما تفعل ذلك بياءي الإضافة وكذلك هما فلمّا كان ذلك شبّهوه بهاء التأنيث. وكذلك التثنية تقول ظريِّفان. وسألت يونس عن تحقير ثلاثين فقال: ثلثيون ولم يثقل شبَّهها بواو جلولاء لأنَّ ثلاثاً لاتستعمل مفردة على حدّ مايفرد ظريفٌ وإنما ثلاثون بمنزلة عشرين لايفرد ثلاث من ثلاثين كما العشر من عشرين. ولو كانت إنَّما تلحق هذه الزيادة الثلاث التي تستعملها مفردة لكنت إنَّما تعني تسعة ولو سميَّت رجلاً جدارين ثم حقّرته لقلت: جديران ولم تثقِّل لأنك لست تريد معنى التثنية وإنَّما هو اسم واحد كما أنَّك لم ترد بثلاثين أن تضعف الثلاث. وكذلك لو سمّيته بدجاجاتٍ أو ظريفين أو ظريفاتٍ خفَّفت. فإن سمَّيت رجلاً بدجاجةٍ أو دجاجتين ثقّلت في التحقير لأنَّه حينئذ بمنزلة دراب جرد والهاء بمنزلة جرد والاسم بمنزلة دراب وإنَّما تحقير ماكان من شيئين كتحقير المضاف فدجاجةٌ كدراب جرد ودجاجتين كدراب جردين. باب تحقير ماثبتت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير


ذلك نحو: تجفافٍ وإصليتٍ ويربوعٍ فتقول: تجفيفيٌ وأصيليتٌ ويريبيعٌ لأنَّك لو كسّرتها للجمع ثبتت هذه الزوائد. ومثل ذلك عفريتٌ وملكوتٌ تقول: عفيريتٌ لأنَّك تقول: عفاريتُ ومليكيتٌ لأنَّك تقول: ملاكيتُ وكذلك رعشنٌ لأنَّك تقول: رعاشن ومثل ذلك سنبتةٌ لأنك تقول: سنابت. يدلُّك على زيادتها أنَّك تقول: سنبةٌ كما تقول: عفرٌ فيدلُّك على عفريت أنَّ تاءه زائدة. وكذلك قرنوةٌ تقول: قرينيةٌ لأنَّك لو سّرت قرنوةٍ لقلت: قرانٍ كما تقول في ترقوةٍ: تراقٍ. وإذا حقَّرت بردرايا أو حولايا قلت: بريدرٌ وبريديرٌ وحويلىٌّ لأنَّ هذه ياء ليست حرف تأنيث وإنَّما هي كياء درحايةٍ فكأنك إذا حذفت ألفاً إنَّما تحقّر قوباءً وغوغاءً فيمن صرف.

====

الكتاب (سيبويه)/الجزء السابع 










باب مايحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة


لأنها لم تكن لتثبت لو كسّرتها للجمع وذلك قولك في قمحدوةٍ: قميحدةٌ كما قلت: قماحد وسلحفاةٍ سليحفةٌ كما قلت: سلاحف وفي منجنيقٍ: منجنيقٌ لأنَّك تقول: مجانيق وفي عنكبوتٍ: عنيكبٌ وعنيكيبٌ لأنَّك تقول: عناكب وعناكيب وفي تخربوتٍ: تخيربٌ وتخيريبٌ إن شئت عوضاً. وإن شئت فعلت ذلك بقمحدوةٍ وسلحفاةٍ ونحوهما. ويدلّك على زيادة التاء والنون كسر الأسماء للجمع وحذفها وذلك )أنهم لايكسّرون من بنات الخمسة للجمع حتى يحذفوا( لأنَهم لو أرادوا ذلك لم يكن من مثال مفاعل ومفاعيل فكرهوا أن يحذفوا حرفاً من نفس الحرف ومن ثم لايكسرون بنات الخمسة إلاّ أن تستكرههم فيخلّطوا لأنَّه ليس من كلامهم فهذا دليلٌ على الزوائد. وتقول في عيطموسٍ: عطيميسٌ كما قالوا: عطاميس ليس إلاّ لأنها تبقى واوٌ رابعة إلاَّ أن قد قرّبت ساداتها الرَّوائسا والبكرات الفسَّج العطامسا وكذلك عيضموزٌ عضيميزٌ لأنَّك لو كسَّرته للجمع لقلت: عضاميز. وتقول في جحنفلٍ: جحيفل وإن شئت جحيفيلٌ كما كنت قائلاً ذلك لو كسَّرته وإنَّما هذه النون زائدة كواو فدوكس وهي زائدة في جحفلٍ لأنَّ المعنى العظم والكثرة. وكذلك عجنَّسٌ وعدبَّسٌ. وإنَّما ضاعفوا الباء كما ضاعفوا ميم محَّمدٍ. وكذلك قرشبٌّ وإنَّما ضاعفوا الباء كما ضاعفوا دال معدٍ. وأمّا كنهورٌ فلا تحذف واوه لأنَّها رابعة فيما عدَّته خمسة وهي تثبت لو أنَّه كسّر للجمع. وإذا حقّرت عنتريسٌ قلت: عتيريسٌ. وزعم الخليل: أنّ النون زائدة لأنّ العنتريس الشديد والعترسة: الأخذ بالشدّة فاستدلّ بالمعنى. وإذا حقّرت خنشليلٌ قلت: خنيشيلٌ تحذف إحدى اللامين لأنَّها زائدة. يدلَّك على ذلك التضعيف. وأما النون فمن نفس الحرف حتَّى يتبيّن لك لأنَّها من النونات التي تكون عندك من نفس الحرف إلاَّ أن يجيء شاهدٌ من لفظة فيه معنّى يدلّك على زيادتها. فلو كانت النون زائدة لكان من الثلاثة ولكان بمنزلة كوأللٍ. وإذا حقَّرت الطُّمأنينة أو قشعريرةً قلت: طميئينةٌ وقشيعيرةٌ تحذف إحدى النونين لأنّها زائدة فإذا حذفتّها صار على مثال فعيعيلٍ وصار ممَّا يكون على مثال فعاعيل لو كسِّر. وإذا حقَّرت قندأوٌ حذفت الواو لأنَّها زائدة كزيادة ألف حبركى وإن شئت حذفت النون من قندأوْ لأنها زائدة كما فعلت ذلك بكوأللٍ. وإن حقَّرت بردرايا قلت: بريدرٌ تحذف الزوائد حتَّى يصير على مثال فعيعلٍ. فإن قلت: بريديرٌ عوضاً جاز. وإن حقَّرت إبراهيم وإسماعيل قلت: بريهم وسميعيل تحذف الألف فإذ حذفتها صار مابقي يجيء على مثال فعيعيلٍ. وإذا حقَّرت مجرفسٌ ومكردسٌ قلت: جريفسٌ وكريدسٌ وإن شئت عوضت فقلت: جريفيسٌ وكريديسٌ حذفت الميم لأنَّها زيدت على الأربعة ولو لم تحذفها لم يكن التحقير على مثال فعيعيلٍ ولا فعيعلٍ وكانت أولى بالحذف لأنَّها زائدة. وإذا حقَّرت مقشعرًّا أو مطمئناً حذفت الميم وإحدى النونين حتَّى يصير على مثال ماذكرنا ولا بَّد لك من أن تحذف الزائدتين جميعاً لأنّك لو حذفت إحداهما لم يجيء مابقي على مثال فعيعلٍ ولا فعيعيلٍ وإذا حقرت منكروس حذفت الزائدتين لهذه القصة وذلك قولك في مقشعر قشيعر وفي مطمثن طميئن وفي كريدس وإن شئت عوضت فألحقت الياءات حتى يصير على مثال. وإن حقَّرت خورنق فهو بمنزلة فدوكسٍ لأنَّ هذه الواو زائدة كواو فدوكسٍ ولا بدَّ لها من الحذف حتَّى يكون على مثال: فعيعلٍ أو فعيعيلٍ ولذلك أيضاً حذفت واو فدوكسٍ. باب تحقير ما أوّله ألف الوصل


وفيه زيادة من بنات الأربعة وذلك احر نجامٌ تقول: حريجيمٌ فتحذف أللف لأنَّ مابعدها لا بدّ من تحريكه وتحذف النون حتّى يصير مابقي مثل فعيعيلٍ وذلك قولك: حريجيمٌ. ومثله الاطمئنان تحذف الألف لما ذكرت لك وإحدى النونين حتى يكون مابقي على مثال فعيعيلٍ. ومثل ذلك الاسلنقاء تحذف الألف والنون لما ذكرت لك حتَّى يصير على مثال فعيعيلٍ. باب تحقير بنات الخمسة


زعم الخليل: أنَّه يقول في سفرجلٍ: سفيرجٌ حتَّى يصير على مثال فعيعلٍ وإن شئت قلت: سفيريجٌ. وإنَّما تحذف آخر الاسم لأن التحقير يسلم حتى ينتهى إليه ويكون على مثال مايحقَّرون من الأربعة. ومثل ذلك جردحلٌ تقول: جريدحٌ وشمردلٌ تقول: شميردٌ وقبعثرى: قبيعثٌ وجحمرشٌ: جحيمرٌ. وكذلك تقول في فرزدقٍ فريزدٌٌ. وقد قال بعضهم: فريزقٌ لأنّ الدال تشبه التاء والتاء من حروف الزيادة والدال من موضعها فلمّا كانت أقرب الحروف من الآخر كان حذف الدال أحبَّ إليه إذ أشبهت حرف الزيادة وصارت عنده بمنزلة الزيادة. وكذلك خدرنقٌ خديرقٌ فيمن قال: فريزقٌ ومن قال: فريزدٌ قال: خديرنٌ. ولايجوز في جحمرشٍ حذف الميم وإن كانت تزاد لأنَّه لايستنكر أن يكون بعد الميم حرف ينتهى إليه في التحقير كما كان ذلك في جعيفرٍ وإنما يستنكر أن يجاوز إلى الخامس فهو لايزال في سهولة حتى يبلغ الخامس ثم يرتدع فإنَّما حذف الذي ارتدع عنده حيث أشبه حروف الزوائد لأنَّه منتهى التحقير وهو الذي يمنع المجاوزة فهذا قولان والأَّول أقيس لأنَّ مايشبه الزوائد ههنا بمنزلة ما لايشبه الزوائد. واعلم أنَّ كلَّ زائدة لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير فإذا صار الاسم خمسةً ليست فيه زيادة أجريته مجرى ماذكرنا من تحقير بنات الخمسة وذلك قولك في عضر فوطٍ: عضيرفٌ كأنَّك حقّرت عضرفٌ وفي قذعميلٍ: قذيعمٌ وقذيعلٌ فيمن قال: فريزيقٌ كأنَّك حقَّرت قذعلٌ. وكذلك الخزعبيلة )تقول: خريعيبةٌ ولايجوز خزيعيلةٌ لأنَّ الباء ليست من حروف الزيادة(. باب تحقير بنات الحرفين


اعلم أنَّ كلّ اسمٍ كان على حرفين فحقّرته رددته إلى أصله حتَّى يصير على مثال فعيلٍ فتحقير ماكان على حرفين كتحقيره لو لم يذهب منه شيء وكان على ثلاثة فلو لم تردده لخرج عن مثال التحقير وصار على أقلّ من مثال فعيلٍ. باب ماذهبت منه الفاء نحو عدةٍ وزنةٍ


لأنَّهما من وعدت ووزنت فإنَّما ذهبت الواو وهي فاء فعلت فإذا حقّرت قلت: وزينةٌ ووعيدةٌ وكذلك شيةٌ تقول: وشيةٌ لأنَّها من وشيت وإن شئت قلت: أعيدةٌ وأزينةٌ وأشيّةٌ لأنَّ كلَّ واو تكون مضمومة يجوز لك همزها. ومما ذهبت فاؤه وكان على حرفين كل وخذ فإذا سمَّيت رجلاً بكل وخذ قلت: أكيلٌ وأخيذٌ لأنَّهما من أكلت وأخذت فالألف فاء فعلت. فمن ذلك مذ يدلّك على أن العين ذهبت منه قولهم: منذ فإن حقَّرته قلت: منيذٌ. ومن ذلك أيضاسل لأنَّه من سألت فإن حقَّرته قلت: سؤيلٌ ومن لم يهمز قال: سويلٌ لأن من يهمز يجعلها من الواو بمنزلة خاف يخاف. أخبرني يونس: أنَّ الذي لايهمز يقول: سلته فأنا أسال وهو مسولٌ إذا أراد المفعول. ومثل ذلك أيضاسهٌ تقول: ستيهةٌ فالتاء هي العين يذُّلك على ذلك قولهم في استٍ: ستيهةٌ فرددت اللام وهي الهاء والتاي العين بمنزلة نون ابنٍ يقولون: سهٌ يريدون الاست فحذفوا موضع العين فإذا صغَّرت قلت: ستيهةٌ. ومن قال: استٌ فإنما حذف موضع اللام وقال: إنَّ عبيداً هي صئبان السَّه باب ماذهبت لامه فمن ذلك دمٌ. تقول: دمىٌّ يدلُّك دماءٌ على أنَّه من الياء أو من الواو. ومن ذلك أيضاً يدٌ تقول: يديّةٌ يدلّك أيدٍ على أنَّه من بنات الياء أو الواو ودماءٌ وأيدٍ دليلان على أنَّ ماذهب منهما لام. ومن ذلك أيضاً شفةٌ تقول: شفيهةٌ يدلّك على أنَّ اللام هاء شفاهٌ. وهي دليلٌ أيضاً على أنَّ ماذهب من شفةٍ اللام وشافهت. ومن قال في سنةٍ: سانيت قال سنيّةٌ ومن قال: ساتهت قال: سنيَّهةٌ. ومن العرب من يقول في عضةٍ: عضيهةٌ يجعلها من العضاه ومنهم من يقول: عضيّةٌ يجعلها من عضَّيت كما قالوا: سانيت. ومن ذلك قالوا عضواتٌ كما قالوا: سنواتٌ. ومن ذلك: فلُ تقول: فلينٌ. وقولهم: فلانٌ دليلٌ على أن ماذهب لام وأنَّها نون. وفلٌ وفلانٌ معناها واحد. قال )الراجز( أبو النجم: في لجَّةٍ أمسك فلاناً عن فل. ولو حقّرت رب مخفَّفة لقلت: ربيبٌ لأنَّها من التضعيف يدلّك على ذلك ربَّ الثقيلة. وكذلك بخ الخفيفة يدلّك على ذلك قول العجّاج: في حسبٍ بخٍّ وعزٍّ أقعسا فردّه إلى أصله حيث اضطرّ كما ردّ ماكان من بنات الياء إلى اصله حين اضطرّ. قال: وهي تنوش الحوض نوشاً من علا. وأظنُّ قط كذلك لأنَّها يعنى بها انقطاع الأمر أو الشيء والقطُّ قطعٌ فكأنَّها من التضعيف. ومن ذلك فمٌ تقول: فويهٌ يدلّك على أنَّ الذي ذهب لام وأنَّها الهاء قولهم: أفواهٌ وحذفت الميم ورددت الذي من الأصل كما فعلت ذلك حين كسَّرته للجمع فقلت: افواهٌ. ومثل ذلك ذه ذييّة لو كانت امرأة لأنَّ الهاء بدلٌ من الياء كما كانت الميم في فمٍ بدلاً من الواو. ولو كسّرت ذه للجمع لأذهبت هذه الهاء كما أذهبت ميم فمٍ حين كسَّرته للجمع. وإذا خفَّفت أنَّ ثم حقَّرتها رددتها إلى التضعيف كما رددت ربَّ. وتخفيفها قول ألأعشى. قد علموا أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل وكذلك إن خففَّت إنَّ وتخفيفها في قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ كما تخفّف لكنَّ. وأمّا إن الجزاء وأن التي تنصب الفعل بمنزلة عن وأشباهها وكذلك إن التي تلغى في قولك: ما إن يفعل وإن التي في معنى ما فتقول في تصغيرها: هذا عنىُّ وأنىُّ. وذلك أن هذه الحروف قد نقصت حرفاً وليس على نقصانها دليلٌ من أيّ الحروف هو فتحمله على ألأكثر والأكثر أن يكون النقصان ياءً. ألا ترى أن ابنٌ واسمٌ ويدٌ وماأشبه هذا إنَّما نقصانه الياء. باب ماذهبت لامه وكان أوله ألفاً


موصولة فمن ذلك اسمٌ وابنٌ تقول: سمىٌّ وبنىٌّ حذفت ألف حين حركت الفاء فاستغنيت عنها وإنما تحتاج إليها في حال السكون. ويدلّك على أنَّه إنما ذهب من اسمٍ وابنٍ اللام وأنَّها الواو أو الياء قولهم: أسماءٌ وأبناءٌ. باب تحقير ماكانت فيه تاء التأنيث


اعلم أنَّهم يردُّون ماكانت فيه تاء التأنيث إلى ألأصل كما يردّون ماكانت فيه الهاء لأنَّهم ألحقوها الاسم للتأنيث وليس ببدلٍ لازم كياء عيدٍ وليست كنون رعشنٍ لازمةً وإنَّما تجمع الاسم الذي هي فيه كما تجمع مافيه الهاء. وإنَّما ألحقت بعد مابنى الاسم ثم بنى بها بناءً بنات الثلاثة بعد فلمّا كانت كذلك لم تحتمل أن تثبت مع الحرفين حتَّى تصير معهما في التحقير على مثال فعيلٍ كما لم يجز ذلك للهاء. فإذا جئت بما ذهب من الحرف حذفتها وجئت بالهاء لأنَّها العلامة التي تلزم لو كان الحرف على أصله. وإنَّما تكون التاء في كلّ حرفٍ لو كان على أصله كانت علامته الهاء لشبهها بها وذلك قولك في أختٍ: أخيّةٌ وفي بنتٍ: بنيَّةٌ وذيتٍ: ذييَّةٌ وفي هنتٍ: هنيّةٌ. ومن العرب من يقول في هنتٍ هنيهةٌ وفي هنٍ هنيةٌ يجعلها بدلاً من الياء )كما جعلوا الهاء بدلاً من الياء في ذه(. ولو سمّيت امرأة بضربت ثم حقَّرت لقلت: ضريبةٌ تحذف التاء وتجيء بالهاء مكانها وذلك لأنَّك لمَّا حقَّتها جئت بالعلامة التي تكون في الكلام لهذا المثال وكانت الهاء أولى بها من بين علامات التأنيث لشبهها بها ألا ترى أنَّها في الوصل تاء ولأنَّهم لايؤنثون بالتاء شيئاً إلاَّ شيئاً علامته في الأصل الهاء فألحقت في ضربت الهاء حيث حقَّرت لأنَّه لاتكون علامة ذلك المثال التاء كما لا تكون علامة مايجيء على اصله من الأسماء التاء. وهذا قول الخليل. باب تحقير ماحذف منه ولايردّ في التحقير ماحذف منه


من قبل أنَّ مابقي إذا حقِّر يكون على مثال المحقَّر ولايخرج من أمثلة التحقير. وليس آخره شيئاً لحق الاسم بعد بنائه كالتاء التي ذكرنا والهاء. فمن ذلك قولك في ميتٍ: مييتٌ وإنَّما الأصل ميتٌ غير أنَّك حذفت العين. ومن ذلك قولهم في هارٍ: هويرٌ وإنَّما الأصل هائرٌ غير أنَّهم حذفوا الهمزة كما حذفوا ياء ميِّتٍ وكلاهما بدلٌ من العين. وزعم يونس: أن ناساً يقولون: هويئرٌ على مثال هويعرٍ فهؤلاء لم يحقّروا هاراً إنَّما حقَّروا هائراً كما قالوا: رويجلٌ كأنهم حقَّروا راجلاً كما قالوا أبينون كأنَّهم حقّروا أبنى مثل أعمى. ومثل ذلك مرٍويرى قالوا: مرىٌّ ويرىٌّ كما قلت: هويرٌ ومييتٌ ومن قال هويئرٌ فإنّه لاينبغي له أن يقيس عليه كما لا يقيس على من قال أبينون وأنيسيانٌ إلاَّ أن تسمع من العرب شيئاً فتؤدِّيه وأمَّا يونس فحدثني أن أبا عمرٍ وكان يقول في مرٍ: مريءٍ مثل مريعٍ وفي يرى: يرئيءٍ يهمز ويجر لأنَّها بمنزلة ياء قاضٍ فهو ينبغي له أن يقول: مييِّتٌ وينبغي له أن يقول في ناس: أنيِّسٌ لأنَّهم إنما حذفوا ألف أناس. )وليس من العرب أحد إلاّ يقول: نويسٌ(. ومثل ذلك رجل يسمى بيضع تقول: يضيع وإذا حقّرت خيراً منك وشٌّرا منك قلت: خييرٌ منك وشريرٌ منك لاتردّ الزيادة كما لا تردّ ماهو من نفس الحرف. باب تحقير كل حرف كان فيه بدلٌ


)فإنّك( تحذف ذلك البدل وترد الذي هو من أصل الحرف إذا حقرته كما تفعل ذلك إذا كسَّرته للجمع. فمن ذلك ميزانٌ وميقاتٌ وميعادٌ تقول: مويزينٌ ومويعيدٌ ومويقيتٌ وإنّما أبدلوا الياء لاستثقالهم هذه الواو بعد الكسرة فلمَّا ذهب مايستثقلون ردِّ الحرف إلى أصله. وكذلك فعلوا حين كسَّروا للجمع قالوا: موازين ومواعيد ومواقيت ومثل ذلك قيلٌ ونحوه تقول: قويلٌ كما قلت: أقوالٌ. وإنَّما أبدلوا لما ذكرت لك. فأمَّا عيدٌ فإن تحقيره عييدٌ لأنَّهم ألزموا هذا البدل قالوا: أعيادٌ ولم يقولوا: أعوادٌ كما قالوا: فإن قلت: فقد يقولون ديمٌ فإنَّما فعلوا ذلك كراهية الواو بعد الكسرة كما قالوا في الثور ثيرةٌ فلو كسَّروا ديمةً على أفعلٍ أو أفعالٍ لأظهروا الواو وإنّما أعيادٌ شادٌّ. وإذا حقّرت الطىّ قلت: طوىٌّ وإنَّما أبدلت الياء مكان الواو كراهية الواو الساكنة بعدها ياء ولو كسَّرت الطّىّ على أفعلٍ أو أفعالٍ أظهرت الواو. ومثل ذلك ريَّان وطيَّان تقول: رويَّان وطويَّان لأنَّ الواو قد تحركت وذهب ماكانوا يستثقلون كما ذهب ذلك في ميزان وهذا البدل لا يلزم كما لا تلزم ياء ميزان ألا تراهم حيث كسَّروا قالوا: رواءٌ وطواءٌ. وإذا حقَّرت قىٌّ قلت: قوىٌّ لأنَّه من القواء يستدلّ على ذلك بالمعنى وممَّا يحذف منه البدل ويردّ الذي من نفس الحرف موقنٌ وموسرٌ وإنّما أبدلوا الياء كراهية الياء الساكنة بعد الضّمة كما كرهوا الواو الساكنة بعد الكسرة فإذا تحرَّكت ذهب ما استثقلوا وذلك مييقنٌ ومييسرٌ. وليس البدل ههنا لازماً كما يم يكن ذلك في ميزانٍ ألا ترى أنّك تقول: مياسير. ومن ذلك أيضاً عطاءٌ وقضاءٌ ورشاءٌ تقول: عطىٌّ وقضىٌّ ورشىٌ لأنّ هذا البدل لايلزم ألا ترى أنك تقول: أعطيةٌ وأرشيةٌ وأقضيةٌ. وكذلك جميع الممدود لايكون البدل الذي في آخره لازماً أبداً. وكذلك إذا حقَّرت الصِّلاء تقول: صلىٌّ لأنَّك لو كسَّرته للجمع رددت الياء وكذلك صلاءةٌ لو كسّرتها رددت الياء. وأمّا ألاءةٌ وأشاءةٌ فأليئةٌ واشيئةٌ لأن هذه الهمزة ليست مبدلة. ولو كانت كذلك الكان الحرف خليقاً أن تكون فيه الايةٌ كما كانت في عباءةٍ عبايةٌ وصلاءةٍ صلايةٌ وسحاءة سحايةٌ فليس له شاهدٌ من الياء والواو فإذا لم يكن كذلك فهو عندهم مهموز ولاتخرجها إلاَّ بأمرٍ واضح وكذلك قول العرب ويونس. ومن ذلك منسأةٌ تقول: منيسئةٌ لأنّها من نسأت ولأنهم لايثبتون هذه الألف التي هي بدل من الهمزة كما لا يلزمون الهمزة التي هي بدلٌ من الياء والواو. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرته للجمع قلت: مناسىء. وكذلك البريَّة تهمزها. فأمّا النّبيِّ فإنَّ العرب قد اختلفت فيه فمن قال النَّبآء قال: كان مسيلمة نبيِّىء سوءٍ وتقديرها تبيِّعٌ وقال العباس ابن مراداسٍ. ياخاتم النبّآء إنك مرسلٌ بالحقّ كلُّ هدى السَّبيل هداكما ذا القياس لأنه مّما لايلزم. ومن قال: أنبياء قال: نبىُّ سوءٍ كما قال في عيدٍ حين قالوا أعيادٌ: عييدٌ وذلك لأنهم ألزموا الياء وأمّذا النُّبوَّة فلو حقّرتها لهمزت وذلك قولك: كان مسيلمة نبوَّته نبيِّة سوءٍ لأنّ تكسير النبَّوَّة على القياس عندنا لأنّ هذا الباب لايلزمه البدل وليس من العرب أحد إلاّ وهو يقول: تنبّأ مسيلمة وإنما هو من أنبأت. وأمّا الشَّاء فإنّ العرب تقول فيه: شوىٌّ وفي شاةٍ: شويهةٌ والقول فيه: أنَّ شاءً من بنات الياءات أو الواوات التي لاتكون لاماتٍ وشاةً من بنات الواوات التي تكون عينات ولامها هاء كما كانت سواسيةٌ ليس من لفظ سىٍّ كما كانت شاءٌ من بنات الياءات التي هي لامات وشاةٌ من بنات الواوات التي هنّ عينات والدليل على ذلك هذا شوىٌّ وإنما ذا كامرأةٍ ونسوةٍ والنِّسوة ليست من لفظ امرأة ومثله رجلٌ ونفرٌ. ومن ذلك ايضاً قيراطٌ ودينارٌ. تقول: قريريطٌ ودنينيرٌ لأنَّ الياء بدلٌ من الراء والنون فلم تلزم. إلا تراهم قالوا: دنانير وقراريط. وكذلك الدّيباج فيمنقال: دبابيج والدّيماس فيمن قال: دماميس. وأمّا من قال دياميس وديابيج فهي عنده بمنزلة واو جلواخٍ وياءٍ جريالٍ وليست ببدل. وجميع ماذكرناه قول يونس والخليل. وسألت يونس عن بريةٍ فقال: هي من برأت وتحقيرها بالهمز كما أنَّك لو كسّرت صلاءةً رددت الياء فقلت: اصليةٌ. فهذه الياء لاتلزم في هذا الباب كما لا تلزم الهمزة في بنات الياء و الواو التي هنَّ لامات. باب تحقير ماكانت الألف بدلاً من عينه


إن كانت بدلاً من واو ثم حقَّرته رددت الواو. وإن كانت بدلاً من ياء رددت الياء كما أنَّك لو كسَّرته رددت الواو إن كانت عينه واواً والياء إن كانت عينه ياء وذلك قولك في بابٍ: بويبٌ كما تقول: ابوابٌ ونابٍ نييبٌ كما تقول: أنياب وأنيبٌ. فإن حقَّرت ناب الإبل فكذلك لأنَّك تقول: أنيابٌ. ولو حقَّرت رجلاً اسمه سار أو غاب لقلت: غييبٌ وسييرٌ لأنَّهما من الياء ولو حقَّرت السار وأنت تريد السّائر لقلت: سويرٌ لأنها ألف فاعل الزائدة. وسألت الخليل عن خاف والمال في التحقير فقال: خافٍ يصلح أن يكون فاعلا ذهبت عينه وأن يكون فعلاً فعلى أيّهما حملته لم يكن إلاّ بالواو وإنَّما جاز فيه فعلٌ لأنه من فعلت أفعل وأخاف دليلُ على أنها فعلت كما قالوا: فزعت تفزع. وأما مالٌ فإنّه فعلٌ لأنهم لم يقولوا: مائلٌ ونظائره في الكلام كثيرة فاحمله على أسهل الوجهين. وإن جاء اسم نحو الناب لاتدري أمن الياء هو أم من الواو فاحمله على الواو حتَّى يتبين لك أنها من الياء لأنها مبدلةٌ من الواو أكثر فاحمله على الأكثر حتَّى يتبين لك. ومن العرب من يقول في نابٍ: نويبٌ فيجيء بالواو لأنَّ هذه أللف مبدلة من الواو أكثر وهو غلطٌ منهم. وأخبرني من أثق به أنه يقول: مال الرجل وقد ملت بعدنا فأنت تمال ورجل مالٌ إذا كثر ماله وصوف الكبش إذا كثر صوفه وكبشٌ أصوف. هذه الكثيرة. وكبشٌ صافٌ ونعجةٌ صافةٌ. باب تحقير الأسماء التي تثبت الأبدال


البدالٌ فيها وتلزمها وذلك إذا كانت أبدالاً من الواوات والياءات التي هي عيناتٌ. فمن ذلك قائلٌ وقائمٌ وبائعٌ تقول: قويئمٌ وبويئعٌ. فليست هذه العينات بمنزلة التي هنّ لامات لو كانت مثلهن لما أبدلوا لأنهم لايبدلون من تلك )اللامات( إذا لم تكن منتهى الاسم وآخره. ألا تراهم يقولون: شقاوةٌ وغباوةٌ فهذه الهمزة بمنزلة همزة ثائرٍ وشاءٍٍ من شاوت. ألا ترى أنك إذا كسّرت هذا الاسم للجمع ثبتت فيه الهمزة تقول: قوائم وبوائع وقوائل. وكذلك تثبت في التصغير. ومن ذلك ايضاً أدؤرٌ ونحوها لأنك أبدلت منها كما أبدلت من واو قائمٍ وليست منتهى الاسم ولو كسَّرتها للجمع لثبتت خلافاً لباب عطاءٍ وقضاءٍ وأشباههما إذ كانت تخرج ياءاتهن وواواتهن إذا لم يكنَّ منتهى الاسم. فلما كانت هذه تبدل وليست منتهى الاسم كانت الهمزة فيها أقوى. وكذلك أوائل اسم رجل لأنَّك أبدلت الهمزة منها كما ابدلتها في أدؤرٍ وهي عينٌ مثل واو أدؤرٍ لأنَّ أوائل لو كانت على أفاعل )وكان مما يجمع( لكان في التكسير تلزمه الهمزة فإنَّما هو بمنزلته لو كان أفاعلاً وقويت فيه الهمزة إذا لم تكن منتهى الاسم. وكذلك النَّؤور والسُّؤور واشباه ذلك لأنَّها همزات لازمه لو كسَّرت للجمع الأسماء لقوّتهن حيث كنّ بدلا من معتّل ليس بمنتهى الاسم فلمّا لم يكنَّ منتهى أجرين مجرى الهمزة التي من نفس الحرف. وكذلك فعائل لأن علّته كعلة قائلٍ وهي همزة ليست بمنتهى الاسم ولو كانت في فعائل ثم كسّرته للجمع لتثبت. وجميع ماذكرت لك قول الخليل ويونس. ومن ذلك أيضاً تاء تخمةٍ وتاء تراثٍ وتاء تدعةٍ يثبتن في التصغير كما يثبتن لو كسّرت الأسماء للجمع ولأنَّهن بمنزلة الهمزة التي تبدل من الواو نحو ألف أرقةٍ إنَّما هي بدلٌ من واو ورقةٍ ونحو ألف أددٍ إنّما هي بدلٌ من واو وددٍ وإنما أددٌ من الود وإنَّما هو اسمٌ يقال: معدُّ ابن عدنان بن أددٍ. والعرب تصرف أددًا ولايتكلمون به بالألف واللام جعلوه بمنزلة ثقبٍ ولم يجعلوه مثل عمر. والعرب تقول: تميم بن ودٍ وأدٍ يقالان جميعاً فكذلك هذه التاءات إنّما هي بدلٌ من واو وهذه الهمزات لايتغيّرون في التحقير كما لا يتغير همزة قائلٍ لأنَّها قويت حيث كانت في أوّذذل الكلمة ولم تكن منتهى الاسم فصارت بمنزلة الهمزة من نفس الحرف نحو همزة أجلٍ وأبدٍ فهذه الهمزة تجري مجرى أدؤرٍ. ومن ذلك ايضاً: متلجٌ ومتهمٌ ومتخمٌ تقول في تحقير متَّلجٍ: متيلجٌ ومتيهمٌ ومتيخمٌ تحذف التاء التي دخلت لمفتعلٍ وتدع التي هي بدلٌ من الواو لأن هذه التاء أبدلت هاهنا كما ابدلت حيث كانت أوّل الاسم وابدلت هاهنا من الواو كما أبدلت في أرقةٍ وأوؤرٍ الهمزة من الواو وليست بمنزلة واو موقنٍ ولاياء ميزانٍ لأنهما إنَّما تبعتا ماقبلهما. ألا ترى أنَّهما يذهبان إذا لم تكن قبل الياء كسرة ولاقبل الواو ضمة تقول: أيقن وأوعد. وهذه لم تحدث لأنَّها تبعت ماقبلها ولكنها بمنزلة الهمزة في أدؤرٍ وفي أرقةٍ. ألا ترى أنها تثبت في التصرّف تقول: اتَّهم ويتَّهم ويتَّخم ويتَّلج واتَّلجت واتّلج واتَّخم: فهذه التاء قوية. ألا تراها دخلت في التقّوى والتقَّية فلزمت فقالوا: اتَّقى منه وقالوا: التُّقاة فجرت مجرى ما هو من نفس الحرف. وقالوا في التُّكأة: أتكأته وهما يتكئان جاءوا بالفعل على التُّكاة. أخبرني من أثق به أنَّهم يقولون: ضربته حتى أتكأته أي )حتَّى( اضجعته على جنبه الأيسر. ومثل ذلك متعدٌ ومتَّزنٌ لاتحذف التاء كما لاتحذف همزة أدؤرٍ. وإنَّما جاءوا بها كراهية الواو والضمّة التي قبلها كما كرهوا واو أدورٍ والضمة. وإن شئت قلت: موتعدٌ وموتزنٌ كما تقول: أدورٌ ولاتهمز. هذا باب تحقير ماكان فيه قلب


اعلم أنَّ كلّ ما كان فيه قلبٌ لايردّ إلى الأصل وذلك لأنَّه اسم بنى على ذلك كما بنى ماذكرناه على التاء وكما ينى قائلٌ على أن يبدل من الواو الهمزة وليس شيئاً تبع ماقبله كواو موقنٍ وياء قيلٍ ولكن الاسم يثبت على القلب في التحقير كما تثبت الهمزة في أدؤرٍ إذا حقّرت وفي قائل. وإنَّما قلبوا كراهية الواو والياء كما همزوا كراهية الواو والياء. فمن ذلك قول العجّاج: لاثٍ به الأشاء والعبرىُّ إنما أراد لائثٌ ولكنه أخرّالواو وقدم الثاء. وقال طريف بن تميم العنبريٌّ: فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم إنَّما يريد الشائك فقلب. ومثل ذلك أينق إنَّما هو أنوق في الأصل فأبدلوا الياء مكان الواو وقلبوا فإذا حقّرت قلت: لويثٍ وشويكٍ وأيينق. وكذلك لو كسّرت للجمع لقلت: لواثٍ وشواكٍ وكذلك مطمئنٌّ إنّما هي من طأمنت فقلبوا الهمزة. ومثل ذلك القيسيُّ إنّما هي في الأصل القووس فقلبوا كما قلبوا أينق. ومثل ذلك قولهم: أكره مسائيك إنَّما جمعت المساءة ثم قلبت. وكذلك زعم الخليل. ومثله قول الشاعر وهو كعب بن مالك: لقد لقيت قريظة ماسآها ** وحلَّ بدارهم ذلٌّ ذليل ومثل ذلك قد راءه يريد قد رآه. قال الشاعر وهو كثير عزَّة: وكلُّ خليل راءني فهو قائل من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد وإنما اراد ساءها ورآني ولكنَّه قلب. وإن شئت قلت: راءني إنما أبدلت همزتها الفا وأبدلت الياء بعد كما قال بعض العرب: راءة في رايةٍ حدثنا بذلك أبو الخطّاب. ومثل الألف التي أبدلت من الهمزة قول الشاعر وهو حسّان بن ثابت: سألت هذيل رسول الله فاحشةّ ضلّت هذيل بما جاءت ولم تصب باب تحقير كلّ اسم كانت عينه واواً أمّا ما كانت العين فيه ثانية فواوه لا تتغيّر في التحقير لأنَّها متحرّكة فلا تبدل ياءً لكينونة ياء التصغير بعدها. وذلك قولك في لوزة: لويزة وفي جوزة: جويزة وفي قولةٍ: قويلة. وأمّا ما كانت العين فيه ثالثة مما عينه واو فإنَّ واوه تبدل ياءً في التحقير وهو الوجه الجيّد لأنَّ الياء الساكنة تبدل الواو التي تكون بعدها ياءً. فمن ذلك ميّت وشيّد وقيام وثيُّوم وإنَّما الأصل ميوت وسيود وقيوام وقيووم. وذلك قولك في أسود: أسيّد وفي أعور أعير وفي مرودٍ: مرّيد وفي أحوى: أحيُّ وفي مهوىً: مهىٌّ وفي أرويَّة: أريّة وفي مرويّة مرية. واعلم أنَّ من العرب من يظهر الواو في جميع ما ذكرنا وهو أبعد الوجهين يدعها على حالها قبل أن تحقَّر. واعلم أنَّ من قال: أسيود فإنّه لا يقول في مقامٍ ومقالٍ: مقيوم ومقيول لأنَّها لو ظهرت كان الوجه أن لا تترك فإذا لم تظهر لم تظهر في التحقير وكان أبعد لها إذ كان الوجه في التحقير إذا كانت ظاهرة أن تغيَّر لو جاز ذلك لجاز في سيِّد سييود وأشباهه. واعلم أنَّ أشياء تكون الواو فيها ثالثة وتكون زيادةً فيجوز فيها ماجاز في أسود. وذلك نحو جدولٍ وقسورٍ تقول: جديولٌ وقسيورٌ كما قلت: أسيود وأريويةٌ وذلك لأنَّ هذه الواو حيّةٌ وإنّما ألحقت الثلاثة بالأربعة. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرت هذا النحو للجمع ثبتت الواو كما تثبت في أسود حين قالوا: أساود وفي مرودٍ حين قالوا: مراود. وكذلك جداول وقساور. وقال الفرزدق: إلى هادراتٍ صعاب الرُّؤس قساور للقسور الأصيد واعلم أنَّ الواو إذا كانت لاماً لم يجز فيها الثبات في التحقير على قول من قال: أسيود وذلك قولك في غزوةٍ: غزيةٌ وفي رضوى: رضيَّا وفي عشواء عشيَّاء. فهذه الواو لاتثبت كما لا تثبت في فعيل ولو جاز هذا لجاز في غزوٍ غزيوٌ وهاء التأنيث ههنا بمنزلتها لو لم تكن فهذه الواو التي هي آخر الاسم ضعيفة. وسترى ذلك ونبيِّن لك إن شاء الله تعالى ذكره في بابه. والوو التي هي عين أقوى فلمَّا كان الوجه في الأقوى أن تبدل ياءً لم تحتمل هذه أن تثبت كما لم يحتمل مقالٌ مقيولٌ. وأمّا واو عجوزٍ وجزورٍ فإنَّها لاتثبت أبداً وإنما هي مدّة تبعت الضمّة ولم تجيء لتلحق بناءً ببناء. ألا ترى أنَّها لاتثبت في الجمع إذا قلت عجائز فإذا كان الوجه فيما يثبت في الجمع أن يبدل. فهذه الميّتة التي لاتثبت في الجمع لايجوز فيها أن تثبت. وأمَّا معاوية فإنه يجوز فيها ماجاز في أسود لأن الواو من نفس الحرف وأصلها التحريك وهي تثبت في الجمع ألا ترى أنَّك تقول: معاوٍ. وعجوزٌ ليست كذلك وليست كجدول ولاقسور. ألا ترى أنَّك لو جئت بالفعل عليها لقلت: جدولت وقسورت. وهذا لايكون في مثل عجوزٍ.

هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات وواوات اعلم أنَّ كل شيء منها كان على ثلاثة أحرف فإنّ تحقيره يكون على مثال فعيلٍ ويجري على وجوه العربية لأنَّ كلّ ياء أو واوٍ كانت لاما وكان قبلها حرف ساكن جرى مجرى غير المعتلّ وتكون ياء التصغير مدغمة لأنَّهما حرفان من موضع والأوّل منهما ساكن. وذلك قولك في قفاً: قفىٌّ وفي فتىً فتىٌّ وفي جروٍ: جرىٌّ وفي ظبيٍ: ظبيٌّ. واعلم أنَّه إذا كان بعد ياء التصغير ياءان حذفت التي هي آخر الحروف ويصير الحرف على مثال فعيلٍ ويجري على وجوه العربية. وذلك قولك في عطاءٍ: عطىٌّ وقضاءٍ: قضىٌّ وسقايةٍ سقيّةٌ وإداوةٍ أديّةٌ وفي شاويةٍ شويّة وفي غاوٍ: غوىٌّ. إلاَّ أن تقول: شويويةٌ وغويوٍ في من قال: أسيود وذلك لأنّ هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلّت واستثقلت إذا كانت بعد كسرة في غير المعتلّ فلمَّا كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالاً فحذفوها. وكذلك أحوى إلاَّ في قول من قال: أسيود. ولاتصرفه لأنَّ الزيادة ثابتة في أوّله ولايلتفت إلى ماقلَّته كما لا يلتفت إلى قلّة يضع. وأمّا عيسى فكان يقول: أحىٌّ ويصرف وهو خطأ. لو جاز ذا لصرفت أصمَّ لأنَّه أخّف من أحمر وصرفت أرأس إذا سمّيت به ولم تهمز فقلت: أرس. وأمّا أبو عمرٍ فكان يقول: أحّىٍ. ولو جاز لقلت في عطاءٍ: عطىّ لأنَّها ياء كهذه الياء وهي بعد ياء مكسورة ولقلت في سقايةٍ: سقيِّية وشاو: شوٍى. وأمّا يونس فقوله: هذا أحىُّ كما ترى وهو القياس والصواب. واعلم أن كلّ واو وياء أبدل الألف مكانها ولم يكن الحرف الذي الألف بعده واوا ولاياءً فإنها ترجع ياءً وتحذف ألألف لأنَّ مابعد ياء التصغير مكسوراً أبداً فإذا كسروا الذي بعده الألف لم يكن للألف ثبات مع الكسرة. وليست بألف تأنيث فتثبت ولاتكسر الذي قبلها. وذلك قولك في أعمى: أعيمٍ وفي ملهًى: مليهٍ كما ترى وفي أعشى: أعيشٍ كما ترى وفي مثنىًّ: مثنينٍ كما ترى إلاََّّ أن تقول: مثينيٌّ في قول من قال محيميدٌ. وإذا كانت الواو والياء خامسة وكان قبلها حرف لين فإنَّها بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تليها فيما كان على مثال فعيلٍ لأنَّها تصير بعد الياء الساكنة وذلك في قولك في مغزٍو: مغيزىٌّ وفي وإذا حقّرت مطايا اسم رجل قلت: مطىٌّ والمحذوف الألف التي بعد الطاء كما فعلت ذلك بقبائل كأنَّك حقَّرت مطياً. ومن حذف الهمزة في قبائل فإنّه ينبغي له أن يحذف الياء التي بين الألفين فيصير كأنه حقر مطاءً. وفي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ لأنَّك لو حقّرت مطاءً لكان على مثال فعيلٍ ولو جقَّرت مطياً لكان كذلك. وكذلك خطايا اسم رجل إلاّ أنّك تهمز آخر الاسم لأنَّه بدلٌ من همزته فقول: خطيءٍ فتحذفه وتردُّ الهمزة كما فعلت ذلك بألف منساةٍ. ولاسبيل إلى أن تقول: مطيءٍ لأن ياء فعيلٍ لاتهمز بعد ياء التصغير وإنّما تهمز بعد الألف إذا كسّرته للجمع فإذا لم تهمز بعد تلك الألف فهي بعد ياء التصغير أجدر أن لاتهمز وإنما انتهت ياء التحقير إليها وهي بمنزلتها قبل أن تكون بعد الألف. ومع ذا إنَّك لو قلت فعائلٌ من المطىّ لقلت مطاءٍ ولو كسّرته للجمع لقلت: مطايا فهذا بدلٌ أيضاً لازم. وتحقير فعائلٍ كفعائل من بنات الياء والواو ومن غيرهما سواءٌ. وهو قول يونس لأنَّهم كأنهم مدُّوا فعالٌ أو فعولٌ أو فعيلٌ بالألف كما مدّوا عذافرٌ. والدليل على ذلك أنّك لاتجد فعائل إلاّ مهموزاً فهمزة فعائلٍ بمنزلتها في فعائل وياء مطايا بمنزلتها لو كانت في فعائلٍ وليست همزةً من نفس الحرف فيفعل بها مايفعل بما هو من نفس الحرف إنَّما هي همزةٌ تبدل من واو أو ياء أو ألفٍ من شيء لايهمز أبداً إلاَّ بعد ألف كما يفعل ذلك بواو قائلٍ فلمَّا صارت بعدها فلم تهمز صارت في أنَّها لاتهمز بمنزلتها قبل أن تكون بعدها ولم تكن الهمزة بدلاً من شيءٍ من نفس الحرف ولا من نفس الحرف فلم تهمز في التحقير هذا مع لزوم البدل يقوّى وهو قول يونس والخليل. وإذا حقّرت رجلاً اسمه شهاوى قلت: شهيٌّ كأنك حقرت شهوى كما أنك حين حقرت صحارى قلت: صحيرٍ ومن قال: صحيرٌ قال شهيٌّ أيضاً كأنه حقَّر شهاوٌ ففي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ. وإذا حقرت عدوىٌّ اسم رجل أو صفة قلت: عدييٌّ )أربع ياءات( لابدَّ من ذا. ومن قال: عدوىٌّ فقد أطأ وترك المعنى لأنه لا يريد أن يضيف إلى عدىٍّ محقّراً إنّما يريد أن يحقّر المضاف إليه فلا بدّ من ذا. ولايجوز عديويٌّ في قول من قال: أسيود لأنَّ ياء الإضافة بمنزلة الهاء في غزوةٍ فصارت الواو في عدويٍّ آخرة كما أنَّها في غزوةٍ آخرة فلمَّا لم يجز غزيوةٌ كذلك لم يجز عديويٌّ. وإذا حقَّرت أمويٌّ قلت: أميِّيٌّ كما قلت في عدوىٍ لأنَّ أمويّ ليس بناؤه بناء المحقَّر إنَّما بناؤه بناء فعلىٍّ فإذا أردت أن تحقِّر الأمويّ لم يكن من ياء التصغير بدٌّ كما أنَّك لو حقَّرت الثقفيَّ ولو قلت ذا لقلت إذا حقرت رجلاً يضاف إلى سليمٍ سلمىٌّ فيكون التحقير بلا ياء التحقير. وإذا حقّرت ملهوىٌّ قلت: مليهىٌّ تصير الواو ياءً لكسره الهاء. وكذلك إذا حقَّرت حبلوىٌّ لأنك كسرت اللام فصارت ياءً ولم تصر وواً فكأنَّك أضفت إلى حبيلى لأنك حقّرت. وهي بمنزلة واو ملهوىٍّ وتغيّرت عن حال علامة التأنيث كما تغيَّر عن حال علامة التأنيث حين قلت حبالى فصارت بمنزلة ياء صحارى فإذا قلت حبلوىٌّ فهو بمنزلة ألف معزى فإذا تغير إلى ياء كما تغيرت واو ملهوي لأنّك لم ترد أن تحقِّر حبلى ثم تضيف إليه. هذا باب تحقير كلّ اسم كان من شيئين ضمَّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد


زعم الخليل أنّ التحقير إنما يكون في الصَّدر لأن الصّدر عندهم بمنزلة المضاف والآخر بمنزلة المضاف إليه إذ كانا شيئين. وذلك قولك في حضرموت: حضيرموت. وبعلبَّ: بعيلبكُّ وخمسة عشر: خميسة عشر. وكذلك جميع ماأشبه هذا كأنك حقّرت عبد عمروٍ وطلحة زيدٍ. وأمَّا اثنا عشر فتقول في تحقيره: ثنيَّا عشر فعشر بمنزلة نو اثنين فكأنك حقّرت اثنين لأنّ حرف الإعراب الألف والياء فصارت عشر في اثني بمنزلة النون كما صار موت في حضر موت بمنزلة ريسٍ في عنتريسٍ. اعلم أنَّ كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز لك أن يحذفه في الترخيم حتَّى تصير الكلمة على ثلاثة أحرف لأنها زائدة فيها وتكون على مثال فعيلٍ وذلك قولك في حارثٍ: حريثٌ وفي أسود: سويدٌ وفي غلاب: غليبة. وزعم الخليل أنه يجوز أيضاً في ضفنددٍ: ضفيدٌ وفي خفييدٍٍ: خفيدٌ وفي مقعنس: قعيسٌ. وكذلك كلَّ شيء كان أصله الثلاثة. وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة تحذف الزوائد حتّى يصير الحرف على أربعة لا زائدة فيه ويكون على مثال فعيعلٍ لأنه ليس فيه زيادة وزعم أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل: بريةٌ وسميعٌ. باب ماجرى في الكلام مصغَّراً وترك تكبيره


لأنّه عندهم مستصغر فاستغنى بتصغيره عن تكبيره وذلك قولهم: جميلٌ وكعيتٌ وهو البلبل. وقالوا: كعتانٌ وجملانٌ فجاءوا به على التكبير. ولو جاءوا به وهم يريدون أن يجمعوا المحقّر لقالوا: جميلاتٌ. فليس شيء يراد به التصغير إلاّ وفيه ياء التصغير. وسألت الخليل عن كيت فقال: هو بمنزلة جميلٍ وإنما هي حمرةٌ مخالطها سوادٌ ولم يخلص فإنَّما حقّروها لأنَّها بين السواد والحمرة ولم يخلص أن يقال اسود ولا أحمر وهو منهما قريب وإنَّما هو كقولك: هو دوين ذلك. وأمّا سكيتٌ فهو ترخيم سكيَّتٍ. والسُّكّيت: الذي يجيء آخر الخيل. باب مايحقر لدنوّه من الشيء وليس مثله


وذلك قولك: هو أصيغر منك وإنَّما أردت أن تقلل الذي بينهما ومن ذلك قولك هو دوين ذاك وهو فويق ذاك. ومن ذا أن تقول أسيِّد أي قد قارب السّواد. وأمّا قول العرب: هو مثيل هذا وأميثال هذا فإنَّما هذا فإنَّما أرادوا أن يخبروا أن المشبَّه حقيرٌ كما أن المشبّه به حقيرٌ. وسألأت الخليل عن قول العرب: ما أميلحه. فقال: لم يكن ينبغي أن يكون في القياس لأنَّ الفعل لايحقَّر وإنّما تحقَّر الأسماء لأنها توصف بما يعظم ويهون والأفعال لاتوصف فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إيّاها في أشياء كثيرة ولكنهم حقّروا هذا اللفظ وإنّما يعنون الذي تصفه بالملح كأنَّك قلت: مليِّحٌ شبّهوه بالشيء الذي تلفظ به وأنت تعني شيئاً آخر نحو قولك: وليس شيء من لفعل ولا شيءٌ مما سمِّى به الفعل يحقّر إلاّ هذا وحده وماأشبهه من قولك: ما أفعله. واعلم أنّ علامات الإضمار لا يحقَّرون من قبل أنها لا تقوى قوّة المظهرة ولاتمكن تمكنُّها فصارت بمنزلة لا ولو وأشباههما. فهذه لا تحقَّر لأنها ليست أسماء وإنما هي بمنزلة ألأفعال التي لا تحقَّر. فمن علامات الإضمار وأنا ونحن ولو حقرتهنَّ لحقّرت الكاف التي في بك والهاء التي في به وأشباه هذا. ولا يحقّر أين ولا متى ولا كيف ولا حيث ونحوهنَّ من قبل أنّ أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت حين قلت: فويق ذاك ودوين ذاك وتحيت ذاك وليست أسماء تمكَّن فتدخل فيها الألف واللام ويوصفن وإنَّما لهنَّ مواضع لا يجاوزنها فصرن بمنزلة علامات الإضمار. وكذلك من وما وأيهم إنَّما هنَّ بمنزلة أين لا تمكَّن الأسماء التامَّة نحو زيدٍ ورجلٍ. وهنَّ حروف استفهام كم أنَّ أين حرف استفهام فصرن بمنزلة هل في أنهنَّ لا يحقرن. ولا نحقّر غير لأنَّها ليست منزلة مثل وليس كلّ شيء يكون غير الحقير عندك يكون محقَّراً مثله كما لا يكون كلُّ شيء مثل الحقير حقيراً وإنّما معنى مررت برجلٍ غيرك معنى مررت برجلٍ ليس بك وسواك لا يحقر لأنه ليس اسماً متمكناً وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك فكما قبح تحقير ليس قبح تحقير سوى. وغير أيضاً ليس باسم متمكَّن. ألا ترى أنَّها لا تكون إلاَّ نكرة ولا تجمع ولا تدخلها الألف واللام. وكذلك حسبك لا يحقَّر كما لا يحقَّر غير وإنَّما هو كقولك: كفاك فكما لا يحقَّر كفاك كذلك لا تحقِّر هذا. واعلم أنَّ اليوم والشهر والسنة والساعة والليلة يحقّرن. وأمَّا أمس وغد فلا يحقَّران لأنَّهما ليسا اسمين لليومين بمنزلة زيدٍ وعمروٍ وإنّما هما اليوم الذي قبل يومك واليوم بعد يومك ولم يتمكنا كزيدٍ واليوم والساعة والشهر وأشباههن ألا ترى أنَّك تقول: هذا اليوم وهذه الليلة فيكون لما أنت فيه ولما لم يأت ولما مضى وتقول: هذا زيد وذلك زيد فهو اسم ما يكون معك وما يتراخى عنك. وأمس وغد لم يتمكنا تمكَّن هذه الأشياء فكرهوا أن يحقّروهما كما كرهوا تحقير أين واستغنوا عن تحقيرها بالذي هو أشدّ تمكنا وهو اليوم والليلة والساعة. وكذلك أوّل من أمس والثَّلاثاء والأربعاء والبارحة لما ذكرنا وأشباههنَّ. ولا تحقَّر أسماء شهور السنة فعلامات ما ذكرنا من الدَّهر لا تحقّر إنَّما يحقَّر الاسم غير العلم الذي يلزم كلّ شيء من أمته نحو: رجلٍ وامرأة وأشباههما. واعلم أنَّك لا تحقِّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل ألا ترى أنّه قبيح: هو ضويرب زيداً وهو ضويرب زيدٍ إذا أردت بضارب زيدٍ التنوين. وإن كان ضارب زيدٍ لما مضى فتصغيره جيدّ. ولا تحقِّر عند كما تحقِّر قبل وبعد ونحوهما لأنّك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقلُّ من ذا فصار ذا كقولك: قبيل ذاك إذا أردت أن تقلَّل ما بينهما. وكذلك عن ومع صارتا في أن لا تحقّرا كمن. باب تحقير كلّ اسم كان ثانية ياء تثبت في التحقير


وذلك نحو: بيت وشيخ وسيِّد. فأحسنه أن تقول: شييخ وسييد فتضم لأنّ التحقير يضم أوائل الأسماء وهو لازم له كما أنّ الياء لازمة له. ومن العرب من يقول: شييخ وبييت وسييد كراهية الياء بعد الضمّة. باب تحقير المؤنَّث


اعلم أن كلّ مؤنَّث كان على ثلاثة أحرف فتحقيره بالهاء وذلك قولك في قدم: قديمة وفي يدٍ: وزعم الخليل أنَّهم إنَّما أدخلوا الهاء ليفرقوا بين المؤنّث والمذكّر. قلت: فما بال عناقٍ قال: استثقلوا الهاء حين كثر العدد فصارت القاف بمنزلة الهاء فصارت فعيلةً في العدد والزنة فاستثقلوا الهاء. وكذلك جميع ما كان على أربعة أحرف فصاعدا. قلت: فما بال سماءٍ قالوا: سميَّة قال: من قبل أنها تحذف في التحقير فيصير تحقيرها كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف فلمَّا خفَّت صارت بمنزلة دلوٍ كأنَّك حقَّرت شيئاً على ثلاثة أحرف. فإن حقّرت امرأة سقَّاء قلت: سقيقيٌّ ولم تدخلها الهاء لأنَّ الاسم قد تمّ. وسألته عن الذين قالوا في حباري: حبيِّرة فقال: لمَّا كانت فيه علامة التأنيث ثابتةً أرادوا أن لا يفارقها ذلك التحقير وصاروا كأنَّهم حقّروا حبارة. وأمَّا الذين تركوا الهاء فقالوا: حذفنا الياء والبقية على اربعة أحرف فكأنّا حقّرنا حبار. ومن قال في حباري: حبيِّرة قال: في لغيزي: لغيغيزة وفي جميع ما كانت فيه الألف خامسة فصاعداً إذا كانت ألف تأنيث. وسألته عن تحقير نصفٍ نعت امرأة فقال: تحقيرها نصيف وذاك لأنّه مذكّر وصف به مؤنث. ألا ترى أنّك تقول: هذا رجل نصف. ومثل ذلك أنّك تقول: هذه امرأة رضىً فإذا حقّرتها لم تدخل الهاء لأنَّها وصفت بمذكّر وشاركت المذكّر في صفته لم تغلب عليه. ألا ترى أنك لو وتصديق ذلك فيما زعم الخليل قول العرب في الخلق: خليق وإن عنوا المؤنَّث لأنه مذكّر يوصف به المكّر فشاركه فيه المؤنث. وزعم الخليل أن الفرس كذلك. وسألته عن الناب من الإبل فقال: إنّما قالوا: نييب لأنَّهم جعلوا الناب الذّكر اسماً لها حين طال نابها على نحو قولك للمرأة: إنَّما أنت بطين ومثلها أنت عينهم فصار اسماً غالباً وزعم أن الحرف بتلك المنزلة كأنَّه مصدر مذكّر كالعدل والعدل مذكّر وقد يقال: جاءت العدل المسلمة. وكأنَّ الحرف صفة ولكنَّها أجريت مجرى الاسم كما أجرى الأبطح والأبرق والأجدل. وإذا رخَّمت الحائض فهي كالضامر لأنَّه إنما وقع وضفاً لشيء والشَّيء مذكَّر. وقد بيَّنا هذل فيما قبل. قلت: فما بال المرأة إذا سمِّيت بحجر قلت: حجيرة قال: لأنّ حجر قد صار اسماً لها علما وصار خالصاً وليس بصفة ولا اسماً شاركت فيه مذكّرا على معنّى واحد ولم ترد أن تحقِّر الحجر كما أنَّك أردت أن تحقِّر المذكّر حين قلت: عديل وقريش وإنَّما هذا كقولك للمرأة: ما أنت إلا رجيل وللرجل: ما أنت إلا مريَّة فإنّما حقَّرت الرجل والمرأة. ولو سمّيت امرأة بفرس لقلت: فريسة كما قلت: حجيرة فإذا حقَّرت الناب والعدل وأشباههما فإنَّك تحقِّر ذلك الشيء والمعنى يدلُّ على ذلك وإذا سمَّيت رجلاً بعين أو أذنٍ فتحقيره بعينٍ أو أذنٍ فتحقيره بغير هاء وتدع الهاء ههنا كما أدخلتها في حجرٍ اسم امرأة. ويونس يدخل الهاء ويحتجّ بأذينة وإنما سمَّى بمحقَّر. باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره


الذي يستعمل في الكلام فمن ذلك قول العرب في مغرب الشمس: مغيربان الشمس وفي العشيِّ: آتيك عشيَّاناً. وسمعنا من العرب من يقول في عشَّية: عشيشية فكأنهم حقَّروا مغربان وعشيان وعشاة. وسألت الخليل عن قولك: آتيك أصيلالاً فقال: إنما هو أصيلان أبدلوا اللام منها. وتصديق ذلك قول العرب: آتيك أصيلاناً. وسألته عن قول بعض العرب: آتيك عشيَّاناتٍ ومغيربانات فقال: جعل ذلك الحين أجزاء لأنَّه حين كلمَّا تصوَّيت فيه الشمس ذهب منه جزء فقالوا: عشيَّانات كأنَّهم سمَّوا كلَّ جزء منه عشيَّة. ومثل ذلك قولك المفارق في مفرقٍ جعلوا المفرق مواضع ثم قالوا: المفارق كأنَّهم سمّوا كلّ موضع مفرقاً. قال الشاعر وهو جرير: ومن ذلك قولهم للبعير: ذو عثانين كأنهم جعلوا كلّ جزء منه عثنوناً. ونحو ذا كثير. فأمَّا غدوة فتحقيرها عليها تقول: غدية وكذلك سحر تقول: أتانا سحيراً. وكذلك ضحىً تقول: أتانا ضحيّاً. وقال الشاعر وهو النابغة الجعدي: كأنّ الغبار الذي غادرت ** ضحيّاً دواخن من تنضب واعلم أنك لا تحقر في تحقيرك هذه الأشياء الحين ولكنّك تريد أن تقرِّب حيناً من حين وتقلِّل الذي بينهما كما أنك إذا قلت: دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرّب الشيء من الشيء وتقلَّل الذي بينهما وليس المكان بالذي يحقّر. ومثل ذلك قبيل وبعيد فلمَّا كانت أحياناً وكانت لا تمكن وكانت لم تحقَّر لم تمكَّن على هذا الحدّ تمكُّن غيرها. وقد بيَّنا ذلك فيما جاء تحقيره مخالفاً كتحقير المبهم فهذا مع كثرتها في الكلام. وجميع ذا إذا سمَّي به الرجل حقَر على القياس. ومما يحقّر على غير بناء مكبَّره المستعمل في الكلام إنسان تقول: أنيسيان وفي بنون: أبينون كأنهم حقَّروا إنسيان وكأنهم حقَّروا أفعل نحو أعمى وفعلوا هذه الأشياء لكثرة استعمالهم إيَّاها في كلامهم وهم ممّا يغيِّرون الأكثر في كلامهم عن نظائره وكما يجيء جمع الشيء على غير بنائه المستعمل. ومثل ذلك ليلة تقول لييلية كما قالوا: ليالٍ وقولهم في رجلٍ: رويجل ونحو هذا. وجميع هذا أيضاً إذا سمّيت به رجلاً أو امرأة صرفته إلى القياس كما فعلت ذلك بالأحيان. ومن ذلك قولهم في صبية: أصيبية وفي غلمةٍ: أغيلمة كأنَّهم حقروا أغلمةً وأصبيةً وذلك أنَّ أفعلةً يجمع به فعال وفعيل فلمَّا حقّروه جاءوا به على بناء قد يكون لفعالٍ وفعيلٍ. فإذا سمَّيت به امرأة أو رجلاً حقرته على القياس ومن العرب من يجريه على القياس فيقول: صبيَّة وغليمة. وقال الراجز: صبيةً على الدُّخان رمكا ما إن عدا أصغرهم أن زكَّا باب تحقير الأسماء المبهمة اعلم أن التحقير يضم أوائل هذه الأسماء فإنّه يترك أوائلها على حالها قبل أن تحقّر وذلك لأنَّ لها نحواً في الكلام ليس لغيرها - وقد بيّنَّا ذلك - فأرادوا أن يكون تحقيرها على غير تحقير ما سواها. وذلك قولك في هذا: هذيَّا وذاك: ذيّاك وفي ألا: أليَّا. وإنَّما ألحقوا هذه الألفات في أواخرها لتكون أواخرها عل غير حال أواخر غيرها كما صارت أوائلها على ذلك. قلت: فما بال ياء التصغير ثانيةً في ذا حين حقّرت قال: هي في الأصل ثالثة ولكنَّهم حذفوا الياء حين اجتمعت الياءات وإنَّما حذفوها من ذييَّا. وأما تيَّا فإنما هي تحقيرتا وقد استعمل ذلك في الكلام. قال الشاعر كعب الغنويٌّ: وخبَّرتماني أنَّما الموت في القرى ** فكيف وهاتا هضبة وقليب وقال عمران بن حطَّان: وليس لعيشنا هذا مهاه ** وليست دارنا هاتا بدار وكرهوا أن يحقَّروا المؤنّث على هذه فيلتبس الأمر. وأمّا من مدَّ ألاء فيقول: ألياء وألحقوا هذه الألف لئّلا يكون بمنزلة غير المبهم من الأسماء كما فعلوا ذلك في آخر ذا وأوّله. وأولئك هما أولا وأولاء كما أنَّ هو ذا إلاّ أنَّك زدت الكاف للمخاطبة. ومثل ذلك الذي والتي تقول: اللذيَّا واللتّيَّا. قال العجّاج: بعد اللَّتيَّا واللّتيَّا والتي وإذا ثنَّيت هذه الألفات كما تحذف ألف ذواتا لكثرتها في الكلام إذا ثنيَّت. وتصغير ذلك في الكلام ذيَّاك وذيالك وكذلك اللَّذيا إذا قلت: اللذيُّون والتي إذا قلت: اللَّتيات والتثنية إذا قلت: اللّذيَّان واللَّتيَّان وذيَّان. ولا يحقّر من ولا أيٌّ إذا صارا بمنزلة الذي لأنّهما من حروف الاستفهام والذي بمنزلة ذا أنَّها ليست من حروف الاستفهام فمن لم يلزمه تحقير كما يلزم الذي لأنّه إنَّما يريد به معنى الذي وقد استغنى عنه بتحقير الذي مع ذا الذي ذكرت لك. واللاّتي لا تحقَّر استغنوا بجمع الواحد إذا حقّر عنه وهو قولهم: اللّتيَّات فلمَّا استغنوا عنه صار مسقطا. فهذه الأسماء لمَّا لم يكن حالها في التحقير حال غيرها من الأسماء غير المبهمة ولم تكن حالها في أشياء قد بيَّناها حال غير المبهمة صارت يستغنى ببعضها عن بعض كما استغنوا بقولهم: أتانا مسيّاناً وعشيَّاناً عن تحقير القصر في قولهم: أتانا قصراً وهو العشيّ. باب تحقير ما كسّر عليه الواحد للجمع


وسأبيّن لك تحقير ذلك إن شاء الله اعلم أنّ كل بناء كان لأدنى العدد فإنّك تحَّقر ذلك البناء لا تجاوزه إلى غيره من قبل أنك إنَّما واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصَّة به وهي له في الأصل وربَّما شركه فيه الأكثر كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر. فأبنية أدنى العدد أفعل نحو: أكلبٍ وأكعبٍ. وأفعال نحو: أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ وأفعلة نحو: أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ. وفعلة نحو: غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ. فتلك أربعوة أبنية فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر وإن شركه الأقل. ألا ترى ما خلا هذا إنَّما يحقّر على واحده فلو كان شيء ممّا خلا هذا يكون للأقل كان يحقّر على بنائه كما تحقّر الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وذلك قولك في أكلب: أكيلب وفي أجمالٍ: أجيمال وفي أجربة: أجيربة وفي غلمةٍ: غليمة وفي ولدةٍ: وليدة. وكذلك سمعناها من العرب. فكلّ شيء خالف هذه الأبنية في الجمع فهو لأكثر العدد وإن عني به على الأقلُّ فهو داخل على بناء الأكثر وفيما ليس له كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيِّزه. وسألت الخليل عن تحقير الدُّور فقال: أردُّه إلى بناء أقلّ العدد لأني إنّما أريد تقليل العدد فإذا أردت أن أقللّه وأحقّره صرت إلى بناء الأقلِّ وذلك قولك: أديئر فإن لم تفعل فحقّرها على الواحد وألحق تاء الجمع وذلك لأنَّك تردّه إلى الاسم الذي هو لأقلّ العدد. ألا ترى أنَّك تقول للأقل ظبيات وغلوات وركوات ففعلات ههنا بمنزلة أفعلٍ في المذكَّر وأفعالٍ ونحوهما. وكذلك ما جمع بالواو والنون والياء والنون وإن شركه الأكثر كما شرك الأكثر الأقلُّ فيما ذكرنا قبل هذا. وإذا حقَّرت الأكفّ والأرجل وهنَّ قد جاوزن العشر قلت: أكيفٌّ وأريجلٌ لأنَّ هذا بناء أدنى العدد وإن كان قد يشرك فيه الأكثر الأقلَّ. وكذلك الأقدام والأفخاذ. ولو حقَّرت الجفنات وقد جاوزن العشر لقلت: جفينات لا تجاوز لأنّها بناء أقلِّ العدد. وإذا حقَّرت المرابد والمفاتيح والقناديل والخنادق قلت: مريبدات ومفيتيحات وقنيديلات وخنيدقات لأنَّ هذا البناء للأكثر وإن كان يشركه فيه الأدنى فلمَّا حقرت صيّرت ذلك إلى شيء هو الأصل للأقلّ. ألا تراهم قالوا في دارهم: ريهمات. وإذا حقَّرت الفتيان قلت: فتيَّة فإن لم تقل ذا قلت: فتيُّون فالواو والنون بمنزلة التاء في المؤنَّث. وإذا حقّرت الشسُّوع وأنت تريد الثلاثة قلت: شسيعات ولا تقول شسيّع أنَّ هذا البناء لأكثر العدد في الأصل وإنَّما الأقل مدخل عليه كما صار الأكثر يدخل على الأقلِّ. وإذا حقّرت الفقراء قلت: فقيِّرون على واحده وكذلك أذلاّء إن لم تردده إلى الأذلّة ذليِّلون. قال رجل من الأنصار الجاهلي: إن ترينا قليِّلين كما ذي د عن المجربين ذود صحاح وكذلك حمقى وهلكى وسكرى وجرحى وما كان من هذا النّحو ممّا كسّر الواحد. وإنّما صارت التاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره وهو الواحد كما صارت الألف والنون للتثنية ومثنّاه أقلُّ من مثلَّثه. ألا ترى أنّ جرّ التاء ونصبها سواء وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حدّ التثنية ونصبهم سواء. فهذا يقرِّب أن التاء والواو والنون لأدنى العدد لأنّه وافق المثنى. وإذا أردت أن تجمع الكليب لم تقل إلاَّ كليبات لأنَّك إن كسّرت المحقَّر وأنت تريد جمعه ذهبت ياء التحقير. فاعرف هذه الأشياء. واعلم أنَّهم يدخلون بعضها على بعض للتوسُّع إذا كان ذلك جمعاً. باب ما كسّر على غير واحده المستعمل في الكلام


فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام الذي هو من لفظه وذلك قولك في ظروفٍ: ظريِّفون وفي السُّمحاء: سميحون وفي الشعراء: شويعرون. وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياساً ولا غير ذلك فتحقيره على واحدٍ هو بناؤه إذا جمع في القياس. وذلك نحو عباديد فإذا حقّرتها قلت: عبيديدون لأنّ عباديد إنما هو جمع فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلالٍ. فإذا قلت: عبيديات فأيّاً ما كان واحدها فهذا تحقيره. وزعم يونس أن من العرب من يقول في سراويل: سرييَّلات وذلك لأنهم جعلوه جماعاً بمنزلة دخاريض وهذا يقوِّي ذاك لأنهم إذا أرادوا بها الجمع فليس لها واحد في الكلام كسَّرت عليه ولا غير ذلك. وإذا أردت تحقير الجلوس والقعود قلت: قويعدون وجويلسون فإنما جلوس ههنا حين أرادت الجمع بمنزلة ظروف وبمنزلة الشهود والبكيّ وإنّما واحد الشّهود شاهد والبكيّ الباكي. هدان المستعملان في الكلام ولم يكسَّر الشُّهود والبكيُّ عليهما فكذلك الجلوس. باب تحقير ما لم يكسَّر عليه واحد للجمع


ولكنَّه شيء واحد يقع على الجميع فتحقيره كتحقير الاسم الذي يقع على الواحد لأنه بمنزلته إلا أنه يعني به الجميع وذلك قولك في قومٍ: قويم وفي رجلٍ: رجيل. وكذلك النفر والرّهط والنّسوة وإن عنى بهن أدنى العدد. وكذلك الرَّجلة والصُّحبة هما بمنزلة النِّسوة وإن كانت الرّجلة لأدنى العدد لأنّهما ليسا مما يكسّر عليه الواحد. وإن جمع شيء من هذا على بناء من أبنية أدنى العدد حقّرت ذلك البناء كما تحقّر إذا كان بناءً لما يقع على الواحد. وذلك نحو أقوامٍ وأنفارٍ تقول: أقَّيام وأنيفار. وإذا حقرت الأراهط قلت: رهيطون كما قلت في الشعراء: شويعرون. وإن حقّرت الخباث قلت خبيثات كما كنت قائلاً ذاك لو حقرت الخبوث والخباث: جمع الخبيثة بمنزلة ثمارٍ فمنزلة هذه الأشياء منزلة واحدة. وقال: قد شربت إلاَّ دهيدهينا قليِّصات وأبيكرينا والدهداء: حاشية الإبل فكأنه حقّر دهاده فردّه إلى الواحد وهو دهداه وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين وذلك حيث اضطرّ في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير. وأمّا أبيكرينا فإنه جمع الأبكر كما يجمع الجزر والطُّرق فتقول: جزرات وطرقات ولكنّه أدخل الياء والنُّون كما أدخلها في الدُّهيدهين. وإذا حقرت السِّنين لم تقل إلاَّ سنيات لأنَّك قد رددت ما ذهب فصار على بناء لا يجمع بالواو والنون وصار الاسم بمنزلة صحيفةٍ وقصيعةٍ. وكذلك أرضون تقول: أريضات ليس إلاّ لأنَّها بمنزلة بديرةٍ. وإذا حقَّرت أرضين اسم امرأة قلت: أريضون وكذلك السِّنون ولا تدخل الهاء لأنَّك تحقّر بناء أكثر من ثلاثة ولست تردُّها إلى الواحد لأنَّك لا تريد تحقير الجمع فأنت لا تجاوز هذا اللفظ كما لا تجاوز ذلك في رجل اسمه جريبان تقول: جريبان كما تقول في خراسان: خريسان ولا تقول فيه كما تقول حين تحقِّر الجريبين. وإذا حقَّرت سنين اسم امرأة في قول من قال: هذه سنين كما قلت: سنيِّن على قوله في يضع: يضيع. ومن قال: سنون قال: سنيُّون فرددت ما ذهب وهو اللاّم. وإنَّما هذه الواو والنون إذا وقعتا في الاسم بمنزلة ياء الإضافة وتاء التأنيث التي في بنات الأربعة لا يعتدّ بها كأنَّك حقّرت سنيٌّ. وإذا حقَّرت أفعال اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقّرها قبل أن تكون اسما فتحقير أفعالٍ كتحقير عطشان فرقوا بينها وبين إفعالٍ لأنه لا يكون إلا واحداً ولا يكون أفعالٌ إلا جمعاً ولا يغيَّر عن تحقيره قبل أن يكون اسما كما لا يغيَّر سرحان عن تصغيره إذا سمّيت به ولا تشبِّهه بليلة ونحوها إذا سمَّيت بها رجلاً ثم حقَّرتها لأن ذا ليس بقياس. وتحقير أفعالٍ مطَّرد على أفيعالٍ وليست أفعال وإن قلت فيها أفاعيل كأنعامٍ وأناعيم تجري مجرى سرحانٍ وسراحين لأنه لو كان كذلك لقلت في جمَّالٍ: جميمال لأنك لا تقول: جماميل. وإنّما جرى هذا ليفرق بين الجمع والواحد. باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها


وللقسم والمقسم به أدوات في حروف الجرّ وأكثرها الواو ثمَّ الباء يدخلان على كلِّ محلوف به. ثمَّ التاء ولا تدخل إلا في واحد وذلك قولك: والله لأفعلنّ: وبالله لأفعلنّ وتالله لأكيدنَّ أصنامكم. وقال الخليل: إنّما تجيْ بهذه الحروف لأنَّك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف مررت به بالباء إلاّ أنَّ الفعل يجيء مضمراً في هذا الباب والحلف توكيد. وقد تقول: تالله! وفيها معنى التعجب. وبعض العرب يقول في هذا المعنى: لله فيجيء باللام ولا تجيء إلا أن يكون فيها معنى التعجّب. قال أميّة بن أبي عائذ: لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ بمشمخرٍّ به الظَّيان والآس واعلم أنك إذا حذفت من المحلوف به حرف الجرّ نصبته كما تنصب حقّاً إذا قلت: إنك ذاهب حقّاً. فاالمحلوف به مؤكَّد به الحديث كما تؤكَّده بالحقِّ ويجرُّ بحروف الإضافة كما يجر حقٌّ إذا قلت: إنك ذاهب بحقٍّ وذلك قولك: الله لأفعلنَّ. وقال ذو الرمة: وقال الآخر: إذا ما الخبز تأدمه بلحمٍ فذاك أمانة الله الثَّريد فأمَّا تالله فلا تحذف منه التاء إذا أردت معنى التعجّب. ولله مثلها إذا تعجّبت ليس إلا. ومن العرب من يقول: الله لأفعلنَّ وذلك أنه أراد حرف الجرّ وايّاه نوى فجاز حيث كثر في كلامهم وحذفوه تخفيفاً وهم ينوونه كما حذف ربَّ في قوله: وجدَّاء ما يرجى بها ذو قرابةٍ لعطفٍ وما يخشى السُّماة ربيبها إنَّما يريدون: ربَّ جدَّاء وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم: لاه أبوك حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ليخففِّوا الحرف على اللسان وذلك ينوون. وقال بعضهم: لهى أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذ صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أين مفتوحا. وإنَّما فعلوا ذلك به حيث غيَّروه لكثرته في كلامهم فغيَّروا إعرابه كما غيَّروه. واعلم أنَّ من العرب من يقول: من ربيِّ لأفعلنَّ ذلك ومن ربيِّ إنَّك لأشر يجعلها في هذا الموضع بمنزلة الواو والباء في قوله: والله لأفعلنَّ. ولا يدخلونها في غير ربيِّ كما لا يدخلون التاء في غير الله ولكن الواو لازمة لكلّ اسم يقسم به والباء. وقد يقول بعض العرب: لله لأفعلنَّ كما تقول: تالله لأفعلنَّ. ولا تدخل الضمّة في من إلا ههنا كما لا تدخل الفتحة في لدن إلا مع غدوةٍ حين تقول: لدن غدوةً إلى العشيّ. باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو


وذلك قولك: إي هاالله ذا نثبت ألف لأنَّ الذي بعدها مدغم. ومن العرب من يقول: إي هلله ذا فيحذف الألف التي بعد الهاء. ولا يكون في المقسم ههنا إلا الجرّ لأنَّ قولهم: ها صار عوضاً من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفاً على اللسان. ألا ترى أنَّ الواو لا تظهر ههنا كما تظهر في قولك: والله فتركهم الواو ههنا البتَّة يدلُّك على أنها ذهبت من هنا تخفيفاً على اللسان وعوضت منها ها. ولو كانت تذهب من هنا كما كانت تذهب من قولهم: الله لأفعلنَّ إذن لأدخلت الواو. وأمَّا قولهم: ذا فزعم الخليل أنه المحلوف عليه كأنه قال: إي والله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم ها كما قدَّم ها في قولهم ها هوذا: وها أناذا. وهذا قول الخليل وقال زهير: تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك ومثل قولهم: آلله لأفعلنّ صارت الألف ههنا بمنزلة ها ثمّ. ألا ترى أنك لا تقول: أو الله كما لا تقول: ها والله فصارت الألف ههنا وهما يعاقبان الواو ولا يثبتان جميعا. وقد تعاقب ألف اللام حرف القسم كما عاقبته ألف الاستفهام وها فتظهر في ذلك الموضع الذي يسقط في جميع ما هو مثله للمعاقبة وذلك قوم: أفألله لتفعلنَّ. ألا ترى أنك إن قلت: أفوّ الله لم تثبت. وتقول: نعم الله لأفعلن وإي الله لأفعلنّ لأنهما ليسا ببدل. ألا ترى أنك تقول: إي والله ونعم والله. وقال الخليل في قوله عزّ وجلَّ: " والليل إذا يغشى. والنَّهار إذا تجلى. وما خلق الذَّكر والأنثى ": الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى ولكنهما الواوان اللتان تضمّان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيدٍ وعمروٍ والأولى بمنزلة الباء والتاء. ألا ترى أنَّك تقول: والله لأفعلنَّ ووالله لأفعلنّ فتدخل واو العطف عليها كما تدخلها على الباء والتاء. قلت للخليل: فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى فقال: إنَّما أقسم بهذه الأشياء على شيء واحد ولوكان انقضى قسمه بالأوّل على شيء لجاز أن يستعمل كلاماً آخر فيكون كقولك: بالله لأفعلنّ بالله لأخرجنّ اليوم ولا ييقوى أن تقول: وحقِّك وحقِّ زيد لأفعلنّ والواو الآخرة واو قسم لا يجوز إلا مستكرها لأنَّه لا يجوز هذا في محلوف عليه إلا أن تضمّ الآخر إلى الأول وتقول: وحياتي ثمَّ حياتك لأفعلنّ فثمَّ ههنا بمنزلة الواو. وتقول: والله ثم الله لأفعلنّ وبالله ذم الله لأفعلنّ وتالله ثمَّ الله لأفعلنَّ. وإن قلت: والله لآتينك ثم الله لأضربنّك فإن شئت قطعت فنصبت كأنَّك قلت: بالله لآتينك والله لأضربنَّك فجعلت هذه الواو بمنزلة الواو التي في قولك: مررت بزيد وعمرو خارج وإذا لم تقطع وجررت فقلت: والله لآتينك ثمّ والله لأضربنك صارت بمنزلة قولك: مررت بزيد ثم بعمروٍ. وإذا قلت: والله لآتينك ثم لأضربنك الله فأخّرته لم يكن إلا النصب لأنه ضمّ الفعل إلى الفعل ثمّ جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأوّل. وإذا قلت: والله لآتينك ثمّ الله فإنَّما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر وإن كان قد أخرّ أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجرّ لأنَّ الآخر معلَّق بالأوّل لأنه ليس بعده محلوف عليه. ويدلك على أنّه إذا قال: والله لأضربنك ثم لأقتلنك الله فإنه لا ينبغي فيها إلا النصب: أنه لو قال: مررت بزيدٍ أول من أمس وأمس عمروٍ كان قبيحاً خبيثا لأنه فصل بين المجرور والحرف الذي يشركه وهو الواو في الجار كما أنَّه لو فصل بين الجّار والمجرور كان قبيحاً فكذلك الحروف التي تدخله في الجارّ لأنه صار كأنَّ بعده حرف جر فكأنك قلت: وبكذا. ولو قال: وحقِّك وحقِّ زيد على وجه النِّسيان والغلط جاز. ولو قال: وحقِّك وحقِّ على باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى القسم وذلك قولك: لعمر الله لأفعلنَّ وأيم الله لأفعلنّ. وبعض العرب يقول: أيمن الكعبة لأفعلنَّ كأنه قال: لعمر الله المقسم به وكذلك أيم الله وأيمن الله إلا أنّ ذا أكثر في كلامهم فحذفوه كما حذفوا غيره وهو أكثر من أن أصفه لك. ومثل أيم الله وأيمن: لاها الله ذا إذا حذفوا ما هذا مبني عليه. فهذه الأشياء فيها معنى القسم ومعناها كمعنى الاسم المجرور بالواو وتصديق هذا قول العرب: عليَّ عهد الله لأفعلنّ. فعهد مرتفعة وعليَّ مستقرّ لها. وفيها معنى اليمين. وزعم يونس أنَّ ألف أيم موصولة. وكذلك تفعل بها العرب وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرَّجل وكذلك ايمن. قال الشاعر: فقال فريق القوم لمَّا نشدتهم نعم ** وفريق ليمن الله ما ندري سمعناه هكذا من العرب. وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرىء القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي جعلوه بمنزلة أيمن الكعبة وأيم الله وفيه المعنى الذي فيه. وكذلك أمانة الله. ومثل ذلك يعلم الله لأفعلنّ وعلم الله لأفعلن فإعرابه كإعراب يذهب زيد وذهب زيد والمعنى: والله لأفعلنّ وذا بمنزلة يرحمك الله وفيه معنى الدعاء وبمنزلة اتقى الله امرؤ وعمل خيراً إعرابه إعراب فعل ومعناه ليفعل وليعمل. باب ما يذهب التنوين فيه من الأسماء لغير الإضافة


ولا دخول الألف واللام ولا لأنَّه لا ينصرف وكان القياس أن يثبت التنوين فيه وذلك كلُّ اسمٍ غالبٍ وصف بابنٍ ثم أضيف إلى اسم غالب أو كنية أو أمٍ. وذلك قولك: هذا زيد بن عمروٍ. وإنَّما حذفوا التنوين من هذا النَّحو حيث كثر في كلامهم لأنَّ التنوين حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن ومن كلامهم أن يحذفوا الأوّل إذا التقى ساكنان وذلك قولك: اضرب ابن زيد وأنت تريد الخفيفة. وقولهم: لد الصَّلاة في لدن حيث كثر في كلامهم. وما يذهب منه الأوّل أكثر من ذلك نحو: قل وخف. وسائر تنوين الأسماء يحرَّك إذا كانت بعده ألف موصولة لأنَّهما ساكنان يلتقيان فيحرّك الأول كما يحرّك المسكَّن في الأمر والنهي. وذلك قولك: هذه هند امرأة زيدٍ وهذا زيد امرؤ عمروٍ وهذا عمر الطويل إلاَّ أن الأول حذف منه التنوين لما ذكرت لك. وهم ممَّا يحذفون الأكثر في كلامهم. وإذا اضطرَّ الشاعر في الأوَّل أيضاً أجراه على القياس. سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البيت: هي ابنتكم وأختكم زعمتم لثعلبة بن نوفلٍ ابن جسر وقال الأغلب: جارية من قيسٍ ابن ثعلبة وتقول: هذا أبو عمرو بن العلاء لأنَّ الكنية كالاسم الغالب. ألا ترى أنَّك تقول: هذا زيد بن أبي عمروٍ فتذهب التنوين كما تذهبه في قولك: هذا زيد بن عمروٍ لأنَّه اسم غالب. وتصديق ذلك قول العرب: هذا رجل من بني أبي بكر بن كلابٍ. وقال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء: ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها حتَّى أتيت أبا عمرو بن عمّار وقال: فلم أجبن ولم أنكل ولكن يممت بها أبا صخر بن عمر وقال يونس: من صرف هنداً قال: هذه هند بنت زيدٍ فنوّن هنداً لأن هذا موضع لا يتغيَّر وكان أبو عمرو يقول: هذه هند بنت عبد الله فيمن صرف ويقول: ولمَّا كثر في كلامهم حذفوه كما حذفوا لا أدر ولم يك ولم أبل وخذ وكل وأشباه ذلك وهو كثير. وينبغي لمن قال: بقول أبي عمرو أن يقول: هذا فلان بن فلانٍ لأنّه كناية عن الأسماء التي هي علامات غالبة فأجريت مجراها. وأما طامر بن طاكر فهو كقولك: زيد بن زيدٍ أنه معرفة كأمّ عامرٍ وأبي الحارث للأسد وللضبَّع فجعل علماً. فإذا كنيت إن غير الآدمييّن قلت: الفلان والفلانة والهن والهنة جعلوه كنايةً عن النَّاقة التي تسمى بكذا والفرس الذي يسمَّى بكذا ليفرقوا بين الآدمييّن والبهائم. باب ما يحرَّك فيه التنوين في الأسماء الغالبة


وذلك قولك: هذا زيد ابن أخيك وهذا زيد ابن أخي عمروٍ وهذا زيد الطويل وهذا عمرو الظريف إلا أن يكون شيء من ذا يغلب عليه فيعرف به كالصَّعق وأشباهه فإذا كان ذلك كذلك لم ينوَّن. وتقول: هذا زيد ابن عمرك إلا أن يكون ابن عمرك غالباً كابن كراع وابن الزُّبير وأشباه ذلك. وأمَّا زيد ابن زيدك فقال الخليل: هذا زيد ابن زيدك وهو القياس وهو بمنزلة: هذا زيد ابن أخيك لأنَّ زيداً إنَّما صار ههنا معرفةً بالضمير الذي فيه كما صار الأخ معرفة به. ألا ترى أنَّك لو قلت: هذا زيد رجلٍ صار نكرة فليس بالعلم الغالب لأنَّ ما بعده غيَّره وصار يكون معرفةً ونكرةً به. وأمّا يونس فلا ينوّن. وتقول: مررت بزيدٍ ابن عمرو إذا لم تجعل الابن وصفاً ولكنَّك تجعله بدلاً أو تكريرا كأجمعين. وتقول: هذا أخو زيدٍ ابن عمروٍ إذا جعلت ابن صفةً للأخ لأنَّ أخا زيدٍ ليس بغالبٍ فلا تدع التنوين فيه فيما يكون اسماً غالباً أو تضيفه إليه. وإنما ألزمت التنوين والقياس هذه الأشياء لأنَّهم لها أقلّ استعمالا. ومثل ذلك: هذا رجلٍ ابن رجل وهذا زيد رجلٍ كريمٍ. وتقول: هذا زيد بني عمرو في قول أبي عمرو ويونس لأنَّه لا يلتقي ساكنان: وليس بالكثير في الكلام ككثرة ابن في هذا الموضع وليس كلُّ شيء بكثير في كلامهم يحمل الشاذّ. ولكنه يجري على بابه حتَّى تعلم أنَّ العرب قد قالت غير ذلك. وكذلك تقول العرب ينوّنون. وجيع التنوين يثبت في الأسماء إلاّ ما ذكرت لك. باب النون الثقيلة والخفيفة


اعلم أنَّ كل شيء دخلته الخفيفة فقد تدخله الثقيلة. كما أن كلَّ شيء تدخله الثقيلة تدخله الخفيفة. وزعم الخليل أنَّهما توكيد كما التي تكون فضلاً. فإذا جئت بالخفيفة فأنت مؤكّد وإذا جئت بالثقيلة فأنت أشدُّ توكيدا. ولها مواضع سأبينها إن شاء الله ومواضعها في الفعل. فمن مواضعها الفعل الذي للأمر والنهي وذلك قولك: لا تفعلنَّ ذاك واضربنَّ زيدا. فهذه الثقيلة. وإن خففت قلت: ذاك ولا تضربن زيدا. ومن مواضعها الفعل الذي لم يجب الذي دخلته لام القسم فذلك لا تفارقه الخفيفة أو الثقيلة لزمه ذلك كما لزمته اللام في القسم. وقد بيّنا ذلك في بابه. فأمّا الأمر والنَّهي فإن شئت أدخلت فيه النون وإن شئت لم تدخل لأنه ليس فيهما ما في ذا. وذلك قولك: لتفعلنَّ ذاك ولتفعلان ذاك ولتفعلن ذاك. فهذه الثقيلة. وإن خففّت قلت: لتفعلن ذاك ولتفعلن ذاك. فما جاء فيه النون في كتاب الله عزّ وجلّ: " ولا تتَّبعان سبيل الذين لا يعلمون " " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً " وقوله تعالى: " ولآمرنهم فليبنِّكنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيَّر خلق الله ". و " وليسجنّن وليكونن من الصاغرين " وليكونن خفيفة. وأمّا الخفيفة فقوله تعالى: " لنسفعن بالنَّاصية " وقال الأعشى: فإياك والميتات لا تقربنّها ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا فالأولى ثقيلة والأخرى خفيفة. وقال زهير: تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً فاقصد بذراعك وانظر أين تنسلك فهذه الخفيفة. وقال الأعشى: أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا أبا ثابت فاقعد وعرضك سالم فهذه الخفيفة. وقال النابغة الذبياني: لا أعرفن ربرباً حوراً مدامعها كأن أبكارها نعاج دوار وقال النابغة أيضاً: فلتأتينك قصائد وليدفعن جيش إليك قوادم الأكوار والدعاء بمنزلة الأمر والنهي قال ابن رواحة: وقال لبيد: فلتصلقن بني ضبينة صلقةً تلصقنهم بخوالف الأطناب هذه الثقيلة وهو أكثر من أن يحصى. وقالت ليلى الأخيلية: تساور سواراً إلى المجد والعلا وفي ذمتى لئن فعلت ليفعلا وقال النابغة الجعدي: فمن يك لم يثأر بأعراض قومه فإني وربِّ الراقصات لأثأرا فهذه الخفيفة خففّت كما تثقَّل إذا قلت: لأثأرن. ومن مواضعها الأفعال غير الواجبة التي تكون بعد حروف الاستفهام وذلك لأنك تريد أعلمني إذا استفهمت وهي أفعال غير واجبة فصارت بمنزلة أفعال الأمر والنهي فان شئت أقحمت النون وان شئت تركت كما فعلت ذلك في الأمر والنهي. وذلك قولك: هل تقولن وأتقولن ذاك وكم تمكثن وانظر ماذا تفعلن وكذلك جميع حروف الاستفهام. وقال الأعشى: فهل يمنعني ارتيادي البلا د من حذر الموت أن يأتين وقال: وأقبل على رهطى ورهطك نبتحث مساعينا حتى ترى كيف نفعلا أفبعد كندة تمدحنَّ قبيلا وقال: هل تحلفن يا نعم لا تدينها فهذه الخفيفة. وزعم يونس أنك تقول: هلاَّ تقولنَّ وألاَّ تقولنَّ. وهذا أقرب من لأنك تعرض فكأنَّك قلت: افعل لأنه استفهام فيه معنى العرض. ومثل ذلك: لولا تقولنَّ لأنك تعرض. وقد بيّنّا حروف الاستفهام وموافقتها الأمر والنهي في باب الجزاء وغيره وهذا ممّا وافقتها فيه وترك تفسيرهن ههنا للذي فسرنا فيما مضى. ومن مواضعها حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل ما للتوكيد وذلك لأنَهم شبّهوا ما باللام التي في لتفعلن لمَّا وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا النون آخره كما ألزموا هذه اللام. وإن شئت لم تقحم النون كما أنَّك إن شئت لم تجيء بها. فأمّا اللام فهي لازمة في اليمين فشبّهوا ما هذه إذ جاءت توكيداً قبل الفعل بهذه اللام التي جاءت لإثبات النون. فمن ذلك قولك: إمّا تأتيني آتك وأيُّهم ما يقولنَّ ذاك تجزه. وتصديق ذلك قوله عزّ وجلّ: " وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك " وقال عزّ وجلّ: " فإما ترينّ من البشر أحداً ". وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء وذلك قليل في الشعر شبّهوه بالنهي حين كان مجزوماً غير واجب. وقال الشاعر: نبتم نبات الخيزرانيِّ في الثَّرى ** حديثاً متى ما يأتك الخير ينفعا وقال ابن الخرع: فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا وقال: من يثقفن منهم فليس بآثبٍ ** أبداً وقتل بني قتيبة شافي وقال: يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخاً على كرسيّه معمَّما شبّهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب وهذا لا يجوز إلاَّ في اضطرار وهي في الجزاء أقوى. وقد يقولون: أقسمت لمَّا لم تفعلنَّ لأن ذا طلب فصار كقولك: لا تفعلنَّ كما أن قولك أتخبرني فيه معنى افعل وهو كالأمر في الاستغناء والجواب. ومن مواضعها أفعال غير الواجب التي في قولك: بجهدٍ ما تبلغنَّ وأشباهه. وإنّما كان ذلك في عضة مَّا ينبتنَّ شكيرها وقال أيضاً في مثل آخر: بألمٍ مَّا تختننَّه وقالوا: بعين مَّا أريتك. فما ههنا بمنزلتها في الجزاء. ويجوز للمضطر أنت تفعلنّ ذلك شبهوه بالتي بعد حروف الاستفهام لأنها ليست مجزومة والتي في القسم مرتفعة فأشبهتها في هذه الأشياء فجعلت بمنزلتها حين اضطروا. وقال الشاعر جذيمة الأبرش: ربما أوفيت في علمٍ ** ترفعن ثوبي شمالات وزعم يونس أنهم يقولون ربَّما تقولنَّ ذاك وكثر ما تقولنَّ ذاك لأنّه فعل غير واجب ولا يقع بعد هذه الحروف إلاّ وما له لازمة فأشبهت عندهم لام القسم. وإن شئت لم تقحم النون في هذا النحو فهو أكثر وأجود وليس بمنزلته في القسم لأنّ اللام إنما ألزمت اليمين كما ألزمت النون اللام وليست مع المقسم به بمنزلة حرف واحد وليست كالتي في بألم ما تختتنه لأنها ليست مع ما قبلها بمنزلة حرف واحد. ولو لم تلزم اللام التبس بالنفي إذا حلف أنه لا يفعل فما تجيء لتسهل الفعل بعد ربِّ. ولا يشبه ذا القسم. ومثل ذلك: حيثما تكونن آتك لأنّها سهلت الفعل أن يكون مجازاة. وإنما كان ترك النون في هذا أجود لأنَّ ما وربَّ بمنزلة حرف واحد نحو قد وسوف وما حيث بمنزلة أين واللام باب أحوال الحروف التي قبل النون الخفيفة والثقيلة اعلم أنّ فعل الواحد إذا كان مجزوماً فلحقته الخفيفة والثقيلة حركت المجزوم وهو الحرف الذي أسكنت للجزم لأن الخفيفة ساكنة والثقيلة نونان الأولى منهما ساكنة. والحركة فتحة ولم يكسروا فيلتبس المذكّر بالمؤنّث ولم يضمّوا فيلتبس الواحد بالجميع. وذلك قولك: اعلمن ذلك وأكرمن زيدا وإما تكرمنه أكرمه. وإذا كان فعل الواحد مرفوعا ثم لحقته النون صيّرت الحرف المرفوع مفتوحاً لئلا يلتبس الواحد بالجميع وذلك قولك: هل تفعلن ذاك وهل تخرجن يا زيد. وإذا كان فعل الاثنين مرفوعاً وأدخلت النون الثقيلة حذفت نون الاثنين لاجتماع النونات ولم تحذف الألف لسكون النون لأن الألف تكون قبل الساكن المدغم ولو أذهبتها لم يعلم أنك تريد الاثنين ولم تكن الخفيفة ههنا لأنّها ساكنة ليست مدغمة فلا تثبت مع الألف ولا يجوز حذف الألف فيلتبس بالواحد. وإذا كان فعل الجميع مرفوعاً ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة حذفت نون الرفع ذلك قولك: لتفعلنَّ ذاك ولتذهبنَّ لأنَّه اجتمعت فيه ثلاث نونات فحذفوها استثقالا. وتقول: هل تفعلنَّ ذاك تحذف نون الرفع لأنَّك ضاعفت النون وهم يستثقلون التضعيف فحذفوها إذ كانت تحذف وهم في ذا الموضع أشدّ استثقالا للنونات وقد حذفوها فيما هو أشدّ من ذا. بلغنا أن بعض القراء قرأ أتحاجوني وكان يقرأ فبم تبشِّرون وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف. وقال عمرو بن معد يكرب: تراه كالثَّغام يعلُّ مسكاً يسوء الفاليات إذا فليني يريد: فلينني. واعلم أنَّ الخفيفة والثقيلة إذا جاءت بعد علامة إضمار تسقط إذا كانت بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام فإنَّها تسقط أيضاً مع النون الخفيفة والثقيلة وإنَّما سقطت لأنَّها لم تحرَّك فإذا لم تحرك حذفت فإذا حذفت فتحذف لئلا يلتقي ساكنان وذلك قولك للمرأة: اضربنَّ زيدا وأكرمنَّ عمر تحذف الياء لما ذكرت لك ولتضربنَّ زيدا ولتكرمنَّ عمرا لأنَّ نون الرفع تذهب فتبقى ياء كالياء التي في اضربي وأكرمي. ومن ذلك قولهم للجميع: اضربنَّ زيدا وأكرمن عمراً ولتكرمن بشرا لأنّ نون الرفع تذهب فتبقى واو هي كواو ضربوا وأكرموا. فإذا جاءت بعد علامة مضمرٍ تتحرّك للألف الخفيفة أو للألف واللام حرّكت لها وكانت الحركة هي الحركة التي تكون إذا جاءت الألف الخفيفة أو الألف واللام لأن علّة حركتها ههنا العلّة التي ذكرتها ثمّ والعلّة التقاء الساكنين وذلك قولك: ارضونَّ زيدا تريد الجميع واخشون زيدا واخشينَّ زيدا وارضينَّ زيدا فصار التحريك هو التحريك الذي يكون إذا جاءت الألف واللام أو الألف الخفيفة. باب الوقف عند النون الخفيفة اعلم أنَّه إذا كان الحرف الذي قبلها مفتوحاً ثم وقفت جعلت مكانها ألفا كما فعلت ذلك في الأسماء المنصرفة حين وقفت وذلك لأنَّ النون الخفيفة والتنوين من موضع واحد وهما حرفان زائدان والنون الخفيفة ساكنة كما أنَّ التنوين ساكن وهي علامة توكيد كما أنَّ التنوين علامة المتمكّن فلمَّا كانت كذلك أجريت مجراها في الوقف وذلك قولك: اضربا: إذا امرت الواحد وأردت الخفيفة وهذا تفسير الخليل. وإذا وقفت عندها وقد أذهبت علامة الإضمار التي تذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام رددتها الألف التي في هذا: هذا مثنًّنى كما ترى إذا سكتَّ وذلك قولك للمرأة وأنت تريد الخفيفة: اضربي وللجميع: اضربوا وارموا وللمرأة: ارمي واعزي. فهذا تفسير الخليل وهو قول العرب ويونس. وقال الخليل: إذا كان ما قبلها مكسوراً أو مضموماً ثم وقفت عندها لم تجعل مكانها ياءً ولا واوا وذلك قولك للمرأة وأنت تريد الخفيفة: اخشى وللجميع وأنت تريد النون الخفيفة: اخشوا. وقال: هو بمنزلة التنوين إذا كان ما قبله مجرورا أو مرفوعا. وأمّا يونس فيقول: اخشيي واخشووا يزيد الياء والواو بدلاً من النون الخفيفة من أجل الضمّة والكسرة. فقال الخليل: لا أرى ذاك إلاَّ على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري. وقول العرب على قول الخليل. وإذا وقفت عند النون الخفيفة في فعل مرتفع لجميع رددت النون التي تثبت في الرفع وذلك قولك وأنت تريد الخفيفة: هل تضربين وهل تضربون وهل تضربان. ولا تقول: هل تضربونا فتجريها مجرى التي تثبت مع الخفيفة التي في الصلة. وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشيي واخشووا إذا أردت أراد الخفيفة أن ييقول: هل تضربوا يجعل الواو مكان الخفيفة كما فعل ذلك في اخشيي لأنَّ ما قبلها في الوصل مرتفع إذا كان الفعل للجمع ومنكسر إذا كان للمؤنث ولا يردّ النون مع ما هو بدل من الخفيفة كما لم تثبت في الصلة فإنما ينبغي لمن قال بذا أن يجريها مجراها في المجزوم لأنَّ نون الجميع ذاهبة في الوصل كما تذهب في المجزوم وفعل الاثنين المرتفع بمنزلة فعل الجميع المرتفع. فأمّا الثقيلة فلا تتغيّر في الوقف لأنّها لا تشبه التنوين. وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام أو ألف الوصل ذهبتكما تذهب واو يقل لالتقاء الساكنين. ولم يجعلوها كالتنوين هنا فرقوا بين الاسم والفعل وكان في الاسم أقوى لأنّ الاسم أقوى من الفعل وأشّد تمكنّا. هذا باب النون الثقيلة والخفيفة في فعل الاثنين


وفعل جميع النساء فإذا أدخلت الثقيلة في فعل الاثنين ثبتت الألف التي قبلها وذلك قولك لا تفعلان ذلك ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون. وتقول: افعلانِّ ذلك وهل تفعلانِّ ذلك. فنون الرفع تذهب ها هنا كما ذهبت في فعل الجميع وإنّما تثبت الألف ههنا في كلامهم لأنه قد يكون بعد الألف حرف ساكن إذا كان مدغما في حرف من موضعه وكان الآخر لازما للأول ولم يكن لحاق الآخر بعد استقرار الأول في الكلام وذلك نحو قولك: راد وأراد. فالدال الآخرة لم تلحق الأولى ولم تكن الأولى في شيء يكون كلاماً بها والآخرة ليست بعدها ولكنهما يقعان جميعاً وكذلك الثقيلة هما نونان تقعان معاً ليست تلحق الآخرة الأولى بعدما يستقر كلاماً. فالخفيفة في الكلام على حدةٍ. والثقيلة على حدةٍ ولأن تكون الخفيفة حذف عنها المتحرَّك أشبه لأنَّ الثقيلة في الكلام أكثر ولكنَّا جعلناها على حدةٍ لأنَّها في الوقف كالتنوين وتذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام كما تذهب لالتقاء الساكنين ما لم يحذف عنه شيء. ولو كانت بمنزلة نون لكن وأن وكأن التي حذفت عنها المتحرّكة لكانت مثلها في الوقف. والألف الخفيفة والألف واللام فإنما النون الثقيلة بمنزلة باء قبَّ وطاء قطُّ. وليس حرف ساكن في هذه الصِّفة إلا بعد ألفٍ أو حرف لين كالألف وذلك نحو: تمودَّ الثوب وتضربيني تريد المرأة. وتكون في ياء أصيمَّ وليس مثل هذه الواو والياء لأنَّ حركة ما قبلهنّ منهن كما أ َّ ما قبل الألف مفتوح. وقد أجازوه في مثل ياء أصيمّ لأنّه حرف لين. وقال الخليل: إذا أردت الخفيفة في فعل الاثنين كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعل الاثنين في الوصل والوقف لأنه لا يكون بعد الألف حرف ساكن ليس بمدغم. ولا تحذف الألف فيلتبس فعل الواحد والاثنين. وذلك قولك: اضربا وأنت تريد النون وكذلك لو قلت: اضرباني واضربا نعمان لا تردَّن الخفيفة. ولا تقل ذا موضع إدغام فأردَّها لأنَّها قد تثبت مدغمة. والردُّ خطأ ههنا إذا كان محذوفا في الوصل والوقف إذا لم تتبعه كلاما. وكيف تردّه وأنت لو جمعت هذه النون إلى نون ثانية لاعتلَّت وأدغمت وخذفت في قول بعض العرب فإذا كفوا مؤنثها لم يكونوا ليردوها إلى ما يستثقلون. ولو قلت ذا لقلت: اضربا نُّعمان لأنَّ النون تدغم في النون. ولو قلت ذا لقلت: اضربان أبا كما في قول من لم يهمز لأنَّ ذا موضعٌ لم يمتنع فيه الساكن من التحريك فتردها إذا وثقت بالتحريك كما رددتها حيث وثقت بالإدغام فلا تردّ في شيء من هذا لأنّك جئت به إلى شيء قد لزمه الحذف. إلا ترى أنكَّ لو لم تخف اللبس فحذفت الألف لم تردهّا فكذلك لا ترد النون. ولو قلت ذا لقلت جيثونيِّ في قولك: جيؤنى لأنَّ الواو قد ئبتت وبعدها ساكن مدغم ولقلت: جيؤو نعمَّان. والنون لا تردّ ههنا كما لا تردّ في الوصل والوقف هذه الواو في نحو ما ذكرنا. وذلك انكَّ تقول للجميع: جيؤنَّ زيداً تريد الثقيلة ولا تردها في الوقف ولا في الوصل. وأن أردت الخفيفة في فعل الاثنين المرتفع قلت: هل تضربان زيداً لأنكَّ قد أمنت النونّ الخفية وإنمَّا أذهبت النون لأنها لا تثبت مع النون الرفع فإذا بقيت نون الرفع لم تثبت بعدها النون الخفيفة فلماَّ أمنوها ثبتت نون الرفع في الصلة كما ثبتت نون الرفع في فعل جميع في الوقف ورددت نون الجميع كما رددت ياء أضرب وواو اضربوا حين أمنت البدل من الخفيفة في الوقت. وإذا أدخلت الثقيلة في فعل جميع النساء قلت: اضربنانَِّ يا نسوة وهل تضربنانِّ ولتضربنانِّ فإنمَّا ألحقت هذه الألف كراهية النونات فأرادوا أن يفصلوا لالتقائها كما حذفوا نون الجميع للنوَّنات ولم يحذفوا نون النِّساء كراهية ان يلتبس فعلهن وفعل الواحد. وكسرت الثقيلة ههنا لأنهَّا بعد ألف زائدة فجعلت بمنزلة نون الاثنين حيث كانت كذلك. وهي في ما سوى ذلك مفتوحة لأنهَّما حرفان الأوّل منهم ساكن ففتحت كما فتحت نون أين. وإذا أردت الخفيفة في فعل جميع النساء قلت في الوقف والوصل: اضربن زيدا ولضربن زيداً ويكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة وتحذف الألف التي في قولك: اضربنانِّ لأنِّها ليست باسم كألف اضربا وإنمَّا جئت بها كراهية النونات فلمِّا أمنت النون لم تحتج أليها فتركتها كما أثبِّت نون الاثبين في الرفع إذا أمنت النون وذلك لأنهَّا لم تكن لتثبت مع نون الجميع التقائهما ولا بعد الألف كما لم تثبت في الاثنين فلمَّا استغنوا عنها تركوها. وأمًّا يونس وناسٌ من النحويينّ فيقولون: اضربان زيداً واضربنان زيداً. فهذا لم تقله العرب وليس له نظيرا في كلامها. ولا يقع بعد الألف ساكنٌ إلاّ أن يدغم. ويقولون في الوقف: اضربا واضربنا فيمدّون وهو القياس قولهم لأنهَّا تصير ألفاً فإذا اجتمعت ألفان مد الحرف وإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألف موصلة جعلوها همزة مخففَّة وفتحوها وإنمَّا القياس في قولهم أن يقولوا اضرب الرَّجل كما تقول بغير الخفيفة إذا كان بعدها ألف وصلٍ أو ألف ولام ذهبت فينبغي لهم أن يذهبوها لذا ثم تذهب الألف كما تذهب الألف وأنت تريد النون في الواحد إذا وقفت فقلت: اضربا ثم قلت: اضرب الرجل لأنَّهم إذا قالوا: اضربان زيدا فقد جعلوها بمنزلتها في اضربن زيدا فينبغي لهم أن يجرؤا عليها هناك ما يجري عليها في الواحد. باب ثبات الخفيفة والثقيلة في بنات الياء والواو


التي الواوات والياءات لا ماتهن اعلم أن الياء التي هي لام والواو التي هي بمنزلتها إذا حذفنا في الجزم ثم الحقت الخفيفة أو الثقيلة أخرجتها كما تخرجها إذا جئت بالألف للاثنين لأنَّ الحرف يبنى عليها كما يبنى على تلك الألف وما قبلها مفتوح كما يفتح ما قبل الألف. وذلك قولك: ارمينَّ زيدا واخشينَّ واغزونَّ. قال الشاعر: وإن كانت الواو والياء غير محذوفين ساكنتين ثم ألحقت الخفيفة أو الثقيلة حرّكتّها كما تحرّكّها لألف الاثنين والتفسير في ذلك كالتفسير في المحذوف. وذلك قولك: لأدعونَّ ولأرضينَّ ولأرمينَّ وهل ترضينَّ أو ترمينَّ وهل تدعون. وكذلك كلُّ ياءٍ أجريت مجرى الياء من نفس الحرف وكانت في الحرف نحو ياء سلقيت وتجعبيت. جعباه أي صرعه وتجعبى: انصرع. باب مالا تجوز فيه نون خفيفة ولا ثقيلة


وذلك الحروف التي للأمر والنهي وليست بفعل وذلك نحو: إيه وصه ومه وأشباهها. وهلَّم في لغة أهل الحجاز كذلك. ألا تراهم جعلوها للواحد والاثنين والجميع والذَّكر والأنثى سواء. وزعم أنها لمَّ ألحقتها هاء التنبيه في اللغتين. وقد تدخل الخفيفة والثقيلة في هلَّم في لغة بني تميم لأنَّها عندهم بمنزلة ردًّ وردّاً وردِّي وارددن كما تقولك هلمَّ وهلمَّا وهلمِّي وهلممن والهاء فضل إنَّما هي ها التي للتنبيه ولكنّهم حذفوا الألف لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم. باب مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه


والتضعيف أن يكون آخر الفعل حرفان من موضعٍ واحد ونحو ذلك: رددت ووددت واجتررت وانقددت واستعددت وضاررت وتراددنا واحمررت واحماررت واطمأننّت. فإذا تحرَّك الحرف الآخر فالعرب مجمعون على الإدغام وذلك فيما زعم الخليل أولى به لأنه لما كانا من موضع واحد ثقل عليهم أن يرفعوا ألسنتهم من موضع ثم يعيدوها إلى ذلك الموضع للحرف الآخر فلما ثقل عليهم ذلك أرادوا أن يرفعوا رفعةً واحدة. وذلك قولهم: ردِّي واجترّاَ وانقدوا واستعدّي وضارّي زيدا وهما يرادّان واحمرّ واحمارَّ وهو يطمئنُّ. فإذا كان حرف من هذه الحروف في موصع تسكن فيه لام الفعل فإنَّ أهل الحجاز يضاعفون لأنَّهم أسكنوا الآخر فلم يكن بدٌّ من تحريك الذي قبله لأنه لا يلتقي ساكنان. وذلك قولك: اردد واجترر وإن تضار أضارر وإن تستعدد أستعدد وكذلك جميع هذه الحروف ويقولون اردد الرجل وإن تستعدد اليوم استعدد يدعونه على حاله ولا يدغمون لأنَّ هذا التحريك ليس بلازم لها إنما حركوا في هذا الموضع لالتقاء الساكنين وليس الساكن الذي بعده في الفعل مبنيَّاً عليه كالنون الثقيلة والخفيفة. وأمّا بنو تميم فيدغمون المجزوم كما أدغموا إذ كان الحرفان متحرّكين لما ذكرنا من المتحرّكين فيسكنون الأوّل ويحرِّكون الآخر لأنَّهما لا يسكنان جميعاً وهو قول غيرهم من العرب وهم كثير. فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف الأول من الحرفين ساكنا ألقيت حركة الأول عليه: إن كان مكسورا فاكسره وإن كان مضموما فضمَّه وإن كان مفتوحا فافتحه. وإن كان قبل الذي تلقى عليه الحركة ألف وصل حذفتها لأنَّه قد استغنى عنها حيث حرّك وإنَّما احتيج إليها لسكون ما بعدها. وذلك قولك: ردَّ وفلاَّ وعضَّ وإن تردَّأ ردَّ ألقيت حركة الأول منهما على الساكن الذي قبله وحذفت الألف كما فعلت ذلك في غير الجزم وذلك قولك ردّاً وردَّوا. وإن كان الساكن الذي قبل الأوَّل بينه وبين الألف حاجز ألقيت عليه حركة الأول لأنَّ كل واحدٍ منهما يتحولَّ في حال صاحبه عن الأصل كما فعلت ذلك في ردَّ وفرَّ وعضَّ ولا تحذف الألف لأنَّ الحرف الذي بعد ألف الوصل ساكن وذلك قولك: اطمأنَّ واقشعرَّ وإن تشمئزَّ أشمئز فصارت الألف في الإدغام والجزم مثلها في الخبر. وذلك قولك: اطمئنوا واطمئنا ومثل ذلك استعدَّ. وإن كان الذي قبل الأول متحركا وكان في الحرف ألف وصل لم تغيِّره الحركة عن حاله لأنه لم يكن حرفا يضطرّ إلى تحريكه ولا تذهب الألف لأنَّ الذي بعدها لم يحرَّك وذلك قولك: اجترَّ واحمرَّ وانقدَّ وإن تنقدَّ أنقدَّ فصار الإدغام وثبات الألف مثله في غير الجزم. وإذا كان قبل الأوَّل ألف لم تغيَّر لأنَّ الألف قد يكون بعدها الساكن المدغم فيحتمل ذلك وتكون ألف الوصل في هذا الحرف لأنَّ الساكن الذي بعدها لا يحرَّك. وذلك احمارَّ واشهابَّ. وإن تدهامَّ أدهامَّ فصار في الإدغام وثبات الألف مثله في غير الجزم. وإن كان قبل الأوّل ألف ولم يكن في ذلك الحرف حرف وصلٍ لم يتغيِّر عن بنائه وعن الإدغام في غير الجزم وذلك قولك: مادَّ ولا تضارَّ ولا تجارّ. وكذلك ما كانت ألفه مقطوعة نحو: أمدَّ وأعدَّ. باب اختلاف العرب في تحريك الآخر


لأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأوّل من غير أهل الحجاز اعلم أن منهم من يحرك الآخر كتحريك ما قبله فإن كان مفتوحا فتحوه وإن كان مضموما ضمَّوه وإن كان مكسوراً كسروه وذلك قولك: ردُّ وعضَّ وفرَّ يا فتى واقشعرَّ واطمئنِّ واستعدِّ واجترَّ واحمرَّ وضارَّ لأن قبلها فتحة وألفاً فهي أجدر أن تفتح وردُّنا ولا يشلِّكم وسألت الخليل لم ذاك فقال: لأنَّ الهاء خفيَّة ردَّا وأمدَّا غلاَّ إذا قالوا: ردَّها وغلَّها وأمدَّها. فإذا كانت الهاء مضمومة ضمرا كأنهم قالوا: مدُّوا وعضُّوا إذا قالوا: مدُّه وعضُّه. فإن جئت بالألف واللام وبالألف الخفية كسرت الأول كله لأنَّه كان في الأصل مجزوما لأن الفعل إذا كان مجزوماً فحرّك لالتقاء الساكنين كسر. وذلك قول: اضرب الرَّجل واضرب ابنك فلما جاءت الألف واللام والألف الخفيفة رددته إلى أصله لأن أصله أن يكون مسكَّنا على لغة الحجاز كما أنَّ نظائره من غير المضعف على ذلك جرى. ومثل ذلك مذوذهبتم فيمن أسكن تقول: مذ اليوم وذهبتم اليوم لأنك لم تبن الميم على أصله السكون ولكنه حذف كياء قاضٍ ونحوها. ومنهم من يفتح إذا التقى ساكنان على كل حال إلا في الألف واللام والألف الخفيفة. فزعم الخليل أنهم شبهوه بأين وكيف وسوف وأشباه ذلك وفعلوا به إذ جاءوا بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون وهم بنو أسدٍ وغيرهم من بني تميم. وسمعناه ممن ترضى عربيته. ولم يبتغوا الآخر الأول كما قالوا: امرؤ وامرىءٍ وامرأ فأتبعوا الآخر الأول وكما قالوا: ابم وابنم وابنّما. ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام على حاله مفتوحاً يجعله في جميع الأشياء كأين. غضَّ الطَّرف إنك من نميرٍ ولا يكسر هلَّم البتة من قال: هلمَّا وهلمَّي ولكن يجعلها في الفعل تجري مجراها في لغة أهل الحجاز بمنزلة رويد. ومن العرب من يكسر ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة اضرب الرجل وأن لم تجىء بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين وكذلك اضرب ابنك واضرب واضرب ابنك واضرب الرجل. ولا يقولها في هلَّم لا يقول: هلمِّ يا فتى من يقول: هلُّموا فيجعلها بمنزلة رويد. ولا يكسر هلَّم أحد لأنها تصرَّف تصرُّف الفعل ولم تقوقوَّته ومن يكسر كعب وغنى. وأهل الحجاز وغيرهم مجتمعون على أنهم يقولون للنساء: ارددن وذك لأن الدال لم تسكن ههنا لأمر ولا نهيٍ. وكذلك كل حرف قبل نون النساء لا يسكن لأمر ولا لحرفٍ يجزم. ألا ترى أن السكون لازم له في حال النصب والرفع وذلك قولك: رددن وهن يرددن علىَّ أن يرددن وكذلك يجري غير المضاعف قبل نون النساء لا يحرك في حال. وذلك قولك: ضربن ويضربن ويذهبن. فلما كان هذا الحرف يلزمه السكون في كل موضع وكان السكون حاجزاً عنه ما سواه من الإعراب وتمكن فيه ما لم يتمكن في غيره من الفعل كرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما يجزم لأمر أو لحرف الجزم فلم يلزمه السكون كلزوم هذا الذي هو غير مضاعف. ومثل ذلك قولهم: رددت ومددت لأن الحرف بني على هذه التاء كم بنى على النون وصار السكون فيه بمنزلته فيما نون النساء. يدلك على ذلك أنه في موضح فتح. وزعم الخليل أنَّ ناساً من بكر بن وائل يقولون: ردَّن ومدَّن وردَّت جعلوه بمنزلة ردَّ ومدَّ. وكذلك جميع المضاعف يجري كم ذكرت لك في لغة أهل الحجاز وغيرهم والبكرييّن. وأما ردَّد ويردد فلم يدغموه لأنه لا يجوز أن يسكن حرفان فيلتقيا ولم يكونوا ليحركوا العين الأولى لأنَّهم لو فعلوا ذلك لم ينجوا من أ يرفعوا ألسنتهم مرتين فلما كان ذلك لا ينجيهم أجروه على الأصل ولم يجز غيره. واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أجروه على الأصل قال الشاعر وهو قعنب بن أم صاحب: مهلاً أعاذل قد جرَّبت من خلقي ** أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا وقال: تشكو الوجى من أظلل وأظلل وهذا النحو في الشعر كثير. باب المقصور والممدود


وهما في بنات الياء والواو التي هي لامات وما كانت الياء في آخره وأجريت مجرى تلك التي من نفس الحرف. فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح وإنما نقصانه أن تبدل الألف مكان الياء والواو ولا يدخلها نصب ولا رفع ولا جر. وأشياء يعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنّما تقع أواخرهن بعد حرف مفتوح وذلك نحو: وذلك نحو: معطيً ومشتريً وأشباه ذلك لأن معطىً مفعل وهو مثل مخرجٍ فالياء بمنزلة الجيم والراء بمنزلة الطاء فنظائر ذا تدلّك على أنه منقوص. وكذلك مشتريً إنَّما هو مفتعل هو مثل معتركٍ فالراء بمنزلة الراء والياء بمنزلة الكاف. ومثل ذلك: هذا مغزىً وملهى إنَّما هما مفعل وإنمَّا هما بمنزلة مخرجٍ فإنمّا هي واوٌ وقعت بعد مفتوح كما أن الجيم وقعت بعد مفتوح وهما لامان فأنت تستدلّ بذا على نقصانه. ومثل ذلك المفعول من سلقيته وذلك قولك: مسلقىً ومسلنقىً. والدليل على ذلك أنهَّ لو كان بدل هذه الياء التي في سلقيت حرفُ غير الياء لم تقع إلا بعد ومما تعلم أنهَّ منقوص كل شيء كان مصدراً لفعل يفعل وكان الاسم على افعل لأنَّ ذلك في غير بنات الياء والواو إنمَّا يجيء على مثال فعلٍ وذلك قولك للأحول: به حولٌ وللأعور: به عورٌ ولأدر به أدرٌ وللأشتر: به شترٌ وللأقرع: به قرعٌ وللأصلع: به صلعٌ. وهذا أكثر من أن أحصيه لك. فهذا يدلكَّ على أن الذي من بنات الياء والواو منقوص لأنهَّ فعلٌ وذلك قولك للأعشى: به عشيً وللأعمى: به عميً وللأقنى: به قنًي. فهذا يدلّك على أنه منقوص كما يدلكّ على أنَّ نظير كل شيء وقعت جيمه بعد فتحة من أخرجت منقوص من أعطيت لأنهَّا أفعلت ولكل شيء من أخرجت نظير من أعطيت. ومما تعلم أنه منقوص أن ترى الفعل فعل يفعل والاسم منه فعلٌ فإذا كان الشيء كذلك عرفت أنَّ مصدره منقوص لأنهَّ فعلٌ يدلّك على ذلك نظائره من غير المعتل وذلك قولك: فرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ وكسل يكسل كسلاً وهو كسلٌ ولحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ وأشر يأشر أشراً وهو أشرٌ وذلك أكثر من أن أذكره لك. فمصدر ذا من بنات الياء والواو على مثال فعلٍ وإذا كان فعلٌ فهو ياء أو واو وقعت بعد فتحة وذلك قولك: هوى يهوي هويً وهو هوٍ ورديت تردى ردىً وهو ردٍ وهو الرَّدى وصديت تصدي صدىً وهو صدٍ وهو ولوي يلوي لويً وهو لو وهو اللَّوي وكريت تكري كريً وهو النعُّاس وغوى الصبيُّ يغوي غوًى وهو غوٍ وهو الغوى. وإذا كان فعل يفعل والاسم فعلان فهو أيضاً منقوص. ألا ترى أنَّ نظائره من غير المعتل تكون فعلا. وذلك قولك للعطشان: عطش يعطش عطشاً وهو عطشان وغرث يغرث غرثاً وهو غرثان وظمىء يظمأ ظمأً وهو ظمآن. فكذلك مصدر نظير ذا من بنات والواو ولأنه فعل لما أن ذا فعل حيث كان فعلان له فعلى وكان فعل يفعل وذلك قولك: طوى يطوي طوىً وصدى يصدي صدًى وهو صديان. وقالوا: غرى يغري غرىً وهو غرٍ. والغراء شاذٌّ ممدود كما قالوا الظماء. وقالوا: رضي يرضي وهو راضٍ وهو الرِّضا ونظيره سخط يسخط سخطاً وهو ساخط وكسروا الراء كما قالوا: الشَّبه فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يجسر عليه إلاَّ بسماعٍ وسوف نبين ذلك إن شاء الله. وأما الغراء فشاذ. وقالوا: بدا له يبدو له بداً ونظيره حلب يحلب حلباً. وهذا يسمع ولا يجسر عليه ولكن يجاء بنظائره بعد السمع. ومن الكلام ما لا يدري أنَّه منقوص حتى تعلم أن العرب تكلَّم به فإذا تكلموا به منقوصاً علمت أنها ياء وقعت بعد فتحة أو واو لا تستطيع أن تقول ذا لكذا كما لا تستطيع أن تقول قالوا: قدم لكذا ولا قالوا: جمل لكذا فكذلك نحوهما. فمن ذلك قفاً ورحى ورجا البئر وأشباه ذلك لا يفرق بينها وبين سماء كما لا يفرق بين قدمٍ وقذالٍ إلا أنك إذا سمعت قلتك هذا فعل وهذا فعال. وأما الممدود فكلُّ شيء وقعت ياؤه أو واو بعد ألف. فأشياء يعلم أنَّها ممدودة وذلك نحو الاستسقاء لأن استسقيت استفعلت مثل استخرجت فإذا أردت المصدر علمت أنَّه لا بد من أن تقع ياؤه بعد ألف كما أنه لا بد للجيم من أن تجيء في المصدر بعد ألف فأنت تستدل على الممدود كما يستدل على المنقوص بنظيره من غير المعتل حيث علمت أنه لا بد لآخره من أن يقع بعد مفتوح كما أنَّه لا بدّ لآخر نظيره من أن يقع بعد مفتوح. ومثل ذلك الاشتراء لأنَّ اشتريت افتعلت بمنزلة احتقرت فلا بد من أن تقع الياء بعد ألف كما أن الرَّاء لا بدّ لها من أ تقع بعد ألف إذا أردت المصدر. وكذلك الإعطاء لأنَّ أعطيت أفعلت كما أنَّك إذا أردت المصدر من أخرجت لم يكن بدُّ للجيم من أن تجيْ بعد ألف إذا أردت المصدر فعلى هذا فقس هذا النحو. ومن ذلك أيضاً الاحبنطاء لا يقال إلا احبنطيت والاسلنقاء لأنك لو أوقعت مكان في مكان الياء حرفاً سوى الياء لأوقعته بعد ألف فكذلك جاءت الياء بعد ألف فإنما تجيء على مثال الاستفعال. ومما تعلم به أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول يكون للصوت نحو: العواء والدُّعاء والزُّقاء وكذلك نظيره من غير المعتل نحو: الصراخ والنُّباح والبغام. ومن ذلك أيضا البكاء وقال الخليل: الذين قصروه جعلوه كالحزن. ويكون العلاج كذلك نحو: النزاء. ونظيره من غير المعتل القماص وقلَّما يكون ما ضم أوله من المصدر منقوصاً لأن فعلاً لا تكاد تراه مصدراً من غير بنات الياء والواو. ومن الكلام ما لا يقال له: مدَّ لكذا كما أنك لا تقول: جراب وغراب لكذا وإنَّما تعرفه بالسَّمع فإذا سمعته علمت أنَّها ياء أو واو وقعت بعد ألف نحو: السَّماء والرِّشاء والألاء والمقلاء. ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون عل مثال أفعلةٍ فواحده ممدود أبداً نحو: أقبيةٍ واحدها قباء وأرشية واحدها رشاء. وقالوا: ندىً وأندية. فهذا شاذ. وكلّ جماعة واحدها قعلة أو فعلة فهي مقصورة نحو: عروةٍ وعرًى وفريةٍ وفرًى. هذا باب الهمز


اعلم أن الهمزة تكون فيها ثلاثة أشياء: التحقيق والتخفيف والبدل. فالتحقيق قولك: قرأت ورأس وسأل ولؤم وبئس وأشباه ذلك. وأمّا التخفيف فتصير الهمزة فيه بين بين وتبدل وتحذف وسأبيّن ذلك إن شاء الله. اعلم أن كلّ همزةٍ مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنَّك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة وتكون بزنتها محققَّةً غير أنَّك تضعف الصوت ولا تتمه وتخفي لأنّك تقربّها من هذه الألف. وذلك قولك: سأل في لغة أهل الحجاز إذا لم تحقَّق كما يحقِّق بنو تميم وقد قرأ قبل بين بين. وإذا كانت الهمزة منكسرة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء الساكنة كما كانت المفتوحة بين الهمزة والألف الساكنة. ألا ترى أنك لا تتم الصوت ههنا وتضعِّفه لأنَّك تقرِّبها من الساكن ولولا ذلك لم يدخل الحرف وهن وذلك قولك: يئس وسئم وإذ قال إبراهيم وكذلك أشباه هذا. وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو الساكنة. والمضمومة قصتها وقصّة الواو قصة المكسورة والياء فكلّ همزة تقرَّب من الحرف الذي حركتها منه فإنّما جعلت هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفاتٍ ولا ياءات ولا واواتٍ لأنَّ أصلها الهمز فكرهوا أن يخففّوا على غير ذلك فتحوَّل عن بابها فجعلوها بين بين ليعلموا أنَّ أصلها عندهم الهمز. وإذا كانت الهمزة مكسورة وقبلها كسرة أو ضمة فهذا أمرها أيضاً وذلك قولك: من عند إبلك ومرتع إبلك. وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها ضمّة أو كسرة فإنَّك تصيَّرها بين بين وذلك قولك: هذا درهم أختك ومن عند أمّك وهو قول العرب وقول الخليل. واعلم أنَّ كلّ همزة كانت مفتوحة وكان قبلها حرف مكسور فإنّك تبدل مكانها ياء التخفيف وذلك قولك في المئر: مير وفي يريد أن يقرئك يقريك. ومن ذلك: من غلام يبيك إذا أردت من غلام أبيك. وإن كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمّة وأردت أن تخفف أبدلت مكانها واواً كما أبدلت مكانها ياء حيث كان ما قبلها مكسورا وذلك قولك: في التؤدة تودة وفي الجؤن جون وتقول: غلام وبيك إذا إذا أردت غلام أبيك. وإنما منعك أن تجعل الهمزة ههنا بين بين من قبل أنها مفتوحة فلم تستطع أن تنحو بها نحو الألف وقبلها كسرة أو ضمّة كما أن الألف لا يكون ما قبلها مكسوراً ولا مضموماً فكذلك لم ولم يحذفوا الهمزة إذا كانت لا تحذف وما قبلها متحرِّك فلمَّا لم تحذف وما قبلها مفتوح لم تحذف وما قبلها مضموم أو مكسور لأنَّه متحرِّك يمنع الحذف كما منعه المفتوح. وإذا كانت الهمزة ساكنة وقبلها فتحة فأردت أن تخفِّف أبدلت مكانها ألفاً وذلك قولك في رأسٍ وبأسٍ وقرأت: راس وباس وقرات. وإن كان ما قبلها مضموما فأردت أن تخفِّف أبدلت مكانها واواً وذلك قولك في الجؤنة والبؤس والمؤمن الجونة والبوس والمومن. وإن كان ما قبلها مكسورا أبدلت مكانها ياء كما أبدلت مكانها واواً إذا كان ما قبلها مضموما وألفاً إذا كان ما قبلها مفتوحا وذلك الذِّئب والمئرة: ذيب وميرة فإنّما تبدل مكان كلِّ همزة ساكنةٍ الحرف الذي منه الحركة التي قبلها لأنَّه ليس شيء أقرب منه ولا أولى به منها. وإنّما يمنعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنَّها حروف ميتة وقد بلغت غايةً ليس بعدها تضعيف ولا يوصل إلى ذلك ولا تحذف لأنه لم يجيء أمر تحذف له السواكن فألزموه البدل كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمّة البدل: وقال الراجز: عجبت من ليلاك وانتيابها من حيث زراتني ولم أورا بها خفّف: ولم أورأبها لإأبدلوا هذه الحروف التي منها الحركات لأنها أخوات وهي أمَّهات البدل والزوائد وليس حرف يخلو منها أو من بعضها وبعضها حركاتها. وليس حرف أقرب إلى الهمزة من الألف وهي إحدى الثلاث والواو والياء شبيهة بها أيضاً مع شركتهما أقرب الحروف منها. وسترى ذلك إن شاء الله. واعلم أنَّ كل همزة متحرّكة كان قبلها حرف ساكن فأردت أن تخفّف حذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها. وذلك قولك: من بوك ومن مُّك وكم بلك إذا أردت أن تخفِّف الهمزة في الأب والأم والإبل. ومثل ذلك قولك ألحمر إذا أردت أن تخفف ألف الأحمر. ومثله قولك في المرأة: المرة والكمأة: الكمة. وقد قالوا: الكماة والمراة ومثله قليل. وقد قال الذين يخفِّفون: " ألا يسجدوا لله الَّذي يخرج الخب في السَّموات حدثنا بذلك عيسى وإنَّما حذفت الهمزة ههنا لأنك لن ترد أن تتمّ وأردت إخفاء الصوت فلم يكن ليلتقي ساكن وحرف هذه قصته كما لم يكن ليلتقي ساكنان. ألا ترى أنَّ الهمزة إذا كانت مبتدأةً محقَّقة في كل لغة فلا تبتدىء بحرف قد أوهنته لأنَّه بمنزلة الساكن كما لا تبتدىء بساكن. وذلك قولك: أمر. فكما لم يجز أن تبتدأ فكذلك لم يجز أن تكون بعد ساكن ولم يبدلوا لأنَّهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الياء والواو اللّتين هما لامان. فإنَّما تحتمل الهمزة أن تكون بين بين في موضع لو كان مكانها ساكنٌ جاز ألاَّ الألف وحدها فإنه يجوز ذلك بعدها فجاز ذلك فيها. ولا تبالي إن كانت الهمزة في موضع الفاء أو العين أو اللام فهو بهذه المنزلة إلاّ في موضع لو كان فيه ساكنٌ جاز. وممّا حذف في التخفيف لأنّ ما قبله ساكن قوله: أرى وترى ويرى ونرى غير أنَّ كل شيء كان في أوله زائدةٌ سوى ألف الوصل من رأيت فقد اجتمعت العرب على تفيفه لكثرة استعمالهم إيّاه جعلوا الهمزة تعاقب. وحدثني أبو الخطاَّب أنه سمع من يقول: قد أرآهم يجيء بالفعل من رأيت على الأصل من العرب الموثوقون بهم. وإذا اردت أن تخفِّف همزة ارأوه تلقى حركة الهمزة على الساكن وتلقى ألف الوصل لأنَّك استغنيت حين حرّكت الذي بعدها لأنَّك إنما الحقت ألف الوصل للسكون. ويدّلك على ذلك: رذاك وسل خفّفوا ارأ واسأل. وإذا كانت الهمزة المتحرّكة بعد ألف لم تحذف لأنَّك لو حذقتها ثم فعلت بالألف ما فعلت بالسواكن التي ذكرت لك لتحولت حرفاً غيرها فكرهوا أن يبدلوا مكان الألف حرفاً ويغيّروها لأنَّه ليس من كلامهم أن يغيّروا السَّواكن فيبدلوا مكانها إذا كان بعدها همزة فخفّفوا ولو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حدِّ كلامهم لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الياء والواو ثانيةً فصاعداً وقبلها فتحة إلاَّ أن تكون الياء أصلها السكون. وسنبين ذلك في بابه إن شاء الله. والألف تحتمل أن يكون الحرف المهموز بعدها بين بين لأنَّها مدٌّ كما تحتمل أن يكون بعدها ساكن وذلك قولك في هباءة: هباأة وفي مسائل مسايل وفي جزاء أمِّه: جزاؤ امِّه. وإذ 1 كانت الهمزة المتحركة بعد واو أو ياء زائدةٍ ساكنة لم تلحق لتلحق بناء ببناء وكانت مدَّةً في الاسم والحركة التي قبلها منها بمنزلة الألف أبدل مكانها واو إن كانت بعد واو وياء إن كانت بعد ياء ولا تحذف فتحرِّك هذه الواو والياء فتصير بمنزلة ما هو من نفس الحرف أو بمنزلة الزوائد التي مثل ما هو من نفس الحرف من الياءات والواوات. وكرهوا أن يجعلوا الهمزة بين بين بعد هذه الياءات والواوات إذ كانت الياء والواو الساكنة قد تحذف بعدها الهمزة المتحركة وتحرّك فلم يكن بدٌّ من الحذف أو البدل وكرهوا الحذف لئلاَّ تصير هذه الواوات والياءات بمنزلة ما ذكرنا وذلك قولك في خطيئةٍ خطيَّة وفي النَّسىء النَّسيٌّ يا فتى وفي مقروء ومقروءةٍ: هذا مقروٌّ وهذه مقروّة وفي أفيئس وهو تحقير أفؤسٍ أفيس وفي بريئةٍ بريَّة وفي سويئلٍ وهو تحقير سائلٍ سويِّل فياء التحقير بمنزلة ياء خطيّةٍ وواو الهدوِّ في أنَّها لم تجيء لتلحق بناء ببناء ولا تحرَّك أبداً بمنزلة الألف. وتقول في أبي إسحاق وأبو إسحاق: أبيسحاق وأبو سحاق. وفي أبي أيُّوب وذو أمرهم: ذومرهم وأبي يُّوب وفي قاضي أبيك: قاضي بيك وفي يغزو أمَّه: يغزومَّه لأنَّ هذه من نفس الحرف. وتقول في حوأبةٍ: حوبة لأنّ هذه الواو ألحقت بنات الثلاثة ببنان الأربعة وإنما كواو جدولٍ. ألا تراها لا تغيّر إذا كسّرت للجمع تقول: حوائب فإنَّما هي بمنزلة عين جعفرٍ. وكذلك سمعنا العرب الذي يخففون يقولون: اتَّبعومره لأنّ هذه الواو ليست بمدَّة زائدة في حرف الهمزة منه فصارت بمنزلة واو يدعو. وتقول: اتبَّعي مره صارت كياء يرمي حيث انفصلت ولم تكن مدَّةً في كلمة واحدةٍ مع الهمزة لأنَّها إذا كانت متَّصلة ولم تكن من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو نفس الحرف أو تجيء لمعنىً فإنّما تجيء لمدَّةً لا لمعنى. وواو اضربوا واتبعوا هي لمعنى الأسماء وليس بمنزلة الياء في خطيئةٍ تكون في الكلمة لغير معنىً. ولا تجيء الياء مع المنفصلة لتلحق بناءً ببناء فيفصل بينها وبين ما لا يكون ملحقاً بناء ببناء. فأمَّا الألف فلا تغيَّر على كلِّ حال لأنها إن حرِّكت صارت غير ألف. والواو والياء تحرّكان ولا تغيَّران. واعلم أنَّ الهمزة إنَّما فعل بها هذا من لم يخففها لأنَّه بعد مخرجها ولأنها نبرة في الصدَّر تخرج بالجتهادٍ وهي أبعد الحروف مخرجاً فثقل عليهم ذلك لأنَّه كالتهُّوع. واعلم أنَّ الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدةً منهما من كلمة فإنَّ أهل التحقيق يخفَّفون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة. فليس كم كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة وهو قول ابي عمر. وذلك قولك: فقد جا أشراطها ويا زكريَّا إنا نبشرك. ومنهم من يحقِّق الأولى ويخفّف الآخرة سمعنا ذلك من العرب وهو قولك: فقد جاء أشراطها ويا زكريَّا إنَّا. وقال: كلَّ غرَّاء إذا ما برزت ترهب العين عليها والحسد سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له: لمه فقال: إنيَّ رأيتهم حين أرادوا أن يبدلوا إحدى الهمزتين اللَّتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة وذلك: جاىءٍ وآدم. ورأيت أبا عمرو أخذ بهنَّ في قوله عزَّ وجلَّ: " يا ويلتا أللد وأنا عجوز " وحقق الأولى. وكلٌّ عربيّ. وقياس من خفّف الأولى أن يقول: يا ويلتا األد. والمخفّفة فيما ذكرنا بمنزلتها محقّقة في الزِّنة يدُّلك على ذلك قول الأعشى: أأن رأت رجلاً أعشى أضرَّبه ريب المنون ودهر متبل خبل وأمَّا أهل الحجاز فيخفّفون الهمزتين لأنّه لو لم تكن إلاّ واحدة لخفِّفت. وتقول: اقرا آيةً في قول من خفف الأولى لأنّ الهمزة الساكنة أبداً إذا خففت أبدل مكانها الحرف الذي منه حركة ما قبلها. ومن حقَّق الأولى قال: اقرآية لأنّك خففّت همزةً متحرّكة قبلها حرف ساكن فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها. وأمّا أهل الحجاز فيقولون: اقرأ آيةً لأن أهل الحجاز يخفّفونهما جميعاً يجعلون همزة اقرأ ألفاً ساكنة ويخفّفون همزة آية. ألا ترى أن لو لم تكن إلا همزة واحدة خفَّفوها فكأنه قال: اقرا ثمَّ جاء بآية ونحوهما. وتقول: أقري باك السَّلام بلغة أهل الحجاز لأنهم يخففَّونهما. فإنما قلت أقري ثمَّ جئت بالأب فحذفت الهمزة وألقيت الحركة على الياء. وتقول فيهما إذا خففت الأولى في فعل أبوك من قرأت: قرا أبوك وإن خففت الثانية قلت: قرأ ابوك محققةٌ. والمخففة بونتها محققةً ولولا ذلك لكان هذا البيت منكسراً إن خففت الأولى أو الآخرة: كلُّ غرّاء إذا ما برزت ومن العرب ناس يدخلون بين الف الاستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا وذلك أنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا كما قالوا: اخشينان ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة. قال فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ وبين النَّقا آأنت أم أمُّ سالم فهؤلاء أهل التحقيق. وأمَّا أهل الحجاز فمنهم من يقول: آأنّك وآأنت وهي التي يختار أبو عمرو وذلك لأنهم يخففون الهمزة والذي كما يخفف بنو تميم في اجتماع الهمزتين فكرهوا التقاء الهمزة والذي هو بين بين فأدخلوا الألف كما أدخلته بنو تميم في التحقيق. ومنهم من يقول: إن بني تميم الذين يدخلون بين الهمزة وألف الاستفهام ألفاً وأمَّا الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعاً ولا يدخلون بينهما ألفاً. وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بدٌّ وخفَّفوا الثانية على لغتهم. واعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بدٌّ من بدل الآخرة ولا تخفف لأنهما إذا كانتا في حرف واحد لزم التقاء الهمزتين الحرف. وإذا كانت الهمزتان في كلمتين فإنّ كلّ واحدة منهما قد تجرى في الكلام ولا تلزق بهمزتها همزة فلما كانتا لا تفارقان الكلمة كانتا أثقل فأبدلوا من إحداهما ولم يجعلوها في الاسم الواحد والكلمة الواحدة بمنزلتهما في كلمتين. فمن ذلك قولك في فاعلٍ من جئت جاىءٍ أبدلت مكانها الياء لأنّ ما قبلها مكسور فأبدلت مكانها الحرف الذي منه الحركة التي قبلها كما فعلت ذلك بالهمزة الساكنة حين خففّت. ومن ذلك أيضاً: آدم أبدلوا مكانها الألف لأن ما قبلها مفتوح وكذلك لو كانت متحركة لصيّرتها ألفاً كما صيرت همزة جاىءٍ ياءً وهي متحركة للكسرة التي قبلها. وسألت الخليل عن فعللٍ من جئت فقال: جيأي وتقديرها جميعاً كما ترى. وإذا جمعت آدم قلت: أوادم كما إذا حقرت قلت: أويدم لأنّ هذه الألف لمّا كانت ثانية ساكنة وكانت زائدة لأنّ البدل لا يكون من انفس الحروف فأرادوا أن يكسِّروا هذا الاسم الذي ثبتت فيه هذه الألف - صيّروا ألفه بمنزلة ألف خالد. وأمَّا خطايا فكأنَّهم قلبوا ياء أبدلت من آخر خطايا ألفاً لأنَّ ما قبل آخرها مكسور كما أبدلوا ياء مطاياً ونحوها ألفاً وأبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخر ياءً وفتحت للألف كما فتحوا راء مداري فرقوا بينها وبين الهمزة التي تكون من نفس الحرف أو بدلاً مما هو من نفس الحرف نحو فعالٍ من برئت إذا قلت: رأيت براءً وما يكون بدلاً من نفس الحرف قضاء إذا قلت: رأيت قضاءً وهو فعال من قضيت فلمَّا أبدلوا من الحرف الآخر ألفاً استثقلوا همزةً بين ألفين لقرب الألفين من الهمزة. ألا ترى أنَّ أناساً يحقِّقون الهمزة فإذا صارت بين ألفين خفِّفوا وذلك قولك: كساءان ورأيت كساءً وأصبت هناءً فيخفّفون كما يخفّفون إذا التقت الهمزتان لأنّ الألف أقرب الحروف إلى الهمزة. ولا يبدلون لأن الاسم قد يجري في الكلام ولا تلزق الألف الآخرة بهمزتها فصارت كالهمزة التي تكون في الكلمة على حدة فلمَّا كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخرة ياءً ولم يجعلوها بين بين لأنَّها والألفين في كلمة واحدة ففعلوا هذا إذ كان من كلامهم ليفرقوا بين ما فيه همزتان إحداهما بدل من الزائدة لأنها أضعف - يعني همزة خطايا - وبين ما فيه همزتان إحداهما بدل من مما هو من نفس الحرف. إنما تقع إذا ضاعفت وسترى ذلك في باب الفعل إن شاء الله. واعلم أن الهمزة التي يحقِّق أمثالها أهل التحقيق من بني تمبم وأهل الحجاز وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً والواو إذا كان ما قبلها مضموما. وليس ذا بقياس متلئبٍّ نحو ما ذكرنا. وإنَّما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشيء الذي تبدل التَّاء من واوه نحو أتلجت فلا يجعل قياساً في كلّ شيءٍ من هذا الباب وإنَّما هي بدل من واو أولجت. فمن ذلك قولهم: منساة وإنَّما اصلها منسأة. وقد بجوز في ذا كلّه البدل حتَّى يكون قياساً متلئباً إذا اضطر الشاعر: قال الفرزدق: راحت بمسلمة البغال عشيَّةً فارعي فزارة لا هناك المرتع وقال حسان: سألت هذيل رسول الله فاحشةً ضلَّت هذيل بما جاءت ولم تصب وقال القرشيّ زيد بن عمرو بن نفيل: سالتا الطَّلاق أن رأتاني قلَّ مالي قد جئتماني بنكر. فهؤلاء ليس من لغتهم سلت ولا يسال. وبلغنا أن سلت تسال لغة. وقال عبد الرحمن بن حسّان: وكنت أذلَّ من وتدٍ بقاعٍ يشجّج رأسه بالفهر واجي يريد: الواجىء وقالوا: نبيٌّ وبريّةٌ فألزموا أهل التحقيق البدل. وليس كلُّ شيء نحوهما يفعل به ذا إنّما يؤخذ بالسمع. وقد بلغنا أنَّ قوماً من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحقّقون نبيْ وبريئة وذلك قليل رديء. فالبدل ههنا كالبدل في منساةٍ وليس بدل التخفيف وإن كان اللفظ واحداً. واعلم أنَّ العرب منها من يقول في أو أنت: أو أنت يبدل. ويقول: أنا أرميّ باك وأبوَّ يُّوب يريد أبا أيُّوب وغلاميَّ بيك. وكذلك المنفصلة كلُّها إذا كانت الهمزة مفتوحة. وإن كانت في كلمة واحدة نحو سوأةٍ وموألةٍ حذفوا فقالوا: سوة ومولة. وقالوا في حوأبٍ: حوب لأنَّه بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وقد قال بعض هؤلاء: سوَّة وضوٌّ شبّهوه بأوّنت. فإن خفّفت أحلبني إبلك في قولهم وأبو أمِّك لم تثقل الواو كراهيةً لاجتماع الواوات والياءات والكسرات. تقول: أحلبني بلك وأبومِّك. وكذلك أرمي مَّك وادعو بلكم. يخفِّفون هذا حيث كان الكسر والياءات مع الضمّ والواوات مع الكسر. والفتح أخفُّ عليهم في الياءات والواوات. فمن ثمّ فعلوا ذلك. ومن قال: سوة قال: مسوٌّ وسيَّ. وهؤلاء يقولون: أنا ذونسه حذفوا الهمزة ولم يجعلوها همزةً تحذف وهي مما تثبت. وبعض هؤلاء يقولون: يريد أن يجييك ويسوك وهو يجيك ويسوك يحذف الهمزة. ويكره الضمُّ مع الواو والياء وعلى هذا تقول: هو يرم خوانه تحذف الهمزة ولا تطرح الكسرة على الياء لما ذكرت لك ولكن تحذف الياء لالتقاء الساكنين. باب الأسماء التي توقع على عدّة المؤنَّث والمذكَّر


لتبيِّن ما العدد إذا جاوز الاثنين والثِّنتين إلى أن تبلغ تسعة عشر وتسع عشرة اعلم أنَّ ما جاوز الاثنين إلى العشرة مما واحده مذكر فإنّ الأسماء التي تبين بها عدّته مؤنَّثة فيها الهاء التي هي علامة التأنيث. وذلك قولك: له ثلاثة بنين وأربعة أجمالٍ وخمسة أفراسٍ إذا كان الواحد مذكَّراً وستَّة أحمرة. وكذلك جميع هذا تثبت فيه الهاء حتى تبلغ العشرة. وإن كان الواحد مؤنثاً فإنَّك تخرج هذه الهاءات من هذه الأسماء وتكون مؤنَّثة ليست فيها علامة التأنيث. وذلك قولك: ثلاث بناتٍ وأربع نسوةٍ وخمس أينقٍ وستُّ لبنٍ وسبع تمراتٍ وثماني بغلاتٍ. وكذلك جميع هذا حتَّى تبلغ العشر. فإذا جاوز المذكَّر العشرة فزاد عليها واحداً قلت: أحد عشر كأنَّك قلت: أحد جمل. وليست في عشر ألف وهما حرفان جعلا اسماً واحداً ضمّوا أحد إلى عشر ولم يغيَّروا أحد عن بنائه الذي كان عليه مفرداً حين قلت: له أحد وعشرون عاماً وجاء الآخر على غير بنائه حين كان منفرداً والعدد لم يجاوز عشرة. وإن جاوز المؤنَّث العشر فزاد واحداً قلت: إحدى عشرة بلغة بني تميم كأنما قلت: إحدى نبقة. وبلغة أهل الحجاز: إحدى عشرة كأنما قلت: إحدى تمرة. وهما حرفان جعلا اسماً واحداً ضمُّوا إحدى إلى عشرة ولم يغيّروا إحدى عن حالها منفردةً حين قلت: له إحدى وعشرون سنةً. فإن زاد المذكَّر واحداً على أحد عشر قلت: له اثنا عشر وإنَّ له اثنى عشر لم تغيّر الاثنين عن حالهما إذا ثنيت الواحد غير أنّك حذفت النون لأنَّ عشر بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون في الاثنين حرف إعراب وليس كخمسة عشر. وقد بيَّنا ذلك فيما ينصرف ولا ينصرف. وإذا زاد المؤَّنث واحدا على إحدى عشرة قلت: له ثنتا عشرة واثنتا عشرة وإن له ثنتي عشرة واثنتي عشرة. وبلغة أهل الحجاز: عشرة. ولم تغيّر الثّنتين عن حالهما حين ثنَّيت الواحدة إلاّ أنَّ النون ذهبت هنا كما ذهبت في الاثنين لأنّ قصَّة المذكّر والمؤنَّث سواء. وبني الحرف الذي بعد إحدى وثنتين على غير بنائه والعدد لم يجاوز العشر كما فعل ذلك بالمذكّر. وقد يكون اللفظ له بناء في حالٍ فإذا انتقل عن تلك الحال تغيَّر بناؤه. فمن ذلك تغييرهم الاسم في الإضافة قالوا في الأفق أفقيٌّ وفي زبينة زبانيٌّ. ونحو هذا كثير في الإضافة وقد بينَّاه في بابه. وإذا زاد العدد واحداً على اثنى عشر فإن الحرف الأول لا يتغير بناؤه عن حاله وبنائه حيث لم تجاوز العدَّة ثلاثةً والآخر بمنزلته حيث كان بعد أحدٍ واثنين. وذلك قولك: له ثلاثة عشر عبداً وكذلك ما بين هذا العدد إلى تسعة عشر. وإذا زاد العدد واحدا فوق ثنتي عشرة فالحرف الأول بمنزلته حيث لم تجاوز العدَّة ثلاثاً والآخر حيث كان بعد إحدى وثنتين وذلك قولك: ثلاث عشرة جارية وعشرة بلغة أهل الحجاز. وكذلك ما بين هذه العدَّة إلى تسع عشرة. ففرقوا ما بين التأنيث والتذكير في جميع ما ذكرنا من هذا الباب. باب ذكرك الاسم الذي به تبين العدة كم هي


مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ فبناء الاثنين وما بعده إلى العشرة فاعل وهو مضاف إلى الاسم الذي به يبيَّن العدد. وذلك قولك: ثاني اثنين. قال الله عزَّ وجلّ: " ثاني اثنين إذ هما في الغار " و " ثالث ثلاثةٍ " وكذلك ما بعد هذا إلى العشرة. وتقول في المؤنث ما تقول في المذكر إلاَّ أنّك تجيء بعلامة التأنيث في فاعلة وفي ثنتين واثنتين وتترك الهاء في ثلاثٍ وما فوقها إلى العشر. وتقول: هذا خامس أربعةٍ وذلك أنَّك تريد أن تقول: هذا الذي خمس الأربعة كما تقول: خمستهم وريعتهم. وتقول في المؤنَّث: خامسة أربعٍ وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة. إنَّما تريد هذا الذي صيَّر أربعةً خمسةً. وقلما تريد العرب هذا وهو قياس. ألا ترى أنك لا تسمع أحداً يقول: ثنيت الواحد ولا ثاني واحدٍ. وإذا أردت أن تقول في أحد عشر كما قلت خامس قلت: حادي عشر وتقول: ثاني عشر وثالث عشر. وكذلك هذا إلى أن تبلغ تسعة عشر. ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأوّل والآخر وجعلا بمنزلة اسم واحد كما فعل ذلك بخمسة عشر. وعشر في هذا أجمع بمنزلته في خمسة عشر. وتقول في المؤنث كما تقول في المذكر إلا أنَّك تدخل في فاعلة علامة التأنيث وتكون عشرة بعدها بمنزلتها في خمس عشرة. وذلك قولك حادية عشرة وثانية عشرة وثالثة عشرة وكذلك جميع هذا إلى أن تبلغ تسع عشرة. ومن قال: خامس خمسةٍ قال: خامس خمسة عشر وحادي أحد عشر. وكان القياس أن تقول: حادي عشر وخامس عشر لأن حادي عشر وخامس عشر بمنزله خامسٍ وسادسٍ ولكنه يعني حادي ضمّ إلى عشر بمنزلة حضرموت. قال: تقول حادي عشر فتبينه وما أشبهه فإن قلت: حادي أحد عشر فحادي وما أشبهه يرفع ويجرُّ ولا يبني لأنَّ أحد عشر وما أشبهه مبنيّ فإن بنيت حادي وما أشبهه معها صارت ثلاثة أشياء اسماً واحداً. وقال بعضهم: تقول ثالث عشر ثلاثة عشر ونحوه. وهو القياس ولكنّه حذف استخفافاً لأنَّ ما ابقوا دليل على ما ألقوا فهو بمنزلة خامس خمسة في أنَّ لفظ أحد عشلا كما أن في خامس لفظٍ خمسةٍ لمّا كان من كلمتين ضمّ أحدهما إلى الآخر وأجرى مجرى المضاف في مواضع صار بمنزلة قولهم حادي عشر بمنزلة خامس خمسةٍ ونحوه. وإنما حادي عشر بمنزلة خامسٍ. وليس قولهم ثالث ثلاثة عشر في الكثرة كثالث ثلاثة لأنّهم قد يكتفون بثالث عشر. وتقول: هذا حادي أحد عشر إذا كنّ عشر نسوة معهن رجل لأنَّ المذكّر يغلب المؤنّث. ومثل ذلك قولك: خامس خمسةٍ إذا كن أربع نسوةٍ فيهن رجل كأنك قلت: هو تمام خمسةٍ. وتقول: هو خامس اربعٍ إذا أردت أنه صيّر أربع نسوةٍ خمسةً. ولا تكاد العرب تكلَّم به كما ذكرت لك. وعلى هذا تقول: رابع ثلاثة عشر كما قلت: خامس أربعة عشر. وأمَّا بضعة عشر فبمنزلة تسعة عشر في كلّ شيء وبضع عشرة كتسع عشرة في كل شيء. وأصله التأنيث فإذا جئت بالأسماء التي تبيَّن بها العدّة أجريت الباب على التأنيث في التثليث إلى تسع عشرة. وذلك قولك: له ثلاث شياه ذكور وله ثلاث من الشّاء فأجريت ذلك على الأصل لأنّ الشاء أصله التأنيث وإن وقعت على المذكر كما أنك تقول: هذه غنم ذكور فالغنم مؤنّثة وقد تقع على المذكّر. وقال الخليل: قولك: هذا شاة بمنزلة قوله تعالى: " هذا رحمة من ربِّي ". وتقول: له خمسة من الإبل ذكور وخمس من الغنم ذكور من قبل أن الإبل والغنم اسمان مؤنّثان كما أنّ ما فيه الهاء مؤنّث الأصل وإن تثليثهما وقع على المذكّر فلمّا كان الإبل والغنم كذلك جاء تثلثيهما على التأنيث لأنَّك إنَّما أردت التثليث من اسم مؤنث بمنزلة قدمٍ ولم يكسَّر عليه مذكر للجميع فالتثليث منه كتثليث ما فيه الهاء كأنَّك قلت: هذه ثلاث غنم. فهذا يوضح لك وإن كان لا يتكلَّم به كما تقول: ثلثمائة فتدع الهاء لأن المائة أنثى. وتقول: له ثلاث من البطِّ لأنّك تصيّره إلى بطّةٍ. وتقول: له ثلاثة ذكور من الإبل لأنَّك لم تجيء بشيء من التأنيث وإنّما ثلّثت المذكَّر ثم جئت بالتفسير. فمن الإبل لا تذهب الهاء كما أنَّ وتقول: ثلاثة أشخص وإن عنيت نساءً لأنَّ الشخص اسم مذكّر. ومثل ذلك ثلاث أعينٍ وإن كانوا رجالاً لأنَّ العين مؤنَّثة. وقالوا: ثلاثة أنفسٍ لأنَ النفس عندهم إنسان. ألا ترى أنهم يقولون: نفس واحد فلا يدخلون الهاء. وتقول: ثلاثة نسَّابات وهو قبيح وذلك أن النَّسَّابة صفة فكأنه لفظ بمذكّر ثم وصفه ولم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم فإنَّما تجيء كأنك لفظت بالمذكَّر ثم وصفته كأنَّك قلت: ثلاثة رجالٍ نسٍّاباتٍ. وتقول: ثلاثة دوابّ إذا أردت المذكر لأنَّ أصل الدابّة عندهم صفة وإنما هي من دببت فأجروها على الأصل وإن كان لا يتكلم بها إلاَّ كما يتكلم بالأسماء كما أنَّ أبطح صفة واستعمل استعمال الأسماء. وتقول: ثلاث أفراسٍ إذا أردت المذكّر لأنَّ الفرس قد ألزموه التأنيث وصار في كلامهم للمؤنّث أكثر منه للمذكّر حتَّى صار بمنزلة القدم كما أنَّ النَّفس في المذكّر أكثر. وتقول: سار خمس عشرة من بين يومٍ وليلةٍ لأنّك ألقيت الاسم على اللّيالي ثم بينت فقلت: من بين يومٍ وليلةٍ. ألا ترى أنك تقول: لخمسٍ بقين أو خلون ويعلم المخاطب أنَّ الأيام قد دخلت في الليالي فإذا ألقى الاسم على الليالي اكتفى بذلك عن ذكر الأيام كما أنّه يقول: أتيته ضحوة وبكرة فيعلم المخاطب أنَّها ضحوة يومك وبكرة يومك. وأشباه هذا في الكلام كثير فإنَّما قوله من بين يومٍ وليلةٍ توكيد بعد ما وقع على الليالي لأنه قد علم أنَّ الأيام داخلة مع الليالي. وقال الشاعر وهو النابغة الجعديّ: فطافت ثلاثاً بين يوم وليلةٍ ** يكون النَّكير أن تضيف وتجأرا وتقول أعطاه خمسة عشر من بين عبدٍ وجاريةٍ لا يكون في هذا إلاّ هذا لأنَّ المتكلم لا يجوز له أن يقول: خمسة عشر عبداً فيعلم أنَّ ثمَّ من الجواري بعدّتهم ولا خمس عشرة فيعلم أن ثم من العبيد بعدتهن فلا يكون هذا إلا مختلطاً يقع عليهم الاسم الذي بيِّن به العدد. وقد يجوز في القياس: خمسة عشر من بين يومٍ وليلةٍ. وليس بحدّ كلام العرب. وتقول: ثلاث ذودٍ لأنَّ الذَّود أنثى وليست باسم كسّر عليه مذكّر. وأما ثلاثة أشياء فقالوها: لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعالٍ لو كسّروا عليها فعل وصار بدلاً من أفعالٍ. ومثل ذلك قولهم: ثلاثة رجلةٍ لأنَّ رجلة صار بدلاً من أرجال. وزعم الخليل أن اشياء مقلوبة كقسيٍّ فكذلك فعل بهذا الذي هو في لفظ الواحد ولم يكسَّر عليه الواحد. وزعم يونس عن رؤية أنه قال: ثلاث أنفسٍ على تأنيث النَّفس كما يقال: ثلاث أعين للعين من وإنَّ كلاباً هذه عشر أبطنٍ وأنت بريء من قبائلها العشر وقال القتَّال الكلابي: قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسَّبع خير من ثلاثٍ وأكثر فأنَّث أبطنا إذ كان معناها القبائل. وقال الآخر وهو الحطيئة: ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذودٍ لقد جار الزمان على عيالي وقال عمر بن أبي ربيعة: فكان نصيري دون من كنت أتقَّى ثلاث شخوص كاعبان ومعصر فأنث الشَّخص إذ كان في معنى أنثى. باب ما لا يحسن أن تضعف إليه الأسماء التي تبين بها العدد إذا جاوزت الاثنين إلى العشرة وذلك الوصف تقول: هؤلاء ثلاثة قرشيون وثلاثة مسلمون وثلاثة صالحون. فهذا وجه الكلام كراهية أن تجعل الصفة كالاسم إلاّ أن يضطر شاعر. وهذا يدلّك على أنَّ النسَّابات إذا قلت: ثلاثة نسَّابات إنّما يجيء كأنه وصف المذكَّر لأنَّه ليس موضعاً تحسن فيه الصفة كما يحسن الاسم فلمّا لم يقع إلاّ وصفاً صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكَّرين ثم وصفهم بها. وقال الله جلّ ثناؤه: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ". باب تكسير الواحد للجمع


أما ما كان من الأسماء على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فإنَّك إذا ثلّثته إلى أن تعشّره فإن تكسيره أفعل وذلك قولك: كلب وأكلب وكعب وأكعب وفرخ وأفرخ ونسر وأنسر. فإذا جاوز العدد هذا فانَّ البناء قد يجيء على فعال وعلى فعول وذلك قولك: كلاب وكباش وبغال وأما الفعول فنسور وبطون. وربما كانت فيه اللغتان فقالوا فعول فعال وذلك قولهم: فروخ وفراخ وكعوب وكعاب وفحول وفحال. وربما جاء فعيلاً وهو قليل نحو: الكليب والعبيد والمضاعف يجري هذا المجرى وذلك قولك: ضب وأضب وضباب كما قلت: كلب وأكلب وكلاب وصك وأصك وصكاك وصكوك كما قالوا: فرخ وأفرخ وفروخ وبتٌّ وأبت وبتوت وبتات. والياء والواو بتلك المنزلة تقول: ظبي وظبيان وأظب وظباء كما قالوا: كلب وكلبان وأكلب وكلاب ودلو ودلوان وأدل ودلاء وثدي وثديان وأثد وثديٌّ كما قالوا: أصقر وصقور. ونظير فراخ وفروخ قولهم: الدِّلاء والدُّلُّى. وأعلم أنه قد يجئ في فعل أفعال مكان أفعل قال الشاعر الأعشى: وليس ذلك بالباب في كلام العرب. ومن ذلك قولهم: أفراخ وأجداد وأفراد وأجدٌّ عربيّة وهي الأصل. ورأد وأرآد والرأد: أصل اللحيين. وربّما كسّر الفعل على فعلة كما كسّر على فعال وفعول وليس ذلك بالأصل. وذلك قولهم: جبءٌ وهو الكمأة الحمراء وجبأة وفقع وفقعة وقعب وقعبة. وقد يكسّر على فعولة وفعالة فيلحقون هاء التأنيث البناء وهو القياس أن يكسّر عليه. وزعم الخليل أنَّهم إنما أرادوا أن يحقّقوا التأنيث. و ذلك نحو الفحالة والبعولة والعمومة. والقياس في فعل ما ذكرنا وأمّا ما سوى ذلك فلا يعلم إلا بالسمع ثم تطلب النظائر كما أنًّك تطلب نظائر الأفعال هاهنا فتجعل نظير الأزناد قول الشاعر وهو الأعشى: إذا روَّح الرّاعي الَّلقاح معزِّباً وأمست على آنافها عبراتها. وقد يجيء خمسة كلاب يرادبه خمسة من الكلاب كما تقول: هذا صوت كلابِِ أي هذا من هذا الجنس. وكما تقول: هذا حبُّ رمَّان. وقال الراجز: كأنّ حصييه من التدلدل ظرف عجوزِِ فيه ثنتا حنظل وقال الآخر: قد جعلت ميٌّ على الظِّرار خمس بنانِِ قانىء الأظفار وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانك إذا كسّرته لأدنى العدد بنيته على أفعال. وذلك قولك: جملٌ واجمال وجبل وأجبال وأسد وآساد. فإذا جاوزوا به أدنى العدد فإنه يجيء على فعال وفعول فأما الفعال فنحو جمال وأما الفعول فنحو أسود وذكور والفعال في هذا أكثر. وقد يجيء إذا جاوزوا به أدنى العدد على فُعلان وفِعلانِ ِفأما فعلانٌ فنحو: خربانِِ وبرقانِِ وورلانِِ. وأمّا فعلان فنحو: حملانِِ وسلقانِِ. فإذا تجاوز أدنى العدد قلت: أبراقٌ وأحمالٌ وأورالٌ وأخرابٌ وسلقٌ وأسلاقٌ. وربّما جاء الأفعال يستغنى به أن يكسّر الاسم على البناء الذي هو لأكثر العدد فيعنى به ما عني بذلك البناء من العدد. وذلك نحو: قتب وأقتابِِ ورسنِِ وأرسانِِ. ونظير ذلك من باب الفعل الأكفُّ والأرآد. وقد يجيء الفعل فعلاناً وذلك قولك: ثغبٌ وثغبانٌ. والثَّغب: الغدير. وبطنٌ وبطنانٌ وظهرٌ وظهرانٌ. وقد يجيء على فعلان وهو أقلُّهما نحو: حجلِِ وحجلانِِ ورألِِ ورئلانِِ وجحشِِ وجحشانِِ وعبدِِ وعبدانِِ. وقد يلحقون الفعال الهاء كما ألحقوا الفعال التي في الفعل. وذلك قولهم في جملِِ: جمالةٌ وقد كُسّر على فُعل وذلك قليل كما أنَّ فعلةً في باب فعلِِ قليل وذلك نحو: أسدِِ وأُسدِِ ووثنِِ بلغنا أنها قراءة. وبلغني أن بعض العرب يقول: نصفٌ ونُصفٌ. وربما كُسّروا فعلاَ على أفعل كما كسّروا فعلاً على أفعال وذلك قولك: زمنٌ وأزمنٌ. وبلغنا أنَّ بعضهم يقول: جبلٌ وأجبلٌ. وقال الشاعر وهو ذو الرّمة: أمنزلتي ميِّ سلامٌ عليكما ** هل الأزمن الَّلائي مضين رواجع وبنات الياء والواو تُجرى هذا المجرى قالوا: قفاً وأقفاء وقُفيٌّ وعصى وعصيٌّ وصفا وأصفاءٌ وصفيٌّ كما قالوا: آسادٌ وأسودٌ وأشعارٌ وشعورٌ. وقالوا: رحىً وأرحاءٌ فلم يكسّروها على غير ذلك كما لم يكسّروا الأرسان والأقدام على غير ذلك ولو فعلو كان قياساً ولكني لم أسمعه. وقالوا: عصىً وأعصِِ كما قالوا: أزمن. وقالوا: عصيٌّ كما قالوا: أسودٌ ولا نعلمهم قالوا: أعصاء جعلوا أعص بدلاً من أعصاء وجعلوا هذا بدلاً منها. وتقول في المضاعف: لببٌ وألبابٌ ومددٌ وأمدادٌ وفنن وأفنان ولم يجاوزوا الأفعال كما لم يجاوزوا الأقدام والأرسان والأغلاق. والثبات في باب فعلِِ على الأفعال أكثر من الثَّبات في باب فعلِِ على الأفعل. فان بني المضاعف على فعالِِ أو فعولِِ أو فِعلانِِ أو فُعلان فهو القياس على ما ذكرنا كما جاء المضاعف في باب فعلِِ على قياس غير المضاعف. فكلُّ شيءِِ دخل المضاعف مما دخل الأوّل فهو له نظير. وقالوا: الحجار فجاءوا به على الأكثر والأقيس وهو في الكلام قليل. قال الشاعر: كأنَّها من حجار الغيل ألبسها ** مضارب الماء لون الطُّحلب الَّّلزب وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانّما تكسّره من أبنية أدنى العدد على أفعال. وذلك نحو: كتفِِ وأكتافِِ وكبدِِ وأكبادِِ وفخذِِ وأفخاذِِ ونمرِِ وأنمارِِ. وقلََّما يجاوزون به لأنَّ هذا البناء نحو كتفِِ أقلُُّ من فعل بكثير كما أن فعلاً أقلّ من فعلِِ. ألا ترى أنّ ما لزم منه بنا الأقلّ أكثر فلم يفعل به ما فُعل بفعلِِ إذ لم يكن كثيراً مثله كما لم يجيء في مضاعف فعلِِ ما جاء في مضاعف فعلِِ لقلَّته. ولم يجيء في بنات الياء والواو من فعلِِ جميع ما جاء في بنات الياء والواو من فعل لقلَّتها وهي على ذلك أكثر من المضاعف. وذلك أنَّ فعلاًً أكثر من فعل. وقد قالوا: النُّمور والوعول شبّهوها بالأسود. وهذا النحو قليل فلمَّا جاز لهم أن يثبتوا في الأكثر على أفعالِِ كانوا له في الأقل ألزم. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو بمنزلة الفعل وهو أقلّ وذلك قولك: قمعٌ وأقماعٌ ومعاً وأمعاءٌ وعنبٌٌ وأعنابٌ وضلعٌ وأضلاعٌ وارمٌ وآرامٌ. وقد قالوا: الضُّلوع والأروم كما قالوا النُّمور. وقد قال بعضهم: الأضلع شبَّهها بالأزمن. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو كفعلِِ وفعلِِ وهو أقلّ في الكلام منهما وذلك قولك: عجزٌ وأعجازٌ وعضدٌ وأعضادٌ. وقد بني على فعال قالوا: أرجلٌ ورجالٌ وسبعٌ وسباعٌ جاءوا به على فعال كما جاءوا بالصلع على فعول وفعال ومفعول أختان وجعلوا أمثلته على بناء لم يكسَّر عليه واحده. وذلك قولهم: ثلاثة رجلةِِ واستغنوا بها عن أرجال. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو بمنزلة الفعل لأنه قليلٌ مثله وهو قولك: عنقٌ وأعناقٌ وطنبٌ وأطنابٌ وأُذُنٌ وآذانٌ. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فُعلاً فانَّ العرب تكسّره على فعلانِِ وان أرادوا أدنى العدد لم يجاوزوه واستغنوا به كما استغنوا بأفعل وأفعال فيما ذكرت لك فلم يجاوزه في القليل والكثير. وذلك قولك: صردٌ وصردانٌ ونغرٌ ونِغرانٌ وجُعلٌ وجِعلانٌ وخُززٌ وخزَّّانٌ. وقد أجرت العرب شيئاً منه مجرى فعلِِ وهو قولهم: ربعٌ وأرباعٌ ورطبٌٌ وأرطابٌ كقولك: جملٌ وأجمالٌ. وقد جاء من الأسماء اسم واحد على فعلِِ لم نجد مثله وهو ابل وقالوا: آبالٌ كما فيها عياييل أسودٌ ونمر. ففعل به ما فعل بالأسد حين قال: أُسدٌ. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانه إذا كُسّر على ما يكون لأدنى العدد كُسّر على أفعالِِ ويجاوزون به بناء أدنى العدد فيكسّر على فعولِِ وفعالِِ والفعول فيه أكثر. فمن ذلك قولهم: حملٌ وأحمالٌٌ وحمولٌ وعدلٌ وأعدالٌ وعدولٌ وجذعٌ وأجذاعٌ وجذوعٌ وعرقٌ وأعراقٌٌ وعروقٌ عذقٌ وأعذاقٌ وعذوقٌ. وأمّا الفعال فنحو: بئر وأبارِِ وبئارِِ وذئبِِ وذئابِِ. وربما لم يجاوزوا أفعالاً في هذا البناء كما لم يجاوزوا الأفعل والأفعال فيما ذكرنا وذلك نحو خمسِِ وأخماسِِ وسترِِ وأستارِِ وشبرِِ وأشبارِِ وطمرِِ وأطمارِِ. وقد يكسّر على فعلةِِ نحو: قرد وقردة وحسلِ وحسلةِِ وأحسالِِ إذا أردت بناء أدنى العدد. فأمَّا القردة فاسُتغنى بها عن أقرادِِ كما قالوا: ثلاثة شسوع فاستغنوا بها عن أشساعِِ وقالوا: ثلاثة قروءِِ فاستغنوا بها عن ثلاثة أقرؤِِ. وربما بني فعلٌ على أفعلِِ من أبنية أدنى العدد وذلك قولهم: ذئبٌ وأذؤبٌ وقطعٌ وأقطعٌ وجروٌ وأجرِِ وقالوا: جراءٌ كما قالوا: ذئابٌٌ ورجلٌ وأرجلٌ ألا أنَّهم لا يجاوزون الأفعل كما أنَّهم لم يجاوزوا الأكف. وقصة المضاعف ها هنا وبنات الياء والواو كقصَّتها في باب فعلِِ قالوا: نحيٌ وأنحاءٌ ونحاءٌٌ كما قالوا: آبارٌ وبئارٌ. وقالوا في جمع نحيِِ: نُحىٌّ كما قالوا: لصٌّ ولصوصٌٌ وقالوا في الذِّئب: ذُؤبانٌ جعلوه كثغبِِ وثغبانِِ. وقالوا: الصوص في اللص كما قالوا: القدور في القدر وأقدر حين أرادوا بناء الأقلّ. وكما قالوا: فرخ وأفراخ وفراخ قالوا: قدح وأقداح وقداح جعلوها كفعل وقالوا: رئدٌٌ ورئدانٌ كما قالوا: صنوٌ وصنوانٌ وقنوٌ وقنوانٌ وقال بعضهم: صنوانٌ وقنوانٌ كقوله: ذؤبان. والرِّئد: فرخ الشجرة. وقالوا: شقذ وشقذانٌ. والشِّقذ: ولد الحرباء. وقالوا: صرمٌ وصرمانٌ كما قالوا: ذئب وذؤبانٌ. وقالوا: ضرسٌ وضريسٌ كما قالوا: كليبٌ وعبيدٌ. وقالوا: زقٌّ وزقاقٌ وأزقاقٌ كما قالوا: بئرٌٌ بئار وآبار. وقالوا: زُقّانٌ وكما قالوا ذُؤبانٌ. وأما ما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانّه يكسَّر من أبنية أدنى العدد على أفعال. وقد يجاوزون به بناء أدنى العدد فيكسِّرونه على فعولٍ وفعالٍ وفعولُ أكثر وذلك قولهم: جندٌ وأجنادٌ وجنودٌ وبردٌ وأبرادٌ وبرودٌ وبرجٌ وأبراجٌ وبروجٌ. وقالوا: جرحٌ وجروح ٌولم يقولوا: أجراحٌ كما لم يقولوا: أقرادٌ. وأمّا الفعال فقولهم: جمدٌ وأجمادٌ وجمادٌ وقرطٌ وأقراطٌ وقراطٌ. والفعال في المضاعف منه كثير وذلك قولهم: أخصاصٌ وخصاصٌ وأعشاشٌٌ وعشاشٌ وأقفافٌ وقفافٌ وأخفافٌ وخفافٌ تجريه مجرى أجمادٍ وجمادٍ. وقد يجيء إذا جاوز بناء أدنى العدد على قال الشاعر: كرامٌ حين تنكفت الأفاعي ** إلى أجحارهنّ من الصَّقيع ونظيره من المضاعف حبٌّ وأحبابٌ وحببةٌ نحو: قلبٍ وأقلابٍ وقلبةٍ وخرجٌ وخرجةُ ولم يقولوا: أخراجٌ كما لم يقولوا: أجراحٌ وصلبٌ وأصلابٌ وصلبةٌ وكرزق وأكرازٌ وكرزةٌ وهو كثير. وربَّما استغنى بأفعالٍ في هذا الباب فلم يجاوز كما كان ذلك في فعلٍ وفعلٍ وذلك نحو: رُكنٍ وأركانٍ وجزءٍ وأجزاءٍ وشفرٍ وأشفارٍ. وأمّا بنات الياء والواو منه فقليل قالوا: مُديٌ وأمداءٌ لا يجاوزون به ذلك لقلَّته في هذا الباب. وبنات الياء والواو فيه أقلُّ منها في جميع ما ذكرنا. وقد كُسّر حرفٌ منه على فُعلٍ كما كُسّر عليه فعلٌ وذلك قولك للواحد: هو الفلكُ فتُذكّر وللجميع: هي الفلك. وقال الله عزَّ وجلَّ: " في الفُلك المشون " فلمّا جمع قال: " والفُلك التي تجري في البحر " كقولك: أسدٌٌ وأُسدٌ. وهذا قول الخليل ومثله: رهنٌ ورُهنٌ. وقالوا: رُكنٌ وأركنٌ وقال الراجز وهو رؤبة: وزحم ركنيك شداد الأركن. كما قالوا: أقدح في القدح وقالوا: حشٌّ وحشَّانٌ وحُشَّانٌ كقولهم: رِئدٌ ورِئدانٌ. وأمّا ما كان على فعلةٍ فانَّك إذا أردت أدنى العدد جمعتها بالتاء وفتحت العين وذلك قولك: قصعةٌ وقصعاتٌ وصحفةٌ وصحفاتٌ وجفنةٌ وجفناتٌ وشفرةٌ وشفراتٌ وجمرةٌ وجمراتٌ. فإذا جاوزت أدنى العدد كسَّرت الاسم على فعال وذلك قصعةٌ وقِصاعٌ وجِفنةٌ وجِفانٌ وشفرةٌ وشِفارٌ وجمرةٌ وجمارٌ. وقد جاء على فعولٍ وهو قليلٌ وذلك قولك: بَدرةٌ وبُدورٌ ومأنةٌ ومؤونٌ فأدخلوا فعولاً في هذا الباب لأنَّ فِعالاً وفعولاً أختان فأدخلوها ههنا كما دخلت في باب فعلٍ مع فِعالٍ غير أنَّه في هذا الباب قليل. وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير. وقال الشاعر وهو حسان بن ثابت: لنا الجفناتُ الغُرّ يلمعن بالضُّحى ** وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما فلم يرد أدنى العدد. وبنات الياء والواو بتلك المنزلة تقول: ركوةٌ وركاءٌ وركواتٌ وقشوةٌ وقِشاءٌ وقشواتٌ وغلوةٌ وغلاءٌ وغلوات وظبيةٌ وظباءٌ وظبياتٌ. وقالوا: جدياتُ الرَّحل ولم يكسِّروا الجدية على بناء الأكثر استغناءً بهذا إذ جاز أن يعنوا به الكثير. والمضاعف في هذا البناءِ بتلك المنزلة تقول: سَلّةٌ وسِلالٌّ وسلاَّتٌ ودبَّةٌ ودبابٌ ودَبَّاتٌ. وأما ما كان فعلةً فهو في أدنى العدد وبناءٍ الأكثر بمنزلة فعلةٍ وذلك قولك: رحبةٌ ورحباتٌ وان جاء شيءٌ من بنات الياء والواو والمضاعف أُجريَ هذا المجرى إذ كان مثل ما ذكرنا ولكَّنه عزيزٌ. وأما ما كان فُعلةً فانّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد ألحقت التاء وحرَّكت العين بضمّة وذلك قولك: رُكبةٌ ورُكباتٌ وغرفةٌ وغُرفاتٌ وجفرةٌ وجُفراتٌ. فإذا جاوزت بناء أدنى العدد كسَّرته على فُعلٍ وذلك قولك: رُكبٌ وغُرفٌ وجفرٌ. وربما كسَّروه على فِعالٍ وذلك قولك: نُقرةٌ ونقارٌ وبُرمةٌ وبِرامٌ وجُفرةٌ وجِفارٌ وبُرقةٌ وبُراقٌ. ومن العرب من يفتح العين إذا جمع بالتاء فيقول: رُكباتٌ وغُرفاتٌ. سمعنا من يقول في قول الشَّاعر: ولمَّا رأونا بادياً رُكباتُنا على موطنٍ لا نخلط الجدَّ بالهزل. وبنات الواو بهذه المنزلة. قالوا: خُطوةٌ وخُطواتٌ وخُطىً وعُروةٌ وعُرواتٌ وعُرىً. ومن العرب من يدع العين من الضمّة في فُعلةٍ فيقول: عُرواتٌ وخُطواتٌ. وأمّا بنات الياء إذا كُسِّرت على بناء الأكثر فهي بمنزلة بنات الواو وذلك قولك: كُليةٌ وكُلىً ومُديةٌ ومُدىً وزُبيةٌ وزُبىً كرهوا أن يجمعوا بالتاء فيحرِّكوا العين بالضَّمة فتجئ هذه الياء بعد ضمّة فلمَّا ثقُل ذلك عليهم تركوه واجتزءوا ببناء الأكثر. ومن خفَّف قال: كُليات وقد يقولون: ثلاث غُرفٍ ورُكبٍ وأشباه ذلك كما قالوا: ثلاثةُ قِردةٍ وثلاثةُ حِببةٍ وثلاثةُ جُروحٍ وأشباه ذلك. وهذا في فُعلةٍ كبناء الأكثر في فعلةٍ إلا أنَّ التاء في فَعلةٍ أشدُّ تمكُّناً لأنَّ فَعلةً أكثر ولكراهية ضمتين. والمضاعف بمنزلة ركبة قالوا: سرات وسرر وجدة وجدد وجدات ولا يحركون العين لأنَّها كانت مدغمةٌ. والفعالُ كثير في المضاعف نحو: جِلالٍ وقِبابٍ وجبابٍ. وما كان فِعلةً فانّك إذا كسَّرته على بناء أدنى العدد أدخلت التاء وحرّكت العين بكسرة وذلك قولك: قِرباتٌ وسِدراتٌ وكِسراتٌ ومن العرب من يفتح العين كما فُتحت عين فُعلةٍ وذلك قولك: قِرباتٌ وسِدراتٌ وكِسراتٌ. فإذا أردت بناء الأكثر قلت: سِدرٌ وقِربٌ وكِسرٌ. ومن قال: غُرفاتٌ فخفَّف قال: كِسراتٌ. وقد يريدون الأقلّ فيقولون: كِسرٌ وفِقرٌ وذلك لقلَّة استعمالهم التاء في هذا الباب لكراهية الكسرتين. والتاء في الفُعلةِ أكثر لأنَّ ما يلتقي في أوله كسرتان قليل. وبنات الياء والواو بهذه المنزلة. تقول: لِحيةٌ ولِحىً وفِريةٌ وفِرىً ورِشوةٌ ورِشاً. ولا يجمعون بالتاء كراهية أن تجيء الواو بعد كسرة واستثقلوا الياء هنا بعد كسرة فتركوا هذا استثقالاً واجتزءوا ببناء الأكثر. ومن قال: كِسراتٌ قال: لِحياتٌ. والمضاعف منه كالمضاعف من فُعلة. وذلك قولك: قِدةٌ وقِداتٌ وقِددٌ وربَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ وقد كُسّرت فعلةٌ على أفعُلٍ وذلك قليل عزيز ليس بالأصل. قالوا: نِعمةٌ وأنعمٌ وشِدَّةٌ وأشُدُّ وكرهوا أن يقولوا في رِشوةٍ بالتاء فتنقلب الواو ياءً ولكن من أسكن فقال: كِسراتٌ قال: رِشواتٌ. وأمّا الفعلةُ فإذا كُسِّرت على بناء الجمع ولم تُجمع بالتاء كُسّرت على فَعل وذلك قولك: نَقمةٌ ونقِمٌ ومعِدَةٌ ومَعِدٌ. والفُعلةُ تكسَّر على فُعَلٍ ان لم تجمع بالتاء وذلك قولك: تُخمةٌ وتُخمٌ وتُهمةٌ وتُهمٌ. وليس كرُطبةٍ ورُطبٍ. ألا ترى أنَّ الرُّّطب مذكَّر كالبُرّ والتَّمر وهذا مؤنّث كالظُّّلَم والغُرف. باب ما كان واحداً يقع للجميع


ويكون واحده على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه هاء التأنيث ليتبيّن الواحد من الجميع. فأمَّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فَعلاً فهو نحو طَلحٍ والواحدة طَلحةٌ وتمرٍ والواحدة تَمرةٌ ونخلٍ ونخلةٍ وصخرٍ وصخرةٍ. فإذا أردت أدنى العدد جمعت الواحد بالتاء. وإذا أردت الكثير صرت إلى الاسم الذي يقع على الجميع ولم تكسّر الواحد على بناء آخر. وربّما جاءت الفَعلةُ من هذا الباب على فِعالٍ وذلك قولك سَخلةٌ وسِخالٌ وبَهمةٌ وبِهامٌ وطلحة وطلاح وطلح شبهوه بالقصاع وقد قال بعضهم صخرة وصخور فجُعلت بمنزلة بَدرةٍ وبُدورٍ ومأنةٍ ومؤونٍ. والمأنةُ: تحت الكِركِرة. وأمّا ما كان منه من بنات الياء والواو فمثل: مَروٍ ومَروةٍ وسَروٍ وسَروةٍ. وقالوا: صَعوةٌ وصَعوٌ وصِعاءٌ كما قالوا: ومثلُ ما ذكرنا شَريةٌ وشَريٌ وهديةٌ وهَديٌ هذا مثله في الياء. والشِّريةُ: الحنظلةُ. ومن المضاعف: حَبَّةٌ وحَبٌّ وقتّةٌ وقَتٌّ. وأمّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانَّ قصَّته كقصة فعلٍ وذلك قولك: بَقرةٌ وبقراتٌ وبقرٌ وشجرةُ وشَجراتٌ وشَجَرٌ وخَرَزةٌ وخَرزاتٌ وخَرزٌ. وقد كسروا الواحد منه على فِعال كما فعلوا ذلك في فَعلٍ قالوا أكمةٌ واكامٌٌ وأكمٌ وجَذبَةٌ وجِذابٌ وجَذبٌ وأجَمةٌ واجامٌ وأجمٌ وثمرٌة وثمارٌ وثمرٌ. ونظير هذا من بنات الياء والواو حصى وحصاةٌٌ وحَصياتٌ وقَطاةٌ وقطاً وقَطَوَاتٌ. وقالوا: أضاةٌ وأضاً وإضاءٌ كما قالوا: إكامٌ وَأكمٌ. سمعنا ذلك من العرب. والذين قالوا: إكامٌ ونحوها شبَّهوها بالرّحاب ونحوها كما شبَّهوا الطِلاّح وطَلحةً بجَفنةٍ وجِفانٍ. وقد قالوا: حَلَقٌ وفَلكٌ ثمَّ قالوا: حَلقةٌ وفَلكةٌ فخفَّفوا الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيَّروا المعنى كما فعلوا ذلك في الإضافة. وأمّا ما كان فَعِلاً فقصَّته كقصَّة فَعَلِ إلا أنَّا لم نسمعهم كسّروا الواحد على بناء سوى الواحد الذي يقع على الجميع وذلك أنّه أقلُّ في الكلام من فَعَلٍ وذلك: نَبِقَةٌ ونَبقاتٌ ونَبِقٌ وخَرِبٌ وخَرِبٌ وخَرِباتٌ ولَبِنٌ ولِبنةٌ ولِبناتٌ وكلِمةٌ وكلماتٌ وكَلِمٌ. وأما ما كان فِعلاً فهو بمنزلته وهو أقلُّ منه. وذلك نحو: عِنبةٍ وعنبٍ واحدأةٍ وحدإٍ وحدآتٍ وإبرةٍ وإبرٍ وإبراتٍ وهو فسيلُ المقلِ. وأما ما كان فَعُلةً فهو بهذه المنزلة وهو أقلُّ من الفعل وهو سَمرُةٌ وسَمرٌ وثمرةٌ وثمرٌ وسمراتٌ وثمراتٌ وفقُرةٌ وفَقُرٌ وفَقُراتٌ. وما كان فُعُلاً فنحو: بُسُرٍ وبُسُرةٍ وبُسُراتٍ وهُدُبٍ وهُدُبةٍ وهُدُباتٍ. وما كان فُعلاٌ فهو كذلك وهو قولك: عُشَرٌ وعُشَرةٌ وعُشَراتٌ ورُطَبٌ ورُطَباتٌ. ويقول ناس للرُّطب: أرطابٌ كما قالوا: عِنَبٌ وأعنابٌ. ونظيرها رُبَعٌ وأرباعٌ ونُعرةٌ ونُعَرٌ ونُعَراتٌ. والنُّعر: داءُ يأخذ الإبل في رءوسها. ونظيرها من الياء قول بعض العرب: مُهاةٌ ومُهىً وهو ماء الفحل في رَحمِ الناقة. وزعم أبو الخطَّاب أن واحد الطُّلى طُلاةٌ. وإن أردتَ أدنى العدد جمعت بالتاء وقال الحُكأُ والواحدة حُكأةٌ والمُرعُ والواحدةُ مُرعةٌ. فأمّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فِعلاً فإنَّ قصته كقصة ما ذكرنا وذلك: سِدرٌ وسِدرةٌ وسِدراتٌ وسِلقٌ وسِلقةٌ وسِلقاتٌ وتِبنٌ وتِبنةٌ وتِبناتٌ وعِربٌ وعِربةٌ وعِرباتٌ. والعِربةُ: السَّفى وهو يبيسُ البهي. وقد قالوا: سِدرةٌ وسِدرٌ فكسروها على فِعَلٍ جعلوها ككسَرٍ كما جعلوا الطَّلحةَ حين قالوا الطِّلاح كالقصاع فشبهَّوا هذا بِلقحةٍ ولقاحٍ كما شبهوا طَلحةً بصفحةٍ وصحافٍ. وقالوا: لِقحةٌ ولِقاحٌ كما قالوا في باب فُعلَةٍ فِعالٌ نحو: جُفرةٍ وجِفارٍ. ومثل ذلك حِقَّةٌ وحقاقٌ وقد قالوا حِقّقٌ. قال الشَّاعر وهو المُسيَّبُ بن علسٍ: قد نالني منهم على عدمٍ ** مِثلُ الفسيلِ صِغارها الحِققُ وما كان على ثلاثة أحرف وكان فُعلاً فقصَّته كقصَّة فِعلٍ وذلك قولك دُخنٌٌ ودُخنةٌ ودُخناتٌ ونُقد ونُقُدة ونقداتٌ وهو شجرٌ وحُرفٌ وحُرفةُ وحُرفاتٌ. ومثل ذلك من المضاعف دُرٌّ ودُرَّةٌ ودُرَّاتٌ وبُرٌّ وبُرّةٌ وبُرّاتٌ. وقد قالوا: دُرجٌ فكسروا الاسم على فُعلٍ كما كسَّروا سِدرةً على سِدرٍ. ومثله التُّوم يقال: تُومةٌ وتُوماتٌ وتُومٌ ويقال: تُومٌ. باب نظير ما ذكرنا من بنات الياء والواو


M0لي الياءات والواوات فيهن عينات. أمَّا ما كان فَعلاً من بنات الياء والواو فإنَّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد كسرّته على أفعالٍ وذلك: سَوطٌ وأسواطٌ وثَوبٌ وأثوابٌ وقَوسٌ وأقواسٌ. وإنَّما منعهم أن يبنوه على أفعُلٍ كراهية الضمّة في الواو فلمَّا ثقل ذلك بنوه على أفعالٍ. وله في ذلك أيضاً نظائرُ من غير المعتلّّ نحو أفراخٍ وأفرادٍ ورَفغٍ وأرفاغٍ. فلمّا كان غيرُ المعتلّ يُبنى على هذا البناء كان هذا عندهم أولى. وإذا أرادوا بناء الأكثر بنوه على فِعالٍ وذلك قولك: سِياطٌ وثِيابٌ وقِياسٌ. تركوا فُعُولاً كراهية الضمّة في الواو والضَّمّة التي قبل الواو فحملوها على فِعال وكانت في هذا الباب أولى إذ كانت متمكِّنةً في غير المعتلّ. وقد يُبنى على فِعلانٍ لأكثر العدد وذلك: قوزٌ قيزانٌ وثَورٌ وثيرانٌ ونظيره من غير هذا الباب وَجذٌ ووجذَانٌ فلمَّا بُني عليه ما لم يعتلّّ فرُّوا إليه كما لزموا الفِعالَ في سَوطٍ وثَوبٍ. وقال: الوَجذُ: نُقرَةٌ في الجبل. وقد يلزمون الأفعال في هذا فلا يجاوزونها كما لم يجاوزوا الأفعُلَ في باب فَعلٍ الذي هو غير معتلّ والأفعال في باب فعلٍ الذي هو معتلّ. فإذا كانوا لا يجاوزون فيما ذكرتُ لك فهم في هذا أجدرُ أن لا يجاوزوا وذلك نحو: لوحٍ وألواحٍ وجوزٍ وأجوازٍ ونَوعٍ وأنواعٍ. وقد قال بعضهم في هذا الباب حين أراد بناء أدنى العدد أفعُلٌ فجاء به على الأصل وذلك قليل. قالوا: قَوسٌ وأقواسٌ. وقال الراجز: لِكُلِّ عَيشٍ قد لبِستُ أثوباً. وقد كسّروا الفعل في هذا الباب على فِعَلَةٍ كما فعلوا ذلك بالفقع والجبءِ حين جاوزوا به أدنى العدد وذلك قولهم: عَودٌ وعِوَدةٌ وأعوادٌ إذا أرادوا بناء أدنى العدد وقالوا: زَوجٌ وأزواجٌ وزوجةٌ وثورٌ وأثوارٌ وثِورةٌ وبعضهم يقول: ثِيرَةٌ. وجاءوا به على فُعولٍ كما جاءوا بالمصدر قالوا فَوجٌ وفُؤجٌ كما قالوا: نحوٌ ونُحُوٌّ كثيرةٌ. وهذا لا يكاد يكون في الأسماء ولكن في المصادر استثقلوا ذلك في الأسماء. وسنبيّن ذلك إن شاء اللّه. ومثل ثِيَرَةٍ زَوجٌ وزِوجةٌ. وأمّا ما كان من بنات الياء وكان فَعلاً فإنَّك إذا بنيته بناء أدنى العدد بنيه على أفعالٍ وذلك قولك: بيتٌ وأبياتٌ وقَيدٌ وأقيادٌ وخيطٌ وأخياطٌ وشيخٌ وأشياخٌ. وذلك أنَّهم كرهوا الضمّة في الياء كما يكرهون الواو بعد الياء وسترى ذلك في بابه إن شاء اللّه. وهي في الواو أثقلُ. وقد بنوه على أَفعُلٍ على الأصل قالوا: أعيُنٌ. قال الراجز: وقال آخر: يا أضبُعاً أكلت آيارَ أحمرةٍ ففي البطونِ وقد راحت قراقيرُ. بناه على أفعالٍ. وقالوا أعيانٌ. قال الشاعر: ولكنَّني أغدو عَلَيَّ مُفاضَةٌ ** دِلاصٌ كأعيانِ الجرادِ المُنَظَّمِ وإذا أردت بناء أكثر العدد بنيته على فُعُولٍ وذلك قولك: بُيُوتٌ وخُيُوطٌ وشُيُوخٌ وعُيُونٌ وقُيُودٌ. وذلك لأنَّ فُعولاً وفِعالاً كانا شريكين في فِعلٍ الذي هو غير معتلّ فلمّا ابتزَّ فِعالٌ بفَعلٍ من الواو دون فُعولٍ لما ذكرنا من العلَّةِ ابتزَّت الفُعولُ بفَعلٍ من بنات الياء حيث صارت أخّف من فُعولٍ من بنات الواو. فكأنّهم عوضوا هذا من إخراجهم إياها من بنات الواو. فأمّا أقيادٌ ونحوها فقد خَرج َ من الأصل كما خرجت أسواطٌ وأثوابٌ يعنى إذا لم تُبنَ على أفعُلٍ لأنَّ أفعُلاً هي الأصل لفِعلٍ. وليست أفعُلٌ وأفعالٌ شريكين في شيء كشركة فُعولٍ وفِعالٍ فتعوِّض الأفعُلَ الثَّبات في بنات الياء لخروجها من بنات الواو ولكنَّهما جميعاً خارجان من الأصل والضمّةُ تُستثقل في الياء كما تُستثقل في الواو وإن كانت في الواو أثقل ومع هذا إنهم كرهوا أن يقولوا أبيات إذا كانت أخف من فعول من بنات الواو لئلا تلتبس الواو فأرادوا أن يفصلوا فإذا قالوا: أبياتٌ وأسواطٌ فقد بيَّنوا الواو من الياء. وقالوا: عُيورةٌ وخُيُوطةٌ كما قالوا وأمّا ما كان فَعلاً فإنَّه يكسَّر على أفعالٍ إذا أردت بناء أدنى العدد وذلك نحو: قاعٍ وأقواعٍ وتاجٍ وأتواجٍ وجارٍ وأجوارٍ. وإذا أردت بناء أكثر العدد كسّرته على فِعلانٍ وذلك نحو: جيرانٍ وقيعانٍ وتيجانٍ وساجٍ وسيجانٍ. ونظير ذلك من غير المعتل: شَبَتٌ وشِبثانٌ وخِربانٌٌ. ومثله فَتىً وفتيانٌ. ولم يكونوا ليقولوا فُعولٌ كراهية الضمّة في الواو مع الواو التي بعدها والضمّة التي قبلها وجعلوا البناء على فِعلانٍ. وقَلَّ فيه الفعال لأنَّهم ألزموه فِعلانٌ فجعلوه بدلاً من فِعالٍ ولم يجعلوه بدلاً من شريكه في هذا الباب. وإنما امتنع أن يتمكَّن فيه ما تمكّن في فَعَلٍ من الأبنية التي يكسّر عليها الاسم لأكثر العدد نحو: أُسودٍ وجبالٍ أنَّه معتلّ أسكنوا عينه وأبدلوا مكانها ألفاً ولم يُخرجوه من أن يبنوه على بناء قد بُني عليه غير المعتلّ وانفرد به كما انفرد فِعالٌ ببنات الواو. وقد يُستغنى بأفعالٍ في هذا الباب فلا يجاوزونه كما لم يجاوزوه في غير المعتلّ وهو في هذا الأكثر لاعتلاله ولأنّه فَعَلٌ وفَعَلٌ يُقتصر فيه على أدنى العدد كثيراً وهو أولى من فَعلٍ كما كان ذلك في باب سَوطٍ وذلك نحو: أبوابٍ وأموالٍ وباعٍ وأبواعٍ. وقالوا: نابٌ وأنيابٌ وقالوا: نُيوبٌ كما قالوا: أُسودٌ وقد قال بعضهم: أنيُبٌ كما قالوا في الجبل: أجبُلٌ. وما كان مؤنثاّ من فَعلٍ من هذا الباب فإنه يكسّر على أفعُلٍ إذا أردت بناء أدنى العدد وذلك: دارٌ وأدوارٌ وساقٌ وأسوقٌ ونارٌ وأنورٌ. هذا قول يونس ونظنُّه إنَّما جاء على نظائره في الكلام نحو: جَمَلٍٍ وأجمُلٍ وزمنٍ وأزمُن وعصاً وأعصٍ. فلو كان هذا إنَّما هو للتأنيث لما قالوا: غَنمٌ وأغنامٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد قلت في الدار: دُورٌ وفي الساق: سُوقٌ وبنوهما على فُعلِ فِراراً من فُعُولٍ كأنَّهم أرادوا أن يكسِّروهما على فُعُولٍ كما كسّروهما على أفعُلٍ. وقد قال بعضهم: سُؤوقٌ فَهَمَزَ: كراهية الواوين والضمّة في الواو. وقال بعضهم: ديرانٌ كما قالوا: نِيرانٌ شبّهوها بقيعانٍ وغِيران. وقالوا: دِيارٌ كما قالوا: جِبالٌ. وقالوا: نابٌ ونِيبٌ للناقة بنوها على فُعلٍ كما بنوا الدار على فُعلٍ كراهية نُيُوب لأنَّها ضمّة في ياء وقبلها ضمّة وبعدها واو فكرهوا ذلك. ولهنَّ مع ذا نظائر من غير المعتلّ: أسدٌ وأُسدٌ ووثنٌ ووُثنُ. وقالوا: أنيابٌ كما قالوا: أقدامٌ. وما كان على ثلاثة أحرف وكان فِعلاً فإنَّك تكسّره على أفعال من أبنية أدنى العدد وهو قياس غير المعتلّ. فإذا كان كذلك فهو في هذا أجدر أن يكون. وذلك قولك: فِيلٌ وأفيالٌ وجيدٌ وأجيادٌ ومِيلٌ وأميالٌ. فإذا كسّرته على بناء أكثر العدد قلت فُعولٌ كما قلت: عُذوقٌ وجُذوعٌ. وذلك قولك: فُيُولٌ ودُيوكٌ وجُيودٌ. وقد قالوا: دِيكةٌ وكِيَسةٌ كما قالوا: قِردةٌ وحِسلةٌ. ومثل ذلك فِيَلةٌ. وقد يقتصرون في هذا الباب على أفعال كما اقتصروا على ذلك في باب فَعلٍ وفَعَلٍ من المعتلّ. وقد يجوز أن يكون ما ذكرنا فَعلاً يعني أن الفيل يجوز أن يكون أصله فُعلاً كُسر من أجل الياء كما قالوا أبيضُ وبيضٌ فيكون الأفيال والأجياد بمنزلة الفيال والجياد ويكون فيلة بمنزلة خرجةٍ وجِحرةٍ. وإنما اقتصارهم على أفعال ٍ في هذا الباب الذي هو من بنات الياء نحو: أميالٍ وأنيارٍ وكِيرٍ وأكيارٍ. وقالوا في فِعلٍ من بنات الواو: رِيحٌ وأرواحٌ ورِياحٌ ونظيره أبآرٌ وبئارٌ. وقالوا فِعالٌ في هذا كما قالوا في فَعلٍ من بنات الواو فكذلك هذا لم يجعلوه بمنزلة ما هو من الياء. وأمّا ما كان فُعلاً من بنات الواو فإنَّك تكسّره على أفعالٍ إذا أردت بناء أدنى العدد وهو القياس والأصل. ألا تراه في غير المعتلّ كذلك. وذلك: عُودٌ وأعوادٌ وغُولٌ وأغوالٌ وحوتٌ وأحواتٌ وكُوزٌ وأكوازٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد لم تكسّره على فُعولٍ ولا فعالٍ ولا فِعَلةٍ وأجرى مجرى فَعَلٍ وانفرد به فِعلانٌ كما أنه غَلبَ على فَعل من الواو الفِعالُ فكذلك هذا فرقوا بينه وبين فُعلٍ من بنات الياء كما فرقوا بين فَعلٍ من الياء وفَعلٍ من الواو ووافق فعلاً في الأكثر كموافقته إياه في الأقلّ. وذلك عيدان - وغيلان - وكيزان وحيتان وبنيان جماعة النون وقد جاء مثل ذلك في غير المعتلّ. قالوا: حُشٌّ وحِشّانٌ كما قالوا في فَعلٍ من بنات الواو: ثورٌ وثيرانٌ وقوزٌ وقِيزانٌ كما جاء في الصحيح: عَبدٌ وعِبدانٌ ورَألٌ ورِئلانٌ. وإذا كسّرت فَعلةً من بنات الياء والواو على بناء أكثر العدد كسّرتها على البناء الذي كسّرت عليه غير المعتلّ. وذلك قولك: عيبنة وعَيباتٌ وعِيابٌ وضَيعةٌ وضَيعاتٌ وضِياعٌ ورَوضةٌ وروضاتٌ ورِياضٌ. فإذا أردت بناء أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحِّرك العين لأنَّ الواو ثانية والياء ثانية. وقد قالوا: فَعلةٌ في بنات الواو وكسّروها على فُعلٍ كما كسّروا فَعلاً على بناء غيره. وذلك قولهم: نَوبةٌ ونُوبٌ وجوبةٌ وجُوبٌ ودَولةٌ ودُولٌ. ومثلها: قريةٌ وقُرىً ونزوةٌ ونُزىً. وقد قالوا: فَعلةٌ في بنات الياء ثم كسّروها على فِعل وذلك قولهم: ضَيعةٌ وضِيَعٌ وخيمةٌ وخِيمٌ. ونظيرها من غير المعتلّ: هَضبةٌ وهِضبٌ وحَلقةٌ وحِلقٌ وجَفنةٌ وجِفنٌ. وليس هذا بالقياس. وأمّا ما كان فُعلةً فهو بمنزلة غير المعتلّ وتجمعه بالتاء إذا أردت أدنى العدد. وذلك قولك: دُولةٌ ودُولاتٌ لا تحرِّك الواو لأنَّها ثانية فإذا لم ترد الجمع المؤنَّث بالتاء قلت: دُولٌ وسُوقةٌ وسُوقٌ وسُورةٌ وسُورٌ. وأمَّا ما كان فِعلةً فهو بمنزلة غير المعتلّ وذلك: قيمةٌ وقِيمٌ وقِيماتٌ ورِيبةٌ ورِيباتٌ ورِيبٌ وديمةٌ وديماتٌ ودِيمٌ. وأمّا ما كان على فَعَلةٍ فإنه كُسّر على فِعال قالوا: ناقةٌ ونياقٌ كما قالوا رَقبةٌ ورِقابٌ. وقد كسّروه على فُعلٍ قالوا: ناقةٌ ونُوقٌ وقارةٌ وقُورٌ ولابةٌ ولُوبٌ وأدنى العدد لاباتٌ وقاراتٌ. وساحةٌ وسُوحٌ. ونظيرهن من غير المعتلّ: بدنةٌ وبُدنٌ وخشبةٌ وخُشبٌ وأكمّةٌ وأُكمٌ. وليس بالأصل في فَعلةٍ وإن وجدت النظائر. وقالوا: أينُقٌ ونظيرها أكمةٌ وآكمٌ. وقد كُسّرت على فِعلٍ كما كُسّرت ضيعةٌ قالوا: قامةٌ وقِيمٌ وتارةٌ وتِيرٌ. وقال: يقوم تاراتٍ ويمشي تِيرا. وإنما احتملت الفعل في بنات الياء والواو لأنَّ الغالب الذي هو حدُّ الكلام في فعله في غير المعتل الفعال هذا باب ما يكون واحداً يقع للجميع من بنات الياء والواو ويكون واحده على بنائه ومن لفظه إلاَّ أنّه تلحقه هاء التأنيث لتبيّن الواحد من الجميع. أمّا ما كان فَعلاً فقصّته قصّةُ غير المعتلّ وذلك: جَوزٌ وجوزةٌ وجوزاتٌ ولَوزةٌ ولَوزٌ ولَوزاتٌ وبَيضٌ وبيضةٌ وبيضاتٌ وخَيمٌ وخيمةٌ وخيماتٌ وقد قالوا: خِيامٌ وروضةٌ ورَوضاتٌ ورِياضٌ ورَوضٌ كما قالوا: طِلاحٌ وسِخالٌ. وأما ما كان فعلاً فهو بمنزلة الفعل من غير المعتلّ وذلك: سوسٌ وسوسةٌ وسوساتٌ وصوفٌ وصوفةٌ وصوفاتٌ وقد قالوا: تومةٌ وتوماتٌ وتومٌ وقد قالوا: تومٌ كما قالوا: درر وأمَّا ما كان فعلاً فقصته كقصّةغير المعتلّ وذلك قولك: تينٌ وتينةٌ وتيناتٌ وليفٌ وليفاتٌ وطينٌ وطينةٌ وطيناتٌ. وقد يجوز أن يكون هذا فعلاً كما يجوز أن يكون الفيل فعلاً. وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء الَّله. وأمّا ما كان فعلاً فهو بمنزلة الفعل من غير المعتلّ إلا أنَّك إذا جمعت بالتاء لم تغيَّر الاسم عن حاله وذلك: هامٌ وهامةٌ وهاماتٌ وراحٌ وراحاتٌ وشامٌ وشامةٌ وشاماتُ. قال الشاعر وهو القطاميّ: فكنّا كالحريق أصاب غاباً ** فيخبو ساعةً ويحيج ساعا فقال: ساعةٌ وساعٌ وذلك كهامةٍ وهامٍ. ومثله آيةٌ وآي. ومثله قول العجَّاج: وخطرت أيدي الكماة وخطر ** رأى إذا أورده الطعَّن صدر باب ما هو اسم واحد يقع على جميع وفيه علامات التأنيث


وواحده على بنائه ولفظه وفيه علامات التأنيث التي فيه وذلك قولك للجميع: حلفاء وحلفاء واحدة وطرفاء للجميع وطرفاء واحدة وبهمي للجميع وبهمى واحدة لَّما كانت تقع للجميع ولم تكن أسماء كسّر عليها الواحد أرادوا أن يكون الواحد من بناءٍ فيه علامة التأنيث كما كان ذلك في الأكثر الذي ليس فيه علامة التأنيث ويقع مذكَّراً نحو التَّمر والبَّر والشَّعير وأشباه ذلك. ولم يجاوزوا البناء الذي يقع للجميع حيث أرادوا واحداً فيه علامة تأنيث لأنَّه فيه علامة التأنيث فاكتفوا بذلك وبيّنوا الواحدة بأن وصفوها بواحدة ولم يجيئوا بعلامة سوى العلامة التي في الجميع ليفرق بين هذا وبين الاسم الذي يقع للجميع وليس فيه علامة التأنيث نحو: البسر والتَّمر. وتقول: أرطى وأرطاة وعلقي وعلقاه لأن الألفات لم تلحق للتأنيث فمن ثمَّ دخلت الهاء. باب ما كان على حرفين وليست فيه علامة التأنيث


أما ما كان أصله فعلاً فإنّه إذا كسّر على بناء أدنى العدد كسّر على أفعل وذلك نحو: يدٍ وأيدٍ وإن كسّر على بناء أكثر العدد كسُّر على فعالٍ وفعولٍ وذلك قولهم: دماء ودمى لَّما ردَّوا ما ذهب من الحروف كسّروه على تكسيرهم إيَّاه لو كان غير منتقص على الأصل نحو: ظبيٍ ودلو وإن كان أصله فعلاُ كسُّر من أدنى العدد على أفعالٍ كما فعل ذلك بما لم يحذف منه شيء وذلك أبٌ وآباءٌ. وزعم يونس أنَّهم يقولون: أخٌ وآخاءٌ. وقالوا: أخوانٌ كما قالوا: خربٌ وخربان. والخرب: ذكر الحبارى فبنات الحرفين تكسَّر على قياس نظائرها التي لم تحذف. وبنات الحرفين في الكلام قليل. وأمَّا ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنَّك إذا أردت الجمع لم تكسره على بناء يردُّ ما ذهب منه وذلك لأنَّها فعل بها ما لم يفعل بما فيه الهاء ممّا لم يحذف منه شيء وذلك أنّهم يجمعونها بالتاء والواو والنون كما يجمعون المذكَّر نحو: مسلمين فكأنه عوضٌ فإذا جمعت بالتاء لم تغير البناء. وذلك قولك: هنة وهنات وفئةٌ وفئاتٌ وشيةٌ وشياتٌ وثبةٌ وثبات وقلةٌ وقلات. وربمَّا ردَّوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء وذلك قولهم: سنوت وعضوات. فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأوَّل وغيّروا الاسم. وذلك قولهم: سنون وقلون وثبون ومئون فإنَّما غيّروا أوَّل هذا لأنَّهم ألحقوا آخره شيئاً ليس هو في الأصل للمؤنث ولا يلحق شيئاً فيه الهاء ليس على حرفين. فلّما كان كذلك غيَّروا أوَّل الحرف كراهية أن يكون بمنزلة ما الواو والنون له في الأصل نحو قولهم: هنون ومنون وبنون. وبعضهم يقول: قلون: فلا يغيَّر كما لم يغيروا في التاء. وأمّا هنة ومنةٌ فلا تجمعان ألاَّ بالتاء لأنَّهما قد ذكّرتا. وقد يجمعون الشيء بالتاء ولا يجاوزون به ذلك استغناء وذلك: ظبةٌ وظبات وشيةٌ وشياتٌ. والتاء بدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأنَّها الأصل. وقد يكسَّرون هذا النحو على بناءٍ يردُّ ما ذهب من الحرف. وذلك قولهم: شفةٌ وشفاه وشاةٌ وشياهٌ تركوا الواو والنون حيث ردُّوا ما حذف منه واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وإن كانت من أبنية أكثر العدد كما استغنوا بثلاثة جروحٍ عن أجراحٍ وتركوا الواو والنون كما تركوا التاء حيث كسَّروه على شيء يردُّ ما حذف منه واستغنى به. وقالوا: أمةٌ وآمٍ وإماء فهي بمنزلة أكمةٍ وآكمٍ وإكامٍ. وإنّما جعلناها فعلةً لأنّا قد رأيناهم كسّروا فعلةً على أفعلٍ ممَّا لم يحذف منه شيء ولم نرهم كسّروا فعلةً ممَّا لم يحذف منه شيء على أفعلٍ. ولم يقولوا: إمون وإن حيث كسَّروه على ماردَّ الأصل استغناء عنه حيث ردّ إلى الأصل بآمٍ وتركوا أماتٌ استغناءً بآمٍ. وقالوا: برةٌ وبراتٌ وبرون وبرىً ولغةٌ ولغىً فكسّروها على الأصل كما كسّروا نظائرها التي لم تحذف نحو: كليةٍوكلىً. فقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جميع ما يكون في بابه. وسألت الخليل عن قول العرب: أرضٌ وأرضاتٌ فقال: لمَّا كانت مؤنثَّة وجمعت بالتاء ثقلَّت كما ثقلَّت طلحاتٌ وصحفاتٌ. قلت: فلم جمعت بالواو والنون قال: شبّهت بالسِّنين ونحوها من بنات الحرفين لأنَّها مؤنثّة كما أن سنةً مؤنّثة ولأن الجمع بالتاء أقلّ والجمع بالواو والنون أعمُّ. ولم يقولوا: آرضٍ ولا آراضٍ فيجمعونه كما جمعوا فعلٌ. قلت: فهلَّا قالوا: أرضون كما قالوا: أهلون قال: إنَّها لمّا كانت تدخلها التاء أرادوا أن يجمعونها بالواو والنون كما جمعوها بالتاء وأهلٌ مذكَّر لا تدخله التاء ولا تغيَّره الواو والنون كما لا تغيّر غيره من المذكَّر نحو: صعبٍ وفسلٍ. وزعم يونس أنّهم يقولون: حرَّةٌ وحرَّون يشبّهونها بقولهم: أرضٌ وأرضون لأنها مؤنّثة مثلها. ولم يكسروا أوَّل أرضين لأنّ التغيير قد لزم الحرف الأوسط كما لزم التغيير الأوّل من سنةٍ في الجمع. وقالوا: إوزَّة وإوزون كما قالوا: حرةٌ وحرَّون. وزعم يونس أنَّهم يقولون أيضاً: حرّةٌ وإحرُّون يعنون الحرار كأنه جمع إحرّة ولكن لا يتكلم بها. وقد يجمعون المؤنَّث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء كما يجمعون ما فيه الهاء لأنَّه مؤنّث مثله وذلك قولهم: عرساتٌ وأرضاتٌ وعيرٌ وعيراتٌ حرّكوا الياء وأجمعوا فيها على لغة هذيلٍ لأنَّهم يقولون: بيضاتٌ وجوزات. وقالوا: سمواتٌ فاستغنوا بهذا أرادوا جمع سماء لا من المطر وجعلوا التاء بدلاً من التكسير كما كان ذلك في العير والأرض. وقد قالوا: عيراتٌ وقالوا: أهلاتٌ فخفَّفوا شبَّهوها بصعبات حيث كان أهلٌ مذكَّراً تدخله الواو والنون فلمّا جاء مؤنثاً كمؤنَّث صعبٍ فعل به كما فعل بمؤنث صعبٍ. وقد قالوا: أهلاتٌ فثقّلوا كما قالوا: أرضاتٌ. قال المخَّبل: وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ إذا أدلجوا بالَّليل يدعون كوثرا وقد قالوا: إموانٌ جماعة الأمة كما قالوا: إخوانٌ لأنّهم جمعوها كما جمعوا ما ليس فيه الهاء. وقال القتّال الكلابّي: أمَّا الإماء فلا يدعونني ولداً ** إذا ترامى بنو الأموان بالعار باب تكسير ما عدّة حروفه أربعة أحرف للجمع


أمّا ما كان فعالاً فإنَّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد كسَّرته على أفعلةٍ وذلك قولك: حمارٌ وأحمرة وخمار وأخمرةٌ وإزارٌ وآزرة ومثالٌ وأمثلةٌ وفراشٌ وأفرشةٌ. فإذا أردت أكثر العدد بنيته على فعلٍ وذلك حمارٌ وحمرٌ وخمارٌ وخمرٌ وإزارٌ وأزرٌ وفراشٌ وفرشٌ. وإن شئت خفّفت جميع هذا في لغة تميمٍ. وربَّما عنوا ببناء أكثر العدد أدنى العدد كما فعلوا ذلك وأمّا ما كان منه مضاعفاً فإنَّهم لم يجاوزوا به أدنى العدد وإن عنوا الكثير تركوا ذلك كراهية التضعيف إذ كان من كلامهم أن لا يجاوزوا بناء أدنى العدد فيما هو غير معتلّ. وذلك قولهم: جلالٌ وأجلَّة وعنانٌ وأعنَّةٌ وكنانٌ وأكنَّةٌ. وأمّا ما كان منه من بنات الياء والواو فإنهم يجاوزون به بناء أدنى العدد كراهية هذه الياء مع الكسرة والضّمة لو ثقّلوا والياء مع الضمّة لو جففّوا. فلمّا كان كذلك لم يجاوزوا به أدنى العدد إذ كانوا لا يجاوزون في غير المعتلّ بناء أدنى العدد. وذلك قولهم: رشاءٌ وأرشيةٌ وسقاءٌ وأسقيةٌ ورداءٌ وأرديةٌ وإناءٌ وآنيةٌ. فأمّا ما كان منه من بنات الواو التي الواوات فيهن عيناتٌ فإنَّك إذا أردت بناء أدنى العدد كسّرته على أفعلةٍ وذلك قولك: خوانٌ وأخونةٌ ورواقٌ وأروقة وبوانٌ وأبوانةٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد لم تثقّل وجاء على فعلٍ كلغة بني تميم في الخمر وذلك قولك: خونٌ وروقٌ وبونٌ. وإنّما خففّوا كراهية الضمّة قبل الواو والضمة التي في الواو فخفّفوا هذا كما خففّوا فعلاً حين أرادوا جمع قوولٍ وذلك قولهم: قولٌ. وإذا كان في موضع الواو من خوانٍ ياء ثقّل في لغة من يثّقل وذلك قولك: عيانٌ وعينٌ. والعيان: حديدة تكون في متاع الفدّان. فثقَّلوا هذا كما قالوا: بيوضٌ وبيضٌ حيث كان أخفَّ من بنات الواو كما قالوا: بيوتٌ حيث كان أخفَّ من بنات وزعم يونس أنّ من العرب من يقول: صيودٌ وصيدٌ وبيوضٌ وبيضٌ وهو على قياس من قال في الرُّسل: رسلٌ. وأمَّا ما كان فعالاً فإنهم إذا كسّروه على بناء أدنى العدد فعلوا به ما فعلوا بفعالٍ لأنَّه مثله في الزيادة والتحريك والسكون إلا أن أوّله مفتوح وذلك قولك: زمان وأزمنةٌ ومكانٌ وأمكنةٌ وقذالٌ وأقذلةٌ وفدانٌ وأفدنةٌ. وإذا أردت بناء أكثر العدد قلت: قذلٌ وفدنٌ. وقد يقتصرون على بناء أدنى العدد كما فعلوا ذلك فيما ذكرنا من بنات الثلاثة وهو أزمنةٌ وأمكنةٌ. وما كان منه من بنات الياء والواو فعل به ما فعل بما كان من بنات فعالٍ وذلك قولك: سماءٌ وأسميةٌ وعطاءٌ وأعطيةٌ. وكرهوا بناء الأكثر لإعتلال هذه الياء لما ذكرت لك ولأنّها أقلُّ الياءات احتمالاً وأضعفها. وفعالٌ في جميع الأشياء بمنزلة فعالٍ. وأمّا ما كان فعالاً فإنه في بناء أدنى العدد بمنزلة فعالٍ لأنّه ليس بينهما شيء إلاَّ الكسر والضُّم. وذلك قولك: غرابٌ وأغربةٌ وخراجٌ وأخرجةٌ وبغاثٌ وأبغثةٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد كسّرته علىفعلانٍ وذلك قولك: غرابٌ وغربانٌ وخراجٌ وجرجانٌ وبغاثٌ وبغثانٌ وغلامٌ وغلمانٌ. ولم يقولوا: أغلمةٌ استغنوا بقولهم: ثلاثة غلمةٍ كما استغنوا بفتيةٍ عن أن يقولوا: أفتاء. وقالوا في المضاعف حين أرادوا بناء أدنى العدد كما قالوا في المضاعف في فعالٍ وذلك قولهم: ذبابٌ وأذبةٌ. وقالوا حين أرادوا الأكثر ذبّانٌ ولم يقتصروا على أدنى العدد لأنَّهم أمنوا التضعيف. وقالوا: حوارٌ وحيرانٌ كما قالوا: غرابٌ وغربانٌ. وقالوا في أدنى العدد: أحورة. والذين يقولون حوارٌ يقولون: حيرانٌ وصوارٌ وصيرانٌ جعلوا هذا بمنزلة فعالٍ كما أنَّهما متفقان في بناء أدنى العدد. وأمَّلسوا وسورٌ فوافق الذين يقولون سوارٌ الذين يقولون: سوارٌ كما اتفقوا في الحوار. وقد قال بعضهم: حورانٌ. وله نظيرٌ سمعنا العرب يقولون: زقاقٌ وزقاقٌ جعلوه وافق فعيلاً كما وافقه في أدنى العدد. وقد يقتصرون على بناء أدنى العدد كما فعلوا ذلك في غيره قالوا: فؤادٌ وأفئدةٌ وقالوا قرادٌ وقردٌ فجعلوه موافقاً لفعالٍ لأنه ليس بينهما إلا ما ذكرت لك. ومثله قول بعضهم: ذبابٌ وذبٌ. وأمّا ما كان فعيلاً فإنّه في بناء أدنى العدد بمنزلة فعالٍ وفعالٍ لأنّ الزيادة التي فيها مدّة لم تجيء الياء التي في فعيلٍ لتلحق بناتٍ الثلاثة ببنات الأربعة كما لم تجيء الألف التي في فعالٍ وفعالٍ لذلك وهو بعد في الزنة والتحريك والسكون مثلهما فهنّ أخواتٌ. وذلك قولك: جريبٌ وأجربةٌ وكثيبٌ وأكثبةٌ ورغيفٌ وأرغفةٌ ورغفانٌ وجربانٌ وكثبان. ويكَّسر على فعلٍ أيضاً وذلك قولهم: رغييفٌ ورغفٌ وقليبٌ وقلبٌ وكثيبٌ وكثبٌ وأميلٌ وأملٌ وعصيبٌ وعصبٌ وعسيبٌ وعسبٌ وعسبانٌ وصليبٌ وصلبانٌ وصلبٌ. وربَّما كسّروا هذا على أفعلاء وذلك: نصيبٌ وأنصباء وخميسٌ وأخمساء وربيعٌ وأربعاءٌ. وهي في أدنى العدد منزلة ما قبلهمّ. وقد كسّره بعضهم على أفعلاء وهو قليل وذلك: قولهم: ظليمٌ وظلمانٌ وعريضٌ وعرضانٌ وقضيبٌ وقضبانٌ. وسمعنا بعضهم يقول: فصيلٌ وفصلانٌ شبّهوا ذلك بفعالٍ. فأمّا ما كان من بنات الياء والواو فإنه بمنزلة ماذكرنا. وقالوا: قرىٌّ وأقريةٌ وقريانٌ حين أرادوا بناء الأكثر كما قالوا: جريبٌ وأجربةٌ وجربانٌ. ومثله: سريٌّ وأسريةٌ. وسريان وقالوا: صبيٌّ وصبيانٌ كظلمانٍ ولم يقولوا: أصبيةٌ استغنوا بصبيةٍ عنها. وقالوا بعضهم: حزّانٌ كما قالوا ظلمانٌ. وقالوا: سريرٌ وأسرةٌ وسررٌ كما قالوا: قليبٌ وأقلبةٌ وقلبٌ. وقالوا: فصيلٌ وفصالٌ شبّهوه بظريف وظراف ودخل مع الصفة في بنائه كما دخلت الصفة في بناء الاسم وستراه فقالوا: فصيل حيث قالوا: فصيلةٌ كما قالوا: ظريفةٌ وتوهّموا الصفّة حيث أنّثوا وكان هو المنفصل من أمِّه. وقد قالوا: أفيلٌ وأفائل والأفائل: حاشية الإبل كما قالوا: ذنوبٌ وذنائب. وقالوا أيضاً: إفالٌ شبهوها بفصال حيث قالوا: أفيلةٌ. وأمّا ما كان من هذه الأشياء الأربعة مؤنثاً فإنهم إذا كسّروه على بناء آدني العدد كسّروه على أفعلٍ وذلك قولك: عناقٌ وأعنقٌ. وقالوا في الجميع: عنوقٌ وكسّروه على فعولٍ كما كسّروها على أفعٌلٍ بنوه على ما هو بمنزلة افعلٍ كأنَّهم أرادوا أن يفصلوا بين المذكّر والمؤنّث كأنّهم جعلوا الزيادة التي فيه إذ كان مؤنثاً بمنزلة الهاء التي في قصعةٍ ورحبةٍ وكرهوا أن يجمعوه جمع قصعةٍ لأنَّ زيادته ليست كالهاء فكسّروه تكسير ما ليس فيه زيادةٌ من الثلاثة حيث شبِّه بما فيه الهاء منه ولم تبلغ زيادته الهاء لأنهَّا من نفس الحرف وليست علامة تأنيث لحقت الاسم بعد ما بني كحضرموت. ونظير عنوقٍ قول بعض العرب في السَّماء: سميٌّ. وقال أبو نخيلة: كنهورٌ كان من أعقاب السُّمي وقالوا: أسميةٌ فجاءوا به على الأصل. وأمّا من أنث اللَّسان فهو يقول: ألسنٌ. من ذكّر قال: أسنةٌ. وقالوا: ذراعٌ وأذرعٌ حيث كانت مؤنثّة ولا يجاوز بها هذا البناء وإن عنو الأكثر كما فعل ذلك بالأكفّ والأرجل. وقالوا: شمالٌ وأشملٌ وقد كسّرت على الزيادة التي فيها فقالوا: شمائل كما قالوا في الرَّسالة: رسائل إذ كانت مؤنّثةً مثلها. قالوا: شملٌ فجاءوا بها على قياس جدرٍ قال الأزرق العنبريّ: طرن أنقطاعة أوتارٍ محظربةٍ في أقواسٍ نازعتها أيمن شملا وقالوا: عقابٌ وأعقبٌ وقالوا: عقبانٌ كما قالوا: غربانٌ وقالوا: يأتي لها من أيمنٍ وأشمل وقالوا: أيمانٌ فكسّروها على أفعالٍ كما كسّروها على أفعلٍ إذ كانا لما عدده ثلاثة أحرف. وأمّا ما كان فعولاً فهو بمنزلة فعيل إذا أردت بناء أدنى العدد لأنهَّا كفعيلٍ في كل شيء إلاَّ أنَّ زيادتها واو وذلك: قعودٌ وأقعدةٌ وعمودٌ وأعمدةٌ وخروفٌ وأخرفةٌ. فإن أردت بناء أكثر العدد كسّرته على فعلانٍ وذلك: خرفانٌ وقعدانٌ وعتودٌ وعدَّانٌ خالفت فعيلاً كما خالفتها فعالٌ في أوّل الحرف. وقالوا: عمودٌ وعمدٌ وزبورٌ وزبرٌ وقدومٌ وقدمٌ فها بمنزلة قضبٍ وقلبٍ وكثبٍ. قالوا: قداثم كما قالوا: شمائل في الشّمال وقالوا: قلصٌ وقلائص. وقد كسّروا شيئاً منه من بنات الواو على أفعالٍ قالوا: أفلاءٌ وأعداءٌ والواحد فلوٌّ وعدوٌّ. وكرهوا فعلاً كما كرهوا في فعال وكرهوا فعلاناً للكسرة التي قبل الواو إن كان بينهما حرفٌ ساكن لأنهَّ ليس جاهزاً حصيناً. وعدوٌّ وصف ولكنَّه ضارع الاسم. وأمّا ما كان عدّة حروفه أربعة أحرف وكان فعلى أفعل فإنك تكسوِّه على فعلٍ وذلك قولك: الصُّغرى والصُّغر والكبرى والكبر والأولى والأول. وقال تعالى جدٌّه: " إنهَّا لإحدى الكبر ". ومثله من بنات الياء والواو: الدُّنيا والدُّنى. والقصوى والقصى والعليا والعلي. وإنمَّا صيروا الفعلى ههنا بمنزلة الفعلة لأنها على بنائها ولأنَّ فيها علامة التأنيث وليفرقوا بينها وبين ما لم يكن فعلى أفعل. وإن شئت جمعتهنَّ بالتاء فقلت: الصغريات والكبريات كما تجمع المذكّر بالواو والنون وذلك الأصغرون والأكبرون والأرذلون. وأمّا ما كان على أربعة أحرف وكان آخره ألف التأنيث فإن أردت أن تكسّره فإنكَّ تحذف الزيادة التي هي التأنيث ويبنى على فعالي وتبدل من الياء الألف وذلك نحو قولك في حبلى: حبالى وفي ذفري ذفاري. وقال بعضهم: ذفري وذفارٍ. ولم ينوّنوا ذفري. وكذلك ما كانت الألفان في آخره للتأنيث وذلك قولك صحراء وصحارى وعذراء وعذارى. وقد قالوا: صحارٍ وعذارٍ وحذفوا الألف التي قبل علامة التأنيث وليكون آخره كآخر ما فيه علامة التأنيث وليفرقوا بين هذا وبين علباءٍ ونحوه: وألزموا هذا ما كان فيه علامة التأنيث إذ كانوا يحذفونه من غيره وذلك: مهريةٌ ومهارٍ وأثفيةٌ وأثافٍ. جعلوا صحراء بمنزلة ما في آخره ألفٌ إذ كان أواخرهما علامات التأنيث مع كراهيتهم الياءات حتى قالوا مدارى ومهارى. فهم في هذا أجدر أن يقولوا لئلاّ يكون بمنزلة ما جاء آخره لغير التأنيث. وقالوا: ربي وربابٌ حذفوا الألف وبنوه على هذا البناء كما ألقوا الهاء من جفرةٍ فقالوا: جفارٌ إلاَّ أنَّهم قد ضموَّا أول ذا كما قالوا: ظئرٌ وظؤارٌ ورخلٌ ورخالٌ. ولم يكسوا أوّله كما قالوا: بئارٌ وقداحٌ. وإذا أردت ما هو أدنى العدد جمعت بالتاء تقول: خبراواتٌ وصحراواتٌ وذفرياتٌ وحبلياتٌ. وقالوا: إنثى وإناثٌ فذا بمنزلة جفرةٍ وحفار. ومثل ظئرٍ وظؤارٍ: ثنىٌ وثناءٌ. والثَّنى: التي قد نتجت مرَّتين. وقالوا: خنثى وخناثى كقولهم: حبلى وحبالى. وقال الشاعر: خناثى يأكلون التَّمر ليسوا ** بزوجاتٍ يلدن ولا رجال وأمَّا ما كان عدد حروفه أربعة أحرف وفيه هاء التأنيث وكان فعيلةً فإنَّك تكسّره على فعائل وذلك نحو: صحيفةٍ وصحائف وقبيلةٍ وقبائل وكتيبةٍ وكتائب وسفينةٍ وسفائن وحديدةٍ وحدائد. وذا أكثر من أن يحصى. وربَّما كسّروه على فعلٍ وهو قليل قالوا: سفينة وسفنٌ وصحيفةٌ وصحفٌ شبّهوا ذلك بقليبٍ وقلبٍ كأنَّهم جمعوا سفينٌ وصحيفٌ حين علموا أنَّ الهاء ذاهبةٌ شبَّهوها بجفارٍ حين أجريت مجرى جمدٍ وجمادٍ. وليس يمتنع شيءٌ من ذا أن يجمع بالتاء إذا أردت ما يكون لأدنى العدد. وقد يقولون: ثلاث صحائف وثلاث كتائب وذلك لأنّها صارت على مثال فعالل نحو: حضاجر وبلابل وجنادب وأمَّا فعالةٌ فهو بهذه المنزلة لأنَّ عدّة الحروف واحدة والزنة والزيادة مدٌّ كما أنَّ زيادة فعيلة مدٌّ فوافقته كما وافق فعيلٌ فعالاً. وذلك قولك إذا جمعت بالتاء: رسالاتٌ وكناناتٌ وعماماتٌ وجنازاتٌ. فإذا كسّرته على فعائل قلت: جنائز ورسائل وكنائن وعمائم. والواحدة جنازةٌ وكنانةٌ وعمامةٌ ورسالةٌ. ومثله جناية وجنايا. وما كان على فعالةٍ فهو بهذه المنزلة لأنَّه ليس بينهما إلاَّ الفتح والكسر وذلك: حمامةٌ وحمائم ودجاجةٌ ودجائج. والتاء أمرها ههنا كأمرها فيما قبلها. وما كان فعالةً فهو كذلك في جميع الأشياء لأنَّه ليس بينهما شيء إلَّا الضمّ في أوله. وذلك قولك: ذؤابةٌ وذؤاباتٌ وقوارةٌ وقواراتٌ وذبابةٌ وذباباتٌ. فإذا كسَّرته قلت: ذوائب وذبائب. وكذلك فعولةٌ: لأنها بمنزلة فعيلةٍ في الزنة والعدّة وحرف المدّ. وذلك قولهم: حمولةٌ وحمائل وحلوبةٌ وحلائبُ وركوبة وركائب. وإن شئت قلت: حلوباتُ وركوباتُ وحمولاتٌ. وكلُّ شيء كان من هذا أقلّ كان تكسيره أقلّ كما كان ذلك في بنات الثلاثة. واعلم أنّ فعالاً وفعيلاً وفُعالاً وفَعالاً إذا كان شيء منها يقع على الجميع فإنَّ واحده يكون على بنائه ومن لفظه وتلحقه هاء التأنيث وأمرها كأمر ما كان على ثلاثة أحرف. وذلك قولك دجاجٌ ودجاجةٌ ودجاجاتٌ. وبعضهم يقول: دجاجةٌ ودجاجٌ ودجاجاتٌ. ومثله من الياء: أضاءةٌ وأضاءٌ وأضاءاتٌ وشعيرةٌ وشعيرٌ وشعيراتٌ وسفينٌ وسفينةٌ وسفيناتٌ. ومثله من بنات الياء والواو: ركيّةٌ وركىُّ ومطيّةٌ ومطىُّ وركياتٌ ومطيَّاتٌ ومرارٌ ومرارةٌ مراراتٌ وثمامُ وثمامةُ وثماماتٌ وجراد وجرادة وجراداتٌ وحمامٌ وحمامةٌ وحماماتٌ. ومثله من بنات الياء والواو وعظاءة وعظاءات وملاء وملاءة وملاءات وقد قالوا: سفائنُ ودجائج وسحائب. وقالوا: دجاجٌ كما قالوا: طلحةٌ وطلاحٌ وجذبةٌ وجذابٌ. وكلّ شيء كان واحداً مذكراً يقع على الجميع فإنَّ واحده وإياه بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف مما ذكرنا كثرت عدّة حروفه أو قلَّت. وأمّا ما كان من بنات الأربعة لا زيادة فيه فإنّه يكسّر على مثال مفاعل وذلك قولك: ضفدعٌ وضفادعٌ وحبرجٌ وحبارجُ وخنجرٌ وخناجر وجنجنٌ وجناجن وقمطرٌ وقماطر. فإن عنيت الأقلّ لم تجاوز ذا لأنَّك لا تصل إلى التاء لأنَّه مذكّر ولا إلى بناءٍ من أبنية أدنى العدد لأنَّهم لا يحذفون حرفاً من نفس الحرف إذ كان من كلامهم أن لا يجاوزوا بناء الأكثر وإن عنوا الأقل. فإن عنوا الأقل. فإن كان فيه حرفٌ رابعٌ حرف لين وهو حرف المدّ كسَّرته على مثال مفاعيل وذلك قولك: قنديلٌ وقناديلُ وخنذيذٌ وخناذيذً وكرسوعٌ وكراسيعُ وغربالٌ وغرابيلُ. واعلم أنَّ كلَّ شيء كان من بنات الثلاثة فلحقته الزيادة فبنى بناء بنات الأربعة وألحق ببنائها فإنّه يكسِّر على مثال مفاعل كما تكسّر بنات الأربعة وذلك: جدولٌ وجداول وعثيرٌ وعثاير وكوكبٌ وكواكبٌ وتولبٌ وتوالبٌ وسلَّم وسلالم ودمَّل ودمامل وجندبٌ وجنادبُ وقرددٌ وقرادد وقد قالوا: قراريد كراهية التضعيف. وكذلك هذا النحو كلُّه. وما لم يلحق ببنات الأربعة وفيها زيادة وليست بمدَّة فإنَّك إذا كسَّرته كسَّرته على مثال مفاعل وذلك: تنضبٌ وتناضب وأجدل وأجادل وأخيل وأخايل. وكل شيء مما ذكرنا كانت فيه هاء التأنيث يكسر على ما ذكرنا إلا أنك تجمع بالتاء إذا أردت بناء ما يكون لأدنى العدد وذلك قولك جمجمة وجماجم وزردمة وزرادم ومكرمة ومكارم وعودقة وعوادق وهو الكلوب الذي يخرج به الدلو. وكلُّ شيء من بنات الثلاثة قد ألحق ببنات الأربعة فصار رابعه حرف مدّ فهو بمنزلة ما كان من بنات الأربعة له رابعٌ حرف مدٍّ وذلك: قرطاطٌ وقراطيطُ وجرينالٌ وجرابيلُ وقرواحٌ وقراويحُ. وكذلك ما كانت فيه زيادة ليست بمدّة وكان رابعه حرف مدٍّ ولم يبن بناء بنات الأربعة التي رابعها حرف مدّ وذلك نحو: كلُّوبٍ وكلاليب ويربوعٍ ويرابيع. وما كان من الأسماء على فاعلٍ أو فاعلٍ فإنّه يكسّر على بناء فواعل وذلك: تابلٌ وتوابلُ وطابقٌ وطوابقُ وحاجر وحواجر وحائط وحوائط. وقد يكسرون الفاعل على فعلانٍ نحو: حاجرٍ وحجرانٍ وسالًّ وسلانٍ وحائر وحورانٍ وقد قال بعضهم: حيرانٌ كما قالوا: جانٌ وجنانٌ وكما قال بعضهم: غائطٌ وغيطانُ وحائطٌ وحائطٌ وحيطانٌ قلبوها حيث صارت الواو بعد كسرة. فالأصل فعلانُ. وقد قالوا: غالٌّ وغلاَّنٌ وقالقٌ وفلقانٌُ ومالٌّ ملّلان. ولا يمتنع شيء من ذا من فواعل. وأمَّا ما كان أصله صفة فأجرى الأسماء فقد يبنونه على فعلانٍ كما يبنونها وذلك: راكبٌ وركبانٌ وصاحبٌ وصحبانٌ وفارسٌ وفرسانٌ وراعٍ ورعيانٌ. وقد كسّروه على فعالٍ قالوا صحابٌ حيث أجروه مجرى فعيلٍ نحو: جريبٍ وجربانٍ. وسترى بيانه إن شاء الَّله لم أجرى ذلك المجرى. فإدخلوا الفعال ههنا كما أدخلوه ثمَّة حين قالوا: إفالٌ وفصالٌ وذلك نحو صحابٍ. ولا يكون فيه فواعل كما كان في تابلٍ وخاتمٍ وحاجرٍ لأن أصله صفة وله مؤنّث فيفصلون بينهما إلّا في فوارس فإنَّهم قالوا: فوارس كما قالوا: حواجر لأنَّ هذا اللفظ لا يقع في كلامهم إلَّا للرجال وليس في أصل كلامهم أن يكون إلّا لهم. فلّما لم يخافوا الالتباس قالوا فواعلُ كما قالوا فعلانٌ وكما قالوا: حوارثُ حيث كان اسماً خاصاً كزيدٍ. باب ما يجمع من المذكّر بالتاء


فمنه شيء لم يكّسر على بناء من أبنية الجمع بالتاء إذ منع ذلك وذلك قولهم: سرادقاتٌ وحمَّاماتٌ وإواناتٌ ومنه قولهم: جملٌ سبحلٌ وجمالٌ سبحلاتٌ وربحلاتٌ وجمالٌ سبطراتٌ. وقالوا: جوالقٌ وجواليقُ فلم يقولوا: جوالقاتٌ حين قالوا: جواليق. والمؤنث الذي ليس فيه علامة التأنيث أجرى هذا المجرى. ألا ترى أنك لا تقول: فرسناتٌ حين قالوا فراسن ولا خنصراتٌ حين قالوا: خناصرُ ولا محاجاتٌ حين قالوا: محالجُ ومحاليجٌ. وقالوا: عيراتٌ حين لم يكسّروها على بناء يكسَّر عليه مثلها. وربَّما جمعوه بالتاء وهم يكسّرونه على بناء الجمع لأنه يصير إلى بناء التأنيث فشبهوه بالمؤنث الذي ليس فيه هاء التأنيث وذلك قولهم: بواناتٌ وبوانٌ للواحد وبونٌ للجميع كما قالوا: عرساتٌ وأعراسٌ فهذه حروفٌ تحفظ ثم يجاء بالنظائر. وقد قال بعضهم في شمالٍ: شمالاتٌ باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله


ولم يكسّر هو على ذلك البناء فمن ذلك قولهم: رهطٌ وأراهط كأنَّهم كسّروا أرهط. ومن ذلك باطلٌ وإبطيلُ لأنَّ ذا ليس بناء باطلٍ ونحوه إذا كسّرته فكأنَّه كسّرت عليه أباطيل وإبطالٌ. ومثل ذلك: كراعٌ وأكارع لأنّ ذا ليس من أبنية فعالٍ إذا كسر بزيادة أو بغير زيادة فكأنّه كسّر عليه أكرعٌ. ومثل ذلك حديثٌ وأحاديث وعروضٌ وأعارض وقطيعٌ وأقاطيعُ لأنّ هذا لو كسّرته إذ كانت عَّدة حروفه أربعة أحرف بالزيادة التي فيها لكانت فعائل ولم تكن لتدخل زيادة تكون في أوَّل الكلمة كما أنَّك لا تكسِّر جدولاً ونحوه إلّا على ما تكَّسر عليه بنات الأربعة. فكذلك هذا إذا كسّرته بالزيادة لا تدخل فيه زيادةٌ سوى زيادته فيصير اسماً أوّله ألف ورابعه حرف لين. فهذه الحروف لم تكَّسر على ذا. ألا ترى أنك لو حقّرتها لم تقل: أحيديثٌ ولا أعيريضٌ ولا أكيريعٌ. فلو كان ذا أصلاً لجاز ذا التحقير وإنَّما يجري التحقير على أصل الجمع إذا أردت ما جاوز ثلاثة أحرف مثل مفاعل ومفاعيل. ومثل: أراهط أهلٌ وأهالٍ وليلةٌ وليالٍ: جمع أهلٍ وليلٍ. وقالوا: لييليةٌ فجاءت على غير الأصل كما جاءت في الجمع كذلك. وزعم أبو الخطّاب أنّهم يقولون: أرضٌ وآراضٌ أفعالٌ كما قالوا: أهلٌ وآهالٌ. وقد قال بعض العرب: أمكنٌ كأنّه جمع مكنٍ لا مكانٍ لأنّا لم نر فعيلاً ولا فعالاً ولا ِفعالاً ولا فُعالاً يكسّرون مذكّراتٍ على أفعلٍ. ليس ذا لهنَّ طريقةً يجرين عليها في الكلام. ومثل ذلك: توأمٌ وتؤامٌ كأنّهم كسّروا عليه تئم كما قالوا: ظئرٌ وظؤارٌ ورخلٌ ورخالٌ. وقالوا: كروانٌ وللجميع كروانٌ فإنّما يكسر عليه كرىً كما قالوا إخوانٌ. وقد قالوا في مثلٍ: " أطرق كوا ومثل ذلك: حمارٌ وحميرٌ. ومثل ذا: أصحابٌ وأطيارٌ وفلوُّ وأفلاءُ. باب ما عدّة حروفه خمسةُ أحرف


خامسه ألف التأنيث أو ألفا التأنيث أمّا ما كان فعالي فإنهَّ يجمع بالتاء. وذلك: حباري وحبارياتٌ وسماني وسمانياتٌ ولبادي ولبادياتٌ. ولم يقولوا: حبائر ولا حباري ولا حبار ليفرقوا بينها وبين فعلاءً وفعالةٍ وأخواتها وفعيلةٍ وفعالةٍ وأخواتها. وأمَّا ما كان آخره ألفا التأنيث وكان فاعلاء فإنّه يكسَّر على فواعل شبّه بفاعلةٍ لأنّه علم تأنيث كما أنّ الهاء في فاعلة علم التأنيث. وذلك: قاصعاء وقواصع ونافقاء ونوافق ودامَّاء ودوام. وسمعنا من يوثق به من العرب يقول: سابياء وسوابٍ وحانياء وحوانٍ وحاوياء وحواياً. وقالوا: خنفساء: وخنافس شبّهوا ذا بعنصلاء وهناصل وقنبراء وقنابر. باب جمع الجمع


أمّا أبنية أدنى العدد فتكسّر منها أفعلة وأفعل على فاعل على أفاعل لأنَّ أفعلاً بزنة أفعل قال الأجز: تحلب منها ستَّة الأواطب وأسقية وأساقٍ وأمَّا ما كان أفعالاً فإنّه يكسّر على أفاعيل لأنَّ أفعالاً بمنزلة إفعال وذلك نحو: أنعامٍ وأناعيم وأقوالٍ وأقاويل. وقد جمعوا أفعلةً بالتاء كما كسّروها على أفاعل شبّهوها بأنملةٍ وأنامل وأنملات وذلك قولهم: أعطيات وأسقيات. وقالوا: جمال وجمائل فكسّروها عل فعائل لأنها بمنزلة شمالٍ وشمائل في الزِّنة. وقد قالوا: جمالات فجمعةها يالاء كما قالواك رجالات وقالوا: كلابات. ومثل ذلك: بيوتات. عملوا بفعولٍ ما عملوا بفعالٍ. ومثل ذلك: الحمرات والطُّرقات والجزرات فجعلوا فعلا إذ كانت للجمع كفعالٍ الذي هو للجمع كما جعلوا الجمال إذ كان مؤنثاً في جمع التاء نحو: جمالاتٍ بمنزلة ما ذكرنا من المؤنّث نحو: أرضاتٍ وعيراتٍ وكذلك الطُّرق والبيوت. واعلم أنه ليس كلُّ جمع يجمع كما أنَّه ليس كلُّ مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألبان: ألا تر ى أنك لا تجمع الفكر والعلم والنَّظر. كما أنَّهم لا يجمعون كلّ اسم يقع على الجميع نحو: التَّمر وقالوا: التُّمرات. ولم يقولوا: أبرار ويقولون: مصران ومصارين كأبيات وأبابيت وبيوتٍ وبيوتاتٍ. ومن ذا الباب أيضاً قولهم: أسورة وأساورة. وقالوا: عوذ وعوذات كما قالوا: جزرات. قال الشاعر: لها بحقيل فالثُّميرة موضع ** ترى الوحش عوذات به ومتاليا وقالوا: دورات كما قالوا: عوذات. وقالوا: حشان وحشاشين مثل مصران ومصارين وقال: ترعى أناضٍ من جزيز الحمض جمع الأنضاء وهو جمع نضوٍ. هذا باب ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف


وقد أعرب فكسّرته على مثال مفاعل زعم الخليل أنَّهم يلحقون جمعه الهاء إلا قليلا. وكذلك وجدوا أكثره فيما زعم الخليل. وذلك: مؤرخ وموازجة وصولج وصوالجة وكربج وكرابجة وطيلسان وطيالسة وجورب وجواربة. وقد قالوا: جوارب وكيالج جعلوها كالصَّوامع والكواكب. وقد أدخلوا الهاء أيضاً فقالوا كيالجة. ونظيره في العربية صيقل وصياقلة وصيرف وصيارفة وقشعم وقشاعمة فقد جاء إذا أعرب كملكٍ وملائكةٍ. وقالوا: أناسية لجمع إنسانٍ. وكذلك إذا كسّرت الاسم وأنت تريد آل فلانٍ أو جماعة الحيّ أو بني فلان. وذلك قولك: المسامعة والمناذرة والمهالبة والأحامرة والأزارقة. وقالوا: الدّياسم وهو ولد الذئب والمعاول كما قالوا: جوارب شبّهوه بالكواكب حين أعرب. وجعلوا الدّياسم بمنزلة الغيالم والواحد غيلم. ومثل ذلك الأشاعر. وقالوا: البرابرة والسّيابجة فاجتمع فيها الأعجمية وأنَّها من الإضافة إنَّما يعني البرَّبرييَّن والسيبجييَّن كما أردت بالمسامعة المسمعييِّن. فأهل الأرض كالحيّ. باب ما لفظ به مما هو مثنًّى


كما لفظ بالجمع وهو أن يكون الشيئان كلُّ واحد منهما بعض شيء مفردٍ من صاحبه. وذلك قولك: ما أحسن رءوسهما وأحسن عواليهما. وقال عزّ وجلَّ: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " " والسّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما " فرقوا بين المثَّنى الذي هو شيءٌ على حدةٍ وبين وقد قالت العرب في الشيئين الَّلذين كلُّ واحد منهما اسمٌ على حدة وليس واحدٌ منهما بعض شيء كما قالوا في ذا لأَّن التثنية جمعٌ فقالوا كما قالوا: فعلنا. وزعم يونس أنّهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما وإنمَّا هم اثنان. قال الله عزَّ وجلَّ " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان " وقال: " كّلا فاذهبا بآياتنا إناَّ معكم مستمعون ". وزعم يونس أنهّم يقولون: ضربت رأسيهما. وزعم أنهَّ سمع ذلك من رؤبة أيضاً أجروه على القياس. قال هميان بن قحافة: ظهراهما مثل ظهور الترسين وقال الفرزدق: هما نفثا في فيَّ من فمويهما على النابح العاوى أشدَّ رجام وقال أيضاً: بما في فؤادينا من الشَّوق والهوى فيجبر منهاض الفؤاد المشَّعف واعلم أنَّ من قال: أقاويل وأبابيب في أبياتٍ وأنابيب في أنيابٍ لا يقول: أقوالان ولا أبياتان. قلت: فلم ذلك قال: لأنكَّ لا تريد بقولك: هذه أنعامٌ وهذه أبياتٌ وهذه بيوتٌ ما تريد بقولك: هذا رجلٌ وأنت تريد هذا رجلٌ واحد ولكنك تريد الجمع. وإنَّما قلت: أقاويل فبنيت هذا البناء حين أردت أن تكثَّر وتبالغ في ذلك كما تقول: قطّعه وكسّره حين تكثِّر عمله. ولو قلت: قطعه جاز واكتفيت به. وكذلك تقول: بيوتٌ فتجزيء به. وكذلك الحلم والبسر والتَّمر إلاّ أن تقول: عقلان وبسران وتمران أي ضربان مختلفان. وقالوا: إبلان لانه اسم لم يكسَّر عليه وإنمَّا يريدون قطيعين وذلك يعنون. وقالوا: لقاحان سوداوان جعلوهما بمنزلة ذا. وإنمّا تسمع ذا الضرب ثم تأتي بالعلة والنظائر. وذلك لأنّهم يقولون لقاحٌ واحدةٌ كقولك: قطعةٌ واحدة. وهو في أبلٍ أقوى لأنه لم يكسَّر عليه شيء. وسألت الخليل عن ثلاثة كلابٍ فقال: يجوز في الشعر شبهّوه بثلاثة قرودٍ ونحوها ويكون ثلاثة كلابٍ على غير وجه ثلاثة أكلبٍ ولكن على قوله ثلاثةٌ من الكلاب كأنَّك قلت: ثلاثة عبدي الله. وإن نوّنت قلت: ثلاثةٌ كلاب على معنًى كأَّنك قلت: ثلاثةٌ ثم قلت: كلابٌ. قال الراجز لبعض السعديِّين: كأنَّ خصييه من التدلدل ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل وقال: قد جعلت ميٌّ على الظِّرار خمس بنانٍ قانئ الأظفار لم يكسر عليه واحده ولكنه بمنزلة قومٍ ونفرٍ وذودٍ إلاّ أنَّ لفظه من لفظ واحده وذك قولك: ركبٌ وسفرٌ. فالرَّكب لم يكسّر عليه راكبٌ. ألا ترى أنكَّ تقول في التحقير: ركيبٌ وسفيرٌ فلو كان كسّر عليه الواحد ردَّ إليه فليس فعلٌ مما يكسَّر عليه الواحد للجميع. ومثل ذلك: طائر وطيرٌ وصاحبٌ وصحبٌ. وزعم الخليل أنَّ مثل ذلك الكمأة وكذلك الجبأة ولم يكسَّر عليه كمءٌ تقول: كميئةٌ فإنّما هي بمنزلة صحبةٍ وظؤرةٍ وتقديرها ظعرةٌ ولم يكسّر عليها واحد كما أنَّ السفَّر لم يكسَّر عليه المسافر وكما أنَّ القوم لم يكسَّر عليه واحد. ومثل ذلك: أديمٌ وأدمٌ. والدليل على ذلك انكَّ تقول: هو الأدم وها أديمٌ. ونظيره أفيقٌ وأفقٌ وعمودٌ وعمدٌ. وقال يونس: يقولون هو العمد. ومثل ذلك: حلقةٌ وحلقٌ وفلكةٌ وفلكٌ فلو كانت كسّرت على حلقةٍ كما كسّروا ظلمةً على ظلمٍ لم يذكّروه فليس فعلٌ مما يكسّر عليه فعلةٌ. ومثله فيما حدثنا أبو الخطّاب نشفةٌ ونشفٌ وهو الحجر الذي يتدلّك به. ومثل ذلك: الجامل والباقر لم يكسّر عليهما جملٌ ولا بقرةٌ. والدليل عليه التذكير والتحقير وأنّ فاعلاً لا يكّسر عليه شيءٌ. فبهذا استدل على هذه الأشياء. وهذا النحو في كلامهم كثير. ومثل ذلك في كلامهم: أخٌ وإخوةٌ وسرىٌّ وسراةٌ. ويدلك على هذا قولهم: سرواتٌ فلو كانت وقد قالوا: فارهٌ وفرهةٌ مثل صاحبٍ وصحبةٍ كما أن راكبٌ وركبٌ بمنزلة صاحبٍ وصحبٍ. ومثل ذلك: غائبٌ وغيبٌ وخادمٌ وخدم. فإنمَّا الخدم ههنا كالأدم. ومثل هذا: إهابٌ وأهبٌ. ومثله ماعزٌ ومعزٌ وضائنٌ وضأنٌ وعازبٌ وعزيبٌ وغازٍ وغزيٌّ. أجرى مجرى القاطن والقطين. وكذلك التَّجر والشَّرب. قال امرؤ القيس: سريت بهم حتَّى تكلّ غزّيهم ** وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان باب تكسير الصفة للجمع


وأمّا ما كان فعلاً فإنّه يكسر على فعالٍ ولا يكسّر على بناء أدنى العدد الذي هو لفعلٍ من الأسماء لأنهَّ لا يضاف إليه ثلاثةٌ وأربعةٌ ونحوهما إلى العشرة وإنمَّا يوصف بهن فأجرين غير مجرى الأسماء. وذلك: صعبٌ وصعابٌ وعبلٌ وعبالٌ وفسلٌ وفسالٌ وخدلٌ وخدالٌ. وقد كسّروا بعضه على فعولٍ. وذلك نحو: كهلٍ وكهولٍ. وسمعنا من العرب من يقول: فسلٌ وفسولٌ فكسّروه على فعول كما كسَّروه عليه إذ كان اسماً وكما شركت فعالٌ فعولاً في الاسم. واعلم أنهَّ ليس شيء من هذا إذا كان للآدميّين يمتنع من أن تجمعه بالواو والنون. وذلك قولك: صعبون وخدلون. وقال الراجز: قالت سليمى لا أحبُّ الجعدين ولا السبَّاط إنهّم مناتين وجميع هذا إذا لحقته الهاء لتأنيث كسّر على فعالٍ وذلك: عبلةٌ وعبالٌ وكمشةٌ وكماشٌ وجعدةٌ وجعادٌ. وليس شيءٌ من هذا يمتنع من التاء غير أنكَّ لا تحرك الحرف الأوسط لأنهّ صفة. وقالوا. شياهٌ لجباتٌ فحركوا الحرف الأوسط لأنّ من العرب من يقول: شاةٌ لجبةٌ فإنمَّا جاءوا بالجمع على هذا واتفقوا عليه في الجمع. وأمّا ربعةٌ فإنهم يقولون: رجالٌ ربعاتٌ ونسوةٌ ربعاتٌ وذلك لأنَّ أصل ربعةٍ اسم مؤنَّث وقع على المذكّر والمؤنّث فوصفا به ووصف المذكّر بهذا الاسم المؤنّث كما يوصف المذكّرون بخمسة حين يقولون: رجالٌ خمسةٌ وخمسةٌ اسم مؤنث وصف به المذكّر. وقد كسروا فعلاً على فعلٍ فقالوا: رجلٌ كثٌّ وقوم كثٌّ وقالوا: ثطٌّ وثطٌّ وجونٌ وجونٌ. وقالوا: سهمٌ حشرٌ وأسهمٌ حشرٌ. وسمعنا من العرب من يقول: قومٌ صدق اللقاء والواحد صدق اللقٍّاء. وقالوا: فرسٌ وردٌ وخيل وردٌ. وقد كسروا ما استعمل منه استعمال الأسماء على أفعلٍ وذلك: عبدٌ وأعبدٌ. وقالوا: عبيدٌ وعبادٌ كما قالوا: كليبٌ وكلابٌ وأكلبٌ. والشيخ نحو من ذلك قالوا: أشياخٌ كما قالوا: أبياتٌ وقالوا: شيخانٌ وشيخةٌ. ومثله: ضيفٌ وضيفانٌ مثل: رألٍ ورئلانٍ. وقالوا: ضيفٌ وضيوفٌ وقالوا: وغدٌ ووغدانٌ كما فالوا ظهورٌ ظهرانٌ وقالوا: وغدانٌ فشبهُّ بعبدٍ وعبدانٍ. ومع ذا إنهّم ربمّا كسّروا الصفة كما يكسرون الأسماء وسترى ذلك إن شاء الله. وأمّا ما كان فعلاً فإنّهم يكسّرونه على فعالٍ كما كسّروا والفعل واتفقا عليه كما انهما متّفقان عليه في الأسماء. وذلك قولك: حسن وحسانٌ وسبطرٌ وسباطٌ وقططٌ وقطاطٌ. وربمَّا كسّروه على أفعالٍ لأنهَّ ممَّا يكسَّر عليه فعلٌ فاستغنوا به عن فعالٍ. وذلك قولهم: بطلٌ وأبطالٌ وعزبٌ وأعزابٌ وبرمٌ وأبرامٌ. وأمَّا ما جاء على فعل الذي جمعه فعالٌ فإذا لحقته الهاء للتأنيث كسّر على فعالٍ كما فعل ذلك بفعلٍ. وليس شيء من هذا للآدميين يمتنع من الواو والنون وذلك قولك: حسنون وعزبون. وأمّا ما كان من فعلٍ على أفعال فإنَّ مؤنثّه إذا لحقته الهاء جمع بالتاء نحو بطلةٍ وبطلاتٍ من قبل أن مذكّره لا يجمع على فعالٍ فيكسَّر هو عليه ولا يجمع على أفعالٍ لأنّه ليس مما يكّسر وقالوا: رجلٌ صنعٌ وقومٌ صنعون ورجلٌ رجلٌ وقومٌ رجلون - والرّجل هو الرّجل الشعّر - ولم يكسروهما على شيء استغنى بذلك عن تكسيرهما. وإنَّما منع فعلٌ أن يطرّد اطِّراد فعلٍ أنّه أقلّ في الكلام من فعلٍ صفةً. كما كان أقلّ منه في الأسماء. وهو في الصفة أيضاً قليل. وأمّا الفعل فهو في الصفات قليل وهو قولك: جنبٌ. فمن جمع من العرب قال: أجنابٌ كماقالوا: أبطالٌ فوافق فعلٌ فعلاً في هذا كما وافقه في الأسماء. وإن شئت قلت: جنبون كما قالوا صنعون. وقالوا: رجلٌ شللٌ وهو الخفيف في الحاجة فلا يجاوزون شللون. وأمّا ما كان فعلاً فإنهَّم قد كسّروه على أفعالٍ فجعلوه بدلاً من فعولٍ وفعالٍ إذ كان أفعالٌ ما يكسَّر عليه الفعل وهو في القلّة بمنزلة فعلٍ أو أقلّ. وذلك قولك: جلفٌ وأجلافٌ ونضوٌ وأنضاءٌ ونقضٌ وأنقاضٌ. ومؤنثّه إذا لحقته الهاء بمنزلة مؤنَّث ما كسّر على أفعالٍ من باب فعلٍ. وقد قال بعض العرب: أجلفٌ كما قالوا: أذؤبٌ حيث كسّروه على أفعل كما كسّروا الأسماء. وقالوا: أرجلٌ صنعٌ وقومٌ صنعون ولم يجاوزوا ذلك. وليس شيء مما ذكرنا يمتنع من الواو والنون إذا عنيت الآدمييّن. وقالوا: جلفون ونضوون. وقالوا: علجٌ وعلجةٌ فجعلوها كالأسماء كما كان العلج كالأسماء حين قالوا: أعلاجٌ. ومثله في القلّة فعلٌ يقولون: رجلٌ حلوٌ وقومٌ حلوون. ومؤنَّثه يجمع بالتاء. وقالوا: مرٌّ وأمرارٌ ويقولون: رجلٌ جدٌّ للعظيم الجدِّ فلا يجمعونه إلاّ بالواو والنون كما لم يجمعوا صنعٌ إلاّ كذلك يقولون: جدّون. وصار فعلٌ أقل من فعلٍ في الصفات إذ كان أقلّ منه في السماء. وأمّا ما كان فعلاً فإنّه لم يكسِّر على ما كسّر عليه اسماً لقلّته في الأسماء ولأنه لم يتمكَّن في الأسماء للتكسير والكثرة والجمع كفعلٍ فلمّا كان كذلك وسهلت فيه الواو والنون تركوا التكسير وجمعوه بالواو والنون. وذلك: حذرون وعجلون ويقظون وندسون فألزموه هذا إذ كان فعلٌ وهو أكثر منه قد منع بعضه التكسير نحو: صنعون ورجلون ولم يكسّروا هذا على بناء أدنى العدد كما لم يكسّروا الفعل عليه. وإنما صارت الصفة أيعد من الفعول والفعال لأن الواو والنون يقدر عليهما في الصفة ولا يقدر عليهم في الأسماء لأن الأسماء أشدّ تمكناً في التكسير. وقد كسّروا أحرفاً منه على أفعالٍ كما كسّروا فعلاً وفعلاً. قالوا: نجدٌ وأنجادٌ ويقظٌ وأيقاظٌ. وفعلٌ بهذه المنزلة وعلى هذا التفسير وذلك قولهم: قومٌ فزعون وقومٌ فرقون وقومٌ وجلون. وقالوا: نكدٌ وأنكادٌ كما قالوا: أبطالٌ وأجلافٌ وأنجادٌ فشبَّهوا هذا بالأسماء لأنّه بزنتها وعلى بنائها. باب تكسيرك ما كان من الصفات


أمّا ما كان فاعلاً فإنّك تكسّره على فعَّلٍ. وذلك قولك: شاهدٌ المصر وقومٌ شَّهدٌ وبازلٌ وبزَّلٌ وشاردٌ وشرَّدٌ وسابقٌ وسبَّقٌ وقارحٌ وقرّحٌ. ومثله من بنات الياء والواو التي هي عيناتٌ: صائمٌ وصوَّمٌ ونائمٌ ونوّمٌ وغائبٌ وغيّبٌ وحائضٌ وحيّضٌ. ومثله من الياء والواو التي هي لا مات: غزًّي وعفًّي. ويكسّرونه أيضاً على فعَّالٍ وذلك قولك: شهّاد وجهَّالٌ وركَّابٌ وعرَّاضٌ وزوّار وغيّابٌ. وهذا النحو كثير. ويكّسرونه على فعلةٍ وذلك نحو: فسقةٌ وبررةٌ وجهلةٌ وظلمةٌ وفجرةٌ وكذبةٌ. وهذا كثير. ومثله خونةٌ وحوكةٌ وباعةٌ. ونظيره من بنات الياء والواو التي هي لام يجيء على فعلةٍ نحو غزاة وقضاةٍ ورماةٍ. وقد جاء شيء كثير منه على فعلٍ شبهّوه بفعول حيث حذفت زيادته وكسّر على فعلٍ لأنه مثله في الزيادة والزنة وعدّة الحروف وذلك: بازلٌ وبزلٌ وشارفٌ وشرفٌ وعائذٌ وعوذٌ وحائلٌ وحولٌ وعائطٌ وعيطٌ. وقد يكسّر على فعلاء شبّه بفعيلٍ من الصفات كما شبّه في فعلٍ بفعول وذلك: شاعرٌ وشعراء وجاهلٌ وجهلاء وعالمٌ وعلماء يقولها من لا يقول إلاّ عالمٌ. وليس فعلٌ وفعلاءٌ بالقياس المتمّكن في ذا الباب. ومثل شاعر وشعراء صالح وصلحاء. وجاء على فعالٍ كما جاء فيما ضارع الاسم حين أجرى مجرى فعيلٍ هو والاسم حين قالوا فعلانٌ. وقد يجرون الاسم مجرى الصفة والصفة مجرى الاسم والصفة إلى الصفة أقرب. وذلك قولهم: جياعٌ ونيامٌ. وقالوا: فعلانٌ في الصفة كما قالوا في الصفة التي ضارعت الاسم وهي إليه أقرب من الصفة إلى الاسم وذلك: راعٍ ورعيانٌ وشابٌّ وشبّانٌ. وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كسّر على فواعل وذلك قولك: ضاربةٌ وضوارب وقواتل وخوارج. وكذلك إن كان صفة للمؤنّث ولم تكن فيه هاء التأنيث وذلك: حواسر وحوائض. ويكسّرونه على فعَّلٍ نحو: حيَّضٍ وحسَّرٍ ومخَّضٍ ونائمةٍ ونوٍَّم وزائرةٍ وزوّرٍ. ولا يمتنع شيء فيه الهاء من هذه الصفات من التاء وذلك قولك ضارباتٌ وخارجاتٌ. وإن كان فاعلٌ لغير الأدميّين كسّر على فواعل وإن كان المذكّر أيضاً أنه لا يجوز فيه ما جاز في الآدميين: وذلك قولك: جمالٌ بوازل وجمالٌ عواضه. وقد اضطر فقال في الرجال وهو الفرزدق: وإذا الرَّجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرِّقاب نواكس الأبصار فأما ما كان فعلا فنحو فقهاء وبخلاء وظرفاء وحلماء وكلماء وأمّا ما كان فعلاً فإنهّ يكسَّر على فعلاء وعلى فعال. فأمَّا ما كان فعلاء فنحو: ظريفٍ وظراف وكريم وكرامٍ ولثامٍ وبراءٍ. وفعالٌ بمنزلة فعيلٍ لأَّنهما أختان. ألا ترى انك تقول: طويلٌ وطوالٌ وبعيدٌ وبعادٌ. وسمعناهم يقولون: شجيعٌ وشجاعٌ وخفيفٌ وخفافٌ. وتدخل في مؤنَّث فعالٍ الهاء كما تدخلها في مؤنّث فعيل. وقالوا: رجلٌ شجاعٌ وقم شجعاء وجلٌ بعادٌ وقمٌ بعداء وطوالٌ وطوالٌ. فأمّا ما كان من هذا مضاعفا فإن يكسر على فعال كما كسر غير المضاعف وذلك شديد وشداد وحديد وحداء ونظير فعلا فيه أفعلاء وذلك شديد وشداد ولبيب وألباء وشحيح وأشحاء وإنما دعاهم إلى ذلك إذا كانت مما يكسر يكسّرون المضاعف على أفعلة نحو أشحّة كما كسّروه على أفعلاء. وإنمَّا هذان البناءان للأسماء يعني أفعلةً وأفعلاء. وكما جاز أفعلاءٍ جاز أفعلةٌ وهي بعد بمنزلتها في البناء وفي أنَّ آخره حرف تأنيث كما أنّ آخر هذا حرف تأنيث نحو: أشحَّة. وأمَّا ما كان من بنات الياء والواو فإنَّ نظير فعلاء فيه أفعلاء وذلك نحو: أغنياء وأشقياء وأغوياء وأكرياء وأصفياء. وذلك أنهَّم يكرهون تحريك هذه الواوات والياءات وقبلها حرف ولا نعلمهم كسّروا شيئاً من هذا على فعالٍ استغنوا بهذا وبالجمع بالواو والنون. وإنما فعلوا ذلك أيضاً لأنهّ من بنات الياء والواو أقل منه مما ذكرنا قبله من غير بنات الياء والواو. وأما ما كان من بنات الياء والواو التي الياء والواو فهن عينات فإنهّ لم يكسّر على فعلاءً ولا أفعلاء واستغنى عنهما بفعالٍ لأنهَّ أقلَّ ممّا ذكرنا وذلك: طويلٌ وطوالٌ وقويمٌ وقوامٌ. واعلم انه ليس شيء من ذا يكون للآدميين يمتنع من الواو والنون وذلك قولهم: ظريفون وطويلون ولبيبون وحكيمون. وقد كسّر شيء منه على فعلٍ شبه بالأسماء لأنّ البناء واحد وهو نذيرٌ ونذرٌ وجديدٌ وجددٌ وسديسٌ. وسدسٌ ومثل ذلك من بنات الياء ثنيٌّ وثنٍ. ومثل ذلك: شجعانٌ شبهّوه بجربانٍ. ومثله: ثنيٌّ وثنيانٌ. وقالوا: خصيٌّ وخصيانٌ شبهّوه بظلمنٍ كما قالوا: حلقانٌ وجذعانٌ شبّهوه بحملانٍ إذ كان البناء واحداً. وقد كسّروا منه شيئاً على أفعالٍ كما كسّروا عليه فاعلاً نحو: شاهدٍ وصاحب فدخل هذا على بنات الثلاثة كما دخل هذا لأنَّ العدَّة والزَّنة والزيادة واحدة. وذلك قولهم: يتيمٌ وأيتامٌ وشريفٌ وأشرافٌ. وزعم أبو الخطّاب أنهَّم يقولون: أبيلٌ وآباٌ وعدوٌّ وأعداءّ شَّبه بهذا لأنَّ فعيلاً يشبهه فعولٌ في كلّ شيء إلاّ أنّ زيادة فعولٍ الواو. وقالوا: صديقٌ وصدقٌ وأصدقاء كما قالوا: جديدٌ وجددٌ ونذيرٌ ونذرٌ. ومثله فصحٌ حيث استعمل كما تستعمل الأسماء. وإذا لحقت الهاء فعيلاً للتأنيث فإنَّ المؤنث يوافق المذكّر على فعالٍ وذلك: صبيحةٌ وصباحٌ وظريفةٌ وظراف. وقد كسّر على فعائل كما كسّرت عليه الأسماء وهو نظير أفعلاء وفعلاء ههنا وذلك: صبائح وصحائح وطبائب. وقد يدعون فعائل استغناء بغيرها كما أنّهم قد يدعون فعلاء استغناء بغيرها نحو قولهم: صغيرٌ وصغارٌ ولا يقولون: صغراء وسمينٌ وسمانٌ. ولا يقولون: سمناء كما أنهّم قد يقولون: سريٌّ ولا يقولون أسرياء وقالوا: خليفةٌ خلائف فجاءوا بها على الأصل وقالوا خلفاء من أجل أنة لا يقع إلا على مذكر فحملوا عليه المعنى وصاروا كأنهم جمعوا خليفٌ حيث علموا أنّ الهاء لا تثبت في التكسير. واعلم أنه ليس شيء من هذا يمتنع من ان يجمع بالتاء. وزعم الخليل أنّ قولهم: ظريفٌ وظروفٌ لم يكسر على ظريفٍ كما أن المذاكير لم تكسّر على ذكر. وقال أبو عمر: أقول في ظروفٍ هو جمع ظريفٍ كسّر على غير بنائه وليس مثل مذاكير. والدليل على أن ذلك أنكّ إذا صغَّرت قلت: ظريِّفون ولا تقول ذلك في مذاكير. وأمّا ما كان فعولاً فإنهَّ يكسَّر على فعلٍ عنيت جميع المؤنّث أو جميع المذكر وذلك قولك: صبورٌ وصبرٌ وغدورٌ وغدرٌ. وأمّا ما كان منه وصفاً للمؤنث فإنهَّم يجمعونه على فعائل كما جمعوا عليه فعيلةً لأنه مؤنث وذلك: عجوزٌ وعجائز وقالوا: عجزٌ كما قالوا صبرٌ وجدودٌ وجدائد وصعودٌ وصعائد. وقالوا للواله: عجولٌ وعجلٌ كما قالوا: عجوزٌ وعجزٌ وسلوبٌ وسلبٌ وسلائب كما قالوا عجائز وكما كسّروا الأسماء. وذلك: قدومٌ وقدائمٌ وقدمٌ وقلوصٌ وقلائص وقلصٌ. وقد يستغنى ببعض هذا عن بعض وذلك قولك: صعائد ولا يقال: صعدٌ ويقال: عجلٌ ولا يقال: عجائل. وليس شيء من هذا وإن عنيت به الآدميين يجمع بالواو والنون كما أنَّ مؤنثَّه لا يجمع بالتاء لأنه ليس فيه علامة التأنيث لأنه مذكّر الأصل. ومثل هذا مريٌّ وصفيٌّ قالوا: مرايا وصفايا. والمريُّ: التي يمريها الرجل يستدرُّها للحلب. وذلك لأّنهم يستعملونه كما تستعمل الأسماء. وقالوا للذَّكر: جزورٌ وجزائر لمّا لم يكن من الآدميين صار في الجمع كالمؤنث وشبّهوه بالذنوب والذّنائب كما كسّروا الحائط على الحوائط. وقالوا: رجلٌ ودودٌ ورجالٌ ودداء شبّهوه بفعيلٍ لأنه مثله في الزيادة والزنة ولم يتقَّوا التضعيف وقالوا: عدوٌّ وعدوةٌ شبهّوه بصديقٍ وصديقةٍ كما وافقه حيث قالوا للجميع: عدوٌّ وصديقٌ فأجرى مجرى ضدّه. وقد أجرى شيء من فعيلٍ مستويا في المذكّر والمؤنث شبّه بفعولٍ وذلك قولك: جديدٌ وسديسٌ وكتيبةٌ خصيفٌ وريح خريقٌ وقالوا: مديةٌ هذامٌ ومديةٌ جرازٌ جعلوا فعالاً بمنزلة أختها فعيل. وقالوا: فلوٌّ فلوّةٌ لأنها اسم فصارت كفعيل وفعيلةٍ. وقالوا: امرأٌة فروقةٌ وملولةٌ جاءوا به على التأنيث كما قالوا: حمولةٌ. ألا ترى أنه في المذكّر والمؤنّث والجمع فهي لا تغيرَّ كما لا تغيرَّ حمولةٌ فكما كانت حمولةٌ كالطَّريد كان هذا كربعةٍ. وأمّا فعالٌ بمنزلة فعول. وذلك قولك: صناعٌ وصنعٌ كما قالوا: جمادٌ وجمدٌ وكما قالوا: صبورٌ وصبرٌ. ومثله من بنات الياء والواو التي الواو عينها: نوارٌ ونورٌ وجوادٌ وجودٌ وعوانٌ وعونٌ فأمر فعال كأمر فعولٍ. ألا ترى انَّ الهاء لا تدخل في مؤنثه كما لا تدخل في مؤنث فعولٍ. وتقول: رجلٌ جبانٌ وقومٌ جبناء شبهّوه بفعيلٍ لأنهّ مثله في الصفة والزنة والزيادة. وأمّا فعالٌ فبمنزلة فعالٍ. ألا ترى أنكّ تقول: ناقةٌ كناز اللحم وتقول للجمل العظيم: جملٌ كنازٌ ويقولون كنزٌ. وقالوا: رجلٌ لكاك اللحم وسمعنا العرب يقولون للعظيم كنازٌ. فإذا جمعت وزعم الخليل أن قولهم: هجانٌ للجماعة بمنزلة ظراف وكسّروا عليه فعالاً فوافق فعيلاً ههنا كما يوافقه في الأسماء. وزعم أبو الخطّاب أنهم يجعلون الشمّال جميعاً فهذا نظيره. وقالوا: شمائل كما قالوا: هجائن. وقالوا: درعٌ دلاصٌ وأدرعٌ دلاصٌ كأنه كجوادٍ وجياد. وقالوا: دلصٌ كقولهم: هجنٌ. ويدلك على أن دلاصاً وهجاناً جمع لدلاصٍ وهجان وأنهّ كجوادٍ وجياد وليس كجنب قولهم: هجانات ودلاصان. فالتثنية دليل في هذا النحو. وأمّا ما كان مفعالاً فإنهّ يكسر على مثال مفاعيل كالأسماء وذلك لأنهّ شبهّ بفعولٍ حيث كان المذكّر والمؤنّث فيه سواءً. وفعل ذلك به كما كسّر فعولٌ على فعلٍ فوافق الأسماء. ولا يجمع هذا بالواو والنون كما لا يجمع فعولٌ. وذلك قولك: مكثارٌ ومكاثير ومهذارٌ ومهاذير ومقلاتٌ ومقاليت. وما كان مفعلاً فهو بمنزلته لأنه للمذكّر والمؤنث سواءٌ. وكذلك مفعيلٌ لأنه لمذكّر والمؤنث سواءٌ. وأمّا مفعلٌ فنحو: مدعسٍ ومقولٍ تقول: مداعس ومقاول. وكذلك المرأة. وأمّا مفعيلٌ فنحو: محضيرٍ ومحاضير ومئشيرٍ ومآشير. وقالوا: مسكينةٌ شبّتهت بفقيرةٍ حيث لم يكن في معنى الإكثار فصار بمنزلة فقيرٍ وفقيرة. فإن شئت قلت: مسكينون كما تقول فقيرون. وقالوا مساكين كما قالوا: مآشير وقالوا أيضاً: امرأةٌ مسكينةٌ فقاسوه على امرأة جبانٍ وهي رسولٌ لأنّ مفعيلاً من هذا النحو الذي يجمع هكذا. وأمّا ما كان فعّالا فإنهّ لا يكسّر لأنهّ تدخله الواو والنون فيستغني بهما ويجمع مؤنثّه بالتاء لأن الهاء تدخله ولم يفعل به ما فعل بفعيلةٍ ولا بالمذكّر ما فعل بفعيلٍ. وكذلك فعالٌ. فأمّا الفعاّل فنحو شرَّابٍ وقتالٍ. وأمّا الفعّال فنحو: الحسّان والكرّام يقولون: شرَّابون وقتالون وحسّانون وكرّامون. وكرهوا أن يجعلوه كالأسماء حيث وجدوا مندوحة. وقد قالوا: عوارٌ وعواوير شّبهوه بمنفّاز ونقاقيز. وذلك أنهّم قلمَّا يصفون به المؤنث فصار بمنزلة مفعالٍ ومفعيل ولم يصر بمنزلة فعَّالٍ وكذلك مفعولٌ. وأمّا الفعِّيل فنحو: الشِّريِّب والفسِّيق تقول: شرِّيبون وفسيِّقون. والمفعول نحو مضروب تقول: مضروبون. غير أنهّم قد قالوا: مكسورٌ ومكاسير وملعونٌ وملاعين ومشئومٌ ومشائيم ومسلوخةٌ ومساليخ شبهوها بما يكون من الأسماء على هذا الوزن كما فعل ذلك ببعض ما ذكرنا. وكذلك مفعلٌ ومفعلٌ إلاَّ إنهَّم قد قالوا: منكرٌ ومناكير ومفطرٌ ومفاطير وموسر ومياسير. وفعل بمنزلة فعالٍ وذلك نحو: زملٍ وجبأ يجمع فعلٌ بالواو والنون وفعَّيل كذلك وهو زمَّيل. وكذلك أشباه هذا تجمع بالواو والنون مذكّرةً وبالتاء مؤنثةً. وأمّا مفعلٌ الذي يكون للمؤنث ولا تدخله الهاء فإنهَّ يكسّر. وذلك مطفلٌ ومطافل ومشدنٌ ومشادن. وقد قالوا على غير القياس: مشادين ومطافيل شّبهوه في التكسير بالمصعود والمسلوب فلم يجز فيها إلاّ ما جاز في الأسماء إذ لم يجمعا بالتاء. وأمّا فيعلٌ فبمنزلة فعّالٍ نحو: قيِّمٍ وسيِّدٍ وبيِّع يقولون للمذكّر بيعون وللمؤنث بيعاتٌ إلاّ أنّهم قالوا: ميِّتٌ وأمواتٌ شّبهوا فيعلاً بفاعلٍ حين قالوا: شاهدٌ وأشهادٌ. ومثل ذلك قيلٌ وأقيالٌ وكيسٌ وأكياسٌ فلو لم يكن الأصل فيعلاً لما جمعوه بالواو وانون فقالوا: قيلون وكيسون ولينون وميتون لأنهّ ما كان من فعلٍ فالتكسير فيه أكثر وما كان من فيعلٍ فالواو والنون فيه أكثر. ألا ترى أنَّهم يقولون: صعبٌ وصعابٌ وخدلٌ وخدالٌ وفسلٌ وفسالٌ وقالوا: هينٌ وهينون ولينٌ ولينون لأن اصله فيعل ولكنه خفف وحذف منه فلو كان قيل وكيس فعلا لم يكن أصلاً فعيلاً كان التكسير أغلب. وقد قالوا: ميِّتٌ وأمواتٌ فشبّهوه بذلك. ويقولون للمؤنث أيضاً أمواتٌ فيوافق المذكّر كما ومثل ذلك: امرأة حيَّةٌ وأحياءٌ ونضوةٌ وأنضاءٌ ونقضةٌ وأنقاضٌ كأنك كسّرت نقضاً لأنَّك إذا كسّرت فكأنَّ الحرف لا هاء فيه. وقالوا: هيِّنٌ وأهوناء فكسّروه على أفعلاء كما كسّروا فاعلاً على فعلاء ولم يقولوا: هوناء كراهية الضمة مع الواو فقالوا ذا كما قالوا: أغنياء حين فروا من غنياء. وكنضوةٍ نسوةٌ ونسوانٌ كأن الهاء لم تكن في الكلام كأنه كسّر نسوٌ. وقالوا: طيِّبٌ وطيابٌ وجيِّدٌ وجيادٌ كما قالوا: جياعٌ وتجارٌ. وقالوا: بينَّ وأبيناء كهيِّن وأهوناء. وأمّا ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة فإنهَّ يكسّر كما كسّر بنات الأربعة وذلك: قسورٌ وقساور وتوأمٌ وتوائم أجروه مجرى قشاعم وأجارب. ومثل ذلك: غيلمٌ وغاليم شبّهوه بسملق وسمالق. ولا يمتنع هذا أن تقول فيه إذا عنيت الآدميين قسورون وتوأمون كما أن مؤنّثه تدخله الهاء ويجمع بالتاء. وقد جاء شيء من فيعل في المذكّر والمؤنث سواءً قال الله جلَّ وعزَّ: " وأحيينا به بلدة ميتاً " وناقة ريِّض. قال الراعي: وكأنّ ريضها إذا ياسرتها كانت معوَّدة الرحيل ذلولا جعلوه بمنزلة سديسٍ وجديدٍ. والناقة الَّريِّض: الصَّعبة. وأمّا افعل إذا كان صفة فإنه يكّسر على فعلٍ كما كسّروا فعولاً على فعلٍ لأنّ افعل من الثلاثة وفيه زائدة كما أنّ فعولاً فيه زائدة وعدَّة حروفه كعدّة حروف فعول إلاّ أنّهم لا يثقلون في أفعل في الجمع العين إلا ان يضطر شاعر وذلك: أحمر وحمرٌ وأخضر وخضرٌ وأبيض وبيضٌ وأسود وسودٌ. وهو مما بكسّر على فعلانٍ وذلك: حمرانٌ وسودانٌ وبيضانٌ وشمطانٌ وأدمانٌ. والمؤنث من هذا يجمع على فعلٍ وذلك: حمراء وحمرٌ وصفراء وصفرٌ. وأمّا الأصغر والأكبر فإنه يكسّر على أفاعل. ألا ترى أنكَّ لا تصف به كما تصف بأحمر ونحوه لا تقول: رجلٌ أصغر ولا رجلٌ أكبر. سمعنا العرب تقول الأصاغرة كما تقول: القشاعمة وصيارفةٌ حيث خرج على هذا المثال فلمَّا لم يتمكَّن هذا في الصفة كتمكن أحمر أجرى مجرى أجدلٍ وأفكلٍ كما قالوا: الأباطح والأساود حيث استعمل استعمال الأسماء. وإن شئت قلت الأصفرون واللأكبرون فاجتمع الواو والنون والتكسير ههنا كما اجتمع الفعل والفعلان. وقالوا: الآخرون ولم يقولوا غيره كراهية ان يلتبس بجماع آخر ولأنهّ خالف أخواته في الصفة فلم تمكَّن تمكنَّها كما لم تصرف في النكرة. ونظير الأصغرين قوله تعالى: " بالأخسرين أعمالاً ". وأمّا فعلان إذا كان صفة وكانت له فعلى فإنه يكسّر على فعالٍ بحذف الزيادة التي في آخره كما حذفت ألف إناثٍ وألف ربابٍ. وذلك: عجلان وعجالٌ وعطشان وعطاشٌ وغرثان وغراثٌ. وكذلك مؤنثّه وافقه كما وافق فعيلةٌ في فعالٍ. وقد كسَّر على فعالي وفعالٌ فيه أكثر من فعالي وذك: سكران وسكارى وحيران وحيارى وخزيان وخزايا وغيران وغيارى. وكذلك المؤنّث أيضاً شبهّوا فعلان بقولهم: صحراء وصحارى. وفعلي وفعلي جعلوها كذفري وذفارى وحبلي وحبالى. وقد يكسِّرون بعض هذا على فعالي وذلك قول بعضهم: سكارى وعجالى. ومنهم من يقول: عجالى. ولا يجمع بالواو والنون فعلان كما لا يجمع أفعل وذلك لأنّ مؤنثَّه لم تجيء فيه الهاء على بنائه فيجمع بالتاء فصار بمنزلة مالا مؤنّث فه نحو فعولٍ. ولا يجمع مؤنثّه بالتاء كما لا يجمع مذكرّه بالواو والنون. فكذلك أمر فعلان وفعلي وأفعل وفعلاء إلاّ أن يضطرَّ شاعر. وقد قالوا في الذي مؤنثّه تلحقه الهاء كما قالوا في هذا فجعلوه مثله. وذلك قولهم: ندمانةٌ وندمانٌ وندامٌ وندامى. وقالوا: خمصانةٌ وخمصانٌ وخماصٌ. ومن العرب من يقول: خمصانٌ فيجريه هلى هذا. وما يشبَه من الأسماء بهذا كما تشبَّه الصفة بالاسم سرحانٌ وضبعانٌ وقالوا: سراجٌ وضباعٌ لأنّ آخره كآخره ولأنه بزنته فشبَّه به. وهم ممَّا يشبهّون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء وقد بيّن ذلك فيما مضى وستراه فيما بقي إن شاء الله. وإن شئت قات في خمصانٍ: خمصانون وفي ندمانٍ: ندمانون لأنكّ تقول: ندماناتٌ وخمصاناتٌ. وإن شئت قلت في عريانٍ: عريانون فصار بمنزلة قولك: ظريفون وظريفاتٌ لانَّ الهاء ألحقت بناء التذكير حين أردت بناء التأنيث فلم يغيَّروا ولم يقولوا في عريانٍ: عراءٌ ولا عرايا استغنوا بعراة لأنَّهم مما يستغنون بالشيء عن الشيء حتىَّ لا يدخلوه في كلامهم. وقد يكسرون فعلاً على فعالي لأنهّ قد يدخل في باب فعلان فيعني به ما يعني بفعلان. وذلك: رجلٌ عجلٌ ورجلٌ سكرٌ وحذرٌ وحذارى وبعيرٌ حبطٌ وإبلٌ حباطى ومثل سكرٍ كسلٌ يراد به ما يراد بكسلان. ومثله صدٍ وصديان. وقالوا: رجلٌ رجل الشعر وقومٌ رجالي لانَّ فعلاً قد يدخل في هذا الباب. وقالوا: عجلٌ وعجلان. وقال بعضهم: رجلان وامرأةٌ رجلي وقالوا: رجالٌ كما قالوا: عجالٌ. ويقال: شاةٌ حرمي وشاهٌ حرامٌ وحرامى لأنّ فعلي صفةٌ بمنزلة التي لها فعلان كأن ذا لو قيل في المذكّر قيل: حرمان. وأمّا فعلاء فهي بمنزلة فعلةٍ من الصفات كما كانت فعلي بمنزلة فعلةٍ من الأسماء. وذلك قولك: نفساء ونفساواتٌ وعشراء وعشراواتٌ ونفاسٌ وعشارٌ كما قالوا: ربعةٌ وربعاتٌ ورباعٌ شبّهوها بها لأنّ البناء واحد ولأنّ آخره علامة التأنيث كما أن آخره هذا عامة التأنيث. وليس شيء من الصفات آخره علامة التأنيث يمتنع من الجمع بالتاء غير فعلاء أفعل وفعلي فعلان. ووافقن الأسماء كما وافق غيرهن من الصفات الأسماء. وقالوا: بطحاواتٌ حيث استعملت استعمال الأسماء كما قالوا: صحراواتٌ. ونظير ذلك قولهم: الأباطح ضارع الأسماء. ومن العرب من يقول: نفاسٌ كما تقول: ربابٌ. وقالوا بطحاء وبطاحٌ كما قالوا: صحفةٌ وصحافٌ وعطشى وعطاشٌ. وقالوا: برقاء وبراقٌ كقولهم: شاةٌ حرمي وحرامٌ وحرامى. وأمّا فعيلٌ إذا كان في معنى مفعولٍ فهو في المؤنث والمذكّر سواءٌ وهو بمنزلة فعولٍ ولا تجمعه بالواو والنون كما لا يتجمع فعولٌ لأن قصتّه كقصتّه وإذا كسّرته كسّرته على فعلي. وذلك: قتيلٌ وقتلى وجريح وجرحى وعقيرٌ وعقرى ولديغٌ ولدغى. وسمعنا من العرب من يقول قتلاء يشبِّهه بظريفٍ لأنَّ البناء والزيادة مثل بناء ظريف وزيادته. وتقول: شاةٌ ذبيحٌ كما تقول: ناقةٌ كسيرٌ. وتقول: هذه ذبيحة فلانٍ وذبيحتك. وذلك أنكَّ لم ترد أن تخبر أنهَّا قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حيَّة فإنمَّا هي بمنزلة ضحَّيةٍ. وتقول: شاةٌ رمىٌّ إذا أدت أن تخبر إنهَّا قد رميت. قالوا: بئس الرَّميَّة الأرنب إنمّا تريد بئس وقالوا: نعجةٌ نطيحٌ ويقال: نطيحةٌ شبهَوها بسمينٍ وسميَّنة. وأمّا الذَّبيحة فبمنزلة القتوبة والحلوبة وإنَّما ترد: هذه ممّا يقتبون وهذه ممَّا يحلبون فيجوز أن قول: قتوبةٌ ولم تقتب وركوبةٌ ولم تركب. وكذلك فريسة الأسد بمنزلة الضَّحيَّة. وكذلك أكيلة السَّبع. وقاواك رجلٌ حميدٌ وامرأةٌ حميدةٌ يشبَّه بسعيدٍ وسعيدةٍ ورشيدٍ ورشيدةٍ حيث كان نحوهما في المعنى وأتَّفق في البناء كما قالوا: قتلاء وأسراء فشبهَّوهما بظرفاء. وقالوا: عقيم وعقمٌ شبهّوه بجديد وجددٍ. ولو قيل: إنهَّا لم تجئ على فعل كما أنَّ حزينٌ لم تجئ على حزن لكان مذهباً. ومثله في أنهّ جاء على فعلٍ لم يستعمل: مريٌّ ومريّةٌ لا تقول: مرت وهذا النحو كثيرٌ وستراه فيما تستقبل إن شاء الله ومنه ما قد مضى. وقال الخليل: إنمّا قالوا: مرضى وهلكى وموتى وجربى وأشباه ذلك لأنّ ذلك أمر يبتلون به وأدخلوا فيه وهم له كارهون وأصيبوا به فلمّا كان المعنى معنى المفعول كسّروه على هذا المعنى. وقد قالوا: هّلاكٌ وهالكون فجاءوا به عل قياس هذا البناء وعلى الأصل هذا المعنى. وقد يكسّروه على المعنى إذ كان بمنزلة جالسٍ في البناء وفي الفعل. وهو على هذا أكثر في قالوا: دامرٌ ودمارٌ ودامرون وضامرٌ وضِّمر ولا يقولون: ضمرى. فهذا يجري مجرى هذا إَّلا أنَّهم قد قالوا ما سمعت على هذا المعنى. ومثل هَّلاكٍ قولهم: مراضٌ وسقامٌ ولم يقولوا: سقمى فالمجرى الغالب في هذا النحو غير فعلي. وقالوا: رجلٌ وجعٌ وقوم وجعى كما قالوا هلكى وقالوا: وجاعى كما قالوا: حباطى وحذارى وكما قالوا: بعيرٌ حبج وإبلٌ جباحى وقالوا: قوم وجاعٌ كما قالوا: بعيرٌ جربٌ وإبلٌ جرابٌ جعلوها بمنزلة حسن وحسان فوافق فعلٌ فعلاً هنا كما يوافقه في الأسماء. وقالوا: أنكادٌ وأبطالٌ فاتفقنا كما اتفقنا في الأسماء. وقالوا: مائقٌ وموقى وأحمق وحمقى وأنوك ونزكى وذلك لأنَّهم جعلوه شيئاًَ فد أصيبوا به في عقولهم كما أصيبوا ببعض ما ذكرنا في أبدانهم. وقالوا: أهوج وهوجٌ فجاءوا به على القياس وأنوك ونوك. وقد قالوا: رجلٌ سكران وقوم يسكرى. ذلك لأنهم جعلوه كالمرضى وقالوا رجال روبى جعلوه بمنزلة سكرى والرّوبى: الذين قد استثقلوا نوماً فشَّبهوه بالسَّكران. وقالوا اللذّين قد أثخنهم السّفر والوجع روبى أيضاً والواحد رائبٌ. وقالوا: زمنٌ وزمنّي وهرمٌ وهرمي وضمنٌ وضمني كما قالوا وجعي لأنَّها بلايا ضربوا بها فصارت في التكسير لذا المعنى ككسيرٍ وكسرى ورهيص ورهصى وحسيرٍ وحسرى. وإن شئت قلت: زمنون وهرمون كما قلت: هّلاكٌ وهالكون. وقالوا: أسارى شبّهوه بقولهم: كسالى وكسالى. وقالوا: كسلى فشبّهوه بأسرى. وقالوا: وجٍ ووجيا كما قالوا: زمنٌ وزمني فأجروا ذلك على المعنى كما قالوا: يتيمٌ ويتامى وأيِّمٌ وأيامي فأجروه مجرى وجاعى. وقالوا: حذاري لأنهَّ كالخائف. وقالوا: ساقطٌ وسقطى كما قالوا: مائقٌ وموقى وفاسدٌ وفسدى. وليس يجيء في كلِّ هذا على المعنى لم يقولوا: بخلى ولا سقمى جاءوا ببناء الجمع على الواحد المستعمل في الكلام على القياس. وقد جاء منه شيءٌ كثير على فعالي قالوا: يتامى وأيامي شبّهوه بوجاعى وحباطى لأنهَّا مصائب قد ابتلوا بها فشبَّهت بالأوجاع حين جاءت على فعلي. وقالوا: طلحت الناقة وناقةٌ طليحٌ شبّهوها بحسيرٍ لأنهَّا قريبة من معناها. وليس ذا بالقياس لأنهَّا ليست طلحت فإنما هي كمريضةٍ وسقيمةٍ ولكن المعنى أنهَّ فعل ذابها كما قالوا: زمني. فالحمل على المعنى في هذه الأشياء ليس بالأصل. الجزء الرابع بسم الله الرحمن الرحيم هذا باب بناء الأفعال


التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل وفعل يفعل وفعل يفعل. ويكون المصدر فعلاً والاسم فاعلاً. فأما فعل يفعل ومصدره فقتل يقتل قتلاً والاسم قاتل وخلقه يخلقه خلقاً والاسم خالق ودقه يدقه دقاً والاسم داقٌّ. وأما فعل يفعل فنحو: ضرب يضرب ضرباً وهو ضاربٌ وحبس يحبس حبساً وهو حابس. وأما فعل يفعل ومصدره والاسم فنحو: لحسه يلحسه لحساً وهو لاحسٌ ولقمه يلقمه لقماً وهو لاقمٌ وشربه يشربه شرباً وهو شاربٌ وملجه يملجه ملجاً وهو مالج. وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول. وذلك: لزمه يلزمه لزوماً ونهكه ينهكه نهوكاً ووردت وروداً وجحدته جحوداً شبهوه بجلس جلوساً وقعد يقعد قعوداً وركن يركن ركوناً لأن بناء الفعل واحد. وقد جاء مصدر فعل يفعل وفعل يفعل على فعلٍ وذلك: حلبها يحلبها حلباً وطردها يطردها وقد جاء المصدر أيضاً على فعل وذلك: خنقه يخنقه خنقاً وكذب يكذب كذباً وقالوا: كذاباً جاءوا به على فعالٍ كما جاء على فعولٍ. ومثله حرمه يحرمه حرماً وسرقه يسرقه سرقاً. وقالوا: عمله يعمله عملاً فجاء على فعلٍ كما جاء السرق والطلب. ومع ذا أن بناء فعله كبناء فعل الفزع ونحوه فشبه به. وقد جاء من مصادر ما ذكرنا على فعلٍ وذلك نحو: الشرب والشغل. وقد جاء على فعلٍ نحو: فعله فعلاً ونظيره: قاله قيلاً. وقالوا: سخطه سخطاً شبهوه بالغضب حين اتفق البناء وكان المعنى نحواً منه يدلك ساخطٌ وسخطته أنه مدخل في باب الأعمال التي ترى وتسمع وهو موقعه بغيره. وقالوا: وددته وداً مثل شربته شرباً. وقالوا: ذكرته ذكراً كحفظته حفظا. وقالوا: ذكراً كما قالوا شرباً. وقد جاء شيء من هذه الأشياء المتعدية التي هي على فاعلٍ على فعيلٍ حين لم يريدوا به الفعل شبهوه بظريفٍ ونحوه قالوا: ضريب قداحٍ وصريمٌ للصارم. والضريب: الذي يضرب بالقداح بينهم. وقال طريف بن تميم العنبري: يريد: عارفهم. وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعال كما جاء على فعولٍ وذلك نحو: كذبته كذاباً وكتبته كتاباً وحجبته حجاباً وبعض العرب يقول: كتباً على القياس. ونظيره: سقته سياقاً ونكحها نكاحاً وسفدها سفاداً. وقالوا: قرعها قرعاً. وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعلانٍ وذلك نحو: حرمه يحرمه حرمانا ووجد الشيء يجده وجداناً. ومثله أتيته آتيه إتياناً وقد قالوا: أتياً على القياس. وقالوا: لقيه لقياناً وعرفه عرفاناً. وثل هذا: رئمه رئمانا وقالوا: رأماً. وقالوا: حسبته حسباناً ورضيته رضواناً. وقد قالوا: سمعته سماعاً فجاء على فعالٍ كما جاء على فعولٍ في لزمته لزوماً. وقالوا: غشيته غشياناً كما كان الحرمان ونحوه. وقد جاء على فعلانٍ نحو الشكران والغفران. وقالوا: الشكور كما قالوا: الجحود. فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها ولكن الأكثر يقاس عليه. وقالوا: الكفر كالشغل وقالوا: سألته سؤالا فجاءوا به على فعالٍ كما جاءوا بفعالٍ. وقالوا: نكيت العدو نكاية وحميته حماية وقالوا: حمياً على القياس. وقالوا: حميت المريض حميةً كما قالوا: نشدته نشدةً. وقالوا: الفعلة نحو الرحمة واللقية. ونظيرها: خلته خيلة. وقالوا: نصح نصاحة وقالوا: غلبه غلبةً كما قالوا: نهمةٌ وقالوا: الغلب كما قالوا: السرق. وقالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح والقياس ضربا ولا يقولونه كما لا يقولون نكحاً وهو القياس. وقالوا: دفعها دفعا كالقرقع وذقطها ذقطاً وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة. وقالوا: سرقةٌ كما قالوا: فطنةٌ. وقالوا: لويته حقه ليانا على فعلانٍ وقالوا: رحمته رحمةً كالغلبة. وأما كل عملٍ لم يتعد إلى منصوب. فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى ويكون الاسم فاعلاً والمصدر يكون فعولاً وذلك نحو: قعد قعوداً وهو قاعد وجلس جلوساً وهو جالسٌ وسكت سكوتاً وهو ساكتٌ وثبت ثبوتاً وهو ثابتٌ وذهب ذهوبا وهو ذاهبٌ. وقالوا: الذهاب والثبات فبنوه على فعال كما بنوه على فعولٍ والفعول فيه أكثر. وقالوا: ركن يركن ركوناً وهو راكنٌ. وقد قالوا في بعض مصادر هذا فجاء به على فعلٍ كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فعولٍ وذلك قولك: سكت يسكت سكتاً وهدأ الليل يهدأ هدءاً وعجز عجزاً وحرد يحرد حرداً وقالوا: لبث لبثاً فجعلوه بمنزلة عمل عملاً وهو لابثٌ يدلك على أنه من هذا الباب. وقالوا: مكث يمكث مكوثاً كما قالوا: قعد يقعد قعوداً: وقال بعضهم: مكث شبهوه بظرف لأنه فعل لا يتعدى كما أن هذا فعلٌ لا يتعدى وقالوا: المكث كما قالوا: الشغل وكما قالوا: القبح إذ كان بناء الفعل واحداً. وقال بعض العرب: مجن يمجن مجناً كما قالوا: الشغل. وقالوا: فسق فسقاً كما قالوا فعل فعلاً وقالوا: حلف حلفاً كما قالوا: سرق سرقاً. وأما دخلته دخولاً وولجته ولوجاً فإنما هي ولجت فيه ودخلت فيه ولكنه ألقي في استخفافا كما قالوا: نبئت زيداً وإنما يريد نبئت عن زيدٍ. ومثل الحارد والحرد: حميت الشمس تحمى حمياً وهي حاميةٌ. وقالوا: لعب يلعب لعبا وضحك يضحك ضحكاًن كما قالوا الحلف. وقالوا: حج حجاً كما قالوا: ذكر ذكراً. وقد جاء بعضه على فعالٍ كما جاء على فعالٍ وفعولٍ قالوا: نعس نعاساً وعطس عطاساً ومزح مزاحاً. وأما السكات فهو داءٌ كما قالوا: العطاس. فهذه الأشياء لا تكون حتى تريد الداء جعل وقالوا: عمرت الدار عمارةً فأنثوا كما قالوا: النكاية وكما قالوا: قصرت الثوب قصارة حسنة. وأما الوكالة والوصاية والجراية ونحوهن فإنما شبهن بالولاية لأن معناهن القيام بالشيء. وعليه الخلافة والإمارة والنكابة والعرافة وإنما أردت أن تخبر بالولاية. ومثل ذلك الإيالة والعياسة والسياسة. وقد قالوا: العوس. كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داءٍ على غير فعالٍ وبابه فعالٌ كما قالوا: الحبط والحج والغدة. وهذا النحو كثير. وقالوا: التجارة والخياطة والقصابة وإنما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها فصار بمنزلة الوكالة. وكذلك السعاية إنما أخبر بولايته كأنه جعله الأمر الذي يقوم به. وقالوا: فطنةٌ كما قالوا: سرقةٌ. وقالوا: رجح رجاحناً كما قالوا: الشكران والرضوان. وقالوا في أشياء قرب بعضها من بعض فجاءوا به على فعالٍ وذلك نحو الصراف في الشاء لأنه هياجٌ فشبه به كما شبه ما ذكرنا بالولاية لأن هذا الأصل كما أن ذاك هو الأصل. ومثله الهباب والقراع لأنه يهيج فيذكر. وقالوا: الضبعة كما قالوا: العوس. وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ وذلك: الصرام والجزاز والجداد والقطاع والحصاد. وربما دخلت اللغة في بعض هذا فكان فيه فعالٌ وفعالٌ فإذا أرادوا الفعل على فعلت قالوا: حصدته حصداً وقطعته قطعاً إنما تريد العمل لا انتهاء الغاية. وكذلك الجز ونحوه. ومما تقاربت معانيه فجاءوا به على مثالٍ واحد نحو الفرار والشراد والشماس والنفار والطماح وهذا كله مباعدة والضراح إذا رمحت برجلها. يقال رمحت وضرحت فقالوا: الضراح شبهوه بذلك. وقالوا: الشباب شبهوه بالشماس. وقالوا: النفور والشموس والشبوب والشبيب من شب الفرس. وقالوا: الخراط كما قالوا: الشراد والشماس وقالوا: الخلاء والحران. والخلاء: مصدر من خلأت الناقة أي حرنت. وقد قالوا: خلاءٌ لأن هذا فرق وتباعدٌ. والعرب مما يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد ومن كلامهم أن يدخلوا في تلك الأشياء غير ذلك البناء وذلك نحو: النفور والشبوب والشب فدخل هذا في ذا الباب كما دخل الفعول في فعلته والفعل في فعلت. وقالوا: العضاض شبهوه بالحران والشباب ولم يريدوا به المصدر من فعلته فعلاً. ونظير هذا فيما تقاربت معانيه قولهم: جعلته رفاتاً وجذاذاً. ومثله الحطام والفضاض والفتات. فجاء هذا على مثالٍ واحد حين تقاربت معانيه. ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفضالة وذلك نحو القلامة والقوارة والقراضة والنفاية والحسالة والكساحة والجرامة وهو ما يصرم من النخل والحثالة. فجاء هذا على بناء واحد لما تقاربت معانيه. ونحوه مما ذكرنا: العمالة والخباسة وإنما هو جزاء ما فعلت والظلامة نحوها. ونحوٌ من ذا: الكظة والملأة والبطنة ونحو هذا لأنه في شيءٍ واحد. وأما الوسم فإنه يجيء على فعالٍ نحو: الخباط والعلاط والعراض والجناب والكشاح. فالأثر يكون على فعالٍ والعمل يكون فعلاً كقولهم: وسمت وسماً وخبطت البعير خبطاً وكشحته كشحاً. وأما المشط والدلو والخطاف فإنما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وسمت به كأنه قال: عليها صورة الدلو. وقد جاء على غير فعالٍ نحو القرمة والجرف اكتفوا بالعمل يعني المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر. الخباط على الوجه والعلاط والعراض على العنق والجناب على الجنب والكشاح على الكشح. ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النزوان والنقزان وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثله العسلان والرتكان. وقد جاء على فعالٍ نحو النزاء والقماص كما جاء عليه الصوت نحو الصراخ والنباح لأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه ما تكلف من نفسه في النزوان ونحوه. وقالوا: النزو والنقز كما قالوا: السكت والقفز والعجز لأن بناء الفعل واحدٌ لا يتعدى كما أن هذا لا يتعدى. ومثل هذا الغليان لأنه زعزعة وتحرك. ومثله الغثيان لأنه تجيش نفسه وتثورٌ. ومثله الخطران واللمعان لأن هذا اضطراب وتحرك. ومثل ذلك اللهبان والصخدان والوهجان لأنه تحرك الحر وثؤوره فإنما هو بمنزلة الغليان. وقالوا: وجب قلبه وجيباًن ووجف وجيفاً ورسم البعير رسيماً فجاء على فعيلٍ كما جاء على فعال وكما جاء فعيلٌ في الصوت كما جاء فعالٌ. وذلك نحو الهدير والضجيج والقليخ والصهيل والنهيق والشحيج فقالوا: قلخ البعير يقلخ قليخاً وهو الهدير. وأكثر ما يكون الفعلان في هذا الضرب ولا يجيء فعله يتعدى الفاعل إلا أن يشذ شيءٌ نحو: شنئته شنآناً. وقالوا: اللمع والخطر كما قالوا: الهدر. فما جاء منه على فعلٍ فقد جاء على الأصل وسلموه وقد جاءوا بالفعلان في أشياء تقاربت. وذلك: الطوفان والدوران والجولان. شبهوا هذا حيث كان تقلباً وتصرفاً بالغليان والغثيان لأن الغليان أيضاً تقلب ما في القدر وتصرفه. وقد قالوا: الجول والغلي فجاءوا به على الأصل. وقالوا: الحيدان والميلان فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرناه من المصادر قد دخل بعضها على بعض. وهذه الأشياء لا تضبط بقياس ولا بأمر أحكم من هذا. وهكذا مأخذ الخليل. وقالوا: وثب وثباً ووثوباً كما قالوا: هدأ هدءً وهدوءاً. وقالوا: رقص رقصاً كما قالوا: طلب طلباً. ومثله خب يخب خبباً. وقالوا: خبيباً كما قالوا: الذميل والصهيل. وقد جاه شيءٌ من الصوت على الفعلة نحو الرزمة والجلبة والحدمة والوحاة. وقالوا: الطيران كما قالوا: النزوان. وقالوا: نفيان المطر شبهوه بالطيران لأنه ينفي بجناحيه فالسحاب تنفيه أول شيء رشاً أو برداً. ونفيان الريح أيضاً: التراب. وتنفي المطر: تصرفه كما يتصرف التراب. ومما جاءت مصادره على مثالٍ لتقارب المعاني قولك: يئست يأساً ويآسةً وسئمت سأماً وسآمةً وزهدت زهداً وزهادةً. فإنما جملة هذا لترك الشيء. وجاءت الأسماء على فاعل وقالوا: زهد كما قالوا: ذهب وقالوا: الزهد كما قالوا: المكث. وجاء أيضاً ما كان من الترك والانتهاء على فعل يفعل فعلاً وجاء الاسم على فعلٍ. وذلك أجم يأجم أجماً وهو أجمٌ وسنق يسنق سنقاً وهو سنقٌ وغرض يغرض غرضا وهو غرضٌ. وجاءوا بضد الزهد والغرض على بناء الغرض وذلك هوى يهوى هوى وهو هوٍ. وقالوا: قنع يقنع قناعةً كما قالوا: زهد يزهد زهادةً. وقالوا قانعٌ كما قالوا: زاهدٌ وقنعٌ كما قالوا: غرضٌ لأن بناء الفعل واحد وأنه ضد ترك الشيء. ومثل هذا في التقارب بطن يبطن بطناً وهو بطينٌ وبطنٌ وتبن تبناً وهو تبن وثمل يثمل ثملا وهو ثملٌ. وقالوا: طبن يطبن طبناً وهو طبنٌ. 

====

الكتاب (سيبويه)/الجزء الثامن 

باب ما جاء من الأدواء


على مثال وجع يوجع وجعاً وهو وجع لتقارب المعاني وذلك: حبط يحبط حبطاً وهو حبطٌ وحبج يحبج حبجاً وهو حبجٌ. وقد يجيىء الاسم فعيلاً نحو مرض يمرض مرضاً وهو مريض. وقالوا: سقم يسقم سقماً وهو سقيمٌ وقال بعض العرب: سقم كما قالوا: كرم كرماً وهو كريمٌ وعسر عسراً وهو عسيرٌ. وقالوا: السقم كما قالوا: الحزن. وقالوا: حزن حزناً وهو حزينٌ جعلوه بمنزلة المرض لأنه داء. وقالوا: الحزن كما قالوا: السقم وقالوا في مثل وجع يوجع في بناء الفعل والمصدر وقرب المعنى: وجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ. ومثله من بنات الياء ردى يردى ردىً وهو ردٍ ولوى يلوى لوىً وهو لوٍ ووجى يوجى وجىً وهو وجٍ وعمى قلبه يعمى عمىً وهو عمٍ. إنما جعله بلاءً أصاب قلبه. وجاء ما كان من الذعر والخوف على هذا المثال لأنه داء قد وصل إلى فؤاده كما وصل ما ذكرنا إلى بدنه وذلك قولك: فزعت فزعاً وهو فزعٌ وفرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ ووجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ ووجر وجراً وهو وجرٌ. وقالوا: أوجر فأدخلوا أفعل ههنا على فعل لأن فعلاً وأفعل قد يجتمعان كما يجتمع فعلان وفعلٌ. وذلك قولك: شعثٌ وأشعث وحدبٌ وأحدبٌ وجربٌ وأجرب. وهما في المعنى نحوٌ من الوجع. وقالوا: كدرٌ وأكدر وحمقٌ وأحمق وقعسٌ وأقعس. فأفعل دخل في هذا الباب كما دخل فعلٌ في أخشن وأكدر وكما دخل فعلٌ في باب فعلان. ويقولون: خشنٌ وأخشن. واعلم أن فرقته وفزعته إنما معناهما فرقت منه ولكنهم حذفوا منه كما قالوا: أمرتك الخير وقالوا: خشيته خشيةً وهو خاشٍ كما قالوا: رحم وهو راحمٌ فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله. وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه. قالوا: أشر يأشر أشراً وهو أشرٌ وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ وفرح يفرح فرحاً وهو فرحٌ وجذل يجذل جذلاً وهو جذلٌ. وقالوا: جذلان كما قالوا: كسلانٌ وكسلٌ وسكران وسكرٌ. وقالوا: نشط ينشط وهو نشيطٌ كما قالوا: الحزين. وقالوا: النشاط كما قالوا: السقام. وجعلوا السقام والسقيم كالجمال والجميل. وقالوا: سهك يسهك سهكاً وهو سهكٌ وقنم قنماً وهو قنمٌ جعلوه كالداء لأنه عيبٌ. وقالوا: قنةٌ وسهكةٌ. وقالوا: عقرت عقراً كما قالوا: سقمت سقماً. وقالوا: عاقرٌ كما قالوا: ماكثٌ. وقالوا: خمط خمطاً وهو خمطٌ في ضد القنم. والقنم: السهك. وقد جاء على فعل يفعل وهو فعلٌ وهو فعلٌ أشياء تقاربت معانيها لأن جملتها هيج. وذلك قولهم: أرج يأرج أرجاً وهو أرجٌ وإنما أراد تحرك الريح وسطوعها. وحمس يحمس حمساً وهو حمسٌ وذلك حين يهيج ويغضب. وقالوا: أحمس كما قالوا: أوجر وصار أفعل ههنا وقد يدخل أفعل على فعلان كما دخل فعلٌ عليهما فلا يفارقهما في بناء الفعل والمصدر كثيراً ولشبه فعلان بمؤنث أفعل. وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف. وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: رجلٌ أهيم وهيمان يريدون شيئاً واحداً وهو العطشان. وقالوا: سلس يسلس سلساً وهو سلسٌ وقلق يقلق قلقاً وهو قلقٌ ونزق ينزق نزقاً وهو نزقٌ جعلوا هذا حيث كان خفةً وتحركاً مثل الحمس والأرج. ومثله: غلق يغلق غلقاً لأنه طيشٌ وخفةٌ. وكذلك الغلق في غير الأناسي لأنه قد خف من مكانه. وقد بنوا أشياء على فعل يفعل فعلاً وهو فعلٌ لتقاربها في المعنى وذلك ما تعذر عليك ولم يسهل. وذلك: عسر يعسر عسراً وهو عسرٌ وشكس يشكس شكساً وهو شكسٌ. وقالوا: الشكاسة كما قالوا: السقامة. وقالوا: لقس يلقس لقساً وهو لقسٌ ولحز يلحز لحزاً وهو لحزٌ. فلما صارت هذه الأشياء مكروهةً عندهم صارت بمنزلة الأوجاع وصار بمنزلة ما رموا به من الأدواء. وقد قالوا: عسر الأمر وهو عسيرٌ كما قالوا: سقم وهو سقيمٌ. وقالوا: نكد ينكد نكداً وهو نكدٌ وقالوا: أنكد كما قالوا: أجرب وجربٌ. وقالوا: لحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ لأن معناه باب فعلان ومصدره وفعله أما ما كان من الجوع والعطش فإنه أكثر ما يبنى في الأسماء على فعلان ويكون المصدر الفعل ويكون الفعل على فعل يفعل. وذلك نحو: ظمىء يظمأ ظمأ وهو ظمآن وعطش يعطش عطشاً وهو عطشان وصدى يصدى صدىً وهو صديان. وقالوا: الظماءة كما قالوا: السقامة لأن المعنيين قريبٌ كلاهما ضررٌ على النفس وأذىً لها. وغرث يغرث غرثاً وهو غرثان وعله يعله علهاً وهو علهان وهو شدة الغرث والحرص على الأكل. وتقول: عله كما تقول: عجلٌ ومع هذا قرب معناه من وجع. وقالوا: طوى يطوى طوىً وهو طيان. وبعض العرب يقول: الطوى فيبينه على فعلٍ لأن زنة فعلٍ وفعلٍ شيء واحد وليس بينهما إلا كسرة الأول. وضد ما ذكرنا يجيء على ما ذكرنا قالوا: شبع يشبع شبعا وهو شبعان كسروا الشبع كما قالوا: الطوى وشبهوه بالكبر والسمن حيث كان بناء الفعل واحداً. وقالوا: روى يروى رياً وهو ريان فأدخلوا الفعل في هذه المصادر كما أدخلوا الفعل فيها حين ومثله خزيان وهو الخزي للمصدر وقالوا: الخزي في المصدر كما قالوا: العطش اتفقت المصادر كاتفاق بناء الفعل والاسم. وقد جاء شيءٌ من هذا على خرج يخرج قالوا: سغب يسغب سغبا وهو ساغبٌ كما قالوا: سلف يسفل سفلا وهو سافلٌ. ومثله جاع يجوع جوعا وهو جائع وناع ينوع نوعا وهو نائعٌ. وقالوا: جوعان فأدخلوها ههنا على فاعل لأن معناه غرثان. ومثل ذلك أيضاً من العطش: هام يهيم هيماً وهو هائمٌ لأن معناه عطشان. ومثل هذا قولهم: ساغبٌ وسغابٌ وجائعٌ وجياعٌ وهائمٌ وهيامٌ لما كان المعنى معنى غراث وعطاش بني على فعال كما أدخل قوم عليه فعلان إذ كان المعنى معنى غراثٍ وعطاشٍ. وقالوا: سكر يسكر سكراً وسكراً وقالوا: سكران لما كان من الامتلاء جعلوه بمنزلة شبعان. ومثل ذلك ملآن. وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: ملئت من الطعام كما يقولون: شبعت وسكرت. وقالوا: قدحٌ نصفان وجمجمةٌ نصفى وقدحٌ قربان وجمجمةٌ قربى جعلوا ذلك بمنزلة الملآن لأن ذلك معناه معنى الامتلاء لأن النصف قد امتلأ والقربان ممتلىءٌ أيضاً إلى حيث بلغ. ولم نسمعهم قالوا: قرب ولا نصف اكتفوا بقارب ونصف ولكنهم جاءوا به كأنهم يقولون: قرب ونصف كما قالوا: مذاكير ولم يقولوا: مذكير ولا مذكارٌ وكما قالوا: أعزل وعزلٌ ولم يقولوا: أعازل. وقالوا: رجلٌ شههوان وشهوى لأنه بمنزلة الغرثان والغرثى. وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: شهيت شهوةً فجاءوا بالمصدر على فعلة كما قالوا: حرت تحار حيرةً وهو حيران. وقد جاء فعلان وفعلى في غير هذا الباب: قالوا خزيان وخزيا ورجلان ورجلى وقالوا عجلان وعجلى. وقد دخل في هذا الباب فاعلٌ كما دخل فعلٌ فشبهوه بسخط يسخط سخطاً وهو ساخطٌ كما شبهوا فعلٌ يفزع يفزع فزعا وهو فزعٌ وذلك قولهم نادمٌ وراجلٌ وصادٍ. وقالوا: غضبان وغضبى وقالوا: غضب يغضب غضباً جعلوه كعطش يعطش عطشاً وهو عطشان لأن الغضب يكون في جوفه كا يكون العطش. وقالوا: ملآنةٌ شبهوه بخمصانةٍ وندمانةٍ. وقالوا: ثكل يثكل ثكلاً وهو ثكلان وثكلى جعلوه كالعطش لأنه حرارةٌ في الجوف. ومثله لهفان ولهفى ولهف يلهف لهفاً. وقالوا: حزنان وحزنى لأنه غمٌّ في جوفه وهو كالثكل لأن الثكل من الحزن. والندمان مثله وندمى. وأما جربان وجربى فإنه لما كان بلاءً أصيبوا به بنوه على هذا كما بنوه على أفعل وفعلاء نحو أجرب وجرباء. وقالوا: عبرت تعبر عبراً وهي عبرى مثل ثكلى فالثكل مثل السكر والعبر مثل العطش. وقالوا: عبرى ما قالوا: ثكلى. وأما ما كان من هذا من بنات الياء والواو التي هي عينٌ فإنما تجيىء على فعل يفعل معتلةً لا على الأصل وذلك عمت تعام عتمةً وهو عيمان وهي عيمى جعلوه كالعطش وهو الذي يشتهي اللبن كما يشتهي ذاك الشراب وجاءوا بالمصدر على فعلةٍ لأنه كان في الأصل على فعلٍ كما كان العطش ونحوه على فعلٍ وكلنهم أسكنوا الياء وأماتوها كما فعلوا ذلك في الفعل فكأن الهاء عوضٌ من الحركة. ومثل ذلك: غرت تغار غيرةً وهو في المعنى كالغضبان. وقالوا: حرت تحار حيرةً وهو حيران وهي حيرى هو في المعنى كالسكران لأن كليهما مرتجٌ عليه. باب ما يبنى على أفعل


أما الألوان فإنها تبنى على أفعل ويكون الفعل على فعل يفعل والمصدر على فعلةٍ أكثر. وربما جاء الفعل على فعل يفعل وذلك قولك: أدم يأدم أدمةً ومن العرب من يقول: أدم يأدم أدمةً وشهب يشهب شهبةً وقهب يقهب قهبةً وكهب يكهب كهبةً. وقالوا: كهب يكهب كهبةً وشهب يشهب شهبةً. وقالوا: صدىء يصدأ صدأةً وقالوا: أيضاً صدأ كما قالوا: الغبس. والأغبس: البعير الذي يضرب إلى البياض. وقالوا: الغبسة كما قالوا: الحمرة. واعلم أنهم يبنون الفعل منه على افعال نحو اشهاب وادهام وايدام. فهذا لا يكاد ينكسر في الألوان. وإن قلت فيها: فعل يفعل أو فعل يفعل. وقد يستغنى بافعال عن فعل وفعل وذلك نحو ارزاق واخضار واصفار واحمار واشراب وابياض واسواد. واسود وابيض واخضر واحمر واصفر أكثر في كلامهم لأنه كثر فحذفوه والأصل ذلك. وقالوا: الصهوبة فشبهوا ذلك بأرعن والرعونة. وقالوا: البياض والسواد كما قالوا: الصباح والمساء لأنهما لونان بمنزلتهما لأن المساء سوادٌ والصباح وضحٌ. وقد جاء شتى من الألوان على فعل قالوا: جون ووردٌ وجاءوا بالمصدر على مصدر بناء وقد جاء شيء منه على فعيل وذلك خصيفٌ وقالوا: أخصف وهو أقيس. والخصيف: سوادٌ إلى الخضرة. وقد يبنى على أفعل ويكون الفعل على فعل يفعل والمصدر فعلٌ وذلك ما كان داءً أو عيباً لأن العيب نحو الداء ففعلوا ذلك كما قالوا: أجرب وأنكد. وذلك قولهم: عور يعور عوراً وهو أعور وأدر يأدر أدراً وهو آدر وشتر يشتر شتراً وهو أشتر وحبن يحبن حبناً وهو أحبن وصلع يصلع صلعاً وهو أصلع. وقالوا: رجلٌ أجذم وأقطع وكأن هذا على قطع وجذم وان لم يتكلم به كما يقولون شتر وأشتر وشترت عينه. فكذلك قطعت يده وجذمت يده. وقد يقال لموضع القطع: القطعة والقطعة والجذمة والجذمة والصلعة والصلعة للموضع. وقالوا: امرأةٌ سهاء ورجلٌ أسته فجاءوا به على بناء ضده وهو قولهم: رجل أرسح ورسحاء وأخرم وخرماء وهو الخرم كما قال بعضهم: أهضم وهضماء وهو الهضم. وقالوا: أغلب أزبر والأغلب: العظيم الرقبة والأزبر: العظيم الزبرة وهو موضع الكاهل على الكتفين. فجاءوا بهذا النحو على أفعل كما جاء على أفعل ما يكرهون. وقالوا: آذن وأذناء كما قالوا: سكاء. وقالوا: أخلق وأملس وأجرد كما قالوا: أخشن فجاءوا بضده على بنائه. وقالوا: الخشنة كما قالوا: الحمرة وقالوا: الخشونة كما قالوا: الصهوبة. واعلم أن مؤنث كل أفعل صفة فعلاء وهي تجري في المصدر والفعل مجرى أفعل وقالوا: مال يميل وهو مائلٌ وأميل فلم يجيئوا به على مال يميل وإنما وجه فعل من أميل ميل كما قالوا: في الأصيد: صيد يصيد صيداً. وقالوا: شاب يشيب كما قالوا: شاخ يشيخ وقالوا: أشيب كما قالوا: أشمط فجاءوا بالاسم على بناء ما معناه كمعناه وبالفعل على ما هو نحوه أيضاً في المعنى. وقالوا: أشعر كما قالوا: أجرد للذي لا شعر عليه وقالوا: أزب كما قالوا: أشعر. فالأجرد بمنزلة الأرسح. وقالوا: هوج يهوج هوجاً وهو أهوج كما قالوا: ثول يثول ثولاً وأثول وهو الجنون. باب أيضاً في الخصال التي تكون في الأشياء


أما ما كان حسناً أو قبحاً فإنه مما يبنى فعله على فعل يفعل ويكون المصدر فعالاً وفعالةً وفعلاً وذلك قولك: قبح يقبح قباحةً وبعضهم يقول قبوحةً فبناه على فعولةٍ كما بناه على فعالةٍ. ووسم يوسم وسامةً وقال بعضهم: وساماً فلم يؤنث كما قالوا: السقام والسقامة. ومثل ذلك جمل جمالاً. وقالوا: حسنٌ فبنوه على فعل كما قالوا بطلٌ. ورجلٌ قدمٌ وامرأةٌ قدمةٌ يعني أن لها قدماً في الخير فلم يجيئوا به على مثال جريء وشجاع وكميٍّ وشديد. وأما الفعل من هذه المصادر فنحو: الحسن والقبح والفعالة أكثر. وقالوا: نضر وجهه ينضر فبنوه على فعل يفعل مثل خرج يخرج لأن هذا فعل لا يتعداك إلى غيرك كما أن هذا فعلٌ لايتعداك إلى غيرك. وقالوا: ناضر كما قالوا: نضر. وقالوا: نضيرٌ كما قالوا وسيمٌ فبنوه بناء ما هو نحوه في المعنى وقالوا: نضرٌ كما قالوا حسن غلا أن هذا مسكن الأوسط. وقالوا: ضخمٌ ولم يقولوا: ضخيمٌ كما قالوا: عظيمٌ. وقالوا: النضارة كما قالوا الوسامة. ومثل الحسن: السبط والقطط. وقالوا: سبط سباطةً وسبوطةً. ومثل النضر الجعد. وقالوا: رجلٌ سبطٌ كما بنوه على فعل. وقالوا: ملح ملاحةً ومليحٌ وسمح سماحةً وسمحٌ. وقالوا: بهو يبهو بهاءً وبهيٌّ كجمل جمالاً وهو جميلٌ. وقالوا: شنع شناعةً وهو شنيع. وقالوا: أشنع فادخلوا أفعل في هذا إذ كان خصلةً فيه كاللون. وقالوا: شنيعٌ كما قالوا خصيف فأدخلوه على أفعل. وقالوا: نظف نظافةً ونظيفٌ كصبح صباحةً وصبيحٌ. وقالوا: طهر طهراً وطهارةً وطاهرٌ كمكث مكثاً وماكثٌ. قال: هذيلٌ تقول: سميجٌ ونذيلٌ أي نذلٌ وسمجٌ. وقالوا: طهرت المرأة كما قالوا: طمثت أدخلوها في باب جلست ومكثت لأن مكثت نحو جلست في المعنى. وما كان من الصغر والكبر فهو نحوٌ من هذا قالوا: عظم عظامةً وهو عظيمٌ ونبل نبالةً وهو نبيلٌ وصغر صغارةً وهو صغيرٌ وقدم قدامةً وهو قديمٌ. وقد يجيىء المصدر على فعلٍ وذلك قولك: الصغر والكبر والقدم والعظم والضخم. وقد يبنون الاسم على فعلٍ وذلك نحو ضخمٍ وفخمٍ وعبلٍ. وجهمٌ نحوٌ من هذا. وقد يجيىء المصدر على فعولةٍ كما قالوا القبوحة وذلك قولهم: الجهومة والملوحة والبحوحة. وقالوا: كثر كثارةً وهو كثيرٌ وقالوا الكثرة: فبنوه على الفعلة والكثير نحو من العظيم في المعنى إلا أن هذا في العدد. وقد يقال للإنسان قليلٌ كما يقال قصيرٌ فقد وافق ضده وهو العظيم ألا ترى أن ضد العظيم الصغير وضد القليل الكثير فقد وافق ضد الكثير ضد العظيم في البناء. فهذا يدلك على أنه نحو الطويل والقصير ونحو العظيم والصغير. والطول في البناء كالقبح وهو نحوه في المعنى لأنه زيادةٌ ونقصانٌ. وقالوا: سمنٍ سمناً وهو سمينٌ ككبر كبراً وهو كبيرٌ. وقالوا: كبر علي الأمر كعظم. وقالوا: بطن يبطن بطنةً وهو بطينٌ كما قالوا: عظيمٌ وبطن ككبر. وما كان من الشدة والجرأة والضعف والجبن فإنه نحوٌ من هذا قالوا: ضعف ضعفاً وهو ضعيفٌ وقالوا: شجع شجاعةً وهو شجاعٌ وقالوا: شجيعٌ. وفعالٌ أخو فعيلٍ. وقد بنوا الاسم على فعالٍ كما بنوه على فعلوٍ فقالوا: جبانٌ وقالوا: وقورٌ وقالوا: الوقارة كما قالوا: الرازانة. وقالوا: جرء يجرؤ جرأةً وجراءةً وهو جريء وقالوا: غلظ يغلظ غلظاً وهو غليظٌ كما قالوا: عظم يعظم عظماً وهو عظيمٌ إلا أن الغلظ للصلابة والشدة من الأرض وغيرها. وقد يكون كالجهومة وقالوا: سهل سهولةً وسهلٌ لأن هذا ضد الغلظ كما أن الضعف ضد الشدة. وقالوا: سهلٌ كما قالوا: ضخمٌ. وقد قال بعض العرب: جبن يجبن كما قالوا: نضر ينضر. وقالوا: قوي يقوى قوايةً وهو قويٌّ كما قالوا: سعد يسعد سعادةً وهو سعيدٌ. وقالوا: القوة كما قالوا: الشدة إلا أن هذا مضموم الأول. وقالوا: سرع يسرع سرعاً وهو سريعٌ وبطؤ بطأ وهو بطيءٌ كما قالوا: غلظ غلظاً وهو غليظٌ. وإنما جعلناهما في هذا الباب لأن أحدهما أقوى على أمره وما يريد. وقالوا: البطء في المصدر كما قالوا: الجبن وقالوا: السرعة كما قالوا القوة والسرع كما قالوا: الكرم. ومثله ثقل ثقلاً وهو ثقيلٌ. وقالوا: كمش كماشةً وهو كميشٌ مثل سرع. والكماشة: الشجاعة. وقالوا: حزن حزونةً للمكان وهو حزنٌ كما قالوا: سهل سهولةً وهو سهل. وقالوا: صعب صعوبةً وهو صعبٌ لأن هذا إنما هو الغلظ والحزونة. وما كان من الرفعة والضعة وقالوا: الضعة فهو نحوٌ من هذا قالوا: غنى يغنى غنىً وهو غنيٌّ كا قالوا: كبر يكبر كبراً وهو كبيرٌ وقالوا: فقيرٌ كما قالوا: صغيرٌ وضعيفٌ وقالوا: الفقر كما قالوا: الضعف وقالوا: الفقر كما قالوا: الضعف. ولم نسمعهم قالوا: فقر كما لم يقولوا في الشديد شدد استغنوا باشتد وافتقر كما استغنوا باحمار عن حمر وهذا هنا نحوٌ من الشديد والقوي والضعيف. وقالوا: شرف شرفاً وهو شريفٌ وكرم كرما وهو كريمٌ ولؤم لآمةً وهو لئيمٌ كما قالوا: قبح قباحةً وهو قبيحٌ ودنؤ دناءةً وهو دنيءٌ وملؤ ملاءةً وهو مليءٌ. وقالوا: وضع ضعةً وهو وضيعٌ. والضعة مثل الكثرة والضعة مثل الرفعة. وقالوا: رفيعٌ ولم نسمعهم قالوا: رفع وعليه جاء رفيعٌ وإن لم يتكلموا به واستغنوا بارتفع. وقالوا: نبه ينبه وهو نابهٌ وهي النباهة كما قالوا: نضر ينضر وجهه وهو ناضرٌ وهي النضارة وقالوا: نبيه كما قالوا: نضيرٌ جعلوه بمنزلة ما هو مثله في المعنى وهو شريفٌ. وقالوا: سعد يسعد سعادةً وشقي يشقى شقاوةً وسعيدٌ وشقيٌّ فأحدهما مرفوعٌ والآخر وقالوا: رشد يرشد رشداً وراشد وقالوا: الرشد كما قالوا: سخط يسخط سخطاً والسخط وساخط. وقالوا: رشيدٌ كما قالوا: سعيدٌ وقالوا: الرشاد كما قالوا: الشقاء. وقالوا: بخل يبخل بخلاً. فالبخل كاللؤم والفعل كفعل شقي وسعد. وقالوا: بخيلٌ. وبعضهم يقول: البخل كالفقر والبخل كالفقر وبعضهم يقول البخل كالكرم. وقالوا: أمر علينا أمير كنبه وهو نبيهٌ والإمرة كالرفعة والإمارة كالولاية. وقالوا: وكيلٌ ووصيٌّ وجريٌّ كما قالوا: أميرٌ لأنها ولاية. ومثل هذا لتقاربه: الجليس والعديل والضجيع والكميع والخليط والنزيع. فأصل هذا كله العديل ألا ترى أنك تقول من هذا كله فاعلته. وقد جاء فعلٌ قالوا: خصمٌ. وقالوا: خصيمٌ. وما أتى من العقل فهو نحوٌ من ذا قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ فجاء فعل في هذا الباب كما جاء فعل فيما ذكرنا. وقالوا: ظرف ظرفاً وهو ظريفٌ كما قالوا: ضعف ضعفا وهو ضعيفٌ وقالوا في ضد الحلم: جهل جهلاً وهو جاهلٌ كما قالوا: حرد حرداً وهو حاردٌ فهذا ارتفاعٌ في الفعل واتضاع. وقالوا: علم علماً فالفعل كبخل يبخل والمصدر كالحلم وقالوا: علامٌ كما قالوا في الضد: جاهلٌ وقالوا: عليمٌ كما قالوا: حليمٌ. وقالوا: فقه وهو فقيهٌ والمصدر فقهٌ كما قالوا: علم علماً وهو عليمٌ. وقالوا: اللب واللبابة ولبيبٌ كما قالوا: اللؤم واللآمة ولئيمٌ. وقالوا: فهم يفهم فهماً وهو فهم ونقه ينقه نقهاً وهو ننقهٌ وقالوا: النقاهة والفهامة كما قالوا: اللبابة. وسمعناهم يقولون: ناقةٌ كما قالوا: عالمٌ. وقالوا: لبق يلبق لباقةً وهو لبقٌ لأن ذا علمٌ وعقلٌ ونفاذٌ فهو بمنزلة الفهم والفهامة. وقالوا: الحذق كما قالوا: العلم وقالوا: حذق يحذق كما قالوا: صبر يصبر. وقالوا: رفق يرفق رفقاً وهو رفيقٌ كما قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ وقالوا: رفق كما قالوا: فقه. وقالوا: عقل يعقل عقلاً وهو عاقلٌ كما قالوا: عجز يعجز عجزاً وهو عاجزٌ. وقالوا: العقل كما قالوا: الظرف أدخلوه في باب عجز يعجز لأنه مثله في أنه لا يتعدى الفاعل. وقالوا: رزن رزانةً وهو رزينٌ ورزينةٌ. وقالوا للمرأة: حصنت حصناً وهي حصانٌ كجبنت جبناً وهي جبانٌ. وإنما هذا كالحلم والعقل. وقالوا: حصنا كما قالوا: علما وقالوا: حصنا مثل قولهم: جبنا. ويقال لها أيضاً ثقالٌ ورزان. وقالوا: صلف يصلف صلفاً وهو صلفٌ كقولهم: فهم فهماً وفهمٌ. وقالوا: رقع رقاعةً ورقيع كقولهم: حمق حماقةً لأنه مثله في المعنى. وقالوا: الحمق كما قالوا: الجبن وقالوا: أحمق كما قالوا: أشنع وقالوا: خرق خرقا وأخرق وقالوا: أحمق وحمقاء وحمقٌ. وقالوا: النواكة وأنوك وقالوا: استنوك ولم نسمعهم يقولون: نوك كما لم يقولوا فقر. وقالوا: حمقٌ فاجتمعا كما قالوا: نكدٌ وأنكد. واعلم أن ما كان من التضعيف من هذه الأشياء فإنه لا يكاد بكون فيه فعلت وفعل لأنهم قد يستثقلون فعل والتضعيف فلما اجتمعا حادوا إلى غير ذلك وهو قولك: ذل يذل ذلاً وذلةً وذليلٌ فالاسم والمصدر يوافق ما ذكرنا والفعل يجيء على باب جلس يجلس. وقالوا: شحيحٌ والشح كالبخيل والبخل وقالوا: شح يشح. وقالوا: شححت كما قالوا: بخلت وذلك لأن الكسرة أخف عليهم من الضمة ألا ترى أن فعل وقالوا: ضننت ضناً كرفقت رفقا وقالوا: ضننت ضنانة كسقمت سقامةً. وليس شيءٌ أكثر في كلامهم من فعلٍ. ألا ترى أن الذي يخفف عضداً وكبداً لا يخفف جملاً. وقالوا: لب يلب وقالوا: اللب واللبابة واللبيب. وقالوا: قل يقل قلةً ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف. وقالوا: عف يعف عفة وعفيفٌ. وزعم يونس أن من العرب من يقول لببت تلب كما قالوا: ظرفت تظرف وإنما قل هذا لأن هذه الضمة تستثقل فيما ذكرت لك فلما صارت فيما يستثقلون فاجتمعا فروا منهما. باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك


اعلم أنه يكون كل ما تعداك إلى غيرك على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل وفعل يفعل وفعل يفعل وذلك نحو ضرب يضرب وقتل يقتل ولقم يلقم. وهذه الأضرب تكون فيما لا يتعداك وذلك نحو جلس يجلس وقعد يقعد وركن يركن. ولما لا يتعداك ضربٌ رابع لا يشركه فيه ما يتعداك وذلك فعل يفعل نحو كرم يكرم وليس في الكلام فعلته متعديا. فضروب الأفعال أربعةٌ يجتمع في ثلاثةٍ ما يتعداك وما لا يتعداك ويبين بالرابع مالا يتعدى وهو فعل يفعل. وليفعل ثلاثة أبنية يشترك فيها ما يتعدى وما لا يتعدى: يفعل ويفعل ويفعل نحو يضرب ويقتل ويلقم. وفعل على ثلاثة أبنية وذلك فعل وفعل وفعل نحو قتل ولزم ومكث. فالأولان مشتركٌ فيها المتعدي وغيره والآخر لما لا يتعدى كما جعلته لما لا يتعدى حيث وقع رابعاً. وقد بنوا فعل على يفعل في أحرف كما قالوا: فعل يفعل فلزموا الضمة وكذلك فعلوا بالكسرة فشبه به. وذلك حسب يحسب ويئس ييئس ويبس ييبس ونعم ينعم. سمعنا من العرب من يقول: وهل ينعمن من كان في العصر الخالي وقال: واعوج غصنك من لحوٍ ومن قدم لا ينعم الغصن حتى ينعم الورق وقال الفرزدق: وكومٍ تنعم الأضياف عيناً وتصبح في مباركها ثقالا وقد جاء في الكلام فعل يفعل في حرفين بنوه على ذلك كما بنوا فعل على يفعل لأنهم قد قالوا في فعل فأدخلوا الضمة كما تدخل في فعل. وذلك فضل يفضل ومت تموت. وفضل يفضل ومت تموت أقيس. وقد قال بعض العرب: كدت تكاد فقال فعلت تفعل كما قال فعلت أفعل وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمة. وهذا قول الخليل وهو شاذٌ من بابه كما أن فضل يفضل شاذ من بابه فكما شركت يفعل يفعل كذلك شركت يفعل يفعل. وهذه الحروف من فعل يفعل إلى منتهى الفصل شواذ. هذا باب ما جاء من المصادر


وفيه ألف التأنيث وذلك قولك: رجعته رجعى وبشرته بشرى وذكرته ذكرى واشتكيت شكوى وأفتيته فتيا وأعداه عدوى والبقيا. فأما الحذيا فالعطية والسقيا ما سقيت وأما الدعوى فهو ما ادعيت. وقال بعض العرب: اللهم أشركنا في دعوى المسلمين. ولت ودعواها كثيرٌ صخبه فدخلت الألف كدخول الهاء في المصادر. وقالوا: الكبرياء للكبر. وأما الفعيلى فتجىء على وجهٍ آخر تقول: كان بينهم رمياً فليس يريد قوله: رمياً ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي ولا يكون الرميا واحداً. وكذلك الحجيزي. وأما الحثيثي فكثرة الحث كا أن الرميا كثرة الرمى ولا يكون من واحد. وأما الدليلي فإنما يراد به كثرة علمه بالدلالة ورسوخه فيها. وكذلك القتيتي والهجيري: كثرة الكلام والقول بالشيء. والخليفي: كثرة تشاغله بالخلافة وامتداد أيامه فيها. باب ما جاء من المصادر على فعول


وذلك قولك: توضأت وضوءاً حسناً وأولعت به ولوعا. وسمعنا من العرب من يقول: وقدت النار وقوداً عالياً وقبله قبولاً والوقود أكثر. والوقود: الحطب. وتقول: إن على فلان لقبولاً فهذا مفتوح. ومما جاء مخالفاً للمصدر لمعنىً قولهم: أصاب شبعه وهذا شبعه إنما يريد قدر ما يشبعه. وتقول: شبعت شبعاً وهذا شبعٌ فاحشٌ إنما تريد الفعل. وطعمت طعماً حسناً وليس له طعمٌ إنما يريد ليس للطعام طيبٌ. وتقول: ملأت السقاء ملئاً شديداً وهو ملء هذا أي قدر ما يملأ هذا. وقد يجيىء غير مخالف تقول: رويت رياً وأصاب ريه وطعمت طعماً وأصاب طعمه ونهل نهلاً وأصاب نهله. وتقول: خرصه خرصاً وما خرصه أي ما قدره. وكذلك الكيلة. وقالوا: قته قوتاً. والقوت: الرزق فلم يدعوه على بناء واحد كما قالوا: الحلب في الحليب والمصدر. وقد يقولون الحلب وهم يعنون اللبن. ويقولون: حلبت حلباً يريدون الفعل الذي هو مصدر. فهذه أشياء تجيء مختلفة ولا تطرد. وقالوا: مريتها مرياً إذا أرادوا عمله. ويقول: حلبتها مريةً لا يريد فعلةً ولكنه يريد نحواً من الدرة والحلب. وقالوا لعنةٌ للذي يلعن. واللعنة المصدر. وقالوا: الخلق فسووا بين المصدر والمخلوق. فاعرف وقالوا: كرع كروعاً. والكرع: الماء الذي يكرع فيه. وقالوا: درأته درءاً وهو ذو تدرإٍ أي ذو عدة ومنعةٍ لا تريد العمل. وكاللعنة السبة إذا أرادوا المشهور بالسب واللعن فأجروه مجرى الشهرة. وقد يجيء المصدر على المفعول وذلك قولك: لبنٌ حلبٌ إنما تريد محلوبٌ وكقولهم: الخلق إنما يريدون المخلوق. ويقولون للدرهم: ضرب الأمير إنما يريدون مضروب الأمير. ويقع على الفاعل وذلك قولك يومٌ غمٌّ ورجلٌ نومٌ إنما تريد النائم والغام. وتقول: ماءٌ صرىً إنما تريد صرٍ خفيفٌ إذا تغير اللبن في الضرع. وهو صرىً. فتقول: هذا اللبن صرىً وصرٍ. وقالوا: معشرٌ كرمٌ فقالوا هذا كما يقولون: هو رضى وإنما يريدون المرضي فجاء للفاعل كما جاء للمفعول. وربما وقع على الجميع. وجاء واحد الجميع على بنائه وفيه هاء التأنيث كما قالوا: بيضٌ وبيضةٌ وجوز وجوزةٌ وذلك قولك: هذا شمطٌ وهذه شمطةٌ وهذا شيبٌ وهذه شيبةٌ. باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل وذلك قولك: حسن الطعمة. وقتلته قتلة سوءٍ وبئست الميتة وإنما تريد الضرب الذي أصابه من القتل والضرب الذي هو عليه من الطعم. ومثل هذا الركبة والجلسة والقعدة. وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى وذلك نحو الشدة والشعرة والدرية. وقد قالوا: الدرية. وقالوا: ليت شعري في هذا الموضع استخفافاً لأنه كثر في كلامهم كما قالوا: ذهب بعذرتها وقالوا: هو أبو عذرها لأن هذا أكثر وصار كالمثل كما قالوا: تسمع بالمعيدي لا أن تراه لأنه مثل وهو أكثر في كلامهم من تحقير معدىٍّ في غير هذا المثل. فإن حقرت معدىٌّ ثقلت الدال فقلت معيدىٌّ. وتقول: هو بزنته تريد أنه بقدره. وتقول: العدة كما تقول القتلة. وتقول: الضعة والقحة يقولون: وقاحٌ بين القحة لا تريد شيئاً من هذا. كما تقول: الشدة والدرية والردة وأنت تريد الارتداد. وإذا أردت المرة الواحدة من الفعل جئت به أبداً على فعلةٍ على الأصل لأن الأصل فعل. فإذا قلت الجلوس والذهاب ونحو ذلك فقد ألحقت زيادةً ليست من الأصل ولم تكن في الفعل. وليس هذا الضرب من المصادر لازماً بزيادته لباب فعل كلزوم الإفعال والاستفعال ونحوهما لأفعالهما. فكان ماجاء على فعل أصله عندهم الفعل في المصدر فإذا جاءوا بالمرة جاءوا بها على فعلةٍ كما جاءوا بتمرةٍ على تمرٍ. وذلك: قعدت قعدةً وأتيت أتيةً. وقالوا: أتيته إتيانةً ولقيته لقاءةً واحدةً فجاءوا به على المصدر المستعمل في الكلام. كما قالوا: أعطى إعطاءةً واستدرج استدراجةً. ونحو إتيانةٍ قليلٌ والاطراد على فعلةٍ. وقالوا غزاةٌ فأرادوا عمل وجه واحد كما قيل: حجةٌ يراد به عمل سنةٍ. ولم يجيئوا به على الأصل ولكنه اسمٌ لذا. وقالوا: قنمةٌ وسهلكةٌن وخمطةٌ جعلوه اسماً لبعض الريح كالبنة والشهدة والعسلة ولم يرد به فعل فعلة. هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياء والواو منهن في موضع اللامات


قالوا: رميته رمياً وهو رامٍ كما قالوا: ضربته ضرباً وهو ضاربٌ ومثل ذلك: مراه يمريه مرياً وطلاه يطليه طلياً وهو مارٍ وطالٍ. وغزا يغزوه غزواً وهو غازٍ ومحاه يمحوه محوا وهو ماحٍ وقلاه يقلو قلواً وهو قالٍ. وقالوا: لقيته لقاءً كما قالوا: سفدها سفاداً وقالوا: اللقى كما قالوا النهوك. وقالوا: قليته فأنا أقليه قلىً كما قالوا: شريته شرىً. وقالوا: لمي يلمى لمياً إذا اسودت شفته. وقد جاء في هذا الباب المصدر على فعلٍ قالوا: هديته هدىً ولم يكن هذا في غير هدىً وذلك لأن الفعل لا يكون مصدراً في هديت فصار هدىً عوضا منه. وقالوا: قليته قلىً وقريته قرىً فاشركوا بينهما في هذا فصار عوضا من الفعل في المصدر فدخل كل واحد منهما على صاحبه كما قالوا: كسوةً وكسىً وجذوةٌ وجذىً وصوةٌ وصوىً لأن فعلٌ وفعلٌ أخوان. ألا ترى أنك إذا كسرت على فعل فعلةً لم تزد على أن تحرك العين وتحذف الهاء. وكذلك فعلةٌ في فعل فكل واحدٍ منهما أخٌ لصاحبه. ألا ترى أنه إذا جمع كل واحد منهما بالتاء جاز فيه ما جاز في صاحبه إلا أن أول هذا مكسور وأول هذا مضموم فلما تقاربت هذه الأشياء دخل كل واحد منهما على صاحبه. ومن العرب من يقول: رشوةٌ ورشاً ومنهم من يقول: رشوةٌ ورشاً وحبوةٌ وحباً والأصل رشاً. وأكثر العرب يقول: رشاً وكسىً وجذىً. وقالوا: شريته شرىً ورضيته رضىً. فالمعتل يختص بأشياء وستراه فيما تستقبل إن شاء الله. وقالوا: عتا يعتو عتواًن كما قالوا خرج يخرج خروجاً وثبت ثبوتاً. ومثله دنا يدنو دنواًن وثوى يثوي ثوياً ومضى يمضي مضياً وهو عاتٍ دانٍ وثاوٍ وماضٍ. وقالوا: نمى ينمي نماءً وبدا يبدو بداءً ونثا ينثو نثاءً وقضى يقضي قضاءً. وإنما كثر الفعال في هذا كراهية الياءات مع الكسرة الواوات مع الضمة مع أنهم قد قالوا: الثبات والذهاب. فهذا نظير للمعتل. وقد قالوا: بدا يبدو بداً ونثا ينثو نثاً كما قالوا: حلب يحلب حلباً سلب يسلب سلباً وجلب يجلب جلباً. وقالوا: جرى جرياً وعدا عدواً كما قالوا: سكت سكتاً. وقالوا: زنى يزني زناً وسرى يسري سرىً والتقى فصارتا ههنا عوضاً من فعلٍ أيضاً فعلى هذا يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه لام. وقالوا: السقاء والجناء كما قالوا: الجلاس والعباد والنساك. وقالوا: بهو يبهو بهاءً وهو بهيٌّ مثل جمل جمالاً وهو جميل. وقالوا: سروا يسرو سرواً وهو سريٌّ كما قالوا: ظرف يظرف ظرفاً وهو ظريفٌ. وقالوا: بذو يبذو بذاءً وهو بذيٌّ كما قالوا: سقم سقاماً وهو سقيم وخبث وهو خبيثٌ. وقالوا: البذاء كما قالوا الشقاء. وبعض العرب يقول: بذيت كما تقول: شقيت. ودهوت دهاءً وهو دهيٌّ كما قالوا: ظرفت وهو ظريفٌ. وقالوا: الدهاء كما قالوا: سمح سماحاً. وقالوا: داهٍ كما قالوا: عاقل. ومثله في اللفظ عقر وعاقرٌ. وقالوا: دها يدهو وداهٍ كما قالوا: عقل وعاقلٌ. وقالوا: دهيٌّ كما قالوا: لبيبٌ. هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن عينات


تقول: بعته بيعاً وكلته كيلاً فأنا أكيله وأبيعه وكائلٌ وبائعٌ كما قالوا: ضربه ضرباً وهو ضاربٌ. وقالوا: زرته زيارةً وعدته عيادةً وحكته حياكةً كأنهم أرادوا الفعول ففروا إلى هذا كراهية الواوات والضمات. وقد قالوا مع هذا: عبده عبادةً فهذا نظير عمرت الدار عمارةً. وقالوا: خفته فأنا أخافه خوفاً وهو خائفٌ جعلوه بمنزلة لقمته فأنا ألقمه لقماً وهو لاقمٌ وجعلوا مصدره على مصدره لأنه وافقه في الفعل والتعدي. وقالوا: هبته فأنا أهابه هيبةً وهو هائبٌ كما قالوا: خشيته وهو خاشٍ والمصدر خشيةٌ وهيبةٌ. وقد قال بعض العرب: هذا رجلٌ خافٌ شبهوه بفرقٍ وفزع إذ كان المعنى واحداً. وقالوا: نلته فأنا أناله نيلاً وهو نائل كما قالوا: جرعه جرعاً وهو جارعٌ وحمده حمداً وهو حامدٌ. وقالوا: ذمته فأنا أذيمه ذاماً وعبته أعيبه عاباً كما قالوا: سرقه يسرقه سرقا. وقالوا: عيباً. وقالوا: سؤته سوءاً وقته قوتاً وساءني سوءاً تقديره فعلاً كما قالوا: شغلته شغلاً وهو شاغلٌ. وقالوا: عفته فأنا أعافه عيافةً وهو عائفٌ كما قالوا: زدته زيادةً. وبناء الفعل بناء نلت. وقالوا: سرته فأنا أسوره سؤوراً وهو سائرٌ. وقالوا: غرت فأنا أغور غؤوراً وهو غائرٌ كما قالوا: جمد جموداً وهو جامدٌ وقعد قعوداً وهو قاعدٌ وسقط سقوطاً وهو ساقط. وقالوا: غرت في الشيء غؤوراً وغياراً إذا دخلت فيه كقولهم: يغور في الغور. وقال الأخطل: لما أتوها بمصباحٍ ومبزلهم سارت إليهم سؤور الأبجل الضاري وقال العجاج: ورب ذي سرادقٍ محجور سرت إليه في أعالي السور وقالوا: غابت الشمس غيوباً وبادت تبيد بيوداً كما قالوا: جلس يجلس جلوساً ونفر ينفر نفوراً. وقالوا: قام يقوم قياماً وصام يصوم صياماًن كراهية للفعول. وقالوا: آبت الشمس إياباً وقال بعضهم: أؤوباً كما قالوا: الغؤور والسؤور ونظيرها من غير المعتل الرجوع. ومع هذا أنهم أدخلوا الفعال كما قالوا: النفار والنفور وشب شباباً وشبوبا فهذا نظيره من العلة. وقالوا: ناح ينوح نياحةً وعاف يعيف عيافةً وقاف يقوف قيافة فراراً من الفعول. وقالوا: صاح صياحاً وغابت الشمس غيابا كراهية للفعول في بنات الياء كما كرهوا في بنات الواو. وقالوا: دام يدوم دواما وهو دائمٌ وزال يزول زوالاً وهو زائلٌ وراح يروح رواحا وهو رائحٌ كراهية للفعول. وله نظائر أيضاً: الذهاب والثبات. وقالوا: حاضت حيضا وصامت صوما وحال حولاً كراهية الفعول ولأن له نظيراً نحو سكت يسكت سكتا وعجز يعجز عجزاً ومثل ذلك مال يميل ميلاً. فعىل ما ذكرت لك يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه عينه. وقالوا: لعت تلاع لاعاً وهو لاعٌ كما قالوا: جزع يجزع جزعاً وهو جزعٌ. وقالوا: دئت تداء داء وهو داءٌ فاعلم كا قالوا: وجع يوجع وجعا وهو وجعٌ. وقالوا: لعت وهو لاعئٌ مثل بعت وهو بائعٌ ولاعٌ أكثر. هذا باب نظائر بعض ما ذكرنا من بنات الواو التي الواو فيهن فاءٌ


تقول: وعدته فأنا أعده وعداً ووزنته فأنا أزنه وزناًن ووأدته فأنا أئده وأداً كما قالوا: كسرته فأنا أكسره كسراً. ولا يجيء في هذا الباب يفعل وسأخبرك عن ذلك إن شاء الله. وإعلم أن ذا أصله على قتل يقتل وضرب يضرب فلما كان من كلامهم استثقال الواو مع الياء حتى قالوا: ياجل ويبجل كانت الواو مع الضمة أثقل فصرفوا هذا الباب إلى يفعل فلما صرفوه إليه كرهوا الواو بين ياء وكسرةٍ إذ كرهوها مع ياء فحذفوها فهم كأنهم إنما يحذفونها من يفعل. فعلى هذا بناء ما كان على فعل من هذا الباب. وقد قال ناسٌ من العرب: وجد يجد كأنهم حذفوها من يوجد وهذا لا يكاد يوجد في الكلام. وقالوا: ورد يرد وروداً ووجب يجب وجوباً كما قالوا: خرج يخرج خروجاً وجلس يجلس جلوساً. وقالوا: وجل يوجل وهو وجلٌ فأتموها لأنها لا كسرة بعدها فلم تحذف فرقوا بينها وبين يفعل. وقالوا: وضؤ يوضؤ ووضع يوضع فأتموا ما كان على فعل كما أتموا ما كان على فعل لأنهم لم يجدوا في فعل مصرفاً إلى يفعل كما وجدوه في باب فعل نحو ضرب وقتل وحسب فلما لم يكن يدخله هذه الأشياء وجرى على مثالٍ واحد سلموه وكرهوا الحذف لئلا يدخل في باب ما يختلف يفعل منه فألزموه التسليم لذلك. وقالوا: ورم يرم وورع يرع ورعاً وورماً ويورع لغة ووغر صدره يغر ووحر يحر وحراً ووغراً ووجد يجد وجداً ويوغر ويوحر أكثر وأجود يقال يوغر ويوحر ولا يقال يورم وولي يلي أصل هذا يفعل فلما كانت الواو في يفعل لازمة وتستثقل صرفوه من باب فعل يفعل إلى باب يلزمه الحذف فشركت هذه الحروف وعد كما شركت حسب يحسب وأخواتها ضرب يضرب وجلس يجلس. فلما كان هذا في غير المعتل كان في المعتل أقوى. وأما ما كان من الياء فإنه لا يحذف منه وذلك قولك يئس ييئس ويسر ييسر ويمن ييمن وذلك أن الياء أخف عليهم ولأنهم قد يفرون من استثقال الواو ومع الياء إلى الياء في غير هذا الموضع ولا يفرون من الياء إلى الواو فيه وهي أخف. وسترى ذلك إن شاء الله. فلما كان أخف عليهم سلموه. وزعموا أن بعض العرب يقول: يئس يئس فاعلم فحذفوا الياء من يفعل لاستثقال الياءات ههنا مع الكسرات فحذف كما حذف الواو. فهذه في القلة كيجد. وإنما قل مثل يجد لأنهم كرهوا الضمة بعد الياء كما كرهوا الواو بعد الياء فيما ذكرت لك فكذلك ما هو منها فكانت الكسرة مع الياء أخف عليهم كما أن الياء مع الياء أخف عليهم في مواضع ستبين لك إن شاء الله من الواو. وأما وطئت ووطىء يطأ ووسع يسع فمثل ورم يرم وومق يمق ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر كما قالوا: قلع يقلع وقرأ يقرأ فتحوا جميع الهمزة وعامة بنات العين. ومثله وضع يضع. باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل


للمعنى تقول: دخل وخرج وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا قلت: أخرجه وأدخله وأجلسه. وتقول: فزع وأفزعته وخاف وأخفته وجال وأجلته وجاء وأجأته فأكثر ما يكون على فعل إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت. ومن ذلك أيضاً مكث وأمكثته. وقد يجيى الشيء على فعلت فيشرك أفعلت كها أنهما قد يشتركان في غير هذا وذلك قولك: فرح وفرحته وإن شئت قلت أفرحته وغرم وغرمته وأغرمته إن شئت كما تقول: فزعته وأفزعته. وتقول: ملح وملحته وسمعنا من العرب من يقول: أملحته كما تقول: أفزعته. وقالوا: ظرف وظرفته ونبل ونبلته ولا يستنكر أفعلت فيهما ولسكن هذا أكثر واستغني به. ومثل أفرحت وفرحت: أنزلت ونزلت قال الله عز وجل: " لولا أنزل عليه آيةٌ من ربه قل إن الله وأما طردته فنحيته وأطردته: جعلته طريداً هارباً وطردت الكلاب الصيد أي جعلت تنحيه. ويقال طلعت أي بدوت وطلعت الشمس أي بدت. وأطلعت عليهم أي هجمت عليهم. وشرقت: بدت وأشرقت: أضاءت. وأسرع: عجل. وأبطأ: احتبس. وأما سرع وبطؤ فكأنهما غريزة كقولك: خف وثقل ولا تعديهما إلى شيء كما تقول: طولت الأمر وعجلته. وتقول: فتن الرجل وفتنته وحزن وحزنته ورجع ورجعته. وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزيناً وجعلته فاتناً كما أنك حين قلت: أدخلته أردت جعلته داخلاًن ولكنك أدرت أن تقول: جعلت فيه حزناً وفتنةً فقلت فتنته كما قلت كحلته أي جعلت فيه كحلاً ودهنته جعلت فيه دهناً فجئت بفعلته على حدةٍ ولم ترد بفعلته ههنا تغيير قوله حزن وفتن. ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته. وفتن من فتنته كحزن من حزنته. ومثل ذلك: شتر الرجل وشترت عينه فإذا أردت تغيير شتر الرجل لم تقل إلا أشترته كما تقول: فزع وأفزعته. وإذا قال: شترت عينه فهو لم يعرض لشتر الرجل فإنما جاء ببنناء على حدة. فكل بناء مما ذكرت لك على حدةٍ. كما أنك إذا قلت طردته فذهب فاللفظان مختلفان. ومثل حزن وحزنته: عورت عينه وعرتها. وزعموا أن بعضهم يقول: سودت عينه وسدتهأ وقد اختلفوا في هذا البيت لنصيبٍ فقال بعضهم: سودت فلم أملك سوادي وتحته قميصٌ من القوهي بيضٌ بنائقه وقال بعضهم: سدت يعني فعلت. وقال بعض العرب: أفتنت الرجل وأحزنته وأرجعته وأعورت عينه أرادوا جعلته حزيناً وفاتناًن فغيروا فعل كما فعلوا ذلك في الباب الأول. وقالوا: عورت عينه كما قالوا: فرحته وكما قالوا: سودته. ومثل فتن وفتنته: جبرت يده وجبرتها وركضت الدابة وركضتها ونزحت الركية ونزحتها وسار الدابة وسرتها. وقالوا: رجس الرجل ورجسته ونقص الدرهم ونقصته. ومثله غاض الماء وغضته. وقد جاء فعلته إذا أردت أن تجعله مفعلاً وذلك: فطرته فأفطر وبشرته فأبشر. وهذا النحو قليل. فأما خطأته فإنما أردت سميته مخطئاً كما أنك حيث قلت: فسقته وزنيته أي سميته بالزنا والفسق. كما تقول: حييته أي استقبلته بحياك الله كقولك: سقيته ورعيته أي قلت له: سقاك الله ورعاك الله كما قلت له يا فاسق. وخطأته قلت له يا مخطىء. ومثل هذا: لحنته. وقالوا: أسقيته في معنى سقيته فدخلت على فعلت كما تدخل فعلت عليها يعني في فرحت ونحوها. وقال ذو الرمة: وقفت على ربعٍ لمية ناقتي فما زلت أبكي حوله وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه وتجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر وذلك قولك: أقتلته أي عرضته للقتل. ويجيء مثل قبرته وأقبرته فقبرته: دفنته وأقبرته: جعلت له قبراً. وتقول: سقيته فشرب وأسقيته: جعلت له ماءً وسقيا. ألا ترى أنك تقول: أسقيته نهراً. وقال الخليل: سقيته وأسقيته أي جعلت له ماءً وسقيا. فسقيته مثل كسوته وأسقيته مثل ألبسته. ومثله: شفيته وأشفيته فشفيته: أبرأته وأشفيته: وهبت له شفاءً كما جعلت له قبراً. وتقول: أجرب الرجل وأنحز وأحال أي صار صاحب جربٍ وحيالٍ ونحازٍ في ماله. وتقول لما أصابه: هذا نحزٌ وجربٌ وحائلٌ للناقة. ومثل ذلك: مشدٌّ ومقطفٌ: ومقوٍ أي صاحب قوةٍ وشدةٍ وقطافٍ في ماله. ويقال: قوي الدابة وقطف. ومثل ذلك قول الرجل: ألام الرجل أي صار صاحب لائمةٍ. ومثل هذا قولهم: أسمنت وأكرمت فاربط وألامت. ومثل هذا أصرم النخل وأمضغ وأحصد الزرع وأجز النخل وأقطع أي قد استحق أن تفعل به هذه الأشياء كما استحق الرجل أن تلومه. فإذا أخبرت أنك قد أوقعت به قلت: قطعت وصرمت وجززت وأشباه ذلك. وقالوا: حمدته أي جزيته وقضيته حقه فأما أحمدته فتقول وجدته مستحقاً للحمد مني فإنما تريد أنك استبنته محموداً كما أن أقطع النخل استحق القطع وبذلك استنبت أنه استحق الحمد كما تبين لك النخل وغيره فكذلك استبنته فيه. وقالوا: أراب كما قالوا: ألام أي صار صاحب ريبةٍ كما قالوا: ألام أي استحق أن يلام. وأما رابني فإنه يقول: جعل لي ريبةً كما تقول: قطعت النخل أي أوصلت إليه القطع واستعملته فيه. ومثل ذلك: أبقت المرأة وأبق الرجل وبقت ولداً وبققت كلاماً كقولك: نثرت ولداً ونثرت كلاماً. ومثل المجرب والمقطف: المعسر والموسر والمقل. وأما عسرة فتقول ضيقت عليه ويسرته: تقول وسعت عليه. وقد يجيء فعلت وأفعلت المعنى فيهما واحد إلا أن اللغتين اختلفتا. زعم ذلك الخليل. فيجيء به قوم على فعلت ويلحق قوم فيه الألف فيبنونه على أفعلت. كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت لا يستعمل غيره وذلك قلته البيع وأقلته وشغله وأشغله وصر أذنيه وأصر أذنيه وبكر وأبكر وقالوا: بكر فأدخلوه مع أبكر وبكر كأبكر فقالوا أبكر كما قالوا: أدنف الرجل فبنوه على أفعل وهو من الثلاثة ولم يقولوا: دنف كما قالوا: مرض. وأبكر كبكر. وكما قالوا: أشكل أمرك. وقالوا: حرثت الظهر واحرثته. ومثل أدنفت: أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا شهوه بهذه التي تكون في الأحيان. ومثل ذلك: نعم الله بك عيناً وأنعم الله بك وزلته من مكانه وأزلته. وتقول: غفلت أي صرت غافلاً وأغفلت إذا أخبرت أنك تركت شيئاً ووصلت غفلتك إليه. وإن شئت قلت: غفل عنه فاجتزأت بعنه عن أغفلته لأنك إذا قلت عنه فقد أخبرت بالذي وصلت غفلتك إليه. ومثل هذا: لطف به وألطف غيره ولطف به كغفل عنه وألطفه كأغفله. ومثل ذلك بصر وما كان بصيراً وأبصره إذا أخبر بالذي وقعت رؤيته عليه. وقد يجيء فعلت وأفعلت في معنى واحدٍ مشتركين كما جاء فيما صيرته فاعلاً ونحوه وذلك وعزت إليه وأوعزت إليه وخبرت وأخبرت وسميت وأسميت. وقد يجيئان مفترقين مثل علمته وأعلمته فعلمت: أدبت وأعلمت: آذنت وآذنت: أعلمت وأذنت: النداء والتصويت بإعلانٍ. وبعض العرب يجري أذنت وآذنت مجرى سميت وأسميت. وتقول: أمرضته أي جعلته مريضاً ومرضته أي قمت عليه ووليته. ومثله أقذيت عينه أي جعلتها قذيةً وقذيتها: نظفتها. وتقول: أكثر الله فينا مثلك أي أدخل الله فينا كثيراً مثلك وتقول للرجل: أكثرت أي جئت بالكثير وأما كثرت فأن تجعل قليلاً كثيراً وكذلك قللت وكثرت. وإذا جاء بقليلٍ قلت: أقللت وأوتحت. وتقول: أقللت وأكثرت أيضاً في معنى قللت وكثرت. وتقول: أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا وذلك إذا صرت في حين صبحٍ ومساءٍ وسحرٍ وأما صبحنا ومسينا وسحرنا فتقول: أتيناه صباحاً ومساءً وسحراً ومثله بيتناه: أتيناه بياتا. وما بني على يفعل: يشجع ويجبن ويقوى أي يرمى بذلك ومثله قد شنع الرجل أي رمي بذلك وقيل له. وقالوا: أغلقت الباب وغلقت الأبواب حين كثروا العمل وسترى نظير ذلك في باب فعلت إن ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها حتى أتيت أبا عمرو بن عمار ومثل غلقت وأغلقت أجدت وجودت وأشباهه. وكان أبو عمرو أيضاً يفرق بين نزلت وأنزلت. ويقال أبان الشيء نفسه وأبنته واستبان واستبنته والمعنى واحدٌ وذا هاهنا بمنزلة حزن وحزنته في فعلت وكذلك بين وبينته. باب دخول فعلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت


تقول: كسرتها وقطعتها فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسرته وقطعته ومزقته. ومما يدلك على ذلك قولهم: علطت البعير وإبلٌ معلطةٌ وبعيرٌ معلوطٌ. وجرحته وجرحتهم. وجرحته: أكثرت الجراحات في جسده. وقالوا: ظل يفرسها السبع ويؤكلها إذا أكثر ذلك فيها. وقالوا: موتت وقومت إذا أردت جماعة الإبل وغيرها. وقالوا: يجول أي يكثر الجولان ويطوف أي يكثر التطويف. واعلم أن التخفيف في هذا جائز كله عربي إلا أن فعلت إدخالها ههنا لتبيين الكثير. وقد يدخل في هذا التخفيف كما أن الركبة والجلسة قد يكون معناهما في الركوب والجلوس ولكن بينوا بها هذا الضرب فصار بناءً له خاصاً كما أن هذا بناءٌ خاصٌّ للتكثير وكما أن الصوف والريح قد يكون فيه معنى صوفةٍ ورائحة. قال الفرزدق: ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها حتى أتيت أبا عمرو بن عمار وفتحت في هذا أحسن كما أن قعدة في ذلك أحسن. وقد قال جل ذكره: " جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب " وقال تعالى: " وفجرنا الأرض عيوناً ". فهذا وجه فعلت وفعلت مبيناً في هذه الأبواب وهكذا صفته. باب ما طاوع الذي فعله على فعل


وهو يكون على انفعل وافتعل وذلك قولك: كسرته فانكسر وحطمته فانحطم وحسرته فانحسرن وشويته فانشوى وبعضهم يقول: فاشتوى. وغممته فاغتم وانغم عربية. وصرفته فانصرف وقطعته فانقطع. ونظير فعلته فانفعل وافتعل: أفعلته ففعل نحو أدخلته فدخل وأخرجته فخرج ونحو ذلك. وربما استغني عن انفعل في هذا الباب فلم يستعمل وذلك قولهم: طردته فذهب ولا يقولون: فانطرد ولا فاطرد. يعني أنهم استغنوا عن لفظه بلفظ غيره إذ كان في معناه. ونظير هذا فعلته فتفعل نحو كسرته فتكسر وعشيته فتعشى وغديته فتغدى. وفي فاعلته فتفاعل وذلك نحو ناولته فتناول وفتحت التاء لأن معناه معنى الانفعال والافتعال قال يقول معناه معنى يتفعل في فتحة الياء في المضارع. كذلك تقول: تناول يتناول فتفتح الياء ولا تكون مضمومة كما كانت يناول لأن المعنى للمطاوعة معنى انفعل وافتعل. ونظير ذلك في بنات الأربعة على مثال تفعلل نحو دحرجته فتدحرج وقلقلته فتقلقل ومعددته فتمعدد وصعررته فتصعرر. وأما تقيس وتنزر وتتمم فإنما يجري على نحو كسرته فتكسر وكذلك كل شيء جاء على زنة فعلله عدد حروفه أربعة أحرف ما خلا أفعلت فإنه لم يلحق ببنات الأربعة. باب ما جاء فعل منه على غير فعلته


وذلك نحو: جن وسل وزكم وورد. وعلى ذلك قالوا: مجنونٌ ومسلولٌ ومزكومٌ ومحمومٌ ومورودٌ. وإنما جاءت هذه الحروف على جننته وسللته وإن لم يستعمل في الكلام كما أن يدع على ودعت ويذر على وذرت وإن لم يستعملا استغني عنهما بتركت واستغني عن قطع بقطع. وكذلك استغني عن جننت ونحوها بأفعلت. فإذا قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل. كما قالوا: حزن وفسل ورذل. وإذا قالوا: جننت فكأنهم قالوا جعل فيك جنونٌ كما أنه إذا قال أقبرته فإنما يقول: وهبت له قبراً وجعلت له قبرا. وكذلك أحزنته وأحببته. فإذا قلت محزونٌ ومحبوبٌ جاء على غير أحببت. وقد قال بعضهم: حببت فجاء به على القياس. باب دخول الزيادة في فعلت للمعاني


ومثل ذلك: ضاربته وفارقته وكارمته وعازني وعاززته وخاصمني وخاصمته. فإذا كنت أنت فعلت قلت: كارمني فكرمته. واعلم أن يفعل من هذا الباب على مثال يخرج نحو عازني فعززته أعزه وخاصمني فخصمته أخصمه وشاتمني فشتمته أشتمه. وتقول: خاصمني فخصمته أخصمه. وكذلك جميع ما كان من هذا الباب إلا ما كان من الياء مثل رميت وبعت وما كان من باب وعد فإن ذلك لا يكون إلا على أفعله لأنه لا يختلف ولا يجيء إلا على يفعل. وليس في كل شيء يكون هذا. ألا ترى أنك لا تقول نازعني فنزعته استغني عنها بغلبته وأشباه ذلك. وقد تجيء فاعلت لا تريد بها عمل اثنين ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت وذلك قولهم: ناولته وعاقبته وعافاه الله وسافرت وظاهرت عليه وناعمته. بنوه على فاعلت كما بنوه على أفعلت. ونحو ذلك: ضاعفت وضعفت مثل ناعمت ونعمت فجاءوا به على مثال عاقبته. وتقول: تعاطينا وتعطينا فتعاطينا من اثنين وتعطينا بمنزلة غلقت الأبواب أراد أن يكثر العمل. وأما تفاعلت فلا يكون إلا وأنت تريد فعل اثنين فصاعداً ولا يجوز أن يكون معملاً في مفعولٍ ففي تفاعلنا يلفظ بالمعنى الذي كان في فاعلته. وذلك قولك: تضاربنا وترامينا وتقاتلنا. وقد يشركه افتعلنا فتريد بهما معنىً واحدا وذلك قولهم: تضاربوا واضطربوا وتقاتلوا واقتتلوا وتجاوروا واجتوروا وتلاقوا والتقوا. وقد يجيىء تفاعلت على غير هذا كما جاء عاقبته ونحوها لا تريد بها الفعل من اثنين. وذلك قولك: تماريت في ذلك وتراءيت له وتقاضيته وتعاطيت منه أمراً قبيحاً. وقد يجيىء تفاعلت ليريك أنه في حالٍ ليس فيها. من ذلك: تغافلت وتعاميت وتعاييت وتعاشيت وتعارجت وتجاهلت. قال: إذا تخازرت وما بي من خزر فقوله: وما بي من خزر يدلك على ما ذكرنا. وقالوا: تذاءبت الريح وتناوحت وتذأبت كما قالوا: تعطينا وتقديرها: تذعبت وتذاعبت. باب استفعلت تقول: استجدته أي أصبته جيداً واستكرمته أي أصبته كريماً. واستعظمته أي أصبته عظيماً واستسمنته أي أصبته سميناً. وقد يجيىء استفعلت على غير هذا المعنى كما جاء تذاءبت وعاقبت تقول: استلأم واستخلف لأهله كما تقول أخلف لأهله المعنى واحد. وتقول: استعطيت أي طلبت العطية واستعتبته أي طلبت إليه العتبى. ومثل ذلك استفهمت واستخبرت أي طلبت إليه أن يخبرني ومثله: استثرته. وتقول: استخرجته أي لم أزل أطلب إليه حتى خرج. وقد يقولون: اخترجته شبهوه بافتعلته وانتزعته. وقالوا: قر في مكانه واستقر كما يقولون: جلب الجرح وأجلب يريدون بهما شيئاً واحداً كما بني ذلك على أفعلت بني هذا على استفعلت. وأما استحقه فإنه يكون طلب حقه وأما استخفه فإنه يقول طلب خفته. وكذلك استعمله أي طلب إليه العمل وكذلك استعجلت ومر مستعجلاً أي مر طالباً ذاك من نفسه متكلفاً إياه. وأما علا قرنه واستعلاه فإنه مثل قر واستقر وقالوا في التحول من حالٍ إلى حال هكذا وذلك قولك: استنوق الجمل واستتيست الشاة. وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمرٍ حتى يضاف إليه ويكون من أهله فإنك تقول: تفعل وذلك تشجع وتبصر وتحلم وتجلد وتمرأ وتقديرها تمرع أي صار ذا مروءة وقال حاتم تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ولن تستطيع الحلم حتى تحلما وليس هذا بمنزلة تجاهل لأن هذا يطلب أن يصير حليما. وقد يجيء تقيس وتنز وتعرب على هذا. وقد دخل استفعل ههنا قالوا: تعظم واستعظم وتكبر واستكبر. كما شاركت تفاعلت تفعلت الذي ليس في هذا المعنى ولكنه استثباتٌ وذلك قولهم: تيقنت واستيقنت وتبينت واسبنت: وتثبت واستثبت. ومثل ذلك - يعني تحلم - تقعدته أي ريثته عن حاجته وعقته. ومثله: تهيبني كذا وكذا وتهيبتني البلاد وتكاءدني ذاك الأمر تكاؤداً أي شق علي. وأما قوله: تنقصته وتنقصني فكأنه الأخذ من الشيء الأول فالأول. وأما تفهم وتبصر وتأمل فاستثباتٌ بمنزلة تيقن. وقد تشركه استفعل نحو استثبت. وأما يتجرعه ويتحساه ويتفوقه فهو يتنقصه لأنه ليس من معالجتك الشيء بمرة ولكنه في مهلةٍ. وأما تعقله فهو نحو تقعده لأنه يريد أن يختله عن أمرٍ يعوقه عنه. ويتملقه نحو ذلك لأنه إنما وقال: تظلمني أي ظلمني مالي فبناه في هذا الموضع على تفعل كما قالوا: جزته وجاوزته وهو يريد شيئاً واحداً وقلته وأقلته ولقته وألقته وهو إذا لطخته بالطين وألقت الدواة ولقتها. وأما تهيبه فإنه حصرٌ ليس فيه معنى شيءٍ مما ذكرنا كما أنك تقول استعليته لا تريد إلا معنى علوته. وأما تخوفه فهو أن يوقع أمراً يقع بك فلا تأمنه في حالك التي تكلمت فيها أن يوقع أمراً. وأما خافه فقد يكون وهو لا يتوقع منه في تلك الحال شيئاً. وأما تخونته الأيام فهو تنقصته وليس في تخونته من هذه المعاني شيءٌ كما لم يكن في تهيبه. وأما يتسمع ويتحفظ فهو يتبصر. وهذه الأشياء نحو يتجرع ويتفوق لأنها في مهلة. ومثل ذلك تخيره. وأما التعمج والتعمق فنحوٌ من هذا. والتدخل مثله لأنه عملٌ بعد عملٍ في مهلة. وأما تنجز حوائجه واستنجز فهو بمنزلة تيقن واستيقن في شركة استفعلت. فالاستثبات والتقعد والتنقص والتنجز وهذا النحو كله في مهلة وعمل بعد عمل. وقد بينا ما ليس مثله في تفعل. تقول: اشتوى القوم أي اتخذوا شواءً. وأما شويت فكقولك: أنضجت. وكذلك اختبز وخبز واطبخ وطبخ واذبح وذبح. فأما ذبح فمبنزلة قوله قتله وأما ذبح فبمنزلة اتخذ ذبيحةً. وقد يبنى على افتعل ما لا يراد به شيء من ذلك كما بنوا هذا على أفعلت وغيره من الأبنية وذلك افتقر واشتد فقالوا هذا كما قالوا استلمت فبنوه على افتعل كما بنوا هذا على أفعل. وأما كسب فإنه يقول أصاب وأما اكتسب فهو التصرف والطلب. والاجتهاد بمنزلة الاضطراب. وأما قولك: حبسته فبمنزلة قولك: ضبطته وأما احتبسته فقولك: اتخذته حبيساً كأنه مثل شوى واشتوى. وقالوا: ادخلوا واتلجوا يريدون يتدخلون ويتولجون. وقالوا: قرأت واقترأت يريدون شيئاً واحداً كما قالوا: علاه واستعلاه. ومثله خطف واختطف. وأما انتزع فإنما هي خطفة كقولك استلب وأما نزع فإنه تحويلك إياه وإن كان على نحو الاستلاب. وكذلك قلع واقتلع وجذب اجتذب بمعنىً واحدٍ. وأما اصطب الماء فبمنزلة اشتوه كأنه قال: اتخذه لنفسك. يعرضن إعراضاً لدين المفتن باب افعوعلت وما هو على مثاله مما لم نذكره


قالوا: خشن وقالوا: اخشوشن. وسألت الخليل فقال: كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد كما أنه إذا قال: اعشوشبت الأرض فإنما يريد أن يجعل ذلك كثيراً عاماً قد بالغ. وكذلك احلولى. وربما بني عليه الفعل فلم يفارقه كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت وافتعلت ونحو ذلك لا يفارقه بمعنى ولا يستعمل في الكلام إلا على بناء فيه زيادة. ومثل ذلك: اقطر النبت واقطار النبت لم يستعمل إلا بالزيادة وابهار الليل وارعويت واجلوذت واعلوطت من نحو اذلولى. والجوذ واعلوط إذا جدبه السير. واقطار النبت إذا ولى وأخذ يجف. وابهار الليل إذا كثرت ظلمته وإبهار القمر إذا كثر ضوءه. واعلوطته إذا ركبته بغير سرج. واعروريت الفلو إذا ركبته عرياً وكذلك البعير. ونظير اقطار من بنات الأربعة: اقشعرت واشمأززت. وأما اسحنكك: اسود فبمنزلة اذلولى. وأرادوا بافعنلل أن يبلغوا به بناء احرنجم كما أرادوا بصعررت بناء دحرجت. فكذلك هذه الأبواب فعلى نحو ما ذكرت لك فوجهها. باب ما لا يجوز فيه فعلته


إنما هي أبنيةٌ بنيت لا تعدى الفاعل كما أن فعلت لا يتعدى إلى مفعول فكذلك هذه الأبنية التي فيها الزوائد. فمن ذلك انفعلت ليس في الكلام انفعلته نحو انطلقت وانكمشت وانجردت وانسللت. وهذا موضعٌ قد يستعمل فيه انفعلت وليس مما طاوع فعلت نحو كسرته فانكسر ولا يقولون في ذا: طلقته فانطلق ولكنه بمنزلة ذهب ومضى كما أن افتقر بمنزلة ضعف. وأي المعنيين عنيت فإنه لا يجيء فيه انفعلته. وليس في الكلام احرنجمته لأنه نظير انفعلت في بنات الثلاثة زادوا فيه نونا وألف وصل كما زادوهما في هذا. وكذلك: افعنللت لأنهم أرادوا أن يبلغوا به احرنجمت. وليس في الكلام افعنللته وافعلنليته ولا افعاللته ولا افعللته وهو نحو احمررت واشهاببت. ونظير ذلك من بنات الأربعة: اطمأننت واشمأززت لم نسمعهم قالوا: فعلته في هذا الباب. فلما أتى عامان بعد انفصاله عن الضرع واحلولى دماناً يرودها وكذلك افعول قالوا: اعلوطته. وكذلك فعللته صعررته لأنهم أرادوا بناء دحرجته. وقال: سودٌ كحب الفلفل المصعرر وكذلك فوعلته مفوعلةً نحو مكوكبة لأنهم أرادوا بناء بنات الأربعة فجعلوا من هذه التي هي ذات زوائد أبنية الأربعة وهي أقل مما يتعدى من ذوات الزوائد كما أن ما لا يتعدى من فعلت وفعلت أقل. وإنما كان هذا أكثر لأنهم يدخلون المفعول في الفعل ويشغلونه به كما يفعلون ذلك بالفاعل فكما لم يكن للفعل بدٌّ من فاعل يعمل فيه كذلك أرادوا أن يكثر المفعول الذي يعمل فيه. وقالوا: اعروريت الفلو واعروريت منى أمراً قبيحاً كما قالوا: احلولى ذلك. فذلك في موضع المفعول. باب مصادر ما لحقته الزوائد من الفعل من بنات الثلاثة


فالمصدر على أفعلت إفعالاً أبداً. وذلك قولك: أعطيت إعطاءً وأخرجت إخراجاً. وأما افتعلت فمصدره عليه افتعالاً وألفه موصولةٌ كما كانت موصولةً في الفعل وكذلك ما كان على مثاله. ولزوم الوصل ههنا كلزوم القطع في أعطيت. وذلك قولك: احتبست احتباساً وانطلقت انطلاقاً لأنه على مثاله ووزنه واحمررت احمراراً. فأما استفعلت فالمصدر عليه الاستفعال. وكذلك ما كان على زنته ومثاله يخرج على هذا الوزن وهذا المثال كما خرج ما كان على مثال افتعلت. وذلك قولك: استخرجت استخراجاً واستصعبت استصعاباً واشهاببت اشهيباباً واقعنست اقعنساساً واجلوذت اجلواذاً. وأما فعلت فالمصدر منه على التفعيل جعلوا التاء التي في أوله بدلاً من العين الزائدة في فعلت وجعلت الياء بمنزلة ألف الإفعال فغيروا أوله كما غيروا آخره. وذلك قولك: كسرته تكسيراً وعذبته تعذيباً. وقد قال ناسٌ: كلمته كلاماً وحملته حمالاً أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسروا أوله وألحقوا الألف قبل آخر حرفٍ فيه ولم يريدوا أن يبدلوا حرفاً مكان حرف ولم يحذفوا كما أن مصدر أفعلت واستفعلت جاء فيه جميع ما جاء في استفعل وأفعل من الحروف ولم يحذف ولم يبدل منه شيءٌ. وقد قال الله عز وجل: " وكذبوا بآياتنا كذاباً ". وأما مصدر تفعلت فإنه التفعل جاءوا فيه بجميع ما جاء في تفعل وضموا العين لأنه ليس في الكلام اسم على تفعلٍ ولم يلحقوا الياء فيلتبس بمصدر فعلت ولا غير الياء لأنه أكثر من من ذلك قولك: تكلمت تكلماً وتقولت تقولاً. وأما الذين قالوا: كذاباً فإنهم قالوا: تحملت تحمالاً أرادوا أن يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت وأرادوا الكسر في الحرف الأول كما كسروا أول إفعالٍ واستفعال ووفروا الحروف فيه كما وفروهما فيهما. وأما فاعلت فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبداً: مفاعلةٌ جعلوا الميم عوضاً من الألف التي بعد أول حرف منه والهاء عوضٌ من الألف التي قبل آخر حرف وذلك قولك: جالسته مجالسةً وقاعدته مقاعدةً وشاربته مشاربةً وجاء كالمفعول لأن المصدر مفعول. وأما الذين قالوا هذا فقالوا: جاءت مخالفةً الأصل كفعلت وجاءت كما يجيء المفعل مصدراً والمفعلة إلا أنهم ألزموها الهاء لما فروا من الألف التي في قيتالٍ وهو الأصل. وأما الذين قالوا: تحملت تحمالاً فإنهم يقولون: قاتلت قيتالاً فيوفرن الحروف ويجيئون به على مثال إفعالٍ وعلى مثال قولهم كلمته كلاماً. وقد قالوا: ماريته مراءً وقاتلته قتالاً. وجاء فعالٌ على فاعلت كثيراً كأنهم حذفوا الياء التي جاء بها أولئك في قيتالٍ ونحوها. وأما المفاعلة فهي التي تلزم ولا تنكسر كلزوم الاستفعال استفعلت. وأما تفاعلت فالمصدر التفاعل كما أن التفعل مصدر تفعلت لأن الزنة وعدة الحروف واحدة وتفاعلت من فاعلت بمنزلة تفعلت من فعلت وضموا العين لئلا يشبه الجمع ولم يفتحوا لأنه ليس في الكلام تفاعلٌ في الأسماء. باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل


لأن المعنى واحد وذلك قولك: اجتوروا تجاوراً تجاوروا اجتواراً لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد. ومثل ذلك: انكسر كسراً وكسر انكساراً لأن معنى كسر وانكسر واحد. وقال الله تبارك وتعالى: " والله أنبتكم من الأرض نباتاً " لأنه إذا قال: أنبته فكأنه قال: قد نبت وقال عز وجل: " وتبتل إليه تبتيلاً " لأنه إذا قال تبتل فكأنه قال: بتل. وزعموا أن في قراءة ابن مسعود: " وأنزل الملائكة تنزيلاً " لأن معنى أنزل ونزل واحد. وقال القطامي: وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا لأن تتبعت واتبعت في المعنى واحد وقال رؤبة: وقد تطويت انطواء الحضب لأن معنى تطويت وانطويت واحد ومثل هذه الأشياء: يدعه تركاً لأن معنى يدع ويترك واحدٌ. باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب


وذلك قولك: أقمته إقامةً واستعنته استعانة وأريته إراءة. وإن شئت لم تعوض وتركت الحروف على الأصل. قال الله عز وجل: " لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ". وقالوا: اخترت اختياراً فلم يلحقوه الهاء لأنهم أتموه. وقالوا: أريته إراءً مثل أقمته إقاماً لأن من كلام العرب أن يحذفوا ولا يعوضوا. وأما عزيت تعزيةً ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه لأنهم لا يجيئون بالياء في شيءٍ من بنات الياء والواو مما هما فيه في موضع اللام صحيحتين. وقد يجيء في الأول نحو الإحواذ والاستحواذ ونحوه. ولا يجوز الحذف أيضاً في تجزئةٍ وتهنئةٍ وتقديرهما تجزعةٌ وتهنعةٌ لأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو كما ألحقوا أرأيت باب ما تكثر فيه المصدر من فعلت فتلحق الزوائد وتبنيه بناءً آخر كما أنك قلت في فعلت فعلت حين كثرت الفعل. وذلك قولك في الهذر: التهذار وفي اللعب: التلعاب وفي الصفق: التصفاق وفي الرد: الترداد وفي الجولان: التجوال والتقتال والتسيار. وليس شيء من هذا مصدر فعلت ولكن لما أردت التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فعلت على فعلت. وأما التبيان فليس على شيء من الفعل لحقته الزيادة ولكنه بني هذا البناء فلحقته الزيادة كما لحقت الرئمان وهو من الثلاثة وليس من باب التقتال ولو كان أصلها من ذلك فتحوا التاء فإنما هي من بينت كالغارة من أغرت والنبات من أنبت. ونظيرها التلقاء وإنما يريدون اللقيان. وقال الراعي: أملت خيرك هل تأتي مواعده فاليوم قصر عن تلقائك الأمل باب مصادر بنات الأربعة


فاللازم لها الذي لا ينكسر عليه أن يجيء على مثال فعللةٍ. وكذلك كل شيء ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة وذلك نحو: دحرجته دحرجةً وزلزلته زلزلةً وحوقلته حوقلةً وزحولته زحولةً. وإنما ألحقوا الهاء عوضاً من الألف التي تكون قبل آخر حرف وذلك ألف زلزالٍ. وقالوا زلزلته زلزالاً وقلقلته قلقالاً وسرهفته سرهافاً كأنهم أرادوا مثال الإعطاء والكذاب لأن مثال دحرجت وزنتها على أفعلت وفعلت. وقد قالوا الزلزال والقلقال ففتحوا كما فتحوا أول التفعيل فكأنهم حذفوا الهاء وزادوا الألف في الفعللة. والفعللة ههنا بمنزلة المفاعلة في فاعلت والفعلال بمنزلة الفيعال في فاعلت وتمكنهما ههنا كتمكن ذينك هناك. وأما ما لحقته الزيادة من بنات الأربعة وجاء على مثال استفعلت. وما لحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة فإن مصدره يجيء على مثال استفعلت. وذلك احرنجمت احرنجاماً واطمأننت اطمئناناً. والطمأنينة والقشعريرة ليس واحدٌ منهما بمصدر على اطمأننت واقشعررت كما أن النبات ليس بمصدر على أنبت فمنزلة اقشعررت من القشعريرة واطمأننت من الطمأنينة بمنزلة أنبت من النبات. ورميته رمية من هذا الباب فنظير فعلت فعلةً من هذه الأبواب أن تقول: أعطيت إعطاءةً وأخرجت إخراجةً. فإنما تجيء بالواحدة على المصدر اللازم للفعل. ومثل ذلك افتعلت افتعالةً وما كان على مثالها وذلك قولك: احترزت اخترازةً واحدةً وانطلقت انطلاقةً واحدةً واستخرجت استخراجةً واحدة. وما جاء على مثاله وزنته بمنزلته وذلك قولك: اقعنسس اقعنساسةً واغدودن اغديدانةً. وكذلك جميع هذا. وفعلت بهذه المنزلة تقول: عذبته تعذيبةً وروحته ترويحةً. والتفعل كذلك وذلك قولهم: تقلبت تقلبةً واحدةً. وكذلك التفاعل تقول: تغافل تغافلةً واحدة. وأما فاعلت فإنك إن أردت الواحدة قلت: قاتلته مقاتلةً وراميته مراماةً تجيء بها على المصدر اللازم الأغلب. فالمقاتلة ونحوها بمنزلة الإقالة والاستغاثة لأنك لو أردت الفعلة في هذا لم تجاوز لفظ المصدر لأنك تريد فعلةً واحدةً فلابد من علامة التأنيث. ولو أردت الواحدة من اجتورت فقلت تجاورةٌ جاز لأن المعنى واحد فكما جاز تجاوراً كذلك يجوز هذا. وكذلك يجوز جميع هذا الباب. ومثل ذلك يدعه تركةً واحدةً. باب نظير ما ذكرنا من بنات الأربعة وما ألحق ببنائها من بنات الثلاثة


فتقول: دحرجته دحرجةً واحدة وزلزلته زلزلةً واحدة تجيء بالواحدة على المصدر الأغلب الأكثر. باب اشتقاقك الأسماء لمواضع بنات الثلاثة


التي ليست فيها زيادة من لفظها أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعلٌ وذلك قولك: هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل. فإذا أردت المصدر بنيته على مفعلٍ وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضرباً أي لضرباً. قال الله عز وجل: " أين المفر " يريد: أين الفرار. فإذا أراد المكان قال: المفر كما قالوا: المبيت حين أرادوا المكان لأنها من بات يبيت. وقال الله عز وجل: " وجعلنا النهار معاشاً " أي جعلناه عيشاً. وقد يجيء المفعل يراد به الحين. فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعلٍ تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان. وذلك قولك: أتت الناقة على مضربها وأتت على منتجها إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضرب. وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك وذلك قولك: المرجع قال الله عز وجل: " إلى ربكم مرجعكم " أي رجوعكم. وقال: " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض " أي في الحيض. وقالوا: المعجز يريدون العجز. وقالوا: المعجز على القياس وربما ألحقوا هاء التأنيث فقالوا: المعجزة والمعجزة كما قالوا: المعيشة. وكذلك أيضاً يدخلون الهاء في المواضع. قالوا: المزلة أي موضع زلل. وقالوا: المعذرة والمعتبة فألحقوا الهاء وفتحوا على القياس. وقالوا: المصيف كما قالوا: أتت الناقة على مضربها أي على زمان ضرابها وقالوا: المشتاة فأنثوا وفتحوا لأنه من يفعل. وقالوا: المعصية والمعرفة كقيلهم: المعجزة. وربما استغنوا بمفعلةٍ عن غيرها وذلك قولهم: المشيئة والمحمية. وقالوا: المزلة. وقال الراعي: بنيت مرافقهن فوق مزلةٍ لا يستطيع بها القراد مقيلا يريد: قيلولةً. وأما ما كان يفعل منه مفتوحاً فإن اسم المكان يكون مفتوحا كما كان الفعل مفتوحا. وذلك قولك: شرب يشرب. وتقول للمكان مشربٌ. ولبس يلبس والمكان الملبس. وإذا أردت المصدر فتحته أيضاً كما فتحته في يفعل فإذا جاء مفتوحاً في المكسور فهو في المفتوح أجدر أن يفتح. وقد كسر المصدر كما كسر في الأول قالوا: علاه المكبر. ويقولون المذهب للمكان. وتقول: أردت مذهباً أي ذهاباً فتفتح لأنك تقول: يذهب فتفتح. ويقولون: محمدةٌ فأنثوا كما أنثوا الأول وكسروا كما كسروا المكبر. وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعلٌ فلما لم يكن إلى ذلك سبيل وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفهما. وذلك قولك: قتل يقتل وهذا المقتل. وقالوا: يقوم وهذا المقام. وقالوا: أكره مقال الناس وملامهم. وقالوا: الملامة والمقالة فأنثوا. وقالوا: المرد والمكر يريدون الرد والكرور. وقالوا: المدعاة والمأدبة إنما يريدون الدعاء إلى الطعام. وقد كسروا المصدر في هذا كما كسروا في يفعل قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس. وهذه لغة بني تميم وأما أهل الحجاز فيفتحون. وقد كسروا الأماكن في هذا أيضاً كأنهم أدخلوا الكسر أيضاً كما أدخلوا الفتح. وذلك: المنبت والمطلع لمكان الطلوع. وقالوا: البصرة مسقط رأسي للموضع. والسقوط المسقط. وأما المسجد فإنه اسم للبيت ولست تريد به موضع السجود وموضع جبهتك لو أردت ذلك لقلت مسجدٌ. ونظير ذلك: المكحلة والمحلب والميسم لم ترد موضع الفعل ولكنه اسمٌ لوعاء الكحل. وكذلك المدق صار اسماً له كالجلمود. وكذلك المقبرة والمشرقة وإنما أراد اسم المكان. ولو أراد موضع الفعل لقال مقبرٌ ولكنه اسم بمنزلة المسجد. والمظلمة بهذه المنزلة إنما هو اسم ما أخذ منك ولم ترد مصدراً ولا موضع فعل. وقالوا: مضربة السيف جعلوه اسماً للحديدة وبعض العرب يقول: مضربةٌ كما يقول: مقبرة ومشربة فالكسر في مضربةٍ كالضم في مقبرةٍ. والمنخر بمنزلة المدهن كسروا الحرف كما ضم ثمة. وقالوا: المسربة فهو الشعر الممدود في الصدر وفي السرة بمنزلة المشرقة لم ترد مصدراً ولا موضعاً لفعل وإنما هو اسم مخط الشعر الممدود في الصدر. وكذلك: المأثرة والمكرمة والمأدبة. وقد قال قوم معذرةٌ كالمأدبة ومثله: " فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ". ويجيء المفعل اسماً كما جاء في المسجد والمنكب وذلك: المطبخ والمربد. وكل هذه الأبنية تقع اسماً للتي ذكرنا من هذه الفصول لا لمصدرٍ ولا لموضع العمل. باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي الياء فيهن لام


فالموضع والمصدر فيه سواءٌ وذلك لأنه معتل وكان الألف والفتح أخف عليهم من الكسرة مع الياء ففروا إلى مفعلٍ إذ كان مما يبنى عليه المكان والمصدر. ولا يجي مكسوراً أبداً بغير الهاء لأن الإعراب يقع على الياء ويلحقها الاعتلال فصار هذا بمنزلة الشقاء والشقاوة وتثبت الواو مع الهاء وتبدل مع ذهابها. وأما بنات الواو فيلزمها الفتح لأنها يفعل ولأن فيها ما في بنات الياء من العلة. هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاءٌ


فكل شيءٍ كان من هذا فعل فإن المصدر منه من بنات الواو والمكان يبنى على مفعلٍ وذلك قولك للمكان: الموعد والموضع والمورد. وفي المصدر الموجدة والموعدة. وقد بين أمر فعل هناك وذلك من قبل أن فعل من هذا الباب لا يجيء إلا على يفعل ولا يصرف عنه إلى يفعل لعلة قد ذكرناها فلما كان لا يصرف عن يفعل وكان معتلاً ألزموا مفعلاً منه ما ألزموا يفعل وكرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما ليس بمعتلٍّ ويكون مرةً يفعل ومرةً يفعل فلما كان معتلاً لازما لوجه واحد ألزموا المفعل منه وجها واحداً. وقال أكثر العرب في وجل يوجل ووحل يوحل: موحلٌ وموحلٌ وذلك أن يوجل ويوحل وأشباههما في هذا الباب من فعل يفعل قد يعتل فتقلب الواو ياءً مرةً وألفا مرة وتعتل لها الياء التي قبلها حتى تكسر فلما كانت كذلك شبهوها بالأول لأنها في حال اعتلال ولأن الواو منها في موضع الواو من الأول. وهم مما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع حالاته. وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل يوجل ونحوه: موجلٌ وموحلٌ وكأنهم الذين قالوا يوجل فسلموه فلم سلم وكان يفعل كيركب ونحوه شبهوه به. وقالوا: مودةٌ لأن الواو تسلم ولا تقلب. وموحد فتحوه إذ كان اسما موضوعا ليس بمصدر ولا مكان إنما هو معدول عن واحد كما أن عمر معدول عن عامر فشبهوه بهذه الأسماء وذلك نحو موهب. وكموهبٍ: موألة اسم رجل ومورق وهو اسم. وأما بنات الياء التي الياء فيهن فاءٌ فإنها بمنزلة غير المعتل لأنها تتم ولا تعتل وذلك أن الياء مع الياء أخف عليهم ألا تراهم يقولون ميسرةٌ كما يقولون المعجزة وقال بعضهم: ميسرةٌ. هذا باب ما يكون مفعلةٌ لازمة لها الهاء والفتحة


وذلك إذا أردت أن تكثر الشيء بالمكان وذلك قولك: أرضٌ مسبعةٌ ومأسدةٌ ومذأبةٌ. وليس في كل شيء يقال إلا أن تقيس شيئاً وتعلم أن العرب لم تكلم به. ولم يجيئوا بنظير هذا فيما جاوز ثلاثة أحرف من نحو الضفدع والثعلب كراهية أن يثقل عليهم ولأنهم قد يستغنون بأن يقولوا: كثيرة الثعالب ونحو ذلك وإنما اختصوا بها بنات الثلاثة لخفتها. ولو قلت من بنات الأربعة على قولك ماسدةٌ لقلت: مثعلبةٌ لأن ما جاوز الثلاثة يكون نظير المفعل منه بمنزلة المفعول. وقالوا: أرضٌ مثعلبةٌ ومعقربةٌ. ومن قال ثعالةٌ قال مثعلةٌ. ومحياةٌ ومفعاةٌ: فيها أفاعٍ وحياتٌ. ومقثاةٌ: فيها القثاء. باب ما عالجت به أما المقص فالذي يقص به. والمقص: المكان والمصدر. وكل شيءٌ يعالج به فهو مكسور الأول كانت فيه هاء التأنيث أو لم تكن وذلك قولك: محلبٌ ومنجلٌ ومكسحةٌ ومسلة والمصفى والمخرز والمخيط. وقد يجيء على مفعالٍ نحو: مقراضٍ ومفتاحٍ ومصباحٍ. هذا باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة بزيادة أو بغير زيادة


فالمكان والمصدر يبنى من جميع هذا بناء المفعول وكان بناء المفعول أولى به لأن المصدر مفعولٌ والمكان مفعولٌ فيه فيضمون أوله كما يضمون المفعول لأنه قد خرج من بنات الثلاثة فيفعل بأوله ما يفعل بأول مفعوله كما أن أول ما ذكرت لك من بنات الثلاثة كأول مفعوله مفتوحٌ وإنما منعك أن تجعل قبل آخر حرف من مفعوله واواً كواو مضروبٍ أن ذلك ليس من كلامهم ولا مما بنوا عليه يقولون للمكان: هذا مخرجنا ومدخلنا ومصبحنا وممسانا وكذلك إذا أردت المصدر. قال أمية بن أبي الصلت: الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا ويقولون للمكان: هذا متحاملنا ويقولون: ما فيه متحامل أي ما فيه تحاملٌ. ويقولون: مقاتلنا وكذلك تقول إذا أردت المقاتلة قال مالك بن أبي كعب أبو كعب بن مالك الأنصاري: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا غم الجبان من الكرب اقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس وقال في المكان: هذا موقانا. وقال رؤبة: إن الموقى مثل ما وقيت يريد التوقية. وكذلك هذه الأشياء. وأما قوله: دعه إلى ميسوره ودع معسوره فإنما يجيء هذا على المفعول كأنه قال: دعه إلى أمر يوسر فيه أو يعسر فيه. وكذلك المرفوع والموضوع كأنه يقول: له ما يرفعه وله ما يضعه. وكذلك المعقول كأنه قال: عقل له شيءٌ أي حبس له لبه وشدد. ويستغنى بهذا عن المفعل الذي يكون مصدراً لأن في هذا دليلا عليه. باب ما لا يجوز فيه ما أفعله


وذلك ما كان أفعل وكان لوناً أو خلقةً. ألا ترى أنك لا تقول: ما أحمره ولا ما أبيضه. ولا تقول في الأعرج: ما أعرجه ولا في الأعشى: ما أعشاه. إنما تقول: ما أشد حمرته وما أشد عشاه. وما لم يكن فيه ما أفعله لم يكن فيه أفعل به رجلا ولا هو أفعل منه لأنك تريد أن ترفعه من غايةٍ دونه كما أنك إذا قلت ما أفعله فأنت تريد أن ترفعه عن الغاية الدنيا. والمعنى في أفعل به وما أفعله واحد وكذلك أفعل منه. وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخلٌ في الفعل. ألا ترى قلته في الأسماء وكثرته في الصفة لمضارعتها الفعل. فلما كان مضارعاً للفعل موافقاً له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله أبدا. وزعم الخليل أنهم إنما منعهم من أن يقولوا في هذه ما أفعله لأن هذا صار عندهم بمنزلة اليد والرجل وما ليس فيه فعلٌ من هذا النحو. ألا ترى أنك لا تقول: ما أيداه ولا ما أرجله إنما تقول: ما أشد يده وما أشد رجله ونحو ذلك. ولا تكون هذه الأشياء في مفعالٍ ولا فعولٍ كما تقول رجلٌ ضروبٌ ورجلٌ محسانٌ لأن هذا في معنى ما أحسنه إنما تريد أن تبالغ ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه ضاربٌ وحسنٌ. وأما قولهم في الأحمق: ما أحمقه وفي الأرعن: ما أرعنه وفي الأنوك: ما أنوكه وفي الألد: ما ألده فإنما هذا عندهم من العلم ونقصان العقل والفطنة فصارت ما ألده بمنزلة ما أمرسه وما أعلمه وصارت ما أحمقه بمنزلة ما أبلده وما أشجعه وما أجنه لأن هذا ليس بلونٍ ولا خلقةٍ في جسده وإنما هو كقولك: ما ألسنه وما أذكره وما أعرفه وأنظره تريد نظر التفكر وما أشنعه وهو أشنع لأنه عندهم من القبح وليس بلون ولا خلقةٍ من الجسد ولا نقصانٍ فيه فألحقوه بباب القبح كما ألحقوا ألد وأحمق بما ذكرت لك لأن أصل بناء أحمق ونحوه أن يكون على غير بناء أفعل نحو بليدٍ وعليمٍ وجاهلٍ وعاقلٍ وفهمٍ وحصيفٍ. وكذلك الأهوج تقول: ما أهوجه كقولك: ما أجنه. باب يستغنى فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله وعن أفعل منه


بقولهم: هو أفعل منه فعلاً كما استغني بتركت عن ودعت وكما استغني بنسوةٍ عن أن يجمعوا المرأة على لفظها وذلك في الجواب. ألا ترى أنك لا تقول: ما أجوبه إنما تقول: ما أجود جوابه. ولا تقول هو أجوب منه ولكن هو أجود منه جواباً ونحو ذلك. وكذلك لا تقول: أجوب به وإنما تقول: أجود بجوابه. ولا يقولون في قال يقيل ما أقيله استغنوا بما أكثر قائلته. وما أنومه في ساعة كذا وكذا كما قالوا تركت ولم يقولوا ودعت. باب ما أفعله على معنيين


تقول: ما أبغضني له وما أمقتني له وما أشهاني لذلك. إنما تريد أنك ماقتٌ وأنك مبغضٌ وأنك مشتهٍ. فإن عنيت قلت: ما أفعله إنما تعني به هذا المعنى. وتقول: ما أمقته وما أبغضه إلي إنما تريد أنه مقيتٌ وأن مبغضٌ إليك كما أنك تقول: ما أقبحه وإنما تريد أنه قبيح في عينك وما أقذره إنما تريد أنه قذرٌ عندك. وتقول: ما أشهاها أي هي شهيةٌ عندي كما تقول: ما أحظاها أي حظيت عندي. فكأن ما أمقته وما أشهاها على فعل وإن لم يستعمل كما تقول: ما أبغضه إلي وقد بغض. فجيء على فعل وفعل وإن لم يستعمل كأشياء فيما مضى وأشياء ستراها إن شاء الله. باب ما تقول العرب فيه ما أفعله


وليس له فعل وإنما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس قالوا: أحنك الشاتين وأحنك البعيرين كما قالوا: آكل الشاتين كأنهم قالوا: حنك ونحو ذلك. فإنما جاءوا بأفعل على نحو هذا وإن لم يتكلموا به. وقالوا: آبل الناس كلهم كما قالوا: أرعى الناس كلهم وكأنهم قد قالوا: أبل يأبل. وقالوا: رجلٌ آبل وإن لم يتكلموا بالفعل. وقولهم: آبل الناس بمنزلة آبل منه لأن ما جاز فيه أفعل الناس جاز وهذه الأسماء التي ليس فيها فعل ليس القياس فيها أن يقال أفعل منه ونحو ذلك. وقد قالوا فلانٌ آبل منه كما قالوا: أحنك الشاتين. باب ما يكون يفعل ومن فعل فيه مفتوحا


وذلك إذا كانت الهمزة أو الهاء أو العين أو الحاء أو الغين أو الخاء لاماً أو عينا. وذلك قولك قرأ يقرأ وبذأ يبذأ وخبأ يخبأ وجبه يجبه وقلع يقلع ونفع ينفع وفرغ يفرغ وسبع يسبع وضبع يضبع وصنع يصنع وذبح يذبح ومنح يمنح وسلخ يسلخ ونسخ ينسخ. هذا ما كانت هذه الحروف فيه لامات. وأما ما كانت فيه عيناتٍ فهو كقولك: سأل يسأل وثأر يثأر وذأل يذأل وذهب يذهب - والذألان: المر الخفيف - وقهر يقهر ومهر يمهر وبعث يبعث وفعل يفعل ونحل ينحل ونحر ينحر وشحج يشحج ومغث يمغث وفغر يفغر وشغر يشغر وذخر يذخر وفخر يفخر. وإنما فتحوا هذه الحروف لأنها سفلت في الحلق فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيزها وهو الألف وإنما الحركات من الألف والياء والواو. وكذلك حركوهن إذ كن عيناتٍ ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو والياء لأنهما من الحروف التي ارتفعت والحروف المرتفعة حيزٌ على حدةٍ فإنما تتناول للمرتفع حركةً من مرتفع وكره أن يتناول للذي قد سفل حركةٌ من هذا الحيز. وقد جاءوا بأشياء من هذا الباب على الأصل قالوا: برأ يبرؤ كما قالوا: قتل يقتل وهنأ يهنىء كما قالوا: ضرب يضرب. وهذا في الهمزة أقل لأن الهمزة أقصى الحروف وأشدها سفولاً وكذلك الهاء لأنه ليس في الستة الأحرف أقرب إلى الهمزة منها وإنما الألف بينهما. وقالوا: نزع ينزع ورجع يرجع كما قالوا: ضرب يضرب. وقالوا: نضح ينضح ونبح ينبح ونطح ينطح وقالوا: منح يمنح وقالوا: جنح يجنح كما قالوا: ضمر يضمر وصار الأصل في العين أقل لأن العين أقرب إلى الهمزة من الحاء. وقالوا: صلح يصلح وقالوا: فرغ يفرغ وصبغ يصبغ ومضغ يمضغ كما قالوا: قعد يقعد. وقالوا: نفخ ينفخ وطبخ يطبخ ومرخ يمرخ والأصل في هذين الحرفين أجدر أن يكون يعني الخاء والغين لأنهما أشد الستة ارتفاعاً. ومما جاء على الأصل مما فيه هذه الحروف عيناتٌ قولهم: زأر يزئر ونأم ينئم من الصوت كما قالوا: هتف يهتف. وقالوا: نهق ينهق ونهت ينهت مثل هتف يهتف. وقالوا: نعر ينعر ورعدت السماء ترعد كما قالوا: هتف يهتف وقعد يقعد. وقالوا: شحج يشحج ونحت ينحت مثل ضرب يضرب. وقالوا: شحب يشحب مثل قعد يقعد. وقالوا: نغرت القدر تنغر كما قالوا: طفر يطفر. وقالوا: لغب يلغب كما قالوا: خمد يخمد ومثل يلغب من بنات العين شعر يشعر. وقالوا: مخض بمخض ونخل ينخل مثل قتل يقتل. وقالوا: نخر ينخر كما قالوا: جلس يجلس: وقالوا: استبرأ يستبرىء وأبرأ يبرىء وانتزع ينتزع. وهذا الضرب إذا كان فيه شيءٌ من هذه الحروف لم يفتح ما قبلها ولا تفتح هي أنفسها إن كانت قبل آخر حرفٍ وذاك لأن هذا الضرب الكسر له لازمٌ في يفعل لا يعدل عنه ولا يصرف عنه إلى غيره وكذلك جرى في كلامهم. وليس فعل كذلك وذلك لأن فعل يخرج يفعل منه إلى الكسر والضم وهذا لا يخرج إلا إلى الكسر فهو لا يتغير كما أن فعل منه على طريقة واحدة وصار هذا في فعل لأن ما كان على ثلاثة أحرف قد يبنى على فعل وفعل وفعل وهذه الأبنية كل بناء منها إذا قلت فيه فعل لزم بناءً واحداً في كلام العرب كلها. وتقلو: صبح يصبح لأن يفعل من فعلت لازمٌ له الضم لا يصرف إلى غيره فلذلك لم يفتح هذا. ألا تراهم قالوا في جميع هذا هكذا قالوا: قبح يقبح وضخم يضخم وقالوا: ملؤ يملؤ وقمؤ يقمؤ وضعف يضعف وقالوا: رعف يرعف وسعل يسعل كما قالوا: شعر يشعر. وقالوا: ملؤ فلم يفتحوها لأنهم لم يريدوا أن يخرجوا فعل من هذا الباب وأرادوا أن تكون الأبنية الثلاثة فعل وفعل وفعل في هذا الباب فلو فتحوا لا لتبس فخرج فعل من هذا الباب. وإنما فتحوا يفعل من فعل لأنه مختلفٌ وإذا قلت فعل ثم قلت يفعل علمت أن أصله الكسر أو الضم إذا قلت فعل ولا تجد في حيز ملؤ هذا. ولا يفتح فعل لأنه بناء لا يتغير وليس كيفعل من فعل لأنه يجيء مختلفاً فصار بمنزلة يقرىء ويستبرىء. وإنما كان فعل كذلك لأنه أكثر في الكلام فصار فيه ضربان ألا ترى أن فعل فيما تعدى أكثر من فعل وهي فيما لا يتعدى أكثر نحو قعد وجلس. باب ما هذه الحروف فيه فاءات


تقول: أمر يأمر وأبق يأبق وأكل يأكل وأفل يأفل لأنها ساكنةٌ وليس ما بعدها بمنزلة ما قبل اللامات لأن هذا إنما هو نحو الإدغام والإدغام إنما يدخل فيه الأول في الآخر والآخر على حاله ويقلب الأول فيدخل في الآخر حتى يصير هو والآخر من موضع واحد نحو قد تركتك ويكون الآخر على حاله فإنما شبه هذا بهذا الضرب من الإدغام فأتبعوا الأول الآخر كما اتبعوه ومع هذا أن الذي قبل اللام فتحته اللام في قرأ يقرأ حيث قرب جواره منها لأن الهمز وأخواته لو كن عينات فتحن فلما وقع موضعهن الحرف الذي كن يفتحن به لو قرب فتح. وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفاً لو كان في موضع الهمز لم يحرك أبداً ولزمه السكون. فحالهما في الفاء واحدة كما أن حال هذين في العين واحدة. وقالوا: أبى يأبى فشبهوه بيقرأ. وفي يأبى وجهٌ آخر: أن يكون فيه مثل حسب يحسب فتحا كما كسرا. وقالوا: جبى يجبى وقلى يقلى فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه وأتبعوه الأول كما قالوا: وعده يريدون وعدته أتبعوا الأول يعني في يأبى لأن الفاء همزة. وكما قالوا: مضجعٌ. ولا نعلم إلا هذا الحرف وأما غير هذا فجاء على القياس مثل عمر يعمر ويعمرن ويهرب ويحزر. وقالوا: عضضت تعض فإنما يحتج بوعده يريدون وعدته فأتبعوه الأول كقولهم أبى يأبى ففتحوا ما بعد الهمزة للهمزة وهي ساكنة. وأما جبى يجبى وقلى يقلى فغير معروفين إلا من وجيهٍ ضعيف فلذلك أمسك عن الاحتجاج لهما. وكذلك عضضت تعض غير معروف. قالوا: شأى يشأى وسعى يسعى ومحا يمحى وصغا يصغى ونحا ينحى فعلوا به ما فعلوا بنظائره من غير المعتل. وقالوا: بهو يبهو لأن نظير هذا أبداً من غير المعتل لا يكون إلا يفعل. ونظائر الأول مختلفات في يفعل. وقد قالوا: يمحو ويصغو ويزهوهم الآل أي يرفعهم ويزهو وينحو ويرغو كما فعلوا بغير المعتل. وقالوا: يدعو. وأما الحروف التي من بنات الثلاث نحو جاء يجيء وباع يبيع وتاه يتيه فإنما جاء على الأصل حيث أسكنوا ولم يحتاجوا إلى التحريك. وكذلك المضاعف نحو دع يدع وشح يشح وسحت السماء تسح لأن هذه الحروف التي هي عينات أكثر ما تكون سواكن ولا تحرك إلا في موضع الجزم من لغة أهل الحجاز وفي موضع تكون لام فعلت تسكن فيه بغير الجزم ننحو رددن ويرددن وهذا أيضاً تدغمه بكر بن وائلٍ فلما كان السكون فيه أكثر جعلت بمنزلة ما لا يكون فيه إلا ساكناً وأجريت على التي يلزمها السكون. وزعم يونس أنهم يقولون: كع يكع ويكع أجود لما كانت قد تحرك في بعض المواضع جعلت بمنزلة يدع ونحوها في هذه اللغة وخالفت باب جئت كما خالفتها في أنها قد تحرك. إذا كان واحد منها عيناً وكانت الفاء قبلها مفتوحة وكان فعلا إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات: مطردٌ فيه فعلٌ وفعل وفعلٌ وفعلٌ. إذا كان فعلاً أو اسماً أو صفةً فهو سواء. وفي فعيلٍ لغتان: فعيلٌ وفعيلٌ إذا كان الثاني من الحروف الستة. مطردٌ ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعلٍ إذا كان كذلك كسرت الفاء في لغة تميم. وذلك قولك: لئيمٌ وشهيدٌ وسعيدٌ ونحيفٌ ورغيفٌ وبخيلٌ وبئيسٌ وشهدٌ ولعبٌ وضحكٌ ونغلٌ ووخمٌ. وكذلك فعلٌ إذا كان صفة أو فعلا أو اسماً. وذلك قولك: رجلٌ لعبٌ ورجلٌ محكٌ وهذا ماضغٌ لهمٌ وهذا رجلٌ وعكٌ ورجلٌ جئزٌ - يقال جئز الرجل غص - وهذا عيرٌ نعرٌ وفخذٌ. وإنما كان هذا في هذه الحروف لأن هذه الحروف قد فعلت في يفعل ما ذكرت لك حيث كانت لاماتٍ من فتح العين ولم تفتح هي أنفسها هنا لأنه ليس في الكلام فعيلٌ وكراهية أن يلتبس فعلٌ بفعلٍ فيخرج من هذه الحروف فعلٌ فلزمها الكسر ههنا وكان أقرب الأشياء إلى الفتح وكانت من الحروف التي تقع الفتحة قبلها لما ذكرت لك فكسرت ما قبلها حيث لزمها الكسر وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف فأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد. كما أنهم إذا أدغموا فإنما أرادوا أن يرفعوا ألسنتهم من موضع واحد. وإنما جاز هذا في هذه الحروف حيث كانت تفعل في يفعل ما ذكرت لك فصار لها في ذلك قوةٌ ليست لغيرها. وأما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس وقالوا رؤفٌ ورءوفٌ فلا يضم لبعد الواو من الألف. فالواو لا تغلب على الألف إذ لم تقرب كقرب الياء منها. كما أنك تقول: ممثلك فتجعل النون ميما ولا تقول همثلك فتدعم لأن النون لها شبهٌ بالميم ليس للام. وسترى ذلك إن شاء الله في باب الإدغام. وسمعت بعض العرب يقول: بيس فلا يحقق الهمزة ويدع الحرف على الأصل كما قالوا شهد فخففوا وتركوا الشين على الأصل. وأما الذين قالوا مغيرةٌ ومعينٌ فليس على هذا ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة كما قالوا: منتنٌ وأنبؤك وأجوءك يريد: أجيئك وأنبئك. وقالوا في حرف شاذٍ إحب ونحب ويحب شبهوه بقولهم منتنٌ وإنما جاءت على فعل وإن لم يقولوا حببت. وقالوا: يحب كما قالوا: يئبى فلما جاء شاذاً على بابه على يفعل خولف به كما قالوا: يا ألله وقالوا: ليس ولم يقولوا لاس فكذلك يحب ولم يجىء على أفعلت فجاء على ما لم يستعمل فأما أجىء ونحوها فعلى القياس وعلى ما كانت تكون عليه لو أتموا لأن هذه الألف يعني ألف أفعل لا يتحرك ما بعدها في الأصل فترك على ذلك. باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء


كما كسرت ثاني الحرف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك قولهم: أنت تعلم ذاك وأنا إعلم وهي تعلم ونحن نعلم ذاك. وكذلك كل شيء فيه فعل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعف. وذلك قولك: شقيت فأنت تشقى وخشيت فأنا إخشى وخلنا فنحن نخال وعضضتن فأنتن تعضضن وأنت تعضين. وإنما كسروا هذه الأوائل لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فعل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحاً في فعل وكان البناء عندهم على هذا أن يجروا أوائلها على ثواني فعل منها. وقالوا: ضربت تضرب وأضرب ففتحوا أول هذا كما فتحوا الراء في ضرب. وإنما منعهم أن يسكروا الثاني كما كسروا في فعل أنه لا يتحرك فجعل ذلك في الأول. وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت وذلك أنهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنىً فيحتمل ذلك كما يكرهون الياءات والواوات مع الياء وأشباه ذلك. ولا يكسر في هذا الباب شيءٌ كان ثانيه مفتوحا نحو ضرب وذهب وأشباههما. وقالوا: أبى فأنت تئبى وهو يئبى. وذلك أنه من الحروف التي يستعمل يفعل فيها مفتوحا وأخواتها وليس القياس أن تفتح وإنما هو حرفٌ شاذ فلما جاء مجيء ما فعل منه مكسور فعلوا به ما فعلوا بذلك وكسروا في الياء فقالو يئبى وخالفوا به في هذا باب فعل كما خالفوا به بابه حين فتحوا وشبهوه بيبجل حين أدخلت في باب فعل وكان إلى جنب الياء حرف الاعتلال. وهم ما يغيرون الأكثر في كلامهم ويجسرون عليه إذ صار عندهم مخالفاً. وقالوا: مره وقال بعضهم: أومره حين خالفت في موضع وكثر في كلامهم خالفوا به في موضع آخر. وجميع ما ذكرت مفتوح في لغة أهل الحجاز وهو الأصل. وأما يسع ويطأ فإنما فتحوا لأنه فعل يفعل مثل حسب يحسب ففتحوا الهمزة والعين كما فتحوا للهمزة والعين حين قالوا يقرأ ويفزع. فلما جاء على مثال ما فعل منه مفتوح لم يكسروا كما كسروا يأبى حيث جاء على مثال ما فعل منه مكسور. ويدلك على أن الأصل في فعلت أن يفتح يفعل منه على لغة أهل الحجاز سلامتها في الياء وتركهم الضم في يفعل ولا يضم لضمة فعل فإنما هو عارضٌ. وأما وجل يوجل ونحوه فإن أهل الحجاز يقولون يوجل فيجرونه مجرى علمت. وغيرهم من العرب سوى أهل الحجاز يقولون في توجل: هي تيجل وأنا إيجل ونحن نيجل. وإذا قلت يفعل فبعض العرب يقولون ييجل كراهية الواو مع الياء شبهوا ذلك بأيام ونحوها. وقال بعضهم: ياجل فأبدلوا مكانها ألفاً كراهية الواو مع الياء كما يبدلوننها من الهمزة الساكنة. وقال بعضهم: ييجل كأنه لما كره الياء مع الواو كسر الياء ليقلب الواو ياءً لأنه قد علم أن الواو الساكنة إذا كانت قبلها كسرة صارت ياءً ولم تكن عنده الواو التي تقلب مع الياء حيث كانت الياء التي قبلها متحركة فأرادوا أن يقلبوها إلى هذا الحد وكره أن يقلبها على ذلك الوجه الآخر. واعلم أن كل شيء كانت ألفه موصولة مما جازو ثلاثة أحرف في فعل فإنك تكسر أوائل الأفعال المضارعة للأسماء. وذلك لأنهم أرادوا أن يكسروا أوائلها كما كسروا أوائل فعل فلما أرادوا الأفعال المضارعة على هذا المعنى كسروا أوائلها كأنهم شبهوا هذا بذلك. وإنما منعهم أن يكسروا الثواني في باب فعل أنها لم تكن تحرك فوضعوا ذلك في الأوائل. ولم يكونوا ليكسروا الثالث فيلتبس يفعل بيفعل وذلك: قولك استغفر فأنت تستغفر واحرنجم فأنت تحرنجم واغدودن فأنت تغدودن واقعنس فأنا إقعنسس. وكذلك كل شيء من تفعلت أو تفاعلت أو تفعللت يجري هذا المجرى لأنه كان عندهم في الأصل مما ينبغي أن تكون أوله ألفٌ موصولة لأن معناه معنى الانفعال وهو بمنزلة انفتح وانطلق ولكنهم لم يستعملوه استخفافاً في هذا القبيل. وقد يفعلون هذا في أشياء كثيرة وقد كتبناها وستراها إن شاء الله. والدليل على ذلك أنهم يفتحون الياءات في يفعل ومثل ذلك قولهم: تقى الله رجلٌ يم يتقي الله أجروه على الأصل. وإن كانوا لم يستعملوا الألف حذفوها والحرف الذي بعدها. وجميع هذا يفتحه أهل الحجاز وبنو تميم لا يكسرونه في الياء إذا قالوا يفعل. وأما فعلٌ فإنه لا يضم منه ما كسر من فعلٍ لأن الضم أثقل عندهم فكرهوا الضمتين ولم يخافوا التباس معنيين فعمدوا إلى الأخف ولم يريدوا تفريقاً بين معنيين كما أردت ذلك في فعل - يعني في الإتباع - فيحتمل هذا فصار الفتح مع الكسر عندهم محتملا وكرهوا الضم مع الضم. هذا باب ما يسكن استخفافاً


وهو في الأصل متحرك وذلك قولهم في فخذٍ: فخذٌ وفي كبدٍ: كبدٌ وفي عضدٍ: عضدٌ وفي الرجل: رجلٌ وفي كرم الرجل: كرم وفي علم: علم وهي لغة بكر بن وائل وأناسٍ كثير من بني تميم. وقالوا في مثلٍ: لم يحرم من فصد له. وقال أبو النجم: لو عصر منه البان والمسك انعصر يريد: عصر. وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسرو والمفتوح أخف عليهم فكرهوا أن ينتقلوا من الأخف إلى الأثقل وكرهوا في عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع. ومع هذا أنه بناءٌ ليس من كلامهم إلا في هذا الموضع من الفعل فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال. وإذا تتابعت الضمتان فإن هؤلاء يخففون أيضاً كرهوا ذلك كما يكرهون الواوين وإنما الضمتان من الواوين فكما تكره الواوان كذلك تكره الضمتان لأن الضمة من الواو. وذلك قولك: الرسل وكذلك الكسرتان تكرهان عند هؤلاء كما تكره الياءان في مواضع وإنما الكسرة من الياء فكرهوا الكسرتين كما تكره الياءان. وذلك في قولك في إبلٍ: إبلٌ. وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه لأن الفتح أخف عليهم من الضم والكسر كما أن الألف أخف من الواو والياء. وسترى ذلك إن شاء الله. وذلك نحو: جملٍ وحملٍ ونحو ذلك. ومما أشبه الأول فيما ليس على ثلاثة أحرف قولهم: أراك منتفخاً تسكن الفاء تريد: منتفخاً فما بعد النون بمنزلة كبدٍ. ومن ذلك قولهم: انطلق بفتح القاف لئلا يلتقي ساكنان كما فعلوا ذلك بأين وأشباهها حدثنا بذلك الخليل عن العرب وأنشدنا بيتاً وهو لرجل من أزد السراة: عجبت لمولودٍ وليس له أبٌ وذي ولدٍ لم يلده أبوان وسمعناه من العرب كما أنشده الخليل. ففتحوا الدال كي لا يلتقي ساكنان وحيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال. باب ما أسكن من هذا الباب


لأن الأصل عندهم أن يكون الثاني متحركا وغير الثاني أول الحرف. وذلك قولك: شهد ولعب تسكن العين كما أسكنتها في علم وتدع الأول مكسوراً لأنه عندهم بمنزلة ما حركوا فصار كأول إبل. سمعناهم ينشدون هذا البيت للأخطل هكذا: إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا وإن شهد أجدى فضله وجدوا له ومثل ذلك: نعم وبئس إنما هما فعل وهو أصلهما. ومثل ذلك: فبها ونعمت إنما أصلها: فبها ونعمت. وبلغنا أن بعض العرب يقول: نعم الرجل. ومثل ذلك غزى الرجل لا تحول الياء واواً لأنها إنما خففت والأصل عندهم التحرك وأن تجرى ياءً كما أن الذي خفف الأصل عنده التحرك وأن يجرى الأول في خلافه مكسوراً. باب ما تمال فيه الألفات


فالألف تمال إذا كان بعدها حرفٌ مكسور. وذلك قولك: عابدٌ وعالمٌن ومساجد ومفاتيح وعذافرٌ وهابيل. وإنما أمالوها للكسرة التي بعدها أرادوا أن يقربوها منها كما قربوا في الإدغام الصاد من الزاي حين قالوا صدر فجعلوها بين الزاي والصاد فقربها من الزاي والصاد التماس الخفة لأن الصاد قريبةٌ من الدال فقربها من أشبه الحروف من موضعها بالدال. وبيان ذلك في الإدغام. فكما يريد في الإدغام أن يرفع لسانه من موضع واحد كذلك يقرب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك. فالألف قد تشبه الياء فأرادوا أن يقربوها منها. وإذا كان بين أول حرفٍ من الكلمة وبين الألف حرفٌ متحرك والأول مكسور نحو عمادٍ أملت الألف لأنه لا يتفاوت ما بينهما بحرف. ألا تراهم قالوا: صبقت فجعلوها صاداً لمكان القاف كما قالوا: صقت. وكذلك إن كان بينه وبين الألف حرفان الأول ساكنٌ لأن الساكن ليس بحاجز قويٍّ وإنما يرفع لسانه عن الحرف المتحرك رفعةً واحدة كما رفعه في الأول فلم يتفاوت لهذا كما لم يتفاوت الحرفان حيث قلت: صويقٌ. وذلك قولهم: سربالٌ وشملالٌ وعمادٌ وكلابٌ. وجميع هذا لا يميله أهل الحجاز. فإذا كان ما بعد الألف مضموماً أو مفتوحاً لم تكن فيه إمالةٌ وذلك نحو آجرٍ وتابلٍ وخاتمٍ. لأن الفتح من الألف فهو ألزم لها من الكسرة ولا تتبع الواو لأنها لا تشبهها. ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفاً. وكذلك إذا كان الحرف الذي قبل الألف مفتوحاً أو مضموماً نحو: ربابٍ وجمادٍ والبلبال والجماع والخطاف. وتقول: الاسوداد فيميل الألف ههنا من أمالها في الفعال لأن وداداً بمنزلة كلابٍ. ومما يميلون ألفه كل شيءٍ من بنات الياء والواو كانت عينه مفتوحة. أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه لأنها في موضع ياء وبدلٌ منها فنحوا نحوها كما أن بعضهم يقول: قد رد. وقال الفرزدق: وما حل من جهلٍ حبى حلمائنا ولا قائل المعروف فينا يعنف فيشم كأنه ينحو نحو فعل. فكذا نحوا نحو الياء. وأما بنات الواو فأمالوا ألفها لغلبة الياء على هذه اللام لأن هذه اللام التي هي واوٌ إذا جاوزت ثلاثة أحرف قلبت ياءً والياء لا تقلب على هذه الصفة واواً فأميلت لتمكن الياء في بنات الواو. ألا تراهم يقولون معديّلإ ومسنيٌّ والقني والعصي ولا تفعل هذا الواو بالياء. فأمالوها لما ذكرت لك. والياء أخف عليهم من الواو فنحوا نحوها. وقد يتركون الإمالة فيما كان على ثلاثة أحرف من بنات الواو نحو قفاً وعصاً والقنا والقطا وأشباههن من الأسماء. وذلك أنهم أرادوا أن يبينوا أنها مكان الواو ويفصلوا بينها وبين بنات الياء. وهذا قليل يحفظ. وقد قالوا: الكبا والعشا والمكا وهو جحر الضب كما فعلوا ذلك في الفعل. والإمالة في الفعل لا تنكسر إذا قلت: غزا وصفا ودعا وإنما كان في الفعل متلئباً لأن الفعل لا يثبت على هذه الحال للمعنى. ألا ترى أنك تقول غزا ثم تقول غزى فتدخله الياء وتغلب عليه وعدة الحروف على حالها. وتقول أغزوا فإذا قلت أفعل قلت أغزى قلبت وعدة الحروف على حالها. فآخر الحروف أضعف لتغيره والعدة على حالها وتخرج إلى الياء تقول: لأغزين ولا يكون ذلك في الأسماء. فإذا ضعفت الواو فإنها تصير إلى الياء فصارت الألف أضعف في الفعل لما يلزمها من فإذا بلغت الأسماء أربعة أحرف أو جاوزت من بنات الواو فالإمالة مستتبة لأنها قد خرجت إلى الياء. وجميع هذا لا يميله ناسٌ كثير من بني تميم وغيرهم. ومما يميلون ألفه كل اسمٍ كانت في آخره ألف زائدة للتأنيث أو لغير ذلك لأنها بمنزلة ما هو من بنات الياء. ألا ترى أنك لو قلت في معزى وفي حبلى فعلت على عدة الحروف لم يجىء واحدٌ من الحرفين إلا من بنات الياء. فكذلك كل شيءٍ كان مثلهما مما يصير في تثنيةٍ أو فعلٍ ياءً فلما كانت في حروف لا تكون من بنات الواو أبداً صارت عندهم بمنزلة ألف رمى ونحوها. وناس كثير لا يميلون الألف ويفتحونها يقولون: حبلى ومعزى. ومما يميلون ألفه كل شيءٍ كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عينٌ إذا كان أول فعلت مكسورا نحوا نحو الكسر كما نحوا نحو الياء فيما كانت ألفه في موضع اليء وهي لغة لبعض أهل الحجاز. فأما العامة فلا يميلون. ولا يميلون ما كانت الواو فيه عيناً إلا ما كان منكسر الأول وذلك خاف وطاب وهاب. وبلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار بمكان كذا وكذا. وقرأها بعضهم: خاف. ولا يميلون بنات الواو إذا كانت الواو عيناً إلا ما كان على فعلت مكسور الأول ليس غيره: ولا يميلون شيئاً من بنات المضموم الأول من فعلت لأنه لا كسرة ينحى نحوها ولا تشبه بنات الواو التي الواو فيهن لام لأن الواو فيهن قوية ههنا ولا تضعف ضعفها ثمة. ألا تراها ثابتة في فعلت وأفعل وفاعلت ونحوه. فلما قويت ههنا تباعدت من الياء والإمالة وذلك قولك: قام ودار لا يميلونهما. وقالوا: مات وهم الذين يقولون: مت. ومن لغتهم صار وخاف. ومما تمال ألفه قولهم: كيالٌ وبياعٌ. وسمعنا بعض من يوثق بعربيته يقول: كيالٌ كما ترى فيميل. وإنما فعلوا هذا لأن قثبلها ياءً فصارت بمنزلة الكسرة التي تكون قبلها نحو سراج وجمالٍ. وكثيرٌ من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف. ويقولون: شوك السيال والضياح كما قلت كيالٌ وبياعٌ. وقالوا: شيبان وقيس عيلان وغيلان فأمالوا للياء. والذين لا يميلون في كيال لا يميلون ههنا. ومما يميلون ألفه قولهم: مررت ببابه وأخذت من ماله. هذا في موضع الجر وشبهوه بفاعلٍ نحو كاتبٍ وساجدٍ. والإمالة في هذا أضعف لأن الكسرة لا تلزم. وسمعناهم يقولون: من أهل عاد. فأما في موضع الرفع والنصب فلا تكون كما لا تكون في آجرٍّ وتابلٍ. وقالوا: رأيت زيداً فأمالوا كما فعلوا ذلك بغيلان. والإمالة في زيد أضعف لأنه يدخله الرفع. ولا يقولون رأيت عبداً فيميلوا لأنه ليست فيه ياء كما أنك لا تميل ألف كسلان لأنه ليست فيه ياء. وقالوا: درهمان. وقالوا: رأيت قزحاً وهو أبزار القدر. ورأيت علما فيميلون جعلوا الكسرة كالياء. وقالوا: في النجادين كما قالوا: مررت ببابه فأمالوا الألف. وقالوا في الجر: مررت بعجلانك فأمالوا كما قالوا: مررت ببابك وقالوا: مررت بمالٍ كثيرٍ ومررت بالمال كما تقول: هذا ماشٍ. وهذا داعٍ. فمنهم من يدع ذاك في الوقف على حاله ومنهم من ينصب في الوقف لأنه قد أسكن ولم يتكلم بالكسرة فيقول: بالمال وماش. وأما الآخرون فتركوه على حاله كراهية أن يكون كما لزمه الوقف. وقال ناس: رأيت عماداً فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة. وقال قوم: رأيت علماً ونصبوا عماداً لما لم يكن قبلها ياءٌ ولا كسرة جعلت بمنزلتها في عبدا. وقال بعض الذين يقولون في السكت بمال: من عند الله ولزيدٍ مال شبهوه بألف عماد للكسرة قبلها. فهذا أقل من مررت بمالك لأن الكسرة منفصلة. والذين قالوا من عند الله أكثر لكثرة ذا الحرف في كلامهم. ولم يقولوا ذا مالٌ يريدون ذا التي في هذا لأن الألف إذا لم تكن طرفاً شبهت بألف فاعل. وتقول عمادا تميل الألف الثانية لإمالة الأولى. باب من إمالة الألف يميلها فيه ناس من العرب كثير


وذلك قولك: يريد أن يضربها ويريد أن ينزعها لأن الهاء خفية والحرف الذي قبل الحرف الذي يليه مكسور فكأنه قال: يريد أن يضربا كما أنهم إذا قالوا ردها كأنهم قالوا ردا فلذلك قال هذا من قال رد ورده صار ما بعد الضاد في يضربا بمنزلة علما. وقالوا في هذه اللغة منها فأمالوا وقالوا في مضربها وبها وبنا. وهذا أجدر أن يكون لأنه ليس بينه وبين الكسرة إلا حرف واحد. فإذا كانت تمال مع الهاء وبينها وبين الكسرة حرف فهي إذا لم يكن بين الهاء وبين الكسرة شيءٌ أجدر أن تمال. والهاء خفية فكما تقلب الألف للكسرة ياءً كذلك أملتها حيث قربت منها هذا القرب. وقالوا: بيني وبينها فأمالوا في الياء كما أمالوا في الكسرة. وقالوا: يريد أن يكيلها ولم يكلها. وذلك أنه وقع بين الألف وبين الكسرة الضمة فصارت حاجزاً فمنعت الإمالة لأن الباء في قولك يضربها فيها إمالةٌ فلا تكون في المضموم إمالةٌ إذا ارتفعت الباء كما لا يكون في الواو الساكنة إمالةٌ. وإنما كان في الفتح لشبه الياء بالألف. ولا تكون إمالةٌ في لم يعلمها ولم يخفها لأنه ليست ههنا ياء ولا كسرة تميل الألف. وقالوا: فينا وعلينا فأمالوا للياء حيث قربت من الألف ولهذا قالوا: بيني وبينها. وقالوا: رأيت يداً فأمالوا للياء. وقالوا: رأيت يدها فأمالوا كما قالوا: يضربا ويضربها. وقال هؤلاء: رأيت دما ودمها فلم يميلوا لأنه لا كسرة فيه ولا ياء. وقال هؤلاء: عندها لأنه لو قال عندا أمال فلما جاءت الهاء صارت بمنزلتها لو لم تجىء بها. واعلم أن الذين قالوا رأيت عدا الألف ألف نصبٍ ويريد أن يضربها يقولون: هو منا وإنا إلى الله راجعون وهم بنو تميم. وبقوله أيضاً قومٌ من قيس وأسدٍ ممن ترتضي عربيته فقال: هو منا وليس منهم وإنا لمختلفون فجعلها بمنزلة رأيت عد وقال هؤلاء: رأيت عنبا وهو عندنا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان ولم يكن الذي قبل الألف هاءً فتصير كأنها لم تذكر. وقالوا: رأيت ثوبه بتكا فلم يميلوا. وقالوا: في رجلٍ اسمه ذه: رأيت ذها أملت الألف كأنك قلت: رأيت يدا في لغة من قال: يضربا ومر بنا لقربها من الكسرة كقرب ألف يضربا. واعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه وكذلك من كان النصب من لغته لا يوافق غيره ممن ينصب ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر. فإذا رأيت عربياً كذلك فلا ترينه خلط في لغته ولكن هذا من أمرهم. ومن قال رأيت يدا قال رأيت زيناًء فقوله ينا بمنزله يدا وقال هؤلاء: كسرت يدنا فصارت الياء ههنا بمنزلة الكسرة في قولك: رأيت عنباً. واعلم أن من لا يميل الألفات فيما ذكرنا قبل هذا الباب لا يميلون شيئءاً منها في هذا الباب. واعلم أن الألف إذا دخلتها الإمالة دخل الإمالة ما قبلها وإذا كانت بعد الهاء فأملتها أملت ما قبل الهاء لأنك كأنك لم تذكرالهاء فكما تتبعها ما قبلها منصوبة كذلك تتبعهما ما قبلها ممالةً. واعلم أن بعض من يميل يقول: رأيت يداً ويدها فلا يميل تكون الفتحة أغلب وصارت الياء بمنزلة دال دم لأنها لا تشبه المعتل منصوبةً وقال هؤلاء: زينا. فهذا ما ذكرت لك من مخالفة بعضهم بعضاً. وقال أكثر الفريقين إملهً: رمى فلم يمل كره أن ينحو نحو الياء إذ كان إنما فر منها كما أن أكثرهم يقول رد في فعل فلا ينحو نحو ال كسرة لأنه فر مما تبين فيه الكسرة ولا يقول ذلك في حبلى لأنه لم يفر فيها من ياء ولا في معزى. واعلم أن ناساً ممن يميل في يضربها ومنا ومنها وبنا واشباه هذا مما فيه علامة الإضمار إذا وصلوا نصبوها فقالوا: نريد أن يضربا زيداًن ويريد أن يضربها زيدٌ ومنا زيدٌ وذلك لأنهم في الوقف - إذا كانت الألف تمال في هذا النحو - أن يبينوا في الوقف حيث وصلوا إلى الإمالة كما قالوا: أفعى في أفعى جعلوها في الوقف ياء فإذا أمالوا كان أبين لها لأنه ينحو نحو الياء فإذا وصل ترمك ذلك لأن الألف في الوصل أبين كما قال أولئك في الوصل: أفعى زيدٍ وقال هؤلاء: بيني وبينها وبيني وبينها مالٌ. وقد قال قوم فأمالوا أشياء ليست فيها علة مما ذكرنا فيما مضى وذلك قليل: سمعنا بعضهم يقول: طلبنا وطلبنا زيدٌ كأنه شبه هذه الألف بألف حبلى حيث كانت آخر الكلام ولم تكن بدلاً من ياء. وقال: رأيت عبدا ورأيت عنبا. وسمعنا هؤلاء قالوا: تباعد عنا فأجروه على القياس وقول العامة. وقالوا: معزانا في قول من قال عمادا فأمالهما جميعاً وذا قياس. ومن قال عمادا قال معزانا وهما مسلمان. وذا قياس قول غيرهم من العرب لأن قوله لمان بمنزلة عمادٍ والنون بعده مكسور فهذا أجدر. فجملة هذا أن كل ما كانت له الكسرة ألزم كان أقوى في الإمالة. باب ما أميل على غير قياس


وإنما هو شاذ وذلك الحجاج إذا كان اسما لرجل وذلك لأنته كثر في كلامهم فحملوه على الأكثر لأن الإمالة أكثر في كلامهم. وأكثر العرب ينصبه ولا يميل ألف حجاج إذا كان صفة يجرونه على القياس. وأما الناس فيميله من لا يقول هذا مالٌ بمنزلة الحجا وهم أكثر العرب لأنها كألف فاعلٍ إذ كانت ثانية فلم تمل في غير الجر كراهية أن تكون كباب رميت وغزوت لأن الواو والياء في قلت وبعت أقرب إلى غير المعتل وأقوى. وقال ناس يوثق بعربيتهم: هذا بابٌ وهذا مالٌن وهذا عابٌ لما كانت بدلاً من الياء كما كانت في رميت شبهت بها وشبهوها في بابٍ ومالٍ بالألف التي تكون بدلاً من واو غزوت فتبعت الواو الياء في العين كما تبعتها في اللام لأن الياء قد تغلب على الواو هنا. وفي مواضع ستراها والذين لا يميلون في الرفع والنصب أكثر العرب وهو أعم في كلامهم. ولا يميلون في الفعل نحو قال لأنهم يفرقون بين مافعلت منه مكسور وبين ما فعلت منه مضمومٌ. وهذا ليس في الأسماء. باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات التي أملتها فيما مضى فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف والخاء إذا كان حرفٌ منها قبل الألف والألف تليه. وذلك قولك: قاعدٌ وغائب وخامدٌ وصاعدٌ وطائفٌ وضامنٌ وظالم. وإنما منعت هذه الحروف الإمالة لأنها حروفٌ مستعليةٌ إلى الحنك الأعلى والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد ونحوها. فلما كانت الحروف مستعليةً وكانت الألف تستعلى وقربت من الألف كان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم كما أن الحرفين إذا تقارب موضعهما كان رفع اللسان من موضعٍ واحد أخف عليهم فيدغمونه. ولا نعلم أحداً يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته. وكذلك إذا كان الحرف من هذه الحروف بعد ألف تليها وذلك قولك: ناقدٌ وعاطسٌ وعاصمٌ وعاضدٌن وعاظلٌ وناخلٌ وواغلٌ. ونحوٌ من هذا قولهم: صقت لما كان بعدها القاف نظروا إلى أشبه الحروف من موضعها بالقاف فأبدلوه مكانها. وكذلك إن كانت بعد الألف بحرف وذلك قولك: نافخٌ ونابغ ونافقٌ وشاحطٌ وعالطٌ وناهضٌ وناشطٌ ولم يمنعه الحرف الذي بينهما من هذا كما لم يمنع السين من الصاد في صبقت ونحوه. واعلم أن هذه الألفات لا يميلها أحدٌ إلا من لا يؤخذ بلغته لأنها إذا كانت مما ينصب في غير هذه الحروف لزمها النصب فلم يفارقها في هذه الحروف إذ كان يدخلها مع غير هذه الحروف. وكذلك إن كان شيء منها بعد الألف بحرفين وذلك قولك: مناشيط ومنافيخ ومعاليق ومقاريض ومواعيظ ومباليغ. ولم يمنع الحرفان النصب كما لم يمنع السين من الصاد في صويقٍ ونحوه. وقد قال قوم: المناشيط حين تراخت وهي قليلة. فإذا كان حرفٌ من هذه الحروف قبل الألف بحرف وكان مكسوراً فإنه لا يمنع الألف من الإمالة. وليس بمنزلة ما يكون بعد الألف لأنهم يضعون ألسنتهم في موضع المستعلية ثم يصوبون ألسنتهم فالانحدار أخف عليهم من الإصعاد. ألا تراهم قالوا: صبقت وصقت وصويقٌ. لما كان يثقل عليهم أن يكونوا في حال تسفلٍ ثم يصعدون ألسنتهم أرادوا أن يكونوا فيح ال استعلاء وألا يعملوا في الإصعاد بعد التسفل فأرادوا أن تقع ألسنتهم موقعاً واحدا. وقالوا: قسوت وقست فلم يحولوا السين لأنهم انحدروا فكان الانحدار أخف عليهم من الاستعلاء من أن يصعدوا من حال التسفل. وذلك قولهم: الضعاف والصعاب والطناب والصفاف والقباب والقفاف والخباث والغلاب وهو في معنى المغالبة من قولك: غالبته غلاباً. وكذلك الظاء. ولا يكون ذلك في قائم وقوائم. لأنه جاء الحرف المستعلى مفتوحاً. فلما كانت الفتحة تمنع الألف الإمالة في عذاب وتابلٍ كان الحرف المستعلى مع الفتحة أغلب إذ كانت الفتحة تمنع الإمالة فلما اجتمعا قويا على الكسرة. وإذا كان أول الحرف مكسوراً وبين الكسرة والألف حرفان أحدهما ساكن والساكن أحد هذه الحروف فإن الإمالة تدخل الألف لأنك كنت ستميل لو لم يدخل الساكن للكسرة فلما كان قبل الألف بحرفٍ مع حرف تمال معه الألف صار كأنه هو المكسور وصار بمنزلة القاف في قفاف. وذلك قولك: ناقةٌ مقلاتٌ والمصباح والمطعان. وكذلك سائر هذه الحروف. وبعض من يقول قفافٌ ويميل ألف مفعالٍ وليس فيها أشيءٌ من هذه الحروف ينصب الألف في مصباحٍ ونحوه لأن حرف الاستعلاء جاء ساكناً غير مكسور وبعده الفتح فلما جاء مسكناً تليه الفتحة صار بمنزلته لو كان متحركاً بعده الألف وصار بمنزلة القاف في قوائم. وكلاهما عربيٌّ له مذهبٌ. وتقول: رأيت قزحاً وأتيت ضمناً فتميل وهما ههنا بمنزلتهما في صفافٍ وقفافٍ. وتقول: رأيت عرقاً ورأيت ملغا لأنهما بمنزلتهما في غانم والقاف بمنزلتها في قائم. وسمعناهم يقولون: أراد أن يضربها زيدٌ فأمالوا. ويقولون: أراد أن يضربها قبل فنصبوا للقاف وأخواتها. فأما ناب ومال وباع فإنه من يميل يلزمها الإمالة على كل حال لأنه إنما ينحو نحو الياء التي الألف في موضعها. وكذلك خاف لأنه يروم الكسرة التي في خفت كما نحا نحو الياء. وكذلك ألف حبلى لأنها في بنات الياء. وقد بين ذلك. ألا تراهم يقولون: طاب وخاف ومعطى وسقى فلا تمنعهم هذه الحروف من الإمالة. وذلك باب غزا لأن الألف ههنا كأنها مبدلة من ياء. ألا ترى أنهم يقولون: صغا وضغا. ومما لا تمال ألفه فاعلٌ من المضاعف ومفاعلٌ وأشباههما لأن الحرف قبل الألف مفتوح والحرف الذي بعد الألف ساكن لا كسرة فيه فليس هنا ما يميله. وذلك قولك: هذا جادٌّ ومادٌّ وجواد: جمع جادةٍ ومررت برجل جادٍّ فلا يميل يكره أن ينحو نحو الكسرة فلا يميل لأنه فر مما يحقق فيه الكسرة ولا يميل للجر لأنه إنما كان يميل في هذا للكسرة التي بعد الألف فلما فقدها لم يمل. وقد أمال قوم في الجر شبهوها بمالك إذا جعلت الكاف اسم المضاف إليه. وقد أمال قومٌ على كل حال كما قالوا: هذا ماش ليبينوا الكسرة في الأصل. وقال بعضهم: مررت بمال قاسم ومررت بمال ملقٍ. ومررت بمال ينقل ففتح هذا كله. وقالوا: مررت بمال زيدٍ فإنما فتح الأول للقاف شبه ذلك بعاقدٍ وناعقٍ ومناشيط. وقال بعضهم: بمال قاسم ففرق بين المنفصل والمتصل ولم يقو على النصب إذ كان منفصلا. وقد فصلوا بين المنفصل وغيره في أشياء ستبين لك إن شاء الله. وسمعناهم يقولون: يريد أن يضربها زيدٌ ومنا زيدٌ فلما جاءوا بالقاف في هذا النحو نصبوا فقالوا: أراد أن يضربها قاسمٌ ومنا نقل وأراد أن يعملها ملقٌ وأراد أن يضربها سملقٌ وأراد أن يضربها ينقل وأراد أن يضربنا بسوطٍ نصبوا لهذه المستعلية وغلبت كما غلبت في مناشيط ونحوها وصارت الهاء والألف كالفاء والألف في فاعلٍ ومفاعيل وضارعت الألف في فاعلٍ ومفاعيل ولم يمنع النصب ما بين الألف وهذه لحروف كما لم يمنع في السماليق قلب السين صاداً وصارت المستعلية في هذه الحروف أقوى منها في مال قاسمٍ لأن القاف هنا ليست من الحرف وإنما شبهت ألف مالٍ بألف فاعلٍ. ومع هذا أنها في كلامهم ينصبها أكثرهم في الصلة أجروها على ما وصفت لك. فتقول: منا زيدٌ ويضربها زيدٌ إذ لم تشبه الألفات الأخر. ولو فعل بها ما فعل بالمال لم يستنكر في قول من قال: بمال قاسم. وقالوا: هذا عماد قاسمٍ وهذا عالم قاسم ونعمى قاسم فلم يكن عندهم بمنزلة المال ومتاعٍ وعجلان وذلك أن ال مال آخره يتغير وإنما يمال في الجر في لغة من أمال فإن تغير آخره عن الجر نصبت ألفه. والذي أمال له الألف في عمادٍ وعابدٍ ونحوهما مما لا يتغير فإمالة هذا أبداً لازمةٌ فلما قويت هذه القوة لم يقو عليها المنفصل. وقالوا: لم يضربها الذي تعلم فلم يميلوا لأن الألف قد ذهبت ولم يجعلوها بمنزلة ألف حبلى ومرمى ونحوهما. وقالوا: أراد أن يعلما وأن يضبطا فتح للطاء وأراد أن يضبطها. وقالوا: أراد أن يعقلا لأن القاف مكسورة فهي بمنزلة قفافٍ. وقالوا: رأيت ضيقا ومضيقا كما قالوا: علقا ورأيت علماً كثيراً فلم يميلوا لأنها نون وليست كالألف في معنى ومعزى. وقد أمال قومٌ في هذا ما ينبغي أن يمال في القياس وهو قليل كما قالوا: طلبنا وعنبا. وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا. فلما قالوا طلبنا وعنتا وعنبا فشبهوها بألف حبلى جرأهم ذلك على هذا حيث كانت فيها علةٌ تميل القاف وهي الكسرة التي في أوله وكان هذا أجدر أن يكون عندهم. وسمعناهم يقولون: رأيت سبقا حيث فتحوا. وإنما طلبنا وعرقا كالشواذ لقلتها. واعلم أن بعض من يقول عابدٌ من العرب فيميل يقول: مررت بمالك فينصب لأن الكسرة ليست في موضع تلزم وآخر الحرف قد يتغير فلم يقو عندهم كما قال بعضهم: بمال قاسم ولم يقل عماد قاسم. ومما لا يميلون ألفه: حتى وأما وإلا فرقوا بينها وبين ألفات الأسماء نحو حبلى وعطشى. وقال الخليل: لو سميت رجلاً بها وامرأةً جازت فيها الإمالة. ولكنهم يميلون في أنى لأن أتى تكون مثل أين وأين كخلفك وإنما هو اسمٌ صار ظرفا فقرب من عطشى. وقالوا: لا فلم يميلوا لما لم يكن اسماً فرقوا بينها وبين ذا. وقالوا: ما فلم يميلوا لأنها لم تمكن تمكن ذا ولأنها لا تتم اسماً إلا بصلة مع أنها لم تمكن تمكن المبهمة فرقوا بين المبهمين إذ كان ذا حالهما. وقالوا: با وتا في حروف المعجم لأنها أسماء ما يلفظ به وليس فيها ما في قد ولا وإنما جاءت كسائر الأسماء لا لمعنىً آخر. وقالوا: يا زيد لمكان الياء. ومن قال هذا مالٌ: ورأيت بابا فإنه لا يقول على حال: ساقٌ ولا قارٌ ولا غابٌ: - وغابٌ: الأجمة - فهي كألف فاعلٍ عند عامتهم لأن المعتل وسطاً أقوى فلم يبلغ من أمرها ههنا أن تمال مع مستعلٍ كما أنهم لم يقولوا: بال من بلت حيث لم تكن الإمالة قويةً في المال ولا مستحسنةً عند العامة. باب الراء


والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة والوقف يزيدها إيضاحاً فلما كانت الراء كذلك قالوا: هذا راشدٌ وهذا فراشٌ فلم يميلوا لأنهم كأنهم قد تكلموا براءين مفتوحتين فلما كانت كذلك قويت على نصب الألفات وصارت بمنزلة القاف حيث كانت بمنزلة حرفين مفتوحين فلما كان الفتح كأنه مضاعف وإنما هو من الألف كان العمل من وجه واحد أخف عليهم. وإذا كانت الراء بعد ألفٍ تمال لو كان بعدها غير الراء لم تمل في الرفع والنصب وذلك قولك: هذا حمارٌ كأنك قلت هذا فعالل. وكذلك في النصب كأنك قلت: فعاللا فغلبت ههنا فنصبت كما فعلت ذلك قبل الألف. وأما في الجر فتميل الألف كان أول الحرف مكسوراً أو مفتوحاً أو مضموماً لأنها كأنها حرفان مكسوران فتميل ههنا كما غلبت حيث كانت مفتوحة فنصبت الألف. وذلك قولك: من حمارك ومن عواره ومن المعار ومن الدوار كأنك قلت: فعالل وفعالل وفعالل. ومما تغلب فيه الراء قولك: قاربٌ وغارمٌ وهذا طاردٌ وكذلك جميع المستعلية إذا كانت الراء مكسورة بعد الألف التي تليها وذلك لأن الراء لما كانت تقوى على كسر الألف في فعال في الجر وفعال لما ذكرنا من التضعيف قويت على هذه الألفات إذ كنت إنما تضع لسانك في موضع استعلاء ثم تنحدر وصارت المستعلية ههنا بمنزلتها في قفاف. وتقول: هذه ناقةٌ فارقٌ وأينقٌ مفاريق فتنصب كما فعلت ذلك حيث قلت: ناعقٌ ومنافق ومناشيط. وقالوا: من قرارك فغلبت كما غلبت القاف وأخواتها فلا تكون أقوى من القاف لأنها وإن كانت كأنها حرفان مفتوحان فإنما هي حرفٌ واحد بزنته كما أن الألف في غارٍ والياء في قيلٍ بمنزلة غيرهما في الرد إذا صغرت ردتا إلى الواو وإن كان فيهما من اللين ما ليس في غيرهما. فإنما شبهت الراء بالقاف وليس في الراء استعلاءٌ فجعلت مفتوحةً تفتح نحو المستعلية فلما قويت على القاف كانت على الراء أقوى. واعلم أن الذين يقولون مساجد وعابد ينصبون جميع ما أملت في الراء. واعلم أن قوما من العرب يقولون: الكافرون ورأيت الكافرين والكافر وهي المنابر لما بعدت وصار بينها وبين الألف حرفٌ لم تقو قوة المستعلية لأنها من موضع اللام وقريبةٌ من الياء. ألا ترى أن الألثغ يجعلها ياءً. فما كانت كذلك عملت الكسرة عملها إذ لم يكن بعدها راءٌ. وأما قوم آخرون فنصبوا لألف في الرفع والنصب وجعلوها بمنزلتها إذ لم يحل بينها وبين الألف كسرٌ وجعلوا ذلك لا يمنع النصب كما لم يمنع في القاف وأخواتها وأمالوا في الجر كما أمالوا حيث لم يكن بينها وبين الألف شيء وكان ذلك عندهم أولى حيث كان قبلها حرفٌ تمال له لو لم يكن بعده راءٌ. وأما بعض من يقول: مررت بالحمار فإنه يقول: مررت بالكافر فينصب الألف وذلك لأنك قد تترك الإمالة في الرفع والنصب كما تتركها في القاف فلما صارت في هذا كالقاف تركها في الجر على حالها حيث كانت تنصب في الأكثر يعني في النصب والرفع وكان من كلامهم أن ينصبوا نحو عابدٍ وجعل الحرف الذي قبل الراء يبعده من أن يمال كما جعله قومٌ حيث قالوا هو كافرٌ يبعده من أن ينصب فلما بعد وكان النصب عندهم أكثر تركوه على حاله إذ كان من كلامهم أن يقولوا عابدٌ والأصل في فاعلٍ أن تنصب الألف ولكنها تمال لما ذكرت لك من العلة. ألا تراها لا تمال في تابل. فلما كان ذلك الأصل تركوها على حالها في الرفع والنصب وهذه اللغة أقل في قول من قال عابدٌ وعالمٌ. واعلم أن الذين يقولون: هذا قاربٌ يقولون: مررت بقادرٍ ينصبون الألف ولم يجعلوها حيث بعدت تقوى كما أنها في لغة الذين قالوا مررت بكافرٍ لم تقو على الإمالة حيث بعدت لما ذكرنا من العلة. وقد قال قومٌ ترتضى عربيتهم: مررت بقادرٍ قبل للراء حيث كانت مكسورة. وذلك أنه يقول قاربٌ كما يقول جارمٌ فاستوت القاف وغيرها فلما قلا مررت بقادر أراد أن يجعلها كقوله مررت بكافرٍ فيسويهما ههنا كما يسويهما هناك. وسمعنا من نثق به من العرب يقول لهدبة بن خشرم: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ بمنهمرٍ جون الرباب سكوب ويقول: هو قادرٌ. واعلم أن من يقول: مررت بكافرٍ أكثر ممن يقول: مررت بقادر لأنها من حروف الاستعلاء واعلم أن من العرب من يقول: مررت بحمار قاسم فينصبون للقاف كما نصبوا حين قالوا مررت بمال قاسم إلا أن الإمالة في الحمار وأشباهه أكثر لأن الألف كأنها بينها وبين القاف حرفان مكسوران فمن ثم صارت الإمالة فيها أكثر منها في المال. ولكنهم لو قالوا جارم قاسم لم يكن بمنزلة حمار قاسم لأن الذي يميل ألف جارمٍ لا يتغير فبين حمار قاسم وجارم قاسم. كما بين مال قاسم وعابد قاسم. ومن قال: مررت بحمار قاسم قال: مررت بسفار قبل لأن الراء ههنا يدركها التغيير. إما في الإضافة وإما في اسم مذكرو هو حرف الإعراب. وتقول: مررت بفارٍّ قبل في لغة من قال مررت بالحمار قبل وقال مررت بكافرٍ قبل من قبل أنه ليس بين المجرور وبين الألف في فارٍّ إلا حرف واحد ساكن لا يكون إلا من موضع الآخر وإنما يرفع لسانه عنهما فكأنه ليس بعد الألف إلا راءٌ مكسورة فلما كان من كلامهم مررت بكافرٍ كان اللازم لهذا عندهم الإمالة. وتقول: هذه صعاررٌ وإذا اضطر الشاعر قال: الموارر. وهذا بمنزلة مررت بفارٍّ لأنه إذا كان من كلامهم هي المنابر كان اللازم لهذا الإمالة إذ كانت الراء بعد الألف مكسورة. وقال تعالى جده: " كانت قوارير. قوارير من فضةٍ ". وتقول: هذه دنانير كما قلت: كافرٌ فهذا أجدر لأن الراء أبعد. وقد قال: بعضهم مناشيط فذا أجدر. فإذا كنت في الجر فقصتها قصة كافر. واعلم أن الذين يقولون: هذا داع في السكوت فلا يميلون لأنهم لم يلفظوا بالكسرة كسرة العين يقولون: مررت بحمار لأن الراء كأنها عندهم مضاعفة فكأنه جر راءً قبل راء. وذلك قولهم مررت بالحمار وأستجير بالله من النار. وقالوا: في مهارى تميل الهاء وما قبلها. وقال: سمعت العرب يقولون: ضربت ضربه وأخذت أخذه وشبه الهاء بالألف فأمال ما قبلها كما يميل ما قبل الألف. ومن قال أراد أن يضربها قاسمٌ قال: أراد أن يضربها راشدٌ. ومن قال بمال قاسم قال: بمال راشدٍ والراء أضعف في ذلك من القاف لما ذكرت لك. وتقول: رأيت عفرا كما تقول رأيت علقا ورأيت عيرا كما قلت ضيقا وهذا عمران كما تقول حمقان. واعلم أن قوماً يقولون: رأيت عفرا فيميلون للكسرة لأن الألف في آخر الحرف فلما كانت الراء ليست كالمستعلية وكان قبلها كسرة وكانت الألف في آخر الحرف شبهوها بألف حبلى وكان هذا ألزم حيث قال بعضهم: رأيت عرقا وقال: أراد أن يعقرها وأراد أن يعقرا ورأيتك عسرا جعلوا هذه الأشياء بمنزلة ما ليس فيه راء. وقالوا: النغران حيث كسرت أول الحرف وكانت الألف بعد ما هو من نفس الحرف فشبه بما يبنى على الكلمة نحو ألف حبلى. وقالوا عمران ولم يقولوا برقان جمع برقٍ ولا حمقانٌ لأنها من الحروف المستعلية. ومن قال هذا عمران فأمال قال في رجل يسمى عقران: هذا عقران كما قالوا جلبابٌ فلم يمنع ما بينهما الإمالة كما لم يمنع الصاد في صماليق. وقالوا: ذا فراشٌ وهذا جرابٌ كانت الكسرة أولاً والألف زائدة شبهت بنغرانٍ. والنصب فيه كله أحسن لأنها ليست كألف حبلى. باب ما يمال من الحروف


التي ليس بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها مكسورة وذلك قولك: من الضرر ومن البعر ومن الكبر ومن الصغر ومن الفقر لما كانت الراء كأنها حرفان مكسوران وكانت تشبه الياء أمالوا المفتوح كما أمالوا الألف لأن الفتحة من الألف وشبه الفتحة بالكسرة كشبه الألف بالياء فصارت الحروف ها هنا بمنزلتها إذ كانت قبل الألف وبعد الألف الراء وإن كان الذي قبل الألف من المستعلية نحو ضاربٍ وقارب. وتقول: من عمرو فتميل العين لأن الميم ساكنة. وتقول: من المحاذر فتميل الذال ولا تقوى على إمالة الألف لأن بعد الألف فتحاً وقبلها فصارت الإمالة لا تعمل بالألف شيئاً كما أنك تقول حاضرٌ فلا تميل لأنها من الحروف المستعلية. فكما لم تمل الألف للكسرة كذلك لم تملها لإمالة الذال. وتقول: هذا ابن مذعورٍ كأنك تروم الكسرة لأن الراء كأنها حرفان مكسوران فلا تميل الواو لأنهها لا تشبه الياء ولو أملتها أملت ما قبلها ولكنك تروم الكسرة كما تقول رد. ومثل هذا قولهم: عجبت من السمر وشربت من المنقر. والمنقر. الركية الكثيرة الماء. وقالوا: رأيت خبط الريف كما قالوا من المطر. وقالوا: رأيت خبط فرند كما قال من الكافرين. ويقال هذا خبط رياحٍ كما قال من المنقر. وقال مررت بعيرٍ ومررت بخيرٍ فلم يشمم لأنها تخفى مع الياء كما أن الكسرة في الياء أخفى. وكذلك مررت ببعيرٍ لأن العين مكسورة. ولكنهم يقولون: هذا ابن ثورٍ. وتقول: هذا قفا رياحٍ كما تقول رأيت خبط رياحٍ فتميل طاء خبطٍ للراء المنفصلة المكسورة وكذلك ألف قفا في هذا القول. وأما من قال: مررت بمال قاسمٍ فلم ينصب لأنها منفصلة قال: رأيت خبط رياحٍ وقفا رياحٍ سمعنا جميع ما ذكرنا لك من الإمالة والنصب في هذه الأبواب من العرب. ومن قال: من عمرٍو ومن النغر فأمال لم يمل من الشرق لأن بعد الراء حرفاً مستعلياً فلا يكون ذا كما لم يكن: هذا مارقٌ. باب ما يلحق الكلمة إذا اختلت


حتى تصير حرفا فلا يستطاع أن يتكلم بها في الوقف فيعتمد بذلك اللجق في الوقف وذلك قولك: عه وشه. وكذلك جميع ما كان من باب وعى يعي. فإذا وصلت قلت: ع حديثاً وش ثوباً حذفت لأنك وصلت إلى التكلم به فاستغنيت عن الهاء. فاللاحق في هذا الباب الهاء. باب ما يتقدم أول الحروف


وهي زائدة قدمت لإسكان أول الحروف فلم تصل إلى أن تبتدىء بساكن فقدمت الزيادة متحركة لتصل إلى التكلم والزيادة ههنا الألف الموصولة. وأكثر ما تكون في الأفعال. فتكون في الأمر من باب فعل يفعل ما لم يتحرك ما بعدها. وذلك قولك: اضرب اقتل اسمع اذهب لأنهم جعلوا هذا في موضع يسكن أوله فيما بنوا من الكلام. وتكون في انفعلت وافعللت وافتعلت. وهذه الثلاثة على زنةٍ واحدةٍ ومثالٍ واحد والألف تلزمهن في فعل وفعلت والأمر لأنهم جعلوه يسكن أوله ههنا فيما بنوا من الكلام. وذلك انطلق وتكون في استفعلت وافعنللت وافعاللت وافعولت وافعولت هذه الخمسة على مثالٍ واحد وحال الألف فيهن كحالها في افعتعلت وقصتهن في ذلك كقصتهن في افتعلت. وذلك نحو استخرجت واقعنست واشهاببت والجوذت واعشوشبت. وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلت نحو احرنجمت واقشعررت. فحالهن كحال استفعلت. وأما ألف أفعلت فلم تلحق لأنهم أسكنوا الفاء ولكنها بني بها الكلمة وصارت فيها بمنزلة ألف فاعلت في فاعلت فلما كانت كذلك صارت بمنزلة ما ألحق ببنات الأربعة ألا ترى أنهم يقولون يخرج وأنا أخرج فيضمون كما يضمون في بنات الأربعة لأن الألف لم تلحق لساكنٍ أحدثوه. وأما كل شيء كانت ألفه موصولة فإن نفعل منه وأفعل وتفعل مفتوحة الأوائل لأنها ليست تلزم أول الكلمة يعني ألف الوصل وإنما هي ههنا كالهاء في عه. فهي في هذا الطرف كالهاء في هذاك الطرف فلما لم تقرب من بنات الأربعة نحو دحرجت وصلصلت جعلت أوائل ما ذكرنا مفتوحاً كأوائل ما كان من فعلت الذي هو على ثلاثة أحرف نحو ذهب وضرب وقتل وعلم وصارت احرنجمت واقشعررت كاستفعلت لأنها لم تكن هذه الألفات فيها إلا لما حدث من السكون ولم تلحق لتخرج بناء الأربعة إلى بناء من الفعل أكثر من الأربعة كما أن أفعل خرجت من الثلاثة إلى بناء من الفعل على الأربعة لأنه لا يكون الفعل من نحو سفرجلٍ لا تجد في الكلام مثل سفرجلت. فلما لم يكن ذلك صرفت إلى باب استفعلت فأجريت مجرى ما أصله الثلاثة. يعني احرنجم. واعلم أن هذه الألفات إذا كان قبلها كلامٌ حذفت لأن الكلام قد جاء قبله ما يستغنى به عن الألف كما حذفت الهاء حين قلت: ع يا فتى فجاء بعدها كلام. وذلك قولك: يا زيد اضرب عمراً ويا زيد اقتل واستخرج وإن ذلك احرنجم وكذلك جميع ما كانت ألفه موصولة. واعلم أن الألف الموصولة فيما ذكرنا في الابتداء مكسورةٌ أبداً إلا أن يكون الحرف الثالث مضموماً فتضمها وذلك قولك: اقتل استضعف احتقر احرنجم. وذلك أنك قربت الألف من المضموم إذ لم يكن بينهما إلا ساكن فكرهوا كسرةً بعدها ضمةٌ وأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد كما فعلوا ذلك في: مذ اليوم يا فتى. وهو في هذا أجدر لأنه ليس في الكلام حرفٌ أوله مكسور والثاني مضموم. وفعل هذا به كما فعل بالمدغم إذا أردت أن ترفع لسانك من موضع واحد. وكذلك أرادوا أن يكون العمل من وجه واحد ودعاهم ذلك إلى أن قالوا: أنا أجوءك وأنبؤك وهو منحدرٌ من الجبل. أنبأنا بذلك الخليل. اضرب الساقين إمك هابل فكسرهما جميعاً كما ضم في ذلك. ومثل ذلك - البيت للنعمان بن بشير الأنصاري: ويلمها في هواء الجو طالبة ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب وتكون موصلة في الحرف الذي تعرف به الأسماء. والحرف الذي تعرف به الأسماء هو الحرف الذي في قولك: القوم والرجل والناس وإنما هما حرفٌ بمنزلة قولك قد وسوف. وقد بينا ذلك فيما ينصر وما لا ينصرف ألا ترى أن الرجل إذا نسي فتذكر ولم يرد أن يقطع يقول: ألي كما يقول قدي ثم يقول: كان وكان. ولا يكون ذلك في ابنٍ ولا امرىءٍ لأن الميم ليست منفصلة ولا الباء. وقال غيلان: دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل بالشحم إنا قد مللناه بجل كما تقول: إنه قدي ثم تقول: قد كان كذا وكذا فتثني قد. ولكنه لم يكسر اللام في قوله بذل ويجيء بالياء لأن البناء قد تم. وزعم الخليل أنها مفصولة كقد وسوف ولكنها جاءت لمعنىً كما يجيئان للمعاني فلما لم تكن الألف في فعل والا اسمٍ كانت في الابتداء مفتوحة فرق بينها وبين ما في الأسماء والأفعال. وصارت في ألف الاستفهام إذا كانت قبلها لا تحذف شبهت بألف أحمر لأنها زائدة. وهي مفتوحة مثلها لأنها لما كانت في الابتداء مفتوحة كرهوا أن يحذفوها فيكون لفظ الاستفهام والخبر واحداً فأرادوا أن يفصلوا ويبينوا. ومثلها من ألفات الوصل الألف التي في أيم وأيمن لما كانت في اسم لا يتمكن تمكن الأسماء التي فيها ألف الوصل نحو ابنٍ واسم وامرىءٍ وإنما هي في اسم لا يستعمل إلا في موضع واحد شبهتها هنا بالتي في أل فيما ليس باسم إذ كانت فيما لا يتمكن تمكن ما ذكرنا وضارع ما ليس باسم ولا فعلٍ. والدليل على أنها موصولة قولهم: ليمن الله وليم الله قال الشاعر: وقال فريق القوم لما نشدتهم ** نعم وفريقٌ ليمن الله ما ندري وقد كنا بينا ذلك في باب القسم. فأرادوا أن تكون هذه الياء مسكنةً فيما بنوا من الكلام. كما فعلوا ذلك فيما ذكرنا من الأفعال وفي أسماء سنبينها لك إن شاء الله. فقصة أيم قصة الألف واللام. فهذا قول الخليل. وقال يونس: قال بعضهم: إيم الله فكسر ثم قال ليم الله فجعلها كألف ابنٍ. وإنما تكون في أسماء معلومة أسكنوا أوائلها فيما بنوا من الكلام وليست لها أسماءٌ تتلئب فيها كالأفعال هكذا أجروا ذا في كلامهم. وتلك الأسماء: ابنٌ وألحقوه الهاء للتأنيث فقالوا: ابنةٌ. واثنان وأحلقوه الهاء للتأنيث فقالوا: اثنتان كقولك: ابنتان. وامرؤٌ وأحلقوه الهاء للتأنيث فقالوا: امرأة. وابنمٌ واسمٌ واستٌ. فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء وإن كان الثالث مضموماً نحو: ابنمٌ وامرؤٌ لأنها ليست ضمةً تثبت في هذا البناء على كل حال إنما تضم في حال الرفع. فلما كان كذلك فرقوا بينها وبين الأفعال نحو اقتل استضعف لأن الضمة فيهن ثابتة فتركوا الألف في ابنمٍ وامرىءٍ على حالها والأصل الكسر لأنها مكسورة أبداً في الأسماء والأفعال إلا في الفعل المضموم الثالث كما قالوا: أنبؤك والأصل كسر الباء فصارت الضمة في امرؤٌ إذ كانت لم تكن ثابتة كالرفعة في نون ابنٌ لأنها ضمة إنما تكون في حال الرفع. واعلم أن هذه الألفات ألفات الوصل تحذف جميعاً إذا كان قبلها كلام إلا ما ذكرنا من الألف واللام في الاستفهام وفي أيمن في باب القسم لعلةٍ قد ذكرناها فعل ذلك بها في باب القسم حيث كانت مفتوحة قبل الاستفهام فخافوا أن تلتبس الألف بألف الاستفهام وتذهب في غير ذلك إذا كان قبلها كلام إلا أن تقطع كلامك وتستأنف كما قالت الشعراء في الأنصاف لأنها مواضع فصول فإنما ابتدءوا بعد قطع. قال الشاعر: ولا يبادر في الشتاء وليدنا ** ألقدر ينزلها بغير جعال وقال لبيد: أو مذهبٌ جددٌ على ألواحه ** ألناطق المزبور والمختوم واعلم أن كل شيءٍ كان أول الكلمة وكان متحركاً سوى ألف الوصل فإنه إذا كان قبله كلامٌ لم يحذف ولم يتغير إلا ما كان من هو وهي فإن الهاء تسكن إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام وذلك قولك: وهو ذاهبٌ ولهو خيرٌ منك فهو قائمٌ. وكذلك هي لما كثرتا في الكلام وكانت هذه الحروف لا يلفظ بها إلا مع ما بعدها صارت بمنزلة ما هو من نفس الحرف فأسكنوا كما قالوا في فخذٍ: فخذٌ ورضى: رضى وفي حذر: حذرٌ وسرو: سرو فعلوا ذلك حيث كثرت في كلامهم وصارت تستعمل كثيراً فأسكنت في هذه الحروف استخفافاً. وكثير من العرب يدعون الهاء في هذه الحروف على حالها. وفعلوا بلام الأمر مع الفاء والواو مثل ذلك لأنها كثرت في كلامهم وصارت بمنزلة الهاء في أنها لا يلفظ بها إلا مع ما بعدها وذلك قولك: فلينظر وليضرب. ومن ترك الهاء على حالها في هي وهو ترك الكسرة في اللام على حالها. باب تحرك أواخر الكلم الساكنة


إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين وإنما حذفوا ألف الوصل ها هنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقي ساكنان. وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة. فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً وذلك قولك: اضرب ابنك وأكرم الرجل واذهب اذهب و " قل هو الله أحدٌ. الله " لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك. ومن ذلك: إن الله عافاني فعلت وعن الرجل وقط الرجل ولو استطعنا. ونظير الكسر ها هنا قولهم: حذار وبداد ونظار ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام لئلا يلتقي ساكنان. ونحوه: جير يا فتى وغاق غاق كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان. وقال الله تبارك وتعالى: " قل انظروا ماذا في السموات والأرض " فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء. وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات يعني ألفات الوصل. وقد كسر قومٌ فقالوا: " قل انظروا " وأجروه على الباب الأول ولم يجعلوها كالألف ولكنهم جعلوها كآخر جير. وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة. فمن ذلك قوله عز وجل: " وقالت اخرج عليهن " " وعذابٌ. اركض برجلك ". ومنه: " أو انقص منه قليلاً ". وهذا كله عربي قد قرىء. ومن قال: قل انظروا كسر جميع هذا. والفتح في حرفين: أحدهما قوله عز وجل: " ألم. الله " لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء. ونظير ذلك قولهم: من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لما كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف. وزعموا أن ناساً من العرب يقولون: من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس. فأما " ألم " فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين. ونحو ذلك لم يلده. واعلمن ذلك لأن للهجاء حالاً قد تبين. وقد اختلفت العرب في من إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللام فكسره قوم على القياس وهي أكثر في كلامهم وهي الجيدة. ولم يكسروا في ألف اللام لأنها مع ألف اللام أكثر لأن الألف واللام كثيرةٌ في الكلام تدخل في كل اسم ففتحوا استخفافاً فصار من الله بمنزلة الشاذ. وذلك قولك: من ابنك ومن امرىءٍ. وقد فتح قومٌ فصحاء فقالوا: من ابنك فأجروها مجرى من المسلمين. باب ما يضم من السواكن


إذا حذفت بعد ألف الوصل وذلك الحرف الواو التي هي علامة الإضمار إذا كان ما قبلها مفتوحاً وذلك قوله عز وجل: " ولا تنسوا الفضل بينكم " ورموا ابنك واخشوا الله. فزعم الخليل أنهم جعلوا حركة الواو منها ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف نحو واو لو و أو. وقد قال قوم: " ولا تنسوا الفضل بينكم " جعلوها بمنزلة ما كسروا من السواكن وهي قليلة: وقد قال قوم: لو استطعنا شبهوها بواو اخشوا الرجل ونحوها حيث كانت ساكنة مفتوحاً ما قبلها. وهي في القلة بمنزلة: " ولا تنسوا الفضل بينكم ". وأما الياء التي هي علامة الإضمار وقبلها حرفٌ مفتوح فهي مكسورةٌ في ألف الوصل. وذلك: أخشى الرجل للمرأة لأنهم لما جعلوا حركة الواو من الواو جعلوا حركة الياء من الياء فصارت تجرى ههنا كما تجرى الواو ثم. وإن أجريتها مجرى " ولا تنسوا الفضل بينكم " كسرت فهي على كل حال مكسورة. ومثل هذه الواو واو مصطفون لأنها واوٌ زائدة لحقت للجمع كما لحقت واو اخشوا لعلامة الجمع وحذفت من الاسم ما حذفت واو اخشوا فهذه في الاسم كتلك في الفعل. والياء في مصطفين مثلها في اخشى وذلك مصطفو الله ومن مصطفى الله. باب ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها ساكن وذلك ثلاثة أحرف: الألف والياء التي قبلها حرفٌ مكسورٌ والواو التي قبلها حرفٌ مضموم. فأما حذف الألف فقولك: رمى الرجل وأنت تريد رمى ولم يخف. وإنما كرهوا تحريكها لأنها إذا حركت صارت ياءً أو واواً فكرهوا أن تصير إلى ما يستثقلون فحذفوا الألف حيث لم يخافوا التباساً. ومثل ذلك: هذه حبلى الرجل ومعزى القوم وأنت تريد المعزى والحبلى كرهوا أن يصيروا إلى ما هو أثقل من الألف فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً. ومثل ذلك قولهم: رمت. وقالوا: رميا فجاءوا بالياء وقالوا: غزوا فجاءوا بالواو لئلا يلتبس الاثنان بالواحد. وذفريان لأنهم لو حذفوا لالتبس بما ليس في آخره ألف التأنيث من الأسماء. وأنت إذا قلت: هذه حبلى الرجل ومن حبلى الرجل علم أن في آخرها ألفاً. فإن قلت: قد تقول رأيت حبلى الرجل فيوافق اللفظ لفظ ما ليست في آخره ألف التأنيث فإن هذا لا يلزمه في كل موضع. وأنت لو قلت حبلان لم تجد موضعاً إلا والألف منه ساقطة ولفظ الاسم حينئذ ولفظ ما ليست فيه الألف سواء. وأما حذف الياء التي قبلها كسرة فقولك: هو يرمي الرجل ويقضي الحق وأنت تريد يقضي ويرمي كرهوا الكسر كما كرهوا الجر في قاضٍ والضم فيه كما كرهوا الرفع فيه ولم يكونوا ليفتحوا فيلتبس بالنصب لأن سبيل هذا أن يكسر فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً. وأما حذف الواو التي قبلها حرف مضموم فقولك: يغزو القوم ويدعو الناس. وكرهوا الكسر كما كرهوا الضم هناك وكرهوا الضم هنا كما كرهوا الكسر في يرمي. وأما اخشوا القوم ورموا الرجل واخشى الرجل فإنهم لو حذفوا لالتبس الواحد بالجميع والأنثى بالذكر. وليس هنا موضع التباس. ومع هذا أن قبل هذه الواو أخف الحركات. وكذلك ياء اخشى وما قبل الياء منها في يقضي ونحوه وما قبل الواو منها في يدعو ونحوه. فاجتمع أنه أثقل وأنه لا يخاف الالتباس فحذف. فأجريت هذه السواكن التي حركوا ما قبلها منها مجرىً واحداً. ومثل ذلك: لم يبع ولم يقل ولو لم يكن ذلك فيها من الاستثقال لأجريت مجرى لم يخف لأنه ليس لاستثقالٍ لما بعدها حذفت وذلك ياء يهاب وواو يخاف. وقد بين ذلك. باب ما لا يرد من هذه الأحرف


الثلاثة لتحرك ما بعدها وسأخبرك لم ذلك إن شاء الله وهو قولك: لم يخف الرجل ولم يبع الرجل ولم يقل القوم ورمت المرأة ورمتا لأنهم إنما حركوا هذا الساكن لساكنٍ وقع بعده وليست بحركة تلزم. ألا ترى أنك لو قلت: لم يخف زيدٌ ولم يبع عمرٌو أسكنت. وكذلك لو قلت رمت فلم تجىء بالألف لحذفته. فلما كانت هذه السواكن لا تحرك حذفت الألف حيث أسكنت والياء والواو ولم يرجعوا هذه الأحرف الثلاثة حيث تحركت لالتقاء الساكنين لأنك إذا لم تذكر بعدها ساكناً سكنت. وكذلك إذا قلت لم تخلف اباك في لغة أهل الحجاز وأنت تريد: لم تخف أباك ولم يبع أبوك ولم يقل أبوك لأنك إنما حركت حيث لم تجد بداً من أن تحذف الألف وتلقي حركتها على الساكن الذي قبلها ولم تكن تقدر على التخفيف إلا كذا كما لم تجد بداً في التقاء الساكنين من التحريك. فإذا لم تذكر بعد الساكن همزةً تخفف كانت ساكنةً على حالها كسكونها إذا لم يذكر بعدها ساكن. وأما قولهم: لم يخافا ولم يقولا ولم يبيعا فإن هذه الحركات لوازم على كل حال وإنما حذفت النون للجزم كما حذفت الحركة للجزم من فعل الواحد ولم تدخل الألف ههنا على ساكن ولو كان كذلك قال: لم يخفا كما قال: رمتا فلم تلحق التثنية شيئاً مجزوماً وكما أن الألف لحقت في رمتا شيئاً مجزوماً. باب ما تلحقه الهاء في الوقف


لتحرك آخر الحرف وذلك قولك في بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لامٌ في حال الجزم: ارمه ولم يغزه واخشه ولم يقضه ولم يرضه. وذلك لأنهم كرهوا إذ هاب اللامات والإسكان جميعاً فلما كان ذلك إخلالاً بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك. فهذا تبيان أنه قد حذف آخر هذه الحروف. وكذلك كل فعل كان آخره ياءً أو واواً وإن كانت الياء زائدة لأنها تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. فإذا كان بعد ذلك كلامٌ تركت الهاء لأنك إذا لم تقف تحركت وإنما كان السكون للوقف. فإذا لم تقف استغنيت عنها وتركتها. وقد يقول بعض العرب: ارم في الوقف واغز واخش. حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس. وهذه اللغة أقل اللغتين جعلوا آخر الكلمة حيث وصلوا إلى التكلم بها بمنزلة الأواخر التي تحرك مما لم يحذف منه شيءٌ لأن من كلامهم أن يشبهوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع ما وأما لاتقه منوقيت وإن تع أعه من وعيت فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في اخش لأنه مجحفٌ بها لأنها ذهبت منها الفاء واللام فكرهوا أن يسكنوا في الوقف فيقولوا: إن تع أع فيسكنوا العين مع ذهاب حرفين من نفس الحرف. وإنما ذهب من نفس الحرف الأول حرفٌ واحد وفيه ألف الوصل فهو على ثلاثة أحرف وهذا على حرفين وقد ذهب من نفسه حرفان. وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: ادعه من دعوت فيكسرون العين كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان كما قالوا: رد يا فتى. وهذه لغةٌ رديئة وإنما هو غلطٌ كما قال زهير: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا باب ما تلحقه الهاء لتبين الحركة


من غير ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي حذف أواخرها ولكنها تبين حركة أواخر الحروف التي لم يذهب بعدها شيء فمن ذلك النونات التي ليست بحروف إعراب ولكنها نون الاثنين والجمع. وكان هذا أجدر أن تبين حركته حيث كان من كلامهم أن يبينوا حركة ما كان قبله متحركاً مما لم يحذف من آخر شيءٌ لأن ما قبله مسكن فكرهوا أن يسكن ما قبله وذلك إخلالٌ به وذلك: هما ضاربانه وهم مسلمونه وهم قائلونه. ومثل ذلك: هنه وضربتنه وذهبتنه. فعلوا ذلك لما ذكرت لك. ومع ذلك أيضاً أن النون خفية فذلك أيضاً مما يؤكد التحريك إذ كان يحرك ما هو أبين منها. وسترى ذلك وما حرك وما قبله متحرك إن شاء الله. ومثل ذلك: أينه تريد أين لأنها نون قبلها ساكن وليست بنونٍ تغير للإعراب ولكنها مفتوحة على كل حال فأجريت ذلك المجرى. ومثل ذلك قولهم: ثمه لأن في هذا الحرف ما في أين أن ما قبله ساكن وهي أشبه الحروف بها في الصوت فلذلك كانت مثلها في الخفاء. ونبين ذلك في الإدغام. ومثل ذلك قولهم: هلمه يريد هلم. قال الراجز: يا أيها الناس ألا هلمه وإنما يريد: هلم. وغير هؤلاء من العرب وهم كثير لا يلحقون الهاء في الوقف ولا يبينون الحركة لأنهم لم وجميع هذا إذا كان بعده كلامٌ ذهبت منه الهاء لأنه قد استغني عنها. وإنما احتاج إليها في الوقف لأنه لا يستطيع أن يحرك ما يسكت عنده. ومثل ما ذكرت لك قول العرب: إنه وهم يريدون إن ومعناها أجل. وقال: ويقلن شيبٌ قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه ومثل نون الجميع قولهم: اعلمنه لأنها نون زائدة وليست بحرف إعراب وقبلها حرف ساكن فصار هذا الحرف بمنزلة هن. وقالوا في الوقف: كيفه وليته ولعله في كيف وليت ولعل لما لم يكن حرفاً يتصرف للإعراب وكان ما قبلها ساكناً جعلوها بمنزلة ما ذكرنا. وزعم الخليل أنهم يقولون: انطلقته يريدون انطلقت لأنها ليست بتاء إعراب وما قبلها ساكن. ومما أجري مجرى مسلمونه علامة المضمر التي هي ياء وقبلها ألف أو ياء لأنها جمعت أنها خفية وأن قبلها ساكناً فأجريت مجرى مسلمانه ومسلمونه ونعلينه. وذلك قولك: غلامايه وغلاميه وعصايه وبشرايه ويا قاضيه. باب ما يبينون حركته وما قبله متحرك


فمن ذلك الياء التي تكون علامة المضمر المجرور أو تكون علامة المضمر المنصوب. وذلك قولك: هذا غلاميه وجاء من بعديه وإنه ضربنيه كرهوا أن يسكنوها إذ لم تكن حرف الإعراب وكانت خفية فبينوها. وأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء لأن ذلك أمرها في الوصل فلم يحذف منها في الوقف شيءٌ. وقالوا: هيه وهم يريدون هي شبهوها بياء بعدي. وقالوا هوه لما كانت الواو لا تصرف للإعراب كرهوا أن يلزموها الإسكان في الوقف فجعلوها بمنزلة الياء كما جعلوا كيفه بمنزلة مسلمونه. ومثل ذلك قولهم: خذه بحكمكه. وجميع هذا في الوصل بمنزلة الأول. ومن لم يلحق هناك الهاء في الوقف لم يلحقها هنا. وقد استعملوا في شيء من هذا الألف في الوقف كما استعملوا الهاء لأن الهاء أقرب المخارج إلى الألف وهي شبيهة بها. فمن ذلك قول العرب: حيهلا فإذا وصلوا قالوا: حيهل بعمر. وإن شئت قلت: حيهل كما تقول: بحكمك. ومن ذلك قولهم: أنا فإذا وصل قال: أن أقول ذاك. ولا يكون في الوقف في أنا إلا الألف لم تجعل بمنزلة هو لأن هو آخرها حرف مدٍّ والنون خفية فجمعت أنها على أقل عدد ما يتكلم به مفرداً وأن آخرها خفيٌّ ليس بحرف إعراب فحملهم ذلك على هذا. ونظيرة أنا مع هذا الهاء التي تلزم طلحة في أكثر كلامهم في النداء إذا وقفت فكما لزمت تلك لزمت هذه الألف. وأما أحمر ونحوه إذا قلت رأيت أحمر لم تلحق الهاء لأن هذا الآخر حرف إعراب يدخله الرفع والنصب وهو اسمٌ يدخله الألف واللام فيجر آخره ففرقوا بينه وبين ما ليس كذلك وكرهوا الهاء في هذا الاسم في كل موضع وأدخلوها في التي لا تزول حركتها وصار دخول كل الحركات فيه وأن نظيره فيما ينصرف منونٌ عوضاً من الهاء حيث قويت هذه القوة. وكذلك الأفعال نحو ظن وضرب لما كانت اللام قد تصرف حتى يدخلها الرفع والنصب والجزم شبهت بأحمر. وأما قولهم: علامه وفيمه ولمه وبمه وحتامه فالهاء في هذه الحروف أحود إذا وقفت لأنك حذفت الألف من ما فصار آخره كآخر ارمه واغزه. وقد قال قوم: فيم وعلام وبم ولم كما قالوا: اخش. وليس هذه مثل إن لأنه لم يحذف وأما قولهم: مجيء م جئت ومثل م أنت فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء ولم يكن فيه إلا ثبات الهاء لأن مجيء ومثل يستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان. وأما الحروف الأول فإنها لا يتكلم بها مفردةً من ما لأنها ليست بأسماء فصار الأول بمنزلة حرفٍ واحد لذلك. ومع هذا أنه أكثر في كلامهم فصار هذا بمنزلة حرف واحد نحو اخش. والأول من مجيء م جئت ومثل م أنت ليس كذلك. ألا تراهم يقولون: مثل ما أنت ومجيء ما جئت لأن الأول اسم. وإنما حذفوا لأنهم شبهوها بالحروف الأول فلما كانت الألف قد تلزم في هذا الموضع كانت الهاء في الحرف لازمة في الوقف ليفرقوا بينها وبين الأول. وقد لحقت هذه الهاءات بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية فأرادوا البيان وذلك قولهم: هؤلاه وههناه. ولا يقولونه في أفعى وأعمى ونحوهما من الأسماء المتمكنة كراهية أن تلتبس بهاء الإضافة. ومع هذا أن هذه الألفات حروف إعراب. ألا ترى أنه لو كان في موضعها غير الألف دخله الرفع والنصب والجر كما يدخل راء أحمر. ولو كان في موضع ألف هؤلا حرفٌ متحرك سواها كانت لها حركة واحدة كحركة أنا وهو. فلما كان كذلك أجروا الألف مجرى ما يتحرك في موضعها. واعلم أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الممدود لأنه خفيٌّ فأرادوا البيان كما وقد يلحقون في الوقف هذه الهاء الألف التي في النداء والألف والياء والواو في الندبة لأنه موضع تصويت وتبيين فأرادوا أن يمدوا فألزموها الهاء في الوقف لذلك وتركوها في الوصل لأنه يستغنى عنها كما يستغنى عنها في المتحرك في الوصل لأنه يجيء ما يقوم مقامها. وذلك قولك: يا غلامان ووازيداه وواغلامهوه وواذهاب غلامهيه. باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل


أما كل اسم منون فإنه يلحقه في حال النصب في الوقف الألف كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف منه أو زيادةٍ فيه لم تجىء علامةً للمنصرف فأرادوا أن يفرقوا بين التنوين والنون. ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث فعلامة التأنيث إذا وصلته التاء وإذا وقفت ألحقت الهاء أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف نحو تاء القت وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سنبتة وتاء عفريت لأنهم أرادوا أن يلحقوهما ببناء قحطبة وقنديل. وكذلك التاء في بنتٍ وأختٍ لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عمرٍ وعدلٍ وفرقوا بينها وبين تاء المنطلقات لأنها كأنها منفصلة من الأول كما أن موت منفصلٌ من حضر في حضرموت. وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة لأن تاء طلحة كأنها منفصلة. وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون في الوقف: طلحت كما قالوا في تاء الجميع قولاً وإنما ابتدأت في ذكر هذا لأبين لك المنصرف. فأما في حال الجر والرفع فإنهم يحذفون الياء والواو لأن الياء والواو أثقل عليهم من الألف فإذا كان قبل الياء كسرةٌ وقبل الواو ضمةٌ كان أثقل. وقد يحذفون في الوقف الياء التي قبلها كسرة وهي من نفس الحرف نحو القاض. فإذا كانت الياء هكذا فالواو بعد الضمة أثقل عليهم من الكسرة لأن الياء أخف عليهم من الواو. فلما كان من كلامهم أن يحذفوها وهي من نفس الحرف كانت ههنا يلزمها الحذف إذ لم تكن من نفس الحرف ولا بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو ياء محبنطٍ ومجعبٍ. فأما الألف فليست كذلك لأنها أخف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها في مثنى ونحوه ولا يحذفونها في وقف. ويقولون في فخذٍ: فخذٌ وفي رسلٍ: رسلٌ ولا يخففون الجمل لأن الفتحة أخف عليهم من الضمة والكسرة كما أن الألف أخف عليهم من الياء والواو. وسترى بيان ذلك إن شاء الله. وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون هذا: زيدو وهذا عمرو ومررت بزيدي وبعمري جعلوه قياساً واحداً فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف. المتحركة في الوصل التي لا تلحقها زيادةٌ في الوقف فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: بالإشمام وبغير الإشمام كما تقف عند المجزوم والساكن وبأن تروم التحريك وبالتضعيف. فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال. وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبداً إلا عند حرف ساكن فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه في هذا الموضع. وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكانٌ على كل حال وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال. وذلك أراد الذين أشموا إلا أن هؤلاء أشد توكيداً. وأما الذين ضاعفوا فهم أشد توكيداً أرادوا أن يجيئوا بحرفٍ لا يكون الذي بعده إلا متحركاً لأنه لا يلتقي ساكنان. فهؤلاء أشد مبالغةً وأجمع لأنه لو لم تشم كنت قد أعلمت أنها متحركة في غير الوقف. ولهذا علاماتٌ. فللإشمام نقطةٌ وللذي أجري مجرى الجزم والإسكان الخاء ولروم الحركة خطٌّ بين يدي الحرف وللتضعيف الشين. فالإشمام قولك: هذا خالد وهذا فرج وهو يجعل. وأما الذي أجري مجرى الإسكان والجزم فقولك: مخلد وخالد وهو يجعل. وأما الذين راموا الحركة فهم الذين قالوا: هذا عمر وهذا أحمد كأنه يريد رفع لسانه. حدثنا بذلك عن العرب الخليل وأبو الخطاب. وحدثنا الخليل عن العرب أيضاً بغير الإشمام وإجراء الساكن. وأما التضعيف فقولك: هذا خالد وهو يجعل وهذا فرج. حدثنا بذلك الخليل عن العرب. ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي سبسباً يريد: السبسب وعيهل يريد: العيهل لأن التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف أتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك. كما يلحقون الواو والياء في القوافي فيما لا يدخله ياءٌ ولا واوٌ في الكلام وأجروا الألف مجراهما لأنها شيركتهما في القوافي ويمد بها في غير موضع التنوين ويلحقونها في التنوين فألحقوها بهما فيما ينون في الكلام وجعلوا سبسب كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب إذا وقفت. قال رجلٌ من بني أسدٍ: وقال رؤبة: لقد خشيت أن أرى جدبا في عامنا ذا بعد ما أخصبا أراد: جدباً. وقال رؤبة: بدءٌ يحب الخلق الأضخما فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضاعفوا. فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرفٍ ساكناً لم يضعفوا نحو عمرٍو وزيدٍ وأشباه ذلك لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكناً لأنه ساكن. وقد يسكن ما بعد ما هو بمنزلة لام خالد وراء فرج فلما كان مثل ذلك يسكن ما بعده ضاعفوه وبالغوا لئلا يكون بمنزلة ما يلزمه السكون. ولم يفعلوا ذلك بعمرٍو وزيدٍ لأنهم قد علموا أنه لا تسكن أواخر هذا الضرب من كلامهم وقبله ساكن ولكنهم يشمون ويرومون الحركة لئلا يكون بمنزلة الساكن الذي يلزمه السكون. وقد يدعون الإشمام وروم الحركة أيضاً كما فعلوا بخالد ونحوه. وأما ما كان في موضع نصب أو جرٍّ فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف وتفعل فيه ما تفعل بالمجزوم على كل حال وهو أكثر في كلامهم. وأما الإشمام فليس إليه سبيل وإنما كان ذا في الرفع لأن الضمة من الواو فأنت تقدر أن تضع لسانك في أي موضع من الحروف شئت ثم تضم شفتيك لأن ضمك شفتيك كتحريكك بعض جسدك وإشمامك في الرفع للرؤية وليس بصوتٍ للأذن. ألا ترى أنك لو قلت هذا معن فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم فأنت قد تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ثم تضم شفتيك ولا تقدر على أن تفعل ذلك ثم تحرك موضع الألف والياء. فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام. وهو قول العرب ويونس والخليل. فأما فعلك بهما كفعلك بالمجزوم على كل حال فقولك: مررت بخالدٍ ورأيت الحارث. وأما روم الحركة فقولك: رأيت الحارث ومررت بخالد. وإجراؤه كإجراء المجزوم أكثر كما أن الإشمام وإجراء الساكن في الرفع أكثر لأنهم لايسكنون إلا عند ساكنٍ فلا يريدون أن يحدثوا فيه شيئاً سوى ما يكون في الساكن. وأما التضعيف فهو قولك: مررت بخالدٍ ورأيت أحمد. وحدثني من أثق به أنه سمع عربياً يقول: أعطني أبيضه يريد: أبيض وألحق الهاء كما ألحقها في: هنه وهو يريد: هن. باب الساكن الذي يكون قبل آخر الحروف


وذلك قول بعض العرب: هذا بكر ومن بك. ولم يقولوا: رأيت البكر لأنه في موضع التنوين وقد يلحق ما يبين حركته. والمجرور والمرفوع لا يلحقهما ذلك في كلامهم. ومن ثم قال الراجز - بعض السعديين: أنا ابن ماوية إذ جد النقر أراد: النقر إذا نقر بالخيل. ولا يقال في الكلام إلا النقر في الرفع وغيره. وقالوا: هذا عدل وفسل فأتبعوها الكسرة الأولى ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول لأنه ليس من كلامهم فعل فشبهوها بمنتنٍ أتبعوها الأول. وقالوا: في البسر ولم يكسروا في الجر لأنه ليس في الأسماء فعل فأتبعوها الأول وهم الذين يخففون في الصلة البسر. وقالوا: رأيت العكم فلم يفتحوا الكاف كما لم يفتحوا كاف البكر وجعلوا الضمة إذ كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت بعدها وهو قولك: رأيت الجحر. وإنما فعلوا ذلك في هذا لأنهم لما جعلوا ما قبل الساكن في الرفع والجر مثله بعده صار في النصب كأنه بعد الساكن. ولا يكون هذا في زيد وعون ونحوهما لأنهما حرفا مدٍّ فهما يحتملان ذلك كما احتملا أشياء في القوافي لم يحتملها غيرهما وكذلك الألف. ومع هذا كراهية الضم والكسر في الياء والواو واعلم أن من الحروف حروفاً مشربة ضعطت من مواضعها فإذا وقفت خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن موضعه وهي حروف القلقلة وستبين أيضاً في الإدغام إن شاء الله. وذلك القاف والجيم والطاء والدال والباء. والدليل على ذلك أنك تقول: الحذق فلا تستطيع أن تقف إلا مع الصويت لشدة ضغط الحرف. وبعض العرب أشد صوتاً كأنهم الذين يرومون الحركة. ومن المشربة حروفٌ إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة ولم تضغط ضغط الأولى وهي الزاي والظاء والذال والضاد لأن هذه الحروف إذا خرجت بصوت الصدر انسل آخره وقد فتر من بين الثنايا لأنه يجد منفذاً فتسمع نحو النفخة. وبعض العرب أشد صوتاً وهم كأنهم الذين يرومون الحركة. والضاد تجد المنفذ من بين الأضراس وستبين هذه الحروف أيضاً في باب الإدغام إن شاء الله. وذلك قولك: هذا نشز وهذا خفض. وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عندها مع نفخٍ لأنهن يخرجن مع التنفس لا صوت الصدر وإنما تنسل معه. وبعض العرب أشد نفخاً كأنهم الذين يرومون الحركة فلابد من النفخ لأن النفس تسمعه كالنفخ. ومنها حروفٌ مشربة لا تسمع بعدها في الوقف شيئاً مما ذكرنا لأنها لم تضغط ضغط القاف ولا تجد منفذاً كما وجد في الحروف الأربعة. وذلك اللام والنون لأنهما ارتفعتا عن الثنايا فلم تجدا منفذاً. وكذلك الميم لأنك تضم شفتيك ولا تجافيهما كما جافيت لسانك في الأربعة حيث وجدن المنفذ. وكذلك العين والغين والهمزة لأنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يكن كما لا يكون من مواضع اللام والميم وما ذكرت لك من نحوهما. ولو وضعت لسانك في مواضع الأربعة لاستطعت النفخ فكان آخر الصوت حين يفتر نفخاً. والراء نحو الضاد. واعلم أن هذه الحروف التي يسمع معها الصوت والنفخة في الوقف لا يكونان فيهن في الوصل إذا سكن لأنك لا تنتظر أن ينبو لسانك ولا يفتر الصوت حتى تبتدىء صوتاً. وكذلك المهموس لأنك لا تدع صوت الفم يطول حتى تبتدىء صوتاً. وذلك قولك: أيقظ عميراً وأخرج حاتماًن وأحرز مالاً وأفرش خالداً وحرك عامراًز وإذا وقفت في المهموس والأربعة قلت: أفرش وأحبس فمددت وسمعت النفخ فتفطن. وكذلك: الفظ وخ فنفخت فتفطن فإنك ستجده كذلك إن شاء الله. ولا يكون شيء من هذه الأشياء في الوصل نحو أذهب زيداً وخذهما واحرسهما كما لا يكون في المضاعف في الحرف الأول إذا قلت: أحدٌ ودق ورش. وهذه الحروف غير مهموسات وهي حروف لينٍ ومدٍّ ومخارجها متسعة لهواء الصوت وليس شيء من الحروف أوسع مخارج منها ولا أمد للصوت فإذا وقفت عندها لم تضمها بشفةٍ ولا لسانٍ ولا حلقٍ كضم غيرها فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة. وإذا تفطنت وجدت مس ذلك. وذلك قولك: ظلموا ورموا وعمى وحبلى. وزعم الخليل أنهم لذلك قالوا: ظلموا ورموا فكتبوا بعد الواو ألفاً. وزعم الخليل أن بعضهم يقول: رأيت رجلاً فيهمز وهذه حبلأ وتقديرهما: رجلع وحبلع فهمز لقرب الألف من الهمزة حيث علم أنه سيصير إلى موضع الهمزة فأراد أن يجعلها همزة واحدة وكان أخف عليهم. وسمعناهم يقولون: هو يضر بهأ فيهمز كل ألف في الوقف كما يستخفون في الإدغام فإذا وصلت لم يكن هذا لأن أخذك في ابتداء صوت آخر يمنع الصوت أن يبلغ تلك الغاية في السمع. باب الوقف في الهمز


أما كل همزة قبلها حرفٌ ساكن فإنه يلزمها في الرفع والجر والنصب ما يلزم الفرع من هذه المواضع التي ذكرت لك من الإشمام وروم الحركة ومن إجراء الساكن. وذلك قولهم: هو واعلم أن ناساً من العرب كثيراً ما يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة حركة الهمزة سمعنا ذلك من تميم وأسدٍ يريدون بذلك بيان الهمزة وهو أبين لها إذا وليت صوتاً والساكن لا ترفع لسانك عنه بصوت لو رفعت بصوتٍ حركته فلما كانت الهمزة أبعد الحروف وأخفاها في الوقف حركوا ما قبلها ليكون أبين لها. وذلك قولهم: هو الوثؤ ومن الوثىء ورأيت الوثأ. وهو البطؤ ومن البطىء ورأيت البطأ. وهو الردؤ وتقديرها الردع ومن الردىء ورأيت الردأ. يعني بالردء الصاحب. وأما ناسٌ من بني تميم فيقولون هو الردىء كرهوا الضمة بعد الكسرة لأنه ليس في الكلام فعل فتنكبوا هذا اللفظ لاستنكار هذا في كلامهم. وقالوا: رأيت الردىء ففعلوا هذا في النصب كما فعلوا في الرفع أرادوا أن يسووا بينهما. وقالوا: من البطؤ لأنه ليس في الأسماء فعل. وقالوا: رأيت البطؤ أرادوا أن يسووا بينهما. ولا أراهم إذ قالوا: من الردىء وهو البطؤ إلا يتبعونه الأول وأرادوا أن يسووا بينهن إذ أجرين مجرىً واحداً وأتبعوه الأول كما قالوا: رد وفر. ومن العرب من يقول: هو الوثو فيجعلها واواً حرصاً على البيان. ويقول من الوثىء فيجعلها ياءً ورأيت الوثا. يسكن الثاء في الرفع والجر وهو في النصب مثل القفا. وأما من لم يقل من البطىء ولا هو الردؤ فإنه ينبغي لمن اتقى ما اتقوا أن يلزم الواو والياء. وإذا كان الحرف قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النطع من الإشمام وإجراء المجزوم وروم الحركة. وكذلك تلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها الذي ذكرت لك وذلك قولك هو الخطأ وهو الخطأ وهو الخطأ. ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الحروف في الكلام فكأنهم تنكبوا التضعيف في الهمز لكراهية ذلك. فالهمزة بمنزله ما ذكرنا من غير المعتل إلا في القلب والتضعيف. ومن العرب من يقول: هذا هو الكلو حرصاً على البيان كما قالوا: الوثو. ويقول: من الكلى يجعلها ياء كما قالوا من الوثى: ويقول: رأيت الكلا ورأيت الحبا يجعلها ألفاً كما جعلها في الرفع واواً وفي الجر ياءً. وكما قالوا الوثا وحركت الثاء لأن الألف لابد لها من حرف قبلها مفتوح. وهذا وقف الذين يحققون الهمزة. فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فقولهم: هذا الخبا في كل حال لأنها همزة ساكنة قبلها فتحة فإنما هي كألف راسٍ إذا خففت. ولا تشم لأنها ألف كألف مثنى. ولو كان ما قبلها مضموماً لزمها الواو نحو أكمو. ولو كان مكسوراً لزمت الياء نحو أهنى وتقديرها أهنع فإنما هذا بمنزلة جونةٍ وذيبٍ. ولا إشمام في هذه الواو لأنها كواو يغزو. وإذا كانت الهمزة قبلها ساكنٌ فخففت فالحذف لازم. ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف غير المعتلة من الإشمام وإجراء الجزم وروم الحركة والتضعيف. وذلك قولهم: هذا الوث ومن الوث ورأيت الوث والخب ورأيت الخب وهو الخب ونحو ذلك. باب الساكن الذي تحركه في الوقف


إذا كان بعده هاء المذكر الذي هو علامة الإضمار ليكون أبين لها كما أردت ذلك في الهمزة وذلك قولك: ضربته واضربه وقده ومنه وعنه. سمعت ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء حيث حركوا لتبيانها. قال الشاعر وهو زيادٌ الأعجم: عجبت والدهر كثيرٌ عجبه ** من عنزيٍّ سبى لم أضربه وقال أبو النجم: فقربن هذا وهذا أزحله وسمعنا بعض بني تميم من بني عديٍّ يقولون: قد ضربته وأخذته كسروا حيث أرادوا أن يحركوها لبيان الذي بعدها لا لإعراب يحدثه شيءٌ قبلها كما حركوا بالكسر إذا وقع بعدها ساكنٌ يسكن في الوصل فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبين وتتبعها واواً كما أنك تسكن في الهمزة إذا وصلت فقلت: هذا وثءٌ كما ترى لأنها تبين. وكذلك قد ضربته فلانة وعنه أخذت فتسكن كما تسكن إذا قلت: عنها أخذت. وفعلوا هذا بالهاء لأنها في الخفاء نحو الهمزة. باب الحرف الذي تبدل مكانه في الوقف


حرفا أبين منه يشبهه لأنه خفيٌّ وكان الذي يشبهه أولى كما أنك إذا قلت: مصطفين جئت بأشبه الحروف بالصاد من موضع التاء لا من موضع آخر وذلك قول بعض العرب في أفعى: هذه أفعى وفي حبلى: هذه حبلى وفي مثنى: هذا مثنى. فإذا وصت صيرتها ألفاً. وكذلك كل ألفٍ في آخر الاسم. حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغةٌ لفزارة وناسٍ من قيس وهي قليلة. فأما الأكثر الأعرف فأن تدع الألف وفي الوقف على حالها ولا تبدلها ياءً. وإذا وصلت استوت اللغتان لأنه إذا كان بعدها كلام كان أبين لها منها إذا سكت عندها فإذا استعملت الصوت كان أبين. وأما طيىءٌ فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف لأنها خفية لا تحرك قريبةٌ من حدثنا بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب وزعموا أن بعض طيىءٍ يقول: أفعو لأنها أبين من الياء ولم يجيئوا بغيرها لأنها تشبه الألف في سعة المخرج والمد ولأن الألف تبدل مكانها كما تبدل مكان الياء وتبدلان مكان الألف أيضاً وهن أخواتٌ. ونحو ما ذكرنا قول بني تميم في الوقف: هذه فإذا وصلوا قالوا: هذي فلانة لأن الياء خفية فإذا سكت عندها كان أخفى. والكسرة مع الياء أخفى فإذا خفيت الكسرة ازدادت الياء خفاءً كما ازدادت الكسرة فأبدلوا مكانها حرفاً من موضع أكثر الحروف بها مشابهةً وتكون الكسرة معه أبين. وأما أهل الحجاز وغيرهم من قيس فألزموها الهاء في الوقف وغيره كما ألزمت طيىءٌ الياء. وهذه الهاء لا تطرد في كل ياءٍ هكذا وإنما هذا شاذٌّ ولكنه نظير للمطرد الأول. وأما ناس من بني سعدٍ فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفية فأبدلوا من موضعها أبين الحروف وذلك قولهم: هذا تميمج يريدون: تميميٌّ وهذا علج يريدون: عليٌّ. وسمعت بعضهم يقول: عربانج يريد: عربانيٌّ. وحدثني من سمعهم يقولون: خالي عويفٌ وأبو علج المطعمان الشحم بالعشج وبالغداة فلق البرنج باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف


وهي الياءات وذلك قولك: هذا قاض وهذا غاز وهذا عم تريد العمى. أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل. فهذا الكلام الجيد الأكثر. وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذا رامي وغازي وعمي أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال. فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف. وذلك قولك: هذا القاضي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل. ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام. وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات فقد اجتمع الأمران. ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام وهو التنوين لأنه لا يلتقي ساكنان. وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل. وأما في حال النصب فليس إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل فيما ليست فيه ألفٌ ولامٌ. ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل وذلك قولك: رأيت القاضي. وقال الله عز وجل: " كلا إذا بلغت التراقي ". وتقول: رأيت جواري لأنها ثابتة في الوصل متحركة. وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال: أختار يا قاضي لأنه ليس بمنون كما أختار هذا القاضي. وأما يونس فقال: يا قاض. وقول يونس أقوى لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذفٍ يحذفون التنوين ويقولون: يا حار ويا صاح ويا غلام أقبل. وقالا في مرٍ إذا وقفا: هذا مري كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء فصار عوضاً. يريد مفعلٌ من رأيت. وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ لأنها لا تذهب في الوصل في حال وذلك: لا أقضي وهو يقضي ويغزو ويرمي. إلا أنهم قالوا: لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذٌّ. كما قالوا لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت. ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحركٍ فلم يشبه بلا أدر فلا تحذف الياء إلا في: لا أدر وما أدر. وجميع ما لا يحذف في الكلا وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي. فالفواصل قول الله عز وجل: " والليل إذا يسر " " وما كنا نبغ " و " يوم التناد " و " الكبير المتعال ". والأسماء أجدر أن تحذف إذ كان الحذف فيها في غير الفواصل والقوافي. وأما القوافي فنحو قوله - وهو زهير: وأراك تفرى ما خلقت وبع ض القوم يخلق ثم لا يفر وإثبات الياءات والواوات أقيس الكلامين. وهذا جائز عربيٌّ كثير. 

=====

الكتاب (سيبويه)/الجزء التاسع 












هذا باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف التي لاتذهب في الوصل ولا يلحقها تنوين وتركها في الوقف أقيس وأكثر لأنها في هذه الحال ولأنها ياءٌ لا يلحقها التنوين على كل حال فشبهوها بياء قاضي لأنها ياءٌ بعد كسرة ساكنة في اسم. وذلك قولك: هذا غلام وأنت تريد: هذا غلامي. وقد أسقان وأسقن وأنت تريد: أسقاني وأسقني لأن ني اسمٌ. وقد قرأ أبو عمرٍو: " فيقول ربي أكرمن " و " ربي أهانن " على الوقف. وقال النابغة: إذا حاولت في أسدٍ فجوراً فإني لست منك ولست من يريد: مني. وقال النابغة: وهم وردوا الجفار على تميمٍ وهم أصحاب يوم عكاظ إن يريد: إني. سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم. وترك الحذف أقيس. وقال الأعشى: فهل يمنعني ارتيادي البلا د من حذر الموت أن يأتين ومن شانىءٍ كاسفٍ وجهه إذا ما انتسبت له أنكرن وأما ياء هذا قاضي وهذان غلاماي ورأيت غلامي فلا تحذف لأنها لا تشبه ياء هذا القاضي لأن ما قبلها ساكن ولأنها متحركة كياء القاضي في النصب فهي لا تشبه يا هذا القاضي. ولا تحذف في النداء إذا وصلت كما قلت: يا غلام أقبل لأن ما قبلها ساكن فلا يكون للإضافة علم لأنك لا تكسر الساكن. ومن قال: هذا غلامي فاعلم وإني ذاهب لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضي في النصب ولكنهم مما يلحقون الهاء في الوقف فيبينون الحركة. ولكنها تحذف في النداء لأنك إذا وصلت في النداء حذفتها. وأما الألفات التي تذهب في الوصل فإنها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف عليهم. ألا تراهم يفرون إلى الألف من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحدة منهما مفتوحة وفروا إليها في قولهم: قد رضا ونها. وقال الشاعر زيد الخيل: أفي كل عامٍ مأتمٌ تبعثونه ** على محمرٍ ثوبتموه وما رضا وقال ظليلٌ الغنموي: إن الغوي إذا نها لم يعتب ويقولون في فخذٍ: فخذٌ وفي عضدٍ: عضدٌ ولا يقولون في جملٍ جملٌ ولا يخففون لأن الفتح أخف عليهم والألف فمن ثم لم تحذف الألف إلا أن يضطر شاعرٌ فيشبهها بالياء لأنها أختها وهي قد تذهب مع التنوين. قال الشاعر حيث اضطر وهو لبيد: يريد: المعلى. باب ثبات الياء والواو في الهاء


التي هي علامة الإضمار وحذفهما فأما الثبات فقولك: ضربهو زيدٌ وعليها مالٌ ولديهو رجلٌ. جاءت الهاء مع ما بعدها ههنا في المذكر كما جاءت وبعدها الألف في المؤنث وذلك قولك: ضربها زيدٌ وعليها مالٌ. فإذا كان قبل الهاء حرف لينٍ فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن لأن الهاء من مخرج الألف والألف تشبه الياء والواو تشبههما في المد وهي أختهما فلما اجتمعت حروفٌ متشابهةٌ حذفوا. وهو أحسن وأكثر. وذلك قولك: عليه يا فتى ولديه فلان ورأيت أباه قبل وهذا أبوه كما ترى. وأحسن القراءتين: " ونزلناه تنزيلاً " و " إن تحمل عليه يلهث " و " شروه بثمنٍ بخسٍ " و " خذوه فغلوه ". والإتمام عربيٌّ. ولا تحذف الألف في المؤنث فيلتبس المؤنث بالمذكر. فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لينٍ أثبتوا الواو والياء في الوصل. وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكناً لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرفٌ خفي نحو الألف فكما كرهوا التقاء الساكنين في أين ونحوهما كرهوا أن لا يكون بينهما حرفٌ قويٌّ وذلك قول بعضهم: منه يا فتى وأصابته جائحة. والإتمام أجود لأن هذا الساكن ليس بحرف لينٍ والهاء حرفٌ متحرك. فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركاً فالإثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث لأنه لم تأت علة مما ذكرنا فجرى على الأصل إلا أن يضطر شاعر فيحذف كما يحذف ألف معلى وكما حذف فقال: وطرت بمنصلي في يعملاتٍ دوامي الأيد يخبطن السريحا وهذه أجدر أن تحذف في الشعر لأنها قد تحذف في مواضع من الكلام وهي المواضع التي ذكرت لك في حروف اللين نحو: عليه وإليه والساكن نحو منه. ولو أثبتوا لكان أصلاً وكلاماً حسناً من كلامهم. فإذا حذفوها على هذه الحال كانت في الشعر في تلك المواضع أجدر أن تحذف إذ حذفت مما لا يحذف منه في الكلام على حال. ولم يفعلوا هذا بذه هي ومن هي ونحوهما وفرق بينهما لأن هاء الإضمار أكثر استعمالاً في الكلام والهاء التي هي هاء الإضمار الياء التي بعدها أيضاً مع هذا أضعف لأنها ليست بحرف من نفس الكلمة ولا بمنزلته وليست الياء في هي وحدها باسمٍ كياء غلامي. واعلم أنك لا تستبين الواو التي بعد الهاء ولا الياء في الوقف ولكنهما محذوفتان لأنهم لما كان من كلامهم أن يحذفوا في الوقف ما لا يذهب في الوصل على حالٍ نحو ياء غلامي وضربني إلا أن يحذف شيءٌ ليس من أصل كلامهم كالتقاء الساكنين - ألزموا الحذف هذا الحرف الذي قد يحذف في الوصل. ولو ترك كان حسناً وكان على أصل كلامهم فلم يكن فيه في الوقف إلا الحذف حيث كان في الوصل أضعف. وإذا كانت الواو والياء بعد الميم التي هي علامة الإضمار كنت بالخيار: إن شئت حذفت وإن شئت أثبت. فإن حذفت أسكنت الميم. فالإثبات: عليكمو وأنتمو ذاهبون ولديهمى مالٌ فأثبتوا كما تثبت الألف في التثنية إذا قلت: عليكما وأنتما ولديهما. وأما الحذف والإسكان فقولهم: عليكم مالٌ وأنتم ذاهبون ولديهم مالٌ لما كثر استعمالهم هذا في الكلام واجتمعت الضمتان مع الواو والكسرتان مع الياء والكسرات مع الياء نحو بهمى داءٌ والواو مع الضمتين والواو نحو أبوهمو ذاهبٌ والضمات مع الواو نحو: " رسلهمو بالبينات " حذفوا كما حذفوا من الهاء في الباب الأول حيث اجتمع فيه ما ذكرت لك إذ صارت الهاء بين حرفي لينٍ وفيها مع أنها بين حرفي لينٍ أنها خفية بين ساكنين ففيها أيضاً مثل ما في أصابته. وأسكنوا الميم لأنهم لما حذفو الياء والواو كرهوا أن يدعوا بعد الميم شيئاً منهما إذ كانتا تحذفان استثقالاً فصارت الضمة بعدها نحو الواو ولو فعلوا ذلك لاجتمعت في كلامهم أربع متحركات ليس معهن ساكن نحو: رسلكمو. وهم يكرهون هذا. ألا ترى أنه ليس في كلامهم اسمٌ على أربعة أحرفٌ متحركٌ كله. وسترى بيان ذلك في غير هذا الموضع إن شاء الله. فأما الهاء فحركت في الباب الأول لأنه لا يلتقي ساكنان. وإذا وقفت لم يكن إلا الحذف ولزومه إذ كنت تحذف في الوصل كما فعلت في الأول. وإذا قلت: أريد أن أعطيه حقه فنصبت الياء فليس إلا البيان والإثبات لأنها لما تحركت خرجت من أن تكون حرف لينٍ وصارت مثل غير المعتل نحو باء ضربه وبعد شبهها من الألف لأن الألف لا تكون أبداً إلا ساكنة وليست حالها كحال الهاء لأن الهاء من مخرج الألف وهي في الخفاء نحو الألف ولا تسكنها. وإن قلت: مررت بابنه فلا تسكن الهاء كما أسكنت الميم. وفرق ما بينهما أن الميم إذا خرجت على الأصل لم تقع أبداً إلا وقبلها حرفٌ مضموم فإن كسرت كان ما قبلها أبداً مكسوراً. والهاء لا يلزمها هذا تقع وما قبلها أخف الحركات نحو: رأيت جمله وتقع وقبلها ساكن نحو: اضربه. فالهاء تصرف والميم يلزمها أبداً ما يستثقلون. ألا تراهم قالوا في كبدٍ: كبدٌ وفي عضدٍ: عضدٌ ولا يقولون ذلك في جملٍ ولا يحذفون الساكن في سفرجلٍ لأنه ليس فيه شيءٌ من هذا. واعلم أن من أسكن هذه الميمات في الوصل لا يكسرها إذا كانت بعدها ألف وصل ولكن يضمها لأنها في الأصل متحركة بعدها واو كما أنها في الاثنين متحركة بعدها ألفٌ نحو غلامكما. وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافاً لا على أن هذا مجراه في الكلام وحده وإن كان ذلك أصله كما تقول رادٌّ وأصله راددٌ. ولو كان كذلك لم يقل من لا يحصى من العرب: كنتمو فاعلين فيثبتون الواو. فلما اضطروا إلى التحريك جاءوا بالحركة التي في أصل الكلام وكانت أولى من غيرها حيث اضطررت إلى التحريك كما قلت في مذ اليوم فضممت ولم تكسر لأن أصلها أن تكون النون معها وتضم. هكذا جرت في الكلام. وحذف قومٌ استخفافاً فلما اضطروا إلى التحريك جاءوا بالأصل وذلك نحو: كنتم اليوم وفعلتم الخير وعليهم المال. ومن قال عليهم فالأصل عنده في الوصل عليهمى جاء بالكسرة كما جاء ههنا بالضمة. وإن شئت قلت: لما كانت هذه الميم في علامة الإضمار جعلوا حركتها من الواو التي بعدها في الأصل كما قالوا اخشوا القوم حيث كانت علامة إضمار. والتفسير الأول أجود الذي فسر تفسير مذ اليوم. ألا ترى أنه لا يقول كنتم اليوم من يقول اخشوا الرجل. ولكن من فسر التفسير الآخر يقول: يشبه الشيء بالشيء في موضع واحد وإن لم يوافقه في جميع المواضع. ومن كان الأصل عنده عليهمى كسر كما قال للمرأة: أخشى القوم. باب ما تكسر فيه الهاء


التي هي علامة الإضمار اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو لأنها في الكلام كله هكذا إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك. وليس يمنعهم ما أذكر لك أيضاً من أن يخرجوها على الأصل. فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياءٌ أو كسرة لأنها خفية كما أن الياء خفية وهي من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة وهي من موضع الألف وهي أشبه الحروف بالياء. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافاً كذلك كسروا هذه الهاء وقلبوا الواو ياءً لأنه لا تثبت واوٌ ساكنة وقبلها كسرة. فالكسرة ههنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو: كلابٍ وعابدٍ. وذلك قولك: مررت بهى قبل ولديهى مال ومررت بدارهى قبل. فإن لحقت الهاء الميم في علامة الجمع كسرتها كراهية الضمة بعد الكسرة. ألا ترى أنهما لا يلزمان حرفاً أبداً. فإذا كسرت الميم قلبت الواو ياءً كما فعلت ذلك في الهاء. ومن قال: وبدارهو الأرض قال: عليهمموا مال وبهمو ذلك. وقال بعضهم: عليهمو أتبع الياء ما أشبهها كما أمال الألف لما ذكرت لك وترك ما لا يشبه الياء ولا الألف على الأصل وهو الميم كما أنك تقول في باب الإدغام مصدرٍ فتقربها من أشبه الحروف ومن موضعها بالدال وهي الزاي ولا تفعل ذلك بالصاد مع الراء والقاف ونحوهما لأن موضعهما لم يقرب من الصاد كقرب الدال. وزعم هارون أنها قراءة الأعرج. وقراءة أهل مكة اليوم: " حتى يصدر الرعاء " بين الصاد والزاي. واعلم أن قوماً من ربيعة يقولون: منهم أتبعوها الكسرة ولم يكن المسكن حاجزاً حصيناً عندهم. وهذه لغة رديئة إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل لأنك قد تجري على الأصل ولا حاجز بينهما فإذا تراخت وكان بينهما حاجزٌ لم تلتق المتشابهة. ألا ترى أنك إذا حركت الصاد فقلت صدق كان من يحقق الصاد أكثر لأن بينهما حركة. وإذا قال مصادر فجعل بينهما حرفاً ازداد التحقيق كثرة. فكذلك هذا. وأما أهل اللغة الرديئة فجعلوها بمنزلة منتنٍ لما رأوها وتتبعها وليس بينهما حاجز جعلوا الحاجز بمنزلة نون منتنٍ. وإنما أجري هذا مجرى الإدغام. وقال ناسٌ من بكر بن وائل: من أحلامكم وبكم شبهها بالهاء لأنها علم إضمارٍ وقد وقعت بعد الكسرة فأتبع الكسرة الكسرة حيث كانت حرف إضمار وكان أخف عليهم من أن يضم بعد أن يكسر. وهي رديئة جداً. سمعنا أهل هذه اللغة يقولون: قال الحطيئة: وإن قال مولاهم على جل حادثٍ من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا وإذا حركت فقلت: رأيت قاضيه قبل لم تكسر لأنها إذا تحركت لم تكن حرف لينٍ فبعد شبهها من الألف لأن الألف لا تحرك أبداً. وليست كالهاء لأن الهاء من مخرج الألف فهي وإن تحركت في الخفاء نحوٌ من الألف والياء الساكنة. ألا تراها جعلت في القوافي متحركة بمنزلة الياء والواو الساكنتين فصارت كالألف وذلك قولك: خليلها. فاللام حرف الروي وهي بمنزلة خليلو. وإنما ذكرت هذا لئلا تقول: قد حركت الهاء فلم جعلتها بمنزلة الألف. فهي متحركة كالألف. وأما هاء هذه فإنهم أجروها مجرى الهاء التي هي علامة الإضمار إضمار المذكر لأنها علامةٌ للتأنيث كما أن هذه علامةٌ للمذكر فهي مثلها في أنها علامة وأنها ليست من الكلمة التي قبلها. وذلك قولك: هذهي سبيلي. فإذا وقفت لم يكن إلا الحذف كما تفعل ذلك في به وعليه. إلا أن من العرب من يسكن هذه الهاء في الوصل يشبهها بميم عليهم وعليكم لأن هذه الهاء لا تحول عن هذه الكسرة إلى فتحٍ ولا تصرف كا تصرف الهاء فلما لزمت الكسرة قبلها حيث أبدلت من الياء شبهوها بالميم التي تلزم الكسرة والضمة. وكثر هذا الحرف أيضاً في الكلام كما كثرت الميم في الإضمار. سمعت من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذه أمة الله. فيسكن. باب الكاف التي هي علامة المضمر


اعلم أنها في التأنيث مكسورة وفي المذكر مفتوحة. وذلك قولك: رأيتك للمرأة ورأيتك للرجل. والتاء التي هي علامة الإضمار كذلك تقول: ذهبت للمؤنث وذهبت للمذكر. فأما ناسٌ كثير من تميم وناسٌ من أسدٍ فإنهم يجعلون مكان الكاف للمؤنث الشين. وذلك أنهم أرادوا البيان في الوقف لأنها ساكنة في الوقف فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث وأرادوا التحقيق والتوكيد في الفصل لأنهم إذا فصلوا بين المذكر والمؤنث بحرف كان أقوى من أن يفصلوا بحركة فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث بهذا الحرف كما فصلوا بين المذكر والمؤنث بالنون حين قالوا: ذهبوا وذهبن وأنتم وأنتن. وجعلوا مكانها أقرب ما يشبهها من الحروف إليها لأنها مهموسة كما أن الكاف مهموسة ولم يجعلوا مكانها مهموساً من الحلق لأنها ليست من حروف الحلق. وذلك قولك: إنش ذاهبةٌ ومالش ذاهبةً تريد: إنك ومالك. واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف السين ليبينوا كسرة التأنيث. وإنما ألحقوا السين لأنها قد تكون من حروف الزيادة في استفعل. وذلك أعطيتكن وأكرمكس. فإذا وصلوا لم يجيئوا بها لأن الكسرة تبين. وقومٌ يلحقون الشين ليبينوا بها الكسرة في الوقف كما أبدلوها مكانها للبيان. وذلك قولهم: أعطيتكش وأكرمكش فإذا وصلوا تركوها. وإنما يلحقون السين والشين في التأنيث لأنهم جعلوا تركهما بيان التذكير. واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف التي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفاً في التذكير وياءً في التأنيث لأنه أشد توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث كما فعلوا ذلك حيث أبدلوا مكانها الشين في التأنيث. وأرادوا في الوقف بيان الهاء إذا أضمرت المذكر لأن الهاء خفية فإذا ألحق الألف بين أن الهاء قد لحقت. وإنما فعلوا هذا بها مع الهاء لأنها مهموسة كما أن الهاء قد لحقت. وإنما فعلوا هذا بها مع الهاء لأنها مهموسة كما أن الهاء مهموسة وهي علامة إضمار كما أن الهاء علامة إضمار فلما كانت الهاء يلحقها حرف مدٍّ ألحقوا الكاف معها حرف مدٍّ وجعلوهما إذا التقيا سواءً. وذلك قولك: أعطيكها وأعطيكيه للمؤنث وتقول في التذكير: أعطيكاه وأعطيكاها. وحدثني الخليل أن ناساً يقولون: ضربتيه فيلحقون الياء. وهذه قليلة. وأجود اللغتين وأكثرهما أن لا تلحق حرف المد في الكاف. وإنما لزم ذلك الهاء في التذكير كما لحقت الألف الهاء في التأنيث والكاف والتاء لم يفعفل بهما ذلك. وإنما فعلوا ذلك بالهاء لخفتها وخفائها لأنها نحو الألف. باب ما يلحق التاء والكاف


اللتين للإضمار إذا جاوزت الواحد فإذا عنيت مذكرين أو مؤنثين ألحقت ميماً تزيد حرفاً كما زدت في العدد وتلحق الميم في التثنية الألف وجماعة المذكرين الواو. ولم يفرقوا بالحركة. وبالغوا في هذا فلم يزيدوا لما جاوزوا اثنين شيئاً لأن الاثنين جمعٌ كما أن ما جاوزهما جمعٌ. ألا ترى أنك تقول: ذهبنا فيستوي الاثنان والثلاثة. وتقول: نحن فيهما. وتقول: قطعت رءوسهما. وتلزم التاء والكاف الضمة وتدع الحركتين اللتين كانتا للتذكير والتأنيث في الواحد لأن العلامة فيما بعدها والفرق فألزموها حركةً لا تزول وكرهوا أن يحركوا واحدة منهما بشيء كان علامةً للواحد حيث انتقلوا عنها وصارت الأعلام فيما بعدها. ولم يسكنوا التاء لأن ما قبلها أبداً ساكن ولا الكاف لأنها تقع بعد الساكن كثيراً ولأن الحركة لها لازمةٌ مفردةً فجعلوها كأختها التاء. قلت: ما بالك تقول: ذهبن وأذهبن ولا تضاعف النون فإذا قلت: أنتن وضربكن ضاعفت قال: أراهم ضاعفوا النون ههنا كما ألحقوا الألف والواو مع الميم. وقالوا: ذهبن لأنك لو ذكرت لم تزد إلا حرفاً واحداً على فعل فلذلك لم يضاعف. ومع هذا أيضاً أنهم كرهوا أن يتوالى في كلامهم في كلمة واحدة أربع متحركات أو خمسٌ ليس فيهن ساكن نحو ضربكن ويدكن وهي في غير هذا ما قبلها ساكنٌ كالتاء. فعلى هذا جرت هذه الأشياء في كلامهم. باب الإشباع في الجر والرفع


وغير الإشباع والحركة كما هي فأما الذين يشبعون فيمططون وعلامتها واوٌ وياءٌ وهذا تحكمه لك المشافهة. وذلك قولك: يضربها ومن مأمنك. وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاساً وذلك قولك: يضربها ومن مأمنك يسرعون اللفظ. ومن ثم قال أبو عمرو: " إلى بارئكم ". ويدلك على أنها متحركة قولهم: من مأمنك فيبينون النون فلو كانت ساكنة لم تحقق النون. ولا يكون هذا في النصب لأن الفتح أخف عليهم كما لم يحذفوا الألف حيث حذفوا الياءات وزنة الحركة ثابتة كما تثبت في الهمزة حيث صارت بين بين. وقد يجوز أن يسكنوا الحرف المرفوع والمجرور في الشعر شبهوا ذلك بكسرة فخذٍ حيث حذفوا فقالوا: فخذٌ وبضمة عضدٍ حيث حذفوا فقالوا: عضد لأن الرفعة ضمةٌ والجرة كسرةٌ قال الشاعر: رحت وفي رجليك ما فيهما ** وقد بدا هنك من المئزر إذا اعوججن قلت صاحب قومٍ بالدو أمثال السفين العوم فسألت من ينشد هذا البيت من العرب فزعم أنه يريد صاحبي. وقد يسكن بعضهم في الشعر ويشم وذلك قول الشاعر امرىء القيس: فاليوم أشرب غير مستحقبٍ إثماً من الله ولا واغلٍ وجعلت النقطة علامة الإشمام. ولم يجي هذا في النصب لأن الذين يقولون: كبدٌ وفخذٌ لا يقولون في جملٍ: جملٌ. باب وجوه القوافي في الإنشاد


أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون لأنهم أرادوا مد الصوت وذلك قولهم - وهو لامرىء القيس: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلي وقال في النصب - ليزيد بن الطثرية: فبتنا تحيد الوحش عنا كأننا قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا وقال في الرفع - للأعشى: هريرة ودعها وإن لام لائمو هذا ما ينون فيه وما لا ينون فيه قولهم - لجرير: أقلى اللوم عاذل والعتابا وقال في الرفع - لجرير: متى كان الخيام بذي طلوحٍ سقيت الغيث أيتها الخيامو وقال في الجر - لجرير أيضاً: وإنما ألحقوا هذه المدة في حروف الروي لأن الشعر وضع للغناء والترنم فأحلقوا كل حرف الذي حركته منه. فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء. وأما ناسٌ كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وما لم ينون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نوناً ولفظوا بتمام البناء وما هو منه كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد سمعناهم يقولون: يا أبتا علك أو عساكن وللعجاج: يا صاح ما هاج الدموع الذرفن وقال العجاج: من طللٍ كالأتحمى أنهجن وكذلك الجر والرفع. والمكسور والمفتوح والمضموم في جميع هذا كالمجرور والمنصوب والمرفوع. وأما الثالث فأن يجروا القوافي مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعرٍ جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركو المدة لعلمهم أنها في أصل البناء سمعناهم يقولون - لجرير: أقلي اللوم عاذل والعتاب وللأخطل: واسأل بمصقلة البكري ما فعل وكان هذا أخف عليهم. ويقولون: قد رابني حفصٌ فحرك حفصا يثبتون الألف لأنها كذلك في الكلام. واعلم أن الياءات والواوات اللواتي هن لامات إذا كان ما قبلها حرف الروي فعل بها ما فعل بالياء والواو اللتين ألحقتا للمد في القوافي لأنها تكون في المد بمنزلة الملحقة ويكون ما قبلها روياً كما كان ما قبلت تلك روياً فلما ساوتها في هذه المنزلة ألحقت بها في هذه المنزلة الأخرى. وذلك قولهم - لزهير: وبعض القوم يخلق ثم لا يفر وكذلك: يغزو لو كانت في قافيةٍ كنت جاذفها إن شئت. وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وما حذف منهن في الكلام فهو ههنا أجدر أن يحذف إذ كنت تحذف هنا ما لا يحذف في الكلام. وأما يخشى ويرضى ونحوهما فإنه لا يحذف منهن الألف لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي تكون في الوقف بدلاً من التنوين فكما تبين تلك الألف في القوافي فلا تحذف كذلك لا تحذف هذه الألف. فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمد إلا في القوافي لحذفت ألف يخشى كما حذفت ياء يقضي حيث شبهتها بالياء التي في الأيامى فإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي لم تكن التي هي لامٌ أسوأ حالاً منها. ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: لم يعلم لنا الناس مصرع فتحذف الألف لأن هذا لا يكون في الكلام فهو في القوافي لا يكون. فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافي. وإن شئت حذفته فإنما ألحقتا بما لا يخرج في الكلام وألحقت تلك بما يثبت على كل حال. ألا ترى أنك تقول: داينت أروي والديون تقضى فمطلت بعضاً وأدت بعضا فكما لا تحذف ألف بعضا كذلك لا تحذف ألف تقضى. وزعم الخليل أن ياء يقضي وواو يغزو إذا كانت واحدةٌ منها حرف الروي لم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روريٍّ كما أن القاف في: وقاتم الأعماق خاوي المخترق حرف الروي. وكما لا تحذف هذه القاف لا تحذف واحدةٌ منهما. وقد دعاهم حذف ياء يقضي إلى أن حذف ناسٌ كثير من قيس وأسد الياء والواو اللتين هما علامة المضمر. ولم تكثر واحدةٌ منها في الحذف ككثرة ياء يقضي لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في: يا عجباً للدهر شتى طرائقه سمعت ممن يروي هذا الشعر من العرب ينشده: لا يبعد الله أصحاباً تركتهم لم أدر بعد غداة البين ما صنع يريد: صنعوا. وقال: لو ساوفتنا بسوفٍ من تحيتها سوف العيوف لراح الركب قد قنع يريد: قنعوا. وقال: يريد: جمعوا. وقال ابن مقبلٍ: جزيت ابن أروى بالمدينة قرضه وقلت لشفاع المدينة أوجف يريد: أوجفوا. وقال عنترة: يا دار عبلة بالجواء تكلم يريد: تكلمي. وقال الخرز بن لوذان: كذب العتيق وماء شنٍّ باردٌ إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهب يريد: فاذهبي. وأما الهاء فلا تحذف من قولك: شتى طرائقه لأن الهاء ليست من حروف اللين والمد فإنما جعلوا الياء وهي اسمٌ مثلها زائدةً نحو الياء الزائدة في نحو: الحمد لله الوهوب المجزلي فهي بمنزلتها إذا كانت مدا وكانت لا تثبت في الكلام. والهاء لا يمد بها ولا يفعل بها شيءٌ من ذلك. وأنشدنا الخليل: خليلي طيرا بالتفرق أوقعا فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من تقضى. وقال: فحذف واو تقدموا كما حذف واو صنعوا. واعلم أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي ولو لم يفعلوا ذلك لضاق عليهم ولكنهم توسعوا بذلك فإذا وقع واحدٌ منهما في القافية حرك وليس إلحاقهم إياه الحركة بأشد من إلحاق حرف المد ما ليس هو فيه ولا يلزمه في الكلام. ولو لم يقفوا إلا بكل حرف فيه حرف مدٍّ لضاق عليهم ولكنهم توسعوا بذلك فإذا حركوا واحداً منهما صار بمنزلة ما لم تزل فيه الحركة فإذا كان كذلك أحلقوه حرف المد فجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها في التقاء الساكنين كسروا فكذلك جعلوها في المجرورة حيث احتاجوا إليها كما أن أصلها في التقاء الساكنين الكسر نحو: انزل اليوم. وقال امرؤ القيس: أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل وقال طرفة: متى تأتنا نصبحك كأساً رويةً وإن كنت عنها غانياً فاغن وازدد ولو كانت في قوافٍ مرفوعةٍ أو منصوبةٍ كان إقواءً. وقال الراجز وهو أبو النجم: وحل مسكنة في الكلام. ويقول الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه: قالا: فيمد قال ويقولوا فيمد يقول ومن العامي فيمد العام سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكر به ولم يقطع كلامه. فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا. سمعناهم يقولون: إنه قدي في قد ويقولون: ألي في الألف واللام يتذكر الحارث ونحوه. وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: هذا سيفني يريد سيفٌ ولكنه تذكر بعد كلاماً ولم يرد أن يقطع اللفظ لأن التنوين حرف ساكن فيكسر كما تكسر دال قد. باب عدة ما يكون عليه الكلم


وأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحدٌ. وسأكتب لك ما جاء على حرف بمعناه إن شاء الله. أما ما يكون قبل الحرف الذي يجاء به له فالواو التي في قولك: مررت بعمرٍو وزيدٍ. وإنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما. وليس فيه دليلٌ على أن أحدهما قبل الآخر. والفاء وهي تضم الشيء إلى الشيء كما فعلت الواو غير أنها تجعل ذلك متسقاً بعضه في إثر بعض وذلك قولك: مررت بعمرٍ فزيدٍ فخالدٍ وسقط المطر بمكان كذا وكذا فمكان كذا وكذا. وإنما يقرو أحدهما بعد الآخر. وكاف الجر التي تجيء للتشبيه وذلك قولك: أنت كزيدٍ. ولام الإضافة ومعناها الملك واستحقاق الشيء. ألا ترى أنك تقول: الغلام لك والعبد لك فيكون في معنى هو عبدك. وهو أخٌ له فيصير نحو هو أخوك فيكون مستحقاً لهذا كما يكون مستحقاً لما يملك. فمعنى هذه اللام معنى إضافة الاسم. وقد بين ذلك أيضاً في باب النفي. وباء الجر إنما هي للإلزاق والاختلاط وذلك قولك: خرجت بزيدٍ ودخلت به وضربته والواو التي تكون للقسم بمنزلة الباء وذلك قولك: والله لا أفعل. والتاء التي في القسم بمنزلتها وهي: تالله لا أفعل. والسين التي في قولك: سيفعل وزعم الخليل أنها جواب لن يفعل. والألف في الاستفهام. ولام اليمين التي في لأفعلن. وأما ما جاء منه بعد الحرف الذي جيء به له فعلامة الإضمار وهي الكاف التي في رأيتك وغلامك والتاء التي في فعلت وذهبت والهاء التي في عليه ونحوها. وقد تكون الكاف غير اسم ولكنها تجيء للمخاطبة وذلك نحو كاف ذاك. فالكاف في هذا بمنزلة التاء في قولك: فعلت فلانة ونحو ذلك. والتاء تكون بمنزلتها وهي التي في أنت. واعلم أن ما جاء في الكلام على حرفٍ قليلٌ ولم يشذ علينا منه شيء إلا ما لا بال له إن كان شذ. وذلك لأنه عندهم إجحاف أن يذهب من أقل الكلام عدداً حرفان. وسنبين ذلك إن شاء الله. واعلم أنه لا يكون اسمٌ مظهرٌ على حرف أبداً لأن المظهر يسكت عنده وليس قبله شيءٌ ولا يلحق به شيءٌ ولا يوصل إلى ذلك بحرف ولم يكونوا ليجحفوا بالاسم فيجعلوه بمنزلة ما ليس باسم ولا فعلٍ وإنما يجيء لمعنى. والاسم أبداً له من القوة ما ليس لغيره. ألا ترى أنك لو جعلت في و لو ونحوها اسماً ثقلت. وإنما فعلوا ذلك بعلامة الإضمار حيث كانت لا تصرف ولا تذكر إلا فيما قبلها فأشبهت الواو ونحوها ولم يكونوا ليخلوا بالمظهر وهو الأول القوي إذ كان قليلاً في سوى الاسم المظهر. ولا يكون شيءٌ من الفعل على حرف واحد لأن منه ما يضارع الاسم وهو يتصرف ويبنى أبينةً وهو الذي يلي الاسم فلما قرب هذا القرب لم يجحف به إلا أن تدرك الفعل علةٌ مطردةٌ في كلامهم في موضع واحد فيصير على حرف فإذا جاوزت ذلك الموضع رددت ما حذفت. ولم يلزمها أن تكون على حرف واحد إلا في ذلك الموضع. وذلك قولك: ع كلاماً وعه وشه وقه من الوقاء. ثم الذي يلي ما يكون على حرف ما يكون على حرفين وقد تكون عليها الأسماء المظهرة المتمكنة والأفعال المتصرفة. وذلك قليل لأنه إخلال عندهم بهن لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً. فمن الأسماء التي وصفت لك: يدٌ ودمٌ وحرٌ وستٌ وسهٌ يعني الاست وددٌ وهو اللهو وأما ما جاء من الأفعال فخذ وكل ومر. وبعض العرب يقول: أو كل فيتم كما أن بعضهم يقول في غدٍ: غدوٌ. فهذا ما جاء من الأفعال والأسماء على حرفين وإن كان شذ شيءٌ فقليلٌ. ولا يكون من الأفعال شيءٌ على حرفين إلا ما ذكرت لك إلا أن تلحق الفعل علة مطردة في كلامهم فتصيره على حرفين في موضع واحد ثم إذا جاوزت ذلك الموضع رددت إليه ما حذفت منه وذلك قولك: قل وإن تق أقه. وما لحقته الهاء من الحرفين أقل مما فيه الهاء من الثلاثة لأن ما كان على حرفين ليس بشيء مع ما هو على ثلاثة وذلك نحو: قلةٍ وثبةٍ ولثةٍ وشيةٍ وشفةٍ ورئةٍ وسنةٍ وزنةٍ وعدةٍ وأشباه ذلك. ولا يكون شيء على حرفين صفةً حيث قل في الاسم وهو الأول الأمكن. وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعلٍ ولكنه كالفاء والواو وهو على حرفين أكثر لأنه أقوى وهو في هذا أجدر أن يكون إذ كان يكون على حرف. وسنكتب ذلك بمعناه إن شاء الله. فمن ذلك: أم وأو وقد بين معناهما في بابهما. وهل وهي للاستفهام. ولم وهي نفيٌ لقوله فعل. ولن وهي نفيٌ لقوله: سيفعل. وإن وهي وما إن طبنا جبنٌ وأما إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما في قولك: إنما الثقيلة تجعلها من حروف الابتداء وتمنعها أن تكون من حروف ليس وبمنزاتها. وأما ما فهي نفيٌ لقوله: هو يفعل إذا كان في حال الفعل فتقول: ما يفعل. وتكون بمنزلة ليس في المعنى تقول: عبد الله منطلقٌ فتقول: ما عبد الله منطلقٌ أو منطلقاً فتنفي بهذا اللفظ كما تقول: ليس عبد الله منطلقاً. وتكون توكيداً لغواً وذلك قولك: متى ما تأتني آتك وقولك: غضبت من غير ما جرمٍ. وقال الله عز وجل: " فبما نقضهم ميثاقهم " وهي لغوٌ في أنها لم تحدث إذ جاءت شيئاً لم يكن قبل أن تجىء من العمل وهي توكيدٌ للكلام. وقد تغير الحرف حتى يصير يعمل لمجيئها غير عمله الذي كان قبل أن تجىء وذلك نحو قوله: إنما وكأنما ولعلما. جعلتهن بمنزلة حروف الابتداء. ومن ذلك: حيثما صارت لمجيئها بمنزلة أين. وتكون إن كما في معنى ليس. وأما لا فتكون كما في التوكيد واللغو. قال الله عز وجل: " لئلا يعلم أهل الكتاب ". أي لأن يعلم. وتكون لا نفياً لقوله يفعل ولم يقع الفعل فتقول: لا يفعل. وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعل ما وذلك قولك: لولا صارت لو في معنىً آخر كما صارت حين قلت لوما تغيرت كما تغيرت حيث بما وإن بما. ومن ذلك أيضاً: هلا فعلت فتصير هل مع لا في معنى آخر. وتكون لا ضداً لنعم وبلى. وقد بين أحوالها أيضاً في باب النفي. وأما أن فتكون بمنزلة لام القسم في قوله: أما والله لو فعلت لفعلت. وقد بينا ذلك في موضعه. وتكون توكيداً أيضاً في قولك: لما أن فعل كما كانت توكيداً في القسم وكما كانت إن مع ما. وقد تلغى إن مع ما إذا كانت اسماً وكانت حيناً. وقال الشاعر: ورج الفتى للخير ما إن رأيته ** على السن خيراً لا يزال يزيد وأما كي فجوابٌ لقوله كيمه كما يقول لمه فقتول: ليفعل كذا وكذا. وقد بين أمرها في بابها. وأما بل فلترك شيء من الكلام وأخذٍ في غيره. قال الشاعر حيث ترك أول الحديث وهو أبو ذؤيبٍ: بل هل أريك حمول الحي ** غاديةً كالنخل زينها ينعٌ وإفضاح أينع: أدرك. وأفضح: حين تدخله الحمرة والصفرة يعني البسر. وقال لبيد: بل من يرى البرق بت أرقبه ** يزجي حبيباً إذا خبا ثقبا وزعم الخليل أن هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر. وما في لما مغيرة لها عن حال لم كما غيرت لو إذا قلت: لو ما ونحوها. ألا ترى أنك تقول: لما ولا تتبعها شيئاً ولا تقول ذلك في لم. وتكون قد بمنزلة ربما. وقال الشاعر الهذلي: قد أترك القرن مصفراً أنامله ** كأن أثوابه مجت بفرصاد كأنه قال: ربما. وأما لو فلما كان سيقع لوقوع غيره. وأما يا فتنبيه. ألا تراها في النداء وفي الأمر كأنك تنبه المأمور. قال الشاعر وهو الشماخ: ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال ** وقبل منايا قد حضرن وآجال وأما من فتكون لابتداء الغاية في الأماكن وذلك قولك: من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا. وتقول إذا كتبت كتاباً: من فلان إلى فلان. فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها. وتكون أيضاً للتبعيض تقول: هذا من الثوب وهذا منهم كأنك قلت: بعضه. وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيماً ولكنها توكيد بمنزلة ما إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة وذلك قولك: ما أتاني من رجلٍ وما رأيت من أحدٍ. ولو أخرجت من كان الكلام حسناً ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيضٍ فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس. وكذلك: ويحه من رجلٍ إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال. وكذلك: لي ملؤه من عسلٍ وكذلك: هو أفضل من زيدٍ إنما أراد أن يفضله على بعضٍ ولا يعم. وجعل زيداً الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك: شرٌّ من زيدٍ وكذلك إذا قال: أخزى الله الكاذب مني ومنك. إلا أن هذا وأفضل منك لا يستغنى عن من فيهما لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها. وقد تكون باء الإضافة بمنزلتها في التوكيد وذلك قولك: ما زيد بمنطلقٍ ولست بذاهبٍ أراد أن يكون مؤكداً حيث نفى الانطلاق والذهاب وكذلك: كفى بالشيب لو ألقى الباء استقام الكلام. وقال الشاعر من عبد بني الحسحاس: كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهيا وتقول: رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء والمنتهى. وأل تعرف الاسم في قولك: القوم والرجل. وأما مذ فتكون ابتداء غاية الأيام والأحيان كما كانت من فيما ذكرت لك ولا تدخل واحدةٌ منهما على صاحبتها. وذلك قولك: ما لقيت مذ يوم الجمعة إلى اليوم ومذ غدوة إلى الساعة وما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه فجعلت اليوم أول غايتك فأجريت في بابها كما جرت من حيث قلت: من مكان كذا إلى مكان كذا. وتقول: ما رأيته مذ يومين فجعلتها غايةً كما قلت: أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم ترد منتهىً. وأما في فهي للوعاء تقول: هو في الجراب وفي الكيس وهو في بطن أمه وكذلك: هو في الغل لأنه جعله إذ أدخله فيه كالوعاء له. وكذلك: هو في القبة وفي الدار. وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا وإنما تكون كالمثل يجاء به يقارب الشيء وليس مثله. وأما عن فلما عدا الشيء وذلك قولك: أطعمه عن جوعٍ جعل الجوع منصرفاً تاركاً له قد جاوزه. وقال: قد سقاه عن العيمة. العيمة: شهوة اللبن. قال أبو عمرو: سمعت أبا زيد يقول: رميت عن القوس. وناسٌ يقولون: رميت عليها. وأنشد: أرمي عليها وهي فرعٌ أجمع وهي ثلاث أذرعٍ وإصبع وكاه عن العري جعلهما قد تراخيا عنه. ورميت عن القوس لأنه بها قذف سهمه عنها وعداها. وتقول: جلس عن يمينه فجعله متراخياً عن بدنه وجعله في المكان الذي بحيال يمينه. وتقول: أضربت عنه وأعرضت عنه وانصرف عنه إنما تريد أنه تراخى عنه وجاوزه إلى غيره. وتقول: أخذت عنه حديثاً أي عدا منه إلي حديث. وقد تقع من موقعها أيضاً تقول: أطعمه من جوعٍ وكساه من عريٍ وسقاه من العيمة. وما جاء من الأسماء غير المتمكنة على حرفين أكثر مما جاء من المتمكنة على حرفين نحو يدٍ ودمٍ لأنها حيث لم تمكن ضارعت هذه الحروف لأنه لم يفعل بها ما فعل بتلك الأسماء المتمكنة ولم تصرف تصرفها. وما جاء على حرفين مما وضع مواضع الفعل أكثر مما جاء من الفعل المتصرف لأنها حيث لم تصرف ضارعت هذه الحروف لأنها ليست بفعل يتصرف. وسأبين لك من ذلك إن شاء الله. فمن الأسماء: ذا وذه ومعناهما أنك بحضرتهما. وهما اسمان مبهمان وقد بينا في غير هذا الموضع. وأنا وهي علامة المضمر. وكذلك: هو وهي. وكم وهي للمسألة عن العدد. ومن وهي للمسألة عن الأناسي ويكون بها الجزاء للأناسي ويكون بمنزلة الذي للأناسي. وقد بين جميع ذلك في موضعه. وأن بمنزلة الذي تكون مع الصلة بمنزلة الذي مع صلتها اسماً فيصير يريد أن يفعل بمنزلة يريد الفعل كما أن الذي ضرب بمنزلة الضارب. وقد بينت في بابها. و قط معناها الاكتفاء. و مع وهي للصحبة. و مذ فيمن رفع بمنزلة إذ وحيث ومعناها إذا رفعت قد بين فيما مضى بقول الخليل. وأما عن فاسمٌ إذا قلت: من عن يمينك لأن من لا تعمل إلا في الأسماء. و علٍ معناها الإتيان من فوقٍ. وقال امرء القيس: كجلود صخرٍ حطه السيل من عل وقال جرير: حتى اختطفتك يا فرزدق من عل و إذ وهي لما مضى من الدهر وهي ظرفٌ بمنزلة مع. وأما ما هو في موضع الفعل فقولك: مه وصه وحل للناقة وسا للحمار. وما مثل ذلك في الكلام على نحوه في الأسماء إلا أنا تركنا ذكره لأنه إنما هو أمرٌ ونهي يعني هلم وإيهٍ. ولا يختلف اختلاف الأسماء في المعاني. واعلم أن بعض العرب يقول: م الله لأفعلن يريد: أيم الله فحذف حتى صيرها على حرف حيث لم يكن متمكناً يتكلم به وحده فجاء على حرف حيث ضارع ما جاء على حرف كما كثرت الأسماء في الحرفين حيث ضارعت ما قبلها من غير الأسماء. وأما ما جاء على ثلاثة أحرف فهو أكثر الكلام في كل شيء من الأسماء والأفعال وغيرهما مزيداً فيه وغير مزيدٍ فيه وذلك لأنه كأنه هو الأول فمن ثم تمكن في الكلام. ثم ما كان على أربعة أحرف بعده ثم بنات الخمسة وهي أقل لا تكون في الفعل البتة ولا يكسر بتمامه للجمع لأنها الغاية في الكثرة فاستثقل ذلك فيها. فالخمسة أقصى الغاية في الكثرة. فالكلام على ثلاثة أحرف وأربعة أحرف وخمسة لا زيادة فيها ولا نقصان. والخمسة أقل الثلاثة في الكلام. فالثلاثة أكثر ما تبلغ بالزيادة سبعة أحرف وهي أقصى الغاية والمجهود وذلك نحو: اشهيبابٍ فهو يجري على ما بين الثلاثة والسبعة. والأربعة تبلغ هذا نحو احرنجامٍ. ولا تبلغ السبعة إلا في هذين المصدرين. وأما بنات الخمسة فتبلغ بالزيادة ستة نحو عنصر فوطٍ ولا تبلغ سبعة كما بلغتها الثلاثة والأربعة لأنها لا تكون في الفعل فيكون لها مصدرٌ نحو هذا. وسأكتب لك من معاني ما عدة حروفه ثلاثةٌ فصاعداً نحو ما كتبت لك من معاني الحرف والحرفين إن شاء الله. أما على فاستعلاء الشيء تقول: هذا على ظهر الجبل وهي على رأسه. ويكون أن يطوى أيضاً مستعلياً كقولك: مر الماء عليه وأمررت يدي عليه. وأما مررت على فلانٍ فجرى هذا كالمثل. وعلينا أميرٌ كذلك. وعليه مالٌ أيضاً وهذا لأنه شيءٌ اعتلاه ويكون: مررت عليه أن يريد مروره على مكانه ولكنه اتسع. وتقول: عليه مالٌ وهذا كالمثل كما يثبت الشيء على المكان كذلك يثبت هذا عليه فقد يتسع هذا في الكلام ويجيء كالمثل. وهو اسمٌ لا يكون إلا ظرفاً. ويدلك على أنه اسم قول بعض العرب: نهض من عليه. قال الشاعر: غدت من عليه بعد ما تم خمسها تصل وعن قيضٍ ببيداء مجهل وأما إلى فمنتهىً لابتداء الغاية تقول: من كذا إلى كذا. وكذلك حتى وقد بين أمرها في بابها ولها في الفعل نحوٌ ليس لإلى. ويقول الرجل: إنما أنا إليك أي إنما أنت غايتي ولا تكون حتى ههنا: فهذا أمر إلى وأصله وإن اتسعت. وهي أعم في الكلام من حتى تقول: قمت إليه فجعلته منتهاك من مكانك ولا تقول: حتاه. وأما غير وسوى فبدلٌ. وكلٌّ عمٌّ وبعضٌ اختصاصٌ ومثلٌ تسويةٌ. وأما بله زيدٍ فيقول: دع زيداً. وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيدٍ. و عند لحضور الشيء ودنوه. وأما قبل فهو لما ولي الشيء. يقول: ذهب قبل السوق أي نحو السوق. ولي قبلك مال أي فيما يليك. ولكنه اتسع حتى أجري مجرى على إذا قلت: لي عليك. وأما نولٌ فتقول: نولك أن تفعل كذا وكذا أي ينبغي لك فعل كذا وكذا. وأصله من التناول كأنه يقول: تناولك كذا وكذا. وإذا قال لا نولك فكأنه يقول: أقصر ولكنه صار فيه معنى ينبغي لك. وأما إذا فلما يستقبل من الدهر وفيها مجازاةٌ وهي ظرف وتكون للشيء توافقه في حالٍ أنت فيها وذلك قولك: مررت فإذا زيدٌ قائمٌ. وتكون إذ مثلها أيضاً ولا يليها إلا الفعل الواجب وذلك قولك: بينما أنا كذلك إذ جاء زيد وقصدت قصده إذ انتفخ علي فلانٌ. فهذا لما توافقه وتهجم عليه من حالٍ أنت فيها. وأما: لكن خفيفةً وثقيلةً فتوجب بها بعد نفي. وأما سوف فتنفيسٌ فيما لم يكن بعد. ألا تراه يقول: سوفته. وكيف: على أي حالٍ وأين: أي مكان ومتى: أي حين. وأما حيث فمكانٌ بمنزلة قولك: هو في المكان الذي فيه زيد. وهذه الأسماء تكون ظروفاً. وأما خلف فمؤخر الشيء. و أمام: مقدمه. وقدام بمنزلة أمام. وفوق: أعلى الشيء. وقالوا: فوقك في العلم والعقل على نحو المثل. وهذه الأسماء تكون ظروفاً. وليس: نفيٌ. وأيٌّ: مسألةٌ ليبين لك بعض الشيء وهي تجري مجرى ما في كل شيء. ومن: مثل أيٍّ أيضاً إلا أنه للناس. وإن توكيدٌ لقوله: زيدٌ منطلقٌ. وإذا خففت فهي كذلك توكد ما يتكلم به وليثبت الكلام غير أن لام التوكيد تلزمها عوضاً مما ذهب منها. وليت: تمنٍّ. ولعل وعسى: طمعٌ وإشفاقٌ. وأما لدن فالموضع الذي هو أول الغاية وهو اسمٌ يكون ظرفاً. يدلك على أنه اسمٌ قولهم: من لدن. وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين. قال الراجز - غيلان: يستوعب البوعين من جريره من لد لحييه إلى منحوره ولدى بمنزلة عند. واعلم أن ما يكون ظرفاً بعضه أشد تمكناً في الأسماء من بعض ومنه ما لا يكون إلاظرفاً. وقد بين ذلك في موضعه. وأما قبالة فمواجهة. وأما بلى فتوجب به بعد النفي وأما نعم فعدةٌ وتصديقٌ تقول: قد كان كذا وكذا فيقول: نعم وليسا اسمين. وقبالة اسم يكون ظرفاً. فإذا استفهمت فقلت أتفعل أجبت بنعم فإذا قلت: ألست تفعل قال: بلى يجريان مجراهما قبل أن تجيء الألف. وأما بجل فبمنزلة حسب. وأما إذن فجوابٌ وجزاءٌ. وأما لما: فهي للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره وإنما تجيء بمنزلة لو لما ذكرنا فإنما هما لابتداءٍ وجوابٍ. وكذلك: لوما ولولا فهما لابتداءٍ وجوابٍ. فالأول سبب ما وقع وما لم يقع. وأما أما ففيها معنى الجزاء. كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلقٌ. ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبداً. وأما ألا فتنبيه تقول: ألا إنه ذاهبٌ. ألا: بلى. وأما كلا فردعٌ وزجرٌ. وأنى تكون في معنى كيف وأين. وإنما كتبنا من الثلاثة وما جاوزها غير المتمكن الكثير الاستعمال من الأسماء وغيرها الذي تكلم به العامة لأنه أشد تفسيراً. وكذلك الواضح عند كل أحد هو أشد تفسيراً لأنه يوضح به الأشياء فكأنه تفسير التفسير. ألا ترى أن لو أن إنساناً قال: ما معنى أيان فقلت متى كنت قد أوضحت. وإذا قال ما معنى متى قلت في أي زمان فسألك عن الواضح شق عليك أن تجيء بما توضح به الواضح. وإنما كتبنا من الثلاثة على نحو الحرف والحرفين وفيه الإشكال والنظر. باب علم حروف الزوائد


وهي عشرة أحرف: فالهمزة تزاد إذا كانت أول حرفٍ في الاسم رابعةً فصاعداً والفعل نحو أفكلٍ وأذهب. وفي الوصل في ابنٍ واضرب. والألف وهي تزاد ثانيةً في فاعلٍ ونحوه. وثالثةً في عمادٍ ونحوه. ورابعةً في عطشى ومعزى ونحوهما. وخامسةً في حلبلابٍ وجحجبى وحبنطى ونحو ذلك وستراه مبيناً في كتاب الفعل إن شاء الله. وأما الهاء فتزاد لتبين بها الحركة وقد بينا ذلك. وبعد ألف المد في الندبة والنداء نحو: واغلاماه ويا غلاماه. وقد بين أمرها. والياء وهي تكون زائدة إذا كانت أول الحرف رابعةً فصاعداً كالهمزة في الاسم والفعل نحو: يرمعٍ ويربوعٍ ويضرب. وتكون زائدة ثانيةً وثالثةً في مواضع الألف. وسنبين ذلك إن شاء الله. ورابعةً في نحو حذريةٍ وقنديلٍ. وخامسةً نحو سلحفيةٍ. وتلحق مضاعفةً كل اسم إذا أضيف نحو هي كما تلحق كل اسم إذا جمعت بالتاء الألف قبل التاء وتلحق إذا ثنيت قبل النون. وأما النون فتزاد في فعلان خامسةً ونحوه. وسادسةً في زعفرانٍ ونحوه. ورابعةً في رعشنٍ والعرضنة ونحوهما وفيما يتصرف من الأسماء وفي الفعل الذي تدخله النون الخفيفة والثقيلة وفي تفعلين وفي فعل النساء إذا جمعت نحو فعلن ويفعلن. وفي تثنية الأسماء وجمعها. وفي نفعل تكون أولاً وثانيةً في عنسلٍ وثالثةً في قلنسوةٍ. وأما التاء فتؤنث بها الجماعة نحو: منطلقات وتؤنث بها الواحدة نحو: هذه طلحةٌ ورحمةٌ وبنتٌ وأختٌ. وتلحق رابعةً نحو: سنبتةٍ. وخامسةً نحو: عفريتٍ. وسادسةً نحو: عنكبوتٍ. ورابعةًَ أولاً فصاعداً في تفعل أنت وتفعل هي. وفي الاسم كتجفافٍ وتنضبٍ وترتبٍ. وأما السين فتزاد في استفعل. وأما الميم فستزاد أولاً في مفعولٍ ومفعالٍ ومفعلٍ ومفعلٍ ومفعلٍ. وأما الواو فتزاد ثانيةً في حوقل وصومعةٍ ونحوهما. وثالثةً في قعودٍ وعجوزٍ وقسورٍ ونحوها. كما تلحق الياء في فعيل نحو: سعيدٍ وعثيرٍ. ورابعةً في بهلولٍ وقرنوةٍ. وخامسةً في قلنسوةٍ وقمحدوةٍ ونحوهما وعضرفروطٍ. كما لحقت الياء في خندريس. وتلحق الهمزة أولاً إذا سكن أول الحرف في ابنٍ وامرىءٍ واضرب ونحوهن. وهي التي تسمى ألف الوصل. باب حروف البدل


في غير أن تدغم حرفاً في حرف وترفع لسانك من موضع واحد وهي ثمانية أحرف من الحروف الأولى وثلاثةٌ من غيرها. فالهمزة تبدل من الياء والواو إذا كانتا لامين في قضاءٍ وشقاءٍ ونحوهما وإذا كانت الواو عيناً في أدؤر وأنؤر والنؤور ونحو ذلك وإذا كانت فاءً نحو: أجوهٍ وإسادةٍ وأعد. والألف تكون بدلاً من الياء والواو إذا كانتا لامين في رمى وغزا ونحوهما. وإذا كانتا عينين في قال وباع والعاب والماء ونحوهن. وإذا كانت الواو فاءً في ياجل ونحوه. والتنوين في النصب تكون بدلاً منه في الوقف والنون الخفيفة إذا كان ما قبلها مفتوحاً نحو: رأيت زيداً واضربا. وأما الهاء فتكون بدلاً من التاء التي يؤنث بها الاسم في الوقف كقولك: هذه طلحه. وقد أبدلت من الهمزة في هرقت وهمرت وهرحت الفرس تريد أرحت. وأبدلت من الياء في هذه. وذلك في كلامهم قليل. ويقال: إياك وهياك. كما أن تبيين الحركة بالألف قليل إنما جاء في: أنا وحيهلا. وأما الياء فتبدل مكان الواو فاءً وعيناً نحو قيل وميزان ومكان الواو والألف في النصب والجر في مسلمين ومسلمين. ومن الواو والألف إذا حقرت أو جمعت في بهاليل وقراطيس. وبهيليلٍ وقريطيسٍ ونحوهما من الكلام. وتبدل إذا كانت الواو عيناً نحو: ليةٍ. وتبدل في الوقف من الألف في لغة من يقول: أفعى وحبلى. وتبدل من الهمزة وقد بينا ذلك في باب الهمزة.


ومن الواو وهي عينٌ في سيدٍ ونحوه. وما أغفل من هذا الباب فسيبين في باب الفعل وقد بين. وقد تبدل من مكان الحرف المدغم نحو قيراط. ألا تراهم قالوا: قريريطٌ ودينارٍ ألا تراهم قالوا دنينيرٌ. وتبدل من الواو إذا كانت فاءً في يبجل ونحوه. وتبدل من الواو لاماً في قصيا ودنيا ونحوهما. وتبدل مكان الواو في غازٍ ونحوه وسنبين ذلك إن شاء الله. وتبدل مكانها في شقيت وغبيت ونحوهما. وأما التاء فتبدل مكان الواو فاءً في اتعد واتهم واتلج وتراث وتجاه ونحو ذلك. ومن الياء في افتعلت من يئست ونحوها. وقد أبدلت من الدال والسين في ستٍّ وهذا قليل. ومن الياء إذا كانت لاماً في أسنتوا. وذلك قليل. والطاء منها في افتعل إذا كانت بعد الضاد في افتعل نحو اضطهد. وكذلك إذا كانت بعد الصاد في مثل اصطبر. وبعد الظاء في هذا. وقد أبدلت الطاء من التاء في فعلت إذا كانت بعد هذه الحروف وهي لغة لتميمٍ قالوا: فحصط برجلك وحصط يزيدون حصت وفحصت والطاء كالصاد فيما ذكرنا. وقالوا: فزد يريدون. فزت كما قالوا: فحصط. والذال إذا كانت بعدها التاء في هذا الباب بمنزلة الزاي. ولم نذكر ما يدخل في الحرف لأنه بمنزلة ما يدخل في الحرف وهو من موضعه يعنى مثل قدت حيث تدغم الدال في التاء لأنها بمنزلة تاء أدخلت على تاء. والميم تكون بدلاً من النون في عنبرٍ وشنباء ونحوهما إذا سكنت وبعدها باءٌ. وقد أبدلت من الواو في فم وذلك قليل كما أن بدل الهمزة من الهاء بعد الألف في ماء ونحوه قليل أبدلوا الميم منها إذ كانت من حروف الزيادة كما أبدلوا التاء من الواو وأبدلوا الهمزة منها لأنها تشبه الياء. وأبدلوا الجيم من الياء المشددة في الوقف نحو علجٍ وعوفجٍ يريدون: عليٌّ وعوفيٌّ. والنون تكون بدلاً من الهمزة في فعلان فعلى وقد بين ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف كما أن الهمزة بدلٌ من ألف حمرى. وقد أبدلوا اللام من النون وذلك قليل جداً قالوا: أصيلالٌ وإنما وأما الواو فتبدل مكان الياء إذا كانت فاءً في موقنٍ وموسرٍ ونحوهما. وتبدل مكان الياء في عمٍ إذا أضفت نحو عمويٍّ وفي رحى: رحويٍّ. وتبدل مكان الهمزة وقد بينا ذلك في باب الهمز. وتبدل مكان الياء إذا كانت لاماً في شروى وتقوى ونحوهما. وإذا كانت عيناً في كوسى وطوبى ونحوهما. وتبدل مكان الألف في الوقف وذلك قول بعضهم: أفعو وحبلو كما جعل بعضهم مكانها الياء. وبعض العرب يجعل الواو والياء ثابتتين في الوصل والوقف. وتكون بدلاً من الألف في ضورب وتضورب ونحوهما. ومن الألف الثانية الزائدة إذا قلت: ضويربٌ ودوينقٌ في ضاربٍ ودانقٍ وضوارب ودوانق إذا جمعت ضاربةً ودانقاً. وتكون بدلاً من ألف التأنيث الممدودة إذا أضفت أو ثنيت وذلك قولك: حمراوان وحمراويٌّ. وتبدل مكان الياء في فتوٍّ وفتوةٍ تريد جمع الفتيان وذلك قليل. كما أبدلوا الياء مكان الواو في عتيٍّ وعصيٍّ ونحوهما. وتبدل مكان الهمزة المبدلة من الياء والواو في التثنية والإضافة. وقد بين ذلك في التثنية وهو كساوان وعطاويٌّ. وزعم الخليل أن الفتحة والكسرة والضمة زوائد وهن يلحقن الحرف ليوصل إلى التكلم به. والبناء هو الساكن الذي لا زيادة فيه. فالفتحة من الألف والكسرة من الياء والضمة من الواو. فكل واحدة شيءٌ مما ذكرت لك. باب ما بنت العرب من الأسماء


والصفات والأفعال غير المعتلة والمعتلة وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجي في كلامهم إلا نظيره من غير بابه وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل أما ما كان على ثلاثة أحرف من غير الأفعال فإنه يكون فعلاً ويكون في الأسماء والصفات. فالأسماء مثل: صفرٍ وفهدٍ وكلبٍ. والصفة نحو: صعبٍ وضخمٍ وخدلٍ. ويكون فعلاً في الأسماء والصفة. فالأسماء نحو: العكم والجذع والعذق. والصفات نحو: نقضٍ وجلفٍ ونضوٍ وهرطٍ وصنعٍ. ويكون فعلاً في الأسماء والصفة. فالأسماء نحو: البرد والقرط والحرض. وأما الصفات فنحو: العير يقال ناقة عبر أسفارٍ. ويقال رجلٌ جدٌّ أي ذو جدٍّ. والمر والحلو. ويكون فعلاً في الاسم والصفة. فالاسم نحو: جبلٍ وجملٍ وحملٍ. والصفة نحو: حدثٍ وبطلٍ وحسنٍ وعزبٍ ووقلٍ. ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: كتف وكبد وفخذ. والصفات نحو: حذرٍ ووجعٍ ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: رجلٍ وسبعٍ وعضدٍ وضبعٍ. والصفة نحو: حدثٍ وحذر وخلطٍ وندسٍ. ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: صردٍ ونغر وربعٍ. والصفة نحو: حطم ولبدٍ. قال الله عز وجل: " أهلكت مالاً لبداً ". ورجلٌ ختعٌ وسكعٌ. ويكون فعلاً فيهما. فالاسم: الطنب والعنق والعضد والجمد. والصفة: الجنب والاجد ونضدٌ ونكرٌ. قال سبحانه: " إلى شيء نكرٍ ". والأنف والسجح. قال: مشيةً سجحاً ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: الضلع والعوض والصغر والعنب. ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف من المعتل يوصف به الجماع وذلك قولهم: قومٌ عدى. ولم يكسر على عدى واحدٌ ولكنه بمنزلة السفر والركب. ويكون فعلا في الاسم نحو: إبلٍ. وهو قليل لا نعلم في الأسماء والصفات غيره. واعلم أنه ليس في الأسماء والصفات فعل ولا يكون إلا في الفعل وليس في الكلام فعل. من بنات الثلاثة من غير الفعل فالهمزة تلحق أولاً فيكون الحرف على أفعلٍ ويكون للاسم والصفة. فالاسم نحو: أفكلٍ وأيدعٍ وأجدلٍ. والصفة نحو: أبيض وأسود وأحمر. ويكون على إفعل نحو: إثمدٍ وإصبعٍ وإجردٍ. ولا نعلمه جاء صفة. ويكون على إفعلٍ نحو: إصبعٍ وإبرم وإبين وإشفى وإنفحة. ولا نعلمه جاء صفة. ويكون على أفعلٍ وهو قليل نحو: أصبعٍ. ولا نعلمه جاء صفة. ويكون أفعلاً وهو قليل نحو: أبلم وأصبعٍ. ولا نعلمه جاء صفة. ولا يكون في الأسماء والصفات أفعلٌ إلا أن يكسر عليه الاسم للجمع نحو أكلبٍ وأعبدٍ. وليس في شيء من الأسماء والصفات أفعلٌ وليس في الكلام إفعل. ويكون على إفعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الإعطاء والإسلام والإعصار وإسنامٍ وهو شجر والإمخاض. وأما الصفة فنحو: الإسكاف. وهو في الصفة قليل ولا نعلمه جاء غير هذا. ويكون على أفعالٍ نحو الأسحار. ولا نعلمه جاء اسماً ولا صفةً غير هذا. ويكون على إفعيل في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: إخريطٍ وإسليح وإكليل. والصفة نحو: إصليتٍ وإجفيل وإخليج. والإخليج: الناقة المختلجة من أمها. ويكون على أفعول فيهما. فالأسماء نحو: أسلوبٍ والأخدود وأركوبٍ. والصفة نحو: أملودٍ وأسكوبٍ وأثعوبٍ. وقال الشاعر: برق يضيء أمام البيت أسكوب وأفنونٍ. ويكون على أفاعلٍ فيهما. فالأسماء نحو: أدابر وأجارد وأحامر. وهو في الصفة قليل قالوا: رجل أباترٌ وهو القاطع لرحمه. ولا نعلمه جاء وصفاً إلا هذا. ويكون على إفعولٍ فيهما. فالأسماء قالوا: الإدرون يريدون الدرن. وأما ما جاء صفة فالإسحوف قالوا: إنها لإسحوف الأحاليل. والإزمول وإنما يريدون الذي يزمل. قال الشاعر وهو ابن مقبل يصف وعلاً: عوداً أحم القرا إزمولةً وقلاً ** يأتي تراث أبيه يتبع القذفا وإنما لحقت الهاء كما تقول نسابةٌ للنساب. وليست الهاء من البناء في شيء إنما تلحق بعد البناء. وقد بينا ذلك فيما مضى. وليس في الكلام أفعيل ولا أفعول ولا أفعال ولا أفعيل ولا أفعال إلا أن تكسر عليه اسماً للجمع. ولا أفاعل ولا أفاعليل إلا للجمع نحو أجادل وأقاطيع. ويكون على أفنعل في الاسم والصفة وهو قليل. فالاسم نحو: ألنججٍ وأبنيمٍ. والصفة نحو: ألنددٍ وهو من اللدد. وقال الشاعر الطرماح: خصمٌ أبر على الخصوم ألندد , وهذا في الاسم والصفة قليل ولا نعلم إلا هذين. ويكون على إفعيلى نحو: إهجيرى وإجريا وهما اسمان ولا نعلم غيرهما. ويكون على أفعلى وهو قليل ولا نعلم إلا أجفلى. ويكون على أفعلةٍ وهو قليل نحو: أسكفةٍ وأترجٍ وأسطمةٍ وهي أسماءٌ. ويكون على إفعل فيهما. قالوا: إرزبٌّ وإزفلةٌ وهو اسم. وإرزبٌّ صفة. ويكون على إفعلى قالوا: إيحلى وهو اسم. ويكون على إنفعلٍ قالوا: إنقحلٌ في الوصف لا غير. ويكون على أفعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم: أفعوانٌ والأرجوان والأقحوان. والصفة نحو: الأسحلان والألعبان. ويكون على إفعلانٍ في الاسم والصفة وهو قليل. فما جاء في الاسم فنحو: الإسحمان: جبل بعينه والإمدان. وأما الصفة فقولهم: ليلةٌ إضحيانة. وهو قليل لا نعلم إلا هذا. ويكون على أفعلانٍ وهو قليل لا نعلمه جاء إلا أنبجانٌ وهو صفة يقال عجينٌ أنبجانٌ. وأرونانٌ وهو وصف قال النابغة الجعدي: فظل لنسوة النعمان منا على سفوان يومٌ أرونان ويكون على إفعلاء ولا نعلمه جاء إلا في الإربعاء وهو اسم. وكذلك أفعلاء ولا نعلمه جاء إلا في الأربعاء. وأما الأفعلاء مكسراً عليه الواحد للجمع فكثيرٌ نحو: أنصباء وأصدقاء وأصفياء. ولا نعلم في الكلام إفعلان ولا أفعلان ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وتلحق الهمزة غير أول وذلك قليل فيكون الحرف على فعلى وذلك نحو: ضهيا صفة وضهيا اسم. وعلى فعائلٍ نحو: حطائطٍ وجرائضٍ. وفعأل وفأعلٍ قالوا: شمألٌ وشأمل وهو اسم. وأما الألف فتلحق ثانيةً ويكون الحرف على فاعل في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: كاهلٍ وغاربٍ وساعدٍ. والصفة نحو: ضاربٍ وقاتلٍ وجالسٍ. ويكون فاعلاً نحو: طابقٍ وخاتمٍ ولا نعلمه صفة. وليس في كلام العرب فاعلٌ. وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعالٍ في الاسم والصفة فالاسم نحو: قذالٍ وغزالٍ وزمانٍ. والصفة نحو: جمادٍ وجبانٍ وصناعٍ. ويكون على فعالٍ فيهما. فالأسماء نحو: حمارٍ وإكاف وركابٍ والصفة: كنازٌ وضناكٌ ودلاثٌ. ويكون على فعال فيهما. فالأسماء نحو: غرابٍ وغلامٍ وقرادٍ وفؤادٍ. والصفة نحو: شجاعٍ وطوالٍ وخفاف. وقد بين ما لحقته ثالثة فيما أوله الهمزة مزيدةً. فهذا لحاقها بلا زيادة غيرها ثانيةً وثالثة. وتلحق رابعة مع غيرها من الزوائد وثالثة وثانية كما لحقت الهمزة مع غيرها من الزوائد. فأما ما لحقته من ذلك ثانية فيكون على فاعولٍ في الاسم والصفة. فأما الصفة فنحو: حاطوم يقال ماء حاطومٌ وسيلٌ جاروف وماءٌ فاتورٌ. والأسماء: عاقولٌ وناموسٌ وعاطوسٌ وطاووسٌ. ويكون على فاعالٍ في الأسماء وهو قليل نحو: ساباطٍ وخاتامٍ وداناقٍ للدانق. والخاتم ولا نعلمه جاء صفة. ويكون على فاعلاء في الأسماء نحو: القاصعاء والنافقاء والسابياء. ولا نعلمه جاء صفة. ويكون على فاعولاء في الأسماء. وذلك: عاشوراء. وهو قليل ولا نعلمه جاء وصفاً. وليس في الكلام فاعيلٌ ولا فاعيلٌ ولا فاعولٌ ولا فاعلاء ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره. وأما ما لحقته من ذلك ثالثة فيكون على مفاعل في الصفة نحو: مقاتل ومسافر ومجاهدٍ. ولا نعلمه جاء اسماً. وقد يختصون الصفة بالبناء دون الاسم والاسم دون الصفة ويكون البناء في أحدهما أكثر منه في الآخر يعني في مثل: إمخاضٍ وإسلامٍ وهو في المصادر أكثر. وإنما جاء صفة في موضع واحد قالوا: إسكاف. وأفعلٌ نحو: أحمر وأصفر هو في الصفة أكثر منه في الاسم. وقالوا: أفكلٌ وأيدعٌ. فكل واحد منهما يعوض إذا اختص أو كثر فيه البناء لما قل فيه من غير ذلك من الأبنية ولما صرف عنه من الأبنية. وقد كتب بعض ما اختص به أحدهما دون الآخر. وسنكتب البقية إن شاء الله. ويكون على مفاعل ومفاعيل في الاسم والصفة ولا يكون هذا وما جاء على مثاله إلا مكسراً عليه الواحد للجمع. فما كان منه في الاسم فنحو: مساجد ومنابر ومقابر ومفاتيح ومخاريق. وأما الصفة فنحو: مداعس ومطافل ومكاسب ومقاول ومكاسيب ومكاريم ومناسيب. ويكون على فواعل في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حوائط وحواجز وجوائز وتوابل. والصفة نحو: حواسر وضوارب وقواتل وتكون الأسماء على فواعيل نحو: خواتيم وسوابيط وقوارير. ولا نعلمه جاء في الصفة كما لا يجيء واحده في الصفة. ويكون على فعاعيل فيهما. فالأسماء نحو: السلاليم والبلاليط والبلاليق. والصفة نحو: العواوير والجبابير. ويكون على فعاعل نحو: السلالم والذرارح والزرارق. ولا يستنكر أن يكون هذا في الصفة لأن في الصفة مثل زرقٍ وحولٍ فكما قالوا عواوير فجعلوه كالكلاب حين قالوا كلاليب كذلك يجعل هذا. ويكون على فعالى مبدلةً الياء فيهما. فالأسماء نحو: صحارى وذفارى وزرافى يريدون الزرافات. وأما الصفة فكسالى وحبالى وسكارى. ويكون غير مبدلةٍ الياء فيهما. فالاسم نحو: صحارٍ وذفار وفيافٍ. والصفات نحو: عذار وسعالٍ وعفار. ويكون على فعالى لهما. فالاسم نحو: بخاتي وقماري ودباسي. والصفة نحو: الحوالي والدراري. ويكون على فعاليل لهما. فالاسم نحو: الظنابيب والفساطيط والجلابيب. والصفة نحو: الشماليل والرعاديد والبهاليل. ويكون على فعالل لهما. فالاسم نحو: القرادد. والصفة نحو: الرعابب والقعادد. ويكون على فعالين في الاسم نحو سراحين وضباعين وفرازين وقرابين. ولا نعلمه جاء في الصفة. ويكون على فعالن نحو: رعاشن وعلاجن وضيافن. هذا في الصفة وقد جاء في الأسماء قالوا: فراسن. ويكون على فعاول فيهما. فالاسم نحو: جداول وجراول. والصفة نحو: القساور والحشاور. ويكون على فعايل غير مهموز. فالاسم نحو: العثاير والحثايل إذا جمعت الحثيل والعثير. ولا نعلمه جاء في الصفة كما لم يجيء واحده. ويكون على فعائل فيهما. فالأسماء نحو: غرائر ورسائل. والصفة نحو: ظرائف وصحائح وصبائح. ويكون على فياعل فيهما. فالاسم نحو: غيلم وغيالم وغيطلٍ وغياطل والدياسق. والصفة ويكون على فياعيل فيهما. فالأسماء نحو: الدياميس والدياميم. والصفة نحو: الضياريف والبياطير. ويكون على تفاعيل. فالأسماء نحو: التجافيف والتماثيل. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على تفاعل. فالاسم نحو: التتافل والتناضب. ولا نعلمه جاء في الوصف. ويكون على يفاعيل. فالاسم نحو: يرابيع ويعاقيب ويعاسيب. والصفة نحو: اليحاميم واليخاضير. وصفوا باليخضور كما وصفوا باليحموم. قال الراجز: عيدان شطي دجلة اليخضور ويكون على يفاعل نحو: اليحامد واليرامع. وهذا قليل ف يالكلام ولم يجىء صفة. ويكون على فعاويل وصفاً نحو: القراويح والجلاويخ وهي العظام من الأودية. ولا نعلمه جاء اسماً. ويكون على فعاييل نحو: كراييس. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعاليت في الكلام وهو قليل نحو: عفاريت وهو وصف. ويكون على فناعل فيهما. فالأسماء نحو: جنادب وخنافس وعناظب وعناكب. والصفة: عنابس وعناسل. فجميع ما ذكرت لك من هذا المثال الذي لحقته الألف ثالثةً لا يكون إلا للجمع ولا تلحقه ثالثة في هذا المثال إلا بثبات زيادة قد كانت في الواحد قبل أن يكسر أو زيادتين كانتا في الاسم قبل أن يكسر إذا كانت إحداهما رابعة حرف لين. فإن لم تكن إحداهما رابعة حرف لين لم تثبت إلا زيادة واحدة إلا أن يلحق إذا جمع حرف اللين فإنهم قد يلحقون حرف اللين إذا جمعوا وإن لم يكن ثابتاً رابعاً في الواحد. وقد بينا ما جاء من هذا المثال والهمزة في أوله مزيدةٌ في باب ما الهمزة في أوله زائدة. وليس شيءٌ عدته أربعة أو خمسة يكسر بعدته يخرج من مثال مفاعل ومفاعيل. فمن ثم جعلنا حبالى الألف فيه مبدلةً من الياء كبدلها من ياء مدارى. وقد قال بعض العرب: بخاتي كما قالوا: مهاري حذفوا كما حذفوا أثافي ثم أبدلوا كما أبدلوا صحاري. ويكون فعالى في الاسم نحو: حبارى وسمانى ولبادى. ولا يكون وصفاً إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: عجالى وسكارى وكسالى. ويكون على فعاعيلٍ وهو قليلٌ في الكلام قالوا: ماءٌ سخاخينٌ صفة. ولا نعلم في الكلام غيره. ويكون على فعالاء نحو: ثلاثاء وبراكاء وعجاساء أي تقاعس. وقد جاء وصفاً قالوا: رجلٌ عياياء طباقاء. ويكون على فعالانٍ نحو: سلامانٍ وحماطان. وهو قليلٌ ولم يجىء صفة. ويكون على فواعلٍ فيهما. فالاسم: صواعقٌ وعوارضٌ. وأما الصفة فدواسرٌ أي شديد. قال: والرأس من ثغامة الدواسر ويكون على فعالةٍ نحو: الزعارة والحمارة والعبالة. ولم يجىء صفة. ويكون على فعاليةٍ فيهما فالاسم نحو: الهبارية والصراحية. والصفة نحو: العفارية والقراسية. والهاء لازمة لفعالية. ويكون على فعاليةٍ فيهما فالاسم نحو: الكراهية والرفاهية والصفة نحو: العباقية وحزابيةٍ. والهاء لازمة لفعالية. وليس في الكلام شيءٌ على فعالى ولا فعالى إلا للجمع ولا شيءٌ من هذا لم نذكره. يعني أن فعالى ليس في الكلام البتة. وتلحق رابعةً لا زيادة في الحرف غيرها لغير التأنيث فيكون على فعلى نحو: علقى وتترى ويكون على فعلى نحو: ذفرى ومعزى ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا يكون فعلى والألف لغير التأنيث إلا أن بعضهم قال: بهماةٌ واحدةٌ وليس هذا بالمعروف كما قالوا: فعلاةٌ بالهاء صفةً نحو: امرأةٍ سعلاةٍ ورجلٍ عزهاةٍ. وتلحق الألف رابعةً للتأنيث فيكون على فعلى فيهما. فالاسم: سلمى وعلقى ورضوى. والصفة: عبرى وعطشى. ويكون على فعلى في الأسماء نحو: ذفرى وذكرى. ولم يجىء صفة إلا بالهاء. ويكون على فعلى فيهما. فالاسم نحو: البهمى والحمى والرؤيا. والصفة نحو: حبلى وأنثى. ويكون على فعلى فيهما. فالاسم: قلهى وهي أرض وأجلى ودقرى ونملى. والصفة: جمزى وبشكى ومرطى. ويكون على فعلى وهو قليل في الكلام نحو: شعبى والأربى والأدمى أسماء. وقد بين ما جاءت فيه للتأنيث فيما الهمزة في أوله مزيدةٌ وفيما لحقته الألف ثانية أو ثالثة مزيدةً فيما ذكرت لك من أبنيتهن أيضاً. وبعض العرب يقول: صورى وقلهى وضفوى فيجعلها ياءً كأنهم وافقو الذين يقولون أفعى وهم ناس من قيسٍ وأهل الحجاز. وتلحق رابعة وفي الحروف زائدةٌ غيرها وتكون الحروف على فعلالٍ في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: جلبابٍ وقرطاطٍ وسندادٍ. والصفة نحو: شملالٍ وطملالٍ وصفتاتٍ. ويكون على فعلالٍ اسماً نحو: قرطاطٍ وفسطاطٍ وهو قليلٌ في الكلام ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على مفعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: منقارٍ ومصباح ومحرابٍ. والصفة نحو: مفسادٍ ومضحاكٍ ومصلاحٍ. ويكون على تفعالٍ في الاسم نحو: تجفافٍ وتمثالٍ وتلقاءٍ وتبيانٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. وليس في الكلام مفعالٌ ولا فعلالٌ ولا تفعالٌ إلا مصدراً كما أن أفعالاً لا يكون إلا جماعاً. وذلك نحو: الترداد والتقتال. وقد بين ما جاءت فيه رابعة فيما الهمزة في أوله مزيدةٌ أيضاً فيما ذكر من أبنيتها وفيما لحقته الألف ثانية. ويكون على فعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الكلاء والقذاف والجبان. والصفة نحو: شرابٍ ولباسٍ وركابٍ. ويكون على فعالٍ فيهما. فالاسم: خطافٌ وكلابٌ ونسافٌ. والصفة نحو: حسانٍ وعوارٍ وكرامٍ. ويكون على فعالٍ اسماً نحو: الحناء والقثاء والكذاب. ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث. ويكون على فعلاء اسماً نحو: علباء وخرشاء وحرباء. ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث. ولا يكون على فعلاء في الكلام إلا وآخره علامة التأنيث. وقد يكون على فعلاء في الكلام وهو قليل نحو قوباء وهو اسم. ويكون على فعلاء في الاسم والصفة. فالاسم: نحو طرفاء وحلفاء وقصباء. والصفة نحو: خضراء وسوداء وصفراء وحمراء. ويكون على فعالى في الأسماء نحو: خضارى وشقارى وحوارى. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعلاء فيهما. فالاسم نحو: القوباء والرخصاء والخيلاء. والصفة نحو: العشراء والنفساء. وهو كثير إذا كسر عليه الواحد في الجمع نحو: الخلفاء والحلفاء والحنفاء. ويكون على فعلاء في الاسم. وهو قليل في الكلام نحو: الخيلاء والسيراء. ولا نعلمه جاء وصفاً. على قرماء عاليةً شواه كأن بياض غرته خمار وقال: رحلت إليك من جنفاء حتى أنحت فناء بيتك بالمطالي ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فوعالٍ وهو قليل في الكلام وهو طومارٌ وسولافٌ اسم أرض. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعلانٍ فيهما. فالأسماء نحو: السعدان والضمران والصفة نحو: الريان والعطشان والشبعان. ويكون على فعلانٍ فيهما. فالأسماء نحو: الكروان والورشان والعلجان. والصفة نحو: الصميان والقطوان والزفيان. ويكون على فعلانٍ فيهما. فالاسم نحو: عثمان ودكانٍ وذبيان. وهو كثير في أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: جربانٍ وقضبانٍ والصفة نحو: عريانٍ وخمصانٍ. ويكون على فعلان اسماً نحو: ضبعانٍ وسرحانٍ وإنسان. وهو كثير فيما يكسر عليه الواحد للجمع نحو: غلمانٍ وصبيانٍ. ويكون على فعلانٍ في الأسماء. وهو قليل نحو: الظربان والقطران والشقران ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعلانٍ وهو قليل قالوا: السبعان وهو اسم بلد قال ابن مقبل: ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان ولا نعلم في الكلام فعلان ولا فعلان ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره ولكنه قد جاء فعلانٌ وهو قليل قالوا: السلطان وهو اسم. ويكون على فعوالٍ في الصفة نحو: جلواخٍ وقرواحٍ ودرواسٍ. ويكون اسماً نحو: عصوادٍ وقرواشٍ. ويكون على فعيالٍ في الاسم نحو: جريال وكرياسٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فيعالٍ فيهما. فالأسماء نحو: الخيتام والديماس والشيطان. والصفة نحو: البيطار والغيداق والقيام. ويكون على فعوالٍ وهو قليل قالوا: عصوادٌ وهو اسم. ومثله عنوانٌ وعتوارةٌ. ولا نعلم في الكلام فعوالاً ولا فعيالاً ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره ولكن يفعال نحو ديماسٍ وديوانٍ. ولا نعلمه صفة. ويكون على فوعالٍ وهو قليل. قالوا: تواربٌ وهو اسم للتراب وفنعالٌ نحو قنعاسٍ نعتٌ وفعنالٍ نحو فرناسٍ نعتٌ. وتلحق خامسة مع زيادة غيرها لغير التأنيث ولا تلحق خامسة في بنات الثلاثة إلا مع غيرها من الزوائد لأن بنات الثلاثة لا تصير عدة الحروف أربعة إلا بزيادة لأنك تريد أن تجاوز الأصل فيكون الحرف على فعنلى في الاسم والصفة. فالاسم نحو: القرنبى والعلندى. والوصف: الحبنطى والسبندى والسرندى. ويكون على فعلنى وهو قليل قالوا: عفرىً وهو وصف. وقد قال بعضهم: جملٌ علدني فجعلها فعلنى. وقالوا: علادى نحو حبارى فجعله فعالى وهو قليل. ولا نعلم في الكلام فعنلىً ولا فعنلىً ولا نحو هذا مما لم نذكره ولكن فنعلاء قليل قالوا: عنصلاء وهو اسم. وفنعلاء قليل قالوا: حنفساء وعنصلاء وحنظباء وهي أسماء. ويكون على فوعلاء وهو قليل قالوا: حوصلاء وهو اسم. وتلحق خامسة للتأنيث فيكون الحرف على فعلى. فالاسم نحو: الزمكى والجرشى والعبدى. والوصف نحو: الكمرى. قال الراجز: قد أرسلتفي عيرها الكمرى ويكون على فعلنى وهو قليل. قالوا: العرضنى وهو اسم. ويكون على فعلى وهو قليل. قالوا: عرضى وهو اسم وعلى فعلى وهو قليل قالوا: دفقى وهو اسم. ويكون على فعنلى وهو قليل. قالوا جلندى وهو اسم. ويكون على فيعلى وهو قليل قالوا: الخيزلى وهو اسم. ويكون على فوعلى وهو اسم قالوا: الخوزلى. وعلى فعنلى قالوا: بلنصى اسم طائر. ولا نعلم في الكلام فعلى ولا فعلى ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره ولكن على فعلى قالوا: حذرى ونذرى وهو اسم. وقد بينا ما لحقته الألف رابعةً ببنائه مما جاء فيهما وفيما الهمزة أوله مزيدةٌ وفيما لحقته الألف ثالثة. ويكون على فيعلان في الاسم والصفة فالاسم نحو: الضيمران والأيهقان والريبذان وحيسمان والخيزران والهيردان. والصفة نحو قولهم: كيذبانٌ وهيثمانٌ. ويكون على فيعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم: قيقبانٌ وسيسبانٌ. والصفة: الهيبان والتيجان. ولا نعلم في الكلام فيعلان في غير المعتل. وقد بين مجيئها خامسةً فيما الهمزة أوله مزيدةٌ ببنائه. ويكون على فعلوانٍ في الاسم نحو: العنظوان والعنفوان. ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الكلام فعلوان. ويكون على فعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الحومان. والصفة نحو: عمدانٍ والجلبان. ويكون على فعلانٍ في الاسم نحو: فركانٍ وعرفانٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على مفعلان نحو: مكرمان وملأمان وملكعاز معارف ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعلياء في الاسم والصفة وهو قليل. فالاسم نحو: كبرياء وسيمياء. والصفة نحو: جربياء. ويكون على فعولاء في الاسم وهو قليل نحو: دبوقاء وبروكاء وجلولاء. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعولى. قالوا: عشورى وهو اسم. ولا نعلم في الكلام فعلياً ولا فعلولى ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره ولا فعيلى. ويكون على فعلعالٍ فيهما. فالاسم نحو: الحلبلاب. والصفة نحو: السرطراط. ويكون على فعنلالٍ وهو قليل. قالوا: الفرنداد وهو اسم. وقد بينا ما لحقته خامسةً لغير التأنيث فيما مضى بتمثيل بنائه. ويكون على فعلانٍ وهو قليلٌ جداً. قالوا: قمحانٌ وهو اسم. ولم يجىء صفة. وجاء على فعلى وهو قليل. قالوا: السمهى وهو اسم والبدري وهو اسم ولا نعلمه وصفاً. ويكون على فوعلانٍ وهو قليل قالوا: حوتنان وحوفزانٌ وهو اسم. ولم يجىء صفة. ويكون على مفعلاء قالوا: مرعزاء وهو قليل. ويكون على فعلانٍ قالوا: تئفانٌ وهو اسم ولم يجىء صفة. تلحق سادسة للتأنيث فيكون الحرف على فعيلى في المصادر من الأسماء نحو: هجيرى وقتيتى وهي النميمة وحثيثى من الاحتثاث. ولا نعلمه جاء وصفاً ولا اسماً في غير المصدر. ويكون على مفعولاء في الاسم والصفة. فالاسم نحو: معيوراء. والصفة نحو: المعلوجاء والمشيوخاء. ويكون على فعيلى في الاسم نحو: لغيزى وبقيرى وخليطى. ولا نعلمه جاء وصفاً. وقد بينا ما لحقته سادسة للتأنيث ببنائه فيما مضى من الفصول ولغير التأنيث. وأقصى ما تلحق للتأنيث سابعة في معيوراء وعاشوراء. وأقصى ما تلحق لغير التأنيث سادسةً نحو الألف السادسة في معيوراء واشهيبابٍ. وسنذكر الاشهيباب ونحوه في موضعه إن ويكون على يفعلى وهو قليل. قالوا: يهيرى وهو الباطل وهو اسم. ويكون على فعليا وهو قليل. قالوا: المرحيا وهو اسم وبرديا وهو اسم وقلهيا وهو اسم أيضاً. ويكون على فعلوتى وهو قليل قالوا: رغبوتى ورهبوتى وهما اسمان. ويكون على مفعلى وهو قليل قالوا: مكورى وهو صفة. ويكون على مفعلى نحو: مرعزى وهو اسم. وأما الياء فتلحق أولاً فيكون الحرف على يفعلٍ في الأسماء نحو اليرمع واليعمل واليلمق ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الأسماء والصفة على يفعلٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على يفعولٍ في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: يربوع ويعقوب ويعسوب. والصفة نحو: اليحموم واليخضور واليرقوع. ويكون على يفعيلٍ في الأسماء نحو: يقطينٍ ويعضيدٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. وليس في الكلام يفعالٌ ولا يفعولٌ. فأما قول العرب في اليسروع يسروعٌ فإنما ضموا الياء لضمة الراء كما قيل أستضعف لضمة التاء وأشباه ذلك من هذا النحو. ومن ذلك قول ناسٍ كثير في يعفر: يعفر. ويقوى هذا أنه ليس في الكلام يفعل ولا يفعول. ويكون على يفنعلٍ وهو قليل قالوا: يلنددٌ وهو صفة ويلنججٌ وهو اسم. وقد بين ما لحقته أولاً ببنائه. وتلحق ثانية فيكون الحرف على فيعلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: زينبٍ وخيعلٍ وغيلمٍ وجيألٍ. والصفة نحو: الضيغم والصيرف والخيفق. والخيفق: السريعة من خفقان الريح. والجيأل: الضبع. وعيلم. ولا نعلم في الكلام فيعل ولا فيعل في غير المعتل. وقد بينا لحاقها ثانية فيما لحقته الألف رابعة وخامسة وغيره فيما مضى بتمثيل بنائه. ويكون على فيعولٍ في الاسم والصفة فالاسم نحو: قيصومٍ والخيشوم والحيزوم. والصفة نحو: عيثومٍ وقيومٍ وديمومٍ. قال الشاعر: قد عرصت دويةٌ ديموم, وقال علقمة بن عبدة: يهدي بها أكلف الخدين مختبرٌ من الجمال كثير اللحم عيثوم ويكون على فيعلٍ في الصفة قالوا: حيفسٌ وصيهمٌ ولا نعلمه جاء اسماً. وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعيل في الاسم والصفة. فالاسم: بعيرٌ وقضيبٌ. والصفة: سعيدٌ وشديدٌ وظريفٌ وعريفٌ. ويكون على فعيلٍ فالاسم نحو عثيرٍ وحمير وحثيلٍ وقد جاء صفةً قالوا: رجلٌ طريمٌ أي طويل ولا نعلم في الكلام فعيل اسماً ولا صفة ولا فعيل ولا فعيل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على فعيللٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حفيللٍ. والصفة نحو: خفيددٍ وهو قليل. ويكون على فعيلٍ في الوصف وذلك نحو: هبيخ والهبيغ. ولا نعلمه جاء اسماً ولا نعلم في الكلام فعيل ولا فعيلل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على فعيعل نحو: خفيفدٍ وهو صفة. ويكون على فعيول فيهما وهو قليل. فالاسم نحو: كديون وذهيوطٍ. والصفة نحو: عذيوط. وقد بينا لحاقها ثالثة فيما مضى من الفصول بتمثيل بناء ما هي فيه. ويكون على فعيلٍ نحو عليبٍ وهو اسم واد. وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعليةٍ. فالأسماء نحو: حذريةٍ وهبريةٍ. والصفة نحو: الزبنية والعفرية والهاء لازمة لفعلية فيهما كما لزمت فعالية. وليس في الكلام فعلى ولا فعلى ولا فعلى إلا بالهاء. ويكون على فعيلٍ فيهما. فالاسم نحو: السكين والبطيخ. والصفة نحو: الشريب والفسيق. ولا يكون في الكلام فعيلٌ. ويكون على فعيل وهو قليل في الكلام قالوا المريق حدثنا أبو الخطاب عن العرب. وقالوا: كوكبٌ دريءٌ وهو صفة. ويكون على فعيلٍ فيهما. فالاسم: العليق والقبيط والدميص. والصفة: الزميل والسكيت والسريط. وليس في الكلام فعيل. ويكون على مفعيل. فالاسم نحو: منديل ومشريقٍ. والصفة: منطيقٌ ومسكينٌ ومحضيرٍ. ولا نعلم في الكلام مفعيل ولا مفعيلٌ ولا مفعيل. ويكون على فعليلٍ فيهما. فالاسم: حلتيت وخنزيرٌ وخنذيذٌ. والصفة: صهميمٌ وصنديدٌ وشمليلٌ. وليس في الكلام فعليلٌ ولا فعليلٌ. ويكون على فعليتٍ نحو: عفريت وهو صفة وعزويت وهو اسم. وليس في الكلام فعليت ولا فعليت ولا فعليل ولا شيء من هذا النحو لم نذكره. وقد بينا ما لحقته رابعة فيما مضى من الفصول بتمثيل بنائه. ويكون على فعلينٍ وهو قليل قالوا: غسلينٌ وهو اسم. ويكون على فعليلٍ نحو: حمصيص. وقد جاء صفةً: صمكيكٌ. وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعلنية نحو: بلهنية وهو اسم. والهاء لازمة كلزومها فعليةً. ويكون على فعنليةٍ وهو قليل قالوا: قلنسيةٌ وهو اسم والهاء لا تفارقه. ويكون على فعفعيل قالوا: مرمريسٌ. وقد بينا لحاقها خامصة فيما مضى بتمثيل بناء ما لحقته. ويكون على فنعليل وهو قليل قالوا: خنفقيقٌ وهو صفة وخنشليل. وأما النون فتلحق ثانية فيكون الحرف على فنعل في الأسماء وذلك: قنبرٌ وعنطب وعنصل. ولا نعلمه صفة. ويكون على فنعلٍ وهو قليل قالوا: جندبٌ وهو اسم. ويكون على فنعلٍ قالوا: عنسل وعنبس وهما صفة. ويكون على فنعلوٍ في الصفة قالوا: حنظأوٌ وكندأوٌ وسندأوٌ وقندأوٌ. والكندأو: الجمل الغليظ الشديد. ولا نعلمه جاء اسماً وتلحق رابعة فيكون على فعلن في الصفة قالوا: رعشنٌ وضيفنٌ وعلجنٌ. ولا نعلمه جاء اسماً. ويكون على فعلنٍ وهو قليل قالوا: فرسنٌ. وليس في الكلام فعلنٌ ولا فعلنٌ ولا شيء من هذا النحو لم نذكره. وقد بينا ما لحقته رابعة فيما مضى من الفصول بتمثيل بنائه. وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعنعلٍ في الاسم نحو: عقنقل وعصنصرٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعنللٍ في الصفة نحو: ضفنددٍ وعفنججٍ. ولا نعلم فعنللٍ اسماً. ويكون على فعنلٍ وهو قليل. قالوا: عرندٌ للشديد وهو صفة. ويكون على فعنلةٍ قالوا: جرنبةٌ وهو اسم. وأما التاء فتلحق أولاً فيكون الحرف على تفعلٍ في الأسماء نحو: تنضبٍ وتتفلٍ والتضرة والتسرة. ويكون على تفعلٍ في الأسماء نحو: تدرإ وترتبٍ وتتفل وقال بعضهم: أمرٌ ترتبٌ فجعله وصفاً. وتحلبةٌ صفة. ويكون على تفعلٍ وهو قليل قالوا تتفلٌ وهو اسم. وقالوا: التقدمة اسم. وقالوا: التحلبة وهي صفة. ويكون على تفعلٍ وهو قليل قالوا: تحلىءٌ وهو اسم. وقالوا: التقدمة اسم وقالوا: التحلبة وهي صفة. ويكون على تفعلةٍ وهو قليل قالوا: تتفلةٌ. ويكون على تفعلوتٍ وهو قليل قالوا: ترنموتٌ وهو اسم. ويكون على تفعيلٍ في الأسماء نحو التمتين والتنبيت ولا نعلمه جاء وصفاً ولكنه يكون صفةً على تفعيلةٍ وهو قليلٌ في الكلام قالوا ترعيةٌ وقد كسر بعضهم التاء كما ضموا الياء في يسروعٍ. وهو وصف لا يجيء بغير الهاء. ويكون على تفعولٍ في الاسم نحو: تعضوضٍ والتخموت والتذنوب. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على تفعلةٍ نحو: تدورة وتنهيةٍ وتوديةٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على تفعولٍ وهو قليل قالوا: تؤثورٌ وهو اسم. ويكون على تفعلةٍ وهو قليل قالوا: تحلبةٌ وهي الغزيرة التي تحلب ولم تلد وهي صفة. ويكون على تفعلة قالوا تحلبةٌ وهي صفة. ويكون على التفعل وهو قليل قالوا: التهبط وهو اسم. ويكون على التفعل وهو قليل قالوا: تبشرٌ وهو اسم. وقالوا التفعل في الأسماء غير المصادر وتلحق رابعة فيكون على فعلتة قالوا: سنبتة وهو اسم. وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعلوتٍ في الأسماء قالوا: رغبوتٌ ورهبوتٌ وجبروتٌ وملكوتٌ. وقد جاء وصفاً قالوا: رجلٌ خلبوتٌ وناقةٌ تربوتٌ وهي الخيار الفارهة. وقد بين لحاقها للتأنيث وقد بين ما لحقته أولاً خامسةً فيما مضى وسادسةً في ترنموتٍ وهو ترنم القوس. ولا نعلم في الكلام تفعل ولا تفعل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وأما الميم فتلحق أولاً فيكون الحرف على مفعولٍ نحو: مضروبٍ. ولا نعلمه جاء اسماً. ويكون على مفعلٍ في الأسماء والصفات. فالأسماء نحو: المحلب والمقتل. والصفة: نحو المشتى والمولى والمقنع. ويكون على مفعلٍ فيهما فالأسماء نحو: المنبر ومرفق والصفة نحو: مدعسٍ ومطعن. ويكون على مفعلٍ في الأسماء نحو: المجلس والمسجد. وهو في الصفة قليلٌ قالوا: منكبٌ. ويكون على مفعلٍ نحو: مصحفٍ ومخدعٍ وموسىً. ولم يكثر هذا في كلامهم اسماً وهو في الوصف كثير. والصفة قولهم: مكرمٌ ومدخلٌ ومعطىً. ويكون على مفعلٍ نحو: منخلٍ ومسعطٍ ومدقٍّ ومنصلٍ. ولا نعلمه صفة. ويكون على مفعل بالهاء في الأسماء نحو: مزرعةٍ والمشرقة ومقبرةٍ. ولا نعلمه صفة. وليس في الكلام مفعل بغير الهاء ولكن مفعل قالوا: منخرٌ وهو اسم. فأما منتنٌ ومغيرةٌ فإنما هما من أغار وأنتن ولكن كسروا كما قالوا: أجوءك ولإمك. وليس في الكلام مفعل ولا شيء من هذا النحو لم نذكره. وقد بينا ما لحقته الميم أولاً فيما مضى من الفصلو بتمثيل بنائه. وقد جاء في الكلام مفعولٌ وهو غريب شاذٌ كأنهم جعلوا الميم بمنزلة الهمزة إذا كانت أولاً فقالوا مفعولٌ كما قالوا أفعولٌ فكأنهم جمعوا بينهما في هذا كما جاء مفعالٌ على مثال إفعالٍ ومفعيلٌ على مثال إفعيلٍ. ولم نجعله بمنزلة يسروعٍ لأنه لم يلزمه إلا الضم ولم يتغير تغيره وذلك قولهم: معلوقٌ للمعلاق. ويكون على مفعلٍّ وهو قليل قالوا مرعزٌّ. وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعلم قالوا: زرقمٌ وستهمٌ للأزرق والأستة وهو صفة. ويكون على فعلمٍ نحو: دلقم ودقعمٍ للدلقاء والدقعاء ودردمٍ للدرداء وهي صفات. ويكون على فعاملٍ وهو قليل قالوا: الدلامص. وأما الواو فتلحق ثانية فيكون الحرف على فوعلٍ فيهما فالاسم نحو: كوكبٍ وعوسجٍ. والصفة نحو: حوملٍ وهوزبٍ. وليس في الكلام فوعل ولا فوعل ولا شيءٌ من هذا النحو لم ويكون على فوعللٍ وهو قليل قالوا: كوأللٌ وهو صفة. وتلحق ثالثة فيكون الاسم على فعولٍ نحو: عتودٍ وخروفٍ. والصفة نحو: صدوق. ويكون على فعلوٍ فالاسم نحو: جدولٍ وجرولٍ. والصفة: جهورٌ وحشورٌ. ويكون على فعولٍ. فالاسم نحو: خروعٍ وعلودٍ ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على فعولٍّ. فالصفة: عثولٌّ وعلودٌّ والقشوف وقد جاء اسماً نحو: العسود. ويكون على فعولٍ نحو: عطودٍ وكروسٍ صفتان. ولا نعلم في الكلام فعول ولا فعولٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره لك. ويكون على فعولٍ وهو قليلٌ في الكلام إلا أن يكون مصدراً أو يكسر عليه الواحد للجمع قالوا: أتى وهو اسم والسدوس وهو اسم. وقد بينا لحاقها ثالثة بتمثيل بنائه. ويكون على فعوعلٍ في الصفة نحو عثوثلٍ وقطوطى وغدودن. ولا نعلمه جاء اسماً. ويكون على فعوللٍ وهو قليل قالوا: حبونن: اسم وجعلها بعضهم حبونن فعولل وهو مثله في القلة والزنة. وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعلوة في الأسماء نحو: ترقوةٍ وعرقوةٍ وقرنوةٍ. ولا نعلمه جاء ويكون على فعلوةٍ في الاسم نحو: الحنذوة والعنصوة. ويكون على فعلوة نحو: حنذوةٍ وهو اسم وهو قليل والهاء لا تفارقه كما أن الهاء لا تفارق حذريةً وأخواتها. ويكون على فعولٍ: فالاسم: عجولٌ وسنور والقلوب. والصفة: خنوص وسروط. ويكون فعولٍ فيهما. فالاسم: سفودٌ وكلوبٌ. والصفة: سبوحٌ وقدوسٌ. ويكون على فعول. قالوا: سبوحٌ وقدوسٌ وهما صفة. وقد بينا لحافها رابعة فيما مضى بتمثيل بنائه. وليس في الكلام فعول ولا شيءٌ من النحو لم نذكره. ويكون على فعولٍ فيها فالاسم نحو: طخرور والهذلول والشؤبوب والصفة نحو: بهلولٍ وحلكوك وحلبوبٍ. ويكون على فعلولٍ فيهما فالاسم نحو: البلصوص والبعكوك. والصفة نحو: الحلكوك. وليس في الكلام فعلولٌ ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره. وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعنلوةٍ. قالوا: قلنسوةٌ وهو اسم. والهاء لازمة كلزومها واو ترقوةٍ. هذا باب الزيادة من غير موضع حروف الزوائد اعلم أن الزيادة من موضعها لا يكون معها إلا مثلها. فإذا كانت الزيادة من موضعها ألزم التضعيف. فهكذا وجه الزيادة من موضعها. فإذا زدت من موضع العين كان الحرف على فعلٍ في الاسم والصفة. فالإسم نحو: السلم والحمر والعلف. والصفة نحو: الزمج والزمل والجبأ. ويكون على فعل فيهما. فالاسم نحو: القنب والقلف والإمر. والصفة نحو: الذنب والإمعة واليهخ. وبعض العرب يقول: دنبة. ويكون على فعل فالاسم نحو حمصٍ وجلقٍ وحلزٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الكلام في الأسماء فعلٌ ولا فعلٌ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وليس في الكلام فعل. وقد جاء فعل وهو قليل. قالوا: تبعٌ. وقد بينا ما ضوعفت فيه العين فيما مضى من الفصول أيضاً بتمثيل بنائه. فإذا زدت من موضع اللام فإن الحرف يكون على فعللٍ في الاسم وذلك نحو: قرددٍ ومهددٍ. ولا ويكون على فعلل في الاسم والصفة. فالاسم: سردد ودعببٌ وشريبٌ. والصفة: قعددٌ ودخللٌ. ويكون على فعللٍ فيهما. فالاسم نحو: عنددٌ وسرددٌ وعنببٍ. والصفة: قعددٌ ودخللٌ. ويكون على فعللٍ وهو قليل قالوا: رمادٌ رمددٌ وهو صفة. وإنما قلت هذه الأشياء في هذا الفصل كراهية التضعيف. وليس في الكلام فعلل ولا شيء من هذا النحو لم نذكره ولا فعلل. ويكون على فعلٍّ وهو قليل قالوا: شربة وهو اسم والهبي وهو صفة ومعدٌّ وهو اسم. ومثله: الجربة. ويكون على فعل فيهما فالاسم. نحو: جدبٍّ ومجنٍِّ. والصفة نحو: خدبٍ وهجفٍ وهقبٍ. ولا نعلم في الكلام فعلٌّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على فعلٍّ فيهما. فالاسم: جبنٌّ والفلج والدجن ويقال: الناس فلجان أي صنفان من داخل ومن خارج والقطن. والصفة: القمد والصمل والعتل. ولا نعلم في الكلام فعلٌّ ولا فعلّ! ٌ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على فعل. فالأسماء نحو: الحبر والفلز. والصفة نحو: الطمر والهبر والخبق. وقد بينا ما ضوعفت فيه اللام فيما مضى بتمثيل بنائه. ويكون على فعلٍّ وهو قليل. قالوا: تثفةٌ وهو اسم. ويكون على فعلةٍ وهو قليل قالوا: درجةٌ وهو اسم. وجاء على فعلةٍ وهو قليل. قالوا: تلنةٌ وهو اسم. باب الزيادة من موضع العين واللام


إذا ضوعفتا فيكون الحرف على فعلعل فيهما. فالاسم نحجو: حبربرٍ وحورور وتبربرٍ. والصفة نحو: صممحح ودمكمكٍ وبرهرهةٍ. ويكون على فعلعل فالاسم نحو: ذرحرحٍ وجلعلع ولا نعلمه جاء وصفاً. وليس في الكلام فعلعلٌ ولا فعلعلٌ ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره لك. وقد بينا ما ضوعفت فيه العين واللام فيما لحقته الألف خامسة نحو حلبلابٍ بتمثيل بنائه. ولا نعلم أنه جاء في الأسماء والصفات من بنات الثلاثة مزيدةً وغير مزيدة سوى ما ذكرنا. باب لحاق الزيادة


بنات الثلاثة من الفعل فأما ما لا زيادة فيه فقد كتب فعل منه ويفعل منه وقيس وبين. فأما الهمزة فتلحق أولاً ويكون الحرف على أفعل ويكون يفعل منه يفعل. وعلى هذا المثال يجيء كل أفعل. فهذا الذي على أربعة أبداً يجري على مثال يفعل في الأفعال كلها مزيدةً وغير مزيدة. وذلك نحو: تخرج وتخرج وأخرج ونخرج. فأما فعل منه فأفعل وذلك نحو: أخرج. وأما يفعل وتفعل فيهما فبمنزلته من فعل وذلك نحو يخرج وتخرج. وزعم الخليل أنه كان القياس أن تثبت الهمزة في يفعل ويفعل وأخواتهما كما ثبتت التاء في تفعلت وتفاعلت في كل حال ولكنهم حذفوا الهمزة في باب أفعل من هذا الموضع فاطرد الحذف فيه لأن الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك. وكثر هذا في كلامهم فحذفوه واجتمعوا على حذفه كما اجتمعوا على حذف كل وترى. وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذي من نفس الحرف لأنه زيادةٌ لحقته زيادةٌ فاجتمع فيه الزيادة وأنه يستثقل وأن له عوضاً إذا ذهب. وقد جاء في الشعر حيث اضطر الشاعر وقال الراجز وهو خطامٌ المجاشعي: وصالياتٍ ككما يؤثفين وإنما هي من أثفيت. وقالت ليلى الأخيلية: ومؤرنب: متخذ من جلود الأرانب. وأما الاسم فيكون على مثال أفعل إذا كان هو الفاعل إلا أن موضع الألف ميمٌ. وإن كان مفعولاً فهو على مثال يفعل. فأما مثال مضروبٍ فإنه لا يكون إلا لما لا زيادة فيه من بنات الثلاثة. ولا تلحق الهمزة زائدةً غير موصولة في شيء من الفعل إلا في أفعل. وتلحق الألف ثانية فيكون الحرف على فاعل إذا قلت فعل وعلى يفاعل في يفعل. فإذا قلت يفعل جاء على مثال يفاعل. وكذلك تفعل ونفعل وأفعل. وذلك قولك قاتل يقاتل ويقاتل فأجري مجرى أفعل لو لم يحذف. ويكون فعل على مثال أفعل لأنك لا تريد بفعل شيئاً لم يكن في فعل ويكون الاسم منه في الفاعل والمفعول بمنزلة الاسم من أفعل لو تم لأن عدته كعدته وسكونه كسكونه وتحركه كتحركه إلا أنهما اختلفا في موضع الزيادة. وذلك قولك: قوتل ومقاتلٌ للفاعل ومقاتلٌ للمفعول. واعلم أنه ليس اسمٌ من الأفعال الت لحقتها الزوائد يكون أبداً إلا صفة إلا ما كان من مفعلٍ فإنه جاء اسماً في مخدعٍ ونحوه. وليس تلحق الألف ثانية في الأفعال إلا في فاعل. وتلحق العين الزيادة من موضعها فيكون الحرف علىفعل فيجري في جميع الوجوه التي صرف فيها فاعل مجراه إلا أن الثاني من فاعل ألفٌ والثاني من هذا في موضع العين وذلك قولك: جرب يجرب. وإذا قلت يفعل قلت يجرب. وكذلك تفعل ونفعل وأفعل. ويجئن كلهن على مثال يفعل كما يجيء تفعل ونفعل وأفعل في كل فعل على مثال يفعل يعنى في ضمة الياء. فكما استقام ذلك في كل فعلٍ كذلك استقام هذا لأن المعنى الذي في يفعل هو في الثلاثة والمعنى الذي في يفعل هو الذي في الثلاثة إلا أن الزوائد تختلف ليعلم ما تعني. وهذه الثلاثة شبهت بالفعل من بنات الأربعة التي لا زيادة فيها نحو دحرج لأن عدتها كعدتها ولأنها في السكون والحركة مثلها فلذلك ضممت الزوائد في يفعل وأخوانه وجئت بالاسم على مثال الاسم من دحرج لما وافقه فيما ذكرت لك ألحقته به في الضم. وتلحق التاء فاعل أولاً فيكون على تفاعل يتفاعل ويكون يفعل منه على ذلك المثال إلا أنك تضم الياء. ويكون فعل منه على تفوعل. وذلك قولك: تغافل يتغافل وتغوفل. فأما الاسم فعلى متفاعلٍ للفاعل وعلى متفاعلٍ للمفعول. وليس بين الفاعل والمفعول في جميع الأفعال التي لحقتها الزوائد إلا الكسرة التي قبل آخر حرف والفتحة وليس اسم منها إلا والميم لاحقته أولاً مضمومة فلما قلت مقاتلٌ ومقاتلٌ فجرى على مثال يقاتل ويقاتل كذلك جاء على مثال يتغافل ويتغافل إلا أنك ضممت الميم وفتحت العين في يتغافل لأنهم لم يخافوا التباس يتغافل بها. فالأسماء من الأفعال المزيدة على يفعل ويفعل. وتلحق التاء أولاً فعل فيجري في جميع ما صرفت فيه تفاعل مجراه إلا أن ثالث ذلك ألف وثالث هذا من وضع العين فاتفقا في لحاق التاء كما اتفقا قبل أن تلحق. وليس تلحق أولاً والثالثة زائدة إلا في تفاعل وتفعل نحو: تكلم. ولم تضم زوائد تفعل وأخواتها في هذا لأنها تجيء على مثال تدحرج في العدة والحركة والسكون وخرجت من مثال دحرج وجرت مجرى انفعلت لأن معناها ذلك المعنى ودخلت التاء فيها كما دخلت النون في انفعلت. باب ما تسكن أوائله من الأفعال المزيدة


أما النون فتلحق أولاً ساكنة فتلزمها ألف الوصل في الابتداء فيكون الحرف على انفعل ينفعل ويكون يفعل منه على ينفعل وفعل على أنفعل ويكون الفاعل منه على منفعلٍ ومفعوله على منفعلٍ إلا أن الميم مضمومة. وقد أجملت هذا في قولي في الأسماء من الأفعال المزيدة تجيء على مثال يفعل فيها ويفعل. وتلحق التاء ثانية ويسكن أول الحرف فتلزمها ألف الوصل في الابتداء وتكون على افتعل يفتعل في جميع ما صرفت فيه انفعل. ولا تلحق التاء ثانية والذي قبلها من نفس الحرف إلا في افتعل. وتلحق السين أولاً والتاء بعدها ثم تسكن السين فتلزمها ألف الوصل في الابتداء ويكون الحرف على استفعل يستفعل ويكون يفعل منه على يستفعل. وجميع هذه الأفعال المزيدة ليس بين يفعل منها ويفعل بعد ضمة أولها وفتحته إلا كسرة الحرف الذي قبل آخر حرف وفتحته إلا ما كان على يتفاعل ويتفعل وما جاء من هذا المثال نحو يتدحرج وما ألحق به نحو يتحوقل فإنه لما كان مفتوحاً في يفعل ترك في يفعل كما تفعل ذلك في غير المزيد نحو قولك: يسمع ويسمع. وذلك قولك: استخرج ويستخرج ويستخرج. وبكون فعل منه على استفعل. وفعل من جميع هذه الأفعال التي لحقتها ألف الوصل على مثال فعل في الحركة والسكون إلا أن الثالث مضموم. ولا تلحق السين أولاً في استفعل ولا التاء ثانيةً وقبلها زائدةٌ إلا في هذا. وتلحق الألف ثالثة وتلحق اللام الزيادة من موضعها ويسكن أول الحرف فيلزمها ألف الوصل في الابتداء ويكون الحرف على افعاللت ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعلت إلا أن الإدغام يدركه فيسكن أول اللامين. فأما تمامه فعلى استفعل وإذا أردت فعل منه قلبت الألف واواً للضمة التي قبلها كما فعل ذلك في فوعل. وذلك قولك: اشهاببت واشهوب في هذا المكان فهو على مثال استفعل إلا أنه قد يغيره الإسكان عن مثال استخرج كما يتغير استفعل من المضاعف نحو استعد إذا أدركه السكون عن استخرج ومثالهما في الأصل سواءٌ. ولا تضاعف اللام والألف ثالثة إلا في افعاللت. وتلحق الزيادة من موضع اللام ويسكن أول الحرف فيلزمه ألف وصل في الابتداء ويكون الحرف افعللت فيجري مجرى افتعلت في جميع ما صرفت فيه افتعل إلا أن الإدغام يدركه كما يدرك اشهاببت وإلا فإن مثالهما في الأصل سواءٌ. ولا تضاعف اللام وقبلها حرف متحرك إلا في هذا الموضع وذلك: احمررت. وتلحق الزيادة من موضع العين فيلزم التضعيف كما يلزم في اللام. وقد أعلمتك أن الزيادة من غير موضع حروف الزوائد لا تكون إلا معها أي مع ما ضوعف. فهذا وجه موضع الزيادة من موضعها ليفصل بينها وبين حروف الزوائد. ويفصل بين العينين بواوٍ ويسكن أول حرف فيلزمه ألف الوصل ويكون الحرف على افعوعلت ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعلت ولا يفصل بين العينين إلا في هذا وتلحق الواو ثالثةً مضاعفة ويسكن أول حرف فتلحقه ألف الوصل في الابتداء فيكون الحرف على افعولت نحو: اعلوط واعلوطت ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه. وأما هرقت وهرحت فأبدلوا مكان الهمزة الهاء كما تحذف استثقالاً لها فلما جاء حرف أخف من الهمزة لم يحذف في شيء ولزم لزوم الألف في ضارب وأجري مجرى ما ينبغي لألف أفعل أن تكون عليه في الأصل. وأما الذين قالوا: أهرقت فإنما جعلوها عوضاً من حذفهم العين وإسكانهم إياها كما جعلوا ياء أينقٍ وألف يمانٍ عوضاً. وجعلوا الهاء العوض لأن الهاء تزاد. ونظير هذا قولهم: أسطاع يسطيع جعلوا العوض السين لأنه فعلٌ فلما كانت السين تزاد في الفعل زيدت في العوض لأنها من حروف الزوائد التي تزاد في الفعل وجعلوا الهاء بمنزلتها لأنها تلحق الفعل في قولهم: ارمه وعه ونحوهما. باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة


وألحق ببنات الأربعة حتى صار يجري مجرى ما لا زيادة فيه وصارت الزيادة بمنزلة ما هو من نفس الحرف وذلك نحو: فعللت ألحقوا الزيادة من موضع اللام وأجروها مجرى دحرجت. والدليل على ذلك أن المصدر كالمصدر من بنات الأربعة نحو: جلبت جلبيةً وشمللت شمللة. ومثل ذلك: فوعلت نحو: حوقلت حوقلةً وصومعت صومعةً. ومثل ذلك: فيعلت نحو: بيطرت بيطرةً وهيمنمت هينمةً. ومثل ذلك: فعولت نحو: جهورت وهرولت هرولةً. ومثل ذلك فعليته نحو: سلقيته سلقاةً وجعبيته جعباة وقلسيته قلساةً. ومثل ذلك: فعنلت وهو في الكلام قليل نحو قلنست قلنسةً. فهذه الأشياء بمنزلة دحرجت. وقد تلحقها التاء في أوائلها كما لحقت في تدحرج وذلك قولك: قلسيته فتقلسى وجعبيته فتجعبى وشيطنته فتشيطن تشيطناً وترهوك ترهوكاً كما قلت تدحرج تدحرجاً. وقد جاء تمفعل وهو قليل قالوا: تمسكن وتمدرع. وقد تلحق النون ثالثة من هذا ما كانت زيادته من موضع اللام وما كانت زيادة ياء آخرةً ويسكن أول حرف فتلزمه ألف الوصل في الابتداء ويكون الحرف على افعنللت وافعنليت ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعل. فافعنلل نحو اقعنسس واعفنجج. وافعنليت نحو اسلنقيت واحرنبى. فكما لحقتا ببنات الأربعة وليس فيهما إلا زيادة ولم تزد هذه النون في هذه الأشياء إلا فيما كانت الزيادة فيه من موضع اللام أو كانت الياء آخرةً زائدة لأن النون ههنا تقع بين حرفين من نفس الحرف كما تقع في احرنجم ونحوه وإذا ألحقوها في البقية توالت زائدتان فخالفت احرنجم ففرق بينهما لذلك. فهذا جميع ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة مزيدة أو غير مزيدة فقد بين أمثلة الأفعال كلها من بات الثلاثة مزيدةً أو غير مزيدة. فما جاوز هذه الأمثلة فليس من كلام العرب. ولبينت مصادرهن ومثلت وبين ما يكون فيها وفي الأسماء والصفات وما لا يكون إلا في كل واحد منهما دون صاحبه. واعلم أن للهمزة والياء والتاء والنون خاصةً في الأفعال ليست الزوائد وهن يلحقن أوائل في كل فعل مزيد وغير مزيد إذا أن الفعل لم تضمه. وذلك قولك أفعل ويفعل ونفعل وتفعل. وقد بين شركة الزوائد وغير شركتها في الأسماء والأفعال من بنات الثلاثة فيما مضى وسأكتب لك شيئاً حتى يتبين لك ما أعني إن شاء الله. تقول: فعلول نحو بهلولٍ فالياء تشرك الواو في هذا الموضع والألف في حلتيتٍ وشملالٍ. ولا تلحق التاء رابعة ههنا ولا الميم. وتقول أفعلٌ نحو أفكلٍ. فالياء تلحق رابعةً والواو لا تلحق رابعةً أولاً أبداً. فهذا الذي عنيت في الشركة. فتفطن له فإنه يتبين في الفصول فيما أشرك بينه. فاعرفه في هذا الموضع بعدد الحروف وما لم يشرك بينه فاعرفه بخروجه من ذلك الموضع. وإذا تعمدت ذلك في الفصول تبينت لك إن شاء الله. باب تمثيل ما بنت العرب


من بنات الأربعة في الأسماء والصفات غير مزيدة وما لحقها من بنات الثلاثة كما لحقها في الفعل فالحرف من بنات الأربعة يكون على مثال فعللٍ فيكون في الأسماء والصفات. فالأسماء نحو: جعفرٍ وعنبر وجندلٍ والصفة: سلهبٌ وخلجمٌ وشجعمٌ. وما ألحقوا به من بنات الثلاثة حوقلٌ وزينبٌ وجدولٌ ومهدد وعلقىً ورعشنٌ وسنبتةٌ وعنسلٌ وهذا النحو لأنك لو صيرتهن فعلاً كن بمنزلة الأربعة. فهذا دليلٌ. ألا ترى أنك حيث قلت حوقلت وبيطرت وسلقيت أجريتهن مجرى الأربعة. ويكون على فعللٍ فيهما. فالأسماء نحو: الترنم والبرثن والحبرج. والصفة نحو: الجرشع والصنتع والكندر. وما لحقته من بنات الثلاثة نحو: دخلل وقعددٍ لأنك لو جعلته فعلاً على ما فيه من الزيادة كان بمنزلة بنات الأربعة. ويكون على مثال فعللٍ فيهما. فالأسماء: نحو الزبرج والزئبر والحفرد. والصفة: عنفصٌ والدلقم وخرملٌ وزهلقٌ. ويكون على فعللٍ فيهما فالأسماء نحو: قلعمٍ ودرهمٍ. والصفة: هجرعٌ وهبلعٌ. وما لحقته من بنات الثلاثة نحو العثير. والعلة فيه كالعلة فيما قبله. ويكون على مثال فعلٍّ. فالأسماء نحو: الفطحل والصقعل والهدملة والصفة: الهزبر والسبطر والقمطر. وما لحقته من بنات الثلاثة و: الخدب: فليس في الكلام من بنات الأربعة على مثال فعللٍ ولا فعللٍ ولا شيءٍ من هذا النحو لم نذكره ولا فعللٍ إلا أن يكون محذوفاً من مثال فعاللٍ لأنه ليس حرف في الكلام تتوالى فيه أربع متحرات وذلك: علبطٌ إنما حذفت الألف من علابطٍ. والدليل على ذلك أنه ليس شيء من هذا المثال إلا ومثال فعاللٍ جائزٌ فيه تقول: عجالطٌ وعجلطٌ وعكالطٌ ودوادمٌ ودودمٌ. وقالوا: عرتنٌ وإنما حذفوا نون عرنتنٍ كما حذفوا ألف علابطٍ. وكلتاهما يتكلم بها. وقالوا: العرقصان فإنما حذفوا من عرنقصانٍ وكلتاهما يتكلم بها. وقالوا: جندلٌ فحذفوا ألف الجنادل كما حذفوا ألف علابطٍ. غير الفعل اعلم أنه لا يلحقها شيءٌ من الزوائد أولاً إلا أسماء من أفعالهن فإنها بمنزلة أفعلت تلحقها الميم أولاً. وكل شيء من بنات الأربعة لحقته زيادة فكان على مثال الخمسة فهو ملحق بالخمسة نحو: سفرجلٍ كما تلحق ببنات الأربعة بنات الثلاثة نحو حوقلٍ. فكذلك كل شيء من بنات الأربعة جاء على مثال سفرجل كما جعلت كل شيءٍ من بنات الثلاثة على مثال جعفرٍ ملحقاً بالأربعة إلا ما جاء مما إن جعلته فعلاً خالف مصدره بنات الأربعة. ففاعلٌ نحو طابقٍ وفعلٌ نحو سلم. فأما بنات الأربعة فكل شيءٍ جاء منها على مثال سفرجلٍ فهو ملحق ببنات الخمسة لأنك لو أكرهتها حتى تكون فعلاً لاتفق وإن كان لا يكون الفعل من بنات الخمسة ولكنه تمثيل كما مثلت في باب التحقير إلا أن تلقحها ألف عذافرٍ وألف سرداحٍ فإنما هذه كالياء بعد الكسرة والواو بعد الضمة. وهما بمنزلة الألف فكما لا تلحق بهن بنات الثلاثة ببنات الأربعة كذلك لا تلحق بهن بنات الأربعة ببنات الخمسة. فالياء التي كالألف ياء قنديل والواو واو وزنبور كياء يبيع وواو يقول لأنهما ساكنان وحركة ما قبلهما منهما. وهما في الثلاثة في سعيدٍ وعجوزٍ. فالواو تلحق ثالثة فيكون الاسم على مثال فعوللٍ في الاسم والصفة فالأسماء نحو: حبوكرٍ وفدوك وصنوبر. والصفة نحو: السرومط والعشوزن والعرومط. ونظيرها من بنات الثلاثة حبونن كأنهم زادوا الواو على حبننٍ كما زادوها على حبكر. ولا نعلم في بنات الأربعة على مثلا فعوللٍ ولا فعوللٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على مثال فعوللان وهو قليل قالوا: عبوثرانٌ وهو اسم. ويكون على مثال: فعوللى. قالوا: حبوكرى وهو اسم. وتلحق رابعةً فيكون الحرف على مثال فعلول وهو قليل في الكلام قالوا: كنهورٌ وهو صفة وبلهورٌ وهو صفة. ويكون على مثال فعلويل في الأسماء وهو قليل قالوا: قندويلٌ وهندويلٌ. ولم يجىء صفة ولا نعلم لهما نظيراً من بنات الثلاثة. ويكون على مثال فعلولٍ في الاسم والصفة فالاسم: عنقودٌ وعصفورٌ وزنبورٌ. والصفة: شنحوطٌ وسرحوبٌ وقرضوبٌ ونظيرها من بنات الثلاثة: بهلولٌ. وهذا غير ملحق بباب ويكون على مثال فعلول فيهما فالاسم: قربوسٌ وزرجونٌ وقلمونٌ: والصفة نحو: قرقوسٍ وحلكوكٌ ألحق به من الثلاثة. ويكون على مثال فعلولٍ في الاسم والصفة فالاسم نحو: فردوس وبرذونٍ وحرذونٍ. والصفة نحو: علطوسٍن وقلطوسٍ: وما ألحق به من الثلاثة نحو عذيوط. وكل شيء من بنات الأربعة على مثال فعلول فهو ملحق بجردحل من بنات الخمسة. وتلحق خامسة فيكون الحرف على مثال فعلوةٍ في الأسماء وذلك نحو: قمحدوةٍ وهو قليلٌ في الكلام ونظيره من بنات الثلاثة قلنسوةٌ والهاء لازمةٌ لهذه الواو كما تلزم واو ترقوةٍ. ويكون على مثال فيعلولٍ فيهما: فالأسماء نحو: خيتعمورٍ والخيسفوج والصفة: عيسجورٌ وعيضموزٌ وعيطموسٌ. ويكون على مثال فعللوتٍ في الاسم نحو: عنكبوتٍ وتخربوتٍ لحقت الواو التاء كما لحقت في بنات الثلاثة في ملكوتٍ. ويكون على مثال فعللولٍ وهو قليل قالوا: منجنونٌ وهو اسم. وحندقوقٌ وهو صفة. ولا نعلم في بنات الأربعة فعليولاً ولا شيئاً من هذا النحو لم تذكره ولكن فنعلولٌ وهو اسم قالوا: منجنونٌ وهو اسم. وأما الياء فتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعيللٍ في الصفة نحو: سميدعٍ والحفيبل والعميثل. ولا نعلمه جاء إلا صفةً. وما ألحق به من بنات الثلاثة: الخفيدد كأنهم أدخلوا الياء على خفددٍ كما أدخلوا الياء على عمثلٍ وهذا على مثال سفرجلٍ. وقد فرغت من تفسير ما يلحق ببنات الخمسة مما لا يلحق. ويكون على مثال فعيللانٍ قالوا: عريقصانٌ وعبيرانٌ. ولا نعلمه صفة ولا نعلم في بنات الأربعة شيئاً على فعيللٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وقد تلحق رابعة فيكون الحرف على فعليلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: قنديلٍ وبرطيل وكنديرٍ. والصفة نحو شنظير وحربيشٍ وهمهيم. وما لحقته من بنات الثلاثة نحو: زحيل وصهميمٍ وخنذيذ وهو صفة. ويكون على مثال فعليل وهو قليل في الكلام. قالوا: غرنيق وهو صفة. ولم يلحقه شيء من الثلاثة. ولا نعلم في الكلام فعليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره وقد بين لحاقها ثانية فيما مضى بتمثيل بنائه ولا نعلم شيئاً من هذه الزوائد لحقت بنات الأربعة أول سوى الميم التي في الأسماء من أفعالهن. وتلحق خامسة فيكون الحرف على مثال فعلية وذلك نحو: سلحفيةٍ وسحفنيةٍ. وما لحقها من بنات الثلاثة: البلهنية وقلنسية. ولا نعلمه جاء وصفاً. والهاء لازمة كما لزمت واو قمحدوةٍ. ويكون على مثال فنطيل في الاسم والصفة. فالاسم نحو: منجنيقٍ. والصفة نحو: عنتريس. وقد بينا لحاقها خامسة فيما مضى. ويكون على مثال فعاليلٍن وهو قليل قالوا: كنابيلٌ وهو اسم ولا نعلم في الكلام فنعليل ولا فعاليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على مثال فعلليلٍ مضعفاً قالوا: عرطليل وهو صفة وعفشليل وهو صفة. ومثله: جلفريزٌ وغلفقيقٌ وقفشليل وقمطريرٌ ولا نعلمه جاء اسماً. وأما الألف فتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعالل في الاسم والصفة. فالاسم: برائل والخجادب وعتائد. والصفة: الفرافص والعذافر. وما لحقه من الثلاثة نحو دواسرٍ. وقد بين لحاقها ثالثة نحو كنابيل. ويكون على مثال فعاللى وهو قليل: قالوا: جخادبى وهو اسم. وقد مد بعضهم وهو قليل فقالوا: جخادباء. وتلحق رابعة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعلال في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حملاق وقنطار وشنعاف. والصفة نحو: سرداحٍ وشنعافٍ وهلباج. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلال إلا المضاعف من بنات الأربعة الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين وليس في حروفه زوائد كما أنه ليس في مضاعف بنات الثلاثة نحو: رددت زيادةٌ. ويكون في الاسم والصفة فالاسم نحو الزلزال والجثجاث والجرجار والرمرام والدهداه. والصفة نح: الحثحاث والحقحاق والصلصال والقسقاس. ولم يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ ولكن ألحق بقنطارٍ نحو: جلبابٍ وجريال وجلواخٍ. ولا نعلم المضاعف جاء مكسور الأول إلا في المصدر نحو: الزلزال والقلقال. ويكون على فعلالاء وهو قليل قالوا: برناساء وهو اسم. ويكون على مثال فعلالٍ نحو: قرطاسٍ وقرناسٍ. ولا نعلمه جاء صفة. وما ألحق به من بنات الثلاثة الحبنطي ونحوه. ويكون على مثال فعنلال وهو قليل في الكلام نحو: الجحنبار وهو صفة والجعنبار وهو صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة الفرنداد. ويكون على مثال فعلالٍ في الاسم والصفة. فالاسم الجنبار والسنمار. والصفة: الطرماح والشقراق والشنفار. وما زيد فيه الألف من بنات الثلاثة فألحق بهذا البناء نحو: جلبابٍ لأن التضعيف قبل الألف وآخر الحروف كما أن التضعيف في طرماحٍ كذلك فألحقوا هذا بطرماحٍ إذ كان أصله الثلاثة وكان مضعفاً كما ألحقوا الفرنداد. لأنك لو لم تلحق الألف كان مثالهما واحداً وكان أصلهما من الثلاثة كأنك قلت: جلببٌ وفرنددٌ. ويكون على مثال فعللاء في الأسماء نحو: برنساء وعقرباء وحرملاء. ولا نعلمه جاء وصفاً. ويكون على مثال فعللاء وهو قليل قالوا: القرفصاء وهو اسم. ويكون على مثال فعللاء وهو قليل قالوا: طرمساء وجلحطاء وهما صفتان. وما لحقه من الثلاثة: جربياء. ولا نعلم مثال فعللاء ولا فعللالٍ ولا فعليلال ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره ولكنه قد جاء على مثال فعللاء هندباء وهو اسم. ويكون على مثال فعللانٍ في الاسم والصفة نحو: عقربانٍ وقردمانٍ وعرقصانٍ. والصفة نحو: العردمان والدحسمان ورقرقان. ويكون على مثال فعللانٍ وهو قليل في الكلام قالوا: الحنذمان وهو اسم وحدرجانٌ وهو صفة. ويكون على مثال فعللانٍ وهو قليل قالوا: شعشعانٌ وهو صفة. والاسم: زعفرانٌ. وتلحق خامسة للتأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى في الأسماء وذلك نحو: جحجبى وقرقرى والقهقهرى وفرتنى. ولا نعلمه جاء صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة: الخيزلى ونحوه. ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهندىب وهو اسم. ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهربذى وهو اسم. ويكون على مثال فعلى وهو قليل. قالوا: السبطرى وهو اسم والضبغطى وهو اسم. ويكون على فعلى وهو قليل قالوا: الصنفى وهو اسم. ويكون على مثال فعلى وهو قليل قالوا: الصفقى وهو اسم والدفقى وهو صفة. وقد بينا ما لحقته الألف سادسة للتأنيث نحو: برنساء فيما مضى بتمثيل بنائه وسابعة نحو برناساء. ولا نعلم في الكلام فعللاء ولافعللاء والألف للتأنيث أو لغير التأنيث أو شيئاً من هذا النحو لم نذكره فيما لحقته الألف خامسة. وأما النون فتلحق ثانيةً فيكون الحرف على مثال فنعلٍّ في الاسم والصفة وهو قليل. فاصفة: كنتألٌ وقنفخرٌ. والاسم: خنثعبةٌ. ويكون على مثال فنعللٍ وهو قليل قالوا: كنهبلٌ وهو اسم. وتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعنللٍ في الصفة نحو: حزنبلٍ وعبنقسٍ وفلنقسٍ. وقد ويكون على مثال فعنللٍ في الاسم وهو قليل قالوا: عرنتنٌ وقرنفلٌ. وقد بينا ما لحقته ثالثة فيما مضى بتمثيل بنائه. ولا نعلم في الكلام فعنلل ولا فعنلل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وما لحق من بنات الثلاثة بحزنبلٍ فنحو: عفنججٍ وضفنددٍ. وحزنبلٌ هو الذي لحق من الأربعة ببنات الخمسة. وما لحق ببنات الخمسة مما فيه النون ثانية: قنفخرٌ ألحق بجردحل. بابٌ لحاق التضعيف فيه لازم كما ذركت لك في بنات الثلاثة فإذا ألحقت من موضع الحرف الثاني كان على مثال فعلٍّ في الصفة وذلك العلكد والهلقس والشنغم. ولا نعلمه جاء إلا صفة. ويكون على مثال فعللٍ في الاسم والصفة وهو قليل. قالوا: الهمقع وهو اسم والزملق وهو صفة ودملصٌ وهو صفة. ويكون على مثال فعلٍّ في الصفة نحو: الشمخر والضمخر والدبخس. ولا نعلمه جاء اسماً. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الهمرش. وتلحق من موضع الثالث فيكون الحرف على مثال فعللٍ في الاسم والصفة. فالاسم: الشفلح والهمرجة والغطمش. والصفة: العدبس والعملس والعجنس. ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الصفرق والزمرد وهما اسمان. وقد بينا ما لحقه التضعيف من موضع الثالث فيما مضى بتمثيل بنائه نحو طرماح. وما لحقه من الثلاثة من نحو عدبسٍ: زونكٌ وعطودٌ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ويلحق من موضع الرابع فيكون الحرف على مثال فعللٍ وذلك: سبهللٌ وقفعدد. ولا نعلمه إلا وصفاً. ويكون على مثال فعلل في الاسم والصفة فالاسم نحو: عربد. والصفة نحو: قرشب والهرشف والقهقب. ويكون على مثال فعللٍّ في الصفة نحو قسعبٍّ وقسحبٍّ وطرطبٍّ. ولا نعلمه جاء اسماً. ولا يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ ولكنهم قد ألحقوا بهرشفٍّ نحو علودٍّ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍّ ولا فعللٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. مزيداً أو غير مزيد فإذا كان غير مزيدٍ فإنه لا يكون إلا على مثال فعلل ويكون يفعل منه على مثال يفعلل ويفعل على مثال يفعلل والاسم منه على مثال يفعلل ويفعلل إلا أن موضع الياء ميمٌ. وذلك نحو: دحرج يدحرج ومدحرجٌ ومدحرجٌ. وتدخل التاء على دحرج وما كان مثله من بنات الأربعة فيجري مجرى تفاعل وتفعل فألحق هذا ببنات الثلاثة كما لحق فعل ببنات الأربعة. وذلك نحو: تدحرج لأنه في معنى الانفعال فأجري مجراه ففتحت زوائده الهمزة والياء والتاء والنون. وتلحق النون ثالثة ويسكن أول الحرف فيلزمه ألف الوصل في الابتداء ويجري مجرى استفعل وعلى مثاله في جميع ما صرف فيه وذلك نحو: احرنجم. فهذه النون بمنزلة النون في انطلق. واحرنجم في الأربعة نظير انطلق في الثلاثة فيجري مجراه كما جرى تدحرج مجرى تفعل. وتلحق آخره الزيادة من موضع غير حروف الزوائد فيلزم التضعيف ويسكن أول حرف منه فيلزم ألف الوصل في الابتداء ويكون على استفعل في جميع ما صرف فيه وذلك نحو: اقشعررت واطمأننت. فأجروه واحرنجم على هذا كما أجروا فعل وفاعل وأفعل على ونظيره من الثلاثة: احمررت فجرى عليه كما جرى فاعل وفعل على دحرج. واحمررت بمنزلة الانفعال. ألا ترى أنه لا يعمل في مفعول. فهذا جميع أفعال بنات الأربعة مزيدة وغير مزيدة. وقد بينا المصدر مع مصادر بنات الثلاثة. ولا نعلم أنه جاء شيءٌ من الأسماء والوصف مزيداً وغير مزيد إلا وقد ذكرناه وبين شركة الزوائد وغير الشركة في الفصل كما بين في بنات الثلاثة. باب تمثيل ما بنت العرب


من الأسماء والصفات من بنات الخمسة وليس لبنات الخمسة فعلٌ كما أنها لا تكسر للجمع لأنها بلغت أكثر الغاية مما ليس فيه زيادةٌ فاستثقلوا أن تلزمهم الزوائد فيها لأنها إذا كانت فعلاً فلابد من لزوم الزيادات فاستثقلوا ذلك أن يكون لازماً لهم إذ كان عدده أكثر عدد ما لا زيادة فيه ودعاهم ذلك إلى أن لم يكثر في كلامهم مزيداً ولا غير مزيد كثرة ما قبله لأنه أقصى العدد. وقد ألحق به من الثلاثة كما ألحقوا بالأربعة وهو قليل لأن الخمسة أقل من الأربعة. والحرف من بنات الخمسة غير ميد يكون على مثال فعلل في الاسم والصفة. فالاسم: سفرجلٌ وفرزدقٌ وزبرجدٌ. وبنات الخمسة قليلة. والصفة نحو: شمردلٍ وهمرجلٍ وجنعدلٍ. وما لحق بهذا من بنات الثلاثة: عثوثلٌ. ولم يكن ملحقاً ببنات الأربعة لأنك لو حذفت الواو خالف الفعل فعل بنات الأربعة. وكذلك حبربرٌ وصمحمحٌ لأنك لو حذفت الزيادة الأخيرة وهي الراء لم يكن فعل ما بقي على مثال فعل الأربعة لأنه ليس في الكلام مثل حبرب ولو حذفت الباء لصار إلى حبر فلم يصر على مثال الأربعة فإنما ألحقوا هذا ببنات الخمسة كما ألحقوا جدولاً ونحوه ببنات الأربعة. وقد بينت ما ألحق ببنات الأربعة من بنات الثلاثة. ثم ألحق ببنات الخمسة كما ألحق ببنات الأربعة وذلك نحو: جحنفل ألحق ببنات الخمسة ثم ألحق به عفنججٌ كما ألحق جحنفل. فكل شيء من بنات الأربعة كان على مثال الخمسة فهو ملحق به. وما كان من بنات الثلاثة إذا لم يكن فيه إلا زيادة واحدة يكون على مثال الأربعة فإنه إذا كان بزيادة أخرى على مثال جحنفل ملحق بالخمسة كما ألحق بالخمسة الذي هو ملحق به وذلك إذا طرحت إحدى الزيادتين اللتين بلغ بهما مثال جحنفل فكان ما يبقى يكون بمنزلة بنات الأربعة في الاسم والفعل. وعقنقل بمنزلة عثوثل النون فيه بمنزلة الواو في عثوثل. وصمحمحٌ ملحق بالخمسة مع الثلاثة وألنددٌ. ويكون على مثال فعللل في الصفة قالوا: قهبلسٌ وجحمرشٌ وصهصلقٌ. ولا نعلمه جاء اسماً. وما لحقه من الأربعة: همرشٌ. ويكون على فعللٍ في الاسم والصفة وذلك نحو قذ عملٍ وخبعثن. والاسم نحو: قذ عملةٍ. ويكون على فعللٍّ. فالاسم نحو: قرطعبٍ وحنبتر. والصفة نحو: جردحلٍ وحنزقر وما لحقه من الثلاثة: إزمولٌ لأن الواو قبلها فتحة وليست بمد فإنما هي هنا بمنزلة النون في ألندد. وكذلك إرزب الرائد الباء كنون ألنددٍ. وما لحق به من بنات الأربعة: فردوسٌ وقرشبٌ كما لحق قفعددٌ بسفرجلٍ. وكذلك ما لحقته زيادةٌ وكان على مثال الخمسة ولم تكن الزيادة حرف مد كألف بجادٍ. كما فعلت ذلك بعقنقلٍ وعثوثل. باب ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة


فالياء تلحق خامسةً فيكون الحرف على مثال فعلليلٍ في الصفة والاسم. فالاسم: سلسبيلٌ وخندريسٌ وعندليبٌ. والصفة: دردبيسٌ وعلطميسٌ وحنبريت وعرطبيسٌ. ويكون على مثال فعليلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: خزعبيلٍ. والصفة نحو: قذعميل وتلحق الواو خامسة فيكون الحرف على مثال فعللولٍ نحو: عضرفوطٍ وهو اسم وقرطبوسٍ وهو اسم ويستعور وهو اسم. وتلحق الألف سادسة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: قبعثرى وهو صفة وضبغطرى وهو صفة. ويكون على مثال فعللول وهو قليل وهو صفة قالوا: قرطبوس. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا فعللٍ ولا فعللٍ ولا فعليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ولم نعلم أنه جاء في الاسم والصفة شيءٌ لم نذكره من الخمسة. باب ما أعرب من الأعجمية


اعلم أنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة فربما ألحقوه ببناء كلامهم وربما لم يلحقوه. فأما ما ألحقوه ببناء كلامهم فدرهمٌ ألحقوه ببناء هجرع. وبهرجٌ ألحقوه بسلهبٍ. ودينارٌ ألحقوه بديماسٍ. وديباجٌ ألحقوه كذلك. وقالوا: إسحاق فألحقوه بإعصار ويعقوب فألحقوه بيربوع وجوربٌ فألحقوه بفوعلٍ. وقالوا: آجورٌ فألحقوه بعاقول. وقالوا: شبارق فألحقوه بعذافرٍ. ورستاقٌ فألحقوه بقرطاس. لما أرادوا أن يعربوه ألحقوه ببناء كلامهم كما يلحقون الحروف بالحروف العربية. وربما غيروا حاله عن حاله في الأعجمية مع إلحاقهم بالعربية غير الحروف العربية فأبدلوا مكان الحرف الذي هو للعرب عربياً غيره وغيروا الحركة وأبدلوا مكان الزيادة ولا يبلغون به بناء كلامهم لأنه أعجمي الأصل فلا تبلغ قوته عندهم إلى أن يبلغ بناءهم. وإنما دعاهم إلى ذلك أن الأعجمية يغيرها دخولها العربية بإبدالها حروفها فحملهم هذا التغيير على أن أبدلوا. وغيروا الحركة كما يغيرون في الإضافة إذا قالوا هنيٌّ نحو زبانيٍ وثقفيٍ. وربما حذفوا كما يحذفون في الإضافة ويزيدون كما يزيدون فيما يبلغون به البناء وما لا يبلغون به بناءهم وذلك نحو: آجرٍِّ وإبريسم وإسماعيل وسراويل وفيروز والقهرمان. قد فعلوا ذا بما ألحق ببنائهم وما لم يلحق من التغيير والإبدال والزيادة والحذف لما يلزمه من التغيير. وربما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه من حروفهم كان على بنائهم أو لم يكن نحو: خراسان وخرمٍ والكركم. وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائه في الفارسية نحو: فرند وبقمٍ باب اطراد الإبدال في الفارسية


يبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم: الجيم لقربها منها. ولم يكن من إبدالها بدٌّ لأنها ليست من حروفهم. وذلك نحو: الجربز والآجر والجورب. وربما أبدلوا القاف لأنها قريبةٌ أيضاً قال بعضهم: قربزٌ وقالوا: كربقٌ وقربقٌ. ويبدلون مكان آخر الحرف الذي لا يثبت في كلامهم إذا وصلوا الجيم وذلك نحو: كوسه وموزه لأن هذه الحروف تبدل وتحذف في كلام الفرس همزةً مرةً وياءً مرةً أخرى. فلما كان هذا الآخر لا يشبه أواخر كلامهم صار بمنزلة حرفٍ ليس من حروفهم. وأبدلوا الجيم لأن الجيم قريبة من الياء وهي من حروف البدل. والهاء قد تشبه الياء ولأن الياء أيضاً قد تقع آخرةً. فلما كان كذلك أبدلوها منها كما أبدلوها من الكاف. وجعلوا الجيم أولى لأنها قد أبدلت من الحرف الأعجمي الذي بين الكاف والجيم فكانوا عليها أمضى. وربما أدخلت القاف عليها كما أدخلت عليها في الأول فأشرك بينهما وقال بعضهم: كوسقٌ وقالوا: كربقٌ وقالوا: قربقٌ. وقال الراجز: من قطرةٍ غير النجاء الأدفق وقالوا: كيلقةٌ. ويبدلون من الحرف الذي بين الباء والفاء: الفاء نحو: الفرند والفندق. وربما أبدلوا الباء لأنهما قريبتان جميعاً قال بعضهم: البرند. فالبلد مطردٌ في كل حرف ليس من حروفهم يبدل منه ما قرب منه من حروف الأعجمية. ومثل ذلك تغييرهم الحركة التي في زور وآشوب: فيقولون: زورٌ وأشوبٌ وهو التخليط لأن هذا ليس من كلامهم. وأما ما لا يطرد فيه البدل فالحرف الذي هو من حروف العرب نحو: سين سراويل وعين إسماعيل أبدلوا للتغيير الذي قد لزم فغيروه لما ذكرت من التشبيه بالإضافة فأبدلوا من الشين نحوها في الهمس والانسلال من بين الثنايا وأبدلوا من الهمزة العين لأنها أشبه الحروف بالهمزة. وقالوا: قفشليلٌ فأتبعوا الآخر الأول لقربه في العدد لا في المخرج. فهذه حال الأعجمية فعلى هذا فوجهها. إن شاء الله. باب علل ما تجعله زائداً


فمن حروف الزوائد ما تجعله إذا لحق رابعاً فصاعداً زائداً إبداوإن لم يشتق منه ما تذهب فيه الزيادة لا تجعله من نفس الحرف إلا بثبتٍ ومنها ما تجعله من نفس الحرف ولا تجعله زيادةً إلا بثبتٍ. فالهمزة إذا لحقت أولاً رابعة فصاعداً فهي مزيدة أبداً عندهم. ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بأفكلٍ وأيدعٍ لم تصرفه. وأنت لا تشتق منهما ما تذهب فيه الألف. وإنما صارت هذه الألف عندهم بهذه المنزلة وإن لم يجدوا ما تذهب فيه مشتقاً لكثرة تبينها زائدة في الأسماء والأفعال والصفة التي يشتقون منها ما تذهب فيه الألف فلما كثر ذلك في كلامهم أجروه على هذا. ومما يقوى على أنها زائدة أنها لم تجىء أولاً في فعلٍ فيكون عندهم بمنزلة دحرج. فترك صرف العرب لها وكثرتها أولاً زائدة والحال التي وصفت في الفعل يقوى أنها زائدة. فإن لم تقل ذلك دخل عليك أن تزعم أن ألحقت بمنزلة دحرجت. فإن قيل: تذهب الألف في يفعل فلا تجعلها بمنزلة أفكلٍ قيل: ذهبت الهمزة كما ذهبت واو وعد في يفعل فهذه أجدر أن تذهب إذ كانت زائدة وصار المصدر كالزلزال ولم يجدوا فيه كالزلزلة للحذف الذي في يفعل فأرادوا أن يعوضوا حرفاً يكون في نفسه بمنزلة الذي ذهب: وأما أولقٌ فالألف من نفس الحرف يدلك على ذلك قولهم: ألق الرجل وإنما أولق فوعلٌ ولولا هذا الثبت لحمل على الأكثر. وكذلك الأرطى لأنك تقول: أديمٌ مأروطٌ. فلو كانت الألف زائدةً لقلت مرطيٌّ. والإمر فعلٌ لأنه صفةٌ فيه من الثبت مثل ما قبله. والإمرة والإمعة لأنه لا يكون إفعلٌ وصفا. وأولقٌ من التألق وهو كذنبٍ مثل هيخ. ومنبج الميم بمنزلة الألف لأنها إنما كثرت مزيدةً أولاً فموضع زيادتها كموضع الألف وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولاً في الاسم والصفة. فلما كانت تلحق كما تلحق وتكثر ككثرتها ألحقت بها. فأما المعزى فالميم من نفس الحرف لأنك تقول معزٌ ولو كانت زائدةً لقلت عزاءٌ فهذا ثبتٌ كثبت أولقٍ. ومعد مثله للتمعدد لقلة تمفعلٍ. وأما مسكينٌ فمن تسكن. وقالوا: تمسكن مثل تمدرع في المدرعة. وأما منجنيقٌ فالميم منه من نفس الحرف لأنك إن جعلت النون فيه من نفس الحرف فالزيادة لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الأسماء من أفعالها نحو مدحرج وإن كانت النون زائدة فلا تزاد الميم معها لأنه لا يلتقي في الأسماء ولا في الصفات التي ليست على الأفعال المزيدة في أولها حرفان زائدان متواليان. ولو لم يكن في هذا إلا أن الهمزة التي هي نظيرتها لم تقع بعدها الزيادة لكانت حجة. فإنما منجنيقٌ بمنزلة عنتريسٍ ومنجنونٌ بمنزلة عرطليل. فهذا ثبتٌ. ويقوي ذلك مجانيق ومناجين. وكذلك ميم مأججٍ وميم مهدد لأنهما لو كانتا زائدتين لأدغمت كمردٍ ومفرٍّ فإنما هما بمنزلة قردد. وأما مرعزاء فهي مفعلاء وكسرة الميم ككسرة ميم منخرٍ ومنتنٍ. وليست كطرمساء. يدلك على ذلك قولهم: مرعزى كما قالوا: مكورى للعظيم الروثة لأنها مكورةً. وقالوا: يهترى. فليس شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث وإنما كان هذا فيما كان أوله حرف الزوائد. فهذا دليل على أنها من بنات الثلاثة وعلى أن الياء الأولى زائدة. ولا نعلم في الأربعة على هذا المثال بغير ألف. وقالوا: يهيرٌّ فحذفوا كما حذفوا مرعزى. وقال بعضهم مكورٌّ ومكورى: العظيم الروثة. وسمعت مكورى: المملوء فحشاً. وأما الألف فلا تلحق رابعة فصاعداً إلا مزيدة لأنها كثرت مزيدة كما كثرت الهمزة أولاً فهي بمنزلتها أولاً: ثانيةٌ وثالثةٌ ورابعةٌ فصاعداً إلا أن يجيء ثبتٌ. وهي أجدر أن تكون كذلك من الهمزة لأنها تكثر ككثرتها أولاً وأنه ليس في الكلام حرف إلا وبعضها فيه أو بعض الياء والواو. فأما الثبت الذي يجعلها بدلاً من حرف هو من نفس الحرف فكل شيء تبين لك أنه من الثلاثة من بنات الياء والواو. وتكون رابعةً وأول الحرف الهمزة أو الميم إلا أن يكون ثبتٌ أنهما من نفس الحرف. وذلك نحو: أفعى وموسى فالألف فيهما بمنزلتها في مرمىً فإذا لم يكن ثبتٌ فهي زائدةٌ أبداً وإن لم نشتق من الحروف شيئاً تذهب فيه الألف وإلا زعمت أن مثل ألف الزامج والعالم إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كجعفر وأن السرداح بمنزلة الجردحل. وإنما فعل هذا لكثرة تبينها لك زائدةً في الكلام كتبين الهمزة أولاً وأكثر. ويدخل عليك أن تزعم أن كنابيلا بمنزلة قذعميل وأن مثل اللهاب إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كهدملةٍ. فإن قلت ذا قلت ما لا يقوله أحد. ألا ترى أنهم لا يصرفون: حنبطىً ولا نحوه في المعرفة أبداً وإن لم يشتقوا منه شيئاً تذهب فيه الألف لأنها عندهم بمنزلة الهمزة. فإن قلت في نحو حبنطىً: ألفه من نفس الحرف لأنه لم يشتق منه شيء تذهب فيه الألف. فأما ما جاء مشتقاً من نحو حبنطىً ليست فيه ألف حبنطىً فنحو معزىً ونحو ذفرى ولا تنوين فيها وعلقىً وتترىً وحلباةٍ وسعلاةٍ لأنك تقول: حلبت واستسعلت. وسائر موقعها زائدةً أكثر من ذا فهي كالهمزة أولاً في أحمر وأربع ونحوهما. وكإصليتٍ وأرونانٍ وإنما هو من الصلت والرون. وإمخاض وإحلاب. وألنددٍ وإنما هو من اللدد. وأسكوبٍ من السكب. فأشباه هذا ونحوه كأحمر وأربعٍ. وأما قطوطىً فمبنية أنها فعوعلٌ لأنك تقول: قطوانٌ فتشتق منه ما يذهب الواو ويثبت ما الألف بدلٌ منه. وكذلك: ذلولىً لأنك تقول: اذلوليت وإنما هي افعوعلت. وكذلك شجوجىً وإن لم يشتق منه لأنه ليس في الكلام فعولىً وفيه فعوعلٌ فتحمله على القياس. فهذا ثبتٌ. فعلى هذا الوجه تجعل الألف من نفس الحرف كما جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف حيث قال العجاج: بشيةٍ كشية الممرجل الممرجل: ضربٌ من ثياب الوشي. فإن قيل: لا يدخل الزامج ونحو اللهابة لأن الفعل منهما لا يكون فيهما إلا بذهاب الحرف الذي يزاد. فالألف عنده مما لم يشتق فتذهب منه بدل من ياء أو واوٍ كألف حاحيت وألف حاحى ونحوه. وكذلك الياء وإن ألحق بها الحرف ببناء الأربعة لأنها أخت الألف في كثرة اللحاق زائدةً. فكما جعلت ما لحق ببنات الأربعة وآخره ألفٌ زائد الآخر نحو علقىً وإن لم تشتق منه شيئاً تذهب فيه الألف كذلك تفعل بالياء لأنها أختها. فمما اشتق مما فيه الياء وألحق ببنات الأربعة فذهبت منه فنحو: ضيغمٍ تقول: ضغمت. ونحو هينغٍ تقول: هانغت. وميلعٍ إنما هي من ملعت. وحذيم إنما هي من حذمت. فكما اشتقوا حذام للمرأة اشتقوا حذيماً للرجل. والعثير إنما هو من عثرت. ومن ذلك قولهم: تجعبيت وجعبيته وإنما هي من تجعب وجعبته. وسلقيته لأنك تقول سلقته. وقلسيته وتقلسى لأنهم يقولون تقلس وتقلنس. ومن ذلك قولهم في عيضموزٍ: عضاميز وفي عيطموسٍ: عطاميس فلو كانت من نفس الحرف كضاد عضرفوطٍ لم تكسر على هذا الجمع. ومن ذلك ياء عفريةٍ وزبنيةٍ لأنك تقول: عفرٌ وتقول: عفره وزبنه. وأما ما لا يجيء على مثال الأربعة ولا الخمسة فهو بمنزلة الذي يشتق منه ما ليس فيه زيادة لأنك إذا قلت: حماطةٌ ويربوعٌ كان هذا المثال بمنزلة قولك: ربعت وحمطت لأنه ليس في الكلام مثل سبطرٍ ولا مثل دملوجٍ. وهذا النحو أكثر في الكلام من أن أجمعه لك في هذا الموضع ولكنه قد مضى في الأبنية. فالياء كالألف في كثرة دخولها زائدة وفي أن إحدى الحركات منها فلما كانت كذلك ألحقت بها. ومثل العيطموس في الحذف: سميدعٌ قالوا: سمادع. فأما يهيرٌّ فالزيادة فيه أولاً لأنه ليس في الكلام فعيلٌّ. وقد ثقل في الكلام ما أوله زيادة. ولو كانت يهيرٌ مخففة الراء كانت الأولى هي الزيادة لأن الياء إذا كانت أولاً فهي بمنزلة الهمزة. ألا ترى أن يرمعاً بمنزلة أفكلٍ لأنها تلحق أولاً كثيراً فلما كان الحد لو قلت أهيرٌ كانت الألف هي الزائدة فكذلك الياء كما كانت تكون زائدة لو قلت: إهيرٌ لأن أصبعاً لو لم يشتق منها ما تذهب منه الألف كانت كأفكلٍ فجعلت الياء بمنزلتها لأنها كأنها همزة واستوى إهبرٌ وأهيرٌ من قبل أن الهمزة إذا كانت أولاً فالمكسورة كالمفتوحة وكذلك المضمومة. ألا ترى أنك تسوي بين أبلم وإثمدٍ وأفكلٍ. وأما يأجج فالياء فيها من نفس الحرف لولا ذلك لأدغموا كما يدغمون في مفعل ويفعل من رددت. فإنما الياء ههنا كميم مهدد. وأما يستعور فالياء فيه بمنزلة عين عضرفوطٍ لأن الحروف الزوائد لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الميم التي في الاسم الذي يكون على فعله فصار كفعل بنات الثلاثة المزيد. وكذلك ياء ضوضيت من الأصل لأن هذا موضع تضعيف بمنزلة صلصلت كما أن الذين قالوا غوغاءٌ فصرفوا جعلوها بمنزلة صلصالٍ. وكذلك ياء دهديت فيما زعم الخليل لأن الياء شبيهةٌ بالهاء في خفتها وخفائها. والدليل على ذلك قولهم: دهدهت فصارت الياء كالهاء. ومثله: عاعيت وحاحيت وهاهيت لأنك تقول: الهاهاة والحاحاة والحيحاء كالزلزلة والزلزال. وقد قالوا: معاعاة كقولهم: معترسةٌ. وقوقيت بمنزلة ضوضيت وحاحيت لأن الألف بمنزلة الواو في ضوضيت وبمنزلة الياء في صيصية فإذا ضوعف الحرفان في الأربعة فهو كالحرفين في الثلاثة ولا تزيد إلا بثبت فهما كياءي حييت. وكذلك الواو إن ألحقت الحرف ببنات الأربعة والأربعة بالخمسة كما كانت الألف كذلك فما ألحق ببنات الخمسة بالألف فنحو حبركي وبالياء فنحو سلحفيةٍ على مثال قذعملةٍ. وحبركي على مثال سفرجلٍ. وكذلك الواو كثرتها ككثرتهما ولأن إحدى الحركات منها. فكثرة تبين هذه الحروف زائدةً في الأسماء والأفعال التي يشتقون منها ما تذهب فيه بمنزلة الهمزة أولاً إلا أن يجيء ثبتٌ. وصارت هذه الحروف أولى أن تكون زائدة من الهمزة لأن مواضعها زائدةً أكثر في الكلام ولأنه ليس في الدنيا حرفٌ يخلو من أن يكون إحداها فيه زائدةً أو بعضها. فما اشتق مما فيه الواو وهو ملحق ببنات الأربعة فذهبت فيه الواو فنحو قولك في الشوحط: شحطت وفي الصومعة: صمعت والصومعة إنما هي من الأصمع. وقالوا: صومعت كما قالوا: قلسيت وبيطرت. ومثل ذلك: جهورٌ وجهورت وإنما هي من الجهارة. والجراول إنما هي من الجرل. والقسور إنما هي من الاقتسار. والصوقعة إنما هي من الأصقع وعنفوانٌ إنما هي من الاعتناف. ومثل ذلك: القرواح إنما هي من القراح. والدواسر إنما هي من الدسر. فأما ورنتلٌ فالواو من نفس الحرف لأن الواو لا تزاد أولاً أبداً والوكواك كذلك ولا تجعل الواو زائدة لأنها بمنزلة القلقال. والتاء كذلك ولا تجعل الرابعة زائدة لأنها بمنزلة العقنقل. وأما قرنوةٌ فهي بمنزلة ما اشتققت مما ذهبت فيه الواو نحو: خروعٍ فعولٍ لأنه من التخرع والضعف لأنه ليس في الكلام على مثال قحطبةٍ. فالواو والياء بمنزلة أختهما. فمن قال قرواحٌ لا تدخل لأنها أكثر من مثل جردحل فما جاء على مثال الأربعة فيه الواو والياء والألف أكثر مما ألحق به من بنات الأربعة. ومن أدخل عليه سرداحاً قيل له اجعل عذافرةً كقذعملةٍ. فما خلا هذه الحروف الثلاثة من الزوائد والهمزة والميم أولاً فإنه لا يزاد إلا بثبت. فمما يبين لك أن التاء فيه زائدة التنضب لأنه ليس في الكلام على مثال جعفرٍ وكذلك التتفل والتتفل لأنهم قد قالوا التتفل. وليس في الكلام على مثال جعفرٍ فهذا بمنزلة ما اشتق منه ما لا تاء فيه. وكذلك ترتبٌ وتدرأ لأنهن من رتب ودرأ. وكذلك: جبروتٌ وملكوتٌ لأنهما من الملك والجبرية. وكذلك عفريتٌ لأنها من العفر وكذلك: عزويتٌ لأنه ليس في الكلام فعويلٌ. وكذلك الرغبوت والرهبوت لأنه من الرغبة والرهبة. وكذلك التحلىء والتحلئة لأنهما من حلأت وحلئت. وكذلك التتفلة لأنها سميت بذلك لسرعتها كما قيل ذلك للثعلب. قال الراجز: يهوى بها مراً هوىً التتفله وكذلك السنبتة من الدهر لأنه يقال سنبةٌ من الدهر. وكذلك: التقدمية لأنها من التقدم. وكذلك التربوت لأنه من الذلول يقال للذلول مدربٌ فأبدلوا التاء مكان الدال كما قالوا الدولج في التولج فأبدلوا الدال مكان التاء وكما قالوا ستةٌ فأبدلوا التاء مكان الدال ومكان السين وكما قالوا: سنبنتىً وسبندىً واتغروا وادغر وأصله ائتغر فاشتركا في هذا الموضع. والعنكبوت والتخربوت لأنهم قالوا عناكب. وقالوا العنكباء فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء. ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوطٍ. وكذلك تاء تخربوت لأنهم قالوا: تخارب. وكذلك تاء أختٍ وبنتٍن وثنتين وكلتا لأنهن لحقن للتأنيث وبنين بناء ما لا زيادة فيه من الثلاثة. كما بنيت سنبتةٌ بناء جندلة. واشتقاقهم منها ما لا زيادة فيه دليلٌ على الزيادة. وكذلك تاءٌ هنتٍ في الوصل ومنتٍ تريد: هنه ومنه. وكذلك التجفاف والتمثال والتلقاء لأنك تشتق منهن ما تذهب فيه التاء. وكذلك التنبيت والتمتين لأنهما من المتن والنبات. ولو لم تجد ما تذهب فيه التاء لعلمت أنها زائدة لأنه ليس في الكلام مثل قنديل. ومثل ذلك: التنوط لأنه ليس في الكلام في الاسم والصفة على مثال فعللٍ وهو من ناط ينوط. وكذلك التهبط لأنه من هبط. ولو لم تجد ناط وهبط لعرفت ذلك لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك التبشر لأنه من بشرت. ولو لم تجد ذلك لعرفت أنه زائد لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك: ترنموتٌ من الترنم. وإنما دعاهم إلى أن لا يجعلوا التاء زائدةً فيما جاءت فيه إلا بثبت لأنها لم تكثر في الأسماء والصفة ككثرة الأحرف الثلاثة والهمزة والميم أولاً. وتعرف ذلك بأنك قد أحصيت كل ما جاءت فيه إلا القليل إن كان شذ. فلما قلت هذه الأشياء في هذه المواضع صارت بمنزلة الميم والهمزة رابعة. وإنما كثرتها في الأسماء للتأنيث إذا جمعت أو الواحدة التي الهاء فيها بدل من التاء إذا وقفت. ولا تكون في الفعل ملحقة ببنات الأربعة. فكثرتها في الأسماء فيما ذكرت لك وفي الأفعال في افتعل واستفعل وتفاعل وتفوعل وتفعل وتفعول وتفعيل. وكثرت في تفعلٍ مصدراً وفي تفعالٍ وفي التفعيل ولا تكون إلا مصدراً. وليس كثرتها في الأفعال والمصدر أولاً نحو تردادٍ وثانية نحو استردادٍ وفي الأسماء للتأنيث - تجعل سوى ما ذكرت لك من الأسماء والصفة زائدةً بغير ثبت لأنها لم تكثر فيهما في هذه المواضع فلو جعلت زائدة لجعلت تاء تبع وتنبالةٍ وسبروتٍ وبلتع ونحو ذلك زائدةً لكثرتها في هذه المواضع ولجعلت السين زائدة إذا كانت في مثل سلجمٍ لأنها قد كثرت في استفعلت ولجعلت الهمزة زائدةً في كل موضع إذ كثرت أولاً. ألا ترى أنك لم تجعل الواو في ورنتلٍ زائدة لأنها لا تزاد أولاً ولا الياء في يستعورٍ لأنها لا تزاد أولاً في الأربعة. فإنما تنظر إلى الحرف كيف يزاد وفي أي المواضع يكثر. فأما الأحرف الثلاثة فإنهن يكثرن في كل موضع ولا يخلو منهن حرف أو من بعضهن إلا أن الواو لا تلحق أولاً ولا الياء أولاً فيما ذكرت لك. ثم ليس شيءٌ من الزوائد يعدل كثرتهن في الكلام هن لكل مدٍّ ومنهن كل حركة وهن في كل جميعٍ. وبالياء الإضافة والتصغير وبالألف التأنيث. وكثرتهن في الكلام وتمكنهن فيه زوائد أفشى من أن يحصى ويدرك فلما كن أخواتٍ وتقاربن هذا التقارب أجرين مجرىً واحداً. وكذلك النون وكثرتها في الانصراف وفي الفعل إذا أكدت بالخفيفة والثقيلة وفي الجمع والتثنية. فهذه النونات لا يلزمن الحرف إنما هن كتاء التأنيث وهاء التأنيث في الوقف. وتكثر في فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فذا ههنا بمنزلة ما جمع بالتاء. فهذه في الكثرة نظائر ما ذكرت لك من التاء. فالنون نحو التاء ولها خاصتها في الفعل. ثم لا يكثر لزومها للواحد اسماً وصفة كلزوم ألف أحمر والميم أولاً. ويكثر فعلانٌ مصدراً فإنما هي كالتاء في تفعيلٍ وتفعالٍ مصدراً. وأما فعلان فعلى فالنون فيه بدلٌ كهمزة حمراء وليست بأصلٍ نحو هاء التأنيث في الوقف ولا تجعلها زائدة فيما خلا ذا إلا بثبت كما فعلت ذلك بالتاء. ولم تكثر في الاسم والصفة ككثرة الهمزة في أفعل وفي سائر الأبنية أولاً وفي الفعل. فهي والتاء لا تعدلان الهمزة أولاً ولا الميم أولاً لأن الميم زائدة أولاً لازمة لكل اسم من الفعل المزيد وأنها لازمة لكل فعل في مفعولٍ ومفعل ونحوهما فهي كالهمزة في الكثرة أولاً. ومما يقوى أن النون كالتاء فيما ذكرت لك أنك سميت رجلاً نهشلاً أو نهضلاً أو نهسراً صرفته ولم تجعله زائداً كالألف في أفكلٍ ولا كالياء يرمعٍ لأنها لم تمكن في الأبنية والأفعال كالهمزة أولاً ولا كالياء وأختيها في الكلام لأنهن أمهات الزوائد. ولو جعلت نون نهشلٍ زائدة لجعلت نون جعثنٍ زائدة ونون عنترٍ زائدة وزرنبٍ. فهؤلاء من نفس الحرف كما أن تاء حبترٍ من نفس الحرف. فليس للتاء والنون تمكن الهمزة في الاسم والصفة والفعل أولاً ولا تمكن الميم أولاً. ومما جعلته زائداً بثبت: العنسل لأنهم يريدون العسول. والعنبس لأنهم يريدون العبوس. ونون عفرنى لأنها من العفر يقال للأسد عفرتي. ونون بلهنيةٍ لأن الحرف من الثلاثة كما تقول عيشٌ أبله. ونون فرسنٍ لأنها من فرست. ونون خنققيقٍ لأن الخنققيق الخفيفة من النساء الجريئة. وإنما جعلتها من خفق يخفق كما تخفق الريح يقال داهيةٌ خنققيقٌ. فإما أن تكون من خفق إليهم أي أسرع إليهم وإما أن تكون من الخفق أي يعلوهم ويهلكهم. ومن ذلك: البلنصي لأنك تقول للواحد البلصوص. ومثل ذلك نون عقنقلٍ وعصنصرٍ لأنك تقول عقاقيل وتقول للعصنصر: عصيصير. ولو لم يوجد هذان لكان زائداً لأن النون إذا كانت في هذا الموضع كانت زائدة. وسنبين ذلك ووجهه إن شاء الله. والنون من جندب وعنصلٍ وعنظبٍ زائدة لأنه لا يجيء على مثال فعللٍ شيءٌ إلا وحرف الزيادة لازم له وأكثر ذلك النون ثابتة فيه. وأما العرضنة والخلفنة فقد تبينتا لأنهما من الاعتراض والخلاف. وكذلك الرعشن لأنه من الارتعاش. والضيفن لأنه من الضيف. والعلجن لأنه من الغلط. والسرحان والضبعان لأنك تقول السراح والضباع. وكذلك الإنسان. فأما الدهقان والشيطان فلا تجعلها زائدتين فيهما لأنهما ليس عليهما ثبت. ألا ترى أنك تقول: تشيطن وتدهقن وتصرفهما. فإنما كثرتها فيما ذكرت لك وفي فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فأما ما خلا ذلك في الأسماء والصفة فإنه قليل. وفي فعلانٍ وأكثر ذلك في المصادر فهي في المصدر والجمع كالتاء في الجمع والتفعيل. وفعلانٌ بمنزلة التفعال ثم تحتاج إلى الثبت كما تحتاج التاء. وإذا جاءك نحو أثعبانٍ وقيقبانٍ فإنك لا تحتاج في هذا إلى الاشتقاق لأنه لم يجىء شيءٌ آخره من نفس الحرف على هذا المثال. فإذا رأيت الشيء فيه من حروف الزوائد شيء ولم يكن على مثال ما آخره من نفس الحرف فاجعله زائداً لأن ذلك بمنزلة اشتقاقك منه ما ليس فيه زائدة. فالنون فيما ذكرت لك نحو التاء. ولو شئت لجمع ما هي فيه زائدةٌ سوى ما استثنينا كما استثنيت في التاء إلا القليل إن شذ. وأما جندبٌ فالنون فيه زائدة لأنك تقول جدب فكان هذا بمنزلة اشتقاقك منه ما لا نون فيه وإنما جعلت جندباً وعنصلاً وخنفساً نوناتهن زوائد لأن هذا المثال يلزمه حرف الزيادة فكما جعلت النونات فيما كان على مثال احرنجم زائدة لأنه لا يكون إلا بحرف الزيادة كذلك جعلت النون في هذا زائدة. ومما اشتق من هذا النحو مما ذهبت فيه النون: قنبرٌ قالوا: قبرٌ. ولو لم يشتق منه ولا من ترتبٍ لكان علمك بلزوم حرف الزيادة هذا المثال بمنزلة الاشتقاق. وكذلك: سندأوٌ وحنطأوٌ للزوم النون هذا المثال والواو. وإنما صارت الواو هنا بعد الهمزة لأنها تخفى في الوقف فاختصت بها ليكون لزوم البيان عوضاً في هذا لما يدخلها من الخفاء. وكانت النون أولى بأن تزاد لمن الهمزة لأنها زائدة في وسط الكلام أكثر منها وإنما لزمت الواو الهمزة لما ذكرت لك. وكذلك خنفساء وعنصلاء وحنظباء وتفسيره كتفسير عنصلٍ. وأما العنتريس فمن العترسة وهي الشدة والغلبة. والذرنوح من ذراح وهو فعنولٌ. واعلم أن النون إذا كانت ثالثة ساكنة وكان الحرف على خمسة أحرف كانت النون زائدة. وذلك نحو: جحنفلٍ وشرنبث وحبنطىً وجلنظىً ودلنظىً وسرندىً وقلنسوةٍ لأن هذه النون في موضع الزوائد وذلك نحو: ألف عذافرٍ وواو فدوكسٍ وياء سميدع. ألا ترى أن بنات الخمسة قليلة وما كان على خمسة أحرف وفيه النون الساكنة ثالثة يكثر ككثرة عذافرٍ وسرومطٍ وسميدع. فهذ يقوي أنه من بنات الأربعة. وقد بين تعاورها والألف في الاسم في معنى واحد وذلك: قولهم رجلٌ شرنبثٌ وشرابثٌ وجرنفسٌ وجرافسٌ وقالوا: عرنين وعرتن فحذفوا النون كما حذفوا ألف علبطٍ. فهذا دليل وهو قول الخليل. فلما كانت هذه النون ساكنة في موضع الزوائد التي ذكرت وتكثر الأسماء بها ككثرتها بألف عذافر جعلوها بمنزلتها. ألا ترى أنك لو حركتها لم تكثر الأسماء بها لأنها ليست كالألف والياء الساكنة. وإنما جعلناها بمنزلتها حيث سكنت. ألا تراها متحركة تقل بها الأسماء كما قلت بالواو في موضعها ولا تجد الياء متحركةً في موضعها. فهذه الحال لا تجعل النون فيها زائدة فما اشتق مما هي فيه فذهبت: القلنسوة وقالوا تقلسيت وقالوا: الجعنظار وقالوا: الجعظرى والجعيظير. والسرندى وهو الجريء وإنما هو من السرد لأنه يمضي قدماً. والدلنظي وهو الغليظ كما قالوا: دلظة بمنكبه وإنما هو غلظ الجانب: والجحنفل: العظيم ويقال: جمعٌ جحفلٌ. فأما إذا كانت ثانية ساكنة فإنها لاتزاد إلا بثبت. وذلك: حنزقرٌ وحنبترٌ لقلة الأسماء من هذا النحو لأنك لا تجد أمهات الزوائد في هذا الموضع. وكذلك عندليبٌ لأنه لم يكثر في الأسماء هذا المثال ولأن أمهات الزوائد لا تقع ثانية في هذا المثال. وإذا كان الحرف ثانياً متحركاً أو ثالثاً فلا يزاد إلا بثبت كما لم يزد وهو ثانٍ ساكناً إلا بثبت. وذلك: جنعدلٌ وشنافرٌ وخدرنقٌ لقلتها في الكلام ولقلة مواقع الزوائد في مواضعها. واعلم أن ما ألحق ببنات الأربعة من لثلاثة فهو بمنزلة الأربعة في النون الساكنة الثالثة. وقد قالوا قلنسوة فهذه النون بمنزلة ألف عفاريةٍ وهباريةٍ فكذلك كل شيءٍ كانت هذه النون فيه ثالثة مما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة. وعفاريةٌ تلحق بعذافرةٍ. وأما كنهبل فالنون فيه زائدة لأنه ليس في الكلام على مثال سفرجل. فهذا بمنزلة ما يشتق مما ليس فيه نون فكنهبل بمنزلة عرنتن بنوه بناءه حين زادوا والنون ولو كانت من نفس الحرف لم يفعلوا ذلك والعرنتن قد تبينت بعرتنٍ والبناء. وقرنفلٌ مثله لأنه ليس في الاكم مثل سفرجلٍ. وأما عقنقلٌ فإن كان من الأربعة فهو كجحنفلٍ وإن كان من الثلاثة فهو أبين في أن النون زائدة. وإنما عقنقلٌ من التعقيل. وأما القنفخر فالنون فيه زائدة لأنك تقول قفاخريٌّ في هذا المعنى. فإن لم تستدل بهذا النحو من الاشتقاق إذا تقاربت المعاني دخل عليك أن تقول: أولق من لفظ آخر وأن تقول: عفرنىً وبلهنيةٌ من لفظ آخر وإن العرضنى من لفظ آخر. وأما ضفنددٌ فبمنزلة دلنظىً لأنه قد بلغ مثال سفرجلٍ والنون ثالثة ساكنة فكما صارت نون عقنقلٍ كياء خفيدد صارت هذه بمنزلة ياء خفيددٍ وواو حبوتنٍ. فهذا سبيل بنات الأربعة وما لحق بها من الثلاثة. وليست بمنزلة قفعدد كما أن جحنفلاً ليس كهمرجلٍ لأن الثالث من حروف الزيادة. فالواو المزيدة كألف سبندىً والنون كنونها. وأما كنتألٌ وخنثعبةٌ فبمنزلة كنهبل لأنه ليس في الكلام على مثال جردحلٍ وإنما جاء هذا المثال بحرف الزيادة فهو بمنزلة كنهبلٍ وعنصلٍ. فأما الميم فإذا جاءت ليست في أول الكلام فإنها لا تزاد إلا بثبت لقلتها وهي غير أولى وأما ما هي ثبتٌ فيه فدلامصٌ لأنه من التدليص. وهذا كجرائضٍ. وقالوا: سئتهمٌ وزرقمٌ يريدون الأزرق والأسته. وكذلك الهمزة لا تزاد غير أولى إلا بثبت. فمما ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ لأنك تقول ضهياء كما تقول عمياء. وجرائضٌ لأنك تقول جرواضٌ. وحطائط هو الصغير لأن الصغير محطوط. والضهيأ: شجرٌ وهي أيضاً: التي لا تحيض. وقالوا أيضاً: ضهياء مثل عمياء. وكل حرفٍ من حروف الزوائد كان في حرفٍ فذهب في اشتقاقٍ في ذلك المعنى من ذاك اللفظ فاجعلها زائدة. وكذلك ما هو بمنزلة الاشتقاق. فإن لم تفعل هذا لم تجعل نون سرحان وهمزة جرايضٍ وميم ستهمٍ زائدة. فعلى هذا النحو ما تزيده بثبت. فإن لم تفعل ذلك صرت لا تزيد شيئاً منهن. ومثل ذلك: شمألٌ وشأملٌ تقول: شملت وشمالٌ. 

====== 

الكتاب (سيبويه)/الجزء العاشر 











باب ما الزيادة فيه من حروف الزيادة ولزمه التضعيف اعلم أن كل كلمة ضوعف فيها حرف مما كانت عدته أربعةً فصاعداً فإن أحدهما زائد إلا أن يتبين لك أنها عين أو لام فيكون من باب مددت. وذلك نحو: قرددٍ ومهدد وقعددٍ وسوددٍ ورمددٍ وجبنٍّ وخدبٍّ وسلمٍ وخمرٍن ودنبٍ. وكذلك جميع ما كان من هذا النحو. فإن قلت: لا أجعل إحداهما زائدة إلا باشتقاق منه ما لا تضعيف فيه أو أن يكون على مثالٍ لا يكون عليه بنات الأربعة والخمسة - دخل عليك أن تقول: القلف بمنزلة الهجرع وإن اللام بمنزلة الراء والجيم وإن اللام في جلوزٍ بمنزلة الدال والراء في فردوسٍ وإن الباء في الجباء بمنزلة الراء والطاء في قرطاس. فإذا قلت هذا فقد قلت ما لا يقوله أحد. فهذا المضاعف الزيادة منه فيما ذكرت لك كالألف رابعةً فيما مضى. وقد تدخل بين الحرفين الزيادة وذلك نحو: شملالاٍ وزحليلٍ وبهلولٍ وعثوثلٍ وفرندادٍ وعقنقل وخفيفدٍ. فكما جعلت إحداهما زائدة وليس بينهما شيء كذلك جعلت إحداهما زائدة وبينهما حرف. وقد تبين لك أنهم يفعلون ذلك في شملال لأنهم يقولون: طملٌّ وشملةٌ وفي شمليل وعقنقلٍ وعثوثل لأنك تقول: عثولٌّ. فقد تبين لك بهذا أن التضعيف ههنا بمنزلته إذا لم يكن بينهما شيء كما صار ما لم يفصل بينه بكثرة ما اشتق منه مما ليس فيه تضعيف بمنزلة ما فيه ألف رابعة. وكذلك المضاعف في عدبس وقفعددٍ وجميع هذا النحو في التضعيف. كما ضوعفت العين وحدها واللام وحدها وذلك نحو: ذرحرح وحلبلابٍ وصمحمحٍ وبرهرهةٍ وسرطراط. يدلك على ذلك قولهم: ذراحٌ فكما ضاعفوا الراء كذلك ضاعفوا الراء والحاء. وقالوا الحلب وإنما يعنون الحلبلاب. وكذلك على ذلك قولهم: صمامح وبراره. فلو كانت بمنزلة سفرجلٍ لم يكسروها للجمع ولم يحذفوا منها لأنهم يكرهون أن يحذفوا ما هو من نفس الحرف. ألا تراهم لم يفعلوا ذلك ببنات الخمسة وفروا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا. وقولهم سرطراطٌ دليلٌ لأنه ليس في الكلام سفرجالٌ. وأدخلوا الألف ههنا كما أدخلوها في حلبلابٍ. وكذلك: مرمريسٌ ضاعفوا الفاء والعين كما ضاعفوا العين واللام ألا ترى أن معناه معنى المراسة. فإذا رأيت الحرفين ضوعفا فاجعل اثنين منهما زائدين كما تجعل أحد الاثنين فيما ذكرت لك زائداً. ولا تكلفن أن تطلب ما اشتق منه بلا تضعيف فيه كما لا تكلفه في الأول الذي ضوعف فيه الحرف. باب تمييز بنات الأربعة والخمسة


فأما جعفرٌ فمن بنات الأربعة لا زيادة فيه لأنه ليس شيء من أمهات الزوائد فيه ولا حروف الزوائد التي تجعلها زوائد بثبت وإنما بنات الأربعة صنفٌ لا زيادة فيه كما أن بنات الثلاثة صنفٌ لا زيادة فيه. وأما سفرجلٌ فمن بنات الخمسة وهو صنفٌ من الكلام وهو الثالث وقصته كقصة جعفرٍ. فالكلام لا زيادة فيه ولا حذف على هذه الأصناف الثلاثة. فمن زعم أن الراء في جعفرٍ زائدة أو الفاء فهو ينبغي له أن يقول: إنه فعلرٌ وفعفلٌن وينبغي له إن جعل الأولى زائدة أن يقول جفعلٌ وإن جعل الثاني أو الثالث أن يقول فععلٌ وفعفلٌ. وينبغي له أن يقول في غلفقٍ فعلقٌ وإن جعل الأولى زائدة أن يقول غفعل لأنه يجعلهن كحروف الزوائد. فكما تقول أفعل وفوعل وفعولٌ وفعلنٌ كذلك تقول هذا لأنه لابد لك من أن تجعل إحداهما بمنزلة الألف والياء والواو. وينبغي له أن يجعل الأخيرين في فرزدقٍ زائدين فيقول فعلدق. فإذا قال هذا النحو جعل الحروف غير الزوائد زوائد وقال ما لا يقوله أحد. وينبغي له إن جعل الأولين زائدين أن يكون عنده فرفعل. وإن جعل الحرفين الزائدين الزاي والدال قال فعزدل. فهذا قبيح لا يقوله أحد. ولا تقول فعللٌ ولا فعللٌ لأنك لم تضعف شيئاً وإنما يجوز هذا أن تجعله مثالاً. من مواضع الحروف غير الزوائد سألت الخليل فقلت: سلمٌ أيتهما الزائدة فقال: الأولى هي الزائدة لأن الواو والياء والألف يقعن ثواني في فوعل وفاعل وفيعل. وقال في فعلل وفعلٍّ ونحوهما: الأولى هي الزائدة لأن الواو والياء والألف يقعن ثوالث نحو: جدولٍ وعثيرٍ وشمال. وكذلك: عدبسٌ ونحوه جعل الأولى بمنزلة واو فدوكسٍ وياء عميثلٍ. وكذلك: قفعددٌ جعل الأولى بمنزلة واو كنهورٍ. وأما غيره فجعل الزوائد هي الأواخر وجعل الثالثة في سلم وأخواتها هي الزائدة لأن الواو تقع ثالثة في جدولٍ والياء في عثيرٍ. وجعل الآخرة في مهدد ونحوه بمنزلة الألف في معزىً وتترىً وجعل الآخرة في خدبٍّ بمنزلة النون في خلفنةٍ وجعل الآخرة في عدبسٍ بمنزلة الواو في كنهور وبلهور. وجعل الآخرة في قرشبٍ بمنزلة الواو في قندأوٍ وجعل الخليل الأولى بمنزلة الواو في فردوسٍ. وكلا الوجهين صوابٌ ومذهب. وأما الهمقع والزملق فبمنزلة العدبس إحدى الميمين زائدة في قول الخليل وغيره سواءٌ. وأما الهمرش فإنما هي بمنزلة القهبلس فالأولى نون يعني إحدى الميمين نون ملحقة بقهبلس لأنك لا تجد في بنات الأربعة على مثال فعللٍ. وأما الهمقع فلا تجعل الأولى نوناً لأنا لم نجد في بنات الخمسة على سفرجلٍ فتقول: الأولى نون لأنه ليس في بنات الخمسة على مثال فعلللٍ. فلما لم يكن ذلك في الخمسة جعلنا الأولى ميماً على حالها حتى يجيء ما يخرجها من ذلك ويبين أنها غير ميم. كما أنك لا تجعل الأولى في غطمشٍ نوناً غلا بثبت فكذلك هذه فهي عندنا بمنزلة دبخسٍ في بنات الأربعة. يقول: لما لم يكن في بنات الخمسة على مثال سفرجلٍ لم تكن الأولى من الميمين اللتين في همقع نوناً فتكون ملحقة بهذا البناء لأنه ليس في الكلام ولكنا نقول: هي ميم مضعفة لأن العين وحدها لا تلحق بناء ببناء. ولا ينكر تضعيف العين في بنات الثلاثة والأربعة والخمسة. باب نظائر ما مضى من المعتل


وما اختص به من البناء دون ما مضى والهمزة والتضعيف هذا باب ما كانت الواو فيه أولاً وكانت فاء


وذلك نحو: وعد يعد ووجل يوجل. وقد تبين وجه يفعل فيهما فيما مضى وتركنا أشياء ههنا لأنه قد تبين اعتلاله فيما مضى وإعرابه. اعلم أن هذه الواو إذا كانت مضمومة فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها وإن شئت أبدلت الهمزة مكانها وذلك نحو قولهم في ولد: ألد وفي وجوهٍ: أجوهٌ. وإنما كرهوا الواو حيث صارت فيها ضمةٌ كما يكرهون الواوين فيهمزون نحو قؤولٍ ومؤونة. وأما الذين لم يهمزوا فإنهم تركوا الحرف على أصله كما يقولن قوولٌ فلا يهمزون ومع ذلك أن هذه الواو ضعيفة تحذف وتبدل فأرادوا أن يضعوا مكانها حرفاً أجلد منها. ولما كانوا يبدلونها وهي مفتوحة في مثل وناةٍ وأناةٍ كانوا في هذا أجدر أن يبدلوا حيث دخله ما يستثقلون فصار الإبدال فيه مطرداً حيث كان البدل يدخل فيما هو أخف منه. وقالوا: وجم وأجم ووناةٌ وأناةٌ. وقالوا أحدٌ وأصله وحدٌ لأنه واحد فأبدلوا الهمزة لضعف الواو عوضاً لما يدخلها من الحذف والبدل. وليس ذلك مطرداً في المفتوحة ولكن ناساً كثيراً يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولاً كرهوا الكسرة فيها كما استثقل في ييجل وسيدٍ وأشباه ذلك. فمن ذلك قولهم: إسادةٌ وإعاءٌ. وسمعناهم ينشدون البيت لابن مقبل: إلا الإفادة فاستولت ركائبنا عند الجبابير بالبأساء والنعم وربما أبدلوا التاء مكان الواو في نحو ما ذكرت لك إذا كانت أولاً مضمومة لأن التاء من حروف الزيادة والبدل كما أن الهمزة كذلك. وليس إبدال التاء في هذا بمطرد. فمن ذلك قولهم: تراثٌ وإنما هي من ورث كما أن أناةً من ونيت لأن المرأة تعل كسولاً. كما أن أحداًُ من واحدٍ وأجم من وجم حيث قالوا: أجم كذلك لأنهم قد أبدلوا الهمزة مكان الواو المفتوحة والمكسورة أولاً. ومن ذلك التخمة لأنها من الوخامة. والتكأة لأنها من توكأت. والتكلان لأنها من توكلت. والتجاه لأنها من واجهت. وقد دخلت على المفتوحة كما دخلت الهمزة عليها وذلك قولهم: تيقورٌ. وزعم الخليل أنها من فإن يكن أمسى البلى تيقوري أراد: فإن يكن أمسى البلى وقاري. وهو فيعولٌ. وإذا التقت الواوان أولاً أبدلت الأولى همزة ولا يكون فيها إلا ذلك لأنهم لما استثقلوا التي فيها الضمة فأبدلوا وكان ذلك مطرداً إن شئت أبدلت وإن شئت لم تبدل لم يجعلوا في الواوين إلا البدل لأنهما أثقل من الواو والضمة. فكما اطرد البدل في المضوم كذلك لزم البدل في هذا. وربما أبدلوا التاء إذا التقت الواوان كما أبدلوا التاء فيما مضى. وليس ذلك بمطرد ولم يكثر في هذا كما كثر في المضموم لأن الواو مفتوحة فشبهت بواو وحدٍ. فكما قلت في هذه الواو وكانت قد تبدل منها كذلك قلت في هذه الواو. وذلك قولهم: تولجٌ. زعم الخليل أنها فوعل فأبدلوا التاء مكان الواو وجعل فوعلاً أولى بها من تفعلٍ لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلاً اسماًن وفوعلٌ كثير. ومنهم من يقول: دولج يريد تولجٌ وهو المكان الذي تلج فيه. وسألت الخليل عن فعلٍ من وأيت فقال: وؤىٌ كما ترى. فسأته عنها فيمن خفف الهمز فقال: أويٌ كما ترى فأبدل من الواو همزة فقال: لابد من الهمزة لأنه لا يلتقي واوان في أول الحرف. فأما قصة الياء والواو فستبين في موضعها إن شاء الله. وكذلك هي من وألت. من هذه الواوات التي تكون في موضع الفاء وذلك في الافتعال وذلك قولك: متقدٌ ومتعدٌ واتعد واتقد واتهموا في الاتعاد والاتقاد من قبل أن هذه الواو تضعف ههنا فتبدل إذا كان قبلها كسرة وتقع بعد مضموم وتقع بعد الياء. فلما كانت هذه الأشياء تكنفها مع الضعف الذي ذكرت لك صارت بمنزلة الواو في أول الكلمة وبعدها واوٌ في لزوم البدل لما اجتمع فيها فأبدلوا حرفاً أجلد منها لا يزول. وهذا كان أخف عليهم. وأما ناسٌ من العرب فإنهم جعلوها بمنزلة واو قال فجعلوها تابعة حيث كانت ساكنة كسكونها وكانت معتلةً فقالوا: إيتعد كما قالوا قيل وقالوا: ياتعد كما قالوا قال. وقالوا: موتعدٌ كما قالوا قول. وقد أبدلت في أفعلت وذلك قليل غير مطرد من قبل أن الواو فيها ليس يكون قبلها كسرة تحولها في جميع تصرفها فهي أقوى من افتعل. فمن ذلك قولهم: أتخمه وضربه حتى أتكأه وأتلجه يريد أولجه وأتهم لأنه من التوهم ودعاهم إلى ذلك ما دعاهم إليه في تيقور لأنها تلك الواو التي تضعف فأبدلوا أجلد منها ومع هذا أنها تقع في يفعل ويفعل بعد ضمة. فأما التقية فبمنزلة التيقور وهو أتقاهما في كذلك والتقى كذلك. وذلك إذا سكنت وقبلها كسرة فمن ذلك قولهم: الميزان والميعاد وإنما كرهوا ذلك كما كرهوا الواو مع الياء في ليةٍ وسيدٍ ونحوهما وكما يكرهون الضمة بعد الكسرة حتى إنه ليس في الكلام أن يكسرا أول حرف ويضموا الثاني نحو فعل ولا يكون ذلك لازماً في غير الأول أيضاً إلا أن يدركه الإعراب نحو قولك: فخذٌ كما ترى وأشباهه. وترك الواو في موزانٍ أثقل من قبل أنه ساكن فليس يحجزه عن الكسر شيءٌ. ألا ترى أنك إذا قلت وتدٌ قوي البيان للحركة فإذا أسكنت التاء لم يكن إلا الإدغام لأنه ليس بينهما حاجزٌ فالواو والياء بمنزلة الحروف التي تداني في المخارج لكثرة استعمالهم إياهما وأنهما لا تخلو الحروف منهما ومن الألف أو بعضهن فكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم كما أن رفع اللسان من موضع واحد أخف عليهم في الإدغام وكما أنهم إذا أدنوا الحرف من الحرف كان أخف عليهم نحو قولهم: ازدان واصطبر فهذه قصة الواو والياء. فإذا كانتا ساكنتين وقبلهما فتحةٌ مثل موعدٍ وموقفٍ لم تقلب ألفاً لخفة الفتحة والألف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها. وقد بين من ذلك أشياءٌ فيما مضى وستبين فيما يستقبل إن شاء الله. وتحذفان في مواضع وتثبت الألف. وإنما خفت الألف هذه الخفة لأنه ليس منها علاج على اللسان والشفة ولا تحرك أبداً فإنما هي بمنزلة النفس فمن ثم لم تثقل ثقل الواو عليهم ولا الياء لما ذكرت لك من خفة مؤنها. وإذا قلت مودٌّ ثبتت الواو لأنها تحركت فقويت ولم تقو الكسرة قوة الياء في ميت ونحوها. وتقول في فوعلٍ من وعدت: أوعدٌ لأنهما واوان التقتا في أول الكلمة. وتقول في فيعولٍ: ويعودٌ لأنه لم يلتق واوان ولم تغيرها الياء لأنها متحركة وإنما هي بمنزلة واو ويح وويل. وتقول في أفعولٍ: أوعود ويفعولٍ: يوعودٌ ولا تغير الواو كما لا تغي يومٌ. وسنبين لم كان ذلك فيما يلتقي من الواوات والياءات إن شاء الله. وتقول في تفعلةٍ من وعدت ويفعلٍ إذا كانا اسمين ولم يكونا من الفعل: توعدةٌ ويوعدٌ كما تقول في الموضع والموركة. فإنما الياء والتاء بمنزلة هذه الميم ولم تذهب الواو كما ذهبت من الفعل ولم تحذف من موعدٍ لأنه ليس فيه من العلة ما في يعد ولأنها اسم. ويدلك على أن الواو تثبت قولهم: توديةٌ وتوسعةٌ وتوصيةٌ. فأما فعلةٌ إذا كانت مصدراً فإنهم يحذفون الواو منها كما يحذفونها من فعلها لأن الكسرة يستثقل في الواو فاطرد ذلك في المصدر وشبه بالفعل إذ كان الفعل تذهب الواو منه وإذ كانت المصادر تضارع الفعل كثيراً في قيلك: سقياً وأشباه ذلك. فإذا لم تكن الهاء فلا حذف لأنه ليس عوض. وقد أتموا فقالوا: وجهةٌ في جهة. وإنما فعلوا ذلك بها مكسورة كما يفعل بها في الفعل وبعدها الكسرة فبذلك شبهت. فأما في الأسماء فتثبت قالوا: ولدةٌ وقالوا: لدةٌ كما حذفوا عدةً. وإنما جاز فيما كان من المصادر مكسور الواو إذا كان فعلةً لأنه بعدد يفعل ووزنه فيلقون حركة الفاء على العين كما يفعلون ذلك في الهمزة إذا حذفت بعد ساكن. فإن بنيت اسماً من وعد على فعلةٍ: قلت وعدةٌن وإن بنيت مصدراً قلت عدةٌ. باب ما كانت الياء فيه أولاً وكانت فاءً


وذلك نحو قولهم: يسر ييسير ويئس ييئس ويعر ييعر ويل ييل من الأيل في الأسنان وهو انثناء الأسنان إلى داخل الفم. وقد بينا يفعل منه وأشياء فيما مضى فنترك ذكرها ههنا لأنها قد بينت. واعلم أن هذه الياء إذا ضمت لم يفعل بها ما يفعل بالواو لأنها كياء بعدها واوٌ نحو: حيودٍ ويومٍ وأشباه ذلك وذاك لأن الياء أخف من الواو عندهم. ألا تراها أغلب على الواو من الواو عليها وهي أشبه بالألف فكأنها واو قبلها ألف نحو: عاود وطاول وذلك قولهم: يئس ويبس. يدلك على أن الياء أخف عليهم من الواو أنهم يقولون: ييئس وييبس فلا يحذفون موضع الفاء كما حذفوا يعد. وكذلك فواعل تقول: يوابس. فإن أسكنتها وقبلها ضمةٌ قلبتها واواً كما قلبت الواو ياء في ميزان وذلك نحو: موقنٍ وموسرٍ وموئسٍ وموبسٍن ويا زيد وإس وقد قال بعضهم: يا زيد يئس شبهها بقيل. وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: يا صالحيتنا جعل الهمزة ياءً ثم لم يقلبها واواً. ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغة ضعيفة لأن قياس هذا أن تقول: يا غلا موجل. والياء توافق الواو في افتعل في أنك تقلب الياء تاء في افتعل من اليبس تقول: اتبس ومتبسٌ ويتبس لأنها قد تقلب تاء ولأنها قد تضعف ههنا فتقلب واواً لو جاءوا بها على الأصل في مفتعلٍ وافتعل وهي في موضع الواو وهي أختها في الاعتلال فأبدلوا مكانها حرفاً هو أجلد منها حيث كانت فاء وكانت أختها فيما ذكرت لك فشبهوها بها. وقد قالوا: يا تئس ويا تبس فجعلوها بمنزلتها إذ صارت بمنزلتها في التاء فليست تطرد العلة إلا فيما ذكرت لك إلا أن يشذ حرف قالوا: يبس يابس كما قالوا يئس يئس فشبهوها بيعد. باب ما الياء والواو فيه ثانية


وهما في موضع العين منه اعلم أن فعلت وفعلت وفعلت منهما معتلة كما تعتل ياء يرمي وواو يغزو. وإنما كان هذا الاعتلال في الياء والواو لكثرة ما ذكرت لك من استعمالهم إياهما وكثرة دخولهما في الكلام وأنه ليس يعرى منهما ومن الألف أو من بعضهن. فلما اعتلت هذه الأحرف جعلت الحركة التي في العين مخولة على الفاء وكرهوا أن يقروا حركة الأصل حيث اعتلت العين كما أن يفعل من غزوت لا تكون حركة عينه إلا من الواو وكما أن يفعل من رميت لا تكون حركة عينه إلا من الياء حيث اعتلت فكذلك هذه الحروف حيث اعتلت جعلت حركتهن على ما قبلهن كما جعلت من الواو والياء حركة ما قبلها لئلا تكون في الاعتلال على حالها إذا لم تعتل. ألا ترى أنك تقول: خفت وهبت فعلت فألقوا حركتها على الياء وأذهبوا حركة الفاء فجعلوا حركتها الحركة التي كانت في المعتل الذي بعدها كما لزم ما ذكرت لك الحركة مما بعده لئلا يجري المعتل على حال الصحيح. وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت وإنما حولت إلى فعلت ليغيروا حركة الفاء عن حالها لو لم تعتل فلو لم يحولوها وجعلوها تعتل من قولت لكانت الفاء إذا هي ألقي عليها حركة العين غير متغيرة عن حالها لو لم تعتل فلذلك حولوها إلى فعلت فجعلت معتلة منها. وكانت فعلت أولى بفعلت من الواو من فعلت لأنهم حيث جعلوها معتلة محولة الحركة جعلوا ما حركته منه أولى به كما أن يغزو حيث اعتل لزمه يفعل وجعل حركة ما قبل الواو من الواو فكذلك جعلت حركة هذا الحرف منه. ويدلك على أن أصله فعلت إنه ليس في الكلام فعلته. ونظيره في الاعتلال من محول إليه: يعد ويزن. وقد بين ذلك. فأما طلت فإنها فعلت لأنك تقول طويل وطوال كما قلت قبح وقبيح ولا يكون طلته كما لا يكون فعلته في شيء واعتلت كما اعتلت خفت وهبت. وأما بعت فإنها معتلة من فعلت تفعل ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال الفاء كحال قلت وجعلوا فعلث أولى بها كما أن يفعل من رميت حيث كانت حركة العين محولة من يفعل ويفعل وكذلك زدت كانت الكسرة أولى بها كما كانت الضمة أولى بالواو في قلت. وليس في بنات الياء فعلت كما أنه ليس في باب رميت فعلت وذلك لأن الياء أخف عليهم من الواو وأكثر تحويلاً للواو من الواو لها وكرهوا أن ينقلوا الخفيف إلى ما يستثقلون. ودخلت فعلت على بنات الواو كما دخلت في باب غزوت في قوله شقيت وغبيت لأنها نقلت من الأثقل إلى الأخف ولو قلت فعلت في الياء لكنت مخرجاً الأخف إلى الأثقل ولو قلت في باب زدت فعلت فقلت: زدت تزود كما أنك لو قلتها من رميت لكانت رمو يرمو فتضم الزاي كما كسرت الخاء في خفت. وتقول: تزوج كما تقول: موقن لأنها ساكنة قبلها ضمة. وقالوا: وجد يجد ولم يقولوا في يفعل يوجد وهو القياس ليعلموا أن أصله يجد. وقال بعضهم: طلته مثل قلته وهو فعلت منقولة إلى فعلت فعدى علت ولو كانت فعلت لم تتعد. وإذا قلت يفعل من قلت قلت يقول لأنه إذا قال فعل فقد لزمه يفعل. وإذا قلت يفعل من بعت قلت يبيع ألزموه يفعل حيث كان محولاً من فعلت ليجري مجرى ما حول إلى فعلت وصار يفعل لهذا لازماً إذ كان في كلامهم فعل يفعل في غير المعتل فكما وافقه في تغيير الفاء كذلك وافقه في يفعل. وأما يفعل من خفت وهبت. فإنه يخاف ويهاب لأن فعل يلزمه يفعل وإنما خالفتا يزيد ويبيع لأنهما لم تعتلا محولتين وإنما اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في الأصل فكما اعتلتا في فعلت من البناء الذي هو لهما في الأصل كذلك اعتلتا في يفعل منه. وإذا قلت فعل من هذه الأشياء كسرت الفاء وحولت عليها حركة العين كما فعلت ذلك في فعلت لتغير حركة الأصل لو لم تعتل كما كسرت الفاء حيث كانت العين منكسرة للاعتلال. وذلك قولك: خيف وبيع وهب وقيل. وبعض العرب يقول: خيف وبيع وقيل فيشم إرادة أن يبين أنها فعل. وبعض من يضم يقول: بوع وقول وخوف وهوب يتبع الياء ما قبلها كما قال موقن. وهذه اللغات دواخل على قيل وبيع وخيف وهيب والأصل الكسر كما يكسر في فعلت. فإذا قلت فعل صارت العين تابعة وذلك قولك: باع وخاف وهاب وقال. ولو لم تجعل تابعةً لالتبس فعل من باع وخاف وهاب بفعل فأتبعوهن قال حيث أتبعوا العين الفاء في أخواتهن ليستوين وكرهوا أن يساوي فعل في حالٍ إذ كان بعضهم يقول: قد قول ذاك. فاجتمع فيها هذا وأنهم شبهوها بأخواتها حيث أتبعوا العين فيهن ما قبلهن. فكما اتفقن في التغيير كذلك اتفقن في الإلحاق. وحدثنا أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: كيد زيد يفعل وما زيل زيد يفعل ذاك يريدون: زال وكاد لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت حيث أسكنوا العين وحولوا الحركة على ما قبلها ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل كما قالوا: خاف وقال وباع وهاب. فهؤلاء الحركات مردودةٌ إلى الأصل وما بعدهن توابع لهن كما يتبعن إذا أسكن الكسرة والضمة في قولهم: قد قيل وقد قول. فإذا قلت فعلت أو فعلن أو فعلنا من هذه الأشياء ففيها لغات: أما من قال قد بيع وزين وهيب وخيف فإنه يقول: خفنا وبعنا وخفن وبعن وهبت يدع الكسرة على حالها ويحذف الياء لأنه التقى ساكنان. وأما من ضم بإشمامٍ إذا قال فعل فإنه يقول: قد بعنا وقد رعن وقد زدت. وكذلك جميع هذا يميل الفاء ليعلم أن الياء قد حذفت فيضم وأمال كما ضموا وبعدها الياء لأنه أبين لفعل. وأما الذين يقولون بوع وقول وخوف وهوب فإنهم يقولون بعنا وخفنا وهبنا وزدنا لا يزيدون على الضم والحذف كما لم يزد الذين قالوا رعن وبعن على الكسر والحذف. وأما مت تموت فإنما اعتلت من فعل يفعل ولم تحول كما يحول قلت وزدت. ونظيرها من وكذلك كدت تكاد اعتلت من فعل يفعل وهي نظيرة مت في أنها شاذة. ولم يجيئا على ما كثر واطرد من فعل وفعل. وأما ليس فإنها مسكنة من نحو قوله: صيد كما قالوا علم ذاك في علم ذاك فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم الإسكان إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء وإنما فعلوا ذلك بها حيث لم تكن فيها يفعل وفيما مضى من الفعل نحو قولك: قد كان ثم ذهب ولا يكون منها فاعلٌ ولا مصدر ولا اشتقاق فلما لم تصرف تصرف إخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت لأنها ضارعتها ففعل بها ما فعل بما هو بمنزلة الفعل وليس منه. وأما قولهم: عور يعور وحول يحول وصيد يصيد فإنما جاءوا بهن على الأصل لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل نحو: اعوررت واحوللت وابيضضت واسوددت فلما كن في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل لكون ما قبله تحركن. فلو لم تكن في هذا المعنى اعتلت ولكنها بنيت على الأصل إذ كان الأمر على هذا. ومثل ذلك قولهم: اجتوروا واعتونوا حيث كان معناه معنى ما الواو فيه متحركة ولا تعتل فيه وذلك قولهم: تعاونوا وتجاوروا. وأما طاح يطيح وتاه يتيه فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب. وهي من الواو ويدلك على ذلك طوحت وتوهت وهو أطوح منه وأتوه منه فإنما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل. ومن فعل يفعل اعتلتا ومن قال طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمةً. وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين الحرفين فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل أدخلت الضمة على الياء والواو والكسرة عليهما في فعلت وفعلت ويفعل ويفعل ففرا من أن يكثر هذا في كلامهم مع كثرة الياء والواو فكان الحذف والإسكان أخف عليهم. ومن العرب من يقول: ما أتيهه وتيهت وطيحت. وقال: آن يئين فهو فعل يفعل من الأوان وهو الحين. باب ما لحقته الزوائد


من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف المعتل ساكناً في الأصل ولم يكن ألفاً ولا واواً ولا ياءً فإنك تسكن المعتل وتحول حركته على الساكن. وذلك مطرد في كلامهم. وإنما دعاهم إلى ذلك أنهم أرادوا أن تعتل وما قبلها إذا لحق لحرف الزيادة كما اعتل ولا زيادة فيه. ولم يجعلوه معتلاً من محول إليه كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. ولو كان يخرج إلى ما هو من كلامهم لاستغنى بذا لأن ما قبل المعتل قد تغير عن حله في الأصل كتغير قلت ونحوه وذلك: أجاد وأقال وأبان وأخاف واستراث واستعاذ. ولا يعتل في فاعلت لأنهم لو أسكنوا حذفوا الألف والواو والياء في فاعلت وصار الحرف على لفظ ما لا زيادة فيه من باب قلت وبعت فكرهوا هذا الإجحاف بالحرف والالتباس. وكذلك تفاعلت لأنك لو أسكنت الواو والياء حذفت الحرفين. وكذلك فعلت وتفعلت وذلك قولهم: قاولت وتقاولنا وعوذت وتعوذت وزيلت وزايلت وبايعت وتبايعنا وزينت وتزينت. وفي تفاعلت وتفعلت مع ما ذكرت أنه لم يكن ليعتل كما لم يعتل فاعلت وقعلت لأن التاء زيدت عليهما. وقد جاءت حروفٌ على الأصل غير معتلة مما أسكن ما قبله فيما ذكرت لك قبل هذا شبهوه بفاعلت إذ كان ما قبله ساكناً كما يسكن ما قبل واو فاعلت. وليس هذا بمطرد كما أن بدل التاء في باب أولجت ليس بمطرد وذلك نحو قولهم: أجودت وأطولت واستحوذ واستروح وأطيب وأخيلت وأغيلت وأغيمت واستغيل فكل هذا فيه اللغة المطردة إلا أنا لم نسمعهم قالوا إلا استروح إليه وأغيلت واستحوذ بينوا في هذه الأحرف كما بينوا في فاعلت فجعلوها بمنزلتها في أنها لا تتغير كما جعلوها بمنزلتها حيث أحيوها فيما تعتل فيه نحو: اجتوروا إذ توهموا تفاعلوا. ولو قال لك قائل: ابن لي من الجوار افتعلوا لقلت فيها اجتاروا إلا أن يقول ابنه على معنى تفاعلوا فتقول: اجتوروا وكذلك اجتوزوا ولا ينكر أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا لأن الاعتلال هو الكثير المطرد. وإذا كان الحرف قبل المعتل متحر كما في الأصل لم يغير ولم يعتل الحرف من محول إليه كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. وذلك نحو: اختار واعتاد وانقاس. جعلوها تابعة حيث اعتلت وأسكنت كما جعلوها في قال وباع لأنهم لم يغيروا حركة الأصل كما لم يغيروها في قال وباع وجعلوا هذه الأحرف معتلة كما اعتلت ولا زيادة فيها. وإذا قلت أفتعل وأنفعل قلت: أختيروا وأنقيد فتعتل من أفتعل فتحول الكسرة على التاء كما قلت ذلك في قيل فتجري تيروقيد مجرى قيل وبيع في كل شيء. وأما قولهم: اجتوروا واعتونوا وازدوجوا واعتوروا فزعم الخليل أنها إنما تثبت لأن هذه الأحرف في معنى تفاعلوا. ألا ترى أنك تقول: تعاونوا وتجاوروا وتزاوجوا. فالمعنى في هذا وتفاعلوا سواء. فلما كان معناها معنى ما تلزمه الواو على الأصل أثبتوا الواو كما قالوا عور إذ كان في معنى فعلٍ يصح على الأصل. وكذلك: احتوشوا واهتوشوا وإن لم يقولوا تفاعلوا فيستعملوه لأنه قد يشرك في هذا المعنى ما يصح كما قالوا صيد لأنه قد يشركه ما يصح والمعنى واحد. فهما يعتوران باب افعل في هذا النحو كسود واسوددت وثولت واثوللت وابيضضت. فإذا لم تعتل الواو في هذا ولا الياء نحو عورت وصيدت فإن الواو والياء لا تعتلان إذا لحق الأفعال الزيادة وتصرفت لأن الواو بمنزلة واو شويت والياء بمنزلة ياء حييت ألا ترى أنك تقول: ألا أعور الله عينه: إذا أردت أفعلت من عورت وأصيد الله بعيره. باب ما اعتل من أسماء الأفعال


المعتلة على اعتلالها اعلم أن فاعلاً منها مهموز العين. وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتل فعل منه ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف وكرهوا الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره فهمزوا هذه الواو والياء إذ كانتا معتلتين وكانتا بعد الألفات كما أبدلوا الهمزة من ياء قضاءٍ ويعتل مفعولٌ منهما كما اعتل فعل لأن الاسم على فعل مفعولٌ كما أن الاسم على فعل فاعلٌ. فتقول: مزورٌ ومصوغٌ وإنما كان الأصل مزوورٌ فأسكنوا الواو الأولى كما أسكنوا في يفعل وفعل وحذفت واو مفعولٍ لأنه لا يلتقي ساكنان. وتقول في الياء: مبيعٌ ومهيبٌ أسكنت العين وأذهبت واو مفعولٍ لأنه لا يلتقي ساكنان وجعلت الفاء تابعةً للياء حين أسكنتها كما جعلتها تابعة في بيضٍن وكان ذلك أخف عليهم من الواو والضمة فلم يجعلوها تابعةً للضمة فصار هذا الوجه عندهم إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياء ولا يتبعوها الضمة فراراً من الضمة والواو إلى الياء لشبهها بالألف وذلك قولهم: مشوبٌ ومشيبٌ وغارٌ منول ومنيل وملومٌ مليمٌ وفي حور: حير. وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوعٌ فشبهوها بصيودٍ وغيوريٍ حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فهمز. ولا نعلمهم أتموا في الواوات لأن الواوات أثقل عليهن من الياءات ومنها يقرون إلى الياء فكرهوا اجتماعهما مع الضمة. ويجري مفعلٌ مجرى يفعل فيهما فتعتل كما اعتل فعلهما الذي على مثالهما وزيادته في موضع زيادتها فيجري مجرى يفعل في الاعتلال كما قالوا: مخافةٌ فأجروها مجرى يخاف ويهاب فكذلك اعتل هذا لأنهم لم يجاوزوا ذلك المثال المعتل إلا أنهم وضعوا ميماً مكان ياء وذلك قولهم: مقامٌ ومقالٌ ومثابةٌ ومنارةٌ فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل وكذلك المغاث والمعاش. وكذلك مفعل تجري مجرى يفعل وذلك قولك: المبيض والميسر. وكذلك مفعلةٌ تجري مجرى يفعل وذلك: المعونة والمشورة والمثوبة يدلك على أنها ليست بمفعولة أن المصدر لا يكون مفعولة. وأما مفعلة من بنات الياء فإنما تجيء على مثال مفعلةٍ لأنك إذا أسكنت الياء جعلت الفاء تابعةً كما فعلت ذلك في مفعول ولا تجعلها بمنزلة فعلت في الفعل وإنما جعلناها في فعلت يفعل تابعةً لما قبلها في القياس غير متبعتها الضمة كما أن فعلت تفعل في الواو وإذا سكنت لم تتبعها الكسرة وإنما هذا كقولهم: رمو الرجل في الفعل فيتبعون الواو ما قبلها ولا يفعلون ذلك في فعل لو كان اسماً فمعيشةٌ يصلح أن تكون مفعلةً ومفعلةً. وأما مفعل منهما فهو على يفعل وذلك قولهم: مقامٌ ومباعٌ إذا أردت منهما مثل مخدع وكمسعط يجري من الواو كأفعل من الأمر قبل أن يدركه الحذف وهو قولك: مزورٌ ومقولٌ يجري مجرى مفعلةٍ منها إلا أنك تضم الأول وذلك قولك: مبيعةٌ. وقد قال قوم في مفعلةٍ فجاءوا بها على الأصل وذلك قول بعضهم: إن الفكاهة لمقودةٌ إلى الأذى. وهذا ليس بمطرد كما أن أجودت ليس بمطرد. وقد جاء في الاسم مشتقاً للعلامة لا لمعنى سوى ذا على الأصل وذلك نحو: مكوزةً ومزيد. وإنا جاء هذا كما جاء تهلل حيث كان اسماً وكما قالوا حيوة وشبهوا هذا بمورقٍ وموهبٍ حيث أجروه على الأصل إذ كان مشتقاً للعلامة. وليس هذا بمطرد في مزيد ومكوزة كما أن تهلل وحيوة ليس بمطرد. وليس مزيدٌ ومكوزة بأشد من لزومهم استحوذ وأغيلت. وقالوا: محببٌ حيث كان اسماً ألزموه الأصل كمورق. ويتم أفعل اسماً وذلك قولك: هو أقول الناس وأبيع الناس وأقول منك وأبيع منك. وإنما أتموا ليفصلوا بينه وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام ويتم في قولك: ما أقوله وأبيعه لأن معناه معنى أفعل منك وأفعل الناس لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائلٌ وبائع كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس. وهو بعد نحو الاسم لا يتصرف تصرفه ولا يقوى قوته. فأرادوا أن يفرقوا بين هذا وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام وكذلك أفعل به لأن معناه معنى ما أفعله وذلك قولك: أقول به وأبيع به. ويتم في أفعلٍ لأنهما اسمان فرقوا بينهما وبين أفعل من الفعل ولو أردت مثل أصبعٍ من قلت فأما أفعلٌ فنحو: أدروٍ وأسوقٍ وأثوبٍ وبعض العرب يهمز لوقوع الضمة في الواو لأنها إذا انضمت خفيت الضمة فيها كما تخفى الكسرة في الياء. وأما أفعلةٌ فنحو: أخونةٍ وأسورةٍ وأجوزةٍ وأحورةٍ وأعينةٍ. ولا تهمز أفعلٌ من بنات الياء لأن الضمة فيها أخف عليهم كما أن الياء وبعدها الواو أخف عليهم من الواو. وقد بين ذلك وسيبين إن شاء الله وذلك نحو: أعينٍ وأنيبٍ. وأما نظير إصبعٍ منها فإقولٌ وإبيعٌ وإن أردت مثال إثمدٍ قلت إبيعٌ وإقولٌ لئلا يكون كأفعلٍ منهما فعلاً وإفعل قبل أن يدركهما الحذف والسكون للجزم. وإن أردت منهما مثال أبلم قلت أبيعٌ وأقولٌ لئلا يكونا كأفعل منهما في الفعل قبل أن يحذف ساكناً عن الأصل. غير أنك إن شئت همزة أفعلاً من قلت كما همرت أدؤراً. ولم نذكر أفعل لأنه ليس في الكلام أفعل اسماً ولا صفة وكان الإتمام لازماً لهذا مع ما ذكرنا إذ كان يتم في أجود ونحوه. ويتم تفعلٌ اسماً وتفعلٌ منهما ليفرق بينهما وبين تفعل وتفعل في الفعل كما فعلت ذلك في أفعل وذلك قولك تقول وتبيع وتقول وتبيع. وكذلك إذا أردت مثال تنضب تقول تقول وتبيع لتفرق بينهما وبين تفعل فعلاً كما أنك إذا أردت مثال تتفلٍ وترتبٍ أتممت وإذا أردت مثل تنهية وتوصيةٍ تتم ذلك كما أتممت أفعلةً ليفرق بينه اسماً وفعلاً وذلك قولك: تقولةٌ وتبيعةٌ وإن شئت همزت تفعلٌ من قلت وأفعلٌ كما همزة أفعلٌ وإنما قلت تقولةٌ وتبيعةٌ لتفرق بين هذا وبين تفعل يدلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب في تفعلةٍ من دار يدور: تدورةٌ قال الشاعر: بتنا بتدورةٍ يضيء وجوهنا ** دسم السليط على فتيل ذبال والتتوبة تريد التوبة. وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء أنها ليست في الأسماء والصفة إلا في يفعل ولم تجر هذه الأسماء مجرى ما جاء على مثال الفعل وأوله ميم لأن الأفعال لا تكون زيادتها التي في أوائلها ميماًن فمن ثم لم يحتاجوا إلى التفرقة. وأما تفعلٌ مثل التتفل فإنه لا يكون فعلاًن فهو بمنزلة ما جاء على مثال الفعل ولا يكون فعلاً مما أوله الميم. فإذا أردت تفعل منهما فإنك تقول تقولٌ وتبيعٌ كما فعلت ذلك في مفعل لأنه على مثال الفعل ولا يكون فعلاً. وكذلك تفعل نحو التحلىء يجري مجرى افعل كما أجري تفعل مجرى افعل فأجري هذا مجرى ما أوله الميم. فالتفعل مثل التحلىء ومثاله منهما تقيلٌ وتبيعٌ. وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل ليس بينهما إلا إسكان متحرك وتحريك مسكن ويفرق بينه وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما الحذف لا على ما استعمل في الكلام ولا على الأصل قبل الإسكان ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام واقال ليس فيهما إلا إسكان متحرك وتحريك ساكن. بابٌ أتم فيه الاسم لأنه ليس على مثال الفعل فيمثل به ولكنه أتم لسكون ما قبله وما بعده كما يتم التضعيف إذا أسكن ما بعده نحو اردد وسترى ذلك في أشياء فيما بعد إن شاء الله وذلك فعلٌ وفعالٌ نحو: حولٍ وعوارٍ. وكذلك فعالٌ نحو قوالٍ ومفعالٌ نحو: مشوارٍ ومقوالٍ. وكذلك التفعال نحو التقوال. وكذلك التفعال نحو التقوال. وكذلك ففعولٌ نحو قوولٍ وبيوعٍ. وفعولٌ نحو شيوخٍ وحوولٍ وسووقٍ. وكذلك فعالٌ نحو نوارٍ وجوابٍ وهيامٍ. وكذلك فعيلٌ نحو طويلٍ وقويمٍ وسويقٍ. وكذلك فعالٌ نحو: طوالٍ وهيامٍ وفعالٌ نحو: خوانٍ وخيارٍ وعيانٍن ومفاعل نحو: مقاول ومعايش. وبنات الياء في جميع هذا في الإتمام كبنات الواو في ترك الهمز وفي الهمز. وطاووسٌ نحو ما ذكرت لك وناووسٌ وسابورٌ وكذلك أهوناء وأبنياء وأعيياء وقد قالوا أعياء وقد قال بعض العرب أبنياء فأسكن الياء وحرك الباء كره الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في الواو في فعل من الواو فأسكنوا نحو نورٍ وقولٍ فليس هذا بالمطرد فأما الإقامة والاستقامة فإنما اعتلتا كما اعتلت أفعالهما لأن لزوم الاستفعال والإفعال لاستفعل وأفعل كلزوم يستفعل ويفعل لهما ولو كانتا تفارقان كما تفارق بنات الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها لتمت كما تتم فعولٌ منهما ونحوه. وأما مفعولٌ فإنهم حذفوه فيهما وأسكنوه لأنه الاسم من فعل وهو لازمٌ له كلزوم الإفعال والاستفعال لأفعالهما فمن ثم أجري في الاعتلال مجرى فعله لأنه الاسم من فعل ويفعل كما أن الاسم من فعل ويفعل اعتل كما اعتل فعله. فأما ما ذكرنا مما أتممناه للسكون فليس بالاسم من فعل ويفعل ولا من فعل ويفعل إنما الاسم من هذه الأشياء فاعلٌ ومفعولٌ. فإن قلت: قالوا طويلٌ فإن طويلاً لم يجىء على يطول ولا على الفعل. ألا ترى أنك لو أردت الاسم على يفعل لقلت طائلٌ غداً ولو كان جاء عليه لاعتل فإنما هو كفعيلٍ يعنى به مفعولٌ وقد جاء مفعولٌ على الأصل فهذا أجدر أن يلزمه الأصل قالوا: مخيوطٌ. ولا يستنكر أن تجيء الواو على الأصل. ولو جاءوا بالاسم على الفعل لقالوا طائلٌ كما قالوا قائمٌ. ولم يهمزوا مقاول ومعايش لأنهما ليستا بالاسم على الفعل فتعتلا عليه وإنما هو جمع مقالةٍ ومعيشةٍ وأصلهما التحريك فجمعتهما على الأصل كأنك جمعت معيشةً ومقولةً ولم تجعله بمنزلة ما اعتل على فعله ولكنه أجري مجرى مفعالٍ. وسألته عن مفعلٍ لأي شيءٍ أتم ولم يجر مجرى افعل فقال: لأن مفعلاً إنما هو من مفعال. ألا ترى أنهما في الصفة سواء تقول: مطعنٌ ومفسادٌ فتريد في المفساد من المعنى ما أردت في المطعن. وتقول: المخصف والمفتاح فتريد في المخصف من المعنى ما أردت في المفتاح. وقد يعتوران الشيء الواحد نحو مفتحٍ ومفتاح ومسجٍ ومنساجٍ ومقولٍ ومقوالٍ. فإنما أتممت فيما زعم الخليل أنها مقصورة من مفعالٍ أبداً فمن ثم قالوا مقولٌ ومكيلٌ. فأما قولهم مصائب فإنه غلطٌ منهم وذلك أنهم توهموا أن مصيبةً فعيلةٌ وإنما هي مفعلةٌ. وقد قالوا: مصاوب. وسألته عن واو عجوزٍ وألف رسالةٍ وياء صحيفةٍ لأي شيء همزن في الجمع ولم يكن بمنزلة معاون ومعايش إذا قلت صحائف ورسائل وعجائز فقال: لأني إذا جمعت معاون ونحوها فإنما أجمع ما أصله الحركة فهو بمنزلة ما حركت كجدول. وهذه الحروف لما لم يكن أصلها التحريك وكانت ميتةٍ لا تدخلها الحركة على حالٍ وقد وقعت بعد ألف لم تكن أقوى حالاً مما أصله متحرك. وقد تدخله الحركة في مواضع كثيرة وذلك نحو قولك: قال وباع ويغزو ويرمي فهمزت بعد الألف كما يهمز سقاءٌ وقضاءٌ وكما يهمز قائلٌ وأصله التحريك فهذه الأحرف الميتة التي ليس أصلها الحركة أجدر أن تغير إذا همزت ما أصله الحركة فمن ثم خالفت ما حرك وما أصله الحركة في الجمع كجدولٍ ومقامٍ. فهذه الأسماء بمنزلة ما اعتل على فعله نحو يقول ويبيع ويغزو ويرمي إذا وقعت هذه السواكن بعد ألف. وقالوا: مصيبةٌ ومصائب فهمزوها وشبهوها حيث سكنت بصحيفةٍ وصحائف. وأما فاعلٌ من عورت فإذا قالوا فاعلٌ غداً قالوا: عاورٌ غداً. وكذلك صيدت لأنها لما حيت في عورت أجريت مجرى واو شويت وأجريت ياء صيدت مجرى ياء حييت إلا أنه لا يدركها الإدغام. وذلك مثل قولك: صايدٌ غداً. ولو كانت تقول اسماًن ثم أردت أن تكسر للجمع لقلت: تقاول وكذلك تبيعٌ وتبايع فلا تهمز لأنك إذا جمعت حرفاً والمعتل فيه أصله التحريك فإنما هو كمعونةٍ ومعيشةٍ ولم ترد اسماً على الفعل فتجريه مجرى الفعل ولكنك جمعت اسماً. ويتم فاعلٌ كما أتممت ما ليس باسم فعلٍ مما ذكرت لك تقول قاولٌ وبايعٌ. فإذا قلت فواعل من عورت وصيدت همزت لأنك تقول في شويت شواياً ولو قلت: شواوٍ كما ترى قلت عواور ولم تغير. فلما صارت منه على هذا المثال همزت نظيرها كما تهمز نظير مطايا من غير بنات الياء والواو نحو صحائف. فلم تكن الواو لتترك في فواعل من عورت وقد فعل بنظيرها ما فعل بمطايا فهمزت كما همزت صحائف. وفيها من الاستثقال نحو ما في شواوٍ لالتقاء الواوين وليس بينهما حاجزٌ حصينٌ فصارت بمنزلة الواوين يلتقيان فقد اجتمع فيها الأمران. وتجري فواعل من صيدت مجراها كما اتفقا في الهمز في حال الاعتلال لأنها تهمز هنا كما تهمز معتلةً ولأن نظيرها من حييت يجري مجرى شويت فيوافقها كما اتفقا في الاعتلال في قلت وبعت. هذا باب ما جاء في أسماء هذا المعتل على ثلاثة أحرف لا زيادة فيه اعلم أن كل اسم منها كان على ما ذكرت لك إن كان يكون مثاله وبناؤه فعلاً فهو بمنزلة فعله يعتل كاعتلاله. فإذا أردت فعلٌ قلت: دارٌ ونابٌ وساقٌ فيعتل كما يعتل في الفعل لأنه ذلك البناء وذلك المثال فوافقت الفعل كما توافق الفعل في باب يغزو ويرمي. وربما جاء على الأصل كما يجيء فعلٌ من المضاعف على الأصل إذا كان اسماً وذلك قولهم: القود والحوكة والخونة والجورة. فأما الأكثر فالإسكان والاعتلال. وإنما هذا في هذا بمنزلة أجودت واستحوذت. وكذلك فعلٌ وذلك: خفت ورجلٌ خافٌ وملت ورجلٌ مالٌ ويومٌ راحٌ. فزعم الخليل أن هذا فعلٌ حيث قلت فعلت كقولهم: فرق وهو رجلٌ فرقٌ ونزق وهو رجلٌ نزقٌ. وقد جاء على الأصل كما جاء فعلٌ قالوا: رجلٌ روعٌ ورجلٌ حولٌ. وأما فعلٌ فلم يجيئوا به على الأصل كراهيةً للضمة في الواو ولما عرفوا أنهم يصيرون إليه من الاعتلال من الإسكان أو الهمز كما فعلوا ذلك يأدؤرٍ وخونٍ. وأما فعلٌ منها فعلى الأصل ليس فيه إلا ذلك لأنه لا يكون فعلاً معتلاً فيجري مجرى فعله وكان هذا اللازم له إذ كان البناء الذي يكون فيه معتلاً قد يجيء على الأصل على فعله نحو قودٍ وروعٍ. فإنما شبه ما اعتل من الأسماء هنا به إذ كان فعلاً. فأما ما لم يكن معتلاً مثاله فهو على الأصل. وذلك قولهم: رجلٌ نومٌ ورجلٌ سولةٌ ولومةٌ وعيبةٌ. وكذلك فعلٌ قالوا: حولٌ وصيرٌ وبيعٌ وديمٌ. وكذلك إن أردت نحو إبل قلت قولٌ وبيعٌ. فأما فعلٌ فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول وذلك قولهم: عوانٌ وعونٌ ونوارٌ ونورٌ وقوولٌ وقومٌ قولٌ. وألزموا هذا الإسكان إذ كانوا يسكنون غير المعتل نحو رسلٍ وعضدٍ وأشباه ذلك. ولذلك آثروا الإسكان فيها على الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال. ولم يكن لأدؤرٍ وقؤولٍ مثالٌ من غير المعتل يسكن فيشبه به. ويجوز تثقيله في الشعر كما يضعفون فيه ما لا يضعف في الكلام. قال الشاعر وهو عدي بن زيد: وفي الأكف اللامعات سور وأما فعلٌ من بنات الياء فبمنزلة غير المعتل لأن الياء وبعدها الواو أخف عليهم كما كانت الضمة أخف عليهم فيها وذلك نحو غيورٍ وغيرٍ. فإذا قلت فعلٌ قلت غيرٌ ودجاجٌ بيضٌ. ومن قال رسلٌ فخفف قالبيضٌ وغيرٌ كما يقولها في فعلٍ من أبيض لأنها تصير فعلاً. باب تقلب الواو فيه ياءً


لا لياءٍ قبلها ساكنة ولا لسكونها وبعدها ياء وذلك قولك: حالت حيالاً. وإنما قلبوها حيث كانت معتلةً في الفعل فأرادوا أن تعتل إذا كانت قبلها كسرة وبعدها حرف يشبه الياء فلما كان ذلك فيها مع الاعتلال لم يقروها وكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم وجسروا على ذلك للاعتلال. ومثل ذلك: سوطٌ وسياطٌ وثوبٌ وثيابٌ وروضةٌ ورياضٌ. لما كانت الواو ميتةً ساكنة شبهوها بواو يقول لأنها ساكنة مثلها ولأنها حرف الاعتلال. ألا ترى أن ذلك دعاهم إلى أنهم لا يستثقلونها في فعلاتٍ إذ كان ما أصله التحريك يسكن وصارت الكسرة بمنزلة ياء قبلها وعملت فيه الألف لشبهها بالياء كما عملت ياء يوجل في ييجل. وأما ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله الكسر لأنهم قد يكرهون الواو بعد الكسرة حتى يقلبوها فيما قد ثبتت في واحده فلما كان ذلك من كلامهم ألزموا البدل ما قلب في الواحد وذلك قولهم: ديمةٌ وديمٌ وقامةٌ وقيم وتارةٌ وتير ودارٌ وديارٌ. وهذا أجدر أن يكون إذ كانت بعدها ألف. فلما كانت الياء أخف عليهم والعمل من وجه واحد جسروا عليه في الجمع إذ كان في الواحد محولاً واستثقلت الواو بعد الكسرة كما تستثقل بعد الياء. وإذا قلت فعلة فجمعت ما في واحده الواو أثبت الواو كما قلت فعلٌ فأثبت ذلك وذلك قولك: حولٌ وعوضٌ لأن الواحد قد ثبت فيه وليس بعدها ألف فتكون كالسياط. وذلك وقد قالوا ثورةٌ وثيرةٌ قلبوها حيث كانت بعد كسرة واستثقلوا كما استثقلوا أن تئبت في ديمٍ. وهذا ليس بمطرد. يعني ثيرةٌ. وإذا جمعت قيلٌ قلت أقوالٌ لأنه ليس قبلها ما يستثقل معه من كسرة أو ياء. ولو جمعت الخيانة والحياكة كما قلت رسالةٌ ورسائل لقلت حوائك وخوائن لأن الواو إذا كانت بعد فتحة أخف عليهم وبعد ألف فكأنك قلت عاود فتقلبها واواً كما قلبت ميزاناً وموازين ولا يكون أسوأ حالاً في الرد إلى الأصل من رد الساكن إلى الأصل حيث قلب. ومما أجري مجرى حالت حيالاً ونام نياماً: اجتزت اجتيازاً وانقدت انقياداً قلبت الواو ياء حيث كانت بين كسرة وألف ولم يحذفوا كما حذفوا في الإقالة والاستعاذة لأن ما قبل هذا المعتل لم يكن ساكناً في الأصل حرك بحركة ما بعده فيفعل ذلك بمصدره. ولكن ما قبله بمنزلة قاف قام ونون نام فنام وقاد يجري مجراهما. والحرف قبل المعتل فيما ذكرت لك ساكن الأصل ومصدره كذلك فأجري مجراه. فأما اسم اختار واختير فمعتلٌّ كما اعتل اسم قال وقيل وكذلك اسم انقاد وانقيد ونحوه. فأما الفعال من جاورت فتقول فيه بالأصل وذلك الجوار والحوار. ومثل ذلك عاونته عواناً. وإنما أجريتها على الأصل حيث صحت في الفعل ولم تعتل كما قلت تجاور ثم قلت التجاور وأما الفعول من نحو قلت مصدراً ومن نحو سوط جمعاً فليس قبل الواو فيه كسرة فتقلبها كما تقلبها ساكنة فهم يدعونها على الأصل كما يدعون أدوراً ويهمزون كما يهمزونه. والوجهان مطردان وكذلك فعولٌ. ولم يسكنوا فيحذفوا ويصيرا بمنزلة ما لا زيادة فيه نحو فعلٍ وذلك نحو غارت غووراً وسارت سووراً وحولٌ وحوولٌ وخورٌ وخوورٌ وساقٌ وسووقٌ. وكذلك قالوا: القوول والموونة والنووم والنوور. وقد همزوا كما همزوا أدؤر لاجتماع الواو والضم ولأن الضم فيها أخفى. ولا يفعلون ذلك بالياء في هذه الأبنية لأنها بعدها أخف عليهم لخفة الياء وشبهها بالألف فكأنها بعد ألف ولكنها تقلب ياء في فعل وذلك قولهم: صيمٌ في صومٍ وقيمٌ في قوم وقيلٌ في قول ونيمٌ في نومٍ. لما كانت الياء أخف عليهم وكانت بعد ضمة شبهوها بقولهم عتيٌّ في عتوٍ وجثيٌّ في جثوٍ وعصيٌّ في عصوٍ. وقد قالوا أيضاً: صيمٌ ونيمٌ كما قالوا عتيٌّ وعصيٌّ. ولم يقلبوا في زوارٍ وصوامٍ لأنهم شبهوا الواو في صيمٍ بها في عتوٍ إذا كانت لاماً وقبل اللام واو زائدة. وكلما تباعدت من آخر الحرف بعد شبهها وقويت وترك ذلك فيها إذ لم يكن القلب الوجه في فعلٍ. ولغة القلب مطردة في فعلٍ. وقالوا: مشوبٌ ومشيبٌ وحورٌ وحيرٌ وهذا النحو فشبهوه بفعلٍ وأجروه مجراه. وأما فعلانٌ فيجري على الأصل وفعلى نحو جولانٍ وحيدانٍن وصورى وحيدى. جعلوه بالزيادة حتى لحقته بمنزلة ما لا زيادة فيه مما لم يجىء على مثال الفعل نحوا لحول والغير واللومة. ومع هذا أنهم لم يكونوا ليجيئوا بهما في المعتل الأضعف على الأصل نحو: غزوانٍ ونزوانٍ ونفيانٍ. ويتركان في يالمعتل الأقوى. وكذلك فعلاء نحو السيراء. وفعلاء بمنزلة ذلك. قالوا: قوباء وخيلاء فتمت كما قالوا: عرواءٌ. وقد قالبعضهم في فعلان وفعلى كما قالوا في فعلٍ ولا زيادة فيه جعلوا الزيادة في آخره بمنزلة الهاء وجعلوه معتلاً كاعتلاله ولا زيادة فيه. وذلك قولهم: دارانٌ من دار يدور وحادانٌ من حاد يحيد وهامانٌ ودالانٌ. وهذا ليس بالمطرد كما لا تطرد أشياء كثيرة ذكرناها. وأما فعلى وفعلى وهذا النحو فلا تدخله العلة كما لا تدخل فعلٌ وفعل. باب ما تقلب فيه الياء واواً


وذلك فعلى إذا كانت اسماً. وذلك: الطوبى والكوسى لأنها لا تكون وصفاً بغير ألف ولام فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً. وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فعلٍ منها يعني بيضٌ. وذلك قولهم: امرأةٌ حيكى. ويدلك على أنها فعلى أنه لا يكون فعلى صفةً. ومثل ذلك: " قسمةٌ ضيزى " فإنما فرقوا بين الاسم والصفة في هذا كما فرقوا بين فعلى اسماً وبين فعلى صفة في بنات الياء التي الياء فيهن لام. وذلك قولهم: شروى وتقوى في الأسماء. وتقول في الصفات: صديا وخزيا فلا تقلب. فكذلك فرقوا بين فعلى صفة وفعلى اسماً فيما الياء فيه عين وصارت فعلى ههنا نظيرة فعلى هناك ولم يجعلوها نظيرة فعلى حيث كانت الياء ثانية ولكنهم جعلوا فعلى اسماً بمنزلتها لأنها إذا ثبتت الضمة في أول حرف قلبت الياء واواً والفتحة لا تقلب الياء فكرهوا أن يقلبوا الثانية إذا كانت ساكنةً إلا كما قلبوا ياء موقنٍ وإلا كما قلبوا واو ميزانٍ وقيل. وليس شيءٌ من هذا يقلب وقبله الفتحة. وكما قلبوا ياء يوقن في الفعل. فأما فعلى فعلى الأصل في الواو والياء وذلك قولهم: فوضى وعيثى. وفعلى من قلت على الأصل كما كانت فعلى من غزوت على الأصل فإنما أرادوا أن تحول إذا كانت ثانيةً من علة فكان ذلك تعويضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها. إذا كانت متحركة والياء قبلها ساكنة أو كانت ساكنة والياء بعدها متحركة وذلك لأن الياء والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها لكثرة استعمالهم إياهما وممرهما على ألسنتهم فلما كانت الواو ليس بينها وبين الياء حاجزٌ بعد الياء ولا قبلها كان العمل من وجهٍ واحد ورفع اللسان من موضع واحد أخف عليهم. وكانت الياء الغالبة في القلب لا الواو لأنها أخف عليهم لشبهها بالألف. وذلك قولك في فيعلٍ: سيدٌ وصيبٌ وإنما أصلهما سيودٌ وصيوبٌ. وكان الخليل يقول: سيدٌ فيعلٌ وإن لم يكن فيعلٌ في غير المعتل لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل ألا تراهم قالوا كينونةٌ والقيدود لأنه الطويل في غير السماء وإنما هو من قاد يقود. ألا ترى أنك تقول جملٌ منقاد وأقود فأصلهما فيعلولةٌ. وليس في غير المعتل فيعلولٌ مصدراً. وقالوا: قضاةٌ فجاءوا به على فعلةٍ في الجمع ولا يكون في غير المعتل للجمع. ولو أرادوا فيعلٌ لتركوه مفتوحاً كما قالوا تيحانٌ وهيبانٌ. وقد قال غيره: هو فيعلٌ لأنه ليس في غير المعتل فيعلٌ. وقالوا: غيرت الحركة لأن الحركة قد تقلب إذا غير الاسم. ألا تراهم قالوا بصريٌّ وقالو أمويٌّ وقالوا أختٌ وأصله الفتح. وقالوا وقول الخليل أعجب إلي لأنه قد جاء في المعتل بناءٌ لم يجىء في غيره ولأنهم قالوا هيبانٌ وتيحانٌ فلم يكسروا. وقد قال بعض العرب: ما بال عيني كالشعب العين فإنما يحمل هذا على الاطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك ووجدت بناء في المعتل لم يكن في غيره. ولا تحمله على الشاذ الذي لا يطرد فقد وجدت سبيلاً إلى أن يكون فيعلاً. وأما قولهم: ميتٌ وهينٌ ولينٌ فإنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائرٍ لاستثقالهم الياءات كذلك حذفوها في كينونةٍ وقيدودةٍ وصيرورةٍ لما كانوا يحذفونها في العدد الأقل ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية في العدد إلا حرفاً واحداً. وإنما أرادوا بهن مثال عيضموزٍ. وإذا أردت فيعل من قلت قلت قيلٌ. فلو كان يغير شيء من الحركة باطراد لغيروا الحركة ههنا. فهذه تقوية لأن يحمل سيدٌ على فيعلٍ إذ كانت الكسرة مطردة كثيرة. وبنات الياء فيما ذكرت لك وبنات الواو سواء. ومما قلبوا الواو فيه ياء ديارٌ وقيامٌ وإنما كان الحد قيوامٌ وديوار. وقالوا قيومٌ وديورٌ وإنما الأصل قيوومٌ وديوورٌ لأنهما بنيا على فيعالٍ وفيعولٍ. وأما زيلت ففعلت من زايلت. وإنا زايلت بارحت لأن مازلت أفعل ما برحت أفعل فإنما هي من زلت وزلت من الياء. ولو كانت زيلت فيعلت لقلت في المصدر زيلةً ولم تقل تزييلاً. وأما تحيزت فتفيعلت من حزت والتحيز تفيعلٌ. وأما صيودٌ وطويلٌ وأشباه ذلك فإنما منعهم أن يقلبوا الواو فيهن ياءً أن الحرف الأول متحرك فلم يكن ليكون إدغامٌ إلا بسكون الأول. ألا ترى أن الحرفين إذا تقارب موضعهما فتحركا أو تحرك الأول وسكن الآخر لم يدغموا نحو قولهم: وتدٌ ووتدٌ فعلٌ ولم يجيزوا وده على هذا فيجعلوه بمنزلة مد لأن الحرفين ليسا من موضع تضعيف فهم في الواو والياء أجدر أن لا يفعلوا ذلك. وإنما أجروا الواو والياء مجرى الحرفين المتقاربين وإنما السكون والتحرك في المتقاربين فإذا لم يكن الأول ساكناً لم تصل إلى الإدغام لأنه لا يسكن حرفان. فكانت الواو والياء أجدر أن لا يفعل بهما ما يفعل بمد ومد لبعد ما بين الحرفين. فلما لم يصلوا إلى أن يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة لم يقلبوا وتركوها على الأصل كما ترك المشبه به. وفوعلٌ من بعت بيعٌن تقلب الواو كما قلبها وهي عين في فيعلٍ وفيعلٍ من قلت. وكذلك فعيل وسألت الخليل عن سوير وبويع ما منعهم من أن يقلبوا الواو ياءً فقال: لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا بأصل وإنما صارت للضمة حين قلت فوعل. ألا ترى أنك تقول: سير ويساير فلا تكون فيهما الواو. وكذلك تفوعل نحو: تبويع لأن الواو ليست بلازمة وإنما الأصل الألف. ومثل ذلك قولهم: رويةٌ ورويا ونوىٌ لم يقلبوها ياءً حيث تركوا الهمزة لأن الأصل ليس بالواو فهي في سوير أجدر أن يدعوها لأن الواو تفارقها إذا تركت فوعل وهي في هذه الأشياء لا تفارق إذا تركت الهمزة. وقال بعضهم: ريا وريةٌ فجعلها بمنزلة الواو التي ليست ببدل من شيءٍ. ولا يكون في سوير وتبويع لأن الواو بدل من الألف فأرادوا أن يمدوا كما مدوا الألف وأن لا يكون فوعل وتفوعل بمنزلة فعل وتفعل. ألا تراهم قالوا: قوول وتقوول فمدوا ولم يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدةً لئلا يكون كفعل وتفعل وليكون على حال الألف في المد. ولا تدغمها فتصير بمنزلة حرفين يلتقيان في غير حروف المد من موضع واحد الأول منهما ساكن فكما ترك الإدغام في الواوين كذلك ترك في سوير وتبويع. ونحو هذه الواو والياء في سوير وتبويع واو ديوانٍ وذلك لأن هذه الياء ليست بلازمة للاسم كلزوم ياء فيعلٍ وفيعالٍ وفعيلٍ ونحو ذلك وإنما هي بدلٌ من الواو وكما أبدلت ياء قيراطٍ مكان الراء ألا تراهم يقولون دوبوينٌ في التحقير ودواوين في الجمع فتذهب الياء. فلما كانت كذلك شبهت هذه الياء بواو رويةٍ وواو بوطر فلم يغيروا الواو كما لم يغيروا تلك الواو للياء. ولو بنيتها يعني ديوان على فيعالٍ لأدغمت ولكنك جعلتها فعالٌ ثم أبدلت كما قلت تظنيت. وكذلك قلت قراريط فرددت وحذفت الياء. وهي من بعت على القياس لو قيل بياعٌ بإدغام لأنك لا تنجو من ياءين. باب ما يكسر عليه الواحد


مما ذكرنا في الباب الذي قبله ونحوه اعلم أنك إذا جمعت فوعلاً من قلت همزة كما همزة فواعل من عورت وصيدت. فإذا جمعت سيداًن وهو فيعلٌ وفيعلاً نحو عينٍ همزت وذلك: عيلٌ وعيائل وخيرٌ وخيائر لما اعتلت ههنا فقلبت بعد حرف مزيد في موضع ألف فاعلٍ همزت حيث وقعت بعد ألف وصار انقلابها ياء نظير الهمزة في قائلٍ. ولم يصلوا إلى الهمزة في الواحد إذ كانت قبلها ياء فكأنهم جمعوا شيئاً مهموزاً. ولم يكن ليعتل بعد ياء زائدة في موضع ألف ولا يعتل بعد الألف. ولو لم يعتل لم يهمز كما قالوا: ضيونٌ وضياون وقالوا: عينٌ وعيائن. وإذا جمعت فعولاً فبناؤه بناء فوعلٍ في اللفظ سواء. ألا ترى أن الواوين يقدمان ويؤخران. وذلك قولك إذا أردت فوعلاً قولٌ وإذا أردت فعولاً قولٌ. وتهمز فعاول فتقول قوائل كما همزت فعاعل. وإنما فعلوا ذلك لالتقاء الواوين وأنه ليس بينهما حاجز حصين وإنما هو الألف تخفى حتى تصير كأنك قلت قوول وقربت من آخر الحرف فهمزت وشبهت بواو سماء كما قالوا صيمٌ فأجروها مجرى عتيٍ. وذلك الذي دعاهم إلى أن غيروا شوايا. وإذا التقت الواوان على هذا المثال فلا تلتفتن إلى الزائد وإلى غير الزائد. ألا تراهم قالوا أول وأوائل فهمزوا ما جاء من نفس الحرف وأما قول الشاعر: وكحل العينين بالعواور فإنما اضطر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازماً له في الكلام فيهمز. وكذلك فواعل من قلت قوائل لأنها لا تكون أمثل حالاً من فواعل من عورت ومن أوائل. واعلم أن بنات الياء نحو بعت تبيع في جميع هذا كبنات الواو يهمزن كما همزت فواعل من صيدت فجعلتها بمنزلة عورت فوافقتها كما وافقت حييت شويت لأن الياء قد تستثقل مع الواو كما تستثقل الواوان فوافقت هذه الواو وصارت يجري عليها ما يجري على الواو في الهمز وتركه كما اتفقتا في حال الاعتلال وترك الأصل. فلما كثرت موافقتها لها في الاعتلال والخروج عن الأصل وكانت الياءان تستثقلان وتستثقل الياء مع الواو أجريت مجراها في الهمز لأنهم قد يكرهون من الياء مثل ما يكرهون من الواو. ويهمز فعيلٌ من قلت وبعت. وذلك قوائل وبيائع فهمزت الياء كما همزت الواو في فعاول فاتفقا في هذا الباب كما اتفقت الياء والواو فيما ذكرت لك إذ كان اجتماع الياءات يكره والياء مع الواو مكروهتان. باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا


إذا كسر للجمع على الأصل فمن ذلك: فيعالٌ نحو ديارٍ وقيام وديورٍ وقيومٍ تقول دياوير وقياويم. ومثل ذلك عوارٌ تقول عواويرً ولا تهمز هذا كما تهمز فعاعل من قلت. وخالفت فعالٌ فعلاً كما يخالف فاعولٌ نحو طاووسٍ عاوراً إذا جمعت فقلت طواويس. وإنما خالفت الحروف الأول هذه الحروف لأن كل شيء من الأول همز على اعتلال فعله أو واحده فإنما شبه حيث قرب من آخر الحروف بالياء والواو اللتين تكونان لامين إذا وقعتا بعد الألف ولا شيء بعدهما نحو سقاءٍ وقضاءٍ فجعلت الياءات والواوات هنا كأنهن أواخر الحروف كما جعلت الواوان في صيمٍ كأنهما أواخر الحروف. فإذا فصلت بينهن وبين أواخ الحروف بحرفٍ جرين على الأصل تقول: الشقاوة والغواية فتخرجهما على الأصل إذا كان آخر الكلمة ما بعدهما وحرف الإعراب. فإذا كان هذا النحو هكذا فالمعتل الذي هو أقوى وقد منعه أن يكون آخر الحرف حرفان أقرب من البيان والأصل له ألزم. ومثل هذا قولهم: زوارٌ وصوامٌ لما بعدت من آخر الكلمة قويت كما قويت الواو في أخوةٍ وأبوةٍ حيث لم يكونا أواخر الحرفين. فالبيان والأصل في الصوام ينبغي أن يكون ألزم وأثبت لأنه أقوى المعتلين. باب فعل من فوعلت


من قلت وفيعلت من بعت وذلك قولك: قد قوول وقد بويع في فوعلت وفيعلت فمددت كما مددت في فاعلت. وإنما وافق فوعلت وفيعلت فاعلت ههنا كما اتفقن في غير المعتل. ألا ترى أنك تقول: بيطرت فتقول بوطر فتمد كما كنت ماداً لو قلت باطرت. وتقول صومعت فتجريها مجرى صامعت لو تكلمت بها. وكذلك فيعلت من بعت إذا قلت فيها فعل وكذلك تفيعلت منها إذا قلت قد تفوعل توافق تفاعلت كما وافق الآخر فاعلت. وذلك قولك: تقوول وتبويع وافق تفاعلت كما يوافق تفيعلت من غير المعتل وذلك قولك: تفوهق من تفيهقت. كما وافق فاعلت من هذا الباب غير المعتل ولم يكن فيه إدغام كذلك وافقه فوعلت وفيعلت. ولم تجعل هذا بمنزله العينين في حولت وزيلت لأن هذه الواو والياء تزدان كما تزاد الألف. ألا ترى أنهما قد يجيئان وليس بعدهما حرفٌ من موضعهما ولا يلزمهما تضعيف. وذلك قولك: حوقلت وبيطرت. فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى الألف وفرق بين هاتين وبين الأخرى المدغمة. وكذلك فعولت تمد منهما ولا تدغم ولا تجعلها بمنزلة العينين إذ كانتا حرفين مفترقين. ألا ترى أن الزيادة التي فيها تلحق ولا يلزمها التضعيف في جهورت. فلما كانت الزيادة كذلك جرت ههنا مجراها لو لم تكن بعدها واوٌ زائدة. فكذلك إذا كان الحرف فعولت وفعيلت تجري كما جرت الواو والياء في فوعلت وفيعلت مجراهما وليس بعدهما واو ولا ياء لأنهما كانا حرفين مفترقين. وذلك قولك: قد بووع وقوول قلبت ياء بويع واواً للضمة كما فعلت ذلك في فعللت. وسيبين ذلك إن شاء الله. ولا تقلب الواو ياءً في فوعل من بعت إذا كانت من فيعلت لأن أمرها كأمر سويرت. وتقول في افعوعلت من سرت: اسييرت تقلب الواو ياءً لأنها ساكنة بعدها ياء. فإذا قلت فعلت قلت: اسيويرت لأن هذه الواو قد تقع وليست بعدها ياء كقولك اغدودن فهي بمنزلة واو فوعلت وألف افعاللت وكذلك هي من قلت لأن هذه الواو قد تقع وليس بعدها واو فيجريان في فعل مجرى غير المعتل كما أجريت الأول مجرى غير المعتل فأجريت اسيوير على مثال اغدودن في هذا المكان واشهوب في هذا المكان ولم تقلب الواو ياءً لأن قصتها قصة سوير. وسألته عن اليوم فقال: كأنه من يمت وإن لم يستعملوا هذا في كلامهم كراهية أن يجمعوا بين هذا المعتل وياء تدخلها الضمة في يفعل كراهية أن يجتمع في يفعل ياءان في إحداهما ضمةٌ مع المعتل. فلما كانوا يستثقلون الواو وحدها في الفعل رفضوها في هذا لما يلزمهم من الاستثقال في تصرف الفعل. ومما جاء على فعل لا يتكلم به كراهية نحو ما ذكرت لك: أول والواو وآءة وويحٌ وويسٌ وويلٌ بمنزله اليوم كأنها من: ولت ووحت وأؤت وإن لم يتكلم بها تقديرها ععت من قولك: آءةٌ لما يجتمع فيه مما يستثقلون. وسألته: كيف ينبغي له أن يقول أفعلت في القياس من اليوم على من قال أطولت وأجودت فقال: أيمت فتقلب الواو ههنا كما قلبها في أيام. وكذلك تقلبها في كل موضع تصح فيه ياء أيقنت. فإذا فعلت أفعل ومفعلٌ ويفعل قلت: أووم ويووم وموومٌ لأن الياء لا يلزمها أن تكون بعدها ياء كفعلت من بعت وقد تقع وحدها. فكما أجريت فيعلت وفوعلت مجرى بيطرت وإذا قلت أفعل من اليوم قلت أيم كما قلت أيام. فإذا كسرت على الجمع همزت فقلت أيائم لأنها اعتلت ههنا كما اعتلت في سيدٍ. والياء قد تستثقل مع الواو فكما أجريت سيداً مجرى فوعلٍ من قلت كذلك تجري هذا مجرى أول. وأما افعوعلت من قلت فبمنزلة افعوعلت من سرت في فعل وأتمت افعوعلت منها كما يتم فاعلت وتفاعلت لأنهم لو أسكنوا كان فيه حذف الألف والواو لئلا يلتقي ساكنان. وكذلك افعاللت وافعللت. وذلك قولك في افعوعلث اقوولت وفي افعاللت من الياء والواو: اسواددت وابياضضت. فإذا أردت فعل قلت: ابيوض كما قلت اشهوب وضورب فقلبت الألف. وأما افعللت فقولك: ازوررت وابيضضت. باب تقلب فيه الياء واواً وذلك قولك في فعللٍ من كلت كولل وفعلل إذا أردت الفعل كولل ولم تجعل هذه الأشياء بمنزلة بيضٍ وقد بيع حيث خرجت إلى مثالها لبعدها من هذا وصارت على أربعة أحرف وكان الاسم منها لا تحرك ياؤه ما دام على هذه العدة وكان الفعل ليس أصل يائه التحريك. فلما كان هذا هكذا جرى فعله في فعل مجرى بوطر من البيطرة وأيقن يوقن وأوقن والاسم يجري مجرى موقنٍ. سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقال: مظاهرةً نياً عتيقاً وعوططاً فقد أحكما خلقاً لها متباينا العوطط فعللٌ. باب ما الهمزة فيه في موضع اللام


من بنات الياء والواو وذلك نحو: ساء يسوؤ وناء ينوء وداء يداء وجاء يجيء وفاء يفيء وشاء يشاء. اعلم أن الواو والياء لا تعلان واللام ياء أو واوٌ لأنهم إذا فعلوا ذلك صاروا إلى ما يستثقلون وإلى الالتباس والإجحاف. وإنما اعتلتا للتخفيف. فلما كان ذلك يصيرهم إلى ما ذكرت لك رفض. فهذه الحروف تجري مجرى قال يقول وباع يبيع وخاف يخاف وهاب يهاب. إلا أنك تحول اللام ياءً إذا همزت العين وذلك قولك: جاءٍ كما ترى همزت العين التي همزت في بائعٍ واللام مهموزةٌ فالتقت همزتان ولم تكن لتجعل اللام بين بين من قبل أنهما في كلمة واحدة وأنهما لا يفترقان فصار بمنزلة ما يلزمه الإدغام لأنه في كلمة واحدة وأن التضعيف لا يفارقه. وسترى ذلك في باب الإدغام إن شاء الله. فلما لزمت الهمزتان ازدادتا ثقلاً فحولوا اللام وأخرجوها من شبه الهمزة. وجميع ما ذكرت لك في فاعلٍ بمنزلة جاء. ولم يجعلوا هذا بمنزلة خطايا لأن الهمز لم يعرض في الجمع فأجري هذا مجرى شاءٍ وناءٍ من شأوت ونأيت. وأما خطايا فحيث كانت همزتها تعرض في الجمع أجريت مجرى مطايا. واعلم أن ياء فعائل أبداً مهموزة لا تكون إلا كذلك ولم تزد إلا كذلك وشبهت بفعاعل. وإذا قلت فواعل من جئت قلت جواءٍ كما تقول من شأوت شواءٍ فتجريها في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد لأنك أجريت واحدها مجرى الواحد من شأوت. وأما فعائل من جئت وسؤت فكخطايا تقول: جبايا وسوايا. وأما الخليل فكان يزعم أن قولك جاءٍ وشاءٍ ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة. وذلك نحو قولهم للعجاج: لاثٍ بها الأشاء والعبرى وقال لطريف بن تميم العنبري: وأكثر العرب يقول: لاثٌ وشاكٌ سلاحه. فهؤلاء حذفوا الهمزة وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت حين قالوا فاعلٌ لأن من شأنهم الحذف لا القلب ولم يصلوا إلى حذفها كراهية أن تلتقي الألف والياء وهما ساكنتان. فهذا تقويةٌ لمن زعم أن الهمزة في جاء هي الهمزة التي تبدل من العين. وكلا القولين حسنٌ جميل. وأما فعائلٌ من جئت فجياءٍ ومن سوت سواءٍ لأنها ليست همزةً تعرض في جمعٍ فهي كمفاعلٍ من شأوت. وأما فعللٌ من جئت وقرأت فإنك تقول فيه: جيأى وقرأى وفعللٌ منهما: قرئىٍ وجوئىٍ وفعللٌ: قرئىٍ وجيءٍ. وإنما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين ولزومهما. وليس يكون ههنا قلبٌ كما كان في جاءٍ لأنه ليس ههنا شيء أصله الواو ولا الياء فإذا جعلته طرفاً جعلته كياء قاضٍ وإنما الأصل ههنا الهمز. فإنما أجري جاءٍ في قول من زعم أنه مقلوب مجرى لاثٍ حيث قلبوا قراءٍ وجياءٍ لأن الهمزة ثابتة في الواحد وليست تعرض في الجمع فأجريت مجرى مشأى ومشاءٍ ونحو هذا. وأما فعاعل من جئت وسؤت فتقول فيه سوايا وجبايا لأن فعاعل من بعت وقلت مهموزان فلما وافقت اللام مهموزةً لم يكن من قلب اللام ياءً بدٌّ كما قلبتها في جاء وخطايا. فلما كانت تقلب ياء وكانت الهمزة إنما تكون في حال الجمع أجريت مجرى فواعل من شويت وحويت حين قلت: شوايا لأنها همزة عرضت في الجمع وبعدها ياءٌ فأجريت مجرى مطايا. ومن جعلها مقلوبة فشبهها بقوله شواعٍ وإنما يريد شوائع فهو ينبغي له أن يقول جياءٍ وشواءٍ لأنهما همزتا الأصل التي تكون في الواحد. وإنما جعلت العين التي أصلها الياء والواو طرفاً فأجريت مجرى واو شأوت وياء نأيت في فاعل. وأما افعللت من صدئت فاصدأيت تقلبها ياء كما تقلبها في مفعللٍ وذلك قولك: مصدىءٍ كما ترى ويفعلل يصدئى لم تكن لتكون ههنا بمنزلة بنات الياء وتكون في فعلت ألفاً. ومن ثم لم يجعلوها ألفاً ساكنة. كما أنك لم تقل أغزوت إذ كنت تقول يغزى فلم تكن لتجعل فعلت منه بمنزلة الهمزة وسائره كبنات الياء فأجري هذا مجرى رمى يرمي. وهذا قول الخليل. وفياعل من سؤت وجئت بمنزلة فعاعل تقول: جبايا وسيايا لأنها همزة عرضت في الجمع. وسألته عن قوله: سؤته سوائيةً فقال: هي فعاليةٌ بمنزلة علانيةٍ. والذين قالوا سوايةٌ حذفوا الهمزة كما حذفوا همزة هارٍ ولاثٍ كما اجتمع أكثرهم على ترك الهمزة في ملكٍ وأصله الهمزة. قال الشاعر: فلست لانسىٍ ولكن لملأكٍ ** تنزل من جو السماء يصوب وسألته عن مسائية فقال: هي مقلوبة. وكذلك أشياء وأشاوى. ونظير ذلك من المقلوب قسيٌّ وإنما أصلها قووسٌ كرهوا الواوين والضمتين. ومثل ذلك قول الشاعر: مروان مروان أخو اليوم اليمى وإنما أراد اليوم فاضطر إلى هذا ومع ذلك أن هذه الواو تعتل في فعلٍ وتكره فهي في الياء أجدر أن تكره فصار اليوم بمنزلة القووس. فمسائيةٌ إنما كان حدها مساوئةٌ فكرهوا الواو مع الهمزة لأنهما حرفان مستثقلان. وكان أصل أشياء شيئاء فكرهوا منها مع الهمزة مثل ما كره من الواو وكذلك أشاوى أصلها أشايا كأنك جمعت عليها إشاوة وكأن أصل إشاوة شيئاء ولكنهم قلبوا الهمزة قبل الشين وأبدلوا مكان الياء الواو كما قالوا: أتيته أتوةً وجبيته جباوةً والعليا والعلياء. ومثل هذا في القلب طأمن واطمأن. فإنما حمل هذه الأشياء على القلب حيث كان معناها معنى ما لا يطرد ذلك فيه كان اللفظ فيه إذا أنت قلبته ذلك اللفظ فصار هذا بمنزلة ما يكون فيه الحرف من حروف الزوائد ثم يشتق في معناه ما يذهب فيه الحرف الزائد. وأما جذبت وجبذت ونحوه فليس فيه قلب وكل واحدٍ منهما على حدته لأن ذلك يطرد فيهما في كل معنىً ويتصرف الفعل فيه. وليس هذا بمنزلة ما لا يطرد مما إذا قلبت حروفه عما تكلموا به وجدت لفظه لفظ ما هو في معناه من فعلٍ أو واحدٍ هو الأصل الذي ينبغي أن يكون ذلك داخلاً عليه كدخول الزوائد. وجميع هذا قول الخليل. وأما كلا وكلٌّ فمن لفظين لأنه ليس ههنا قلب ولا حرفٌ من حروف الزوائد يعرف هذا له موضعاً. باب ما كانت الواو والياء فيه لامات


اعلم أنهن لاماتٍ أشد اعتلالاً وأضعف لأنهن حروف إعراب وعليهن يقع التنوين والإضافة إلى نفسك بالياء والتثنية والإضافة نحو هنيٍ فإنما ضعفت لأنها اعتمد عليها بهذه الأشياء. وكلما بعدتا من آخر الحرف كان أقوى لهما. فهما عيناتٍ أقوى وهما فاءاتٍ أقوى منهما عيناتٍ ولاماتٍ. وذلك نحو غزوت ورميت. واعلم أن يفعل من الواو تكون حركة عينه من المعتل الذي بعده ويفعل من الياء تكون حركة عينه من الحرف الذي بعده فيكون في غزوت أبداً يفعل وفي رميت يفعل أبداًز ولم يلزمهما يفعل ويفعل حيث اعتلتاء لأنهم جعلوا ما قبلهما معتلين كاعتلالهما. وأما فعل فيكون في الواو نحو سرو يسرو ولا يكون في الياء لأنهم يقرون من الواو إليها فلم يكونوا لينقلوا الأخف إلى الأثقل فيلزمها ذلك في تصرف الفعل. واعلم أن الواو في يفعل تعتل إذا كان قبلها ضمة ولا تقلب ياءً ولا يدخلها الرفع كما كرهوا الضمة في فعل وذلك نحو البون والعون. فالأضعف أجدر أن يكرهوا ذلك فيه. ولكنهم ينصبون لأن الفتحة فيها أخف عليهم كما أن الألف أخف عليهم من الواو. ألا تراهم إذا قالوا فعلٌ من باب قلت لم تعتل وذلك نحو: النومة واللومة. والضمة فيها كواو بعدها والفتحة فيها كألف بعدها وذلك قولك: هو يغزوك ويريد أن يغزوك. وإذا كان قبل الياء كسرةٌ لم يدخلها جرٌّ كما لم يدخل الواو ضم لأن الياءات قد يكره منها ما يكره من الواوات فصارت وقبلها كسرة كالواو والضمة قبلها ولا يدخلها الرفع إذ كره الجر فيها لأن الواو قد تكره بعد الياء حتى تقلب ياءً والضمة تكره معها حتى تكسر في بيضٍ ونحوها. فلما تركوا الجر كانوا لما هو أثقل مع الياء وما هو منها أترك. وأما النصب فإنه يدخل عليها لأن الألف والفتحة معها أخف كما كانتا كذلك في الواو. وذلك قولك: هذا راميك وهو يرميك ورأيت راميك ويريد أن يرميك. وإذا كانت الياء والواو قبلها فتحةٌ اعتلت وقلبت ألفاً كما اعتلت وقبلها الضم والكسر ولم يجعلوها وقبلها الفتحة على الأصل إذ لم تكن على الأصل وقبلها الضمة والكسرة فإذا اعتلت قلبت ألفاً فتصير الحركة من الحرف الذي بعدها كما كانت الحركة قبل الياء والواو حيث اعتلت مما بعدها. وذلك قولك: رمى ويرمى وغزا ويغزى ومرمى ومغزىً. وأما قولهم: غزوت ورميت وغزون ورمين فإنما جئن على الأصل لأنه موضعٌ لا تحرك فيه اللام وإنما أصلها في هذا الموضع السكون وإنما تقلب ألفاً إذا كانت متحركةً في الأصل كما اعتلت الياء وقبلها الكسرة والواو وقبلها الضمة وأصلها التحرك. واعلم أن الواو إذا كان قبلها حرف مضموم في الاسم وكانت حرف الإعراب قلبت ياءً وكسر المضموم كما كسرت الباء في مبيع. وذلك قولك: دلوٌ وأدلٍ وأحقٍ كما ترى فصارت الواو ههنا أضعف منها في الفعل حين قلت يغزو ويسرو لأن التنوين يقع عليها والإضافة بالياء نحو قولك: هنيٌّ والتثنية والإضافة إلى نفسك بالياء فلا تجد بداً من أن تقلبها فلما كثرت هذه الأشياء عليها وكانت الياء قد تغلب عليها لو ثبتت أبدلوها مكانها لأنها أخف عليهم والكسرة من الواو والضمة. وهي أغلب على الواو من الواو عليها. فإن كان قبل الواو ضمة ولم تكن حرف إعراب ثبتت وذلك نحو: عنفوانٍ وقمحدوةٍ وأفعوانٍ لأن هذه الأشياء التي وقعت على الواو في أدلٍ ونحوها وقعت ههنا على الهاء والنون. وقالوا: قلنسوةٌ فأثبتوا ثم وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ ساكنٌ جرتا مجرى غير المعتل وذلك نحو: ظبيٍ ودلوٍ لأنه لم يجتمع ياءٌ وكسرة ولا واوٌ وضمة ولم يكن ما قبلهما مفتوحاً فتجري مرى ما قبله الكسرة أو ما قبله الضمة في الاعتلال وقويتا حيث ضعف ما قبلهما. ومن ثم قالوا: مغزوٌّ كما ترى وعتوٌّ فاعلم. وقالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ شبهوها حيث كان قبلها حرف مضموم ولم يكن بينهما إلا حرف ساكن بأدلٍ. فالوجه في هذا النحو الواو. والأخرى عربية كثيرة. والوجه في الجمع الياء وذلك قولك: ثديٌّ وعصيٌّ لأن هذا جمعٌ كما أن أدلياً جمعٌ. وقد قال بعضهم: إنكم لتنتظرون في نحوٍ كثيرة فشبهوها بعتوٍ. وهذا قليل وإنما أراد جمع النحو. فإنما لزمتها الياء حيث كانت الياء تدخل فيما هو أبعد شبهاً يعني صيمٌ. وقد يكسرون أول الحروف لما بعده من الكسرة والياء وهي لغة جيدة. وذلك قول بعضهم: ثديٌّ وحقيٌّ وعصي وجثيٌّ. وقال فيما قلبت الواو فيه ياءً من غير الجمع. البيت لعبد غيوث بن وقاصٍ الحارثي: وقد علمت عرسي مليكة أنني أنا الليث معدياً عليه وعاديا وقالوا: يسنوها المطر وهي أرضٌ مسنيةٌ. وقالوا: مرضيٌّ وإنما أصله الواو. وقالوا مرضوٌّ فإن كان الساكن الذي قبل الياء والواو ألفاً زائدةً همزت وذلك نحو: القضاء والنماء والشقاء. وأنما دعاهم إلى ذلك أنهم قالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ وعصيٌّ فجعلوا اللام كأنها ليس بينها وبين العين شيء فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء وألزموها الاعتلال في الألف لأنها بعد الفتحة أشد اعتلالاً. ألا ترى أن الواو بعد الضمة تثبت في الفعل وفي قمحدوةٍ وتدخلها الفتحة والياء بعد الكسرة تدخلها الفتحة ولا تغير فتحول من موضعها. وهما بعد الفتحة لا تكونان إلا مقلوبتين لازماً لهما السكون. ولا يكون هذا في دلوٍ وظبيٍ ونحوهما لأن المتحرك ليس بالعين ولأنك لو أردت ذلك لغيرت البناء وحركت الساكن. واعلم أن هذه الواو لا تقع قبلها أبداً كسرةٌ إلا قلبت ياء. وذلك نحو: غاز وغزى ونحوهما. وسألته عن قوله غزى وشقى إذا خففت في لغة من قال عصر وعلم فقال: إذا فعلت ذلك تركتها ياءً على حالها لأني إنما خففت ما قد لزمته الياء وإنما أصلها التحريك وقلب الواو وليس أصل هذا بفعل ولا فعل. ألا تراهم قالوا: لقضوً الرجل فلما كانت مخففة مما أصله التحريك وقلب الواو لم يغيروا الواو. ولو قالوا غزو وشقو لقالوا: لقضى. وسألته عن قول بعض العرب: رضيوا فقال: هي بمنزلة غزى لأنه أسكن العين ولو كسرها لحذف لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة وقبلها الكسرة. وتقول سرووا على الإسكان وسروا على إثبات الحركة. وتقول في فعلٍ من جئت: جيءٌ. فإن خففت الهمزة قلت جيٌ فضممت للتحريك. وتقول في فعللٍ من جئت: جوىءٍ. فإن خففت قلت جيٍ تقلبها ياءً للحركة كما تقول في موقنٍ مييقنٌ في التحرك للتحقير وكما تقول في ليةٍ لويةٌ. وليس ذا بمنزلة غزى لأن الواو إنما قلبتها للكسرة فصارت كأنها من الياء. ألا ترى أنك تفعل ذلك في أفعلت واستفعلت ونحوهما إذا قلت أغزيت واستغزيت. وإذا قلت فعلت من سقت فيمن قال سيقً قلت سقت لأن هذه كسرة كما كسرت خاء خفت. باب ما يخرج على الأصل


إذا لم يكن حرف إعراب وذلك قولك: الشقاوة والإداوة والإتاوة والنقاوة والنقاية والنهاية. قويت حيث لم تكن حرف إعراب كما قويت الواو في قمحدوةٍ. وذلك قولهم: أبوةٌ وأخوةٌ لا يغيران ولا تحولهما فيمن قال مسنيٌّ وعتيٌّ لأنه قد لزم الإعراب غيرهما. وسألته عن قولهم: صلاءةٌ وعباءةٌ وعظاءةٌ فقال: إنما جاءوا بالواحد على قولهم: صلاءٌ وعظاءٌ وعباءٌ كما قالوا: مسنيةٌ ومرضيةٌ حيث جاءتا على مرضيٍ ومسنيٍ. وإنما ألحقت الهاء آخراً حرفاً يعرى منها ويلزمه الإعراب فلم تقو قوة ما الهاء فيه على أن لا تفارقه. وأما من قال صلايةٌ وعبايةٌ فإنه لم يجىء بالواحد على الصلاء والعباء كما أنه إذا قال خصيان لم يثنه على الواحد المستعمل في الكلام. ولو أراد ذلك لقال خصيتان. وسألته عن الثنايين فقال: هو بمنزلة النهاية لأن الزيادة في آخره لا تفارقه فأشبهت الهاء. ومن ثم قالوا مذروان فجاءوا به على الأصل لأن ما بعده من الزيادة لا يفارقه. وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ مفتوح وكانت الهاء لازمة لم تكن إلا بمنزلتها لو لم تكن هاءٌ وذلك نحو: العلاة وهناةٍ وقناةٍ. وليس هذا بمنزلة قمحدوة لأنها حيث فتحت وقبلها الضمة كانت بمنزلتها منصوبةً في الفعل. وذلك نحو: سرو ويريد أن يغزوك. وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحة قلبت ألفاً ثم لم يدخلها تغيرٌ في موضع من المواضع. فإنما قمحدوةٌ بمنزلة ما ذكرت لك من الفعل. وأما النفيان والغثيان فإنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكناًن فحركوا كما حركوا رميا وغزوا وكرهوا الحذف مخافة الالتباس فيصير كأنه فعالٌ من غير بنات الياء والواو. ومثل الغثيان والنفيان: النزوان والكروان. وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازماً أو غير لازم فهي مبدلةٌ مكانها الياء لأنهم قد قلبوا الواو في المعتل الأقوىل ياءً وهي متحركة لما قبلها من الكسر وذلك نحو: القيام والثيرة والسياط. فلما كان هذا في هذا ال نحو ألزموا الأضعف الذي يكون ثالثاً الياء. وكينونتها ثانيةً أخف لأنك إذا وصلت إليها بعد حرفٍ كان أخف من أن تصل إليها بعد حرفين. وذلك قولك: محنيةٌ فإنما هي من حنوت وهي الشيء المحني من الأرض - وغازيةٌ. وقالوا: قنيةٌ للكسرة وبينهما حرف والأصل قنوةٌ فكيف إذا لم يكن بينهما شيء. باب ما تقلب فيه الياء واواً


ليفصل بين الصفة والاسم وذلك فعلى. إذا كانت اسماً أبدلوا مكانها الواو نحو: الشروى والتقوى والفتوى. وإذا كانت صفةً تركوها على الأصل وذلك نحو: صدياً وخزياورياً. ولو كانت ريا اسماً لقلت روىً لأنك كنت تبدل واواً موضع اللام وتثبت الواو التي هي عين. وأما فعلى من الواو فعلى الأصل لأنها إن كانت صفة لم تغير كما لم تغير الياء. وإن كانت اسماً ثبتت لأنها تغلب على الياء فيما هي فيه أثبت. وذلك قولك: شهوى ودعوى. فشهوى صفة ودعوى اسم وعدوى كدعوى. وأما فعلى من بنات الواو فإذا كانت اسماً فإن الياء مبدلة مكان الواو كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى فأدخلوها عليها في فعلى كما دخلت عليها الواو في فعلى لتتكافئا. وذلك قولك: الدنيا والعليا والقصيا. وقد قالوا القصوى فأجروها على الأصل لأنها قد تكون صفةً بالألف واللام. فإذا قلت فعلى من ذا الباب جاء على الأصل إذا كان صفةً وهو أجدر أن يجيء على الأصل إذ قالوا القصوى فأجروه على الأصل وهو اسم كما أخرجت فعلى من بنات الياء صفةً على الأصل. وتجري فعلى من بنات الياء على الأصل اسماً وصفة كما جرت الواو في فعلى صفة واسماً على الأصل. وأما فعلى منهما فعلى الأصل صفة واسماً تجريهما على القياس لأنه أوثق ما لم تتبين تغييراً منهم. باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء


قلبت الهمزة ياء والياء ألفاً وذلك قولك: مطيةٌ ومطايا وركيةٌ وركايا وهديةٌ وهدايا فإنما هذه فعائل كصحيفةٍ وصحائف. وإنما دعاهم إلى ذلك أن الياء قد تقلب إذا كانت وحدها في مثل مفاعل فتبدل ألفاً. وذلك نحو: مدارى وصحارى. والهمزة قد تقلب وحدها ويلزمها الاعتلال فلما التقى حرفان معتلان في أثقل أبنية الأسماء ألزموا الياء بدل الألف إذ كانت تبدل ولا معتل قبلها وأردوا أن لا تكون الهمزة على الأصل في مطايا إذ كان ما بعدها معتلاً وكانت من حروف الاعتلال كما اعتلت الفاء في قلت وبعت إذا اعتل ما بعدها. فالهمزة أجدر لأنها من حروف الاعتلال. وإن شئت قلت صارت الهمزة مع الألفين حيث اكتتنفتاها بمنزلة همزتين لقرب الألف منهما فأبدلت. يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاء فيحققون يقولون رأيت سلا فلا يحققون كأنها همزة جاءت بعدها وأبدلوا مكان الهمزة الياء التي كانت ثابتةً في الواحد كما أبدلوا مكان حركة قلت التي في القاف وحركة ياء بعت اللتين كانتا في العينين ليعلم أن الياء في الواحد كما علم أن ما بعد الباء والقاف مضمومٌ ومكسور. وقد قال بعضهم: هداوى فأبدلوا الواو لأن الواو قد تبدل من الهمزة. وأما ما كانت الواو فيه ثابتة نحو: إداوةٍ وعلاوةٍ وعراوةٍ فإنهم يقولون فيه: هراوى وعلاوى وأداوى ألزموا الواو ههنا كما ألزموا الياء في ذلك وكما قال حبالى ليكون آخره كآخر واحده. وليست بألف تأنيث كما أن هذه الواو غير تلك الواو. ولم يفعلوا هذا في جاءٍ لأنه شيءٌ على مثال قاضٍ تبدل فيه الياء ألفاً. وقد فعل ذلك فيما كان على مثال مفاعل لأنه ليس يلتبس بغيره لعلمهم أنه ليس في الكلام على مثال مفاعل. وذلك يلتبس لأن في الكلام فاعلاً. وفواعل من شويت كذلك لأنها همزة تعرض في الجمع وبعدها الياء فهمزتها كما همزت فواعل من عورت فهي نظيرها في غير العنل كما أن صحائف ورسائل نظيرة مطايا وأداوى. وكذلك فواعل من حييت هن حوايا تجري الياء مجرى الواو كما أجريتهما مجرى واحداً في قلت وبعت وعورت وصيدت ولا تدرك الهمزة في قلت وبعت وعورت وصيدت في موضعٍ إلا أدركهما ثم اعتلتا اعتلال مطايا. وذلك قولك شوايا في فواعل وحوايا. وفواعلٌ منهما بمنزلة فواعل في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياءً كما فعلت ذلك في عورت. وذلك قولك عوائرٌ. ولا يكون أمثل حالاً من فواعل وأوائل. وذلك قولك شواءٍ. وأما فعائلٌ من بنات الياء والواو فمطاءٍ ورماءٍ لأنها ليست همزة لحقت في جمعٍ وإنما هي بمنزلة مفاعلٍ من شأوت وفاعلٍ من جئت لأنها تخرج على مثال مفاعل. وهي في هذا المثال بمنزلة فاعلٍ من جئت فهمزتها بمنزلة همزة فعالٍ من حييت. وإن جمعت قلت مطاءٍ لأنها لم تعرض في الجمع. وفياعل من شويت وحييت بمنزلة فواعل تقول: حيايا وشيايا وذلك لأنك تهمز سيداً وبيعاً إذا جمعت. فكل شيء من باب قلت وبعت همز في الجمع فإن نظيره من حييت وشويت يجيء على هذا المثال لأنها همزةٌ تعرض في جمع وبعدها ياءٌ ولا يخافون التباساً. وقالوا: فلوةٌ وفلاوى لأن الواحد فيه واو فأبدلوه في الجمع واواً. وأما فعائلٌ وفواعلٌ ففيه مع شبهه بمفاعلٍ من شأوت وجاءٍ فيما ذكرت لك - يعني أنه واحد - أن له مثالاً مفتوحاً يلتبس به لو جعلته بمنزلة فعائل نحو حبارى فكرهوا أن يلتبس به ويشبهه. وليس للجمع مثال أصلٍ ما بعد ألفه الفتح. باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء


وذلك: سريٌّ وأسرياء وأغنياء وأشقياء. وإنما صرفوها عن سرواء وغنياء لأنهم يكرهون تحريك الياء والواو وقبلهما الفتحة إلا أن يخافوا التباساً في رميا وغزوا ونحوهما. والياء إذا كانت قبلها الكسرة فهي في النصب والفتح بمنزلة غير المعتل فلما كانت الحركة تكره وقبلها الفتحة وكانت أفعلاء قد يجمع بها فعيلٌ فروا إليها كما فروا إليها في التضعيف في أشداء كراهية التضعيف. باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء


وذلك إذا كانت فعلت على خمسة أحرف فصاعداً. وذلك قولك: أغزيت وغازيت واسترشيت. وسألت الخليل عن ذلك فقال: إنما قلبت ياءً لأنك إذا قلت يفعل لم تثبت الواو للكسرة فلم يكن ليكون فعلت على الأصل وقد أخرجت يفعل إلى الياء. وأفعل وتفعل ونفعل. قال: الألف بدلٌ من الياء ههنا التي أبدلت مكان الواو وإنا أدخلت التاء على غازيت ورجيت. وقال: ضوضيت وقوقيت بمنزلة ضعضعت ولكنهم أبدلوا الياء إذ كانت رابعة. وإذا كررت الحرفين فهما بمنزلة تكريرك الحرف الواحد فإنما الواوانن ههنا بمنزلة ياءي حييت وواوي قوةٍ لأنك ضاعفت. وكذلك: حاحيت وعاعيت وهاهيت. ولكنهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء فصارت كأنها هي. يدلك على أنها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء كما قالوا: السرهاف والفرشاط والحاحاة والهاهاة فأجري مجرى دعدعت إذ كن للتصويت كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل دهدهت بمنزلة دحرجت ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها وأنها في الخفاء والخفة نحوها فأبدلت كما أبدلت من الياء في هذه. وقالوا: دهدوة الجعل وقالوا: دهدية الجعل كماقالوا دحروجةٌ. يدلك على أنها مبدلة قولهم: دهدهت. فأما الغوغاء ففيها قولان: أما من قال غوغاءٌ فأنث ولم يصرف فهي عنده مثل عوراء. وأما من قال غوغاء فذكر وصرف فإنما هي عنده بمنزلة القمقام وضاعفت الغين والواو كما ضاعفت القاف والميم. وكذلك الصيصية والدوداة والشوشاة فإنما يضاعف حرفٌ وياء أو واو كما ضاعفت القمقام فجعلت هؤلاء بمنزلتها كما تجعل الحياء وحييت بمنزلة الغصص وغصصت وكما تجعل القوة بمنزلة الغصة. فهؤلاء في الأربعة بمنزلة هؤلاء في الثلاثة. والموماة بمنزلة الدوداة والمرمر ولا تجعلها بمنزلة تمسكن لأن ما جاء هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضرب الميم زائدةً إلا قليلاً. وأما قولهم: الفيفاة فالألف زائدة لأنهم يقولون الفيف في هذا المعنى. وأما القيقاء والزيزاء فبمنزلة العلباء لأنه لا يكون في الكلام مثل القلقال إلا مصدراً. وإذا كانت الياء زائدة رابعة فهي تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. وذلك نحو: سلقيت وجعبيت تجريهما وأشباههما مجرى ضوضيت وقوقيت. وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة وهما بمنزلة صمحمحٍ ولا تجعلهما على عثوثلٍ لأن مثل صمحمحٍ أكثر. وكذلك قطوطى. وقالوا: القيقاء والزيزاءة فإنما أرادوا الواحد على القيقاء والزيزاء. وقد قال بعضهم: قيقاءةٌ وقواقٍ فجعل الياء مبدلةً كما أبدلها في قيلٍ. وسألته عن أثفية فقال: هي فعليةٌ فيمن قال أثفت وأفعولةٌ فيمن قال ثفيت. هذا باب التضعيف في بنات الياء وذلك نحو: عييت وحييت وأحييت واعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف من بنات الياء ولا تجعل بمنزلة المضاعف من غير الياء لأنها إذا كانت وحدها لاماً لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء فكذلك إذا كانت مضاعفةً. وذلك نحو: يعيا ويحيا ويعيى ويحيى أجريت ذلك مجرى يخشى ويخشى. ومن ذلك محياً قالوه كما قالوا مخشىً. فإذا وقع شيءٌ من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي لا تفارقهما فإن الإدغام جائزٌ فيه لأن اللام من يرمي ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل فلما ضاعفت صرت كأنك ضاعفت في غير بنات الياء حيث صحت اللام على الأصل وحدها. وذلك قولك: قد حي في هذا المكان وقد عي بأمره. وإن شئت قلت: قد حيى في هذا المكان وقد عيى بأمره. والإدغام أكثر والأخرى عربيةٌ كثيرة. وسنبين هذا النحو إن شاء الله. ومثل ذلك قد أحي البلد فإنما وقع التضعيف لأنك إذا قلت خشي أو رمي كانت الفتحة لا تفارق وصارت هذه الأحرف على الأصل بمنزلة طرد واطرد وحمد فلما ضاعفت صارت بمنزلة مد وأمد وود. قال الله عز وجل: " ويحيى من حي عن بينةٍ ". وكذلك قولهم: حياءٌ وأحيةٌ ورجلٌ عييٌّ وقومٌ أعياء لأن اللام إذا كانت وحدها كانت بمنزلة غير المعتل فلزمتها الحركة فأجري مجرى حي. فإذا قلت فعلوا وأفعلوا قلت: حيا وأحيوا لأنك قد تحذفها في خشوا وأخشوا. قال الشاعر: وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ حيوا ** بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا وقد قال بعضهم: حيوا وعيوا. لما رأوها في الواحد والاثنين والمؤنث إذا قالوا حييت المرأة بمنزلة المضاعف من غير الياء أجروا الجمع على ذلك. قال الشاعر: عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامه وقال ناسٌ كثير من العرب: قد حيى الرجل وحييت المرأة فبين. ولم يجعلوها بمنزلة المضاعف من غير الياء. وأخبرنا بهذه اللغة يونس. وسمعنا بعض العرب يقول أعييتاء وأحييةٌ فيبين. وأحسن ذلك أن تخفيها وتكون بمنزلتها متحركة. وإذا قلت يحيى أو معىٍ ثم أدركه النصب فقلت: رأيت معيباً ويريد أن يحييه لم تدغم لأن الحركة غير لازمة ولكنك تخفي وتجعلها بمنزلة المتحركة فهو أحسن وأكثر. وإن شئت بينت كما بينت حيى. والدليل على أن هذا لا يدغم قوله عز وجل: " أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى ". ومثل ذلك معييةٌ لأنك قد تخرج الهاء فتذهب الحركة وليست بلازمة لهذا الحرف. وكذلك محييان ومعييان وحييان إلا أنك إن شئت أخفيت. والتبيين فيه أحسن مما في يائه كسرة لأن الكسرة من الياء فكأنهن ثلاث ياءات. فأما تحيةٌ فبمنزلة أحييةٍ وهي تفعلةٌ. والمضاعف من الياء قليل لأن الياء قد تثقل وحدها لاماً فإذا كان قبلها ياءٌ كان أثقل لها. باب ما جاء على أن فعلت منه


مثل بعت وإن كان لم يستعمل في الكلام لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس. فلو قلت يفعل من حي ولم تحذف لقلت يحى فرفعت ما لا يدخله الرفع في كلامهم فكرهوا ذلك كما كرهوه في التضعيف. وإن حذفت فقلت يحيى أدركته علة لا نقع في كلامهم وصار ملتبساً بغيره يعني يعي ويقي ونحوه. فلو كانت علةٌ بعد علة كرهوا هذا الاعتماد على الحرف. فمما جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت: آيٌ وغايةٌ وآيةٌ. وهذا ليس بمطرد لأن فعله يكون بمنزلة خشيت ورميت وتجري عينه على الأصل. فهذا شاذٌّ كما شذ قودٌ وروعٌ وحولٌ في باب قلت. ولم يشذ هذا في فعلت لكثرة تصرف الفعل وتقلب ما يكرهون فيه فعل ويفعل. وهذا قول الخليل. وقال غيره: إنما هي آيةٌ وأيٌّ فعل ولكنهم قلبوا الياء وأبدلوا مكانها الألف لاجتماعهما لأنهما تكرهان كما تركه الواوان فأبدلوا الألف كما قالوا الحيوان وكما قالوا ذوائب فأبدلوا الواو كراهية الهمزة وهذا قولٌ. وأما الخليل فكان يقول: جاء على أن فعله معتلٌّ وإن لم يكن يتكلم به كما قالوا قودٌ فجاء كأن فعله على الأصل. وجاء استحيت على حاي مثل باع وفاعله حاءٍ مثل بائعٍ مهموز وإن لم يستعمل كما أنه يقال يذر ويدع ولا يستعمل فعل. وهذا النحو كثير. والمستعمل حايٍ غير مهموز مثل عاورٍ إذا أردت فاعلاً ولا تعل لأنها تصح في فعل نحو عور. وكذلك استحيت أسكنوا الياء الأولى منها كما سكنت في بعت وسكنت الثانية لأنها لام الفعل فحذفت الأولى لئلا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا هذا حيث كثر في كلامهم. وقال غيره: لما كثرت في كلامهم وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على الحاء كما ألزموا يرى الحذف وكما قالوا: لم يك ولا أدر. وأما الخليل فقال: جاءت على حيت كما أنك حيث قلت استحوذت واستطيبت كان الفعل كأنه طيبت وحوذت. فهذا شذ على الأصل كما شذ هذا على الأصل ولا يكون الاعتلال في فعلت منه كما لم يجىء فعلت من باب جئت وقلت على الأصل. وقول الخليل يقويه أول وآءةٌ ويوم ونحو هذا لأنها قد جاءت على أشياء لم تستعمل. والآخر قولٌ. وقالوا: حيوة كأنه من حيوة وإن لم يقل لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة وقبلها الياء فيما لا لا تكون الياء فيه لازمة في تصرف الفعل نحو يوجل حتى قالوا ييجل. فلما كان هذا لازماً رفضوه كما رفضوا من يومٍ يمت كراهيةً لاجتماع ما يستثقلون. ولكن مثل لويت كثير لأن الواو تحيا ولم تعتل في يلوى كييجل فيكون هذا مرفوضاً فشبهت واو ييجل بالواو الساكنة وبعدها الياء فقلبت ياءً كما قلبت أولاً. وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها أخف عليهم من الضمة باب التضعيف في بنات الواو


اعلم أنهما لا تثبتان كما تثبت الياءان في الفعل. وإنما كرهتا كما كرهت الهمزتان حتى تركوا فعلت كما تركوه في الهمز في كلامهم فإنما يجيء ابداً على فعلت على شيء يقلب الواو ياءً. ولا يكون فعلت ولا فعلت كراهية أن تثبت الواوان. فإنما يصرفون المضاعف إلى ما يقلب الواو ياءً. فإذا قلبت ياءً جرت في الفعل وغيره والعين متحركةٌ مجرى لويت ورويت كما أجريت أغزيت مجرى بنات الياء حين قلبت ياءً وذلك نحو: قويت وحويت وقوي. ولم يقولوا قد قو لأن العين وهي على الأصل قالبةٌ الواو الآخرة إلى الياء ولا يلتقي حرفان من موضع واحد فكسرت العين ثم أتبعتها الواو وإذا كان أصل العين الإسكان ثبتت وذلك قولك: قوةٌ وصوةٌ وجو وحوةٌ وبوٌّ لما كانت لا تثبت مع حركة العين اسماً كما لا تثبت واو غزوت في الاسم والعين متحركة بنوها كما بنيت والعين ساكنة في مثل غزوٍ وغزوةٍ ونحو ذلك. قلت: فهلا قالوا قووت تقوو كما قالوا: غزوت تغزو قال: إنما ذلك لأنه مضاعف فيرفع لسانه ثم يعيده وهو هنا يرفع لسانه رفعةً واحدة فجاز هذا كما قالوا: سآلٌ ورآسٌ لأنه حيث رفع لسانه رفعةً واحدة كانت بمنزلة همزة واحدة. فلم يكن قووت كما لم يكن اصدأأت وأأت وكانت قوةٌ كما كانت سآلٌ. واحتمل هذا في سآلٍ لأنه أخف كما كان أصم أخف عليهم من أصمم. واعلم أن الفاء لا تكون واواً واللام واواً في حرف واحد. ألا ترى أنه ليس مثل وعوت في الكلام. كرهوا ذلك كما كرهوا أن تكون العين واواً واللام واوٌ ثانية. فلما كان ذلك مكروهاً في موضع يكثر فيه التضعيف نحو رددت وصممت طرحوا هذا من الكلام مبدلاً وعلى الأصل حيث كان مثل قلق وسلس أقل من مثل رددت وصممت. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله. وقد جاء في الياء كما جاءت العين واللام ياءين. وأن تكون فاءً ولاماً أقل كما كان سلس أقل. وذلك قولهم: يديت إليه يداً. ولا يكون في الهمزة إذ لم يكن في الواو ولكنه يكون في الواو في بنات الأربعة نحو الوزوزة والوحوحة لأنه يكثر فيها مثل قلقل وسلسل ولم تغير لأن بينهما حاجزاً وما قبلها ساكن فلم تغير: وتكون الهمزة مثل الدأدأة: ضرب من السير ثانية ورابعة لأن مثل نفنفٍ كثير. وتكون في الواو نحو ضوضيت وهي في الواو أوجد لأنها أخف من الهمزة. فإذا كان شيءٌ من هذا النحو في الهمزة فهو للواو ألزم لأنها أخف وهم لها أشد احتمالاً. واعلم أن افعاللت من رميت بمنزلة أحييت في الإدغام والبيان والخفاء وهي متحركة وكذلك افعللت. وذلك قولك في افعاللت: ارماييت وهو يرمايي وأحب أن يرمايى بمنزلة " أن يحيي الموتى ". وتقول ارماييا فتجربها مجرى أحييا ويحييان. وتقول قد ارموى في هذا المكان كما قلت: قد حي فيه وأحي فيه لأن الفتحة لازمة ولا تقلب الواو ياءً لأنها كواو سوير لا تلزم وهي في موضع مد. وتقول: قد ارمايوا كما تقول: قد أحيوا. وتقول: ارمييت في الفعللت يرميى كما تقول يحيي. وتقول: ارمييا كما تقول: قد أحييا. ومن قال يحييان فأخفى قال ارمييا فأخفى. وتقول: قد ارمى في هذا المكان لأن الفتحة لازمة. ومن قال أحيي فيها قال ارمويى فيها إذا أرادها من ارماييت ولا يقلب الواو لأنها مدة. وتقول: مرماييةٌ ومرميية فتخفى كما تقول معييةٌ. وإن شئت بينت على بيان معييةٍ والمصدر ارمياءً وارمياءً واحيياءً واحيياءً. وأما افعللت وافعاللت من غزوت فاغزويت واغزاويت ولا يقع فيها الإدغام ولا الإخفاء لأنه لا يلتقي حرفان من موضعٍ واحد. ومثل ذلك من الكلام: ارعويت وأثبت الواو الأولى لأنه لا يعرض لها في يفعل ما يقلبها. ولم تكن لتحولها ألفاً وبعدها ساكن وإنما هي بمنزلة نزوانٍ. وأما افعللت فبمنزلة ارمييت إلا أنه يدركها من الإدغام مثل ما يدرك اقتتلت وتبين كما تبين لأنهما ياءان في وسط الكلمة كالتاء في وسطها. وذلك قولك: احييت واحييينا كما قلت اقتتلت واقتتلنا واحيييا كما قلت اقتتلت واقتتلا. ومن قال يقتل فكسر القاف وأدغم قال يحيى. ومن قال يقتل قال يحيى. ومن قال يقتتل فأخفى وتركها على حركتها فإنه يقول يحييى. وتقول فيمن قال قتلوا: حيوا. ومن قال اقتتلوا فأخفى قال احييوا. ومن قال قتلوا قال حيوا. ومن قال في مفتعلٍ مقثتلٌ قال محيياً. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن أخفى فقال مقتتلٌ قال محيياً. فقسه في الإدغام على افعللت. وإنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت فيلزمه الإدغام أنه في وسط الحرف ولم يكن طرفاً فيضعف كما تضعف الواو ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله. وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة غزوت وذلك قول العرب: قد احواوت الشاة واحواويت. فالواو بمنزلة واو غزوت والعين بمنزلتها في افعاللت من عورت. وإذا قلت احواويت فالمصدر احوياءً لأن الياء تقلبها كما قلبت واو أيامٍ. وإذا قلت افعللت قلت: احوويت تثبتان حيث صارتا وسطاً كما أن التضعيف وسطاً أقوى نحو: اقتتلنا فيكون على الأصل وإن كان طرفاً اعتل. فلما اعتل المضاعف من غير المعتل في الطرف كانوا للواوين تاركين إذ كانت تعتل وحدها. ولما قوي التضعيف من غير المعتل وسطاً جعلوا الواوين وسطاً بمنزلته فأجرى احوويت على اقتتلت والمصدر احوواءً. ومن قال قتالاً قال حواءً. وتقول في فعلٍ من شويتٌ شيءٌ قلبت الواو ياء حيث كانت ساكنة بعدها ياءٌ وكسرت الشين كما كسرت تاء عتىٍّ وصاد عصيٍ كراهية الضمة مع الياء كما تكره الواو الساكنة وبعدها الياء. وكذلك فعلٌ من أحييت. وقد ضم بعض العرب ولم يجعلها كبيضٍ لأنه حين أدغم ذهب المد وصار كأنه بعد حرف متحرك نحو صيدٍ. ألا ترى أنها لو كانت في قافية مع عمىٍ جاز. فهذا دليلٌ على أنه ليس بمنزلة بيضٍ. ولم يجعلوها كتاء عتيٍّ وصاد عصيٍ ونون مسنية لأنهن عينات فإنما شبهن بلام أدلٍ وراء أجرٍ. وقالوا قرنٌ ألوى وقرونٌ ليٌّ سمعنا ذلك منهم. ومثل ذلك قولهم: ريا وريةٌ حيث قلبوا الواو المبدلة من الهمزة فجعلوها كواو شويت. وقد قال بعضهم رياً وريةٌ كما قالوا ليٌّ. ومن قال ريةٌ قال في فعلٍ من وأيت فيمن ترك الهمز: ويٌّ ويدع ومن قال ريا فكسر الراء قال ويٌّ فكسر الواو إلا في قول من قال إسادةٌ وسألته عن قوله معايا فقال: الوجه معايٍ وهو المطرد. وكذلك قول يونس. وإنما قالوا معايا كما قالوا مدارى وصحارى وكانت مع الياء أثقل إذ كانت تستثقل وحدها. وسألته عن قولهم: لم أبل فقال: هي من باليت ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف لأنه لا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا ذلك في الجزم لأنه موضع حذفٍ فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم كنون يكن حين أسكنت. فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن. وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثرا في كلامهم إذ كان من كلامهم حذف النون والحركات. وذلك نحو: مذ ولد وقد علم. وإنما الأصل لدن ومنذ وقد علم. وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه ويطرد. وزعم الخليل أن ناساً من العرب يقولون: لم أبله لا يزيدون على حذف الألف حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا ألف احمر وألف علبطٍ وواو غدٍ. وكذك فعلوا بقولهم: ما أباليه بالةً كأنها باليةٌ بمنزلة العافية. ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى ههنا ولا يلزمه حذفٌ كما أنهم إذا قالوا لم يكن الرجل وإنما جعلوا الألف تثبت مع الحركة. ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في غير موضع الجزم وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة. باب ما قيس من المعتل


من بنات الياء والواو ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غير المعتل تقول في مثل حمصيصةٍ من رميت رمويةٌ وإنما أصلها رمييةٌ ولكنهم كرهوا ههنا ما كرهوا في رحيىٍ حيث نسبوا إلى رحى فقالوا رحويٌّ لأن الياء التي بعد الميم لو لم يكن بعدها شيءٌ كانت كياء رحىً في الاعتلال فلما كانت كذلك تعتل ويكون البدل أخف عليهم وكرهوها وهي واحدة كانوا لها في توالي الياءات والكسرة فيها أكره فرفضوها. فإنما أمرها كأمر رحىً في الإضافة. وكذلك مثل الصمكيك تقول: رمويٌّ. وكذلك مثل الحلكوك تقول رمويٌّ لأنك تقلب الواو ياءً فتصير إلى مثل حال فعليل. وأما فعلولٌ منها نحو بهلولٍ فتقول: رمييٌّ وكان أصلها رميويٌ ولكنك قلبت الواو التي قبل الياء لأنها ساكنة وبعدها ياء. وتثبت الياء الأولى لأنك لو أضفت إلى ظبيٍ قلت ظبيٌّ وإلى وكذلك فعليل إلا أنك تكسر أول الحرف تقول: رميىٌّ. ومن غزوت: غزويٌّ تقلب الواو ياءً لأن قبلها ياء ساكنة. كما أنك تقول في فعيل: غزى تقلب للياء التي قبل الواو. وأما فعلولٌ منها فغزويٌّ وأصلها غزووٍّ فلما كانوا يستثقلون الواوين في عتيٍ ومعديٍ ألزم هذا بدل الياء حيث اجتمعت ثلاث واوات مع الضمتين في فعلولٍ فألزم هذا التغيير كما ألزم مثل محنيةٍ البدل إذ غيرت في ثيرةٍ والسياط ونحوهما. وتقول في مفعولٍ من قويت: هذا مكان مقويٌّ فيه لأنهن ثلاث واوات بمنزلة ما ذكرت لك من فعلولٍ من غزوت وإنما حدها مقووٌّ كما أنه إذا قال مفعولٌ من شقيت قال مكانٌ مشقوٌّ فيه لأنها من الواو من شقوةٍ وشقاوة ولم يدرك الواو ما يغيرها إلا أن تقول مشقيٌّ فيما قال أرضٌ مسنيةٌ. وتقول في فعلولٍ من قويت: قويٌّ تغير منها ما غيرت من فعلولٍ من غزوت. وتقول في أفعولةٍ من غزوت أغزوةٌ. وقد جاءت في الكلام أدعوةٌ. وقد تكون أدعيةٌ على أرضٍ مسنية. وتقول في أفعولٍ من قويت أقويٌّ لأن فيها ما في مفعولٍ من الواوات فغير منها ما غيرت في مفعولٍ منها. وتقول في فعلولٍ من شويت وطويت: شووى وطووىٌّ وإنما حدها وقد قلبوا الواوين: طيىٌّ وشيىٌّ ولكنك كرهت الياءات كما كرهتها في حيىٍ حين أضفت إلى حيةٍ فقلت: حيوىٌّ. وكذلك فيعولٌ من طويت لأن حدها وقد قلبت الواوين طيىٌّ فقد اجتمع فيها مثل ما اجتمع في فعلولٍ وذلك قولك طيوىٌّ. ومن قال في النسب إلى أمي: أميىٌّ وإلى حيةٍ: حيىٌّ تركها على حالها فقال في فعلول طيىٌّ فيمن قال لىٌّ وطيىٌّ فيمن قال لىٌّ. وأما فيعلولٌ من غزوت فغيزوٌّ بمنزلة مغزوٍ وهي من قويت قيوٌّ قلبت الواو التي هي عين وأثبت واو فيعولٍ الزائدة لأن التي قبلها متحركة فلما سلمت صارت وما بعجها كواوي غيزوٍ. وتقول في فيعلٍ من حويت وقويت: حياً وقياً قلبت التي هي عين ياء للياء التي قبلها الساكنة وقلبت التي هي لامٌ ألفاً للفتحة قبلها لأنها تجري مجرى لام شقيت كما أجريت حييت مجرى خشيت. وتقول منها فيعلٌ حيٍ وقيٍ لأن العين منها واوٌ كما هي في قلت. وإنما منعهم من أن تعتل الواو وتسكن في مثل قويت ما وصفت لك في حييت. وينبغي أن يكون فيعلٌ هو وجه الكلام فيه لأن فيعلاً عاقبت فيعلاً فيما الواو والياء فيه عين. ولا ينبغي أن يكون في قول الكوفيين إلا فيعلاً مكسور العين لأنهم يزعمون أنه فيعلٌ وأنه محمدود عن أصله. وأما الخليل فكان يقول: عاقبت فيعلٌ فيعلاً فيما الياء والواو فيه عينٌ واختصت به كما عاقبت فعلةٌ للجمع فعلةٌ فيما الياء والواو فيه لامٌ. وكذلك شويت وحييت بهذه المنزلة. فإذا قلت فيعلٌ قلت حيٌّ وشيٌّ وقيٌّ تحذف منها ما تحذف من تصغير أحوى لأنه إذا كان آخره كآخره فهو مثله في قولك أحي إلا أنك لا تصرف أحي. وتقول في فعلانٍ من قويت: قووانٌ. وكذلك حييت. فالواو الأولى كواو عور وقويت الواو الآخرة كقوتها في نزوانٍ وصارت بمنزلة غير المعتل ولم يستثقلوها مفتوحتين كما قالوا: لوويٌّ وأحوويٌّ. ولا تدغم لأن هذا الضرب لا يدغم في رددت. وتقول في فعلانٍ من قويت قوانٌ. وكذلك فعلانٌ من حييت حيانٌ تدغم لأنك تدغم فعلانٍ من رددت. وقد قويت الواو الآخرة كقوتها في نزوان فصارت بمنزلة غير المعتل. ومن قال حيى عن بينةٍ قال قووانٌ. وأما قولهم: حيوانٌ فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة ولم يكونوا ليلزموها الحركة ههنا والأخرى غير معتلة من موضعها فأبدلوا الواو ليختلف الحرفان كما أبدلوها في رحوى حيث كرهوا الياءات فصارت الأولى على الأصل كما صارت اللام الأولى في ممل ونحوه على وكذلك فعلانٌ من حييت تدغم إلا في اللغة الأخرى. وذلك قولك: حيانٌ. ولا تدغم في قويت تقول قويانٌ لأنك تقلب اللام ياء. ومن قال عميةٌ فأسكن قال قويانٌ. وإنما خففوا في عميةٍ وكان ذلك أحسن لأنهم يقولون فخذٌ في فخذٍ. فإذا كانت مع الياء فهو أثقل. ولا تقلب الواو ياءً لأنك لا تلزم الإسكان وليس الأصل الإسكان. ومن قال ريةٌ في رؤيةٍ قلبها فقال قيانٌ. وتقول في فيعلانٍ من حييت وقويت وشويت: حيانٌ وشيانٌ وقيانٌ لأنك تحذف ياءً هنا كما حذفتها في فيعلٍ وكما كنت حاذفها في أفيعلانٍ نحو التصغير في أشيويانٍ تقول أشيانٌ لو كانت اسماً. فهم يكرهون ههنا ما يكرهون في تصغير شاويةٍ وراوية في قولهم: رأيت شويةً لأنها لم تعد أن كانت كألف النصب والهاء لأنهما يخرجان الياء في فاعلٍ ونحوه على الحركة في الأصل كما يخرجونه في فيعلانٍ لو جاءت في رميت. فأجر أويت مجرى شويت وغويت. وتقول في مفعلةٍ من رميت مرموةٌ لأنك تقول في الفعل رمو الرجل فيصير بمنزلة سرو الرجل ولغزو الرجل. فإذا كانت قبلها ضمة وكانت بعدها فتحة لا تفارقها صارت كالواو في قمحدوةٍ وترقوةٍ فجعلتها في الاسم بمنزلتها في الفعل كما جعلت الواو ههنا بمنزلتها في سرو. وكذلك فعلوةٌ من رميت تقول فيها رميوةٌ. وتقول في فعلةٍ من رميت وغزوت إذا لم تكن مؤنثةً على فعلٍ: رموةٌ وغزوةٌ. فإن بنيتها على فعلٍ قلت رميةٌ وغزيةٌ لأن مذكرهما رمٍ وغزٍ فهذا نظير عظاءة حيث كانت على عظاءٍ وعبايةٍ حيث لم تكن على عباءٍ. ألا تراهم قالوا خطواتٌ فلم يقلبوا الواو لأنهم لم يجمعوا فعلاً ولا فعلةً جاءت على فعلٍ. وإنما يدخل التثقيل في فعلاتٍ. ألا ترى أن الواحدة خطوةٌ! فهذا بمنزلة فعلةً وليس لها مذكر. ومن قال خطواتٌ بالتثقيل فإن قياس ذلك في كليةٍ كلواتٌ ولكنهم لم يتكلموا إلا بكليات مخففةً فراراً من أن يصيروا إلى ما يستثقلون فألزموها التخفيف إذ كانوا يخففون في غير المعتل كما خففوا فعلاً من باب بونٍ ولكنه لابأس بأن تقول في مديةٍ مدياتٌ كما قلت في خطوةٍ خطواتٌ لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة ومن ثقل في مدياتٍ فإن قياسه أن يقول في جروةٍ جرياتٌ لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا يتكلمون بذلك إلا مخففاً فراراً من الاستثقال والتغيير. فإذا كانت الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد رفعةً لأن العمل من موضع واحد فإذا خالفت الحركة فكأنهما حرفان من موضعين متقاربين الأول منهما ساكن نحو وتدٍ. وفعللةٌ من رميت بمنزلة فعلوةٍ رميوةٌ وتفسيرها تفسيرها. وتقول في مثل ملكوتٍ من رميت: رموتٌ ومن غزوت غزوتٌ تجعل هذا مثل فعلوا ويفعلون. كما جعلت فعلانٌ منزلة فعلاً لللاثنين وفعليلٌ بمنزلةٍ فعلىٍ. وذلك قولك رميا جاءوا بها على الأصل كراهية التباس الواحد بالاثنين. وقالوا: رحوىٌّ ولم يحذفوا لأنهم لو حذفوا لالتبس ما العين فيه مكسورةٌ بما العين فيه مفتوحةٌ. وتقول في فوعلةٍ من غزوت: غوزوةٌ وأفعلةٍ: أغزوةٌ وفي فعل: غزوٌّ. ولا يقال في فوعلٍ غوزىٌّ لأنك تقول في فوعلت: غوزيت من قبل أنك لم تبن فوعلاً ولا أفعلةً على فوعلت وإنما بنيت هذا الاسم من غزوت من الأصل. ولو كان الأمر كذلك لم تقل في أفعولةٍ أدعوةٌ لأنك لو قلت أفعل وأفعلت لم تكن إلا ياءً ولدخل عليك أن تقول في مفعولٍ مغزىٌّ لأنك حركت ما لو لم يكن ما قبله الحرف الساكن ثم كان فعلاً لكان على بنات الياء ولو ثنيته أخرجته إلى الياء. فأنت لم تحرك الآخر بعد ما كان مفعلاً ولكنك إنما بنيته على مفعولٍ ولم تلحقه واو مفعولٍ بعد ما كان مفعلٌ. وكذلك فوعلةٌ لم تلحقها التثقيل بعد ما كانت فوعل ولكنه بني وهذا له لازمٌ كمفعولٍ. وتقول في فوعلةٍ من رميت: روميةٌ وأفعلة: أرميةٌ تكسر العين كما تكسرها في فعولٍ إذا قلت ثديٌّ. ومن قال عتىٌّ في عتوٍ قال في أفعلةٍ من غزوت: أغزيةٌ. ولا تقول رومياةٌ كما قال في افعل ارميا لأن أصل هذا افعلل والتحريك له لازم. ألا ترى أنك تقول ارمييت وتقول احمررت فأصل الأول التحريك كما كان أصل الدال الأولى من رددت التحريك. وأفعلة وفوعلةٌ إنما بنيتا على هذا وليس الأصل التحريك. ولو كان كذلك لقلت في فعلٍ رمياً لأن أصله الحركة. وحدثنا أبو الخطاب أنه سمعهم يقولون: هبىٌّ وهبيةٌ للصبي والصبية. فلو كان الأصل متحركاً لقالوا هبياً وهبياةٌ. وتقول في فعلالةٍ من غزوت: غزواوةٌ إذ لم تكن على فعلالٍ كما كانت صلاءةٌ على صلاءٍ. فإن كانت كذلك قلت غزواءةٌ ولا تقول: غزوايةٌ لأنك تقول: غزويت كما لم تقل في فوعلةٍ غوزيةٌ لأن التثقيلة حين جاءت كان الحرف المزيد بمنزلة واو مغزوٍ المزيدة وأدعوةٍ. ولو كنت إنما تأخذ الأسماء التي ذكرت لك من الأفعال التي تكون عليها لقلت: غزوايةٌ وغوزيةٌ ولكنك إنا تجيء بهذه الأشياء التي ليست على الأفعال المزيدة على الأصل لا على الأفعال التي تكون فيها الزيادة. كما أن فيها الزيادة ولكنها على الأصل كما كان مغزوٌّ ونحوه على الأصل. وتقول في مثل كوألل من رميت: رومياً ومن غزوت غوزواً. وتقولها من قويت: قوواً ومن حييت حوياً ومن شويت: وشياً وحدها شووياً ولكنك قلبت الواو إذ كانت ساكنة. وتقول في فعولٍ من غزوت غزووٌّ لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا تراهم لم يقولوا في فعلٍ غزيٌّ للفتحة كما قالوا عتيٌّ. ولو قالوا فعلٌ من صمت لم يقولوا صيمٌ كما قالوا صيمٌ. وكعثولٍ من قويت قيوٌّ وكان الأصل قيووٌّ ولكنك قلبت الواو ياء كما قلبتها في سيدٍ وهي من شويت شيىٌّ والأصل شيوىٌّ ولكن قلبت الواو. وتقول في مثل خلفنةٍ من رميت وغزوت: رمينةٌ وغزونةٌ لا تغير لأن أصلها السكون فصارتا بمنزلة غزون ورمين. وتقول في مثل صمحمحٍ من رميت: رميماً. وفي مثل حلبلابٍ من غزوت ورميت رميماءٌ وغزيزاءٌ كسرت الزاي والواو ساكنة فقلبتها ياء. وتقول في فوعلةٍ من أعطيت: عوطوةٌ على الأصل لأنها من عطوت فأجر أولً وعيت على أول وعدت وآخره على آخر رميت وأول وجيت على أول وجلت وآخره على آخر خشيت في جميع الأشياء. ووأيت بمنزلة وعيت كما أن أويت كغويت وشويت. وتقول في فعليةٍ من غزوت: غزويةٌ ومن رميت: رمييةٌ تخفى وتحقق وتجري ذلك مجرى فعليةٍ من غير المعتل ولا تجعلها وإن كانت على غير تذكير كأحييةٍ ولكن كقعددٍ. وتقول في فعلٍ من غزوت: غزٍ ألزمتها البدل إذ كانت تبدل وقبلها الضمة فهي ههنا بمنزلة محنيةٍ. وتقول في فعلوةٍ من غزوت: غزويةٍ ولا تقول: غزووةٌ لأنك إذا قلت: عرقوةٌ فإنما تجعلها كالواو في سرو ولغزو. فإذا كانت قبلها واو مضمومة لم تثبت كما لا يكون فعلت مضاعفاً من الواو في الفعل نحو قووت. وأما غزوٌّ فلما انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتل وصارت الزاي مفتوحة فلم يغيروا ما بعدها لأنها مفتوحة كما أنه لا يكون في فعلٍ تغييرٌ البتة لا يغير مثل الواو المشددة. فلما لم يكن قبل الواو المشددة ما كانت تعتل به من الضمة صارت بمنزلة واو قوٍ. وأما فعلول فلما اجتمعت فيه ثلاث واوات مع الضم صارت بمنزلة محنيةٌ إذ كانوا يغيرون الثنتين كما ألزموا محنيةً البدل إذ كانوا يغيرون الأقوى. وتقول في مثل فيعلى من غزوت غيزوى لأنك لم تلحق الألف فيعلاًن ولكنك بنيت الاسم على هذا. ألا تراهم قالوا مذروان إذ كانوا لا يقيدون الواحد فهو في فيعلى أجدر أن يكون لأن هذا يجيء كأنه لحق شيئاً قد تكلم به بغير علامة التثنية كما أن الهاء تلحق بعد بناء الاسم ولا يبنى لها. وقد بينا ذلك فيما مضى. باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء الجمع


الذي هو على مثال مفاعل ومفاعيل فإذا جمعت فعلٌّ نح رمىٍ وهبىٍ قلت: هباى ورماى لأنها بمنزلة غير المعتل نحو معدٍ وجبنٍ. ولا تغير الألف في الجمع الذي يليها لأن بعدها حرفاً لازماً. ويجري الآخر على الأصل لأن ما قبلها ساكن وليس بألف. وكذلك غزاو. وأما فعللٌ من رميت فرمياً ومن غزوت غزوىً والجمع غزاوٍ ورماىٍ لا يهمز لأن الذي يلي الألف ليس بحرف الإعراب واعتلت الآخرة لأن ما قبلها مكسور. وأما فعاليل من رميت فرمائى والأصل رمايى ولكنك همزت كما همزوا في رايةٍ وآيةٍ حين قالوا رائى وآئى فأجريته مجرى هذا حيث كثرت الياءات بعد الألف كما أجريت فعليلةٍ مجرى فعليةٍ. ومن قال راوىٌّ فجعلها واواً قال: رماوى. ومن قال: أميىٌّ وقال آيىٌّ قال: رمايىٌّ فلم يغير. وكذلك فعاليل من حييت ومفاعيل. وقد كرهوا الياءين وليستا تليان الألف حتى حذفوا إحداهما فقالوا أثافٍ ومعطاءٌ ومعاطٍ. فهم لهذا أكره وأشد استثقالاً إذ كن ثلاثاً بعد ألف قد تكره بعدها الياءات. ولو قال إنسان أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو أثافٍ وأواقٍ ومعطاءٍ ومعاطٍ حيث كرهوا الياءين - قال قولاً قوياً إلا أنه يلزم الحذف هذا لأنه أثقل للياءات بعد الألف ومن قال: أغير لأنهم قد يستثقلون فيغيرون ولا يحذفون فهو قويٌ. وذلك: راوىٌّ في رايةٍ لم يحذفوها فتجريه عليها كما أجروا فعليلةً مجرى فعليةٍ. وما يغير للاستثقال ولم يحذف أكثر من أن يحصى. فمن ذلك في الجمع: معايا ومدارى ومكاكى. وفي غير ذلك: جاءٍ وأدؤرٌ. وهذا النحو أكثر من أن يحصى. وأما فعاليل من غزوت فعلى الأصل لا يهمز ولا يحذف وذلك قولك: غزاوى لأن الواو بمنزلة الحاء في أضاحي ولم يكونوا ليغيروها وهم قد يدعون الهمزة إليها في مثل غزاوى. فالياءات قد يكرهن إذا ضوعفن واجتمعن كما يكره التضعيف من غير المعتل نحو تظنيت فذلك أدخلت الواو عليها وإن كانت أخف منها. ولم تعر الواو من أن تدخل على الياء إذ كانت أختها كما دخلت الياء عليها. ألا تراهم قالوا موقنٌ وعوططٌ. وقالوا في أشد من هذا: جباوةٌ وهي من جبيت وأتوة وأدخلوها عليها لكثرة دخول الياء على الواو فلم يريدون أن يعروها من أن تدخل عليها. ولها أيضاً خاصةٌ ليست للياء كما أن للياء خاصةً ليست لها. وقد بينا ذلك فيما مضى. باب التضعيف


اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم وأن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن يكون من موضع واحد. ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيءٍ من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضرببٍن ولم يجىء فعللٌ ولا فعللٌ إلا قليلاً ولم يبنوهن على فعالل كراهية التضعيف وذلك لأنه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من موضع واحد ثم يعودوا له فلما صار ذلك تعباً عليهم أن يداركوا في موضع واحد ولا تكون مهلةٌ كرهوه وأدغموا لتكون رفعةً واحدة وكان أخف على ألسنتهم مما ذكرت لك. أما ما كانت عينه ولامه من موضعٍ واحد فإذا تحركت اللام منه وهو فعلٌ ألزموه الإدغام وأسكنوا العين. فهذا متلئبٌّ في لغة تميم وأهل الحجاز. فإن أسكنت اللام فإن أهل الحجاز يجرونه على الأصل لأنه لا يسكن حرفان. وأما بنو تميم فيسكنون الأول ويحركون الآخر ليرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة وصار تحريك الآخر على الأصل لئلا يسكن حرفان بمنزلة إخراج الآخرين على الأصل لئلا يسكنا وقد بينا اختلاف لغات أهل الحجاز وبني تميم في ذلك واتفاقهم واختلاف بني تميم في تحريك الآخر ومن قال بقولهم فيما مضى في الأفعال ببيانه. وإنما أكتب لك ههنا ما لم أذكره فيما مضى ببيانه. فإن قيل: ما بالهم قالوا في فعل ردد فأجروه على الأصل فلأنهم لو أسكنوا صاروا إلى مثل ذلك إذ قالوا ردد فلما كان يلزمهم ذلك التضعيف كان الترك على الأصل أولى ومع هذا أن العين الأولى تكون أبداً ساكنة في الاسم والفعل فكرهوا تحريكها. وليست بمنزلة أفعل واستفعل ونحو ذلك لأن الفاء تحرك وبعدها العين ولا تحرك العين وبعدها العين أبداً. واعلم أن كل شيء من الأسماء جاوز ثلاثة أحرف فإنه يجري مجرى الفعل الذي يكون على أربعة أحرف إن كان يكون ذلك اللفظ فعلاً أو كان على مثال الفعل ولا يكون فعلاً أو كان على غير واحدٍ من هذين لأن فيه من الاستثقال مثل ما في الفعل. فإن كان الذي قبل ما سكن ساكناً حركته وألقيت عليه حركة المسكن. وذلك قولك: مستردٌّ ومستعدٌّ وممدٌّ وممدٌّ ومستعدٌّ وإنما الأصل مستعددٌ وممددٌ ومستعددٌ. وكذلك مدقٌّ والأصل مدققٌ ومردٌّ وأصله مرددٌ. وإن كان الذي قبل المسكن متحركاً تركته على حركته. وذلك قولك مرتدٌّ وأصله مرتددٌ كانت حركته أولى فتركته على حركته إذ لم تضطر إلى تحريكه. وإن كانت قبل المسكنة ألفٌ لم تغير الألف واحتملت ذلك الألف لأنها حرف مدٍّ وذلك قولك: رادوا ومادوا والجادة فصارت بمنزلة متحرك. وأما ما يكون أفعل فنحو ألد وأشد وإنما الأصل ألدد وأشدد ولكنهم ألقوا عليها حركة المسكن وأجريت هذه الأسماء مجرى الأفعال في تحريك الساكن وإلزام الإدغام وترك المتحرك الذي قبل المدغم وترك الألف التي قبل المدغم. ولا تجري ما بعد الألف مجرى ما بعد الألف في يضربانني إذا ثنيت لأن هذه النون الأولى قد تفارقها الآخرة وهذه الدال الأولى التي في رادٍ لا تفارقها الآخرة فما يستثقلون لازمٌ للحرف. ولا يكون اعتلالٌ إذا فصل بين الحرفين وذلك نحو الإمداد والمقداد وأشباههما. فأما ما جاء على ثلاثة أحرف لا يزادة فيه فإن كان يكون فعلاً فهو بمنزلته وهو فعلٌ وذلك قولك في فعلٍ صبٌّ زعم الخليل أنها فعلٌ لأنك تقول صببت صبابةً كما تقول: قنعت قناعةً وقنعٌ. ومثله رجلٌ طبٌّ وطبيبٌ كما تقول قرحٌ وقريح ومذلٌ ومذيلٌ. ويدلك على أن فعلاً مدغم أنك لم تجد في الكلام مثل طببٍ على أصله. وكذلك رجل خافٌ. وكذلك فعلٌ أجري هذا مجرى الثلاثة من باب قلت على الفعل حيث قالوا في فعل وفعل قال وخاف ولم يفرقوا بين هذا والفعل كما فرقوا بينهما في أفعل لأنهما على الأصل فجعلوا أمرهما واحداً حيث لم يجاوزوا الأصل. فكما لم يحدث عددٌ غير ذلك كذلك لم يحدث خلافٌ. ألا ترى أنهم أجروا فعلاً اسماً من التضعيف على الأصل وألزموه ذلك إذ كانوا يجرونه على الأصل فيما لا يصح فعله في فعلت من بنات الواو ولا في موضع جزمٍ كما لا يصح المضاعف. وذلك نحو: الخونة والحوكة والقود. وذلك نحو شررٍ ومددٍ. ولم يفعلوا ذلك في فعلٍ لأنه لا يخرج على الأصل في باب قلت لأن الضمة في المعتل أثقل عليهم. ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلاً في التضعيف ولا فعلاً لأنها ليست تكثر كثرة فعلٍ في باب قلت ولأن الكسرة أثقل من الفتحة فكرهوها في المعتل. ألا تراهم يقولون فخذٌ ساكنةً وعضدٌ ولا يقولون جملٌ. فهم لها في التضعيف أكره. وقد قال قوم في فعلٍ فأجروه على الأصل إذ كان قد يصح في باب قلت وكانت الكسرة نحو الألف. وذلك قولهم: رجلٌ ضففٌ وقومٌ ضففو الحال. فأما الوجه فرجلٌ ضفٌّ وقومٌ ضفو الحال. وأما ما كان على ثلاثة أحرف وليس يكون فعلاً فعلى الأصل كما يكون ذلك في باب قلت ليفرق بينهما كما فرق بين أفعل اسماً وفعلاً من باب قلت. فمن ذلك قولك في فعلٍ: دررٌ وقددٌ وكللٌ وشددٌ. وفي فعلٍ: سررٌ وخززٌ وقذذ السهم وسددٌ وظللٌ وقللٌ. وفي فعلٍ: سررٌ وحضضٌ ومددٌ وبللةٌ وشددٌ وسننٌ. وقد قالوا عميمةٌ وعمٌّ فألزموها التخفيف إذ كانوا يخففون غير المعتل كما قالوا بونٌ في جمع ومن ذلك ثنىٌ فألزموها التخفيف. ومن قال في صيد صيدٌ قال في سررٍ سرٌّ فخفف. ولا يستنكر في عميمةٍ عممٌ. فأما الثنى ونحوه فالتخفيف لم يستعملوا في كلامهم الياء والواو لامات في باب فعلٍ واحتمل هذا في الثلاثة أيضاً لخفتها وأنها أقل الأصول عدداً. باب ما شذ من المضاعف


فشبه بباب أقمت وليس بمتلئبٍ وذلك قولهم: أحست يريدون أحسست وأحسن يريدون أحسسن. وكذلك تفعل به في كل بناء تبنى اللام من الفعل فيه على السكون ولا تصل إليها الحركة ولا تصل إليها الحركة شبهوها بأقمت لأنهم أسكنوا الأولى فلم تكن لتثبت والآخرة ساكنةٌ. فإذا قلت لم أحس لم تحذف لأن اللام في موضع قد تدخله الحركة ولم يبن على سكون لا تناله الحركة فهم لا يكرهون تحريكها. ألا ترى أن الذين يقولون لا ترد يقولون رددت كراهيةً للتحريك في فعلت فلما صار في موضعٍ قد يحركون فيه اللام من رددت أثبتوا الأولى لأنه قد صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا أدرك نحو يقول ويبيع. ومثل ذلك قولهم: ظلت ومست حذفوا وألقوا الحركة على الفاء كما قالوا خفت. وليس هذا النحو إلا شاذاً. والأصل في هذا عربيٌّ كثير. وذلك قولك: أحسست ومسست وظللت. وأما الذين قالوا: ظلت ومست فشبهوها بلست فأجروها في فعلت مجراها في فعل وكرهوا تحريك اللام فحذفوا. ولم يقولوا في فعلت لست البتة لأنه لم يتمكن تمكن الفعل. فكما خالف الأفعال المعتلة وغير المعتلة في فعل كذلك يخالفها في فعلت. ولا نعلم شيئاً من المضاعف شذ عما وصفت لك إلا هذه الأحرف وقالوا: " وإذا الأرض مدت " " وحقت ". واعلم أن لغةً للعرب مطردةً يجري فيها فعل من رددت مجرى فعل من قلت وذلك قولهم: قد رد وهد ورحبت بلادك وظلت لما أسكنوا العين ألقوا حركتها على الفاء كما فعل ذلك في جئت وبعت. ولم يفعلوا ذلك في فعل نحو عض وصب كراهية الالتباس كما كره الالتباس في فعل وفعل من باب بعت. وقد قال قوم: قد رد فأمالوا الفاء ليعلموا أن بعد الراء كسرة قد ذهبت كما قالوا للمرأة أغزى فأشموا الزاي ليعلموا أن هذه الزاي أصلها الضم. وكذلك لم تدعى. ولم يضموا فتقلب الياء واواً فيلتبس بجمع القوم. ولم تكن لتضم والياء بعدها لكراهية الضمة وبعدها الياء إذ قدروا على أن يشموا الضم. فالياء تقلب الضمة كسرةً كما تقلب الواو واعلم أن رد هو الأجود الأكثر لا يغير الإدغام المتحرك كما لا يغيره في فعل وفعل ونحوهما. وقيل وبيع وخيف أقيس وأكثر وأعرف لأنك لا تفعل بالفاء ما تفعل بها في فعلت وفعلت. وأما تغزين ونحوها فالإشمام لازمٌ لها ولنحوها لأنه ليس في كلامهم أن تقلب الواو في يفعل ياءً في تفعل وأخواتها. وإنما صيرت فيها الكسرة للياء وليس يلزمها ذلك في كلامهم كما لزم رد وقيل فكرهوا ترك الإشمام مع الضمة والواو إذ ذهبا وهما يثبتان في الكلام فكرهوا هذا الإجحاف. وأصل كلامهم تغيير فعل من رددت وقلت. باب ما شذ فأبدل مكان اللام والياء


لكراهية التضعيف وليس بمطرد وذلك قولك: تسريت وتظنيت وتقصيت من القصة وأمليت كما أن التاء في أسنتوا مبدلة من الياء أرادوا حرفاً أخف عليهم منها وأجلد كما فعلوا ذلك في أتلج وبدلها شاذ هنا بمنزلتها في ستٍّ. وكل هذا التضعيف فيه عربيٌّ كثير جيد. وأما كل وكلا فكل واحدةٍ من لفظ. ألا تراه يقول رأيت كلا أخويك فيكون مثل معي ولا يكون فيه تضعيف. هذا باب تضعيف اللام في غير ما عينه ولامه من موضع واحد فإذا ضاعفت اللام وأردت بناء الأربعة لم تسكن الأولى فتدغم وذلك قولك: قرددٌ لأنك أردت أن تلحقه بجعفرٍ وسلهبٍ وليس بمنزلة بناء معدٍ لأن معداً بني على السكون وليس أصله الحركة. وليس هذا بمنزلة مردٍ ولو كان هذا بمنزلة مردٍ لما جاز قرددٌ في الكلام لأن ما يدغم وأصله الحركة لا يخرج على أصله فإنما كل واحدٍ منهما بناءٌ على حدة وإنما معدٌّ بمنزلة خدبٍ تقول فعللٌ لأنه ليس في الكلام فعللٌ يعني فيما اللام فيه مضاعفة نحو قرددٍ. وكذلك معدٌّ ليس من فعللٍ في شيء. وقالوا: قعددٌ وسرددٌ أرادوا أن يلحقوا هذا البناء بالتضعيف بجعشمٍ. ومنزلة جبنٍ منها منزلة فعلٍ من فعللٍ. وقالوا: رمددٌ ألحقوه بالتضعيف بزهلقٍ. وطمر منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ. وقالوا قعددٌ فألحقوه بندندبٍ وعنصلٍ بالتضعيف كما ألحقوا ما ذكرت لك ببنات الأربعة. ودرجةٌ منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ. ولا تلحق هذه النون فعلاً لأنها إنما تلحق ما تلحقه ببنات الخمسة. وإذا ضاعفت اللام وكان فعلاً ملحقاً ببنات الأربعة لم تدغم لأنك إنما أردت أن تضاعف لتلحقه بما زدت بدحرجت وجحدلت. وذلك قولك: جلببته فهو مجلببٌ وتجلبب ويتجلبب أجريته مجرى تدحرج ويتدحرج في الزنة كما أجريت فعللت على زنة دحرجت. وأما اقعنسس فأجروه على مثال احرنجم. فكل زيادة دخلت على ما يكون ملحقاً ببنات الأربعة بالتضعيف فإن تلك الزيادة إن كانت تلحق ببنات لأربعة فإن هذا ملحق بتلك الزمة من بنات الأربعة كما كان ملحقاً بها وليس زيادةٌ سوى ما ألحقها بالأربعة. وأما احمررت واشهاببت فليس لهما نظيرٌ في باب الأربعة. ألا ترى أنه ليس في الكلام احرجمت ولا احراجمت فيكون ملحقاً بهذه الزيادة فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى ما لم يلحق بناءً ببناء غيره مما عينه ولامه من موضع واحد لأنه تضعيفٌ وفيه من الاستثقال مثل ما في ذلك ولم يكن له نظيرٌ في الأربعة على ما ذكرت لك فيحتمل التضعيف ليسلموا زنة ما ألحقوه به. فإن قلت: فهلا قالوا استعدد على زنة استخرج فإن هذه الزيادة لم تلحق بناءً يكون ملحقاً ببناء وإنما لحقت شيئاً يعتل وهو على أصله كما أن أخرجت على الأصل ولو كان بخرج من شيء إلى شيء لفعل ذلك به ولما أدغموا في أعددت كما لم يدغموا في جلبيت. وأما سبهللٌ وقفعددٌ فملحقٌ بالتضعيف بهمرجلٍ كما ألحقوا قردداً بجعفرٍ. وإذا ضوعف آخر بنات الأربعة في الفعل صار على مثال افعللت وأجري في الإدغام مجرى احمررت. وكذلك اطمأننت واطمأن واقشعررت واقشعر لأنه ليس في بنات الخمسة مثل اسفرجل ولا فعلٌ البتة فيكون هذا ملحقاً بتلك الزنة كما كان اقعنسس ملحقاً باحرنجم وتجلبب ملحقاً بتدحرج. فكما لم يكن لأحمر واشهاب نظير في الأربعة فأدغم كذلك أدغم هذا إذ لم يكن له نظير في الخمسة. باب ما قيس من المضاعف


الذي عينه ولامه من موضع واحد ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غيره تقول في فعلٍ من رددت رددٌ كما أخرجت فعلاً على الأصل لأنه لا يكون فعلاً. وتقول في فعلانٍ: رددانٌ وفعلانٍ: رددانٌ يجري المصدر في هذا مجراه لو لم تكن بعده زيادة. ألا تراهم قالوا: خششاء. وتقول في فعلانٍ: ردانٌ وقعلانٍ: ردانٌ أجريتهما على مجراهما وهما على ثلاثة أحرف ليس بعدها شيء كما فعلت ذلك بفعلٍ وفعلٍ. وتقول في فعلولٍ من رددت: رددودٌ وفعليلٍ: ردديدٌ كما فعلت ذلك بفعلانٍ. وأما فعلانٌ من قلت فقولانٌ كما فعلت ذلك: بفعلانٍ. لأنها من غزوت لا تسكن. ولكنك إن شئت همزة فيمن همز فعولاً من قلت وأدؤراً. وكذلك فعلانٌ تقول: قولانٌ ولا تجعل ذلك بمنزلة المضاعف ولكنك تجريه مجرى فعلانٍ من بابه يعني جولانٌ ونفيانٌ لأنه يوافقه وهو على ثلاثة أحرف ثم يصير على الأصل بالزيادة فكذلك هذا. وإنما جعلوا هذا يتحرك مع تحرك واو غزوت. وتقول في افعللت من رددت: اردددت وتجرى الدالين الآخرين مجرى راء احمررت وتكون الأولى بمنزلة الميم. والمصدر اردداداً. ومن قال في الاقتتال قتالاً فأدغم أدغم هذا فقال: الرداد. وتقول في افعللت ارداددت وتجريه مجرى اشهاببت وتكون الأولى بمنزلة الهاء. وتقول في مثل عثوثلٍ: ردوددٌ لأنه ملحق بسفرجلٍ. فإذا قلت افعوعلت وافعوعل كما قلت اغدودن قلت اردود يردود مثل يسبطر واردوددت تجريه في الإدغام مجرى احمررت لأنه لا نظير له في الأربعة نحو احروجمت واحروجم. وتقول في مثل قرددٍ: رددٌ لأن الأولى ساكنة كعين جعفرٍ وبعدها متحركة فمن ثم شددت والأخريان بمنزلة دالى قرددٍ. ومثال دخللٍ: رددٌ. ومثل رمددٌ رددٌ. وفي مثل صمحمح: ردددٌ لأنه مثل سفرجلٍ ولم تحرك الثانية لأنها بمنزلة حاء صمحمحٍ. وتقول مثل جلعلع: ردددٌ ولم تدغم في الآخرة كما لم تفعل ذلك في ردد فتركوا الحرف على أصله لأنهم يرجعون إلى مثل ما يفرون منه فيدعون الحرف على الأصل. وتقول في مثل خلفنةٍ: رددنةٌ لا تدغم لأن الحرف ليس مما يصل إليه التحريك فإنما هو بمنزلة رددت. وتقول في فوعلٍ من رددت: روددٌ اسماً. وإن كان فعلاً قلت: روددت ورودد يرودد. وكذلك فيعلٌ اسماً: ريددٌ. وإن كان فعلاً قلت ريدد لأنه ملحق بالأربعة فأردت أن تسلم تلك الزنة كما سلمتها في جلبب. فكما لم تغير الزنة حين ألحقت بالتضعيف كذلك لا تغيرها إذا ألحقت بالواو والياء. وإنما دعاهم إلى التسليم أن يفرقوا بين ما هو ملحقٌ بأبنية الأربعة وما لم يلحق بها وما ألحق بالخمسة وما لم يلحق بها. ويقوي رودداً ونحوه قولهم: ألنددٌ لأنها ملحقة بالخمسة كعقنقلٍ وعثوثلٍ. والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثةً بناء ببناءٍ والعدة على خمسة أحرف إلا والحرف على مثال سفرجلٍ. ولا تكاد تلحق وليست آخراً بعد ألف إلا وهي تخرج بناءً إلى بناء. فإن قلت: أقول جلب ورود لأن إحدى اللامين زائدة فإنهم قد يدغمون وإحداهما زائدة كما يدغمون وهما من نفس الحرف. وذلك نحو احمر واطمأن. وكرهوا في عفنج مثل ما كرهوا في ألندٍ. فإن قلت: إنما ألحقتها بالواو فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة جعفرٍ وكعسبٍ كما لم يمنع ذلك في جلبب إذ كانت اللامان قد تكرهان كما يكره التضعيف وليس فيه زيادة إذا لم يكن على مثال ذكرت لك. فكما كان يوافقه وأحد حرفيه زائد كذلك يوافق في هذا ما أحد حرفيه على الزيادة. ويقوي هذا ألنددٌ لأن الدالين من نفس الحرف إحداهما موضع العين والأخرى موضع اللام. وأما فعولٌ فردودٌ وليس فيه اعتلال ولا تشديد لأنك قد فصلت بينهما. باب ما شذ من المعتل على الأصل


قد علمت ذاك بنات ألببه وحيوة وتهلل ويومٌ أيوم للشديد. فأبنية كلام العرب صحيحه ومعتله وما قيس من معتله ولم يجىء إلا نظيره في غيره على ما ذكرت لك. واعلم أن الشيء قد يقل في كلامهم وقد يتكلمون بمثله من المعتل كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون. فمما قل فعللٌ وفعللٌ. وهم يقولون: ردد يردد الرجل. وقد يطرحونه وذلك نحو فعاللٍ كراهية كثرة ما يستثقلون. وقد يقل ما هو أخف مما يستعملون كراهية ذلك أيضاً. وذلك نحو: سلس وقلق ولم يكثر كثرة رددت في الثلاثة كراهية كثرة التضعيف في كلامهم. فكأن هذه الأشياء تعاقب. وقد يطرحون الشيء وغيره أثقل منه في كلامهم كراهية ذلك. وهو وعوت وحيوت. وتقول حييت وحيى قبل فتضاعف. وتقول: احووى فهذا أثقل. وإن كانوا يكرهون المعتلين بينهما حرف والمعتلين وإن اختلفا. ومما قل مما ذكرت لك: ددنٌ ويديت. وقد يدعون البناء من الشيء قد يتكلمون بمثله لما ذكرت لك وذلك نحو رشاءٍ لا يكسر على فعلٍ. ومن ثم تركوا من المعتل ما جاء نظيره في غيره. وقد يجيء الاسم على ما قد اطرح من الفعل وقد بينا ذلك وما يجيء من المعتل على غير أصله وما يجيء على أصله بعلله. فهذه حال كلام العرب في الصحيح والمعتل. هذا باب الإدغام هذا باب عدد الحروف العربية ومخارجها ومهموسها ومجهورها


وأحوال مجهورها ومهموسها واختلافها. فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً: الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والكاف والقاف والضاد والجيم والشين والياء واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والطاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو. وتكون خمسةً وثلاثين حرفاً بحروف هن فروعٌ وأصلها من التسعة والعشرين وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار وهي: النون الخفيفة والهمزة التي بين بين والألف التي تمال إمالة شديدة والشين التي كالجيم والصاد التي تكون كالزاي وألف التفخيم يعنى بلغة أهل الحجاز في قولهم: الصلاة والزكاة والحياة. وتكون اثنين وأربعين حرفاً بحروف غير مستحسنةٍ ولا كثيرةٍ في لغة من ترتضى عربيته ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف والجيم التي كالكاف والجيم التي كالشين والضاد الضعيفة والصاد التي كالسين والطاء التي كالتاء والظاء التي كالثاء والباء التي كالفاء. وهذه الحروف التي تمتتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون لا تتبين إلا بالمشافهة إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف لأنها من حافة اللسان مطبقةٌ لأنك جمعت في الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين. وهي أخف لأنها من حافة اللسان وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها فتستطيل حين تخالط حروف اللسان فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كانت في الأيمن ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان كما كانت كذلك في الأيمن. ولحروف العربية ستة عشر مخرجاً. فللحلق منها ثلاثةٌ. فأقصاها مخرجاً: الهمزة والهاء والألف. ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء. وأدناها مخرجاً من الفم: الغين والخاء. ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف. ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلاً ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف. ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد. ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا مخرج النون. ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام مخرج الراء. ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء والدال والتاء. ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد. ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال والثاء. ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى مخرج الفاء. ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو. ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة. فأما المجهورة فالهمزة والألف العين والغين والقاف والجيم والياء والضاد واللام والنون والراء والطاء والدال والزاي والظاء والذال والباء والميم والواو. فذلك تسعة عشر حرفاً. وأما المهموسة فالهاء والحاء والخاء والكاف والشين والسين والتاء والصاد والثاء فالمجهورة: حرفٌ أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم إلا أن النون والميم قد يعتمد لها في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنةٌ. والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما. وأما المهموس فحرفٌ أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس. ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. فإذا أردت إجراء الحروف فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمد أو بما فيها منها. وإن شئت أخفيت. ومن الحروف الشديد وهو الذي يمنع الصوت أن يجرى فيه وهو الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والتاء والدال والباء. وذلك أنك لو قلت ألحج ثم مددت صوتك لم يجر ذلك. ومنها الرخوة وهي: الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والثاء والذال والفاء. وذلك إذا قلت الطس وانقض وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت. ومنها المنحرف وهو حرفٌ شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهو اللام. وإن شئت مددت فيها الصوت. وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه. وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدق اللسان فويق ذلك. ومنها حرفٌ شديد يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنةٌ من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه الصوت. وهو النون وكذلك الميم. ومنها المكرر وهو حرفٌ شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى للصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه. وهو الراء. ومنها اللينة وهي الواو والياء لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما كقولك: وأىٌ والواو وإن شئت أجريت الصوت ومددت. ومنها الهاوى وهو حرفٌ اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وهي الألف. وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها. وأخفاهن وأوسعهن مخرجاً: الألف ثم الياء ومنها المطبقة والمنفتحة. فأما المطبقة فالصاد والضاد والطاء والظاء. والمنفتحة: كل ما سوى ذلك من الحروف لأنك لا تطبق لشيءٍ منهن لسانك ترفعه إلى الحنك الأعلى. وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك فإذا وضعت لسانك فالصوت محصورٌ فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف. وأما الدال والزاي ونحوهما فإنما ينحصر الصوت إذا وضعت لسانك في مواضعهن. فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان وقد بين ذلك بحصر الصوت. ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً والصاد سيناً والظاء ذالاً ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيءٌ من موضعها غيرها. وإنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الإدغام وما يجوز فيه وما لا يحسن فيه ذلك ولا يجوز فيه وما تبدله استثقالاً كما تدغم وما تخفيه وهو بزنة المتحرك. اللذين تضع لسانك لهما موضعاً واحداً لا يزول عنه وقد بينا أمرهما إذا كانا من كلمة لا يفترقان. وإنما نبينهما في الانفصال. فأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواءٌ إذا كانا منفصلين أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعداً. ألا ترى أن بنات الخمسة وما كانت عدته خمسةً لا تتوالى حروفها متحركةً استثقالاً للمتحركات مع هذه العدة ولابد من ساكن. وقد تتوالى الأربعة متحركةً في مثل علبطٍ ولا يكون ذلك في غير المحذوف. ومما يدلك على أن الإدغام فيما ذكرت لك أحسن أنه لا يتوالى في تأليف الشعر خمسة أحرف متحركة وذلك نحو قولك: جعل لك وفعل لبيدٌ. والبيان في كل هذا عربيٌّ جيد حجازيٌّ. ولم يكن هذا بمنزلة قد واحمر ونحو ذلك لأن الحرف المنفصل لا يلزمه أن يكون بعده الذي هو مثله سواءً. فإن كان قبل الحرف المتحرك الذي وقع بعده حرفٌ مثله حرفٌ متحرك ليس إلا وكان بعد الذي هو مثله حرفٌ ساكنٌ حسن الإدغام. وذلك نحو قولك: يدداود لأنه قصدٌ أن يقع المتحرك بين ساكنين واعتدالٌ منه. وكلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن. وإن شئت بينت. وإذا التقى الحرفان المثلاثن اللذان هما سواءٌ متحركين وقبل الأول حرف مدٍ فإن الإدغام حسنٌ لأن حرف المد بمنزلة متحركٍ في الإدغام. ألا تراهم في غير الانفصال قالوا: راد وتمود الثوب. وذلك قولك: إن المال لك وهم يظلموني وهما يظلماني وأنت تظلميني. والبيان ههنا يزداد حسناً لسكون ما قبله. ومما يدلك على أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا في بعض القوافي لم يجز أن يكون ما قبل المحذوف إذا حذف الآخر إلا حرف مدٍ ولين كأنه يعوض ذلك لأنه حرفٌ ممطولٌ. وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذيبعده حرفٌ مثله سواءٌ حرفٌ ساكن لم يجز أن يسكن ولكنك إن شئت أخفيت وكان بزنته متحركاً من قبل أن التضعيف لا يلزم في المنفصل كما يلزم في مدقٍ ونحوه مما التضعيف فيه غير منفصل. ألا ترى أنه قد جاز ذلك وحسن أن تبين فيما ذكرنا من نحو جعل لك. فلما كان التضعيف لا يلزم لم يقو عندهم أن يغير له البناء. وذلك قولك: ابن نوحٍ واسم موسى لا تدغم هذا. فلو أنهم كانوا يحركون لحذفوا الألف لأنهم قد استغوا عنها كما قالوا قتلوا وخطف فلم يقو هذا على تغيير البناء كما لم يقو على أن لا يجوز البيان فيما ذكرت لك. ومما يدلك على أنه يخفى ويكون بزنة المتحرك قول الشاعر: وإني بما قد كلفتني عشيرتي من الذب عن أعراضها لحقيق وامتاج مني حلبات الهاجم شأو مدلٍ سابق اللهامم وقال أيضاً: وغير سفعٍ مثلٍ يحامم فلو أسكن في هذه الأشياء لانكسر الشعر ولكنا سمعناهم يخفون. ولو قال إني ما قد كلفتني فأسكن الياء وأدغمها في الميم في الكلام لجاز لحرف المد. فأما اللهامم فإنه لا يجوز فيها الإسكان ولا في القرادد لأن قردداً فعللٌ ولهمماً فعللٌ ولا يدغم فيكره أن يجيء جمعه على جمع ما هو مدغمٌ واحده وليس ذلك في إني بما. ولكنك إن شئت قلت قرادد فأخفيت كما قالوا متعففٌ فيخفى. ولا يكون في هذا إدغام وقد ذكرنا العلة. وأما قول بعضهم في القراءة: " إن الله نعما يعظكم به " فحرك العين فليس على لغة من قال نعم فأسكن العين ولكنه على لغة من قال نعم فحرك العين. وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيلٍ وكسروا كما قالوا لعبٌ. وقال طرفة: ما أقلت قدمٌ ناغلها نعم الساعون في الحي الشطر وأما قوله عز وجل: " فلا تتناجوا " فإن شئت أسكنت الأول للمد وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركاً. وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين. وتقول: هذا ثوب بكرٍ البيان في هذا أحسن منه في الألف لأن حركة ما قبله ليس منه فيكون بمنزلة الألف. وكذلك: هذا جيب بكرٍ. ألا ترى أنك تقول: اخشو واقداً فتدغم واخشى ياسراً وتجريه مجرى غير الواو والياء. ولا يجوز في القوافي المحذوفة. وذلك أن كل شعرٍ حذفت من أتم بنائه حرفاً متحركاً أوزنة حرفٍ متحرك فلابد فيه من حرف لينٍ للردف نحو: وما كل ذي لبٍ بمؤتيك نصحه وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب فالياء التي بين الياءين ردفٌ. وإن شئت أخفيت في ثوب بكرٍ وكان بزنته متحركاً. وإن أسكنت جاز لأن فيهما مداً وليناً وإن لم يبلغا الألف. كما قالوا ذلك في غير المنفصل نحو قولهم: أصيم. فياء التحقير لا تحرك لأنها نظيرة الألف في مفاعل ومفاعيل لأن التحقير عليهما يجري إذا جاوز الثلاثة. فلما كانوا يصلون إلى إسكان الحرفين في الوقف من سواهما احتمل هذا في الكلام لما فيهما مما ذكرت لك. وتقول: هذا دلو واقدٍ وظبي ياسرٍ فتجري الواوين والياءين ههنا مجرى الميمين في قولك اسم موسى فلا تدغم. وإذ قلت مررت بولي يزيد وعدو وليدٍ فإن شئت أخفيت وإن شئت بينت ولا تسكن لأنك حيث أدغمت الواو في عدوٍ والياء في وليٍ فرفعت لسانك رفعةً واحدة ذهب المد وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل. فالواو الأولى في عدوٍ بمنزلة اللام في دلوٍ والياء الأولى في وليٍ بمنزلة الياء في ظبيٍ. والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي ليا مع قولك ظبييا ودوا مع قولك غزوا. وإذا كانت الواو قبلها ضمةٌ والياء قبلها كسرة فإن واحدةً منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها. وذلك قولك: ظلموا واقداً واظلمى ياسراً ويغزو واقدٌ وهذا قاضي ياسرٍ لا تدغم. وإنما تركوا المد على حاله في الانفصال كما قالوا قد قوول حيث لم تلزم الواو وأرادوا أن تكون على زنة قاول فكذلك هذه إذ لم تكن الواو لازمةً لها أرادوا أن يكون ظلموا على زنة ظلما واقداً وقضى ياسراً ولم تقو هذه الواو عليها كما لم يقو المنفصلان على أن تحرك السين في اسم موسى. وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسراً واخشو واقداً أدغمت لأنهما ليسا بحرفي مد كالألف وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود واذهب بنا. فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواءٌ وليس بينهما حاجز. وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام في مثل قولك قرأ أبوك وأقرىء أباك لأنك لا يجوز لك أن تقول قرأ أبوك فتحققهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان لأن المنفصلين يجوز فيهما البيان أبداً فلا يجريان مجرى ذلك. وكذلك قالته العرب وهو قول الخليل ويونس. وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناسٌ معه. وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديءٌ فيجوز الإدغام في قول هؤلاء. وهو رديء. ومما يجري مجرى المنفصلين قولك: اقتتلوا ويقتتلون إن شئت أظهرت وبينت وإن شئت أخفيت وكانت الزنة على حالها كما تفعل بالمنفصلين في قولك: اسم موسى وقوم مالك لا تدغم. وليس هذا بمنزلة احمررت وافعاللت لأن التضعيف لهذه الزيادة لازمٌ فصارت بمنزلة العين واللام اللتين هما من موضعٍ واحد في مثل يرد ويستعد والتاء الأولى التي في يقتتل لا يلزمها ذلك لأنها قد تقع بعد تاء يفتعل العين وجميع حروف المعجم. وقد أدغم بعض العرب فأسكن لما كان الحرفان في كلمة واحد ولم يكونا منفصلين وذلك قولك: يقتلون وقد قتلوا وكسروا القاف لأنهما التقيا فشهت بقولهم رد يا فتى. وقد قال آخرون: قتلوا ألقوا حركة المتحرك على الساكن. وجاز في قاف اقتتلوا الوجهان ولم يكن بمنزلة عض وفر يلزمه شيءٌ واحد لأنه يجوز في الكلام فيه الإظهار والإخفاء والإدغام. فكما جاز وتحذف ألف الوصل حيث حركت القاف كما حذفت الألف في رد حيث حركت الراء والألف في قل لأنهما حرفان في كلمة واحدة لحقهما الإدغام فحذفت الألف كما حذفت في رد لأنه قد أدغم كما أدغم. وتصديق ذلك قول الحسن: " إلا من خطف الخطفة ". ومن قال يقتل قال مقتلٌ ومن قال يقتل قال مقتلٌ. وحدثني الخليل وهارون أن ناساً يقولون: " مردفين " فمن قال هذا فإنه يريد مرتدفين. وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا وهي قراءةٌ لأهل مكة كما قالوا رد يا فتى فضموا لضمة الراء. فهذه الراء أقرب. ومن قال هذا قال مقتلين وهذا أقل اللغات. ومن قال قتل قال ردف في ارتدف يجري مجرى اقتتل ونحوه. ومثل ذهاب الألف في هذا ذهابها في قولك: سل حيث حركت السين. فإن قيل: فما بالهم قالوا ألحمر فيمن حذف همزة أحمر فلم يحذفوا الألف لما حركوا اللام. فلأن هذه الألف قد ضارعت الألف المقطوعة نحو أحمر. ألا ترى أنك إذا ابتدأت فتحت وإذا استفهمت ثبتت. فلما كانت كذلك قويت كما قلت الجوار حين قلت جاورت وتقول: ياألله اغفر لي وأفألله لتفعلن. فتقوى أيضاً في مواضع سوى الاستفهام. ومنها: إي ها ألله ذا. وحسن الإدغام في اقتتلوا كحسنه في جعل لك. إلا أنه ضارع حيث كان الحرفان غير منفصلين احمررت. وأما اردد فليس فيه إخفاء لأنه بين ساكنين كما لا تخفى الهمزة مبتدأة ولا بعد ساكن فكذلك ضعف هذا إذ كان بين ساكنين. وأما رد داود فبمنزلة اسم موسى لأنهما منفصلان وإنما التقيا في الإسكان وإنما يدغمان إذا تحرك ما قبلهما. باب الإدغام في الحروف المتقاربة


التي هي من مخرج واحد والحروف المتقاربة مخارجها إذا أدغمت فإن حالها حال الحرفين اللذين هما سواءٌ في حسن الإدغام وفيما يزداد البيان فيه حسناً وفيما لا يجوز فيه إلا الإخفاء وحده وفيما يجوز فيه الإخفاء والإسكان. فالإظهار في الحروف التي من مخرج واحد وليست بأمثالٍ سواءٍ أحسن لأنها قد اختلفت. وهو في المختلفة المخارج أحسن لأنها أشد تباعداً وكذلك الإظهار كلما تباعدت المخارج ومن الحروف ما لا يدغم فيمقاربه ولا يدغم فيه مقاربه كما لم يدغم في مثله وذلك الحرف الهمزة لأنها إنما أمرها في الاستثقال التغيير والحذف وذلك لازمٌ لها وحدها كما يلزمها التحقيق لأنها تستثقل وحدها فإذا جاءت مع مثلها أو مع ما قرب منها أجريت عليه وحدها لأن ذلك موضع استثقال كما أن هذا موضع استثقال. وكذلك الألف لا تدغم في الهاء ولا فيما تقاربه لأن الألف لا تدغم في الألف لأنهما لو فعل ذلك بهما فأجريتا مجرى الدالين والتاءين تغيرتا فكانتا غير ألفين فلما لم يكن ذلك في الألفين لم يكن فيهما مع المتقاربة فهي نحوٌ من الهمزة في هذا فلم يكن فيهما الإدغام كما لم يكن في الهمزتين. ولا تدغم الياء وإن كان قبلها فتحة ولا الواو وإن كان قبلها فتحة مع شيءٍ من المتقاربة لأن فيهما ليناً ومداً فلم تقو عليهما الجيم والباء ولا ما لا يكون فيه مدٌّ ولا لينٌ من الحروف أن تجعلهما مدغمتين لأنهما يخرجان ما فيه لينٌ ومدٌّ إلى ما ليس فيه مدٌّ ولا لينٌ وسائر الحروف لا تزيد فيها على أن تذهب الحركة فلم يقو الإدغام في هذا كما لم يقو على أن تحرك الراء في قرم موسى. ولو كانت مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح والواو التي ما قبلها مفتوح ما هو مثلهما سواءٌ لأدغمتهما ولم تستطع إلا ذلك لأن الحرفين استويا في الموضع وفي اللين فصارت هذه الياء والواو مع الميم والجيم نحواً من الألف مع المقاربة لأن فيهما ليناً وإن لم يبلغا الألف ولكن فيهما شبهٌ منها. ألا ترى أنه إذا كانت واحدةٌ منهما في القوافي لم يجز في ذلك الموضع غيرها إذا كانت قبل حرف الروي فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك. وذلك قولك: رأيت قاضي جابرٍ ورأيت دلو مالكٍ ورأيت غلامي جابرٍ ولا تدغم في هذه الياء الجيم وإن كانت لا تحرك لأنك تدخل اللين في غير ما يكون فيه اللين وذلك قولك: أخرج ياسراً فلا تدخل ما لا يكون فيه اللين على ما يكون فيه اللين كما لم تفعل ذلك بالألف. وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام لأنهما حينئذ أشبه بالألف. وهذا ما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح لأنهما يكونان كالألف في المد والمطل وذلك قولك: ظلموا مالكاً واظلمي جابراً. ومن الحروف حروفٌ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها. وتلك الحروف: الميم والراء والفاء ولشين. فالميم لا تدغم في الباء وذلك قولك: أكرم به لأنهم يقلبون النون ميماً في قولهم: العنبر ومن بدا لك. فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون لم يغيروه وجعلوه بمنزلة النون إذ كانا حرفي غنةٍ. وأما الإدغام في الميم فنحو قولهم: اصحمطراً تريد: اصحب مطراً مدغم. والفاء لا تدغم في الباء لأنها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى وانحدرت إلى الفم وقد قاربت من الثنايا مخرج الثاء وإنما أصل الإدغام في حروف الفم واللسان لأنها أكثر الحروف فلما صارت مضارعة للثاء لم تدغم في حرف من حروف الطرفين كما أن الثاء لا تدغم فيه وذلك قولك: اعرف بدراً. والباء قد تدغم في الفاء للتقارب ولأنها قد ضارعت الفاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام في حروف الفم وذلك قولك: اذهب في ذلك فقلبت الباء فاءً كما قلبت الباء ميماً في قولك: اصحمطراً. والراء لا تدغم في اللام ولا في النون لأنها مكررة وهي تفشى إذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها فتدغم مع ما ليس يتفشى في الفم مثلها ولا يكرر. ويقوي هذا أن الطاء وهي مطبقةٌ لا تجعل مع التاء تاءً خالصةً لأنها أفضل منها بالإطباق فهذه أجدر أن لا تدغم إذ كانت مكررة. وذلك قولك: اجبر لبطة واختر نقلاً. وقد تدغم هذه اللام والنون مع الراء لأنك لا تخل بهما كما كنت مخلاً بها لو أدغمتها فيهما ولتقاربهن وذلك: هرأيت ومرأيت. والشين لا تدغم في الجيم لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء فصارت منزلتها منها نحواً من منزلة الفاء مع الباء فاجتمع هذا فيها والتفشى فكرهوا أن يدغموها في الجيم كما كرهوا أن يدغموا الراء فيما ذكرت لك. وذلك قولك: افرش جبلة. وقد فهذا تلخيصٌ لحروفٍ لاتدغم في شيء ولحرفوٍ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها. ثم نعود إلى الإدغام في المقاربة التي يدغم بعضها في بعض إن شاء الله. الهاء مع الحاء: كقولك: اجبه حملاً البيان أحسن لاختلاف المخرجين ولأن حروف الحلق ليست بأصلٍ للإدغام لقلتها. والإدغام فيها عربيٌّ حسن لقرب المخرجين ولأنهما مهموسان رخوان فقد اجتمع فيها قرب المخرجين والهمس. ولا تدغم الحاء في الهاء كا لم تدغم الفاء في الباء لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالاً فلا تدغم. العين مع الهاء: كقولك اقطع هلالاً البيان أحسن. فإن أدغمت لقرب المخرجين حولت الهاء حاءً والعين حاءً ثم أدغمت الحاء في الحاء لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله فأبدلت مكانها أشبه الحرفين بها ثم أدغمته فيه كي لا يكون الإدغام في الذي فوقه ولكن ليكون في الذي هو من مخرجه. ولم يدغموها في العين إذ كانتا من حروف الحلق لأنها خالفتها في الهمس والرخاوة فوقع الإدغام لقرب المخرجين ولم تقو عليها العين إذ خالفتها فيما ذكرت لك. ولم تكن حروف الحلق أصلاً للإدغام. ومع هذا فإن التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين. ألا ترى أن التقاءهما في باب رددت أكثر. والمهموس أخف من المجهور. فكل هذا يباعد العين من الإدغام إذ كانت هي والهاء من حروف الحلق. ومثل ذلك: اجبه عنبه في الإدغام والبيان وإذا أردت الإدغام حولت العين حاء ثم أدغمت الهاء فيها فصارتا حاءين. والبيان أحسن. ومما قالت العرب تصديقاً لهذا في الإدغام قول بني تميم: محم يريدون: معهم ومحاولاء يريدون: مع هؤلاء. ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله: كأنها بعد كلال الزاجر ومسحى مر عقابٍ كاسر يريدون: ومسحه. العين مع الحاء كقولك: اقطع حملاً الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ لأنهما من مخرج واحد. ولم تدغم الحاء في العين في قولك: امدح عرفة لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين وهي مثلها في الهمس والرخاوة مع قرب المخرجين فأجريت مجرى الميم مع الباء فجعلتها بمنزلة الهاء كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء. ولم تقو العين على الحاء إذ كانت هذه قصتها وهما من المخرج الثاني من الحلق وليست حروف الحلق بأصلٍ للإدغام. ولكنك لو قلبت العين حاءً فقلت في: امدح عرفة: امدحرفة جاز كما قلت: اجبحنبه تريد: اجبه الغين مع الخاء. البيان أحسن والإدغام حسن وذلك قولك: ادمخلفاً كما فعلت ذلك في العين مع الحاء والخاء مع الغين. البيان فيهما أحسن لأن الغين مجهورة وهما من حروف الحلق وقد خالفت الخاء في الهمس والرخاوة فشبهت بالحاء مع العين. وقد جاز الإدغام فيها لأنه المخرج الثالث وهو أدنى المخارج من مخارج الحلق إلى اللسان. ألا ترى أنه يقول بعض العرب: منخلٌ ومنغلٌ فيخفى النون كما يخفيها مع حروف اللسان والفم لقرب هذا المخرج من اللسان وذلك قولك في اسلخ غنعك: اسلغنمك. ويدلك على حسن البيان عزتها في باب رددت. القاف مع الكاف كقولك: الحق كلدة. الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ. وإنما أدغمت لقرب المخرجين وأنهما من حروف اللسان وهما متفقان في الشدة. والكاف مع القاف: انهك قطناً البيان أحسن والإدغام حسنٌ. وإنما كان البيان أحسن لأن مخرجهما أقرب مخارج اللسان إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام. الجيم مع الشين كقولك: ابعج شبثاً الإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد وهما من حروف وسط اللسان. اللام مع الراء نحو: اشغل رحبة لقرب المخرجين ولأن فيهما انحرافاً نحو اللام قليلاً وقاربتها في طرف اللسان. وهما في الشدة وجري الصوت سواءٌ وليس بين مخرجيهما مخرجٌ. والإدغام أحسن. النون تدغم مع الراء لقرب المخرجين على طرف اللسان وهي مثلها في الشدة وذلك قولك: من راشدٍ ومن رأيت. وتدغم بغنةٍ وبلا غنةٍ. وتدغم في اللام لأنها قريبةٌ منها على طرف اللسان وذلك قولك: من لك. فإن شئت كان إدغاماً بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان وإن شئت أدغمت بغنة لأن لها صوتاً من الخياشيم فترك على حاله لأن الصوت الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيبٌ فيغلب عليه الاتفاق. وتدغم النون مع الميم لأن صوتهما واحد وهما مجهوران قد خالفا سائر الحروف التي في الصوت حتى إنك تسمع النون كالميم والميم كالنون حتى تتبين فصارتا بمنزلة اللام والراء في القرب وإن كان المخرجان متباعدين إلا أنهما اشتبها لخروجهما جميعاً في الخياشيم. وتقلب النون مع الباء ميماً لأنها من موضع تعتل فيه النون فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع ولم يجعلوا النون باءً لبعدها في المخرج وأنها ليست فيها غنةٌ. ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم وتدغم النون مع الواو بغنة وبلا غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميماً أن الواو حرف لين تتجافى عنه الشفتان والميم كالياء في الشدة وإلزام الشفتين فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون وليس مثلها في اللين والتجافي والمد فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام وكرهوا البدل لما ذكرت لك. وتدغم النون مع الياء بغنة وبلا غنة لأن الياء أخت الواو وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد ولأنه ليس مخرجٌ من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء. ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياء وكذلك الألثغ باللام لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت لك إليهما. وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً مخرجه من الخياشيم وذلك أنها من حروف الفم وأصل الإدغام لحروف الفم لأنها أكثر الحروف فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرجٌ من غير الفم كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة وكان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم لأنه ليس حرفٌ يخرج من ذلك الموضع غيرها فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبسٌ وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان ومن قال ومن جاء. وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم ولكن صوت الفم أشرب غنةً. ولو كان مخرجها من الخياشيم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام حتى تصير مثلهن في كل شيء. وتكون مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينةً موضعها من الفم. وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها فلم تخف ههنا كما لم تدغم في هذا الموضع وكما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق. وإنما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها. وهو قولك: من أجل زيدٍ ومن هنا ومن خلفٍ ومن حاتمٍ ومن عليك ومن غلبك ومنخلٌ. بينةٌ هذا الأجود الأكثر. وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف. وقد بينا لم ذلك. ولم نسمعهم قالوا في التحرك: حين سليمان فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم لأنها لا تحول حتى تصير من مخرج موضع الذي بعدها. وإن قيل لم يستنكر ذلك لأنهم قد يطلبون ههنا من الاستخفاف كما يطلبون إذا حولوها. ولا تدغم في حروف الحلق البتة ولم تقو هذه الحروف على أن تقلبها لأنها تراخت عنها ولم تقرب قرب هذه الستة فلم يحتمل عندهم حرفٌ ليس مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة. وتكون ساكنةً مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بينةً. والواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق. وذلك قولك: شاةٌ زنماء وغنمٌ زنمٌ وقنواء وقنيةٌ وكنيةٌ ومنيةٌ. وإنما حملهم على البيان كراهية الالتباس فيصير كأنه من المضاعف لأن هذا المثال قد يكون في كلامهم مضاعفاً. ألا تراهم قالوا امحى حيث لم يخافوا التباساً لأن هذا المثال لا تضاعف فيه الميم. وسمعت الخليل يقول في انفعل من وجلت: اؤجل كما قالوا امحى لأنها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك: من مثلك ومن مات. فهذا يتبين فيه أنها نون بالمعنى والمثال. وكذلك انفعل من يئس على هذا القياس. وإذا كانت مع الياء لم تتبين وذلك قولك: شمباء والعمبر لأنك لا تدغم النون وإنما تحولها ميماً. والميم لا تقع ساكنةً قبل الباء في كلمةٍ فليس في هذا التباسٌ بغيره. ولا نعلم النون وقعت ساكنةً في الكلام قبل راء ولا لام لأنهم إن بينوا ثقل عليهم لقرب المخرجين كما ثقلت التاء مع الدال في ودٍ وعدانٍ. وإن أدغموا التبس بالمضاعف ولم يجز فيه ما جاز في ودٍ فيدغم لأن هذين حرفان كل واحدٍ منهما يدغم في صاحبه وصوتهما من الفم والنون ليست كذلك لأن فيها غنةً فتلتبس بما ليس فيه الغنة إذ كان ذلك الموضع قد تضاعف فيه الراء. وذلك أنه ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنلٍ. وإنما احتمل ذلك في الواو والياء والميم لبعد المخارج. وليس حرفٌ من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم يدغم في النون لأن النون لم تدغم فيهن حتى يكون صوتها من الفم وتقلب حرفاً بمنزلة الذي بعدها وإنما هي معهن حرفٌ بائنٌ مخرجه من الخياشيم فلا يدغمن فيها كما لا تدغم هي فيهن وفعل ذلك بها معهن لبعدهن منها وقلة شبههن بها فلم يحتمل لهن أن تصير من مخارجهن. وأما اللام فقد تدغم فيها وذلك قولك: هنرى فتدغم في النون. والبيان أحسن لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها. ولم يدغموا الميم في النون لأنها لا تدغم في الباء التي هي من مخرجها ومثلها في الشدة ولزوم الشفتين فكذلك لم يدغموها فيما تفاوت مخرجه عنها ولم يوافقها إلا في الغنة. ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفاً لا يجوز فيها معهن إلا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام وكثرة موافقتها لهذه الحروف واللام من طرف اللسان. وهذه الحروف أحد عشر حرفاً منها حروف طرف اللسان وحرفان يخالطان طرف اللسان. فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام كما لم يجز في يرى إذ كثر في الكلام وكانت الهمزة تستثقل إلا الحذف. ولو كانت ينأى وينأل لكنت بالخيار. والأحد عشر حرفاً: النون والراء والدال والتاء والصاد الطاء والزاي والسين والظاء والثاء والذال. واللذان خالطاها: الضاد والشين لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام. والشين كذلك حتى اتصلت بمخرج الطاء. وذلك قولك: النعمان والرجل وكذلك سائر هذه الحروف. فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام هل وبل فإن الإدغام في بعضها أحسن وذلك قولك: هرأيت لأنها أقرب الرحوف إلى اللام وأشبهها بها فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من مخرج واحد إذ كانت اللام ليس حرفٌ أشبه بها منها ولا أقرب كما أن الطاء ليس حرف أقرب إليها ولا أشبه بها من الدال. وإن لم تدغم فقلت: هل رأيت فهي لغةٌ لأهل الحجاز وهي عربية جائزة. وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة وليس ككثرتها مع الراء لأنهن قد تراخين عنها وهن من الثنايا وليس منهن انحراف. وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة وليس كحسنه مع هؤلاء لأن هؤلاء من أطراف الثنايا وقد قاربن مخرج الفاء. ويجوز الإدغام لأنهن من الثنايا كما أن الطاء وأخواتها من الثنايا وهن من حروف طرف اللسان كما أنهن منه. وإنما جعل الإدغام فيهن أضعف وفي الطاء وأخواتها أقوى لأن اللام لم تسفل إلى أطراف اللسان كما لم تفعل ذلك الطاء وأخواتها. وهي مع الضاد والشين أضعف لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه. ولكنه يجوز إدغام اللام فيهما لما ذكرت لك من اتصال مخرجهما. قال طريق بن تميم العنبري: تقول إذا استهلكت مالاً للذةٍ فكيهة هشىءٌ بكفيك لائق يريد: هل شيء فأدغم اللام في الشين. وقرأ أبو عمرو: هثوب الكفار يريد هل ثوب الكفار فأدغم في الثاء. وأما التاء فهي على ما ذكرت لك وكذلك أخواتها. وقد قرىء بها: بتؤثرون الحياة الدنيا فأدغم اللام في التاء. وقال مزاحمٌ العقيلي: يريد: هل تعين والنون إدغامها فيها أقبح من جميع هذه الحروف لأنها تدغم في اللام كما تدغم في الياء والواو والراء والميم فلم يجسروا على أن يخرجوها من هذه الحروف التي شاركتها في إدغام النون وصارت كأحدها في ذلك. باب الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا الطاء مع الدال كقولك: اضبد لماً لأنهما مع موضعٍ واحد وهي مثلها في الشدة إلا أنك قد تدع الإطباق على حاله فلا تذهبه لأن الدال ليس فيها إطباق فإنم تغلب على الطاء لأنها من موضعها ولأنها حصرت الصوت من موضعها كما حصرته الدال. فأما الإطباق فليست منه في شيء والمطبق أفشى في السمع ورأوا إجحافاً أن تغلب الدال على الإطباق وليست كالطاء في السمع. ومثل ذلك إدغامهم النون فيما تدغم فيه بغنة. وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها كالدال سواءً أرادوا أن لا تخالفها إذ آثروا أن يقلبوها دالاً كما أنهم أدغموا النون بلا غنة. وكذلك الطاء مع التاء إلا أن إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلاً لأن الدال كالطاء في الجهر وتصير الدال مع الطاء طاء وذلك: انقطالباً. وكذلك التاء وهو قولك: انعطالباً لأنك لا تجحف بهما في الإطباق ولا في غيره. وكذلك التاء مع الدال والدال مع التاء لأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر ليس في واحدٍ منهما إطباقٌ ولا استطالةٌ ولا تكرير. ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب قولهم: حتهم يريدون: حطتهم. والتاء والدال سواءٌ كل واحدةٍ منهما تدغم في صاحبتها حتى تصير التاء دالاً والدال تاء لأنهما من موضع واحد وهما شديدتان ليس بينهما شيء إلا الجهر والهمس وذلك قولك: انعدلاماً وانقتلك فتدغم. ولو بينت فقلت: اضبط دلاما واضبط تلك وانقد تلك وانعت دلاماً لجاز. وهو يثقل التكلم به لشدتهن وللزوم اللسان موضعهن لا يتجافى عنه. فإن قلت: أقول اصحب مطراً وهما شديدتان والبيان فيهما أحسن فإنما ذلك لاستعانة الميم بصوت الخياشيم فضارعت النون. ولو أمسكت بأنفك لرأيتها بمنزلة ما قبلها. وقصة الصاد مع الزاي والسين كقصة الطاء والدال والتاء. وهي من السين كالطاء من الدال لأنها مهموسةٌ مثلها وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الزاي كالطاء من التاء لأن الزاي غير مهموسة وذلك قولك افحسالماً فتصير سيناً وتدع الإطباق على حاله. وإن شئت أذهبته. وتقول: افحزردة. وإن شئت أذهبت الإطباق. وإذهابه مع السين أمثل قليلاً لأنها مهموسة مثلها. وكله عربي. ويصيران مع الضاد صاداً كما صارت الدال والتاء مع الطاء طاءً. يدلك التفسير. والبيان فيها أحسن لرخاوتهن وتجافي اللسان عنهن وذلك قولك: احبصابراً وأوجصابرا. والزاي والسين بمنزلة التاء والدال تقول: احبزردة ورسملة فتدغم. وقصة الظاء والذال والثاء كذلك أيضاً وهي مع الذال كالطاء مع الدال لأنها مجهورة مثلها وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الثاء بمنزلة الطاء من التاء وذلك قولك: احفذلك فتدغم وتدع الإطباق. وإن شئت أذهبته. وتقول: احفثابتاً. وإن شئت أذهبت الإطباق وإذهابه مع الثاء كإذهابه من الطاء مع التاء. وإن أدغمت الذال والثاء فيهما أنزلتهما منزلة الدال والتاء إذا أدغمتهما إلى الطاء وذلك قولك: خظالماً وابعظالماً. والذال والثاء كل واحدة منهما من صاحبتها منزلة الدال والتاء وذلك قولك: خثابتاً وابعذلك. والبيان فيهن أمثل منه منه في الصاد والسين والزاي لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن لانحراف طرف اللسان إلى طرف الثنايا ولم يكن له ردٌّ. والإدغام فيهن أكثر وأجود لأن أصل الإدغام لحروف اللسان والفم وأكثر حروف اللسان من طرف اللسان وما يخالط طرف اللسان وهي أكثر من حروف الثنايا. والطاء والدال والتاء يدغمن كلهن في الصاد والزاي والسين لقرب المخرجين لأنهن من الثنايا وطرف اللسان وليس بينهن في الموضع إلا أن الطاء وأختيها من أصل الثنايا وهن من أسفله قليلاً مما بين الثنايا. وذلك قولك: ذهبسلمى وقسمعت فتدغم. واضبزردة فتدغمن. وانعصابراً فتدغم. وسمعناهم ينشدون هذا البيت لابن مقبل: فكأنما اغتبقصبير غمامة بعرا تصفقه الرياح زلالا فأدغم التاء في الصاد. وقرأ بعضهم: لا يسمعون يريد: لا يتسمعون. والبيان عربيٌّ حسنٌ لاختلاف المخرجين. وكذلك الظاء والثاء والذال لأنهن من طرف اللسان وأطراف الثنايا وهن أخواتٌ وهن من حيزٍ واحد والذي بينهما من الثنيتين يسيرٌ. وذلك قولك: ابعسلمة واحفسلمة وخصابراً واحفزردة. وسمعناهم يقولون مزمانٌٍ فيدغمون الذال في الزاي. ومساعةٌٍ فيدغمونها في السين. والبيان والطاء والثاء والذال أخوات الطاء والدال والتاء لا يمتنع بعضهن من بعض في الإدغام لأنهن من حيز واحد وليس بينهن إلا ما بين طرف الثنايا وأصولها وذلك قولك: اهبظالما وأبعذلك. وانعثابتاً واحفطالباً وخداد وابعتلك. وحجته قولهم: ثلاث دراهم تدغم الثاء من ثلاثة في الهاء إذا صارت تاءً وثلاث أفلس فأدغموها. وقالوا: حدتهم يريدون حدثتهم فجعلوها تاءً. والبيان فيه جيد. وأما الصاد والسين والزاي فلا تدغمهن في هذه الحروف التي أدغمت فيهن لأنهن حروف الصفير. وهن أندى في السمع. وهؤلاء الحروف إنما هي شديدٌ ورخوٌ لسن في السمع كهذه الحروف لخفائها. ولو اعتبرت ذلك وجدته هكذا. فامتنعت كما امتنعت الراء أن تدغم في اللام والنون للتكرير. وقد تدغم الطاء والتاء والدال في الضاد لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين وهي مع ذا مطبقة فلما قاربت الطاء فيما ذكرت لك أدغموها فيها كما أدغموها في الصاد وأختيها فلما صارت بتلك المنزلة أدغموا فيها التاء والدال كما أدغموها في الصاد لأنهما من موضعها وذلك قولك: اضبضرمه وانعضرمة. ثار فضجضجةً ركائبه فأدغم التاء في الضاد. وكذلك الظاء والذال والثاء لأنهن من حروف طرف اللسان والثنايا يدغمن في الطاء وأخواتها ويدغمن أيضاً جميعاً في الصاد والسين والزاي وهن من حيزٍ واحد وهن بعد في الإطباق والرخاوة كالضاد فصارت بمنزلة حروف الثنايا. وذلك: احفضرمة وخضرمة وابعضرمة. ولا تدغم في الصاد والسين والزاي لاستطالتها يعني الضاد كما امتنعت الشين. ولا تدغم الصاد وأختاها فيها لما ذكرت لك. فكل واحدةٍ منهما لها حاجز. ويكرهون أن يدغموها يعني الضاد فيما أدغم فيها من هذه الحروف كما كرهوا الشين. والبيان عربيٌ جيد لبعد الموضعين فهو فيه أقوى منه فيما مضى من حروف الثنايا. وتدغم الطاء والدال والتاء في الشين لاستطالتها حين اتصلت بمخرجها وذلك قولك: اضبشبثاً وانعشبثاً وانقشبثاً. والإدغام في الضاد أقوى لأنها قد خالطت باستطالتها الثنية وهي مع ذا مطبقة ولم تجاف عن الموضع الذي قربت فيه من الطاء تجافيها. وما يحتج به في هذا قولهم: عاوشنباء وتدغم الظاء والذال والثاء فيها لأنهم قد أنزلوها منزلة الضاد وذلك قولك: احفشنباء وابعثنباء وخشنباء. والبيان عربي جيد. وهو أجود منه في الضاد لبعد المخرجين وأنه ليس فيها إطباقٌ ولا ما ذكرت لك في الضاد. واعلم أن جميع ما أدغمته وهو ساكنٌ يجوز لك فيه الإدغام إذا كان متحركاً كما تفعل ذلك في المثلين. وحاله فيما يحسن ويقبح فيه الإدغام وما يكون فيه أحسن وما يكون خفياً وهو بزنته متحركاً قبل أن يخفى كحال المثلين. وإذا كانت هذه الحروف المتقاربة في حرفٍ واحد ولم يكن الحرفان منفصلين ازداد ثقلاً واعتلالاً كما كان المثلان إذ لم يكونا منفصلين أثقل لأن الحرف لا يفارقه ما يستثقلون. فمن ذلك قولهم في مثتردٍ: مثردٌ لأنهما متقاربان مهموسان. والبيان حسنٌ. وبعضهم يقول: متثردٌ وهي عربية جيدة. والقياس متردٌ لأن أصل الإدغام أن يدغم الأول في الآخر. وقالوا في مفتعلٍ من صبرت: مصطبرٌ أرادوا التخفيف حين تقاربا ولم يكن بينهما إلا ما ذكرت لك يعني قرب الحرف وصارا في حرفٍ واحد. ولم يجز إدخال الصاد فيها لما ذكرنا من المنفصلين فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالصاد وهي الطاء ليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد من الحروف وليكون عملهم من وجهٍ واحد إذ لم يصلوا إلى الإدغام. وأراد بعضهم الإدغام حيث اجتمعت الصاد والطاء فلما امتنعت الصاد أن تدخل في الطاء قلبوا الطاء صادا فقالوا: مصبرٌ. وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ: " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً ". والزاي تبدل لها مكان التاء دالاً وذلك قولهم: مزدانٌ في مزتان لأنه ليس شيء أشبه بالزاي من موضعها من الدال وهي مجهورة مثلها وليست مطبقة كما أنها ليست مطبقة. ومن قال مصبرٌ قال مزانٌ. وتقول في مستمعٍ: مسمعٌ فتدغم لأنهما مهموسان ولا سبيل إلى أن تدغم السين في التاء فإن أدغمت قلت مسمعٌ كما قلت مصبرٌ حيث لم يجز إدخال الصاد في الطاء. وقال ناسٌ كثير: مثردٌ في مثتردٍ إذ كانا من حيزٍ واحد وفي حرف واحد. وقالوا في اضطجر: اضجر كقولهم: مصبرٌ. وكذلك الظاء. لأنهما إذا كانا منفصلين يعني الظاء وبعدها التاء جاز البيان ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت فلما صارا في حرفٍ واحد ازدادا ثقلاً إذ كانا يستثقلان منفصلين فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي لطاء ليكون العمل من وجه واحد كما قالوا: قاعدٌ ومغالق فلم يميلوا الألف وكان ذلك أخف عليهم وليكون الإدغام في حرفٍ مثله إذ لم يجز البيان والإطباق حيث كانا في حرف واحد فكأنهم كرهوا أن يجحفوا به حيث منع هذا. وذلك قولهم: مظطعنٌ ومضطلم وإن شئت قلت مطعنٌ ومطلمٌ كما قال زهير: هذا الجواد الذي يعطيك نائله عفواً ويظلم أحياناً فيطلم وكما قالوا: يطن ويظطن من الظنة. ومن قال متردٌ ومصبرٌ قال مطعنٌ ومطلمٌ وأقيسهما مطعنٌ ومطلمٌ لأن الأصل في الإدغام أن يتبع الأول الآخر. ألا ترى أنك لو قلت من المنفصلين بالإدغام نحو ذهب به وبين له فأسكنت الآخر لم يكن إدغامٌ حتى تسكن الأول. فلما كان كذلك جعلوا الآخر يتبعه الأول ولم يجعلوا الأصل إن ينقلب الآخر فتجعله من موضع الأول. وكذلك تبدل للذال من مكان التاء أشبه الحروف بها لأنهما إذا كانتا في حرف واحد لزم أن لا يبينا إذ كانا يدغمان منفصلين فكرهوا هذا الإجحاف وليكون الإدغام في حرف مثله في الجهر. وذلك قولك مدكرٌ كقولك مطلمٌ ومن قال مظعن قال مذكر. وقد سمعناهم يقولون ذلك. والأخرى في القرآن في قوله: " فهل من مدكرٍ ". وإنما منعهم من أن يقولوا مذدكرٌ كما قالوا مزدانٌ أن كل واحد منهما يدغم في صاحبه في الانفصال فلم يجز في الحرف الوادح إلا الإدغام. والزاي لا تدغم فيها على حالٍ فلم يشبهوها بها. والضاد في ذلك بمنزلة الصاد لما ذكرت لك من استطالتها. كالشين وذلك قولك مضطجع وإن شئت قلت مضجعٌ. وقد قال بعضهم: مطجعٌ حيث كانت مطبقة ولم تكن في السمع كالضاد وقربت منها وصارت في كلمة واحدة. فلما اجتمعت هذه الأشياء وكان وقوعها معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها معها في الانفصال اعتقدوا ذلك وأدغموها وصارت كلام المعرفة حيث ألزموها الإدغام فيما لا تدغم فيه في الانفصال إلا ضعيفاً. ولا يدغمونها في الطاء لأنها لم تكثر معها في الكلمة الواحدة ككثرة لام المعرفة مع تلك الحروف. وإذا كانت الطاء معها يعنى مع التاء فهو أجدر أن تقلب التاء طاء ولا ندغم الطاء في التاء فتخل بالحرف لأنهما في الانفصالن أثقل من جميع ما ذكرناه. ولم يدغموها في التاء لأنهم لم يريدوا إلا أن يبقى الإطباق. إذ كان يذهب في الانفصال فكرهوا أن يلزموه ذلك في حرف ليس من حروف الإطباق. وذلك قولك: اطعنوا. وكذلك الدال وذلك قولك ادانوا من الدين لأنه قد يجوز فيه البيان في الانفصال على ما ذكرنا من الثقل وهو بعد حرفٌ مجهورٌ فلما صار ههنا لم يكن له سبيل إلى أن يفرد من التاء كما يفرد في الانفصال فيكون بعد الدال غيرها كما كرهوا أن يكون بعد الطاء غير الطاء من الحروف فكرهوا أن يذهب جهر الدال كما كرهوا ذلك في الذال. وقد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته هذه الحروف الأربعة الصاد والضاد والطاء والظاء في فعلت بهن في افتعل لأنه يبنى الفعل على التاء وبغير الفعل فتسكن اللام كما أسكن الفاء في افتعل ولم تترك الفعل على حاله في الإظهار فضارعت عندهم افتعل. وذلك قولهم: فحصط برجلي وحصط عنه وخبطه وحفطه يريدون: حصت عنه وخبطته وحفظته. وسمعناهم ينشدون هذا البيت لعلقمة بن عبدة: وفي كل حي قد خبط بنعمةٍ فحق لشأسٍ من نداك ذنوب وأعرب اللغتين وأجودهما أن لا تقلبها طاء لأن هذه التاء علامة الإضمار وإنما تجيء لمعنىً. وليست تلزم هذه التاء الفعل. ألا ترى أنك إذا أضمرت غائباً قلت فعل فلم تكن فيه تاءٌ وليست في الإظهار. فإنما تصرف فعل على هذه المعاني وليست تثبت على حالٍ واحد. وهي في افتعل لم تدخل على أنها تخرج منه لمعنىً ثم تعود لآخر ولكنه بناءٌ دخلته زيادةٌ لا تفارقه. وتاء الإضمار بمنزلة المنفصل. وقال بعضهم: عده يريد: عدته شبهها بها في ادان كما شبه الصاد وأخواتها بهن في افتعل. وقالوا: نقده يريدون: نقدته. واعلم أن ترك البيان هنا أقوى منه في المنفصلين لأنه مضارع يعني ما يبنى مع الكلمة في نحو افتعل. فأن تقول: احفظ تلك وخذ تلك وابعث تلك فتبين - أحسن من حفظت وأخذت وبعثت وإن كان هذا حسناً عربياً. وحدثنا من لا نتهم أنه سمعهم يقولون: أخذت فيبينون. فإذا كانت التاء متحركة وهذه الحروف ساكنةً بعدها لم يكن إدغام لأن أصل الإدغام أن يكون الأول ساكناً لما ذكرت لك من المنفصلين نحو: بين لهم وذهب به. فإن قلت: ألا قالوا بينهم فجعلوا الآخر نوناً فإنهم لو فعلوا ذلك صار الآخر هو الساكن فلما كان الأول هو الساكن على كل حال كان الآخر أقوى عليه. وذلك قولك: استطعم واستضعف واستدرك واستثبت. ولا ينبغي أن يكون إلا كذا إذ كان المثلان لا إدغام فيهما في فعلت وفعلن نحو رددت ورددن لأن اللام لا يصل إليها التحريك هنا فهذا يتحرك في فعل ويفعل ونحوه وهو تضعيف لا يفارق هذا اللفظ والتاء هنا بين ساكنين في بناء لا يتحرك واحد منهما فيه في فعل ولا اسم ولا يفارق هذا اللفظ. ودعاهم سكون الآخر في المثلين أن بين أهل الحجاز في الجزم فقالوا اردد ولا تردد. وهي اللغة العربية القديمة الجيدة. ولكن بني تميم أدغموا ولم يشبهوها برددت لأنه يدركها التثنية والنون الخفيفة والثقيلة والألف واللام وألف الوصل فتحرك لهن. فإذا كان هذا في المثلين لم يجز في المتقاربين إلا البيان نحو: تد ولا تتد إذا نهيت. فلهذا الذي ذكرت لك لم يجز في استفعل الإدغام. ولا يدغمونها في استدار واستطار واستضاء كراهيةً لتحريك هذه السين التي لا تقع إلا ساكنة أبداًن ولا نعلم لها موضعاً تحرك فيه. ومع ذلك أن بعدها حرفاً أصله السكون فحرك لعلةٍ أدركته فكانوا خلقاء أن لو لم يكن إلا هذا ألا يحملوا على الحرف في أصله أكثر من هذا فقد اجتمع فيه الأمران. فأما اختصموا واقتتلوا فليستا كذلك لأنهما حرفان وقعا متحركين والتحرك أصلهما كما أن التحرك الأصل في ممد. والساكن الذي قبله قد يتحرك في هذا اللفظ كما تحرك فاء فعلت نحو مددت لأنك قد تقول: مد وقل ونحو ذلك. وقالوا: وتد يتد ووطد يطد فلا يدغمون كراهية أن يلتبس باب مددت لأن هذه التاء والطاء قد يكون في موضعهما الحرف الذي هو مثل ما بعده وذلك نحو وددت وبللت. ومع هذا أنك لو قلت ود لكان ينبغي أن تقول يد في يتد فيخفف به فيجتمع الحذف والإدغام مع الالتباس. ولم يكونوا ليظهروا الواو فتكون فيها كسرة وقبلها ياءٌ وقد حذفوها والكسرة بعدها ومن ثم عز في الكلام أن يجيء مثل رددت وموضع الفاء واو. وأما اصبروا واظلموا ويخصمون ومضجعٌ وأشباه هذا فقد علموا أن هذا البناء لا تضاعف فيه الصاد والضاد والطاء والدال. فهذه الأشياء ليس فيها التباسٌ. وقالوا: محتدٌ فلم يدغموا لأنه قد يكون في موضع التاء دالٌ. وأما المصدر فإنهم يقولون التدة والطدة وكرهوا وطدوا ووتداً لما فيه من الاستثقال. فإن قيل بين كراهية الالتباس. وإن شئت أبقيت في الطاء الإطباق وأدغمت لأنه إذا بقي الإطباق لم يكن التباسٌ من الأول ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد وإذا تقارب المخرجان قولهم: يطوعون في يتطوعون ويذكرون في يتذكرون ويسمعون في يتسمعون. الإدغام في هذا أقوى إذ كان يكون في الانفصال. والبيان فيهما عربي حسن لأنهما متحركان كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون. وتصديق الإدغام قوله تعالى: " يطيروا بموسى " و " يذكرون ". فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن. وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع ومن تذكر اذكر دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال. ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف والقاف في قتلوا. فالألف هنا يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف. وتصديق ذلك قوله عز وجل: " فادارأتم فيها " يريد: فتدارأتم " وازينت " إنما هي تزينت. وتقول في المصدر: ازينا ودارأ. ومن ذلك قوله عز وجل: " اطيرنا بك ". وينبغي على هذا أن تقول في تترس: اترس. فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله. فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون فأنت بالخيار إن شئت أثبتهما وإن شئت حذفت إحداهما: وتصديق ذلك قوله عز وجل: " تتنزل عليهم الملائكة " و " تتجافى جنوبهم عن المضاجع ". وإن شئت حذفت التاء الثانية. وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: " تنزل الملائكة والروح فيها " وقوله: " ولقد كنتم تمنون الموت ". وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: " فادارأتم " و " ازينت " وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون. فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك. وهذه التاء لا تعتل في تدأل إذا حذفت الهمزة فقلت تدل ولا في تدع لأنه يفسد الحرف ويلتبس لو حذفت واحدةٌ منهما. ولا يسكنون هذه التاء في تتكلمون ونحوها ويلحقون ألف الوصل لأن الألف إنما لحقت فاختص بها ما كان في معنى فعل وافعل في الأمر. فأما الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين فإنها لا تلحقها كما لا تلحق أسماء الفاعلين فأرادوا أن يخلصوه من فعل وافعل. وإن شئت قلت في تتذكرون ونحوها: تذكرون كما قلت: تكلمون وهي قراءة أهل الكوفة فيما بلغنا. ولا يجوز حذف واحدةٍ منهما يعني من التاء والذال في تذكرون لأنه حذف منها حرفٌ قبل ذلك وهو التاء وكرهوا أن يحذفوا آخر لأنه كره الالتباس وحذف حرفٍ جاء لمعنى المخاطبة والتأنيث. ولم تكن لتحذف الذال وهي من نفس الحرف فتفسد الحرف وتخل به ولم يروا ذلك محتملاً إذا كان البيان عربياً. وكذلك أنزلت التاء التي جاءت للإخبار عن مؤنث والمخاطبة. وأما الدكر فإنهم كانوا يقلبونها في مدكرٍ وشبهه فقلبوها هنا وقلبها شاذٌّ شبيهٌ بالغلط. باب الحرف الذي يضارع به حرفٌ


من موضعه والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه فأما الذي يضارع به الحرف الذي من مخرجه فالصاد الساكنة إذا كانت بعدها الذال. وذلك نحو: مصدرٍ وأصدر والتصدير لأنهما قد صارتا في كلمة واحدة كما صارت مع التاء في كلمة واحدة في افتعل فلم تدغم الصاد في التاء لحالها التي ذكرت لك. ولم تدغم الذال فيها ولم تبدل لأنها ليست بمنزلة اصطبر وهي من نفس الحرف. فلما كانتا من نفس الحرف أجريتا مجرى المضاعف الذي هو من نفس الحرف من باب مددت فجعلوا الأول تابعاً للآخر فضارعوا به أشبه الحروف بالذال من موضعه وهي الزاي لأنها مجهورة غير مطبقة. ولم يبدلوها زاياً خالصةً كراهية الإجحاف بها للإطباق كما كرهوا ذلك فيما ذكرت لك من قبل هذا. وسمعنا العرب الفصحاء يجعلونها زاياً خالصة كما جعلوا الإطباق ذاهباً في الإدغام. وذلك قولك في التصدير: التزدير وفي الفصد: الفزد وفي أصدرت: أزدرت. وإنما دعاهم إلى أن يقربوها ويبدلوها أن يكون عملهم من وجهٍ واحد وليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد إذ لم يصلوا إلى الإدغام ولم يجسروا على إبدال الذال صاداً لأنها ليست بزيادة كالتاء في افتعل. والبيان عربيٌّ. فإن تحركت الصاد لم تبدل لأنه قد وقع بينهما شيء فامتنع من الإبدال إذ كان يترك الإبدال وهي ساكنة ولكنهم قد يضارعون بها نحو صاد صدقت. والبيان فيها أحسن. وربما ضارعوا بها وهي بعيدة نحو مصادر والصراط لأن الطاء كالدال والمضارعة هنا وإن بعدت الدال بمنزلة قولهم: صويقٌ ومصاليق فأبدلوا السين صاداً كما أبدلوها حين لم يكن بينهما شيء في: صقت ونحوه. ولم تكن المضارعة هنا الوجه لأنك تخل بالصاد لأنها مطبقة وأنت في صقت تضع في موضع السين حرفاً أفشى في الفم منها للإطبقاق فلما كان البيان ههنا أحسن لم يجز البدل. فإن كانت سينٌ في موضع الصاد وكانت ساكنةً لم يجز إلا الإبدال إذا أردت التقريب وذلك قولك في التسدير: التزدير وفي يسدل ثوبه: يزدل ثوبه لأنها من موضع الزاي وليست بمطبقة فيبقى لها الإطباق. والبيان فيها أحسن لأن المضارعة في الصاد أكثر وأعرف منها في السين والبيان فيهما أكثر أيضاً. وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين لأنها استطالت حتى خالطت أعلى الثنيتين وهي في الهمس والرخاوة كالصاد والسين وإذا أجريت فيها الصوت وجدت ذلك بين طرف لسانك وانفراج أعلى الثنيتين وذلك قولك: أشدق فتضارع بها الزاي. والبيان أكثر وأعرف وهذا عربيٌّ كثير. والجيم أيضاً قد قربت منها فجعلت بمنزلة الشين. من ذلك قولهم في الأجدر: أشدر. وإنما حملهم على ذلك أنها من موضع حرفٍ قد قرب من الزاي كما قلبوا النون ميماً مع الياء إذ كانت الياء في موضع حرف تقلب النون معه ميماً وذلك الحرف الميم. يعني إذا أدغمت النون في الميم وقد قربوها منها في افتعلوا حين قالوا اجدمعوا أي اجتمعوا واجدرءوا يريد اجترءوا لما قربها منها في الدال وكان حرفاً مجهوراً قربها منها في افتعل لتبدل الدال مكان التاء وليكون العمل من وجه واحد. ولا يجوز أن يجعلها زاياً خالصة ولا الشين لأنهما ليسا من مخرجها. باب ما تقلب فيه السين صاداً في بعض اللغات


تقلبها القاف إذا كانت بعدها في كلمة واحدة وذلك نحو: صقت وصبقت. وذلك أنها من أقصى اللسان فلم تنحدر انحدار الكاف إلى الفم وتصعدت إلى ما فوقها من الحنك الأعلى. والدليل على ذلك أنك لو جافيت بين حنكيك فبالغت ثم قلت: قق قق لم تر ذلك مخلاً بالقاف. ولو فعلته بالكاف وما بعدها من حروف اللسان أخل ذلك بهن. فهذا يدلك على أن معتمدها على الحنك الأعلى. فلما كانت كذلك أبدلوا من موضع السين أشبه الحروف بالقاف ليكون العمل من وجهٍ واحد وهي الصاد لأن الصاد تصعد إلى الحنك الأعلى للإطباق فشبهوا هذا بإبدالهم الطاء في مصطبرٍ الدال في مزدجرٍ ولم يبالوا ما بين السين والقاف من الحواجز وذلك لأنها قلبتها على بعد المخرجين. فكما لم يبالوا بعد المخرجين لم يبالوا ما بينهما من الحروف إذا كانت تقوى عليها والمخرجان متفاوتان. ومثل ذلك قولهم: هذه حلبلابٌ. فلم يبالوا ما بينهما وجعلوه بمنزلة عالم. وإنما فعلوا هذا لأن الألف قد تمال في غير الكسر نحو: صار وطار وغزا وأشباه ذلك. فكذلك القاف لما قويت على البعد لم يبالوا الحاجز. والخاء والغين بمنزلة القاف وهما من حروف الحلق بمنزلة القاف من حروف الفم وقربهما من الفم كقرب القاف من الحلق وذلك نحو: صالغ في سالغ وصلخ في سلخ. فإذا قلت زقاً أو زلق لم تغيرها لأنها حرف مجهور ولا تتصعد كما تصعدت الصاد من السين وهي مهموسة مثلها فلم يبلغوا هذا إذ كان الأعرب الأكثر الأجود في كلامهم ترك السين على حالها. وإنما يقولها من العرب بنو العنبر. وقالوا صاطعٌ في ساطعٍ لأنها في التصعد مثل القاف وهي أولى بذا من القاف لقرب المخرجين والإطباق. ولا يكون هذا في التاء إذا قلت نتق ولا في الثاء إذا قلت ثقب فتخرجها إلى الظاء لأنها ليست كالظاء في الجهر والفشو في الفم. والسين كالصاد في الهمس والصفير والرخاوة فإنما فإن قيل: هل يجوز في ذقطها أن تجعل الذال ظاء لأنهما مجهورتان ومثلان في الرخاوة فإنه لا يكون لأنها لا تقرب من القاف وأخواتها قرب الصاد ولأن القلب أيضاً في السين ليس بالأكثر لأن السين قد ضارعوا بها حرفاً من مخرجها وهو غير مقاربٍ لمخرجها ولا حيزها وإنما بينها وبين القاف مخرجٌ واحد فلذلك قربوا من هذا المخرج ما يتصعد إلى القاف. وأما التاء والثاء فليس يكون في موضعهما هذا ولا يكون فيهما مع هذا ما يكون في السين من البدل قبل الدال في التسدير إذا قلت: التزدير. ألا ترى أنك لو قلت التثدير لم تجعل الثاء ذالاً لأن الظاء لا تقع هنا. باب ما كان شاذاً مما خففوا على ألسنتهم وليس بمطرد


فمن ذلك ستٌّ وإنما أصلها سدسٌ. وإنما دعاهم إلى ذلك حيث كانت مما كثر استعماله في كلامهم أن السين مضاعفة وليس بينهما حاجزٌقويٌّ والحاجز أيضاً مخرجه أقرب المخارج إلى مخرج السين فكرهوا إدغام الدال فيزداد الحرف سيناً فتلتقي السينات. ولم تكن السين لتدغم في الدال لما ذكرت لك فأبدلوا مكان السين أشبه الحروف بها من موضع الدال لئلا يصيروا إلى أثفل مما فروا منه إذا أدغموا. وذلك الحرف التاء كأنه قال سدتٌ ثم أدغم الدال في التاء. ولم يبدلوا الصاد لأنه ليس بينهما إلا الإطباق. ومثل مجيئهم بالتاء قولهم: ييجل كسروا ليقلبوا الواو ياءً. وقولهم أدلٍ لأنهم لو لم يكسروا لم تصر ياءً. كما أنهم لو لم يجيئوا بالتاء لم يكن إدغامٌ. ومن ذلك قولهم: ودٌّ وإنما أصله وتدٌ وهي الحجازية الجيدة. ولكن بني تميم أسكنوا التاء كما قالوا في فخذ: فخذٌ فأدغموا. ولم يكن هذا مطرداً لما ذكرت لك من الالتباس حتى تجشموا وطداً ووتداً وكان الأجود عندهم تدةً وطدةً إذ كانوا يتجشمون البيان. ومما بينوا فيه قولهم: عتدانٌ وقال بعضهم. عتدانٌ فراراً من هذا. وقد قالوا: عدانٌ شبهوه بودٍ. وقلما تقع في كلامهم ساكنة يعني التاء في كلمةٍ قبل الدال لما فيه من الثقل فإنما يفرون بها إلى موضع تتحرك فيه. فهذا شاذ مشبه بما ليس مثله نحو يهتدي ويقتدي. ومن الشاذ قولهم: أحست ومست وظلت لما كثر في كلامهم كرهو التضعيف وكرهوا تحريك هذا الحرف الذي لا تصل إليه الحركة في فعلت وفعلن الذي هو غير مضاعف فحذفوا كما حذفوا التاء من قولهم: يستطيع فقالوا: يسطيع حيث كثرت كراهية تحريك السين وكان هذا أحرى إذ كان زائداًن استثقلوا في يسطيع التاء مع الطاء وكرهوا أن يدغموا التاء في الطاء فتحرك السين وهي لا تحرك أبداً فحذفوا التاء. ومن قال يسطيع فإنما زاد السين على أطاع يطيع وجعلها عوضاً من سكون موضع العين. ومن الشاذ قولهم: تقيت وهو يتقي ويتسع لما كانتا مما كثر في كلامهم وكانتا تاءين حذفوا كما حذفوا العين من المضاعف نحو أحست ومست. وكانوا على هذا أجرأ لأنه موضع حذفٍ وبدلٍ. والمحذوفة: التي هي مكان الفاء. ألا ترى أن التي تبقى متحركةٌ. وقال بعضهم: استخذ فلانٌ أرضاً يريد اتخذ أرضاً كأنهم بدلوا السين مكان التاء في اتخذ كما أبدلوا حيث كثرت في كلامهم وكانتا تاءين فأبدلوا السين مكانها كما أبدلت التاء مكانها في ستٍ. وإنما فعل هذا كراهية التضعيف. ومثل ذلك قول بعض العرب: الطجع في اضطجع أبدل اللام مكان الضاد كراهية التقاء المطبقين فأبدل مكانها أقرب الحروف منها في المخرج والانحراف. وقد بين ذلك. وكذلك السين لم تجد حرفاً أقرب إلى التاء في المخرج والهمس حيث أرادوا التخفيف منها. وإنما فعلوا هذا لأن التضعيف مستثقل في كلامهم. وفيها قولٌ آخر أن يكون استفعل فحذف التاء للتضعيف من استتخذ كما حذفوا لام ظلت. وقال بعضهم في يستطيع: يستيع. فإن شئت قلت: حذف الطاء كما حذف لام ظلت وتركوا الزيادة كما تركوها في تقيت. وإن شئت قلت: أبدلوا التاء مكان الطاء ليكون ما بعد السين مهموساً مثلها كما قالوا: ازدان ليكن ما بعده مجهوراً فأبدلوا من موضعها أشبه الحروف بالسين فأبدلوها مكانها كما تبدل هي مكانها في الإطباق. ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث: بلعنبر وبلحارث بحذف النون. وكذلك يفعلون بكل قبيلةٍ تظهر فيها لام المعرفة. فأما إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك لأنها لما كانت مما كثر في كلامهم وكانت اللام والنون قريبتي المخارج حذفوها وشبهوها بمست لأنهما حرفان متقاربان ولم يصلوا إلى الإدغام كما لم يصلوا في مسست لسكون اللام. وهذا أبعد لأنه اجتمع فيه أنه منفصل وأنه ساكن لا يتصرف تصرف الفعل حين تدركه الحركة. ومثل هذا قول بعضهم: علماء بنو فلانٍ فحذف اللام يريد: على الماء بنو فلانٍ. وهي عربية.

====

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس بريد مكة

 الرابط